إنّ هذا النداء الذي صدر من الإمام الخامنئي دام ظله الشريف، يتضمن أهم ما علينا في هذه المرحلة، أو يرسم استراتيجيات المرحلة في موسم الحج. لأن موسم الحج هو موسم الوحدة الإسلامية على قضايا الإسلام، وموسم الالتقاء تحت راية عبودية الله عز وجل، ورفض الظلم ورفض العدوان، كما يقول الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم " وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ" (التوبة، 3).
الحج هو موسم مواجهة المستكبرين، ورمي الجمرات ليس مجرد أمر تعبدي صرف، إنما هو عنوان لمواجهة الظلم، ولمواجهة الفساد، لأن الإسلام قائم على ركنين، الارتباط بالله عز وجل قائم على ركنين؛ الركن الأول هو مواجهة الطاغوت، ومحاربة الطاغوت والوقوف بوجه الطغيان والظلم والاعتداء، ولذلك كان هو الركن الأول الملازم للإيمان بالله عز وجل كما يقول الله تبارك وتعالى: " قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة، 256). إذاً التمسك بالعروة الوثقى بدون الكفر بالطاغوت غير ممكن.
ما يبينه الإمام الخامنئي دام ظله الشريف في هذه المرحلة، أن على الأمة جميعاً أن تنهض. كفانا سباتاً وكفانا خنوعاً، وكفانا ذلاً وكفانا استسلاماً. نحن نرى اليوم الظلم بشكل واضح، نرى أن الظَلمة كيف أنهم قاموا بالفتك بالأمة الإسلامية، وزجّ الشعوب في حروب فيما بينهم، عملوا على الصراعات المذهبية لمدة سنوات طويلة جداً، اليوم كشفوا عن وجوههم القبيحة، عدة من الدول كشفت عن وجهها القبيح في التطبيع مع العدو الصهيوني، اليوم بعض الدول أصبحوا صهاينة أكثر من الصهاينة، هؤلاء ليس من الصحيح أن نسكت عنهم. كما قال الإمام الخامنئي (دام ظله)، ليس علينا فقط رمي الجمرات بالحجر علينا أن نرمي أمريكا، علينا أن نرمي عملاء أمريكا، علينا أن نواجه المطبّعين، علينا أن نواجه هؤلاء الذين يريدون الفتك بمجتمعنا، هذه وظيفتنا لا يصح لنا أن نسكت، لا يصح لنا أن نتفرّج، لا بد لنا من أن نتماسك فيما بيننا وأن ننضم تحت راية المقاومة. ما يدعو إليه الإمام الخامنئي دام ظله الشريف، في هذا الخطاب المبارك المهم في موسم الحج، يصدر منه بصفته هو من يتحمل هذه المسؤولية؛ مسؤولية المقاومة، وقد تحملها. الإمام الخامنئي كما ينقل سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله تعالى)، عندما ذهبوا إليه، ذهب إليه أبناء المقاومة بعد عام 2000، وقدموا له تقرير فيه تصور لدور المقاومة السياسي، ماذا كتب الإمام الخامنئي تعليقاً على هذا التقرير؟ كتب: "باسمه تعالى، تكليف المقاومة إزالة إسرائيل من الوجود". اليوم تكليفنا أن نعالج المرض الذي تعاني منه الأمة، وجود العدو الصهيوني ووجود المتصهينين، الذين يقفون خلف العدو الصهيوني، اليوم يجب أن نكون واضحين، في الوقوف إلى جانب فلسطين، وإلى جانب قضايا الأمة، في العراق في اليمن في أفغانستان وفي سوريا وفي كل مكان، يجب أن نعي واقعنا، يجب أن لا نُستدرج، يجب أن لا ننجر إلى الصراعات الداخلية وإلى الفتن الطائفية وإلى الفتن المذهبية، وننسى أن العدو الأكبر هو أمريكا الشيطان الأكبر، وأيضاً العدو الأكبر هو إسرائيل والدول التي هي أذيال لأمريكا وإسرائيل، لا بد هذا يصير واضح عندنا.
اليوم روح الحج هي هذه، روح الحج هي أن نلتقي على تعاليم الإسلام، وأن نعلم أن تكليفنا اليوم إحقاق الحق، والتمهيد لدولة العدل الإلهي -هذا ما نؤمن به-. رأيتم ما حصل في غزة، النتائج التي استطاع أن يحدثها أبناؤنا في فلسطين، هذا كله يدل على شيء واحد على أن زوال إسرائيل من الوجود أمر ليس صعب، أمر فقط يحتاج إلى تكاتف الأمة، والمواصلة والاستمرار. كانوا يقنعوننا بمنهج الذل، وبمنهج الاستسلام، وبمنهج الخنوع، كان يُنظّر لهذا المنهج، لكن اليوم نهج المقاومة أصبح واضحاً، نحن رأينا هذا النهج في شموخ الإمام الخامنئي دام ظله الشريف، عندما أمر بضرب الطائرة الأميركية، وعندما احتجزت السفينة البريطانية، شعرنا بالعزة وعلمنا بأننا أعزّة، نحن أيضاً نستطيع أن نفعل الكثير، هؤلاء ليس بيدهم شيء، ونحن نؤمن بمنطق القرآن هذه العبارة التي ختم بها الإمام الخامنئي هذه الآية الكريمة رسالته إلى سماحة السيد حسن نصرالله في حرب تموز " إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ" (الروم، 60). نحن أيضاً نقول لإخواننا: اليوم نحن نمر بمنعطفات خطيرة في فلسطين وفي اليمن وفي العراق، هي منعطفات حتماً لمصلحة الأمة، المقاومون بصبرهم وبصمودهم سوف ينصرهم الله عزّ وجل، " وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج، 40).
نحن على ثقة بأننا على مشارف النصر، وكما ذكر مراراً الإمام الخامنئي [دام ظله العالي] نحن في عصر زوال إسرائيل، سنرى زوال إسرائيل من الوجود إن شاء الله قريباً، علينا أن نلتحق بهذا الركب، علينا أن نلتحق بقافلة الحسين، ونحن نقترب أيضاً من أيام عاشوراء، علينا أن نكون ممن ينتصر بهم الله عزّ وجل لدينه، ولا يستبدل أحداً غيرهم. نسأل الله تعالى أن يطيل في عمر الإمام الخامنئي دام ظله الشريف، ذخراً وعزاً للأمة الإسلامية، أن يحفظه من كل سوء، وأن يحفظه من كل بلاء، وأن يحرسه بعينه التي لا تنام، وأن نشهد معه ذلك اليوم المبارك الذي نصلي فيه خلفه في القدس الشريف. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
نحن نعيش الأمل الكبير جداً تحت راية الإمام الخامنئي وفي ظلّ وجوده المبارك، نحن علی ثقة بأنّنا سنصلي في القدس الشریف قريباً وأنّ إسرائيل ستزول من الوجود، وعلينا أن نتحمل مسؤوليتنا العظيمة تجاه الإسلام التي هي واجب كالصلاة، كما أن الصلاة واجبة والصوم واجب، هذا الأمر واجب جداً.. بسم الله الرحمن الرحيم " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ" (الحديد، 25)، [يجب] أن نقوم بالقسط ونسعى لمواجهة الظلم ونتحمل مسؤوليتنا إن شاء الله. هذا الزمن كما قال الإمام الخميني زمن غلبة المستضعفين على المستكبرين، إن شاء الله، كما اليوم أخواننا في اليمن يحققون الانتصارات الكبرى، وأخواننا في فلسطين يحققون الانتصارات الكبرى، الأمة كلها سوف تنتصر على الصهاينة وعلى الطواغيت، وعلينا أن نتحمل المسؤولية التي بدونها لا يمكن أن يقبل الله منا أعمالنا وعباداتنا.