خطاب الإمام القائد السنوي في ندائه لحجاج بيت الله الحرام أراه ينظر إلى فريضة الحج هذه الفريضة المباركة من بعد آخر هو كونه فرصة لتواصل العالم الإسلامي لأن فريضة الحج قبل عصر التواصل الاجتماعي الحديث كانت هي فرصة أو وسيلة التواصل الاجتماعي الإسلامي الأبرز حينما تتلاقى الأمة الإسلامية من كافة أصقاع الأرض في بقعة واحدة من دون فوارق لا في الملبس ولا في المظهر. يتساوى فيها الفقير والغني ويكون فيها الجميع سواسية في ضيافة الله عزّ وجل لغاية واحدة هي أداء الشعائر المقدسة وأداء فريضة الحج. في هذا الإطار يسلط القائد هذا العام في خطابه الضوء على نقاط مهمة تندرج ضمن نفس المشروع الذي يمضي عليه الإمام القائد وقبله الإمام الخميني - رضوان الله تعالى عليه - منذ قبل انتصار الثورة الإسلامية إلى اليوم وهو مشروع ينظر له القائد، أي مشروع إقامة الحضارة الإسلامية المجيدة.

ويقول القائد في هذا الخطاب ويؤشر على وجود ظروف مؤاتية للأمة أو للمجتمع الإسلامي لتحقيق هذا المسعى ويقصد إقامة أو تحقيق أو الوصول إلى مرحلة الحكومة الإسلامية وهي المرحلة الرابعة من مراحل مشروع الحضارة الإسلامية الذي يتحدث عنه القائد في موارد أخرى ويدرجه في خمس مراحل, المرحلة الأولى هي مرحلة النهضة أو الثورة الإسلامية والتي ينتقل فيها المجتمع من نظريات أخرى سواء كانت نظريات اشتراكية أو نظريات ليبرالية ليعتنق المشروع الكامل المتكامل وهو مشروع الحضارة الإسلامية فتصبح لديه نهضة إسلامية أو ثورة إسلامية بغض النظر عن أدواتها سواء كانت ثورة شعبية أو وسيلة أخرى من الوسائل الشعبية التي تسمى بالسيادة الشعبية الدينية.

المرحلة الثانية هي إقامة نظام سيادة شعبية دينية وهو النظام الإسلامي وهو ما تحقق في الجمهورية الإسلامية وتسعى بعض المجتمعات المسلمة في بقاع أخرى أيضاً لتحقيقه بالعمل الثقافي والتغيير المجتمعي البنيوي التحتي وهو المرحلة الثانية من هذا المشروع. والمرحلة الثالثة هي إقامة أو تحقيق وبلوغ مرحلة الحكومة الإسلامية والمجتمع الإسلامي وهي مرحلة متوازية في بناء المجتمع والحكومة لأن الحكومة هي نتاج المجتمع والمجتمع هو بصورة أو أخرى نتاج عمل الحكومة.

في هذا الإطار يقول القائد نحن كجمهورية إسلامية في إيران اجتزنا في هذه المرحلة مرحلة إقامة الثورة وإقامة النظام لكننا حالياً في مرحلة بناء المجتمع الإسلامي والحكومة الإسلامية وفي نفس الخطاب اليوم نرى القائد يمارس نقداً شجاعاً ذاتياً لبعض الممارسات داخل النظام الإسلامي التي وصفها القائد أنها هفوات أو تحتاج إلى تكامل أكثر فأكثر لبلوغ الهدف المرجو وفي موارد أخرى يشرح هذه النقطة بالتفصيل وكيف أن المجتمع الإسلامي في إيران لم يصل إلى مرحلة المجتمع الإسلامي الحقيقي والحكومة الإسلامية الحقيقية.

المرحلة الرابعة هي تكون عدة مجتمعات وحكومات إسلامية في العالم يكونون في اتحادهم ووحدتهم كما أشار القائد في خطاب اليوم أحد العناصر الباعثة لحياة الأمة الإسلامية، هذه الأمة الإسلامية التي ستتكون إن شاء الله من عدة حكومات ومن عدة مجتمعات إسلامية ذات حكومات إسلامية وأنظمة إسلامية. هذه الأمة ستحمل على عاتقها مهمة إقامة الحضارة الإسلامية المجيدة وهذه الحضارة باعتقادنا إذا حملت هذه المسؤولية وتحقق هدف إقامة الحكومة الإسلامية ستكون هي العامل الأساس والممهد لإقامة دولة العدل الإلهي الكبرى بقيادة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

يقول القائد في خطابه هذا اليوم إن هناك ظروفاً واقعية استشهد عليها بأدلة أمام هذه النخب وأمام الشباب وهذا الخطاب باعتقادي اليوم كان قائماً على الأمل ومستنهض للهمم ويدعو الشباب والنخب في العالم الإسلامي كون النخب هم حلقة الوصل ما بين القيادة وما تمثله من أفضل تجسيد لفكرة الإسلام المحمدي الأصيل بسلوكها وأفكارها وتنظيرها وما بين الأمة والمجتمع.

فيخاطب هؤلاء الشباب وهؤلاء النخب بأن هناك ثلاثة عوامل تمثل فرصاً حقيقية حاليّة لكم لكي تنتقلوا من مجتمعاتكم إلى مرحلة الأمة الإسلامية للمرور بالمراحل التي ذكرتها في بداية كلامي، والعامل الأول الذي ذكره القائد أن هذه الحاضرة الغربية اليوم تعيش مرحلة أفول وهي سنة تاريخية. أي نرى مثلاً الحضارة الغربية في زمن إسبانيا والبرتغال التي بدأت بالتصاعد وفتحت الأمريكيتين واستعمرت البلدان وصلت إلى مرحلة شيخوخة واستلمت الراية من بعدهم بريطانيا وفرنسا، وهاتان الإمبراطوريتان أيضاً استعمرتا البلدان وتصاعدتا وتعاظمتا حتى وصلتا مرحلة الشيخوخة فاستلمت الولايات المتحدة منهما الراية وحملت راية النموذج الغربي وحملت الراية الغربية إلى أن وصلت إلى اليوم ونرى أيضاً أنها وصلت إلى مرحلة الشيخوخة ونرى أن الولايات المتحدة هزمت في كثير من دول المنطقة في العراق في فلسطين في غزة بالخصوص وأيضاً تهزم في الضفة الغربية إن شاء الله وهزمت في لبنان وفي اليمن وفي أفغانستان، وتعاني من مشاكل حقيقية يتكلم عنها نفس منظري الولايات المتحدة على المستوى القيمي وعلى المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الأسري وعلى كل المستويات ولكن العلامة الفارقة أنه لا يوجد أو لا توجد دولة أو نموذج يستطيع حمل الراية بعد الولايات المتحدة الأمريكية. يعني نحن اليوم أمام انهيار تام لمنظومة الحضارة الغربية خصوصاً بعد التطرف الذي وصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية في نشر الانحلال والشذوذ وكل الممارسات والأفكار والمظاهر التي تعارض الفطرة الإسلامية بشكل صارخ وواضح مما ولد نفوراً حتى في الأجيال التي تبحث عن ذاتها أو عن الشخوص الذين يبحثون عن ذواتهم في تلك المجتمعات.

وأيضاً نحن نعلم جميعاً أن النظام الاشتراكي انهار وبعد الاتحاد السوفييتي لم تحمل أي دولة راية هذا النظام فاليوم في هذا السبب الأول وهذا العامل الأول والذي يمثل فرصة للنخب الإسلامية أن هناك منظومة إسلامية قائمة على جناحي العلم والدين وتمتلك أدوات وعناصر الاقتدار القيمي وعلى المستوى التنظيري وأيضاً على المستوى العملي ولديها نماذج تحدث عنهما القائد في المستويين الثاني والثالث.

العامل الثاني الذي تحدث عنه القائد هو الوعي الذاتي الإسلامي الذي تطور وحتى أنشأ ظاهرة المقاومة وهذه الظاهرة هي مصداق أوضح لتأثير وحدة المسلمين في نجاحهم وتحقيق انتصاراتهم فمثلاً اليوم نرى أن في العراق عندما غزا «داعش» ثلث مساحة العراق تقريباً أو أكثر لم يتحقق انتصار الشعب العراقي إلا بتوحدهم أولاً وثانياً بوحدة المجتمعات الإسلامية المحيطة به. رأينا دوراً للجمهورية الإسلامية وخصوصاً للحاج قاسم - رضوان الله تعالى عليه - ودوراً للإخوة في حزب الله وكل ساحات المقاومة بأشكال مختلفة سواء كان الحضور في الميدان المباشر أو الإعلامي أو الثقافي وما شاكل، وكذلك في لبنان في بداية قيام المقاومة الإسلامية ونشوئها قبل أربعة عقود من الآن وفي سوريا في الحرب الكونية على سوريا كيف صمدت وكيف انتصرت وأيضاً في فلسطين. ومن مظاهر هذه الوحدة أن نرى أعلام الجهاد الإسلامي وحماس واعذروني على استخدام مصطلح السنيتين ترفع في وسط طهران وبغداد الشيعيتين وكذلك نرى صورة الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس الشيعة في وسط غزة والضفة والقدس الشريف. هذه المظاهر هي مظاهر وحدة حقيقية عملية أنتجت انتصارات وحولت الكيان الغاصب... هذه النكتة التي ذكرها القائد شاهدتها قبل أيام في مقطع في خطاب متلفز للحاج قاسم سليماني قبل أشهر من استشهاده كان يتحدث عن منجزات المقاومة ومحور المقاومة وكيف أجبرت المقاومة الإسلامية ومحور المقاومة الكيان الغاصب على تغيير إستراتيجيته الرسمية من الهجوم واحتلال البلدان من الغزو عندما كان غازياً للبنان ويسعى لغزو سوريا وتحقيق دولة ما بين المزعومة ما بين النيل والفرات كيف تحول من إستراتيجية الهجوم إلى الدفاع وأصبح مشغولاً بشكل حقيقي ومهزوماً في إشكالية حفظ أمنة القومي وبعدما تحررت غزة واليوم نرى ما يجنيه هذا المخيم في وسط الأراضي المحتلة كيف يسبب هاجساً كبيراً وأيضاً حركات الأسود المنفردة وغيرها من الحركات الفدائية في الضفة الغربية والقدس وأراضي ثمانية وأربعين.

هذا العامل الثاني الذي تحدث عنه القائد وهو عامل وعملي واستنهاضي أيضاً، فهو أعطى مؤشراً عملياً ليستنهض الشباب والنخب.

العامل الثالث الذي ذكره القائد هو نموذج الجمهورية الإسلامية بكل ما حققته هذه الجمهورية الفتية في عمر الجمهوريات والدول خلال أربعين عاماً رغم الحصار العالمي رغم أنها تعرضت لعدوان دولي في أول قيامها وحصار وظروف وعقوبات وكل أنواع المحاولات إفشال هذه التجربة وإفشال هذه النهضة الإسلامية ولكنها فشلت لأنه هناك عوامل اقتدار داخلية هي أقوى من كل المؤثرات الخارجية مقرونة بالتوكل على الله والارتباط بالله عزّ وجل.

فهذه العناصر الثلاثة وضعها القائد كفرص حقيقية عملية ويعني تكليف وواجب النخب والشباب السعي لتحقيق هذا المسعى المهم وهو مسعى الوصول إلى الأمة الإسلامية التي تحمل على عاتقها إقامة الحضارة الإسلامية المجيدة. أنا أعتذر عن الإطالة لأن المشايخ والأساتذة الكرام الذين سبقوني بالحديث لم يبقوا لي شيئاً للتحدث عنه والإخوة الأفاضل الذين أشبعوا المادة مادة الندوة حديثاً وإضاءات وأعتذر جميعاً على الإطالة وأشكر الإخوة الأفضل على هذه الفرصة الطيبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.