يمكن اعتبار قائد الثورة الإسلامية أحد أهم روّاد الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية في العالم. لقد اتخذ سماحته خطوات عديدة لنشر فكرة الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية. يعود تاريخ دور الإمام الخامنئي في هذا المجال إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية. في العام 1989، قال سماحته لمجموعة من علماء الدين من أهل السنة: «يجدر أن نقول هنا إن البذرة الأساسية لأسبوع الوحدة تشكلت قبل انتصار الثورة الإسلامية. في عام 1978، قبل انتصار الثورة الإسلامية، كانت لدينا محادثات مع هذا السيد المولوي قمر الدين في إيرانشهر لكي يكون لدينا عيد مشترك ونحتفل من الثاني عشر إلى السابع عشر من ربيع الأول». إضافة إلى ذلك، فإن اهتمام قائد الثورة الإسلامية بحقوق المذاهب السنية الأربعة، التي كانت قد أُهملت قبل انتصار الثورة الإسلامية، هو مثال آخر على اهتمامه الخاص بقضية الوحدة.

من ناحية أخرى، كان قائد الثورة الإسلامية أول من اقترح فكرة إنشاء «المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية»، وقد تم إطلاق هذا المجمع عام 1990 بأمر من سماحته. في هذا الصدد، يذكر قائد الثورة الإسلامية خلال لقائه هذا العام المشاركين في الدورة الخامسة والثلاثين لمؤتمر «الوحدة الإسلامية» بعض الشخصيات العظيمة في الوحدة الإسلامية ومنهم «الشهيد محمد باقر الحكيم» حيث قال: «كان هذا الشهيد العظيم المرحوم السيد محمد باقر الحكيم أحد الأشخاص الذين شجّعوني وحرّضوني على إيجاد مجمع التقريب بین [المذاهب] الإسلامية». النقطة الجديرة بالتأمل في لقاء قائد الثورة الإسلامية هذا العام هي مشاركة عدد كبير من علماء الشيعة والسنة في حسينية الإمام الخميني (قده) على الرغم من تفشي فيروس كورونا حيث تعد المرة الأولى التي يُشارك فيها هذا الحجم من الشخصيات غير الإيرانية في حسينية الإمام الخميني (قده)خلال جائحة كورونا، الأمر الذي يدل على أهمية قضية الوحدة الإسلامية في نظر الإمام الخامنئي. والحقيقة أن التمسك بـ «الوحدة الإسلامية»، مع أنها خصلة وفضيلة أخلاقية، لكنها أصل ديني وقرآني، مثلما أكد قائد الثورة الإسلامية في لقائه مع ضيوف مؤتمر الوحدة: «القرآن الكريم قد أمرَ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} (آل عمران، 103). أي حتى الاعتصام بحبل الله علينا فعله بالاجتماع، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}. حسناً هذا أمرٌ. لماذا نجعل منه قضية أخلاقية؟ هذا أمرٌ وحُكم...». كذلك، يجدر الالتفات إلى أن أحد أهم وأبرز عناصر قوة المسلمين يكمن في «الوحدة الإسلامية».

القضية الأخرى، هي أن علماء الشيعة والسنة يؤدّون دوراً مهماً في مجال الوحدة والتقريب بين المذاهب. وقد أثنى قائد الثورة الإسلامية على دور علماء الشيعة والسنة في هذا المجال، قائلاً: «أرى من اللازم أن أستذكر بعض الشخصيات البارزة والمثابرة في مجال الاتحاد الإسلامي. من جملتهم المرحوم الشيخ التسخيري (رض) الذي كان من أكثر العناصر مثابرة في هذا المجال... وقبله المرحوم الشيخ محمد واعظ زاده (رض)... ومن سوريا الشهيد العظيم الشيخ محمد رمضان البوطي، وهو شهيد عظيم الشأن... [من العراق] الشهيد السيد محمد باقر الحكيم كان أيضاً من العناصر التقريبيين المهمين... وفي لبنان أيضاً، كان المرحوم الشيخ أحمد الزين، الذي رحل عن الدنيا أخيراً... وقبله المرحوم الشيخ سعيد شعبان من لبنان، الذي كان أيضاً من أصدقائنا الجيّدين». إن إشارة قائد الثورة الإسلامية هذه إلى عدد من العلماء الذين قضوا عمرهم في طريق الأخوة والتقريب بين الأمة الإسلامية، تدل على أن «الوحدة الإسلامية» لا تنحصر أو تقتصر على مرحلة أو فترة زمنية محددة، وقد تم السعي من أجلها منذ سنوات بعيدة، وهذه الجهود ما زالت مستمرة.

زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، والذي كان حاضراً في اللقاء، أشار إلى هذا الموضوع، مؤكداً: «الوحدة الإسلامية خيار ديني يجب على الأمة الإسلامية الالتزام به في جميع المراحل وفي جميع الأوقات. نحن ضيوف قائد الثورة الإسلامية الإيرانية في هذا المكان المبارك والمشرّف، وهذا التجمع نفسه يؤكد على الوحدة بين الشيعة والسنة في ذكرى ولادة الرسول الأكرم (ص)».

كما أشار قائد الثورة الإسلامية في ذكرى ولادة الرسول الأكرم (ص) إلى القضية الرئيسية للعالم الإسلامي، أيْ قضية فلسطين، كمؤشر على وحدة المسلمين، لافتاً إلى قضية «تطبيع العلاقات» لدى بعض حكام الدول العربية وقال: «إن قضية التطبيع الأخيرة - للأسف، أخطأت بعض الحكومات وارتكبت خطأ كبيراً وأذنبت وطبّعت مع الكيان الصهيوني الغاصب والظالم – هي حركة مناهضة للوحدة الإسلامية والاتحاد الإسلامي».

وهكذا يتضح أن «تطبيع العلاقات» هو عكس «الوحدة الإسلامية» تماماً. في الوقت نفسه، يبذل المطبّعون كل جهد ممكن لإظهار مثل هذا العمل كـ «مصدر سلام» للمسلمين. وفي هذا الصدد، قال «بو عبد الله غلام الله»، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الجزائري ووزير الحج والشؤون الإسلامية الأسبق لذلك البلد: «تطبيع العلاقات هو بمثابة الاستسلام للمعتدي. قبول الاستسلام للمعتدي بأي حال من الأحوال ليس خطوة عقلانية. يجب دفع المعتدي إلى الوراء. يجب أن نضع أيدينا في أيدي بعضنا حتى لا ندع للمعتدي فرصة للهجوم علينا». من جانبه، قال خليل الحية، القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية «حماس»: «الذين يطبّعون العلاقات مع العدو لن يبقون في مناصبهم، لأن مَن لا يقوم حكمهم على الشريعة الإسلامية ودين الله ليس لهم الصلاحية والحق في حُكم المسلمين».

إنّ إلقاء نظرة سريعة على التصريحات الأخيرة لقائد الثورة الإسلامية ترسم لنا صورة كاملة عن الأبعاد المختلفة لـ «الوحدة الإسلامية». صورة ترى في «الوحدة الإسلامية» سلاحاً يجعل المسلمون أقوياء من خلاله. ويمكن أن ندرك من خلال أقواله أن «الوحدة الإسلامية» ليست «تكتيكاً وأمراً وفقاً لظروف معيّنة للأمة الإسلامية» ولكنها «مسألة أصولية» وفريضة إلهية على المؤمنين والمسلمين.