بسم الله الرحمن الرحيم،[1]

والحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا ونبيِّنا، أبي القاسم المصطفى محمَّد، وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين المعصومين، [ولا] سيَّما بقيَّة الله في الأرضين.

كانت زيارة اليوم بالنسبة إليّ - أنا العبدَ - زيارة محبَّبة وحميدة. بالطبع، نعلم أنَّ إخوتنا الأعزاء في مجموعة القوات المسلحة وفي [القوّة] الجو-فضائية لـ«حرس الثورة» وفي وزارة الدفاع يعملون على إنجاز أعمالٍ ممتازة وجيدة، وغاية الأمر أنَّ الرؤية والمشاهدة من قرب لها أثر آخر طبعاً. لو أنَّ القطاعات المختلفة في البلاد – إحداها القوات المسلحة – تدرس كلٌّ منها الاحتياجات وتنجز العمل بناء عليها، ففي رأيي، سيكون نمو البلاد وتقدّمها أسرع وأفضل، وهذا درسٌ لنا. إنَّ الأمر الأساسي هو الدقة العلميّة والعمل العلمي والبحثي وأيضاً الدافع والعزم اللّذان ينبعان من الإيمان. لحسن الحظ، وفي أيِّ قسم خاض فيه شبابنا – من أمثالكم – بعزم وإيمان، فقد استطاعوا أن يحققوا أعمالاً عظيمة. هنا أيضاً يشاهد المرء علامات هذا العزم والإيمان نفسه؛ من الواضح أنَّ ما أُنجز كان قد أُنجز بإرادة فولاذية ومثابرة، ومع الاعتقاد بمهمَّةٍ تقع مسؤوليتها على عاتق الإنسان. إن للاعتقاد بهذه الوظيفة أثر بالغ، وهو يساعد كثيراً كونه الدعامة الأساسية لهذا الإيمان والاعتقاد الذي يملكه الإنسان. ما حقَّقتموه تمّ بناء على الإبداع الذي هو مهم للغاية، ولا ينبغي التفريط به.

أنتم اليوم - بحمد الله - تقفون في مستوىً جيد لكن ليس معنى هذا أنْ يكون المستوى الذي هو اليوم جيد - في رأينا - هو نفسه الجيد لنا غداً أيضاً؛ كلا، لأنَّ الآخرين أيضاً يعملون، والآخرون كذلك يمضون قُدُماً. إنَّ الأخبار التي لا تنفك تصل إلينا من أماكن مختلفة عن مختلف المجموعات العسكرية أو غير العسكرية تكشف عن أنَّ هذه الحركة نحو التقدّم في العالم أمر مستمر وعام، والجميع يبذلون جهوداً. علينا أن نسعى ألا نكون متخلِّفين، وألا نتخلَّف. حسناً، وبحمد الله، الحركة والتقدّم في مجموعتنا، أي أنتم ونظراؤكم في مختلف مراكز القوات المسلحة، كان كل منهما تقدّماً سريعاً ومنشوداً كذلك فهو تقدّم منشود، وقد تقدَّموا بسرعة جيدة. هذا جيد جداً، ولكن إذا انخفضت هذه السرعة، فسنتأخَّر لأنَّ الآخرين أيضاً يتحرَّكون ويعملون ويحققون تقدماً. بالطبع وضعنا في بعض القطاعات جيد جداً، ومن جملة ذلك هذه [الإنجازات] نفسها التي عُرضت اليوم. وفي بعض القطاعات، ليس الأمر كذلك، فوضعنا ليس بهذه الجودة [فيها]. لدينا خلل ونقص، وعلينا العثور على هذا أيضاً، وتحديد احتياجاتنا، والمضيّ خلف رفع موطن الحاجة. هذا عمل ضروري وواجب. وعلى أي حال، فلنسأل الله المتعالي العون.

فلأذكر كلمة قصيرة أيضاً عن أحداث فلسطين الجارية، فهي أيضاً مهمة. أوضحت هذه الأحداث الجارية في غزة كثيراً من الحقائق الخفية والمكتومة لشعوب العالم. من هذه الحقائق أنَّ رؤساء الدول الغربية المعروفة والمعتدّ بها، ورغم الادعاءات كافة التي يدَّعونها، ليسوا أبداً معارضين للتمييز العنصري، بل هم أنصار هذا التمييز. لماذا؟ لأنَّ الكيان الصهيوني هو مظهر التمييز العنصري. فالصهاينة يرون أنفسهم عرقاً متفوقاً ويعدُّون آحاد البشرية –الأجناس البشرية شتى التي ليست صهيونية ولا يهودية -  من عرق منحط. لهذا، وحينما مثلاً يقتلون آلافاً من الأطفال في غضون بضعة أيام لا يشعرون بتأنيب الضمير، كأنَّهم أجهزوا مثلاً على بضعة آلاف من الحيوانات! هذه هي حقيقة الصهاينة. وها هو رئيس الولايات المتحدة، ومستشار ألمانيا، ورئيس فرنسا، ورئيس وزراء بريطانيا، يدافعون عن مثل هذا الموجود ومثل هذه الماهية، بل يدعمونه، فما معنى هذا؟ معناه أن قضية التمييز العنصري هي اليوم إحدى قضايا العالم المهمة، وانفتحت أعين البشرية [عليها]. التمييز العنصري من أكثر العقائد والنزعات كراهيّة، لكن كلّ هؤلاء القادة المعروفين يؤمنون بالتمييز العنصري، ولا اعتراض لديهم مطلقاً عليه. وإلَّا فلو كانوا معارضين، لَكان يجب أن يُظهرَ هذا الأمر نفسَه في ما يتعلق بقضية غزة وفلسطين. على شعوب أوروبا والشعب الأمريكي والشعوب [كافة] أن تُحدِّد مسؤوليتها إزاء هذا الوضع، وأن يبيِّنوا هل هم أيضاً في الواقع أنصار التمييز العنصري كرؤسائهم أم لا؟ فإذا لم يكونوا، فليُحدِّدوا موقفهم. هذه نقطة.

ثمة نقطة أخرى هي أنَّ الكيان الصهيوني، مع كل البهرجة والزخرفة التي يُبديها، والقصف وتوجيه الضربات وما شابه، أخفق إلى الآن في تحركه. قالوا منذ البداية إنَّ هدفهم هو مثلاً القضاء على «حماس» أو المقاومة وأن يشلُّوها ويركّعوها، ولم يتمكنوا إلى الآن من إنجاز هذا العمل. مضى الآن ما يقارب أربعين يوماً أو أكثر وهم منكبون بقدرتهم العسكرية وبالإمكانات التي يملكونها كافة على ارتكاب مثل هذه الجرائم، ولم يستطيعوا تحقيق ذاك الأمر. السبب أيضاً في أنَّهم يرمون القنابل على رؤوس الناس كونهم استشاطوا غضباً، فهم غاضبون بسبب هذا العجز. إن الكيان الصهيوني غاضب الآن بشدة وساخط، ولهذا يرتكب هذه الجرائم، فيقصف المستشفيات والمرضى والأطفال والنساء لأنه مُني بالهزيمة. قولنا: «لقد هزم الكيان الصهيوني»[2] إنّما هو واقعٌ. فالتوغّل إلى داخل المستشفى الفلاني وبيوت الناس العُزَّل، ليس نصراً، إنما النصر حينما يتمكنون من إلحاق الهزيمة بالطرف المقابل لهم، وبالقوات التي تُهاجمهم، وبالقوات العسكرية التي تقف في وجههم، [لكنهم] لم يستطيعوا إلى الآن، ولن يستطيعوا، إن شاء الله.

إنَّ القضية تحظى بأبعاد أهم حينما يلتفت الإنسان إلى أنَّ هذا «العجز» لا يختص حتى بالكيان الصهيوني، فأمريكا أيضاً عجزت – البديهي أنَّهم داخل الميدان؛ أمريكا داخل الميدان – والدول الغربية أيضاً التي تقدم المساعدة. في دراسة الحركة التاريخية للإنسان، تبدو هذه المسألة في غاية الأهمية. لقد وصلنا إلى مرحلة تعجز فيها منشآت عسكرية ضخمة ومزوَّدة بالعتاد ومُعدَّة بأشكال السلاح كافة عن أن تلحق الهزيمة في مثل هذه الساحة بالطرف الذي يواجه والذي لا يملك في الظاهر أيّاً من تلك المعدّات! هذه ظاهرة مهمَّة، وهي حقيقة.

لنقل كلمة قصيرة أيضاً عن واجبات الدول الإسلامية. إنَّ بعض هذه الدول تُندد أحياناً في المحافل والتصريحات وما شابه بالقصف – حتى إن بعضهم لا يُنددون! – لكن هذا غير كافٍ؛ يجب أن تقطع هذا التدفق والشريان الحيوي للكيان الصهيوني، وعليها ألّا تسمح بوصول الطاقة والنفط والبضائع وما شابه إلى الكيان، وأن تقطع علاقاتها السياسية معه حتى لو مدة محدودة على الأقل. افترضوا عاماً أو أقل أو أكثر. فلئن أرادوا ألا تقع هذه الجرائم، وأن تتوقف هذه الكارثة وتنتهي، فإنَّ هذا العمل تكليفهم. ينبغي للشعوب كذلك ألا تسمح بأن يطوي النسيان مظلومية الشعب الفلسطيني، فيجب أن يواصلوا هذه التجمعات والتحركات، إن شاء الله.

يحدونا أمل كامل في المستقبل، وعلى يقين بالوعد الإلهي وبأنَّ هذا الوعد سيتحقَّق إن شاء الله، وسنعمل - إن شاء الله - بما نراه تكليفنا.      

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] قدّم القائد أمير علي حاجي زاده (قائد القوَّة الجو-فضائيّة في «حرس الثورة الإسلامية») تقريراً في بداية هذه المراسم التي أُجريت في موقع المعرض الدائم للقوّة الجو-فضائيّة في «حرس الثورة الإسلاميّة» في جامعة الضباط للعلوم والمهارات الجو-فضائيّة، عاشوراء.

[2] من جملة ذلك كلمة القائد في مراسم أداء القسم وتخريج طلاب جامعات الضباط التابعة للقوات المسلحة، 10/10/2023.