بسم الله الرحمن الرحيم[1]،

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله والطاهرين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.

شكراً جزيلاً على الكلمات التي أدلَى بها كل من السيد سلامي والسيدات أيضاً. إنّ تمجيد الشهيد العزيز، والعبارات المميزة والطيبة عنه التي تؤنس قلب الإنسان، وكذلك شرح الأنشطة والأعمال التي تنجزونها في تكريم شهيدنا العزيز، هذه كلها تسعد الإنسان وتفرحه. بحمد الله، إن لأسرة الشهيد أيضاً بعد استشهاد سليماني نشاطاً وجهوزية وحضوراً أكثر إشراقاً في المجتمع، وهذا أيضاً من بركات دماء شهيدنا العزيز، وهو ما يبعث على سعادتنا. طبعاً، لقد قيل كلام كثير. هذه الأيام يوجد في الصحف وقنوات التلفاز، وعلى لسان هذا وذاك، وفي خطب صلاة الجمعة، وحيث ما تتحرّك الأعين والآذان، ذكرٌ للشهيد سليماني، بحمد الله. وهذا يفرح الإنسان. كل شخص يتحدث عنه بلسان خاص ويثني عليه. الحمد لله والشكر له. يَسعد الإنسان عندما يرى هذا الأمر.

العام الماضي كانت الذكرى الثانية للشهيد سليماني، وكنت أنظر على نطاق المجتمع وما إلى ذلك، والأخبار التي كانت تصل، فرأيت أنه من دون أيّ ترويج، ولا أن يصدر قرار عن جهة ما، كان الناس يحيون ذكر هذا الشهيد بطريقة عفوية. هذا العام الأمر على النحو نفسه أيضاً. طبعاً، الحمد لله، ليس لدينا أي مشكلة أو نقص في هذه المجالات.

تارة يتحدث المرء عن الشهيد سليماني بشأن قضاياه الشخصية، والخصائص الفردية لهذا الرجل المتميز، وهو بالطبع باب مفصّل وجيد. لقد كان شجاعاً ومؤمناً، وكان يتحمل المسؤولية ويتقبل المخاطرة، وكان ذكياً وعقلانياً، وكلما يشعر أنه يجب أداء عمل ما أو يمكن فعله، كان يُقدم عليه. لم يكن في عمله توقف وتفكير وتردد وما إلى ذلك. هذه الخصائص الشخصية. كان لديه كثير من هذه الخصوصيات البارزة. الأهم من ذلك كلّه أنه كان مخلصاً ولم يفكر في الاسم والوجاهة وأن يعرفه الناس وما إلى ذلك. الإخلاص مهم جداً، وأعتقد أن هذا الإخلاص هو الذي جعل الله المتعالي يجيبه بهذه الطريقة. هذه إجابات دنيوية. هذا الاحترام والإجلال والتمجيد وما إلى ذلك يمثّل المكافآت الدنيوية للشهيد سليماني. طبعاً، بالنسبة إلى الأجر الأخروي، لا يصل ذهنُنا وعقلنا إلى معرفته أصلاً. إنه أسمى بكثير من هذه الكلمات التي يمكننا التفكير فيها أساساً. لكن تلك التي نراها في الدنيا هي أجر الإخلاص. كانت هذه إحدى خصوصياته الشخصية. كان يتمتع بالصفاء، وكان إنساناً صادقاً أيضاً وصريحاً. مع أنه كان ينخرط في قضايا سياسية معقدة ويمضي قُدماً ويعمل، وينجز أعمالاً جيدة أيضاً، غير أنه كان في الوقت نفسه إنساناً صريحاً وصادقاً ودون خديعة وغشّ. هذه نقطة مهمة للغاية. نعم، كان على هذا النحو في كل مجال يعمل فيه. طبعاً هذه هي الخصائص الشخصية. لقد قلت إن ما يمكننا الاستفادة من هذه الأمور هي أن ننظر ونسعى إلى بلورة هذه السمات في أنفسنا، فإذا لم تكن موجودة ولم نتمتع بها، فلنوجِد هذه السمات في أنفسنا. أن نكون حاملين المسؤولية ومخلصين حقاً، وأن نعمل لله حقاً، وأن نتحلى بالصدق والصفاء، فهذه هي الخصائص من ذاك النوع. الجزء الآخر هو الخصائص العملية للشهيد سليماني، أي نطاق عمله ومجاله. حسناً، الآن حينما أمعن النظر، أرى أنه يجري التركيز على جهود الشهيد سليماني في مواجهة «داعش»، سواء في العراق أو سوريا. نعم، بالطبع، كان عملاً مهماً للغاية. كانت «داعش» آفة حقاً ولا تزال، وقد خاض الشهيد سليماني غمار هذا الميدان جيداً، وتحرّكَ جيداً. لقد أبلى بلاءً حسناً ووظّفَ في هذه القضية تلك الخصوصيات الشخصية كلها التي أشرت إلى بعضها، وأوقف هذه الغائلة الكبيرة التي كانت تتنامى يوماً بعد يوم، وقطعَ كثيراً من جذورها. هذا جزء مهم، لكن لم يكن العمل الأهم للشهيد سليماني [إنما] من أحد أعماله.

العمل الأهمّ الذي تابعه منذ بداية تولّيه المسؤوليّة كان تقوية جبهة المقاومة في المنطقة، أي الأمر نفسه الذي يُبرز الاستكبارُ حساسيّةً تجاهه، وأمريكا حسّاسة حياله، ويحاججوننا ويجادلوننا فيه باستمرار في مختلف القضايا: لماذا لديكم حضور في المنطقة؟ لماذا تدعمون الحكومة أو المجموعة الفلانيّة أو الشخص الفلاني؟ أي قضيّة المقاومة. هناك ظاهرة اليوم في المنطقة أطلقنا عليها اسم المقاومة، وهذه ليست مجرّد المقاومة أمام الكيان الصهيوني، بل مقابل نفوذ الاستكبار. طبعاً، أمريكا رأس الاستكبار والشيطان الأكبر، لكنّ ذلك ليس منحصراً بأمريكا، فسائر الأجهزة الاستكباريّة مستكبرة أيضاً. هذه المقاومة هي مقاومة في وجههم. من وجهة نظري وتجربتي وما لمسته، بثَّ الشهيد سليماني روحاً جديدة في جبهة المقاومة هذه وفتحَ أمامها طريقاً جديداً وجهّزها من الجانب الروحي وكذلك المادي. كما أنّ شهادة سيّدنا الجليل وعزيزنا سماحة السيّد حسن نصر الله الذي هو حقّاً إنسانٌ لا مثيل له، شهادته بشأن السيّد سليماني بابٌ كبيرٌ في هذا المجال. سماحته يشهد أنّ الشهيد سليماني أحيا المقاومة، وأنا كنت أرى ذلك من كثب.

إنّ نشاطه في هذا المضمار كان بارزاً جدّاً ومهمّاً، وفي الحقيقة مهمّة الشهيد سليماني الأساسيّة هي هذه: الحفاظ على المقاومة وتنميتها وتجهيزها وإحياؤها على المستويين المادي والمعنوي. كان يبثّ الروحيّة والمعنويّات في هؤلاء، وكان يوجّههم ويرشدهم إلى الطريق، وأحياناً يُمسك بأيديهم ويأخذهم في ذاك الاتجاه الذي لا بدّ أن يسيروا نحوه من الناحية المعنويّة والروحيّة. هكذا كان. من الناحية الماديّة أيضاً، عضّد سواعدهم. حسناً، نحن لم ننسَ وكنت ألقي الخطابات في تلك السنوات [وأقول] إنّ الفلسطينيّين يكافحون بالحجارة، والفلسطينيّون كانوا حقّاً يناضلون في ذلك اليوم بالحجارة. لم يكن لديهم شيء آخر. حسناً، قارنوا ذلك مع وضع فلسطين اليوم، سواء الذي يحدث في غزّة أو في الضفّة الغربيّة. هل تُمكن المقارنة أصلاً؟ إنه أحيا المقاومة بالاعتماد على الإمكانات الداخليّة وتجاربه إبّان سنوات «الدفاع المقدّس» والمشورات الجيّدة التي كانت تُقدّم إليه. حسناً، أنجز عملاً عظيماً في هذا المجال، ولا بدّ من استكماله. السيّد قاآني تقدّم جيّداً، والحمد لله، سار جيّداً وملأ ذاك الفراغ بصورة كاملة في أمور كثيرة، الحمد الله. حسناً، الأعمال تتقدّم ولا بدّ لها ذلك، فهذه هي الوجهة؛ إن وجهة قضيّة المقاومة في المنطقة مسألة مهمّة. تُعدّ جبهة المقاومة نفسها بمكانة الجناحين للإسلام والنظام الإسلامي، وهذه قضيّة لا بدّ أن تحظى بالاهتمام.

هناك نقطة أخرى أودّ قولها بشأن الشهيد سليماني: طبعاً، كانت لديه ميزات كثيرة، وعلى الجميع وأولئك الذين يتحدّثون عنه أن يحرصوا على ألّا يجعلوا سمات الشهيد سليماني ما ورائية. إنه شخص حيّ يتحرك أمامنا و«يأكل الطعام ويمشي في الأسواق»[2]، أي ينبغي ألا يخيل أن هذا المقام بعيد المنال. كلا، لم يعرف أحدٌ حقيقة الشهيد سليماني عندما كان على قيد الحياة، والآن أيضاً هناك أشخاص على قيد الحياة لا يعرف أحدٌ كُنههم. إذا نالوا التوفيق وصاروا شهداء، فربما ينكشف ويُعرف ويُدرك جزء مما هم عليه. التفتوا حتماً إلى هذه النقطة.

هناك نقطة أخرى - النقطة الأخيرة إذ لم يتبقَّ وقت كثير - هي أن الشهيد سليماني يجب أن يبقى حيّاً. لا بدّ أن يبقى الشهداء جميعاً أحياء، فلا ينبغي السماح لغبار النسيان بأن يعلوهم. حسناً، لقد كان الشهيد سليماني من أبرز هؤلاء. يجب أن يبقوا أحياء، وجزءٌ من بقائهم أحياء يقع على عاتقي وعاتقكم. جزء آخر منه هو فعل الله إذ لا يرتبط بنا، فالله هو الذي يبقيه حيّاً. ولكن جزء منه أيضاً هو عملنا، تماماً مثل قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام)، فالله هو الذي أبقى الإمام الحسين حيّاً. لكن إذا لم نعقد مجلساً، أنا وأنتم، ولم نُقمِ اللطم ونتحدّث ونخطب ونقرأ العزاء، فلن يتحقّق هذا؛ أي أنّ إرادة الله تتطلب أسباباً - بالطبع الله هو من يجري الأسباب – وهذه الأعمال تُنجز بهذه الأسباب، فأسبابها أنا وأنتم. «وَتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الأسْبَابُ»[3]؛ لكن لا بدّ من الأسباب، وأولئك هم الأسباب. إذن، كيف علينا - نحن الأسبابَ - أن نتصرف؟ الآن، عندما جئت، كان التلفزيون يعرض مزار شهداء كرمان وما حول روضة الشهيد سليماني، وكانت الحشود غفيرة أيضاً. هذه الجموع موجودة طبعاً، لكن إلى متى ستبقى؟ كم سنة أخرى؟ لا يمكننا التنبؤ بهذا. إنما يمكننا أن نفعل شيئاً لضمان ذلك، وأن نفعل ما يضمن لنا ذلك. كيف؟ إبقاء السمات الشخصية والعامة للشهيد سليماني حيّةً بالطرق شتى، وفي مقدمتها الطرق الفنية. هكذا يكون الأمر. الآن حيث قلتم، [أي] هذه السيدة قالت إن هناك كتباً لمستويات متنوعة، فهذا جيّد، لكنّ الكتاب جزء من العمل فقط. فالتوثيق وصناعة الأفلام والمسلسلات وسرد الذكريات أمور مهمة للغاية ولها تأثير كبير، سواء بشأن الشهيد سليماني نفسه، أو بشأن أبي مهدي المهندس - رضوان الله تعالى عليه - الذي كان إنساناً بارزاً حقاً، ومتميزاً جداً، وأيضاً مخلصاً. إخلاصه جعل الله المتعالي يمنّ عليه باللطف والرحمة على هذا النحو، وكذلك بشأن سائر رفاقه والآخرين الذين استشهدوا معه، أو الحاضرين معه في المعارك. يجب نشر تلك الأمور والترويج لها بالطرق شتى، ولا سيما الفنية.

نسأل الله أن يرفع درجاته، وأن يُلحقنا بهم، إن شاء الله. ونسأله أن يجعلنا ممن يعرفون قدرهم، وأن تشملنا عنايته ودعاؤه وشفاعته، إن شاء لله. وكما كانت علاقتنا [بالشهيد سليماني] طيّبة جدّاً وصداقتنا عميقة في الدنيا، نسأل الله المتعالي أن يجعلنا كذلك في القيامة: أن نكون مقرّبين، وأن يكون طيّباً جدّاً وصديقاً ودوداً معنا، إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] استهلّ اللقاء بإلقاء اللواء حسين سلامي (القائد العام لحرس الثورة الإسلاميّة) والسيّدة زينب سليماني كلمتين بالمناسبة.

[2]  الفرقان/ 7

[3] الصحيفة السجادية، الدعاء السابع.