* مع أن حرب الأيام الخمسين في غزّة أطول في المدة من حربي الأيام الـ22 والثمانية، لكن يبدو أنّها حقّقت إنجازات أهمّ من الحروب السابقة. ما هذه الإنجازات من وجهة نظركم؟
أرى لزاماً عليّ في البداية أن أعرب عن جزيل شكري وتقديري القلبي لجمهوريّة إيران الإسلاميّة وقائدها العظيم الشأن الذي أبقى رايتي الإسلام وفلسطين ترفرفان عالياً. وقبل سماحته، استطاع الإمام الخميني (قدّه) رفع هاتين الرايتين وتحقيق النصر، وعلى هذا الأساس، وقفنا إلى جانب وجوده المبارك. إنّ نائبه، السيّد علي الخامنئي - دام ظلّه -، يخطو في هذا المسار أيضاً. أنا شخصيّاً أعتقد بأنّ هذا الشخص نعمة إلهيّة على الجمهوريّة الإسلاميّة. آية الله الخامنئي هو الحارس لبيرق الإسلام وإيران، وسوف تتحقّق أمنية الإمام [الخميني] الراحل بإقامة الصلاة في المسجد الأقصى على يده، إن شاء الله.
في ما يرتبط بما يجري في غزّة والضفّة الغربيّة لنهر الأردن والمناطق المحتلّة عام 1948 والمخيّمات الفلسطينيّة لا شكّ في أنّ هذه التطوّرات تشير إلى بدء العدّ العكسي لزوال الكيان الصهيوني. فكما تعلمون، فلسطين أرضٌ مقدّسة لجميع المسلمين حول العالم. تقع القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين بالنسبة إلى المسلمين في هذه الأرض. فلسطين أرض الأنبياء والمرقد لأربعة آلاف من شهداء صدر الإسلام وأصحاب رسول الله (ص). لذلك إنّ قضيّة فلسطين لا تتلخّص في فقدان الأرض والتراب، بل تشمل فقدان الهويّة الإسلاميّة أيضاً. فلسطين أرض المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة التي تُحفظ وتُحرس ببركة الإسلام.
ما يجري في نقاط فلسطين كلّها هو المقاومة القائمة منذ مئة عام، وعندما تنطلق المسيرات في الضفّة الغربيّة لنهر الأردن دعماً لأهالي قطاع غزّة، يشير هذا إلى ديناميكيّة هذا الشعب، وأنّ دماء مئات الآلاف من الشهداء لم تذهب هدراً. لا يُمكن في فلسطين العثور على عائلة لم تقدّم شهيداً أو أسيراً أو جريحاً. هذا هو مصير شعبنا: أن يقف بين الدول العربيّة والإسلاميّة في الخط الأمامي لتحرير القدس الشريف، وإنّ البشارة الكُبرى هي أنّنا خطونا الخطوة الأولى في سبيل تحريره.
شعبنا مستعدٌّ لتقديم المزيد من التضحيات في سبيل استمرار المقاومة في وجه الكيان الصهيوني. لذلك إنّ قضيّة فلسطين ليست على نحو أن تُحلّ في غضون أيام أو مدة وجيزة، لكنّني على إيمان تامّ بأنّ فلسطين ستتطهّر في نهاية المطاف من وجود الصهاينة.
بعد بدء الحرب في غزّة، كنت أتوقّع أن تكون هذه المعركة نقطة البداية لانتهاء الكيان الصهيوني وأيضاً الهجرة الواسعة لليهود إلى خارج الأراضي المحتلّة وعودتهم إلى وطنهم الأصلي. كما تعلمون، هناك مليون مهاجر قدموا من روسيا إلى فلسطين، لكنّ ستمئة ألف منهم كانوا مسيحيّين. عليه، المجتمع الصهيوني هو تركيب فيزيائي لا كيميائي. بهذا المعنى تركيبهم منفصل وغير مندمج، فبعضهم جاؤوا إلى فلسطين على أمل جني الثروات وآخرون من أجل حياة أفضل. حتّى إنّ بعضهم ليسوا غير مسيحيّين وغير يهود فقط، بل لا يعتقدون بالله أيضاً.
ذكر لي والدي حكاية قبل خمسين سنة سمعها من أسلافه. كان يقول إنّ اليهود سيأتون من أقطار العالم وبعد ذلك سيجري سيلٌ من الدماء ليصير البحر الأبيض المتوسّط كلّه بركة دماء ثمّ تتطهّر أرض الميعاد من وجود الصهاينة في نهاية المطاف.
كما قلت، سوف تتحقّق بعون الله أمنية الإمام [الخميني] الراحل على يد قائد جمهوريّة إيران الإسلاميّة الحالي، مع أنّ الثّمن لذلك سيكون باهظاً. لا بدّ أن تتّحد قوى الأمّتين الإسلامية والعربيّة كافة في كلّ زمان ومكان، وأن تخطو معاً وهي متكاتفة في هذا المسار لكي يتحقّق هذا الأمر بأقلّ نسبة من الخسائر. ما حدث في غزّة كان الحدّ الفاصل بين الكفر والإيمان، والفاصل بين خلوص النيّة من أجل الإسلام والابتعاد عنه.
* خلال حرب الأيام الخمسين في غزّة، قام أهالي الضفّة أيضاً من أجل دعم غزّة، وخلال اعتراضاتهم استشهد أيضاً 25 شخصاً. ما رأيكم عامة في تحرّكات أهالي الضفّة ضدّ الكيان الصهيوني؟
لا بدّ أن أقول بشأن الضفّة الغربيّة لنهر الأردن: ما من شكّ في أنّ شعبنا هناك خاض تحرّكات جديرة بالتقدير، وما يقارب ألف أسير في سجون الكيان الصهيوني هم من أهالي الضفّة، ومنهم 33 نائباً في البرلمان الفلسطيني، وقد استشهد العديد من الشهداء على هذا الطريق. هذه الأمور ليست ثمناً كبيراً من أجل تحرير فلسطين، بل إنّ ثمن فلسطين أكثر من هذا بكثير، ولا بدّ أن يُقدّم الآلاف من الشهداء والجرحى على هذا الطريق حتى يحين ذاك اليوم الموعود، إن شاء الله.
* ما التغيير الذي قد يُحدثه تسليح الضفّة في أجواء المقاومة الفلسطينيّة؟
لم يتبدّل خيارنا ومسارنا منذ بدأنا الكفاح والمواجهة مع الكيان الصهيوني حتّى اليوم. لقد قامت النهضات في فلسطين على نحو متتالٍ ووُلدت الثورة واحدة تلو أخرى، ومنها الثورة عام 1965 التي كنت أحد قادتها. منذ ذاك الزمان حتّى اليوم، لم يتبدّل مسارنا بخصوص الكفاح المسلّح. ولو كان الكفاح السياسي والدبلوماسي قائماً، فإنّه لم يتعارض أبداً مع المسلّح ولا بدّ أن يكونا في موازاة بعضهما بعضاً.
الكفاح المسلّح يزيد ثبات المقاومة وصمودها وقدرتها، كما أنّ الكفاح السياسي يشرحه ويوضّحه الكفاح الإعلامي أيضاً. في الحرب على غزّة، لم نشهد الانتصار المسلّح فقط، بل إنّ الكفاح الإعلامي والسياسيّ أيضاً كانا جديرين بالثناء إلى جانب المسلّح. لقد كانت الفعاليات السريّة والمخططة التي شهدناها خلال الحرب على غزّة جديرة بالثناء. ذُهل العدوّ أمام هذا الكفاح والقدرات كلّها فبادر إلى استهداف الأهداف غير العسكريّة من قبيل المساجد والمنازل السكنيّة. لماذا؟ لأنّه هُزم في العمل الاستخباري ولم تكن في حوزته معلومات. طبعاً كان حزب الله في لبنان قد باغت العدوّ قبلنا بالعمليّات الفريدة من نوعها والأنفاق السريّة وسائر الخطوات الأخرى التي أقدم عليها.
إنّ كلام قائد الثورة الإسلاميّة في إيران حول تسليح الضفّة كلامٌ عظيمٌ يستحقّ التقدير لكن لا بدّ أن ننظر في كيفيّة تمكّننا من تحقيق هذا الأمر. هذا ليس مجرّد ردّ سفير فلسطين وحده، بل هو ردّ المقاومة والشعب الفلسطينيّ وجميع الأصدقاء من المسلمين وغير المسلمين. قائد الثورة الإسلاميّة يتكلّم من مكانته وبصفته الشخص الذي أعلى رايتي الثورة الإسلاميّة وفلسطين ليس في العالم الإسلامي فحسب بل في أنحاء العالم كلّه، بكنّ الأهمّ من ذلك تحقيق هذا الكلام.
لا بدّ أن أقول في خلاصة إنّ كلام قائد الثورة الإسلاميّة في إيران يحتاج إلى التنفيذ والتطبيق على أرض الواقع. نحن نأمل أن تتحوّل أراضي فلسطين كلّها بشكل متلاحم إلى أراضٍ مشتعلة تُلهب الصهاينة، وأن ننتزع أرض فلسطين من قبضة الصهاينة حتى آخر شبر منها. إنّني أعتقد أنّ العدّ العكسي لزوال هذا الكيان وفنائه بدأ، وهم أيضاً يعلمون هذا الأمر.
قضيّة تسليح الضفّة الغربيّة قضيّة مهمّة جدّاً ويتحمّل كلّ فلسطيني ومنهم أنا العبدَ مسؤوليّة تحرير كلّ شبر من أرض فلسطين. إنّني أنا العبد، صلاح الزواوي، لم ينتهِ كفاحي حتى هذه اللحظة، ولا أزال جنديّاً وسأبقى كذلك. هذا المسار سيستمرّ حتى تحرير آخر شبر من أرض فلسطين. الكيان الصهيوني كيانٌ معتدٍ وغدّة سرطانيّة ولا بدّ أن يزول عاجلاً أم آجلاً.