منذ بداية الحياة البشرية، كانت ظاهرة الصراع والحرب توأماً لحياة الإنسان، وأحداث مثل نهب الممتلكات والمجازر الشنيعة وأسر النساء والأطفال في فترات مختلفة، كُلّها تُشير إلى أن التعدّي على حقوق الآخرين وعدم الالتزام بالمبادئ الإنسانية، ظاهرة متكررة كان في تاريخ حياة البشر. للأسف، فإن الظالمين والمعتدين، مع تقدّم العلم والتكنولوجيا وتطوّر أدوات الحرب، لم يكن لديهم أيّ قيود على استخدامها، لأن الهدف كان التدمير الكامل للعدو. وبناءً على ذلك، كانت حقوق الإنسان قضية مهمة على الساحة الدولية في العقود الأخيرة، مع التركيز بشكل أساسي على حماية البشر في الحرب وتعريف المبادئ للحد من الأعمال اللاإنسانية فيها. الإمام الخميني (قده)، بصفته الشخص الذي قاد حرب الثماني سنوات المفروضة مع العراق، بناءً على المعتقدات والمبادئ الإسلامية، أظهر تمسّكه العميق بالقواعد المطروحة في مجال حقوق الإنسان. بينما تم انتهاك هذه المبادئ والأنظمة مرات عديدة من قبل صدام حسين، ومن خلال ذلك لحق بإيران العديد من الأضرار المادية والمعنوية. في هذا المقال، سيتم شرح وجهة نظر الإمام الخميني (قده) في حقوق الإنسان ودراسة مبادئ حقوق الإنسان من وجهة نظره.

 

1- مفهوم وأهداف ومبادئ حقوق الإنسان

حقوق الإنسان الدولية هي مجموعة من القواعد التي تسعى للحد من آثار النزاعات. يحمي هذا الفرع من القانون الدولي حقوق أولئك الذين لم يشاركوا في النزاع أو الذين غادروا ساحة المعركة. كما أنه يحمي الأفراد العسكريين والمدنيين والأهداف المدنية في النزاع المسلح من خلال الحد من الضرر الناجم عن النزاع المسلح وحظر استخدام أسلحة معينة.(1) وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن المبادئ التالية هي القواعد الأساسية لحقوق الإنسان الدولية. وبعبارة أخرى، إنها المبادئ الأساسية لقانون النزاعات المسلحة، ويجب على أطراف النزاع تنظيم سلوكهم بما يتناسب معها.

1-1 مبدأ السلوك الإنساني وعدم التمييز

وفقاً لهذا المبدأ، يجب معاملة جميع الناس بشكل إنساني وبدون أي تمييز، وبغض النظر عن عوامل مثل الجنسية أو العرق أو الدين، و...

1-2 مبدأ الضرورة العسكرية

الضرورة العسكرية تعني وجوب تبرير أي نشاط أو عمل عسكري على أُسس عسكرية، ويحظر أي نشاط بدون ضرورة عسكرية. لذلك تُحظر مهاجمة المدنيين والأشخاص خارج ساحة المعركة.

1-3 مبدأ المحدودية

التفسير الأكثر أهمية لمبدأ المحدودية هو أن القانون الإنساني يحظر استخدام الأسلحة التي تسبب أضراراً غير ضرورية أو إصابات أكثر من الحد.

1-4 مبدأ الفصل

الفصل بين العسكريين والمدنيين هو مبدأ أساسي ومسلّم به ضمن مبادئ حقوق الإنسان الدولية.

1-5 مبدأ التناسب

حسب هذا المبدأ، فإن الانتصار على العدو «بأي طريقة ممكنة» أمر غير مقبول. لذلك، يجب على أطراف النزاع التصرّف بطريقة تقود الحرب بطريقة لا تكون فيها الخسائر أكثر من الحد، مقايسة بالمزايا العسكرية المباشرة والحاسمة التي يُتوقّع تحقيقها من خلال الضربة العسكرية.

 

2- الإسلام ومقررات حقوق الإنسان

بما أن التعاليم الإسلامية، مبنية على ما ورد في الكتاب الإلهي، القرآن، هي من أجل هداية جميع شعوب العالم، فلا يوجد فرق في أيّ مكان يعيش هذا الإنسان على الأرض أو من عرق وملّة هو. وعليه، فقد طرح منذ البداية فكرة الحياة السلمية وجعل السلام (وليس الحرب) مبدأ العلاقات بين المسلمين والأمم الأخرى. لذلك فإن الإسلام دين سلام وأمن، ويعتبر الحرب ظاهرة مؤقتة ومفروضة، وقد جعل السلام والتعايش السلمي، الأصل في علاقاته مع الآخرين. يؤكد القرآن بشكل كبير على مراعاة العدل وعدم تجاوز الحدود المعقولة للإنسان في مواجهة الأعداء.

 

3- رؤية الإمام الخميني حول مبادئ وقواعد حقوق الإنسان

على الرغم من أن كلمة «مبدأ حقوق الإنسان» لم تظهر بشكلها هذا في أيّ من تصريحات الإمام الخميني (قده)، إلّا أن أداءه، لا سيما في إدارة حرب الثماني سنوات المفروضة، أداءٌ يطابق تماماً مبادئ وقواعد حقوق الإنسان. فيما يلي يتم تسليط الضوء على تَبلوُرِ الحالات النظرية والعملية لهذه المبادئ في الفكر والنظرة العالمية للإمام الخميني (قده):

3-1 مراعاة السلوك الإنساني دون تمييز

إن مراعاة السلوك الإنساني مع العدو من دون تمييز، من أهم المبادئ الإنسانية الأساسية في الإسلام. ومن وجهة نظر الإمام الخميني (قده)، فإن العفو والعطف والمعاملة الإنسانية-الإسلامية لقوات العدو، من المكوّنات الأساسية في مجال الدفاع الذي يجب على القوات المسلحة مراعاته. وفي هذا الصدد، يقول سماحته: «أقول لأولئك الصناديد الذين ثَبتوا في الجبهات وأحبطوا صدّام والصدّاميين، يجب ألّا تصبح هذه القوة سبباً للانتقام المخالف للمعايير الإلهية... يجب أن نحافظ على الجوانب الإنسانية إلى حدّ الاستشهاد والموت» (2).

3-2 نفي الاعتداء في النزاع المسلّح

يأمر الإسلام المسلمين الذين يقاتلون في سبيل الله ألا يتجاوزوا حدود العدل والإنصاف وألا يسيروا في طريق الاستبداد والظلم. {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة، 8). انطلاقاً من هذه التعاليم الإسلامية، يخاطب الإمام الخميني (قده) المجاهدين الإيرانيين بعد الهجمات العراقية على المدن الإيرانية وقتل المدنيين، ويقول: «بسبب تعرّض مُدنكم للقصف وقتل أحبّائكم، إيّاكم أن تغضبوا وتردّوا بهذا الشكل... إيّاكم أن تُطلقوا حتى رصاصة واحدة باتجاه مدن هؤلاء» (3).

3-3 التمييز بين الأفراد العسكريين والمدنيين

وفقاً للتعاليم الإسلامية، يتمتع الأشخاص الذين لا يشاركون في الحرب بالحصانة. وعليه، يُميّز الإمام الخميني (قده)، بالإضافة إلى حظره للهجمات على المدنيين، بين الأهداف العسكرية والمدنية، ويقول:

«هناك فرق بين قادة القوات المسلحة الإيرانية وقادة قوات المسلحة العراقيّة، وهو أنهم يفكّرون في الإسلام ويريدون العمل وفق قواعد الإسلام، ولهذا، فلا شأن لديهم مع المدن العزلى والناس في الأسواق والفقراء في أماكن أخرى... أما قادة العراق... يلقون قنابلهم على المدن».

3-4 قيود على استخدام الأسلحة

لقد رسم الإسلام إطاراً إنسانياً لساحة المعركة، ووفقاً للقاعدة العامة والإسلامية التي تمنع الافراط في القتل، حتى لو كان ذلك مُبَرراً، فإن المقاتل المسلم ليس حراً في اختيار السلاح، وإن استخدام بعضها، من جملة الأسلحة السامة والكيمائية، ممنوع في الحرب. وبحسب وثائق الأمم المتحدة، لم تستخدم إيران أبداً أسلحة كيميائية ضد العسكريين والمدنيين العراقيين. (4) وقد أعلن الإمام الخميني حرمة حتى إنتاج مثل هذه الأسلحة، وكتب الصحفي الأمريكي غاريث بورتر في كتابه الأزمة المفتعلة، ما لم يقال حول الخوف من إيران نووية: «السبب وراء عدم استخدام إيران للأسلحة الكيميائية... كان أن آية الله الخميني قد حرّم هذه الأسلحة على أساس الفقه الإسلامي» (5).

وتجدر الإشارة إلى أن القائد الحالي للثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، له نفس الرأي في أسلحة الدمار الشامل واللاإنسانية، وقد أعلن أن إنتاجها وتكديسها واستخدامها حرامٌ شرعاً، وقال: «إن استخدام الأسلحة النووية لم يؤد فقط إلى القتل والدمار على نطاق واسع، بل إنه لم يميّز بين أفراد الناس، العسكريين وغير العسكريين، الكبار والصغار، الرجال والنساء، الشيوخ والأطفال، وتجاوزت آثاره اللاإنسانية الحدود السياسية والجغرافية، بل ألحق أضراراً بالأجيال القادمة لا يمكن إصلاحها، وبالتالي فإن أي استخدام أو حتى التهديد باستخدام هذا السلاح يُعدّ انتهاكاً خطيراً لقواعد حقوق الإنسان المُسَلّمة ومثالاً واضحاً على جريمة حرب» (6).

3-5 مراعاة تناسب الأنشطة العسكرية

من وجهة نظر الإمام الخميني (قده)، فإن استراتيجية هزيمة العدو«بأي طريقة ممكنة» ممنوعة، ويقول سماحته فس هذا الصدد: «لولا الخوف من تأذّي الشعب العراقي الشريف، لو فكّرنا نحن وجيشنا وشعبنا مثل صدّام، أنه يجب المُضي قدماً حتى لو بقتل الشعوب، وحتى لو بقتل الأطفال والنساء.... لكنتم رأيتم اليوم أن العراق ليس لديه أشخاص يستطيعون فعل أي شيء... جيشنا ملتزم بالإسلام... ولا يلقي قنبلة واحدة على المدن العراقية» (7).

3-6 الحفاظ على البيئة

يذكر القرآن، باعتباره المصدر الحقوقي الأول للإسلام، أهميةً كبيرة للبيئة ويؤكدها في كثير من الآيات. في حين أن النظام البعثي في ​​العراق كان يقوم بأعمال عديدة لتدمير البيئة دون مراعاة هذا المبدأ، مثل قصف حقول النفط الإيرانية. (8) وقد قال الإمام الخميني (قده) في إدانته لهذا الأمر: «لا أحد من هؤلاء المدّعين للسلام... قال لصدام، لهذا البادئ بالحرب... لأي جرم وذنب، تُحرق حصيلة عشرات السنين من الجهود واستثمار الشعب في الصناعات والمصانع والمزارع والحقول وتُفنى» (9).

3-7 المعاملة الإنسانية مع أسرى الحرب

في الحرب المفروضة، عندما أسر مجاهدو الإسلام جنود جيش النظام البعثي الصدّامي، أكد الإمام الخميني (ع) على المعاملة اللطيفة والعطوفة مع الأسرى وعدم تعنيفهم وإيذائهم، واعتبرهم ضيوفاً في جمهورية إيران الإسلامية وقال: «جيشنا وحَرَسنا يتصرّفون بإنسانية مع الأسرى الذين جلبوهم، وعليهم أن يفعلوا أكثر. إنني أوصي جميع الأشخاص الذين هؤلاء الأسرى هم في أسْرِهم، بحسن السلوك الجيد والمعاملة الإنسانية، وهؤلاء ضيوف لكم». وفي مكان آخر قال سماحته: «أسرى الحرب الذين بأيديكم...  واسُوهم وليكن لديكم معاملة إنسانية-إسلامية معهم، وأرسلوا الجرحى العراقيين إلى المستشفيات في أسرع وقت ممكن حتى يُعالجوا، والأطباء وممرضو المستشفيات، الذين جهودهم موضع تقدير كبير، يجب أن يعاملوهم [الجرحى العراقيين] كأقارب لهم وإخوانهم، وأن يخففوا عنهم طعم مرارة الإصابة والأسر بسلوكهم الإسلامي» (10).

 

الاستنتاج

حاول هذا المقال دراسة مكانة مبدأ حقوق الإنسان في فكر الإمام الخميني (قده). بناءً على هذه الدراسة، تبيّن أن أصول مبدأ حقوق الإنسان حاضرة بوضوح في البُعد النظري لشخصية وفكر الإمام الخميني (قده)، المستمّد من المبادئ الإسلامية والمتطابق معها، والبُعد العملي أيضاً كان بارزاً من خلال أدائه في إدارة ثماني سنوات من الحرب التي المفروضة على الجمهورية الإسلامية مع صدام حسين. بعبارة أخرى، أظهر هذا المقال أن الإمام الخميني (قده) والثورة الإسلامية الإيرانية، حتى في ظروف الحرب الصعبة، وبينما استخدم العدو أساليب لا إنسانية وإجرامية للنهوض بأهدافه، لم يلجآ أبداً إلى الأساليب والأدوات غير الإنسانية، بل يجب احترم كرامة الإنسان دائماً.

 

الهوامش:

1- https://www.icrc.org/en/doc/assets/files/other/what_is_ihl.pdf

2- صحيفه امام، ج 13، ص 543.

3- صحيفه امام، ج 18، ص 212.

4-  https://www.nti.org/learn/countries/iran/chemical/

5- Porter, Gareth. Manufactured Crisis: The Untold Story of the Iran Nuclear Scare. Just World Books, 2014.

6- الإمام الخامنئي، 17/04/2010.

7- صحيفه امام، ج 14، ص 279.

8-

Joffe, A.H. The environmental legacy of Saddam Husayn: The archaeology of totalitarianism in modern Iraq. Crime, Law and Social Change 33, 313–328 (2000). https://doi.org/10.1023/A:1008343313967

9-  صحيفه امام، ج 20، ص 322.

10- صحيفه امام، ج 16، ص 268.