إنّ جرائم الكيان الصهيوني الأخيرة في غزة، والتي راح ضحيتها أكثر من 32 ألفاً من النساء والرجال والأطفال، وأدّت إلى تدمير البنية التحتية هناك، أثبتت حقانية تشكيل جبهة المقاومة؛ لأن في غياب هذه المقاومة كان سيحصل الاستسلام أمام العدو الصهيوني ... كيف ترون هذا الأمر؟ أي إثبات حقانية تشكيل جبهة المقاومة بعد أحداث غزة.
بالتأكيد، إذا أردنا أن نعرف أهمية محور المقاومة، وأهمية المقاومة الفلسطينية، وبشكل عام أهمية المقاومة الإسلامية في كل مكان، يجب أن ننظر إلى الهمجية الصهيونية على مدى أكثر من 70 عاماً بدءاً من عام 1948 وصولاً إلى 7 تشرين الأول/ أكتوبر الأخير؛ بمعنى أنّ كل هذا الإجرام الذي ارتُكب بحقّ الفلسطينيين على مدى هذه العقود كانت المقاومة بشكلها اليوم غائبة عنه، وكل هذا الإجرام الذي يُرتكَب بحق الفلسطينيين كان بسبب هذا الغياب، ولهذا السبب أيضاً استطاع الصهاينة احتلال فلسطين وباقي الأراضي بهذه الطريقة وبهذا الشكل، سواء الضفة الغربية وغزة والجولان وسيناء والقدس. وقد تمّ احتلال الكثير من هذه المناطق بدءاً من العام 1948 وحتى العام 1967 وصولاً إلى لبنان عام 1980 واحتلّت بيروت، وكان سبب كل ذلك غياب جبهة المقاومة. لو كانت المقاومة موجودة بهذا الشكل منذ البداية لما استطاعت "إسرائيل" احتلال فلسطين بهذا الشكل وبهذه الطريقة، ولكانت الآن الكثير من الدول المجاورة لفلسطين تحت الاحتلال وهذا نراه جيداً من خلال الشعار الإستراتيجي للكيان الصهيوني "من النيل إلى الفرات".
هذه المقاومة، اليوم نعرف أهميتها، ونعرف دورها ونعرف كيف استطاعت التصدي لهذا المشروع الاستعماري الذي أراده الغرب والولايات المتحدة الأمريكية أن يبقى في قلب الوطن الإسلامي والأمة الإسلامية والدول الإسلامية، وبالتأكيد يجب أن نعرف أن هذا التعثّر الصهيوني في غزة بعد 6 أشهر يأتي في هذا السياق، ويأتي بصمود المقاومة، وبسبب دور المقاومة في هذه المواجهة.
أثبتت جبهة المقاومة بمختلف مكوّناتها، في لبنان واليمن والعراق وفلسطين، في معركتها ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في المنطقة، ودفاعاً عن شعب غزة المظلوم، دورها في فلسفة تشكيل جبهة المقاومة كجبهة نشطة ديناميكية وفعّالة في الميدان. مارأيكم في ذلك؟
لأوّل مرة تحصل المواجهة مع الكيان الصهيوني والمخطط الاستعماري الأمريكي الغربي بهذا الشكل؛ أي إن محور المقاومة يدخل برمّته في هذه المواجهة، ولأول مرة يحصل ذلك على جميع الأصعدة وفي كل السطوح؛ أي في البعد السياسي، والبعد العسكري، والبعد الاقتصادي، والبعد الميداني، وحتى في البعد الإعلامي، وهذا لم يحصل من قبل. نشاهد كيف دخل محور المقاومة بهذه الطريقة وبالتنسيق الكامل فيما بينه، وفي قيادة يبدو أنها دقيقة وموحّدة وتعرف ماذا تريد وكيف تدير المعركة. المقاومة في لبنان أخذت على عاتقها نوعاً من شلّ الجيش الصهيوني في الجنوب كي يخفف من تآمره ومن عملياته في غزة وفي الضفة الغربية، والدور الذي قام به اليمن هو مواجهة الصهيونية والكيان الصهيوني ببعده الاقتصادي وهذا له تأثير كبير، مجموعات المقاومة العراقية أخذت على عاتقها دوراً في المواجهة، أيضاً سوريا والإيرانيون لهم دور ولكن بشكل آخر. كل هذه الأمور تشير إلى أن محور المقاومة لأول مرة يُدخل في أدبياته مصطلح وحدة الساحات، ووحدة الساحات هذه بيّنت قدرة جبهات المقاومة على التنسيق والتنظيم فيما بينها، وعلى إدارة المعركة والمواجهة مع الكيان الصهيوني بالقيادة الموحدة.
إنّ الدعم الكبير الذي قدمته الولايات المتحدة والغرب للكيان الصهيوني في حرب غزة، كشف عن ضرورة وجود جبهة أخرى لمواجهة الجبهة العبرية-الأمريكية-الغربية. هل تمكنت جبهة المقاومة في هذه المواجهة من توجيه ضربات لمصالح الصهاينة والأمريكيين خاصة بعد عملية طوفان الاقصي؟
أعتقد أن المقاومة عملت بشكل جيد ونجحت نسبياً؛ أقول نسبياً لأن هناك عقبات وتحديات وموانع ومشاكل كبيرة تواجه هذه المقاومة وهذا المحور؛ أي الكثير من الأنظمة مع الأسف تقف مع الكيان الصهيوني بشكل غير علني وتعرقل حراك وعمليات المقاومة وهذا ما نشاهده جيداً؛ ما تقوم بها هذه الأنظمة لمواجهة محور المقاومة من صدّ صواريخ ومسيرات اليمن والعراق ولبنان، والحؤول دون إيصال المساعدات اللوجستية، والحؤول دون دخول الشعوب والجماهيرفي هذه المعركة، كل هذه العقبات، وكل هذه الموانع والمشاكل التي تخلقها هذه الأنظمة وخاصة الأنظمة المجاورة لفلسطين المحتلة تعرقل عمليات المقاومة. لكن إذا ما أردنا إحصاء الإنجازات مع كلّ هذه التحديات وهذه المشاكل أتصور أن المقاومة حققت إنجازات كبيرة، طبعاً لو لم تكن هذه الموانع وهذه المشاكل لكانت الانتصارات بشكل آخر، وأتصور كان الوضع سيتغير بشكل كبير، وكانت الإنجازات ستتحقق بشكل ليس له نظير، لكن للأسف هذه المشاكل وقفت أمام الكثيرمن إنجازات المقاومة.