«ضعوا أنفسكم مكانهم. انظروا إلى العالم من عيونهم. ليس من العدل ألا يتمكن طفل فلسطيني من النمو في دولة مستقلة. إنهم يمضون حياتهم كلها وسط جيش أجنبي لا يسيطر على تحركات الشباب فقط بل أيضاً على آبائهم وأجدادهم وجدّاتهم كل يوم. مثلما بنى الإسرائيليون دولة على أرضهم، من حق الفلسطينيين أيضاً أن يكونوا أحراراً في أرضهم»، هذا جزء من تصريح الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في 12/3/2013، الذي يحاول به إيصال رسالة مفادها أن الحل الأفضل للخروج من الأزمة في الأراضي المحتلة هو «حل الدولتين».

هو الحل نفسه الذي أشار إليه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أثناء زيارته الأراضي المحتلة يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إبّان قصف الكيان الصهيوني غزة، حين قال: «علينا جميعاً أن نتحرك نحو حل يساعد الإسرائيليين والفلسطينيين على العيش جنباً إلى جنب في أمن وأمان».

في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، أي بعد أقل من شهرين من بدء هجوم الكيان الصهيوني على غزة، استضافت برشلونة اجتماع «الاتحاد من أجل المتوسط» لاستعراض الوضع في غزة. قال مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل خلال الاجتماع، في إشارة إلى اتفاق الاتحاد الأوروبي والدول العربية - كما يرى - على تشكيل دولتين فلسطينية وإسرائيلية: «أستطيع القول إن جميع الحاضرين في هذا الاجتماع تقريباً مجمِعون على تحقيق "حل الدولتين"». وبالطبع، أشار بوريل في حديثه أيضاً إلى استحالة القضاء على فكر «حماس».

 

«حل الدولتين» خطة لتوسيع الاحتلال واجتثاث المقاومة من فلسطين

عام 1917، أكد آرثر وزير الخارجية البريطاني آنذاك، جيمس بلفور، الذي كانت لبلاده الوصاية على فلسطين، في رسالة إلى روتشيلد، جهود الحكومة البريطانية لتسهيل إنشاء وطن قومي لليهود، وذلك بإنشاء دولة يهودية داخل دولة فلسطين. بعد نحو 40 عاماً على وعد بلفور، صدر عام 1947 القرار رقم 181 من الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي جرى على إثره تقسيم فلسطين إلى جزأين. بموجب هذا المشروع، أُعطي 57% من الأراضي الفلسطينية لليهود لتشكيل دولة "إسرائيل"، و42% للفلسطينيين. أما الـ1% المتبقية، فتتعلق بالقدس التي وضعت تحت الإدارة الدولية.

عام 1993، ومع التوقيع على اتفاقية أوسلو، انخفضت حصة الفلسطينيين من أراضي فلسطين من 42% إلى 22%. حالياً ومع بناء الاحتلال الصهيوني المستوطنات في الضفة الغربية واستيطان 700 ألف مستوطن، بقي عملياً 12% من الأراضي للفلسطينيين، وما يجري طرحه على المستوى الدولي لدولة فلسطين هو هذه النسبة، وربما أقل. كما أُطلق على هذه الدولة أيضاً اسم دولة فلسطين المدنية، ما يعني أن مثل هذه الدولة لا يحق لها امتلاك السلاح، بل يجب اجتثاث المقاومة منها.

 

معارضة الفلسطينيين «حل الدولتين»

في استطلاع أجراه مركز الأبحاث السياسية الفلسطيني في كانون الأول/ديسمبر 2022، أعلن 67% من الفلسطينيين (في الضفة وغزة) أنهم لا يؤيدون «حل الدولتين»، في حين أفاد استطلاع المركز نفسه لعام 2021 أن 57% من الفلسطينيين يعارضون «حل الدولتين» في فلسطين المحتلة. النقطة الجديرة بالتأمل في هذا الاستطلاع معارضة 66% من المستوطنين الصهاينة هذا الحل أيضاً. 

منذ بداية عملية التسوية، بعد توقيع معاهدة «أوسلو» منتصف التسعينيات، كان تسجيل وجود 67% من الفلسطينيين و66% من الصهاينة ضد «حل الدولتين» أمراً غير مسبوق. في هذا الصدد، كتبَ مركز «مالكوم كير كارنيغي للشرق الأوسط» الذي نشر تقريراً حول خفض الدعم لـ«حل الدولتين»: «تحوّل موت حل الدولتين إلى حقيقة قائمة أمام الذين يدركون الوقائع في الأراضي المحتلة».

 

ماذا تقول الأرقام والإحصاءات؟

أجرى مركز «العالم العربي للبحوث والتنمية»، ومقره في رام الله، استطلاع رأي بعد عملية «طوفان الأقصى»، استقصى فيه آراء أهالي غزة والضفة في «حل الدولتين» ضمن أسئلة مختلفة. في أحد الأسئلة، طُلب منهم إعلان انخفاض تأييدهم هذا الحل أو زيادته، فأعلن 68.8% من أهالي غزة و66.8% من أهالي الضفة أن تأييدهم انخفض. في الاستطلاع نفسه، طُرح سؤال: هل زادت إمكانية التعايش السلمي مع الصهاينة أو انخفضت؟ يرى 88.5% من أهالي غزة و91% من أهالي الضفة أن إمكانية التعايش السلمي مع الصهاينة تضاءلت.

 

no.1.png

 

في سؤال آخر: ما الحل الذي تؤيد: حل الدولة الواحدة أو الدولتين أو الدولة الفلسطينية من البحر إلى النهر؟، فأعلن 77.7% من المشاركين في الضفة و70.4% من المشاركين في غزة تأييدهم الخيار الثالث وهو «إقامة دولة فلسطينية من البحر إلى النهر».

 

no.2.png

 

سبب فقدان الفعّالية لـ«حل الدولتين»

بغض النظر عن أن «حل الدولتين» لا يحظى بدعم شعبي، لم تكن الجهود المختلفة لتحقيق هذا الحل خلال السنوات الخمسين الماضية ناجحة إطلاقاً. من أهم الأسباب لذلك ماهيته الأساسية التي تتضمن الاعتراف بالكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة. ومن الواضح أن شعب فلسطين يعارض هذا بغالبيته تماماً، بل يرى وجود الصهاينة في أراضيه احتلالاً.

في هذا السياق، يقول قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي: «النضال من أجل فلسطين جهاد في سبيل الله وفريضة إسلامية لازمة... هدف هذا النضال هو تحرير الأرض الفلسطينية كلّها من البحر إلى النهر، وعودة الفلسطينيين بأجمعهم إلى ديارهم».

 

حل التسوية التي لا يكترث لها الصهاينة أيضاً

أغفلت الحكومات التي تتغنى بـ«حل الدولتين» حقيقة أن الصهاينة يرون إقامة دولة فلسطينية مستقلة عائقاً كبيراً أمام سيطرتهم ونفوذهم في الأراضي المحتلة. كما يرون أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة يشكل عائقاً أمام تحقيق آمالهم وأحلامهم بإقامة "إسرائيل الكبرى" (من النيل إلى الفرات) ولا يترددون في إعلان مواقفهم في هذا الصدد، لدرجة أن بنيامين نتنياهو قال قبل أشهر: «يجب القضاء على فكرة إقامة دولة فلسطينية».

من ناحية أخرى، إن إصرار الصهاينة على مواصلة بناء المستوطنات في أراضي 1967 يشكل عاملاً آخر يوضح أن الصهاينة لا يعتقدون بهذا الحل. تقوم تل أبيب حالياً على بناء المستوطنات في 68% من مساحة الضفة التي تعد من أراضي 1967، مع أنه قبل 1967 لم يكن هناك مستوطنة صهيونية واحدة في هذه الأراضي.

مطلع 2023 بلغ عدد المستوطنات الصهيونية في الضفة 176، وجرى رصد وتحديد 186 مركزاً استيطانياً من الصهاينة في الضفة. تظهر هذه الإحصاءات والأرقام أن الصهاينة لا يسعون إلى الانسحاب من أراضي 1967، بل إلى تثبيت بقائهم هناك.

 

سعي إيران إلى الحل لا إلى طريق مسدود

رفضت جمهورية إيران الإسلامية دائماً وبشدة أي حل قائم على التسوية مع الكيان الصهيوني، بما في ذلك «حل الدولتين»، وحذرت من عواقبه الوخيمة. بجانب تحذيره من أضرار التسوية مع الكيان الصهيوني، يؤكد قائد الثورة الإسلامية: «نحن أمام نموذج المقاومة والنضال، أي يمكن تحقيق النصر بالمقاومة والنضال وطبعاً مع تحمّل الخسائر، وفي الوقت نفسه نموذج الهزيمة ماثل أمامنا أيضاً، وهو عقد الآمال على طرق التسوية واستجداء السلام، ونتيجته أيضاً الوهن والذل وفرض تطلعات "إسرائيل" من جانب واحد» (كلمة الإمام الخامنئي في افتتاح المؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية 24/04/2001).

بدلاً من خيار التسوية عرض سماحته مشروع الجمهورية الإسلامية ومنطقها المنصف والمتحضر لحل الصراع في فلسطين، قائلاً: «طرحنا مشروعنا: استفتاء الفلسطينيّين. طبعاً، أولئك المحتلّون لا حقّ لهم، لكنّ الفلسطينيّين أنفسهم، في أرض فلسطين أو داخل المخيّمات في الدول المجاورة لفلسطين أو سائر الأماكن حيث ما كانوا – هناك ملايين عدّة من الفلسطينيّين – هم جميعاً يُمكنهم الإدلاء بأصواتهم. [الاستفتاء] منطقٌ مقبول وحضاري ويُمكن أن يتبناه العالم لإدارة فلسطين. طبعاً قد يقول بعض الأشخاص: حسناً، ما تطرحونه يرفضه الكيان الصّهيوني ولن يرضخ له. نعم، نعلم أنّه لن يرضخ، لكن رضوخه ليس بيده ولا بإرادته».

السؤال المطروح الآن: رغم إثبات أن لا فعالية لـ«حل الدولتين» لأنه يقوم على إضفاء طابع رسمي على احتلال أراضي الفلسطينيين، كيف يرى قادة الغرب والعرب أنه الحل الأمثل للصراع في الأراضي المحتلة؟