شدّد الإمام الخامنئي في كلمته خلال زيارته إلى جامعة الضبّاط التابعة للقوّات المسلّحة على أنّ عمليّة «طوفان الأقصى» والخطوة التي أقدمت عليها المقاومة الفلسطينيّة ضدّ الكيان المحتلّ للقدس كانت هزيمة لا يمكن ترميمها. ما الذي اختلف في الكيان المحتلّ للقدس بعد عمليّة «طوفان الأقصى» وما هو التأثير الذي تركته هذه العمليّة على الكيان الغاصب بشكل عام؟
تعود عدم إمكانيّة ترميم الصهاينة للهزيمة التي لحقت بهم في عمليّة «طوفان الأقصى» إلى ماهيّة هذا الكيان ووجوده. من المعروف أنّهم يقولون بأنّ كلّ الحكومات تملك الجيوش لكنّ إسرائيل جيشٌ يملك دولة. لقد حقّقت المقاومة الفلسطينيّة كلّ الأهداف التي حدّدتها لنفسها في هذه العمليّة في غضون يومين. لقد خطّطوا لهجوم ودفاع أيضاً، ونجحوا في دخول أراضي الـ1984، وسيطروا على 22 مستعمرة يقطنها الصهاينة وأسرت مختلف الأشخاص، ولم يُؤسر جميعهم في الحرب بل بعضهم كانوا جنوداً أُسروا في بيوتهم.
قال الإمام الخامنئي بأنّ الجميع يُجمعون على تكبّد الكيان الصهيوني هزيمة استخباراتيّة وعسكريّة في هذه الحرب، لكنّ سماحته أضاف قائلاً بأنّ الهزيمة التي تلقّاها هذا الكيان لا يمكن ترميمها. لو أنّنا فسّرنا هذا الأمر بأنّه مجرّد هزيمة استخباراتيّة – بمعنى أنّ الأجهزة الاستخباراتيّة التابعة للكيان لم تنجح في توقّع وقوع هذه العمليّة وكان الجيش نائماً أيضاً ولم يكن مستعدّاً وطال بهم الأمر يوماً أو اثنين حتى يستوعبوا ويتداركوا أمورهم – سيكون هذا مجرّد جانب من الحقيقة لا كلّها.
صرّح الإمام الخامنئي بأنّ هذه الهزيمة لا يمكن أن ترمّم. حسناً، يمكن تعويض أي هزيمة في إحدى المعارك بخوض معارك أخرى، ويمكن أن يتمّ ترميمها. ما هو الشيء الذي لا يمكن ترميمه إذاً؟ إنّ الردّ على هذا السؤال يكمن في العودة إلى ماهيّة الكيان الصهيوني. لو أنّنا فصّلنا ماهيّة الكيان الصهيوني على نحو جيّد، سنلتفت إلى ما عناه قائد الثورة الإسلاميّة بدقّة.
لو أنّ الحرب انتهت بهذه الأوضاع ستتمّ تنحية نتانياهو حتماً بعد مدّة لأنّه سيتحمّل مسؤوليّة كلّ ما حدث. لذلك هناك فرق في موقف بايدن ونتانياهو تجاه اتخاذ القرار بشأن قضيّة الدخول البرّي.
قام الكيان الصهيوني منذ تأسيسه على أساس القوّة العسكريّة، الاغتيال، القتل والقمع، ولا يملك الجيش في هذا الكيان مكانة المؤسسة الدفاعيّة، بل هو أساس هذا الكيان. إنّ أصل الكيان الصهيوني وعمود خيمته وجُلّ ماهيّته تأسس ويدور حول محور الجيش. لیس هذا الأمر مفهوماً لدى كثيرين لعدم وجود مثيل له في أرجاء العالم. من المعروف بين الخبراء في قضايا الكيان الصهيوني أنّهم يقولون بأنّ كلّ الحكومات تملك جيوشاً لكنّ إسرائيل جيشٌ يملك دولة. عندما تنظرون إلى تاريخ هذا الكيان، تجدون أنّ كلّ هذا النظام السياسي وهذه الهجرة التي تمّت وتأسيس هذا النظام كان قائماً على النجاحات التي حقّقها هذا الجيش.
كان جيش الكيان الصهيوني قد تحوّل إلى جيشٍ لا يُهزم ولا يمكن لأيّ قوّة في كلّ منطقة غرب آسيا أن تُلحق به الهزيمة أو تستهدف الكيان في عمقه أيضاً. كانت الحروب بالنسبة إليهم تندلع دائماً خارج حدود الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة ودائماً ما كان أعداء الكيان يُباغتون ويتحمّلون الهزائم القاسية. لقد انكسرت هذه الأسطورة في عمليّة «طوفان الأقصى» وبوغتَ جيش الكيان الصهيوني وهذه هزيمة استخباراتيّة ووقائيّة واضحة وغير مسبوقة بالنسبة إليهم.
ثانياً، لقد وقعوا رهائن لحرب سريعة وقصيرة الأمد. فقد حقّقت حماس في يومين كلّ الأهداف التي وضعتها. كانت حماس قد خطّطت للهجوم والدفاع، وفي مرحلة الهجوم التي نُفّذت خلال يومين واستطاعت خلالها مجموعة مسلمة مناضلة ومقاومة تخطّي الحدود ودخول أراضي الـ1948 والسيطرة على 22 مستعمرة صهيونية وأسر مختلف الأفراد في هذه المستعمرات ولم يؤسروا جميعاً خلال المواجهة طبعاً، بل هناك بعض الجنود الذين أُسروا داخل بيوتهم، أي كانت عمليّة مباغة بالكامل. انتقلت الحرب إلى داخل الأراضي التي يحتلّها هذا الكيان. كانت عمليّة هجوم قصيرة الأمد وأُنجزت خلال يومين ثمّ انتقلت حماس إلى مرحلة الدفاع.
لقد وظّفت حماس في الواقع استراتيجيّة الكيان الصهيوني العسكريّة بدقّة واستخدمتها ضدّه وقضت على قداسة الجيش الصهيوني وهيبته داخل الكيان الغاصب وفي العالم. لقد كان الكيان الصهيوني يوماً ما قوّة عظمى من الناحية الاستخباراتيّة، وكان يحتلّ المرتبة الأولى في المنطقة من الناحية العسكريّة. لكن اتّضح اليوم أنّ فئة صغيرة من المقاومة الفلسطينيّة – مقارنة مع الجيش الإسرائيليّ – استطاعت إلحاق هزيمة استخباراتيّة وعسكريّة وتكنولوجيّة بهذا الكيان ووجّهت ضربة غير مسبوقة لوجوده.
لقد قضت هذه العمليّة على الثقة العامّة للصهاينة بهذا الكيان. وقد تمّ التيقّن من أنّ الصهاينة لن يعيشوا الأمن والأمان بعد اليوم داخل هذا الكيان. وإنّ الهجرة العكسيّة التي كانت مشهودة في السابق لأسباب معيّنة وكان مسارها بطيئاً جدّاً أيضاً، اشتدّت خلال هذه الأيّام.
يشكّل الصهاينة الصفوف في مطار بن غوريون من أجل مغادرة الأراضي المحتلّة وهم يواجهون نقصاً في الطائرات. لقد أرسلت مختلف الدول طائرات من أجل نقل مواطنيها ذوي الجنسيتين والذين يسكنون الأراضي المحتلّة حتى يعود هؤلاء الأفراد إلى بلدانهم. لم يسبق وقوع مثل هذا الأمر.
شكّلت عمليّة «طوفان الأقصى» نقطة عطف. وبعد السابع من أكتوبر تحوّلت إسرائيل التي لا تُهزم إلى كيانٍ مكبّل اليدين والقدمين بقوّة وعاجز عن الدفاع عن ادعاءاته وأفراده. ومن الآن فصاعداً ستكون هناك أزمة في شرعيّة الكيان داخل أذهان الصهاينة. فسابقاً كان الصهاينة جميعاً ودون استثناء يعتقدون بكون حكومتهم ودولتهم مشروعة لأنّها استطاعت توفير الأمن والرفاهية لهم. لكن هذا الأمن ليس متوفّراً بشكل كامل اليوم وقد اتّضح أنّه من الآن فصاعداً وخلال الحروب القادمة – في أيّ وقت تقع فيه – ستدخل حركات المقاومة الفلسطينيّة وحزب الله الأراضي المحتلّة وستنهزم أمامهم كلّ الأساطير الذهنيّة والنفسيّة.
نحن من السابع من أكتوبر فصاعداً سنواجه كياناً مهزوماً ومأزوماً أصيب داخل المجتمع الصهيوني ومقابل الفلسطينيّين بشرخ اجتماعيّ كبير. لذلك لا بدّ من اعتبار عمليّة «طوفان الأقصى» نقطة عطف أحدثت نقلة نوعيّة كبيرة في الكفاح ضدّ إسرائيل. إنّها العمليّة التي أثبتت مدى قدرة محور المقاومة على العمل بشكل مؤثّر، وأنّ اللواء الشهيد الحاج قاسم سليماني الذي قاد قوّة القدس على مدى عقدين، استطاع بقوّة أن ينقل الفلسطينيّين من المرحلة التي لم يكونوا فيها يملكون سلاحاً سوى الحجارة إلى حركات مناضلة ومقاومة تحمل أكثر أنواع الأسلحة والتكنولوجيا تطوّراً. لذلك، هذا الحدث في غاية الأهميّة وهو أحدث تغييراً استراتيجيّاً في المنطقة.
كيف تحلّلون كون عمليّة «طوفان الأقصى» علامة على قوّة الإسلام والعالم الإسلاميّ؟
إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلاميّة، كانت لدينا حركات فلسطينيّة مسلّحة عديدة وكانت غالبيّتها من الجماعات اليساريّة وكان لدينا فئة قوميّة تُدعى فتح ولم تكن لدينا فئة إسلاميّة. بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، أصبحت هذه الثورة ملهمة للشباب الفلسطينيّ وتمّ في البداية تأسيس حركة الجهاد الإسلاميّ ومن بعدها جاءت حركة حماس. على مرّ الزمان، قدّمت هذه الحركات الإسلاميّة أداء مشرقاً في الكفاح ضدّ إسرائيل إن كان من الناحية الأخلاقيّة، ومن حيث امتلاك الروحيّة الاستشهاديّة، ومن ناحية التكتيك العسكري وأيضاً من حيث النجاحات المحقّقة. فقد كانت المجموعات السابقة تدّعي كثيراً وتظنّ كون اليساريّة والشيوعيّة راية النّضال وكان النظام ثنائيّ القطب خلفهم أيضاً، ولم يُوفّق أحدٌ منهم للقيام بهذا العمل. عليه، فإنّ الانتصار هو انتصار الإسلام والإسلام هو الذي أسّس لثقافة المقاومة.
إنّ سياسة إسرائيل في التظاهر بالمظلوميّة ذات خلفيّة تاريخيّة أيضاً ونشهد في قاموس اليهود والكيان المحتلّ هذا التظاهر بالمظلوميّة في المجالات التاريخيّة. حبّذا لو تشيرون إلى الخلفيّة التاريخيّة لهذا الأمر ولأساليب الاحتيال الخاصّة بها وللاستفادات التي تتمّ من هذا التظاهر بالمظلوميّة؟
شتّت الله اليهود على مرّ التاريخ وبسبب الأحداث التي وقعت على أرض فلسطين الحاليّة، وكذلك بسبب كيفيّة معاملتهم النبي موسى (عليه السّلام)، وتمّت معاقبتهم في الواقع وانتشروا في أنحاء العالم وأصبحوا أقليّة في كلّ مكان.
انتشر الإسلام والمسيحيّة في كلّ مكان وإنّ عدد البلدان المسلمة والمسيحيّة كبير، لكن لا توجد أيّ دولة يهوديّة في العالم، لأنّهم يعتقدون هم أيضاً كون السبب لذلك العذاب الإلهي والذنب الذي ارتكبوه فعاقبهم الله عليه، وكانوا يحدّثون أنفسهم بأنّه لا بدّ من أجل إنهاء كون اليهود أقليّة أو نؤسّس دولة، لكنّهم فعلوا ذلك مع ارتكاب الظلم وتهجير الأهالي الذين كانوا يسكنون الأرض على مرّ قرون من الزمان تحت شعار أرضٍ دون شعب من أجل شعبٍ دون أرض، وهذا هو الادّعاء الذي يدّعيه الصهاينة وهو كذبٌ محض. لم تكن هناك أرضٌ دون شعب وإنّ أرض فلسطين كانت تحتوي على الشعوب منذ بدء التاريخ.
لطالما حاول الإسرائيليّون مع ارتكابهم أفظع الجرائم أو يتظاهروا بكونهم المظلومين. على سبيل المثال، يحمل جيش الكيان اسماً رسميّاً هو جيش الدفاع الإسرائيلي، بينما هو أشدّ جيوش العالم عدوانيّة ومع ذلك، يُطلق على نفسه اسم جيش الدفاع الإسرائيلي ويدّعي أيضاً كونه أكثر جيوش العالم تحلّياً بالأخلاق، بينما رأى ويرى الجميع بأمّ العين جرائم هذا الكيان الغاصب. لذلك نجحت هذه الاستراتيجيّة بسبب سيطرة الصهاينة على وسائل الإعلام العالميّة وخاصّة وسائل إعلام العالم الغربي في العديد من الأماكن وأدّت القوّة الإعلاميّة لهؤلاء بألّا تصل أصوات الشعوب إلى أسماع العالم وألّا يروا المشاهد وأن يطّلعوا دائماً على رواية من جانب واحد، الرواية التي يرويها الصهاينة أنفسهم، طبعاً الآن حيث برزت الساحة الافتراضيّة باتت الفرصة مؤاتية للشعوب حول العالم.
تؤدّي الساحة الافتراضيّة إلى حضور الرأي العام في العالم الغربي في الميدان وإحباطه تظاهر الإسرائيليّين بالمظلوميّة. بداية، لا تستطيع الحكومات الغربيّة مواصلة الدعم غير المحدود للكيان الصهيوني وهم في الواقع مُجبرون على الضغط من أجل إنهاء عمليّات الإبادة الهمجيّة والوحشيّة هذه.
منذ اليوم الأوّل للحرب كانوا يشدّدون على إدخال إيران والقول بأنّ إيران حرّضت وأنّ إيران تدخّلت بشكل مباشر وأنّ قائد الثورة الإسلاميّة اتّخذ موقفاً وقال أنّنا سنمارس الدّعم، لكنّ هذه الحركة فلسطينيّة مئة بالمئة وقام بها الشعب الفلسطيني ومقاومته بالكامل. حبّذا لو توضحوا لنا هذا الأمر.
نحن لدينا مبدأ دعم الحركات التحرريّة منذ انتصرت الثورة الإسلاميّة وفي دستور جمهوريّة إيران الإسلاميّة أيضاً. الجمهوريّة الإسلاميّة تعتبر نفسها مكلّفة من النواحي الشرعيّة، الأخلاقيّة والقانونيّة أيضاً أن تدعم الحركات التحرريّة وحركات المقاومة الحاليّة.
لو أنّ شعباً قرّر أن يدافع عن غاياته الرامية إلى تحقيق العدالة أو راح يعمل على تحقيق العدالة، فإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة ترى نفسها مكلّفة بدعمه وهي لم تتحفّظ على التصريح بهذا الأمر بل وتتباهى به أيضاً. تقيم إيران الاحترام لحلفائها وتراهم في نفس مستواها وإلى جانبها ولا تنظر إليهم كعملاء كي تمارس عليهم الأمر والنهي.
لدينا في دول المنطقة بلدان تقف في وجه إيران ومحور المقاومة. وإنّ تعاملهم مع الجماعات الحليفة لهم هو كالتعامل مع العملاء. هناك اصطلاحٌ في اللغة العربيّة يقول بأنّ صاحب المال سلطان، لكنّ الجمهوريّة الإسلامية لا تعتقد به وتقول أنّني أمارس الدعم لأنّ هذا الهدف مهمّ ويسعى لتحقيق العدالة وسوف أقدّم أيّ مساعدة أقدر عليها وسأقدّم المشورة، لكنّ اتخاذ القرار من أجل إطلاق الحرب والكفاح والتخطيط وتنفيذ العمليّة وتحديد موعدها بأيديهم هم، وهذا هو المبدأ الذي لطالما كان حاضراً وليس محصوراً بهذه العمليّة. صحيحٌ أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة تساعد هذه المجموعات لكنّها مساعدة غير مشروطة. هم أحرار في اتخاذ القرارات كما يحلو لهم ووفق ما تقتضيه مصالحهم، والجمهوريّة الإسلاميّة تقول أيضاً أنّ المسؤوليّة تقع على عاتقكم، وإذا كان قراركم صحيحاً وحققتم النصر فإنّ شرف الانتصار لكم ونحن سنفخر بأنّنا ساعدناكم ودعمناكم، لكن لو كان القرار الذي اتخذتموه خاطئاً وهُزمتم في المعركة ستكون المسؤوليّة على عاتقكم أيضاً، لأنّنا لم نُجبركم على القيام بخطوة معيّنة ولن نُجبركم ولا نُجبركم، بل نوصيكم بالدفاع عن هدفكم والتقدّم إلى الأمام وسائر التفاصيل عندكم.
لقد تلقّى الإسرائيليّون هزيمة قاسية في هذه العمليّة ولكي يتجنّبوا التصريح بأنّنا هُزمنا من فئة فلسطينيّة صغيرة راحوا يقولون أنّنا تلقّينا هذه الضربة من دولة كُبرى تُدعى إيران وادّعوا على هذا النّحو أنّها فعلة إيران، لكن العالم الغربي رفض هذا الأمر وصرّح وزير الخارجيّة الأمريكي وممثّل مجلس الأمن القومي الأمريكي بصراحة أنّنا لا نملك أيّ شواهد بأيدينا تدلّ على وجود يدٍ لإيران في التخطيط لهذه العمليّة وتنفيذها وتحديد موعدها.
هذا مبدأ ثابت وعلى من يريدون التعامل مع إيران أن يعلموا بأنّ إيران تعامل حلفائها باحترام. ولو أمنّ العديد من هذه الجماعات ذهبوا إلى بعض الدول العربيّة الثريّة، فإنّها ستقدّم لهم الميزانيّات مئات أضعاف ما تقدّمه إيران، لكنّهم لا يذهبون لأنّهم يعلمون بأنّهم سيعاملونهم كعملاء لديهم ويقبلون إيران رغم كون دعمها المالي أقلّ بكثير من هذه الدول إلّا أنّه صادق ومنطلقٌ من الحبّ لهذه الشعوب وأهدافها الرامية لتحقيق العدالة.
كيف تنظرون إلى حضور أمريكا ووضعها السياسات في الميدان والأعمال التي تقوم بها، وما هو برأيكم السبب وراء حضور الأمريكيّين في الميدان؟
لطالما انتهج الأمريكيّون سياستهم التقليديّة التي تقضي بدعم حليفتهم إسرائيل، وقاموا في حالات مشابهة سابقة أيضاً بانتهاج سياسة أحاديّة لم يؤيّدوا فيها جرائم الإسرائيليّين فحسب، بل ساندوهم في ارتكابها وقدّموا الدعم السياسي، الإعلامي والدولي لها. ليس هذا بالأمر الجديد.
ما هو جديد ويحدث للمرّة الأولى هو أنّ حكومة بايدن أرسلت وزير خارجيّتها ووزير الدفاع وعقدت جلسات مطوّلة وشارك وزير خارجيّتها على سبيل المثال في جلسة الحكومة الإسرائيليّة وبقي 5 ساعات في هذه الجلسة، من الواضح أنّ هذا كلّه لم يكن من أجل تقديم المشورة وإجراء المحادثات، بل إنّ أمريكا تقوم بتحديد ما يتوجّب على الحكومة الإسرائيليّة القيام به في هذه الحرب وقد أخذت مهمّة قيادة وتوجيه هذه الحرب من الحكومة الإسرائيليّة وهي تتولّى الإدارة بنفسها. كما إنّ وزير الدفاع الأمريكي ذهب إلى إسرائيل ثمّ دخل الرئيس الأمريكي بنفسه في نهاية المطاف الأراضي المحتلّة.
وکما قال نتنیاهو بنفسه، إنّها المرّة الأولى في تاريخ العلاقات بين أمريكا والكيان الصهيوني التي يقوم فيها الرئيس الأمريكي بملاقاة قادة الكيان في الأراضي المحتلّة في خضمّ الحرب. لقد لفت هذا الحدث أنظار الكثيرين.
لقد اتّخذ الأمريكيّون بخصوص الحرب في غزّة وما يحدث هناك مواقف مزدوجة. الموقف الأوّل تجاه حرب غزّة نفسها حيث أبقت الحكومة الأمريكيّة يد نتانياهو مبسوطة بالكامل في هذا المجال وأطلقت جسراً جويّاً لإرسال التجهيزات والدعم المُطلق والشامل للكيان الصهيوني.
والموقف الآخر كان سعي نتانياهو مع بدء عمليّة «طوفان الأقصى» لاتّهام إيران بالتخطيط لهذه العمليّة. كما إنّه حاول أن يقول بأنّ الإقدام على تنفيذ هذه العمليّة جاء بناء على أمر من إيران. كانت هذه سياسة نتانياهو وإنّ وزارة الدفاع في الكيان الصهيوني كرّرت أيضاً هذا الاتّهام. لكنّ حكومة بايدن اتّخذت موقفاً مغايراً بالكامل لموقف نتانياهو. يعلم الأمريكيّون أنّ نتانياهو يسعى لزجّهم في حرب مباشرة مع إيران. هذه هي سياسة نتانياهو وهي ليست منحصرة في الوقت الراهن. لقد كان نتانياهو ينشط بشدّة منذ عهد ترامب ويحاول اختلاق ذريعة وتنظيم حدث يدفع أمريكا من خلاله لدخول حربٍ مع إيران، الحرب التي تعجز إسرائيل نفسها عن شنّها.
لا ترغب حكومة بايدن بالوقوع في فخّ نتانياهو، ولهذا السّبب تركت يد نتانياهو مبسوطة في قضيّة غزّة، لكنّها لم تؤيّده أبداً في قضيّة اتهام إيران.
الأمريكيّون يرغبون في أن تنصبّ كلّ الأنظار على الحرب في أوكرانيا وهزيمة الجيش الروسي. فمنذ بدأت عمليّة «طوفان الأقصى»، توقّفت التغطية الإعلاميّة للحرب الأوكرانيّة بالكامل ونحن لا نسمع أيّ أخبار حول أوكرانيا. لا يريد الأمريكيّون حصول مثل هذا الأمر. من ناحية أخرى يُدرك الأمريكيّون أنّ الحرب مع إيران في منتهى الخطورة وتترافق مع خطر كبير وقد تؤدّي إلى جعل الاقتصاد العالمي يواجه تحدّياً هائلاً. أي إنّ أسعار النّفط التي ارتفعت الآن بسبب حظر النفط الروسي قد تصل مع انطلاق الحرب في الخليج الفارسي ونشوب حرب بين أمريكا وإيران إلى سعر 300 دولار للبرميل الواحد، وهذا سيكون بنحوٍ من الأنحاء إنهاء للاقتصاد العالمي، لأنّه لن تعود هناك مصلحة في إنتاج أيّ بضاعة مع هذا السّعر. إذاً اتّخذت أمريكا في هذا الموضوع موقفاً مغايراً بشكل كامل لموقف نتانياهو.
الموضوع الآخر هو أنّه عندما تتولّى أمريكا قيادة الحرب في غزّة وشؤونها، تكون شريكة في كلّ الجرائم التي تحدث. وقعت قضيّة قصف مشفى المَعمداني قبل ليلة من زيارة بايدن للأراضي المحتلّة. وبعد ذلك شاهدنا كيف أنّ الجيش الإسرائيلي استهدف كنيسة تاريخيّة هي من أقدم الكنائس حول العالم وكان المسيحيّون من سكّان غزّة قد لجأوا إليها. لا يمكن لأمريكا أن تدّعي عدم اطّلاعها على هذه القضيّة، ومن الواضح تماماً أنّ الأمريكيّين يوجّهون شؤون الحرب في غزّة.
طبعاً يُقال هنا أنّ الأمريكيّين قلقون من الدخول البرّي للجيش الإسرائيلي إلى غزّة. إذ إنّ هذه الخطوة قد تتحوّل إلى مستنقع لجيش الكيان الصهيوني، وسوف تتضاعف هزيمته مع الانغماس في هذا المستنقع. يتمّ التصريح بهذا الكلام، لكن ما هو حقّاً الموقف الأمريكي من الدخول إلى غزّة؟ هل يؤيّد الأمريكيّون هذا الدخول أم إنّ هذا الكلام مجرّد حرب نفسيّة؟ لا بدّ من ترقّب ما سيحدث خلال الأيّام المُقبلة.
لا يزال هناك اختلافٌ في الآراء. فنتانياهو يسعى لتحقيق نصرٍ شخصيّ لنفسه ويعمل على تعويض الهزيمة التي لحقت به وبالكيان الصهيوني. وإذا ما انتهت الحرب على هذه الحال، لا شكّ في أنّه ستتمّ تنحية نتانياهو بعد مدّة، لأنّ المسؤوليّة تقع على عاتقه بالكامل. عليه هناك اختلافٌ في الموقف هنا بين بايدن ونتانياهو.
القضيّة الأخرى المتنازع عليها هي تقديم المساعدات الإنسانيّة لغزّة. تسعى أمريكا في قضيّة المساعدات الإنسانيّة بسبب وجود الضغوط العالميّة إلى تقديم مسرحيّة إنسانيّة، لكنّ نتانياهو والمتشددين الإفراطيّين في الكيان الصهيوني لا يرغبون أبداً في هذا الأمر. لذلك يُلاحظ وجود نوعٍ من أنواع الاختلاف في المواقف ومردّه اختلاف الآراء بين بايدن وشخص نتانياهو. لكنّ الحكومة الأمريكيّة تقدّم الدعم الكامل والشامل للكيان الصهيوني. لقد أعطت أمريكا الضوء الأخضر للكيان الصهيوني وسمحت له بارتكاب أنواع الجرائم. كما تقدّم سائر الدول الغربيّة أيضاً الدعم للكيان الصهيوني. رأينا قيام رئيس الوزراء البريطاني ورئيس الوزراء الألماني أيضاً بزيارة الأراضي المحتلّة، كما إنّ سائر الدول الأوروبيّة تؤيّد جرائم الكيان الصهيوني.
تسعى وسائل إعلام الكيان المحتلّ للقدس بشكل مستمرّ لبثّ الأكاذيب واتهام حماس بقتل النساء والأطفال، كما إنّهم سعوا لتحقيق هذا الهدف في الساعات الأولى لقصف مشفى المَعمداني أيضا. ما هو تحليلكم لهذه الخدعة التي يتبعها الكيان الصهيوني؟
بدايةً، اتّضح سريعاً أنّ التهمة الكاذبة التي لُفّقت لحماس حيث قيل بأنّها قطعت رؤوس 40 طفل ليست صحيحة على الإطلاق. كان نتانياهو قد نقل هذا الخبر لبايدن ووقف بايدن أمام عدسات الكاميرا ليذرف دموع التماسيح ويتظاهر بالحُزن على هذه الجريمة الكبيرة. مرّ يومٌ أو اثنين ليتّضح عدم وجود أيّ وثيقة وشاهد وصورة على هذا الادّعاء الكاذب. حتّى إنّ مراسلة الـCNN التي نقلت هذا الخبر عن نتانياهو، أقرّت بأنّني التفتّ الآن لكون هذا الخبر كذباً وقد خدعني نتانياهو أيضاً. لقد نقلت خبراً كاذباً نقلاً عنه لكن اتّضح الآن عدم وجود أيّ طفل مقطوع الرأس بحيث يتمّ اتهام حماس.
لطالما أثار الكيان الصهيوني مثل هذه الجلبة، وهم يسعون دائماً لتقديم أنفسهم على أنّهم مظلومين وضحايا لجرائم الآخرين، بينما الموضوع على العكس تماماً. جيش الكيان الصهيوني هو الذي يرتكب الجرائم.
تتوفّر في عمليّة «طوفان الأقصى» هذه شواهد عديدة مغايرة لهذا الاتهام الذي وجّهه الصهاينة لحماس. هناك الكثير من مقاطع الفيديو التي تثبت أنّ حماس لم تعتدِ عند دخولها المستعمرات الصهيونيّة والبيوت على النساء والأطفال والمعوّقين الصهاينة أيضاً. كما إنّها خلال هذه الأيام حرّرت عدداً من الأطفال والنساء الإسرائيليّين. وأفرجت حماس منذ فترة قريبة أيضاً عن أمّ وابنتها الأسيرة اللتين حملتا الجنسيّة الأمريكيّة كبادرة حسن نيّة وخطوة إنسانيّة. إذاً لا صحّة أبداً لاتهامات الصهاينة الكاذبة.