ما هي مؤشرات هذا اللقاء للأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين»، السيد زياد النخالة والوفد المرافق له مع قائد الثورة الإسلاميّة؟ وما هي دلالات التوقيت؟
في الحقيقة، لا شكّ أن توقيت اللقاء يحمل العديد من المؤشرات، فقد حصل هذا اللقاء بعد خوض «حركة الجهاد الإسلامي» لمعركة ثأر الأحرار والتي أثبتت فيها الحركة جدارة عالية في القتال وفي إشغال العدو، وفي تجاوز الصدمة التي حاول الاحتلال أن يُحدثها عبر استهداف مجموعة من قادتها العسكريين في قطاع غزة. من هذا المنطلق خرجت «حركة الجهاد الإسلامي» أكثر صلابة، وبشكل أو بآخر، لاحظنا الاعتماد على إمكانيتها وتركيز القتال من قبلها بشكل منفرد وإن كان مع بعض العون والقتال من قبل بعض الفصائل، لكن هذا الحضور لحركة الجهاد الإسلامي بهذه القوّة وخوض هكذا معركة بهذه الإمكانيات والقدرة على إشغال العمق الصهيوني وشلّ الحركة في نصف كيان الإحتلال لمدّة خمسة أيام، كان بمثابة إشارة جديدة على مدى قدرة هذه الحركة على إدارة معركة طويلة الأمد واستنزاف الاحتلال وعدم الانكسار أمامه ودفعه في نهاية المطاف للمطالبة بوقف العملية. لذلك يحمل اللقاء مع الإمام الخامنئي على هذا المستوى العديد من الإشارات ويؤكّد على أنّ هذه الحركة أكثر ثباتاً ورسوخاً في خياراتها في المقاومة وكذلك في ارتباطها مع هذا المحور بشكل عام، وعلى أنّها جزء أساسي يُعتمد عليه وعلى أنّها جزء مؤثر وموضع ثقة من قبل القيادة في الجمهورية الإسلامية في إيران ومن قبل سماحة الإمام الخامنئي بشكل أساسي. أتى اللقاء ليبارك جهود حركة الجهاد ويعطي هذه الجهود بعداً يرتبط بدور المحور بشكل عام، وعلى أنّها جزء لا يُمكن الاستفراد فيه ولا يُمكن إضعافه ولا يُمكن إسقاطه، فهو جزء يحظى بكل أشكال الدعم وبكل أشكال التأييد والاستعداد لتقديم ما يحتاج إليه في مواجهة الاحتلال، وعلى أنّ المعركة التي يخوضها هي جزء من هذا المحور، ولها دور أساسي في أيّ معركة كبرى، وأنّ الاحتلال إن فكّر أن يسترد أو يستضعف الجهاد الإسلامي فهي تحظى بهذا المستوى من التأييد والدعم والاهتمام وهذه المسألة هي مؤشر صلب على مدى العلاقة المتينة مع الجهاد الإسلامي والدعم الكبير الذي تُقدّمه الجمهورية الإسلاميّة.
مقابل الارتباك الواضح للصهاينة، الذي يصرّح به مسؤولو الكيان أنفسهم، هناك إصرار فلسطيني كبير على المُضي قدماً بخيار المقاومة من قبل الشعب وفصائل المقاومة على حدّ سواء؛ كيف تقيّمون واقع القضية الفلسطينية اليوم؟
ركّز الإمام الخامنئي في هذا اللقاء على الحالة التي يمرّ بها الكيان الصهيوني، على مستوى ما يعيشه من تحديات وإرباك وانقسامات وشرذمات داخلية تُظهر أنّ هذا الكيان يعاني من أزمة داخلية في معالجة أزماته. فهذا الكيان يعيش حالة التناقض الداخلي التي انفجرت من خلال الأزمة الأخيرة والتي عبّرت عن أنّه كيان مصطنع، وليس له جذور، كيان هو نتاج لعملية مركّبة لتجميع هذا الشتات من مختلف أنحاء العالم من أجل خلق هذا الكيان كغدّة سرطانية، كمركز للتآمر الدولي على المنطقة، وكمركز لاستنزاف طاقات هذه الأمّة. لذا، هذا الإرباك الداخلي هو نتاج طبيعي لهذا المسار غير المنسجم على مستوى مختلف الشرائح الصهيونية. هذا الإرباك يُقابل أيضاً بقلق وجودي يرتبط بتغيّر البيئة الاستراتيجية لكيان الاحتلال، وبروز قوى المقاومة التي تشكّل تحدّياً أساسياً وجوهرياً، وكذلك تطوّر قدرات الجمهورية الإسلامية في إيران وهذه المسألة أيضاً توجد تحدّيات وجوديّة، لا يستطيع الاحتلال تغييرها أو التعامل معها، أو تغيير مسارها، وبالتالي كلّ هذه القضايا تجعل الكيان الصهيوني في أضعف حالاته وأصعبها حقيقةً على مستوى وجوده، وهي تولّد حالة من التوتّرات المختلفة داخلياً وخارجياً في سياسات هذا الاحتلال.
بالنسبة لموضوع رؤية فصائل المقاومة لطريقة الصراع وتحديد المسار الواضح لها في مواجهة الاحتلال عبر الخيار العسكري واعتماد الوسائل المختلفة في القتال والاستنزاف وجر الاحتلال إلى استعمال قوّته في كثير من الأماكن التي تعتبر استنزافاً وإشغالاً لهذه القوّة، فهي تؤكد أن خيار المقاومة هو الخيار الأنجح والأكثر فعالية في مواجهة الاحتلال، وخصوصاً تركيز سماحة الإمام الخامنئي على ما يفعله الجهاد الإسلامي على مستوى أساليبه وأدواته وتحديده لأهدافه كمسألة جهوزية في مسار عمل المقاومة المجدي والفعّال والمؤثر على الكيان الصهيوني. هناك أيضاً نقطة في كلمة القائد خلال اللقاء تتعلّق بقوّة فصائل المقاومة التي تُظهر يوماً بعد يوماً أنها تتعاظم وتشكل تحدّيا أكثر فأكثر أمام الاحتلال والذي يخوض في كلّ مرحلة من المراحل صراعاً معها ليجدها أكثر صلابة وأكثر تخطيطا وأكثر تنظيما في عملها، كذلك أكثر قوّة على مستوى الإمكانيات والرماية الصاروخية وعلى مستوى أداء مقاتليها في مختلف المستويات وهذا الأمر يُشكّل إنجازا واضحا لهذه الفصائل التي عزّزت واستفادت من أوقات الهدوء لتعزيز إمكانياتها وقدراتها استعدادًا للمراحل اللاحقة وهي تراكم التجارب وتتعلم الدروس وهذه مسألة حيوية وجوهرية على مستوى الصراع مع الاحتلال.
ماذا بخصوص العدوان الأخير على غزة وعملية «ثأر الأحرار»؟
فيما يتعلّق بجولة القتال الأخيرة أو عملية ثأر الأحرار التي خاض فيها الجهاد الإسلامي قتالاً مشرّفاً لمدّة خمسة أيام استهدف فيها العمق الصهيوني، وخرق فيها القبّة الحديدية واستخدم فيها أسلحة وصواريخ جديدة وأدخل قرابة نصف الكيان الصهيوني في الملاجئ، هذا يمثّل إنجازاً وانتصاراً كبيراً لهذا الفصيل المقاوم الذي على الرغم من أنه تعرّض لضربات سابقة في بعض قياداته الميدانية، خرج وهو أكثر قوّة وأكثر صلابة واستعداداً لمواصلة القتال بينما كان الاحتلال يتوسل ويرجو أن تقف العملية ويتدخّلَ الوسطاء. هذا يؤكّد أن المقاومة أوقعت في صفوف الاحتلال الأذى والمقتل وجعلته يدفع أثماناً لاعتداءاته وعدوانيته. هذه المسألة تؤكّد أن الكيان الصهيوني أظهر المزيد من نقاط الضعف، وأظهر المزيد من الهشاشة على مستوى جبهته الداخلية، وأظهر أنّ المقاومة قادرة أكثر فأكثر على إيذائه وتحقيق الهزائم في صفوفه. بالنسبة لأداء الجهاد الإسلامي أيضا في هذه المعركة، كان من الواضح أن هذا الأداء كان أداءً مميزاً حيث أظهر المقاتلين والتشكيلات العسكرية على أنّها تُدار وفق آليات واضحة، ووفق آليات منظّمة وهناك قياد وسيطرة على العمليات بشكل كامل، وكان لدى المقاومة القدرة على تنظيم ضرباتها وتحديدها وتوجيهها باتجاه نقاط محددة، وهذا يؤكد أن المقاومة عملت بشكل كامل ضمن أداء متواصل خلال 5 أيام دون أن يتمكّن الاحتلال لا أن يوجّه ضربات لبعض نقاط الضعف، ولا أن يمنع ويحدّ من عمليات إطلاق الصواريخ التي استمرّت بشكل متزايد ومنظّم.
أشار الإمام الخامنئي في كلمته إلى أن ظروف الكيان الصهيوني قد تغيّرت مقارنة بما كان عليه قبل سبعين عاماً، وقادة الصهاينة «لديهم الحق في القلق من إمكانية ألا يروا ثمانينية هذا الكيان»، ما هي أبرز أسباب هذا القلق؟
من القضايا التي أشار إليها الإمام الخامنئي في كلمته هي تلك المتعلّقة بـ«لعنة العقد الثامن» بحسب التعبير الإسرائيلي، وهو أنّ الاحتلال بات يشعر بأن أجله يقترب. هناك تجارب تاريخية لدى الصهاينة، فهم يقولون بأن كان لديهم مملكتين في التاريخ وهذه الممالك لم تتجاوز الثمانين عاماً، ونهاية هذه الممالك أتت نتيجة انقسامات داخلية وتحديات خارجية قاهرة، أكبر من قدرة الاحتلال على المواجهة. هناك مقارنة بين تلك الحالات وما يجري حالياً. إن شعور الاحتلال بأنّه يمرّ بحالة من التشرذم والانقسام والخلاف على المستوى الداخلي بشكل كبير، ووجود قوّة تمتلك إمكانيات كبيرة على مستوى خوض القتال والتدمير في داخل كيان الاحتلال تعتبر مؤشرات على أنّ الاحتلال قد لا يُكمل الثمانين عاماً. هذا القلق حقيقي ويعيشه كيان الاحتلال، ومن هذا المنطلق هناك الكثير من المؤشرات التي يُمكن أن توصل إلى أن هذا الاحتلال لن يتجاوز العقد الثامن، وأنّ نهايته ستكون قريبة بإذن الله.
تشهد الضفّة الغربية اقتدارا متنامياً لفصائل المقاومة، فما هو الدور الذي تلعبه الضفّة في مواجهة الكيان المحتلّ؟
بالنسبة إلى ما تحدّث عنه سماحة القائد حول الضفّة الغربية، فمن دون شكّ هذه المسألة هي ساحة جديدة وجبهة جديدة تستنزف الاحتلال. باتت المقاومة تمتلك في هذه الجبهة في السنوات الأخيرة عمقاً يسمح لها بالتحرّك وتنظيف صفوفها وتشكيلاتها والانطلاق نحو مواجهة قوات الاحتلال التي تقتحم المدن الفلسطينية، إضافةً إلى انطلاقها لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال في الضفّة أو في الأراضي المحتلّة عام 48. أخيراً اعتبر الاحتلال أنّه يخوض تكتيكات عسكرية لمواجهة هذه التشكيلات، لكنّه فشل في القضاء عليها رغم عمليات الاعتقال المتواصلة وعمليات الاغتيال، وهذا يؤكّد على أنّ المقاومة نجحت في تحويل الضفّة الغربية إلى بؤرة أساسيّة للمواجهة ويؤكّد أيضاً على أنّ المقاومة الفلسطينية في هذا المكان باتت أقوى وأكثر قدرة على التحرّك وتوجيه الضربات للصهاينة.
أثنى قائد الثورة الإسلاميّة على مبادرة الفصائل الفلسطينية من أجل توحيد العمل على الساحة السياسية والميدانية، كيف تجلّى هذا الأمر في معركة «ثأر الأحرار»؟
على مستوى العمل الفلسطيني الموحّد بين الفصائل، فهو عنصر أساسي برز في عملية «ثأر الأحرار» من خلال إدارة العملية عبر غرفة العمليات المشتركة، وهي كانت عنصر قوّة للفلسطينيين، ولم تسمح للاحتلال بأن يحاول الاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي، إنّما أظهرت أنّ هناك صفّاً واحداً، موقفاً واحداً، كلمة ًواحدة، وتعاوناً على المستوى الميداني، وهذا قدّ عزّز موقف الفلسطينيين، ولم يسمح للاحتلال اللعب على التناقض أو الذهاب نحو توجيه ضربات ضدّ فصيل معيّن وإنهاء العملية، وكأنّ هذه المشكلة تخصّ هذا الفصيل. الاحتلال فشل في هذه النقطة، وأظهرت المقاومة من خلال حكمتها أنّها قادرة على ضرب هذه المؤامرة. في نهاية المطاف، على مستوى دعم الجمهورية الإسلامية لفصائل المقاومة، فهو دعم لا شكّ فيه، وهذا اللقاء هو جزء من لقاء السيّد القائد مع قادة الفصائل، وتأكيده لهم بأنّ الجمهورية الإسلامية، كانت وستبقى حاضرة إلى جانبهم. ليس هناك أدنى شكّ بأنّ الجمهورية الإسلامية وقفت وتقف بكلّ إمكانياتها إلى جانب الشعب الفلسطيني، وتقدّم ما تستطيع على المستويات المختلفة لفصائل المقاومة، وكانت على قدر هذا التحدّي. كانت الطرف الأكثر وفاءً لقضيّة الشعب الفلسطيني والأكثر حضوراً في تقديم المساعدة لهذا الشعب، وهناك إدراك لدى الجميع، بأنّ ما قدّمته الجمهورية الإسلاميّة في إيران، كان عاملاً مساهماً وأساسياً في مقاومة هذا الشعب وصموده وبنائه لقوّته في مواجهة تحديات الاحتلال، هذا الدعم هو دعم حاضر وغير مشروط، ودعم لا يقف عند حدود معيّنة، رغم أنّ الجمهورية الإسلامية في إيران فعلت الكثير في طريق دعمها للشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال، وكلام الإمام الخامنئي يؤكّد على أنّ هذا الدعم سيستمرّ، وسيبقى، وانّ الجمهورية الإسلاميّة مستعدّة لتقديم كلّ ما تستطيع لفصائل المقاومة وللشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.