بسم الله الرحمن الرحيم،

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

أبارك حلول شهر رمضان المبارك لشعبنا العزيز كافة والأمة الإسلامية العظيمة، وأتمنى أن يكون هذا الشهر المبارك مباركاً بالمعنى الحقيقي للكلمة على شعبنا والأمة الإسلامية العظيمة، إن شاء الله. أشكر الإخوة الأعزاء الذين نظموا هذا الاجتماع الرائع والمتنوّع والمبتكر، وأشكر المقدِّم الموقر، السيد يراق بافان، الذي قدَّم [الاجتماع] بطريقة جيّدة للغاية. أشكر الإخوة الأعزاء جميعاً الذين تَلَوا وأفاضوا علينا حقاً. إنني مسرور بتذكّر ذكريات الماضي، ونرجو من الله المتعالي الذي جعل عمرنا مع القرآن طوال هذه السنوات أن يجعله في خدمة القرآن ومعه حتى آخر نفس، وأن يحيينا مع القرآن ويتوفّانا معه وأن يحشرنا معه، إن شاء الله.

 

توضيح بشأن التّرتيب الاقتصاديّ لإيران في العالم

سأتحدث اليوم بإيجاز عن الهداية القرآنية، عن موضوع الهداية القرآنية. طبعاً الهداية القرآنية ليست موضوعاً ينتهي بمحادثة كهذه في جلسة واحدة. سأقدّم موجزاً ​​اليوم. وإن كان لديّ الوقت، أودّ أن أقول كلمة أو اثنتين حول قضايا أخرى للمستمعين والمشاهدين الكرام وشعب إيران العزيز. لكن قبل أن أبدأ، كنت سأتحدث في موضوع معيّن إلى شعبنا الأعزاء منذ نحو أسبوعين أو ثلاثة، لكن لم تسنح لي الفرصة. أعني: لم يكن هناك مجال لكي أتحدث، والآن سوف أتحدث عنه. وهو أنه في خطابي2 في الأول من فروردين (21/3/2021)، قدّمت إلى شعبنا إحصائية حول الترتيب الاقتصادي للبلد وقلت شيئاً، وبعد ذلك نبّهني بعض الأشخاص أنّ هذه الإحصائية غير صحيحة، فطلبت من مكتبنا النظر في الأمر. لقد تحققوا وتبيّن أن كلام أولئك صحيح، وأنهم على حق، وأن إحصائيتنا لم تكن صحيحة، وأن ما قلته - الثامن عشر من حيث الاقتصاد الأكبر في العالم - كان قبل أربع أو خمس سنوات، أو خمس أو ستّ سنوات. لذلك، أشكر بصدق كل من نبّهني، وأدّى إلى تصحيح هذا الاشتباه.

 

الشّأن العالي للهداية القرآنيّة بين مواضيع القرآن

أما الهداية القرآنية، فانظروا: يذكر الله – تعالى - امتياز نزول القرآن من بين امتيازات شهر رمضان المبارك: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة، 185)؛ من الواضح أن هذه ربما تكون أعلى قضية من بين امتيازات شهر رمضان. وبشأن القرآن، إذْ يوجد آلاف الامتيازات في القرآن، وأكثر من هذه بكثير إلى حدّ أن عقلنا وفهمنا غير قادرَين على إدراكها. بين كل ذلك، يطرح الهداية القرآنية: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}. واضح أن الهداية القرآنية لديها شأن عالٍ بين المواضيع المتعلقة بالقرآن.

القرآن الكريم نفسه يبدأ بمسألة الهداية. هذا موجود أيضاً في سورة «الحمد» (الفاتحة): {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}، التي، بتعبير المرحوم العلامة الطباطبائي (رض)، تعلّمنا آداب التكلم مع الله من البداية إلى النهاية، أي أن الله - تعالى - نفسه يُعلّمنا كيف نتحدّث معه: من بداية {بِسْمِ اللَّهِ... (1)} إلى آخر طلب الهداية: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، أي الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله - تعالى - عليهم، هؤلاء المُنعم عليهم الذين لم يضلوا وليسوا من المغضوب عليهم. كذلك في أول السورة، من سورة «البقرة»: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)}. لذلك، إن بداية القرآن تبدأ أيضاً بذكر الهداية القرآنية، وبعد ذلك في مواضع عدة في القرآن هناك عشرات الحالات التي تتحدث عن هداية القرآن وإرشاده وأخْذه بيَدنا.

 

البشريّة جمعاء مخاطبٌ لـ«القرآن»

هذا ليس مختصاً بمجموعة معيّنة. مخاطبُ القرآن هو البشرية جمعاء، والقرآن يعلن أنه يسعى إلى هداية البشرية جمعاء إلى الصراط المستقيم، إلى الطريق الصحيح لحياة الإنسان، ما يؤدي إلى المقصد الصحيح: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (يوسف، 104).

 

كلّ مساحة لحياة الإنسان هي نطاق لهداية «القرآن»

حسناً، هناك نقطة أساسية هنا هي أن هداية القرآن لا تقتصر على منطقة محدودة من حياة الإنسان؛ الهداية القرآنية مرتبطة بكل المساحة العظيمة لحياة البشر. أي ليس الأمر أن القرآن يهدي الإنسان في جزء ويهمله في جزء آخر، من موارد حاجة الإنسان وحياته، أو يعبر عنها بلا مبالاة. كلّا! القرآن يشرف على الأركان لمجال الحياة ولميدان حضور الإنسان وزواياهما كافة. بدءاً من العروج الروحي للإنسان والكمال الروحي له، إذْ إن أعلى رغبة بشرية هي العروج الروحي والقرب من الله والمعرفة الإلهية والمحبة الإلهية ومجاورة الله، وهي أعلى حاجة: «هب لي كمال الانقطاع إليك، وأَنِر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك»3، إلى قضية المجتمعات الإنسانية وإدارة المجتمعات البشرية والإنسانية وإقامة العدالة والسلوكات الإدارية لإدارة المجتمعات الإنسانية، وصدّ مختلف الأعداء - الأعداء الباطنيين والظاهريين، أعداء الإنس وأعداء الجن - بالنضال والجهاد، أو حلّ العداوات - {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت، 34) - كل هذه المجالات هي مورد الهداية القرآنية. إلى الأخلاق، إلى الأسرة، [مثل:] {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} (الفرقان، 74) أو: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (النور 32)، أو تربية الأبناء وأمثال ذلك، إلى مسألة الطمأنينة والسكينة الروحية؛ السكينة والطمأنينة النفسية للإنسان هي من أهم حاجات الإنسان: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (الفتح، 26)، وإخماد الاضطرابات الداخلية التي تواجه الإنسان في أحداث الحياة، إلى التوصية بعلم ومعرفة الطبيعة؛ {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود، 61)، أي يجب أن يتحرّك الإنسان نحو العلم، نحو المعرفة، نحو اكتشاف حقائق الطبيعة وحقائق عالم الوجود، إلى السلوك الفردي للإنسان؛ {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} (لقمان، 18)، أو {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} (لقمان، 19)... وما إلى ذلك، فمجالات الحياة جميعاً لها درس وهداية في القرآن. إنّ القرآن يشرف على جوانب الحياة للإنسان كافة، ولديه إرشاد وهداية لها جميعاً، وفيه دروس لكل جزء من حياة الإنسان، وهذه العناوين المهمة التي ذكرت للتو بعضها، وهناك مواضيع أخرى مهمة أيضاً، كلها مذكورة في القرآن، وكم غافل من يظن أن القرآن ينأى عن الحياة والسياسة والاقتصاد والحكومة! لا؛ الجزء الأساسي من القرآن يدور حول هذه القضايا الاجتماعية للحياة.

 

لزوم التدبّر لفهم معارف «القرآن»

التعبير في القرآن ليس مثل التعبير في الكتب البشرية التي تقسّم الفصول والمواضيع. لا! الله - تعالى - في القرآن يَسْكُب أحياناً بكلمة واحدة، بتلميح، بحراً من المعرفة نحو الإنسان، فإذا تدبّرنا، إذا فكّرنا، إذا قِسْنا الأبعاد، إذا استخدمنا الحكمة البشرية لفهمها، أحياناً يحصل الإنسان على معرفة مذهلة من كلمة واحدة.

أو افترضوا أنه أثناء سرد حكاية يرويها القرآن، قصيرة أو طويلة، عن الأنبياء أو غيرهم - يوجد عدد من قصص الأسبقين في القرآن - يعلّمنا بها شيئاً ما ونستفيد منه، افترضوا على سبيل المثال، عبر حوار بين شخصين، أو أن حدثاً معيّناً قد وقع، وهناك كلام على هذا الحدث في القرآن، لكن هذا الكلام، رغم ارتباطه بحدث ما، لا يقتصر عليه، وهو كلام عمومي، والآن [لو] أُعطِي مثلاً، فثمة هذه الآية الشريفة من سورة «آل عمران»: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)}. حسناً، هذا يتعلق بقصةٍ ما بعد معركة أُحُد. بعدما عاد المسلمون من غزوة أُحُد غير موفّقين، جرحى، متعبين، منهكين، مقدّمين الشهداء، وعادوا منكوبين، ذاع من المنافقين بين الناس أنكم جالسون هنا، لكن الأعداء هناك جاهزون، تجمعوا في مكان ما بالقرب من المدينة (المنورة) وسوف يهجمون قريباً ويُذيقونكم الويل. قال النبي (ص): فليأتِ اليوم من جُرحوا في واقعة أُحُد فقط. ذهبوا ليلاً وهزموا تلك المجموعة وعادوا. {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}؛ كان المنافقون ينشرون إشاعات تقول: نعم، لقد قُضيَ عليكم، وإنهم يفعلون ضدكم كذا وكذا، ثم ذهب هؤلاء وأنهوا الأمر وعادوا؛ {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} (آل عمران، 174). حسناً، فهذه قضية، وهي تنتمي إلى حدث معيّن لكنها ليست خاصة بذلك الزمان؛ إنها اليوم موجودة أيضاً، وكانت في جميع الأزمنة أيضاً.

 

الهداية القرآنيّة الدّائمة، والعمل والحضور في الميدان

كلما استنطقنا4 من القرآن حول حادثة من قبيل تلك الحادثة، ينبغي أن نطلب الهداية من القرآن. والقرآن الكريم سيضع هذا الموضوع بين أيدينا. هو نفسه اليوم، حتى اليوم قد يأتي بعض الناس وينشرون بيننا شائعات مفادها مثلاً الحكومة الفلانية، المجموعة الفلانية، القوى العظمى الفلانية، الجماعة الفلانية... يتآمرون ضدكم، وباختصار: يا وَيلَكم! وما شابه.

هنا أيضاً ذلك [الرد] نفسه: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. طبعاً، {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} لا يكون بالجلوس في زاوية البيت. ينبغي القدوم وسط الميدان، كما ذهبوا هم وسط الميدان. والدرس: اذهبوا وسط الميدان، وما يجب أن تفعلوه وتقولوه هو {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.

يقول فُضيل بن يسار، وهو من الصحابة البارزين والمتميزين وثقة الإمامين الباقر(ع) والصادق (ع): سألت الإمام الباقر (ع) ما معنى هذه الرواية؟ كان لديهم رواية تقول: ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن. ولها تتمة طبعاً. كل آيات القرآن لها وجه وقفا، لها ظاهر وباطن. يقول: سألته ماذا يعني هذا الظاهر والباطن؟ قال الإمام إن «بطنه تأويله»، وظاهره هو الظاهر. الباطن هو التأويل. التأويل يعني ما يتوافق مع خلفية هذه الآية ومفادها. «منهم من مضى ومنهم ما لم يكن بعد يجري كما تجري الشمس والقمر»5. مثل القمر والشمس اللذين يعلوان رأس الإنسان باستمرار وغير خاصين بيوم دون آخر، هذه الآيات القرآنية الشريفة هي مثل الشمس فوق رؤوسنا، وهي دائمة. ليس الأمر كما أن تكون يوماً ما ولا تكون يوماً آخر. لذلك إن الهداية القرآنية هي هكذا.

 

حضور «القرآن» في السّاحات الاجتماعيّة والسّياسيّة للبشر

إن الذين يحصرون القرآن والإسلام في الأمور الشخصية والمسائل العبادية ونحوها، و[يدعون] الناس إلى العزلة وأن يتخلوا عن القرآن عندما يدخلون إلى المجتمع، لا يعرفون القرآن. إنصافاً هم لا يعرفون القرآن ولم يعرفوه. ينبغي أن يقال أنهم لم يقرؤوا القرآن. لهذا، يتكلمون ويحكمون بهذه الطريقة الخطأ. حقاً إنهم ليسوا على دراية بالقرآن. القرآن لا ينأى عن التحديات السياسية والاجتماعية بأي حال، ولا يتجنب مواجهة الطواغيت والمستكبرين والمسرفين والظالمين. لقد وقف دائماً ضد هؤلاء. وإذا كنتم من أهل القرآن، فإن ميدان حياتكم هو قسراً ميدان الحضور للقرآن. حسناً، القرآن هو المتكفلُ هدايةَ البشر والأخذ بِيَدهم في المجالات جميعاً، وليس هناك شك في ذلك.

 

التّقوى لازمة الاستفادة من هداية القرآن

لكن هناك نقطة أخرى هنا هي أن القرآن في معرض استفادتنا، ولكن هل نستفيد أم لا؟ هل يمكننا أن نستفيد أم لا؟ هذا موضوع مهم في حد ذاته. نعم، لقد أعطانا القرآن درساً وعرض علينا هداية، ولكن متى يمكننا الاستفادة من هذه الهداية القرآنية؟ {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، عندما يكون هناك تقوى. عندما تكون التقوى حاضرة، تكون هذه الهداية متاحة بين أيدينا بالمعنى الحقيقي للكلمة وبالمعنى التام لها.

طبعاً التعبيرات في القرآن مختلفة ولكن مرجعها جميعاً واحدٌ. هنا في أول القرآن: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، وفي موضع آخر: {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (البقرة، 97)، وفي مكان آخر: {هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف 52، 203، يوسف 111، النحل 64)، وآخر: {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل، 102)، وآخر: {هُدًى لِلنَّاسِ} (البقرة 185، آل عمران 4). هذه هي المراتب المختلفة للهداية: {هُدًى لِلنَّاسِ} أي الهداية في حوزتهم ويمكنهم الاستفادة منها، و{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} أو {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، إذ تحددان للبشر مراتب الاستفادة من هذه الهداية. حسناً، هذا عن التقوى التي تُبيّن مراتب الهداية.

 

الخشية

في آيات أخرى وُضعت الخشية معياراً، والآن سأوضح أن مرجع ذلك مرة أخرى هو التقوى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)}، في السورة المباركة «يس». الشخص الذي يمكنه الاستفادة من الإنذار القرآني ويترك ذلك أثراً في روحه ويأخذ بيده ويتقدم به هو من لديه خشية.

أو في السورة المباركة «طه»: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)} وهناك آيات أخرى في القرآن تتعلق بهذه الخشية. كما أن الخشية صفة من صفات أهل التقوى، أي حينما يكون لدينا تقوى تأتي الخشية إلينا أيضاً. الآن سأقرأ هذه الآية الشريفة أيضاً: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} (الأنبياء، 48)؛ ما أعطيناه لموسى (ع) وهارون (ع) كان هداية وذكراً للمتقين. من هم المتقون؟ القرآن يُبيّن معنى التقوى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} (الأنبياء، 49). لذلك، تكون التقوى والخشية معاً أو في الأساس هما ليسا منفصلين بل يخضعان للمفهوم نفسه.

 

الفرق بين الخوف والخشية

بالطبع، الخشية تختلف عن الخوف. الخشية هي تلك الحالة التي تنتاب الإنسان وتنتج من فهم العظمة للطرف المقابل؛ هذه تسمى الخشية. الخشية من رب العالم تنتج من فهم العظمة لحضرة الحق - جلّ وعلا - {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر، 28). أولئك الذين معرفتهم وعلمهم أكثر فإنّ خشية الله لهم.

طبعاً لا تخطئوا في الفهم لمعاني الخوف والخشية وهذه الأشياء بأن تعني أن ذات الله المقدسة مُخيفة. كلّا؛ {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}؛ الخشية موجودة ولكن الرحمة محفوظة. ذلك الرحمن الذي هو مظهر اللطف والعناية بالإنسان، فالخشية منه لعظمته.

في الخلاصة: شهر رمضان هو شهر القرآن، ويمكن للمرء أن يستفيد حقاً من الهداية القرآنية في هذا الشهر. فلنقرأ القرآن، فلنقرأ كثيراً، فلنقرأ بدقة، فلنقرأ بتدبّر، فلنقرأ بالتوجّه إلى الله المتعالي، ولنطلب من الله المتعالي أن يساعدنا في تلاوة القرآن، فإنّ القلب ينجلي بالقرآن، وهذا تعبير أمير المؤمنين (ع): «وإن الله – سبحانه - لم يعظ أحداً بمثل هذا القرآن». هذه الخطبة 176 من «نهج البلاغة»، الجميلة جداً، التي ألقاها أمير المؤمنين (ع) حول القرآن، وقد قرأت بعض فقراتها أحياناً في أحاديثي.

هنا يقول: «وإن الله – سبحانه - لم يعظ أحداً بمثل هذا القرآن». لم يعظ الله - تعالى - البشر ولم يعطِهم دروساً ولم يرشدهم في أيٍّ من الكتب السماوية كما في القرآن. «فإنه حبل الله المتين وسببه الأمين وفيه ربيع القلب». ربيع القلب؛ يجعل القلب ربيعاً، وينعشه ويحييه ويجعله أرضاً لإنماء المعارف والتوجهات الحقيقية؛ «وفيه ربيع القلب وينابيع العلم وما للقلب جلاءٌ غيره». كلمة «جلاء» من قول أمير المؤمنين (ع).

 

الالتفات إلى التلاوة بخشوع، وملاحظة القرّاء للمعنى بصفتهم مبلّغي «القرآن»

حسناً، أنتم قرّاء القرآن الأعزاء، المخاطبين الأُوَل لحديثي، عدّوا أنفسكم مبلّغي القرآن، مبلّغاً للقرآن، وليس قارئاً فقط. بين القرّاء القدامى أنفسهم الذين ذُكرت أسماؤهم هنا ووُضعت بعض شرائطهم، كان بعضهم هكذا حين يقرؤون القرآن كأنه يُنزّل على الإنسان. أي يفهمون ما يقولونه وما يقرؤونه، ويقرؤون القرآن بالالتفات إلى المعنى وبحضور القلب - بالطبع، بعضهم ليسوا هكذا - فيكون أثره في قلب المستمع أعظم بكثير. على القارئ أن يعدّ نفسه مبلّغاً للقرآن.

عليكم أن تعلموا أنكم مبلّغو القرآن، وأن القرّاء يؤدّون دوراً حقّاً، فجلسات التلاوة هذه تلعب دوراً مهماً للغاية، وتربية القرّاء الجارية عمل عظيم ومهم، والحمد لله، صار هذا رائجاً في بلدنا: التلاوة بتذكّر وبخشوع وباهتمام عميق بالمعنى. اهتموا بالمعنى، فمثلاً، إذا كنتم ترغبون في تلاوة جزء من القرآن في محفل ما، أعدّوا ذلك في ذهنكم مسبقاً. إذا لزمَ الرجوع إلى التفسير، أو إلى الترجمة، [فارجعوا]. لحسن الحظ أن كثيراً من قرّائنا يفهمون القرآن ويُدركون معانيه ولا يحتاجون إلى الترجمة، ولكن إن كانت هناك حاجة إليها، وحاجة إلى التفسير، فليرجعوا إليها، وليكن ذلك باهتمام كامل، وبتذكّر كامل.

 

استخدام اللّحن والصّوت الحسن مع مراعاة الحدود الصّحيحة

لا تولّوا انتباهاً كثيراً إلى بعض الأعمال الصوتية لبعض الأشخاص، سواء أكان [القرّاء] يفعلونها أم يفعلها بعض شبابنا، أي [التفتوا] إلى المعاني أكثر. بالطبع أنا أتفق تماماً مع الصوت الحسن واللحن الجيد، أن تختاروا الألحان الجيدة وتتعلموها وتعبّروا عنها هذا أمر جيّد، ولكن احرصوا على البقاء في الحدّ الصحيح والطريق المستقيم. هذه أحاديثي حول موضوع القرآن.

 

اتّخاذ قرارات حاسمة، ومراعاة التّحذيرات لخبراء الصّحة بشأن مكافحة «كورونا»

القضية الأخرى التي أرى أنه من الضروري أن أتطرق إليها، قضية متأثرون بها جميعاً، هي هذا المرض المنتشر، هذا الفيروس المنتشر والمنحوس حقاً في بلدنا وأنحاء العالم جميعاً، الذي أثّر في الظروف المعيشية في البلاد.

أجمل أيام السنة هي في الحقيقة أولُ الربيع. وللأسف هذا العام جعل [المرض] أجمل الأيام وأحلاها مُرّة على شعبنا؛ ارتفع عدد الضحايا، وازداد عدد المصابين. هذه أشياء لا يمكن للمرء أن يمر عليها بسهولة. هذه الإحصاءات المريرة والصادمة يجب أن تُوعّينا جميعاً، سواء الناس أو المسؤولين، وأن توقظنا، وأن ننتبه إلى ألّا نمزح مع المرض. على المسؤولين أن يفعلوا ما يتعيّن عليهم فعله بحزم، أي إلى الحدود اللازمة التي يحددها المتخصصون والخبراء في القضية - الأطباء والمسؤولين الصحيّين وأمثالهم - وينبغي العمل وفقاً لما يقولون.

أي، إن افترضتم مرارة أيّ عارضٍ آخر، فهي أقل مرارة من انتشار هذا المرض، لأن تفشّيه مرضٌ وبطالة أيضاً، وهو مشكلة معيشية وموت ولوعة على الأعزاء. هذا يعني أن برامج البلاد جميعاً تتأثر بصورة أساسية بهذا المرض، وهو الشيء نفسه الآن. علينا أن نفعل شيئاً لوقف هذا المرض والتغلّب عليه، وذلك غير ممكن إلّا بوضع السياسات والتخطيط والتنفيذ والتزام الضوابط الصحية منّا، أي الأفراد.

 

تكريم الطّاقم الطّبي والثّناء عليه

نقطة أخرى عليّ أن أشير إليها هنا هي الثناء والشكر للمجموعات العلاجية والصحية. حقّاً لا بدّ للإنسان من الثناء عليهم والتوجه إليهم بالشكر. هذه الكمامة التي يضعها الإنسان وحدها تسبب له مشكلات كثيرة. في هذا الطقس الحار، ومع تلك الملابس المربكة، إذا كان يرتدي هذا اللباس هذا الشاب، هذا الممرض، هذا الطبيب، هذا المسعف، باقي الفريق الطبي... ويريدون العمل لساعات متتالية في المستشفى أو خارجه، انظروا مدى صعوبة ذلك. في الحقيقة، إنّ هذا مجاهدة في سبيل الله، جهاد في سبيل الله، وعليه كثير من الأجر والثواب، في رأيي.

 

دخول القوى الجهاديّة وتعاونها لمساعدة الفرق الطّبيّة

على الناس أن يتعاونوا أيضاً. أولئك الذين كانوا أهل المساعدة في هذا العمل أوائل العام الماضي، في بداية المرض، جاء بعضهم ودخلوا إلى المستشفيات لمساعدة الممرضين والممرضات وأمثالهم، وكذلك خارج المستشفى. ولا يزال من هم مستعدون ليتطوّعوا ويساعدوا في هذا العمل.

 

استمرار المساعدات الإيمانيّة وتوسيعها ووصولها إلى الذّروة في «نهضة المواساة»

النقطة التالية في هذا الصدد هي مسألة المساعدات الشعبية. حسناً شهر رمضان هو شهر الإحسان. لقد كان دائماً هكذا. في الحالة الطبيعية، كانت سفرة الإحسان والمحسنين والمؤمنين واسعة للمحتاجين في شهر رمضان. عندما نكون في ظروف «كورونا»، تصير هذه القضية أكثر أهمية. من الضروري حقّاً أن يتضاعف الاهتمام بـ«نهضة المواساة» والمساعدات الإيمانيّة أضعافاً في شهر رمضان هذا، وأن يبلغ ذروته بين الناس. بالطبع أنا أعلم أن بعض الناس قد بدؤوا ذلك دون انتظارٍ لطلب هذا العبد الفقير، ويساعدون في أطراف البلاد وأكناف مدن مختلفة فيها. إما أنهم يستعدون، وإما قد بدؤوا المساعدة. نعلم هذا، ولكن أريد أن أقول إنّه يجب أن تستمروا في هذا العمل وتنشروه، وليساعد الجميع في هذا الصدد، إن شاء الله، حتى تصل نهضة المساعدات الإيمانيّة إلى ذروتها. هذا في ما يتعلق بكورونا وهذا المرض، فهذه هي توصياتنا.

 

سياسة البلاد واضحة في الاتّفاق النّوويّ، وتجنّب المفاوضين الدّخول في مفاوضات استنزافيّة

أتحدث بجملة حول القضايا الجارية اليوم، القضايا المتعلقة بالاتفاق النووي والحظر وأمثالها، فهناك أحاديث كثيرة. لقد أعلنّا سياسة البلاد، وقلناها للمسؤولين. قلناها من قرب وبشكل مكتوب أيضاً، وكذلك في الاجتماعات والخطابات العامة: سياسة البلاد معلومة في ما عليهم فعله. حسناً تشخيص المسؤولين لدينا هو الذهاب والتفاوض من أجل تنفيذ السياسة نفسها وليس لدينا أيّ نقاش في هذا الصدد، ولكن يجب الحرص على ألّا تصير المفاوضات استنزافية. لا ينبغي أن يكون الأمر على نحو تطيل فيه الأطرافُ المفاوضاتِ هكذا، لأن في ذلك ضرراً على البلاد.

 

الأمريكيّون يتفاوضون لفرض مطالبهم الباطلة

لاحظوا أيضاً أن الأمريكيين يكرّرون دائماً كلمة المفاوضات، و«نحن مستعدون لمفاوضات مباشرة مع إيران»، ومثل هذا؛ ليس الأمر أن أمريكا تريد التفاوض لقبول كلامٍ حقّ. إنها تريد التفاوض لفرض مطالبها الباطلة. هذا عملها في الأساس، وإلّا ليس [الأمر] أن تسمع كلمة حقّ وتوافق عليها وتقبلها. كما أن هؤلاء السادة الأوروبيين أنفسهم، في بعض الاجتماعات الخاصة التي أطلَعَنا عليها مسؤولونا وعناصرنا، يعترفون بأن إيران على حقّ.

نحن قلنا إن الحظر يجب أن يُرفع أوّلاً، لأننا لسنا مطمئنين إلى وعودهم، فقد وعدوا عشرات المرّات ولم يفوا، بل عملوا عكس الوعد، والآن سيفعلون الأمر نفسه أيضاً، ولذلك عليهم أن يفعلوا ما نقول في البداية حتى نطمئن، وحينئذ، سنفعل ما يتعيّن علينا فعله. يقرّ هؤلاء المفاوضون الأوروبيون أحياناً في اجتماعات خاصة أن هذه السياسة صحيحة، وأن الحق مع إيران، لكنهم في مقام القرار مستسلمون للأمريكيين وليس لديهم أي استقلال بأنفسهم، وأمريكا متجبرة وتفرض أمرها وهذا هدفها. لذلك، إنّ غالبية المقترحات التي يقدمونها هي غالباً متكبّرة ومُهينة ولا يمكن حتى النظر فيها. نأمل، إن شاء الله، أن يمضي مسؤولو الدولة قُدُماً في هذا الصدد بعيون مفتوحة وبقلب قوي وبالتوكل على الله، وبذكر «حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكيل». ونسأل الله أن يشملهم التوفيق الإلهي، وأن يُسعدوا الشعب ويُفرحوه.

نسأل الله – تعالى - أن يُبارك هذا الشهر الشريف على شعبنا وسائر الشعوب الإسلاميّة، وأن يُنزل بركاته، وينزل مطر رحمته على أراضينا الجافة والعطشى، وأن يُنعم ببركاته الروحية والمادية على سائر الناس والمجاهدين على طريق الحق. نسأل الله أن يحشر الروح الطاهرة لإمامنا [الخميني] العظيم مع أوليائه، وأن يحشر أرواح الشهداء الطاهرة مع الشهداء في صدر الإسلام، إن شاء الله، وأن يوصل سلامنا ومَودّتنا وإخلاصنا إلى تراب المقدم لمولى العالمين، بقية الله - أرواحنا له الفداء -، وأن يشمل حالنا برضا ذلك العظيم ودعائه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش

1- في بداية البرنامج، تلا مجموعة من القرّاء آيات من القرآن، وبين التلاوات عُرضت مقتطفات من لقاءات القرّاء الماضية مع سماحته في شهر رمضان.

2- خطاب النوروز الموجّه إلى الشعب الايراني في 21/3/2021.

3- بحار الأنوار، ج. 91، ص. 99.

4- بحث وتحقيق، وسؤال وجواب.

5- بحار الأنوار، ج. 89، ص. 94