بدأت ظاهرة انتقال مركز الثقل في عالم الغرب إلى القوى الأوراسية خلال العقدين الماضيين، بل يمكن أن نعود بها إلى الثورة البلشيفية في الاتحاد السوفياتي في الإمبراطورية الروسية بالدرجة الأولى، التي جعلت قوة تعدّ غير أوروبية، أي الإمبراطورية الروسية، قادرةً على أن تتطور وتتحدى الهيمنة الأوروبية سبعة عقود.

تلت ذلك - طبعاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي - محاولاتٌ لعملية تجديد النهب، أي تراكم رأسمالي عبر النهب الغربي لتجاوز أزمة الركود التي ضربته في الثمانينيات من القرن الماضي. خلال هذه المدة بدأت ثلاث قوى أوراسية الصعود. نتحدث بالدرجة الأولى عن الصين وبعدها روسيا بعدما تجاوزت أزمتها وعن إيران.

ما سرّ هذا التحوّل؟ بالدرجة الأولى عندما نتحدث عن الصين، هي تناقضات النظام الرأسمالي العالمي، ومسألة تقسيم العمل الدولي (International Division od Labor) التي جعلت الشركات الغربية المتنافسة بينها تسعى لزيادة هامش الربح بالتخفيف من أكلاف العمالة. هنا بدأت نقل المصانع من الغرب إلى الصين. كان هنالك ترحيب بهذه الخطوة من القيادة الصينية آنذاك، المتمثلة في دينغ شياو بينغ. وكانت هنالك خطة صينية لكسر الهيمنة الغربية. في النتيجة، إنّ عملية انتقال هذه المصانع والصناعات إلى الصين، وبدء الصينيين تقليد هذه الصناعات الغربية في مرحلة أولى، ثم الانتقال إلى مرحلة الابتكار في الثانية، وصولاً إلى مرحلة التحدي في الثالثة، كلّها كانت جزءاً من خطة بَناها الحزب الشيوعي الصيني منذ تأسيسه ومواجهته محاولات الهيمنة على الصين. الجدير ذكره أن الصين - إذا عدنا إلى الوراء قرنين تحديداً عام 1800 - كانت تنتج ثلث الناتج المحلي القائم عالميّاً، وتستطيع الاكتفاء ذاتياً، إذ لم تكن مضطرةً إلى الانفتاح على العالم.

كيف انفتحت الصين على العالم؟ عبر الغزو الغربي وتحديداً معركة أو حرب الأفيون. كانت بريطانيا آنذاك تستورد الشاي من الصين والذهب العملة المستخدمة، ما أدّى إلى عجز في الميزان التجاري بين بريطانيا والصين. حاولت بريطانيا أن تُعدّل الميزان التجاري عبر تصدير الأفيون المُنتج في الهند إلى الصين، وهذا ما أدّى إلى ضرب صحّة الصينيين بالدرجة الأولى واقتصادهم. عندما منع الإمبراطور هذه الآفة، شنّت بريطانيا عليه حرباً سميّت حرب الأفيون. هنا بدأت الصين أو مرّت بما سمّيَ «قرن الذلّ» بدءاً من 1839 حتى 1949، تاريخ تأسيس جمهورية الصين الشعبية. الصينيون يرون أنّ الصين بعد تأسيس الجمهورية الشيوعية أو الاشتراكية مرّت بثلاث مراحل:‌ مرحلة الوقوف على الأقدام (Standing Up) مع ماو تسي تونغ، تحديداً في مرحلة الخمسينيات حتى أواسط السبعينيات، ثم مرحلة الانفتاح والتأسيس للانطلاق في مرحلة دينغ شياو بينغ، وبعد ذلك مرحلة الانطلاق التي شهدتها مرحلة هو جينتاو والآن شي جين بينغ.

الصين تبذل جهدها حالياً، فهناك تحذيرات غربية قديمة منذ كانت الصين تعاني من أزمتها بفعل الخطر الذي تمثّله على الهيمنة الغربية. إذا قرأنا المحللين أو المفكرين الجيو-سياسيين مثل ماهان أو سبيكمان أو غيرهم، فإنهم يحذرون من خطر «البربرية الصينية» على الحضارة الغربية، ولذلك ما نشهده الآن هو عملية تحول بنيوية في النظام الدولي لقوى الإنتاج من الغرب إلى الصين بالدرجة الأولى، والقوى الأوراسية معها بالدرجة الثانية. هذا يترافق أيضاً مع تحول في طرق التجارة العالمية بعيداً عن الهيمنة الغربية‌، وهو يفسر الصراع الجاري الآن في عدد من المناطق مثل أوكرانيا، ومنطقة البحر البلطيق، وسوريا، واليمن، ومضيق هرمز، وجنوب بحر الصين. كل هذا جزء من الصراع على طرق المواصلات البحرية، ولذلك الصين لجأت إلى طريق بديل أو طرق بديلة هي مبادرة حزام وطريق، أي تجاوز الطرق البحرية‌ التي تسيطر عليها الولايات المتحدة‌ إلى طرق بريّة بعيدة عن الهيمنة الأمريكية، وهذا يُفسر هذه المبادرة. لذلك، نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية‌ حاولت عرقلة هذا المشروع باحتلال أفغانستان والتمدد نحو وسط آسيا. لذلك، نرى المشروع الأمريكي عندما عجزوا عن السيطرة على أفغانستان، سلّموها لمن يمكن أن يجعل أفغانستان برميل بارود متفجر في قلب آسيا.

ما يجري الآن هو أن قوى الإنتاج انتقلت فعلياً إلى القوى‌ الأوراسية ونتحدث عن تكتل يضم: الصين وروسيا وإيران، وهو يغلق قلب البر الأوراسي أمام أي نفوذ أميركي. أيضاً هنالك تكاتف بين هذه القوى‌ الثلاث لمنع الولايات المتحدة من تطويق أوراسيا. فالولايات المتحدة‌ التي فقدت الأفضلية الاقتصادية (Economic Edge) تحاول الآن أن تطوق القوى التي صارت المنتجة في العالم عبر منعها من الوصول إلى طرق التجارة البحرية،‌ أي إلى السوق العالمية، لأننا نعرف أن 80% من التجارة الدولية‌ تمر عبر طرق الملاحة البحرية‌، وهذا يُفسّر محاولات تطويق أوراسيا عبر البلطيق وأوكرانيا وسوريا، أي الأزمات في هذه المناطق، واليمن ومضيق هرمز وجنوب بحر الصين. أيضاً هذا يُفسر محاولات الصين التحالف مع بعض القوى البحرية‌ مثل الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل ومحاولاتها إيجاد طرق بحرية بديلة عن التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، ما يفسّر كذلك محاولات الصين شق قناة في نيكاراغوا كبديل عن باناما.

في تقديري، يتّجه المسار نحو انحدار الغرب وصعود الشرق وصعود آسيا خصوصاً، مع انتقال مركز الثقل الاقتصادي أيضاً من شمال الأطلسي إلى المحيط الهندي. أعتقد أن هذه العملية‌ بحاجة إلى‌ عقد آخر ونحن نشهد تجلياتها في أزمة الاتحاد الأوروبي، وأزمة إفلاس بعض الدول الأوروبية مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا، وكذلك الأزمة الوجوديّة التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي الآن، إضافةً إلى إستراتيجية الولايات المتحدة في التخلي عن التمدد الزائد في البر الأوروبي والاستعاضة عن ذلك بالتحالف مع بريطانيا كمحطة تراقب منها البر الأوراسي من الغرب، وأستراليا كمحطة تراقب منها البر الأوراسي من الشرق.

بدأت ظاهرة انتقال مركز الثقل في عالم الغرب إلى القوى الأوراسية خلال العقدين الماضيين، بل يمكن أن نعود بها إلى الثورة البلشيفية في الاتحاد السوفياتي في الإمبراطورية الروسية بالدرجة الأولى، التي جعلت قوة تعدّ غير أوروبية، أي الإمبراطورية الروسية، قادرةً على أن تتطور وتتحدى الهيمنة الأوروبية سبعة عقود.

تلت ذلك - طبعاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي - محاولاتٌ لعملية تجديد النهب، أي تراكم رأسمالي عبر النهب الغربي لتجاوز أزمة الركود التي ضربته في الثمانينيات من القرن الماضي. خلال هذه المدة بدأت ثلاث قوى أوراسية الصعود. نتحدث بالدرجة الأولى عن الصين وبعدها روسيا بعدما تجاوزت أزمتها وعن إيران.

ما سرّ هذا التحوّل؟ بالدرجة الأولى عندما نتحدث عن الصين، هي تناقضات النظام الرأسمالي العالمي، ومسألة تقسيم العمل الدولي (International Division od Labor) التي جعلت الشركات الغربية المتنافسة بينها تسعى لزيادة هامش الربح بالتخفيف من أكلاف العمالة. هنا بدأت نقل المصانع من الغرب إلى الصين. كان هنالك ترحيب بهذه الخطوة من القيادة الصينية آنذاك، المتمثلة في دينغ شياو بينغ. وكانت هنالك خطة صينية لكسر الهيمنة الغربية. في النتيجة، إنّ عملية انتقال هذه المصانع والصناعات إلى الصين، وبدء الصينيين تقليد هذه الصناعات الغربية في مرحلة أولى، ثم الانتقال إلى مرحلة الابتكار في الثانية، وصولاً إلى مرحلة التحدي في الثالثة، كلّها كانت جزءاً من خطة بَناها الحزب الشيوعي الصيني منذ تأسيسه ومواجهته محاولات الهيمنة على الصين. الجدير ذكره أن الصين - إذا عدنا إلى الوراء قرنين تحديداً عام 1800 - كانت تنتج ثلث الناتج المحلي القائم عالميّاً، وتستطيع الاكتفاء ذاتياً، إذ لم تكن مضطرةً إلى الانفتاح على العالم.

كيف انفتحت الصين على العالم؟ عبر الغزو الغربي وتحديداً معركة أو حرب الأفيون. كانت بريطانيا آنذاك تستورد الشاي من الصين والذهب العملة المستخدمة، ما أدّى إلى عجز في الميزان التجاري بين بريطانيا والصين. حاولت بريطانيا أن تُعدّل الميزان التجاري عبر تصدير الأفيون المُنتج في الهند إلى الصين، وهذا ما أدّى إلى ضرب صحّة الصينيين بالدرجة الأولى واقتصادهم. عندما منع الإمبراطور هذه الآفة، شنّت بريطانيا عليه حرباً سميّت حرب الأفيون. هنا بدأت الصين أو مرّت بما سمّيَ «قرن الذلّ» بدءاً من 1839 حتى 1949، تاريخ تأسيس جمهورية الصين الشعبية. الصينيون يرون أنّ الصين بعد تأسيس الجمهورية الشيوعية أو الاشتراكية مرّت بثلاث مراحل:‌ مرحلة الوقوف على الأقدام (Standing Up) مع ماو تسي تونغ، تحديداً في مرحلة الخمسينيات حتى أواسط السبعينيات، ثم مرحلة الانفتاح والتأسيس للانطلاق في مرحلة دينغ شياو بينغ، وبعد ذلك مرحلة الانطلاق التي شهدتها مرحلة هو جينتاو والآن شي جين بينغ.

الصين تبذل جهدها حالياً، فهناك تحذيرات غربية قديمة منذ كانت الصين تعاني من أزمتها بفعل الخطر الذي تمثّله على الهيمنة الغربية. إذا قرأنا المحللين أو المفكرين الجيو-سياسيين مثل ماهان أو سبيكمان أو غيرهم، فإنهم يحذرون من خطر «البربرية الصينية» على الحضارة الغربية، ولذلك ما نشهده الآن هو عملية تحول بنيوية في النظام الدولي لقوى الإنتاج من الغرب إلى الصين بالدرجة الأولى، والقوى الأوراسية معها بالدرجة الثانية. هذا يترافق أيضاً مع تحول في طرق التجارة العالمية بعيداً عن الهيمنة الغربية‌، وهو يفسر الصراع الجاري الآن في عدد من المناطق مثل أوكرانيا، ومنطقة البحر البلطيق، وسوريا، واليمن، ومضيق هرمز، وجنوب بحر الصين. كل هذا جزء من الصراع على طرق المواصلات البحرية، ولذلك الصين لجأت إلى طريق بديل أو طرق بديلة هي مبادرة حزام وطريق، أي تجاوز الطرق البحرية‌ التي تسيطر عليها الولايات المتحدة‌ إلى طرق بريّة بعيدة عن الهيمنة الأمريكية، وهذا يُفسر هذه المبادرة. لذلك، نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية‌ حاولت عرقلة هذا المشروع باحتلال أفغانستان والتمدد نحو وسط آسيا. لذلك، نرى المشروع الأمريكي عندما عجزوا عن السيطرة على أفغانستان، سلّموها لمن يمكن أن يجعل أفغانستان برميل بارود متفجر في قلب آسيا.

ما يجري الآن هو أن قوى الإنتاج انتقلت فعلياً إلى القوى‌ الأوراسية ونتحدث عن تكتل يضم: الصين وروسيا وإيران، وهو يغلق قلب البر الأوراسي أمام أي نفوذ أميركي. أيضاً هنالك تكاتف بين هذه القوى‌ الثلاث لمنع الولايات المتحدة من تطويق أوراسيا. فالولايات المتحدة‌ التي فقدت الأفضلية الاقتصادية (Economic Edge) تحاول الآن أن تطوق القوى التي صارت المنتجة في العالم عبر منعها من الوصول إلى طرق التجارة البحرية،‌ أي إلى السوق العالمية، لأننا نعرف أن 80% من التجارة الدولية‌ تمر عبر طرق الملاحة البحرية‌، وهذا يُفسّر محاولات تطويق أوراسيا عبر البلطيق وأوكرانيا وسوريا، أي الأزمات في هذه المناطق، واليمن ومضيق هرمز وجنوب بحر الصين. أيضاً هذا يُفسر محاولات الصين التحالف مع بعض القوى البحرية‌ مثل الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل ومحاولاتها إيجاد طرق بحرية بديلة عن التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، ما يفسّر كذلك محاولات الصين شق قناة في نيكاراغوا كبديل عن باناما.

في تقديري، يتّجه المسار نحو انحدار الغرب وصعود الشرق وصعود آسيا خصوصاً، مع انتقال مركز الثقل الاقتصادي أيضاً من شمال الأطلسي إلى المحيط الهندي. أعتقد أن هذه العملية‌ بحاجة إلى‌ عقد آخر ونحن نشهد تجلياتها في أزمة الاتحاد الأوروبي، وأزمة إفلاس بعض الدول الأوروبية مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا، وكذلك الأزمة الوجوديّة التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي الآن، إضافةً إلى إستراتيجية الولايات المتحدة في التخلي عن التمدد الزائد في البر الأوروبي والاستعاضة عن ذلك بالتحالف مع بريطانيا كمحطة تراقب منها البر الأوراسي من الغرب، وأستراليا كمحطة تراقب منها البر الأوراسي من الشرق.