«وجّه اليمنيّون ضربة إلى الشرايين الحيويّة للكيان الصهيونيّ ولم يخشوا تهديد أمريكا، لأنّ الإنسان الذي يخشى الله لا يخشى غيره وعملهم هذا مصداقٌ للجهاد في سبيل الله للحقّ والإنصاف.» کان هذا مقطعاً من كلام الإمام الخامنئي في 16 كانون الثاني/ يناير  مدح فيه سماحته بالشعب اليمني العظيم وأنصار الله، مشيداً بدعمهم لأهالي مدينة غزّة.[1] لقد خاض اليمنيّون ميدان المواجهة مع الكيان الصهيوني بشكل رسمي منذ 31 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023 من أجل دعم شعب غزّة المظلوم كي يضغطوا على هذا الكيان ويرغموه على إنهاء الحرب غير المتكافئة ضدّ غزّة.

 

 «المضيق الاقتصادي» و«مخيّم النازحين» في الكيان الصهيوني؛ الهدف الرئيسي للمقاومة في اليمن

اختار المجاهدون اليمنيّون منذ الأيّام الأولى لمعركتهم ضدّ الكيان الصهيوني «إيلات» كهدف أساسي لهجماتهم. وأعلنت حركة «أنصار الله» في اليمن في 31 تشرين الأوّل/ أكتوبر أنّها استهدفت مواضع في «إيلات» بأعداد كبيرة من الصواريخ والمسيّرات.[2] كما أعلن المتحدّث باسم القوات المسلّحة اليمنيّة العميد «يحيى سريع» في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 أنّ المسيّرات اليمنيّة استهدفت مرّة أخرى «إيلات» في جنوبي الأراضي المحتلّة.[3] من ناحية أخرى، تحدّثت القوات المسلّحة اليمنيّة في 16 كانون الأوّل/ ديسمبر عن استهداف «إيلات» مجدّداً بدفعة من الصواريخ البالستيّة.[4] كذلك، أعلن اليمنيّون أنّهم استهدفوا في هذه العمليّة أهدافاً حسّاسة في الأراضي المحتلّة. بعد 10 أيام، أي في 26 كانون الأوّل/ ديسمبر، تعرّضت «إيلات» مرّة أخرى لهجمات صاروخيّة من اليمن.[5]

لم يكن اختيار «إيلات» في جنوبي الأراضي المحتلّة كهدف أساسي لليمنيّين محض صدفة، بل هادفاً بشكل كامل، وسبب هذا الاختيار أيضاً هو أنّ هذه المدينة تُعدّ مدينة سياحيّة، وهي من الناحية الاقتصاديّة مكانٌ يجني منه الكيان الصهيوني الأرباح والأموال. كما إنّ إيلات هي واحدة من المرافئ التي تُستخدم في مجال التجارة البحريّة للكيان الصهيوني، وهذا ما جعل هجمات اليمنيّين على هذه المدينة تهديداً استراتيجيّاً للكيان الصهيوني. ينبغي أيضاً عدم نسيان أن إيلات المرفأ الوحيد للكيان الصهيوني الواقع في البحر الأحمر.[6] من ناحية أخرى أفادت قناة الميادين بأنّ إحداث خط أنابيب في إيلات لنقل الغاز إلى عسقلان وحيفا، الذي يمرّ من البحر الأبيض المتوسّط، يضاعف أكثر فأكثر أهميّة هذه المنطقة. [7]

لكنّ اختيار إيلات كهدف لصواريخ اليمن لا يقتصر على النقاط المذكورة أعلاه، إذ أنّ هذه المنطقة تُسمّى أيضاً «مخيّم النازحين». فعددٌ كبير من سكان المستعمرات الصهيونيّة الذين كانوا يسكنون بمحاذاة قطاع غزّة، اختاروا بعد السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر إيلات ليهاجروا إليها حتى يحظوا بالأمن هناك، الأمن الذي لم يتحقّق لهم بفضل الصواريخ التي أطلقها اليمنيّون. تشير الإحصائيّات أنّ عشرات الآلاف من النازحين الفارّين من هجمات المقاومة الفلسطينيّة استقرّوا في 3 مناطق هي «إيلات»، «حيفا» و«تل أبيب».[8] عليه، تُعدّ إيلات إحدى المراكز الرئيسيّة لهجرة الصهاينة، وقد عرضت إذاعة «الجيش» الإسرائيليّة تقريراً حول هجمات المقاومة في اليمن على إيلات جاء فيه ما يلي: «إنّ الهجمات الصاروخيّة من غزّة واليمن على إيلات تحمل هذه الرسالة للإسرائيليّين أنّهم لا يتمتّعون بالأمن في أيّ نقطة من إسرائيل.»[9]

البحر الأحمر جهنّم الصهاينة

لقد حوّل شعب اليمن وحكومته، من خلال مواصلتهم دعمهم لأهالي غزّة المظلومين، البحر الأحمر أيضاً إلى جهنّم للصهاينة وصنعوا تحدّياً جديداً لتل أبيب، فقد أعلنت القوات المسلّحة اليمنيّة أنّ كلّ السّفن المتّجة إلى الأراضي المحتلّة ستُستهدف دون أن يُؤخذ بعين الاعتبار انتمائها إلى أيّ دولة في العالم.[10] كما أنّ المجاهدين اليمنيّين احتجزوا في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر سفينة تابعة للكيان الصهيوني تحمل اسم «غالاكسي ليدر» في مياه البحر الأحمر. في الثالث من كانون الأوّل/ ديسمبر أيضاً استهدف اليمنيّون سفينتين صهيونيّتين أخريتين تُدعيان «Unity Explorer» و«NUMBER 9» في البحر الأحمر بالصواريخ والمسيّرات.

كذلك، أطلقت القوات المسلّحة اليمنيّة في 12 كانون الأوّل/ ديسمبر صاروخاً باتجاه سفينة نرويجيّة تحمل اسم «Astrinda» كانت متجهة إلى سواحل الكيان الصهيوني، ومنعتها من مواصلة سيرها نحو مقصدها وأجبرتها على العودة من حيث أتت. واستهدف اليمنيّون أيضاً عدّة مرّات سفن صهيونيّة وأجنبيّة أخرى كانت متّجهة إلى الأراضي المحتلّة.[11] كانت ضربات اليمن للكيان الصهيوني مؤثّرة لدرجة أنّ المتحدّث باسم القوات المسلّحة اليمنيّة أعلن في 31 كانون الأوّل/ ديسمبر 2023 أنّ الأمريكيّين شنّوا هجوماً على القوارب التي تحمل عناصر قوات الجيش اليمني في البحر الأحمر وأسفر هذا الهجوم عن استشهاد 10 منهم. لم يؤدِّ ارتكاب هذه الجريمة أيضاً لأن يوقف اليمن دفاعه عن أهالي غزّة المظلومين، إذ استهدف المجاهدون اليمنيّون بتاريخ 3 كانون الثاني/ يناير 2024 سفينة «CMA CGM TAGE» التي كانت متجهة نحو الأراضي المحتلّة.

المواجهة الشجاعة مع أمريكا وعدم الخشية من التهديدات

لم تترك المقاومة في اليمن الجريمة التي ارتكبتها الولايات المتحدة بحقّ مجاهديها بتاريخ 31 كانون الثاني/ ديسمبر دون ردٍّ أيضاً. ففي 10 كانون الثاني/ يناير 2024، نفّذت القوات البحريّة والوحدات الصاروخيّة والمسيّرات عمليّة مشتركة ضدّ سفينة أمريكيّة كانت تقدّم الدعم للكيان الصهيوني، وهدفت هذه الخطوة إلى إرسال رسالة واضحة ومحدّدة للأمريكيّين أنّ الأمر لا يقتصر على عدم خوفهم من تهديدات واشنطن، بل إنّ المجاهدين اليمنيّين لا يخشون ولن يخشوا أيضاً عمليّات الأمريكيّين العدوانيّة. أعلن مسؤولو أنصار الله منذ خوض ميدان الصراع مع الصهاينة بمنتهى الصراحة أنّهم لا يهابون تهديدات العدوّ، فقد قال القيادي البارز في حركة أنصار الله في هذا الصدد: «نحن لا نخشى رد العدو، بل نخشى عذاب الله إن لم ننصر غزة.»[12]

وحيث أنّ تهديدات أمريكا وأوروبا الرامية إلى منع تنفيذ المقاومة في اليمن عمليّاتها ضدّ الصهاينة باءت بالفشل، أقدمت الولايات المتحدة الأمريكيّة وبريطانيا في 12 كانون الثاني/ يناير على تنفيذ عمليّات عدوانيّة مشتركة قصفت خلالها مواقع للمقاومة في الحديدة وصنعاء.[13] ردّ اليمنيّون بحزم على هذا الاعتداء والجريمة الواضحة، فوسّعوا نطاق المواجهات ليبلغ خليج عدن، حيث أنّ القوات البحريّة التابعة للمقاومة أطلقت عدّة صواريخ استهدفت من خلالها سفينة أمريكيّة. بعد ذلك أعلن اليمنيّون أنّ كلّ السفن الأمريكيّة والبريطانيّة أضيفت إلى لائحة أهداف المقاومة اليمنيّة.[14]

الخسائر المتعدّدة التي تكبّدها الصهاينة

كبّدت الخطوات التي أقدم عليها المجاهدون اليمنيّون ضدّ الكيان الصهيوني دعماً للشعب والمقاومة في فلسطين خسائر اقتصاديّة عديدة للصهاينة. يقول «كدعون كالبر» المدير التنفيذي لمرفأ إيلات: «يتمّ تأمين دخلنا الأساسي في ساحل إيلات عبر استيراد السيارات ونحن فقدنا هذا المدخول بسبب تهديدات الحوثيّين. لم تعد السفن تأتي باتجاه ساحل إيلات.»

في الوقت عينه، يشير النائب العربي السابق في «الكنيست» الإسرائيلي إلى الخسائر الاقتصاديّة التي تلقاها هذا الكيان فيقول أنّ منع اليمنيّين السفن الإسرائيليّة والأجنبيّة التابعة لها من عبور البحر الأحمر وباب المندب أثّر بشكل مباشر على اقتصاد "إسرائيل" وضاعف الضغوط الاقتصاديّة عليها بشكل كارثي. يُمكن لمس تأثير هذه الخطوات اليمنية في شتّى ساحات الحياة في "إسرائيل". تعاني المتاجر والمقرات الاقتصاديّة الخاصّة هناك [الأراضي المحتلّة] وتعيش ظروفاً صعبة وقد أوشكت على الإغلاق بسبب فقدان الخدمات وقلّة الدخل أو سائر المشكلات الأخرى. تواجه "إسرائيل" حاليّاً أزمة أخرى هي عبارة عن أزمة القوى العاملة. فلا شكّ أن الخطوات التي أقدم عليها اليمنيّون ضدّ إسرائيل في البحر الأحمر شدّدت هذه الأزمة أكثر من السابق. [15]

من ناحية أخرى، يقول الخبير اليمني «رشيد الحداد» أنّ إيلات تُعدّ أهمّ ركن سياحي في الأراضي المحتلّة وقد انقطعت بهجمات اليمنيّين المداخيل الناتجة منها عن "إسرائيل"، كما أنّ مرفأ إيلات تضرّر أيضاً.»[16] في الوقت عينه، تتحدّث التقارير عن أنّ "إسرائيل" فقدت أكثر من 80 بالمئة من استيراداتها عبر مرفأ إيلات بسبب استمرار هجمات اليمنيّين. يقول الباحث في الشأن الاقتصادي الدكتور «محمد جماعي» أنّ ما يقوم به اليمن اليوم عبارة عن حصار اقتصادي حقيقي للكيان الصهيوني، فحجم استيرادات "إسرائيل" السنوي يبلغ 107 مليار دولار ويتمّ تأمين قرابة الـ75 مليار دولار أي قرابة الـ70% - من هذه الاستيرادات عبر المعابر المائيّة، ولقد حاصر اليمنيّون عمليّاً 50% من مجموع استيرادات "إسرائيل" وليس هذا بالعمل السهل إطلاقاً. [17]

الإمام الخامنئي انتقد في 3 كانون الثاني/ يناير 2024 الخطوات التي يُقدم عليها المسؤولون في بعض الدول الإسلاميّة من أجل غزّة قائلاً: «يجتمع مسؤولو الدول الإسلاميّة أحياناً فيطلقون تصريحاً أو يُجرون مقابلة أحياناً فيقولون شيئاً ما دون أن يفعلوا ما ينبغي أن يُقْدموا عليه. هم يُعلنون ضرورة وقف إطلاق النار. حسناً، لكنّ وقف إطلاق النار ليس بأيديكم. إنه بيد ذاك الخبيث والعدوّ، وهو لا يُقدم عليه. تجلسون وتقرّون أمراً ليس بمتناول أيديكم! هناك أمورٌ متاحة لكم ولا تقرّونها. ما هي؟ قطع الشرايين الحيويّة المؤدّية إلى الكيان الصهيوني. هذا بمتناول أيديكم. أنتم قادرون على فعل هذه الأمور.» وفي الوقت الحالي تحكي الشواهد والقرائن كلّها أنّ اليمنيّين كانوا الروّاد في هذا الميدان واستطاعوا إلى حدّ كبير قطع الشرايين الحيويّة للكيان الصهيوني ولم تكن تربطهم طبعاً قبل ذلك أيّ علاقة سياسيّة واقتصاديّة بـ"إسرائيل".