الكاتب: هادي قبيسي
ابتداءً، وعند الحديث عن شخصية الإمام الخامنئي (دام ظله)، في بُعد من أبعادها، لا بد من الإلتفات إلى الأبعاد الأخرى، لكي يكون هذا المجال الذي نود الحديث عنه، أي البعد الشعري، متموضعاً بشكل واضح بين سائر المجالات والمسؤوليات.
في المستوى الأول، نحن هنا نقارب شخصية سياسية تتحمل مسؤولية مزدوجة، المستوى الأول هو المسؤولية الخاصة بالجمهورية الإسلامية في إيران، والمستوى الثاني هو المسؤولية الخاصة بالثورة الإسلامية، التي تتعدى الدائرة الجغرافية والقومية الإيرانية، وتطال هموم المستضعفين في العالم الإسلامي وحتى ما هو أوسع منه.
في كلا المستويين تتعرض هذه المسؤولية لعبء مضاعف نتيجة معارضة القوى الكبرى في العالم، وحلفائها في العالم الإسلامي كذلك، لمشروع الجمهورية الإسلامية منذ نشأته، بل حتى قبل ذلك، وهذا ما يجعل تولي قيادتها مسؤولية غير عادية مقارنة بالمسؤوليات لدى أي شخصية أخرى.
هذه المقدمة هي للتمهيد للسؤال عن البعد الشعري لدى هذه الشخصية، وكيف يحصل هذا التوازن بين الإستغراق في المسائل الإدارية والتعقيدات السياسية وإدارة التحديات الكبرى، التي تواجه الجمهورية الإسلامية، وبين الحفاظ على الذائقة الفنية والإهتمام الشعري والعناية بأهل الفن والإستمرار في التواصل المباشر معهم.
إهتم أهل البيت عليهم السلام بالشعراء ودورهم وشجعوهم بطرق كثيرة للقيام بمهمتهم التبليغية الشعبية، وكذلك دوّن الإمام الخميني (قدس سره) أشعاره العرفانية في السنوات الأخيرة من عمره المبارك، وينقل أهل بيته أن تلك القصائد كان يعثر عليه مدونة على أطراف الجرائد وبعض الأوراق التي كان يقرأها، ومن ثم تم نقلها إلى ديوان خاص بها، ذلك الشعر الرقيق العذب كان ينساب إلى جانب الإنشغال بالمتابعة السياسية اليومية، ونرى هذه الشعرية تتدفق في لقاءات الإمام الخامنئي مع أهل الفن، وعنايته بهذا الحقل عموماً، كما نشاهد في الحلقات التي نشرها مؤخراً مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي مترجمة إلى العربية بعنوان «لقاء غير رسمي»، ويقول أن غايته من هذه اللقاءات هي الأنس، ويَظْهر هذا الأنس في لغته وحركاته وسكناته، وسلوكه الأخوي والشخصي الدافئ، حيث نشعر بأنه خرج من الرداء السياسي، وهو الآن في مكان عزيز على قلبه، وله مكان خاص في فكره واهتمامه، مضافاً إلى الإلمام والإحاطة الواسعة بالمجالات الفنية المختلفة.
لا شك بأن هذا التنوع والتوازن في الاهتمام الشخصي والعملي له آثار سياسية وإدارية هامة، ويخدم النظام الإسلامي والثورة كذلك، فهو شكل محطة للعلاقات العامة لقائد الثورة، وكذلك ينقل جزءاً من المتابعة البيروقراطية إلى ساحة الإشراف المباشر ويخفف القيود في مواكبة فئة الفنانين الذين يتحركون في فضاء خاص يحتاج إلى التحرر من بعض القيود والمسارات الإلزامية للمؤسسات. وقبل كل ذلك هو تركيز له منطقه على المسؤولية الثقافية وحماية الساحة الفنية، التي تتعرض للهجوم الناعم المنظم والمتواصل والشامل، والتي تؤثر بشكل مصيري في حاضر ومستقبل الدولة الإسلامية وكذلك في وصول رسالتها إلى العالم الإسلامي من خلال المنتجات الفنية.
هذا من الناحية العملية، ولكن لهذه الفوائد أساس في تلك الشخصية الجامعة التي تضع الأمور في مواضعها، وتتحمل المسؤوليات الثقيلة بالطريقة المناسبة لكل مسؤولية، وكذلك الشخصية القادرة على جمع المتناقضات ومنع الهم السياسي المباشر، على ثقله وخطورته، من أن يملي تنظيم الوقت وتوزيع العناية على القضايا والهموم المختلفة، وأن يحيل الشعرية والذوق الفني إلى لائحة الملفات المؤجلة بما له من سنخية عملية واقعية وإجرائية.
بالمنظار الأكثر عمقاً، إن هذه المسؤوليات واحدة في غاياتها وطبيعتها، وإن اختلفت سنخيتها العملية والإجرائية والذوقية، فإن رفع الظلم، وهو عمل سياسي، أمر جمالي بقدر الشعر، وحماية المستضعفين هي وظيفة نابعة من الفطرة الإنسانية أملتها الشريعة المحمدية السمحاء والشرائع السماوية الحقة، والعناية بالعدالة الاجتماعية كذلك عمل جمالي وفطري باتفاق البشر جميعاً، وعندم ترتبط تلك المسؤوليات بغاياتها المتعالية ومنطلقاتها الفطرية ولوازمها الشرعية، فإنها تصبح ورداً واحداً في باطنها، ورد يتجلى في شخص الإمام الجامع للشرائط، وهذه الشعرية من تلك الكمالات، التي ربما تكون من الشرائط، التي توفرت في هذا النموذج الفريد، الذي لم نتحدث عنه هنا في هذه العجالة، بما يوضح ويقرب تلك التجربة الفذة في القيادة، إن هي إلا إشارة أو حتى لمحة.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir