1ـ ما أساليب الحلّ التي قد تؤدي إلى وقف شلّال الدّم وإبادة الفلسطينيّين والتي تفرض الضغوط الشاملة على الكيان الصهيوني في مختلف المجالات، وما الإمكانات والقدرات المهمّة التي تملكها الدول الإسلاميّة من أجل ممارسة الضغط على الكيان الصهيوني خاصّة في المجال الاقتصادي؟

هنالك أساليب عدة لو استخدمتها الدول الإسلامية، لاضطر الكيان الصهيوني إلى إيقاف نزيف الدم.

من هذه الأساليب ما هو مثالي وصعب التحقق على أرض الواقع لأسباب منها ارتهان إرادة الأنظمة العربية وبعض الدول الاسلامية لسلطة الغرب والإدارة الأمريكية، ومن هذه الأساليب قطع إمدادات النفط. عندئذ سيستجيب الغرب وأمريكا بسهولة للأمر الواقع، ويجبرون الكيان الصّهيوني على إيقاف نزيف الدم خاصة أن الغرب وأمريكا لا يزالون يعانون من أزمة أوكرانيا.

لكن كما ذكرنا، هذا الأمر بعيد المنال، بل هو ضرب من الخيال بسبب خذلان غالبية الأنظمة العربية وبعض الدول الإسلامية ولا سيما بعد تطبيع هذه الأنظمة مع الكيان الصهيوني.

هنالك أساليب أكثر واقعية في الضغط على أمريكا والغرب من أجل إيقاف جرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني كالشروع في علاقات اقتصادية وعسكريّة، بل إيجاد حلف عسكري وأمني، فضلاً عن بناء علاقات اقتصادية مع الدول العظمى في الشرق ومنها الصين وروسيا.

إننا نعلم أن العالم متجه إلى صيرورة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وهذا ما تخشاه أمريكا والدول الغربية. فوجود إرادة لدى الدول الاسلامية ودول أمريكا اللاتينية باتجاه كتلة عالمية كبرى من شأنه تقويض الإرادة الأمريكية والغربية، وإجبار الكيان الغاصب على إيقاف الحرب بسرعة.

ثمة أسلوب أسهل ولا يتعارض مع الاتفاقات التي أُلزمت الدول العربية نفسها التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبعض الدول الإسلامية التي لها علاقات مع الكيان مثل تركيا، إذ يمكن لهذه الدول التنسيق مع مصر من أجل إدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية، وبالقوة، إلى غزة، وإيصال كل ما تحتاجه من لوازم الحياة.

يراهن الكيان الصهيوني على قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين بقوة السلاح أو بالجوع والمرض، وبقاء الدول العربية والإسلامية متفرجة على هذا الكيان وهو يخوض حرب إبادة دون تحريك ساكن، من شأنه إعطاء الأمان والأريحية لحصار أبناء غزة. لكن إذا وجد إرادة حقيقية ضمن الحق الإنساني، وبما يكفله القانون الدولي بتقديم مساعدات إنسانية كبيرة تغطي حاجة أهل غزة، فسيفقد العدو الأمل في تركيع الشعب الفلسطيني، ما يضطره إلى إعادة حساباته.

بدا العدو يصرح عبر وزير الأمن أن أمامه أسبوعين أو ثلاثة لتحقيق أهدافه، لأنه لا يستطيع مواجهة الضغط الدولي بسبب جرائمه بحق أطفال ونساء فلسطين في غزة. فعلى الدول الإسلامية استثمار هذا الرفض من الشعوب العالمية خصوصاً الغربية، وإجبار العدو على إدخال المساعدات.

هذه الطريقة تضمنها حقوق الإنسان التي تنادي بها الأمم المتحدة، وكذلك تتماشى مع الواجب الشرعي الإسلامي والأخلاقي ضمن الأطر السلمية.

ثمة أساليب سلمية لا تمثل إحراجاً للدول الاسلامية، خصوصاً المطبعة مع الكيان الصهيوني، وهي دعم الشعوب العربية والاسلامية لتنفيذ اعتصامات كبيرة حول السفارات الغربية والأمريكية في تلك الدول، وإحاطة تلك السفارات بجموع بشرية تسيطر على محيطها دون اقتحامها. فهذا يعبر عن تهديد سياسي حقيقي للدول الغربية وأمريكا، ويمكن أن تدق تلك الفعاليات ناقوس الخطر للضغط على أميركا ومن ثم الكيان لإيقاف الحرب.

 

2ـ إنّ إلقاء نظرة على علاقات الدول الإسلاميّة بعضها ببعض يثبت أنّ هذه الدول شكّلت تحالفاً مشتركاً في بعض المراحل بما يتناسب مع أهدافها. على سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى تحالف الدول العربيّة عام 1967 من أجل حظر النفط عن أمريكا وعدد من الدول الأوروبيّة. حالياً ومع الحاجة الملحّة إلى تشكيل تحالف إسلامي لمنع ارتكاب جرائم الحرب ضدّ الفلسطينيّين في غزّة، ما الأسباب والعوامل التي تمنع اتخاذ قرار تاريخي في هذا الصّدد؟

مما لا شك فيه أن وحدة الدول الإسلامية وتحالفها في قضاياها المصيرية وبخاصة القضايا الإسلامية المشتركة ومنها قضية فلسطين سيجعلان العدو الصهيوني يُمنى بهزيمة كبرى في مواجهة فصائل المقاومة.

في هذا الصدد، نذكر مقولة الإمام الخميني (قده)، ومضمونها لو أن كل مسلم ألقى دلواً من الماء على إسرائيل لجرفها السيل، في إشارة إلى أهمية وحدة الشعوب الإسلامية(ملياري مسلم) ووحدة أنظمتها بما تمتلكه من إمكانات اقتصادية وعسكرية وغيرها.

لكن لا يمكن قياس الوضع السياسي للدول العربية والإسلامية بما جرى عام 1967 أو حتى عام 1973 لأسباب كثيرة منها أن الأنظمة العربية على وجه التحديد كانت ترفع شعارات قومية تدعو إلى الوحدة القومية العربية، وكانت زعامات أنظمتها عسكرية وأصبحت سياسية بسبب الانقلابات.

أيضاً كان وهج الشعارات القومية لدى الشعوب العربية في ذلك الوقت كبيراً وتحمله الأنظمة العربية فلا توجد مشكلة بين الأنظمة وشعوبها في قضية فلسطين.

تنبغي الإشارة إلى أن الدول العربية التي كانت في مقدمة المواجهة ضد الكيان الصهيوني هي دول الطوق كمصر وسوريا والأردن بالإضافة إلى العراق.

هذه الأنظمة اليوم ليست كما كانت في السابق، فبعد نكسة حزيران تغيرت سياسات غالبية تلك الدول، فاتجهت إلى التطبيع، وأنهت الشعارات القومية، إذ لم تعد قضية فلسطين قضية العرب المركزية كما كانوا يسمونها بل صار الصراع فلسطينياً–إسرائيلياً ليس أكثر.

عموماً إن غالبية الدول الإسلامية لا تمتلك الإرادة الحقيقية في اتخاذ قرارات وحدوية بهذا الحجم والتأثير لضعفها سياسياً أو اقتصادياً، أو بسبب علاقاتها مع الغرب وأمريكا والكيان. كل هذا باستثناء الجمهورية الإسلامية التي تعد بحق «أم القرى» في محور المقاومة والمواجهة.

هذا لا يمنع هذه الدول من التحرك لتشكيل تحالف إسلامي تتحرك عبره حسب قدرتها للضغط عسكرياً أو اقتصادياً أو سياسياً لإيقاف نزيف الدم، بل يمكن لهذا التحالف أن يكون بداية حقيقية لتحالف إستراتيجي يساهم في إدارة الصراع من جهة، وصناعة نظام عالمي جديد يكون للدول الإسلامية بصمة حقيقية في وجوده من جهة أخرى.

 

3ـ دوماً كان الاحتلال جزءاً لا يتجزّئ من سياسات الكيان الصهيوني منذ تأسيسه عام 1948، ولهذا لم تنحصر ممارسات الصهاينة الاحتلاليّة في أرض الفلسطينيّين، كما أنّ امتداد الكيان من النيل إلى الفرات جزء لا يتجزّأ من فكر الصهاينة. عليه، في حال استمرّ «تكتيف الأيدي» مقابل الصهاينة في قضيّة الحرب ضدّ غزّة، هل سيكون من المحتمل أن تطاول عدوانيّة تل أبيب ورغبتها في الاحتلال سائر الدول التي اكتفت بالإدانة الدبلوماسيّة لممارسات الكيان الصهيوني؟

هذا السؤال جوهري، وتنبغي الإشارة إلى مجموعة نقاط يمكن بها معرفة الاحتلال الذي شنته أمريكا والدول الغربية بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتحقيق مشروع الكيان من الفرات إلى النيل دولة إسرائيل.

هذا المشروع ينفذ في اتجاهات عدة: 1- سياسية 2- عسكرية 3- فكرية وثقافية.

في المجال السياسي، تسعى أمريكا والدول الغربية لترويض الأنظمة العربية غربي آسيا، حتى في أفريقيا، لجعلها أنظمة تتحرك وفق المشروع الأمريكي. هذا ما تحقق بوضوح هذا اليوم، فنجد أن غالبية الحكام العرب وفي مقدمتهم حكام الخليج الفارسي أدوات طيّعة بيد الإدارة الأمريكية بعد التطبيع، فهذه خطوة لتحقيق ما يسمى «إسرائيل الكبرى».

من المهم الإشارة إلى أن الكيان الإسرائيلي لم يعترف بحدوده الحالية في فلسطين المحتلة لأنه يطمع بتحقيق مشروعه الأكبر.

أما في المجال العسكري، فقد احتلت أمريكا دولاً إسلامية مهمة في مقدمتها أفغانستان والعراق، وهي اليوم في سوريا من أجل الهيمنة السياسية المباشرة من جهة، ومن أجل وجودها العسكري على المدى البعيد في المنطقة لتحقيق «إسرائيل الكبرى».

المجال الثالث، وهو الأخطر، «الاحتلال الثقافي»، أو كما سماه عليه السيد القائد الإمام الخامنئي (دام ظله) «الحرب الناعمة». هذا المشروع هو الأقل كلفة مالية وعسكرية والأوسع انتشاراً والأقرب إلى تحقيق «إسرائيل الكبرى».

يتحرك الغرب وأمريكا لمحاربة الشعوب وغزوها فكرياً وسياسياً وعسكرياً لتحقيق «الحلم الصهيوني» في المنطقة. من هنا نفسر اكتفاء المنظومة العربية وبعض الدول الإسلامية ببيانات الإدانة والاستنكار لأنها أنظمة مسلوبة الإرادة سياسياً ومهيمن عليها من الغرب وأمريكا. كما نجد أنه داخل الشعوب العربية وتحديداً الخليجية من يسير في ركب الحرب الناعمة ويروج لها ويشجعها خدمة لنزوات شخصية أو مشاريع سياسية.

إن هذه الإدانات السياسية الهزيلة تآمر من الأنظمة على ثوابت الإسلام وقيمه، وفي مقدمة تلك الثوابت قضية فلسطين والقدس الشريف وغيرها من ثوابت الدين وقيم المجتمع.

 

4ـ قال الإمام الخامنئي في لقائه الأخير مع رئيس وزراء العراق: «يستطيع العراق بوصفه دولة مهمة في المنطقة أن يؤدي دوراً مميزاً في الضغط السياسي على أمريكا والكيان الغاصب لإيقاف المجازر بحق أهالي غزة وأن يبني خطّاً جديداً في العالمَين العربي والإسلامي». ما الخطوات التي يمكن للعراق أن يخطوها من أجل تحقيق هذه القضيّة وما الأمور التي وضعها على لائحة أعماله؟

العراق من أكثر الدول العربية المنسجمة في مواقفها المؤيدة للشعب الفلسطيني في قضيته المقدسة، والشعب العراقي والحكومة العراقية تشعر بمرارة الاحتلال، لأن الشعب العراقي مر باحتلال كبير عام 2003 من أمريكا، وما زالت آثاره شاخصة حتى يومنا هذا.

أيضاً الشعب العراقي يؤمن بقدسية القضية الفلسطينية، ولديه مرجعية دينية تنظر إلى قضية فلسطين أنها حق إسلامي شرعي لا يمكن التخلي عنه.

 الموقف العراقي الرسمي جاء منسجماً مع موقف المرجعية الدينية المتمثلة في المرجع السيد علي السيستاني (دام ظله) والشعب العراقي خرج بتظاهرات كبيرة مؤيدة للشعب الفلسطيني.

من هنا كانت هذه المواقف حاضرة لدى السيد الإمام الخامنئي وهو يدعو رئيس الوزراء العراقي إلى أن يكون للعراق دور مميز ويتحرك بخط جديد في العالمين العربي والإسلامي لما يمتلكه من مقومات سياسية ودينية وشعبية.

يمكن للحكومة العراقية أن توظف علاقاتها الجيدة مع الدول العربية للخروج بمواقف سياسية تتناسب مع حجم الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني. كما يمكن لها أن توظف القصف المستمر على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا للضغط على الإدارة الأمريكية من أجل إيقاف نزيف الدم في فلسطين.

في إمكان رئيس الوزراء السيد السوداني أن يوضح للأمريكيين أن موقف الفصائل جاء منسجماً مع الموقف الشرعي الذي أكدته المرجعية الدينية، ومع الانتماء الإسلامي والعربي للشعب الفلسطيني، وأنه غير قادر على الحد من فصائل المقاومة لأنها تعبر عن نبض المجتمع العراقي، وأن أمريكا وإسرائيل هما أول من انتهكا القانون الدولي والاتفاقات بين الدول.

إن موقف الحكومة العراقية موقف متميز في كل المحافل العربية والإسلامية والدولية، وفصائل المقاومة في فلسطين وكل محور المقاومة أشادت بالموقف العراقي الرسمي، والإمام الخامنئي (دام ظله) أشاد بهذا الموقف الشجاع والريادي والمتميز للحكومة العراقية في هذا الظرف الاستثنائي الذي يمر به شعب فلسطين والمنطقة بصورة عامة.