بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ سفير الجمهورية الإسلامية، السادة العلماء، إخواني جميعاً سأتكلم الآن في موضوع بعيد قليلاً عن الوضع الفلسطيني لأن هنالك من الإخوة المشاركين من سيفون هذا الموضوع حقّه.
إن النداء الذي وجهه الإمام الخامنئي ـ دام ظلّه ـ إلى حجاج بيت الله الحرام هذا العام مهمٌ جداً وقد جاء في أوانه إسلامياً وعالمياً واحتوى تجديداً وتعميقاً في التعامل مع الحج من قبل الحجاج كما في مفهومي الوحدة والروحانية.
وكان ذلك من خلال فهمٍ عميق وسديد لمشاكل العصر وما تواجهه البشرية من تحديات معاصرة سياسياً، أخلاقياً، اجتماعياً وإنسانياً، وبهذا يصار إلى الانتقال بالحج مع التشديد على كونه فريضة وشعيرة إسلامية إيمانية إلى أن يكون في هذا العام جواباً إسلامياً شرعياً وجواباً وحدوياً وروحانياً عن أسئلة العصر كذلك، ومن ثم الارتقاء بذلك كله من خلال التأمل في الحج وممارسته، أولاً لتوحيد الأمة الإسلامية على تعددها وتنوعها، كما تسجيل الموقف البشري في النظر إليه من منطلق التواضع والبساطة وعدم التطلع إلى المظاهر والترف.
وثاني الأمور التي يُعلّمها الحجّ هو لباس الإحرام والوحدة في أداء الشعيرة.
إن دور الاستكبار الأمريكي والصهيوني لا يقتصر على الهيمنة السياسية والنهب العالمي فحسب، وإنما أيضاً نشر الانحطاط الأخلاقي عالمياً والتفريق الفتنوي لصفوف المسلمين والإفساد العالمي. بحيث يستهدف تحطيم إنسانية الإنسان وتشويه خلق الإنسان وذلك بتعميم أفكارٍ وأخلاقٍ منافية للدين والإيمان والقيم التي قامت الروحانية بتكريسها.
ويكفي أن نتوقف لفهم أعمق لنداء الإمام الخامنئي ـ أمد الله في عمره ـ أمام الظاهرة التي أخذ الاستكبار العالمي والصهيونية بنشرها بل بفرضها على المجتمعات وخصوصاً الأجيال الصاعدة، مثلاً في أن يخيّر الصغار في الخامسة من العمر، بأن يكونوا ذكراً أو أنثى أو ما بينهما، الأمر الذي يذهب إلى التناقض مع الخلق والفطرة وطبيعة الكائن البشري مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تمزيق عرى الأسرة والعلاقات الاجتماعية والإنسانية وبهذا يصبح الفرد معزولاً مريضاً ينحط إلى ما هو دون البهيمية.
هذا الاتجاه العالمي للاستكبار الأمريكي والغربي والصهيوني أخذ يواجه بمعارضة عالمية بما في ذلك من رؤساء دول مثل: روسيا والصين وعشرات الدول، ولا سيما الإسلامية، الأمر الذي يجعل نداء الإمام الخامنئي بالتمسك بالوحدة والروحانية وبالمعاني التي أعطاها لهما إرشاداً ضرورياً ليس للحجاج فحسب وإنما أيضاً للشعوب والدول والحكومات الإسلامية، لإرساء مشتركٍ عالمي لتشكل جبهة عالمية ضد الاستكبار الأمريكي والصهيوني، ليس على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري فحسب إنما أيضاً على مستوى الأخلاق والقيم والحياة الاجتماعية التي تتماشى مع الفطرة التي خلق الله تعالى البشر عليها.
وبالمناسبة ثمة ظاهرة آخذة بالتوسع من قبل عائلات هاجرت إلى الغرب بقصد العيش وأصبحوا مواطنين، وهي العودة إلى بلدانهم العربية والإسلامية نجاةً بأطفالهم الصغار من مثل الأفكار التي أخذ الاستكبار ينشرها في بلاده ومدارسه.
هؤلاء أخذوا يتخلون عما وصلوا له من استقرار فردي ومستوى معيشي لينجوا بدينهم وأخلاقهم وتماسك أسرهم وهذا لم يكن كذلك فيما مضى.
أيها الإخوة إن نداء الإمام الخامنئي يضم فيما تضمنه توجيهات مهمّة أخرى في غاية الأهمية، ركزت على الوحدة، بحيث يضع علماء العالم الإسلامي وجامعاته أيديهم بأيدي بعضهم بعضاً وينظر علماء المذاهب إلى بعضهم بحسن الظن والتودد والإنصاف، ويستمع بعضهم إلى بعض من أجل اتحاد الأمة، ويشعر أفرادها من خلال ما يرسخونه فيما بينهم بما يجمعهم من مشتركات، وذلك للتشجيع على التعايش والأخوة.
وثمة بعد آخر ركز عليه الإمام الخامنئي في ندائه لحجاج بيت الله الحرام وهو حثّ رواد السياسة والثقافة في ظروف انهيار النظام العالمي القديم ونشوء عالم جديد على الوحدة وتنسيق الجهود بينهم من أجل تحقيق المكانة اللائقة بالأمة الإسلامية في العالم القادم، وعدم تكرار ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى حينما هندست دول الاستكبار بلدان غربي آسيا وجزّأتها ووضعت الأسافين بين حدودها، وهو ما جعل النظام العالمي السابق الذي أخذ ينهار وبالاً عليها طول قرنٍ ونيفٍ من الزمان.
فنداء الإمام الخامنئي نداءٌ للحاضر والمستقبل ولمواجهة تحديات هذا العصر، وشكراً لكم والسلام عليكم.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir