أكد سماحة قائد الثورة الإسلامية في تصريحاته الأخيرة أن طوفان الأقصى أحبط خطة شاملة لأمريكا والكيان الصهيوني في المنطقة، ووفقا لهذه الخطة، كان من المفترض أن تكون العلاقات بين الكيان الصهيوني وحكومات المنطقة بالشكل الذي يريده الصهاينة، بحيث يسيطرون على الاقتصاد والسياسة في المنطقة والعالم الإسلامي. ما هو تقييمك لأبعاد هذه الخطة؟ وكيف تم إحباطها بعملية طوفان الأقصى؟

قلبت عملية طوفان الأقصى المعادلات بشكل غير متوقع. أولًا، العملية كانت مفاجئة للكيان الصهيوني، ولحلفائه بشكل أساسي. وقد تم تغيير قضيتين من خلال هذه العملية الكبيرة والمهمة والاستراتيجية: القضية الأولى هي قضية التطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيوني. هذا التطبيع كان الهدف منه أولًا التعاون الأمني بين الكيان وهذه الدول، وثانيًا التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بينهم، بحيث يصبح هذا الكيان كأنه جزء طبيعي من دول المنطقة، وهذا المشروع هو المشروع الذي يعمل عليه الكيان منذ تأسيسه. يريد الكيان أن يتحول إلى كيان شرعي وطبيعي، وكان التطبيع هو المدخل لهذا الأمر. اتفاقيات كمب ديفيد وغيرها كان الهدف منها أيضًا أن يكون هذا الكيان طبيعيًّا، ولكن هذا لم يتحقق. إذن، التطبيع من جهة، وتحويل هذا الكيان إلى كيان طبيعي على كل المستويات، هو القضية الأولى.

القضية الثانية المهمة التي تغيرت مع طوفان الأقصى هي إعادة إحياء قضية فلسطين. كانت قضية فلسطين قد بدأت تتحول إلى نسيٍ منسي، وأحد أهداف التطبيع هو نسيان قضية فلسطين، ودفع الفلسطينيين إلى القبول بالأمر الواقع، والذي هو التعامل مع هذا الكيان. عملية طوفان الأقصى - كما قال قائد الثورة - قلبت كل هذه المشاريع التي كانت تُخطط لها الولايات المتحدة الأمريكية مع الصهاينة، بحيث يسيطرون على الجوانب التقنية والإعلامية والاقتصادية والسياسية وغيرها من خلال هذا التعاون مع بعض الدول العربية. إذن، الضربة الاستراتيجية كانت قوية بالنسبة لهذا المشروع، وإن قضية فلسطين لم تعد اليوم القضيةَ الأولى في العالم العربي والإسلامي فقط، بل أصبحت قضية مهمة وأساسية على مستوى الرأي العام الغربي، وهذه خسارة كبيرة بالنسبة للكيان الصهيوني الذي يعترف كثيرٌ من جنرالاته وقادته ومثقفيه بأنهم خسروا المعركة السياسية والإعلامية والدبلوماسية، وهذا من نتائج طوفان الأقصى.

خلال الأشهر الثمانية التي مرت منذ الحرب الجارية في غزة، ما هي المؤشرات التي تُظهر أن الأميركيين لن يتمكنوا من إعادة تنشيط أو إحياء المؤامرة الدولية ضد غربي آسيا؟

الأمريكيون يعتمدون إسرائيل قاعدة ثابتة لمصالحهم ونفوذهم في منطقة غرب آسيا، وكذلك الأوروبيون؛ لأن أصل تأسيس هذا الكيان هو أن يكون ذراع الغرب العسكرية والقوية لقلب هذه المنطقة، يضرب بها، ويتجسس من خلالها على حركات المقاومة، وعلى الحركات الثورية. ولهذا السبب فإن هذه الدول الغربية تُقدّم كل أنواع الدعم للكيان، وقد بيّنت عملية طوفان الأقصى حجم الخوف على هذا الكيان. والذي ظهر من خلال عملية طوفان الأقصى أن هذا الكيان أضعف بكثير مما كان يتصور الكثيرون، ربما حتى الأمريكيون والأوروبيون. تَبيّن عجز هذا الكيان عن توقّع ماذا سيحصل؟ وعن التعامل معه. وحتى بعد أشهر من طوفان الأقصى، فإن هذا الكيان لم يحقق أي إنجازات مهمة، وبالتالي، هذه الذراع العسكرية الأمنية التجسسية لم تعد تعمل كما يجب، وبالتالي أيضًا، الأمريكي أصبح مضطرًّا للدخول بنفسه في المواجهة مع اليمن مثلًا، أو في إرسال الوفود مباشرةً إلى الأراضي المحتلة، وأن يأتي الرئيس الأمريكي بنفسه إلى المنطقة، وهذه من أهم نتائج طوفان الأقصى، فقد ظهر هذا الكيان على أنه كيان تابع مئة في المئة للولايات المتحدة الأمريكية، وأن الولايات المتحدة التي كانت تعتمد عليه، وكانت تكرر دائمًا أن مصالحها الاستراتيجية محمية من إسرائيل، تبيّنت أن هذا الكيان عاجزٌ عن حماية نفسه، وهذا يعني تأثيرًا سلبيًا على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، مما يجعل تحقيق المشاريع الأمريكية والمؤامرات الأمريكية أكثر صعوبة بعد طوفان الأقصى.

 

 

 

أظهرت عملية طوفان الأقصى، والاصطفاف الموحّد لجبهة المقاومة الإقليمية ضد واشنطن وتل أبيب، أن جغرافيا سياسية جديدة تتشكل في غربي آسيا. ضمن تحول هذه الجغرافيا السياسية، کیف ستکون مکانة محور المقاومة، وخاصة مقاومة فلسطين؟

قدّمت عملية طوفان الأقصى فرصة ذهبية لمحور المقاومة. قبل طوفان الأقصى؛ كان محور المقاومة مجرد تهديد، أي كان هناك تهديد بأن أي عملية إسرائيلية صهيونية ضد المقدسات ستلقى الرد من خلال اشتعال الشرق الأوسط، ومن خلال تدخّل أطراف محور المقاومة، وربما لم يعتقد كثيرون بأن مثل هذا التدخّل على مستوى المحور سيحصل. عملية طوفان الأقصى أعطت فرصة ذهبية لهذا المحور ليتدخل بشكل فاعل، وقد فوجئ الإسرائيليون والأمريكيون بهذه الجبهات التي فُتحت في وقت واحد تقريبًا: جبهة جنوب لبنان، وجبهة اليمن، وجبهة العراق.

كما فوجئوا أيضًا بالضربة الإيرانية المباشرة في داخل الكيان الإسرائيلي، وهذا يعني أن الأشهر الثمانية الماضية من الحرب الإسرائيلية على أهل غزة، وعلى أهل الضفة، أعطت فرصة لمحور المقاومة كي يتحول إلى قوة فعلية في المنطقة، وهذه هي المعادلة الجديدة التي تتشكل في غربي آسيا، بحيث أصبح من المؤكد أن أي مشروع فيما بعد حرب غزة، أو ما يسمى اليوم التالي، وأن أي تفكير في أي مستقبل للمنطقة، سواء في قضية الصراع أو التفاوض أو التقدم أو التراجع، لن يكون بمعزل عن موقع محور المقاومة، أي إن محور المقاومة بجبهاته المختلفة أصبح جزءًا أساسيًّا من أي تصوّر لمستقبل منطقة غربي آسيا. وعندما يخوض اليمن - على سبيل المثال - في الصراع المباشر مع الولايات المتحدة وبريطانيا، فهذا يعني أنه أصبح قوة إقليمية في منطقة غربي آسيا. وعندما يخوض حزب الله - وهو أمر ليس بجديد - مثل هذه الحرب التي لا يعرف العدو فيها كيف يتعامل معه؟ ولا يستطيع أن يمنع ما يسمّيه التهديد القادم من الشمال، وما يرونه من أنهم فقدوا الشمال، وأصبح في أيدي حزب الله، هذا كلّه جديد، وهذا كلّه فرصة تحولت إلى واقع في أثناء هذه الحرب، وفيما بعد طوفان الأقصى. ومهما كانت طبيعة النتائج التي ستترتب على هذه العملية، فإن محور المقاومة أصبح فاعلًا رئيسيًّا لا يمكن لأحد أن يتجاهل دوره في مستقبل منطقة غربي آسيا.

 

لقد اشتدّت ضغوط الرأي العام الدولي ضد أمريكا والكيان الصهيوني، وأكد سماحة قائد الثورة الإسلامية أيضًا أن أمريكا سوف تضطر إلى سحب يدها من مساندة الكيان الصهيوني. ما هي العوامل التي تُعيد إلى الأذهان قضية قطع دعم واشنطن لتل أبيب؟

نعم، لقد تغيّر الرأي العام العالمي، وهذا أيضًا من تداعيات طوفان الأقصى. هذا الشيء لم يكن متوقعًا عند كثيرين في العالم، لم يكن أحد يتصور أن يخرج مئات الآلاف من الطلاب والجامعيين والممثلين والفنانين والرياضيين وصناع الرأي في الغرب في مسيرات وتظاهرات تدين الإبادة الجماعية في فلسطين، وتتهم إسرائيل مباشرةً بارتكاب هذه الإبادة، وتدعو إلى حرية فلسطين من البحر إلى النهر، وبعضهم يدعو إلى إزالة إسرائيل، ويقول إن هذا الكيان لا يستحق أن يكون موجودًا. عملية طوفان الأقصى خلقت لغة جديدة في التعامل مع قضية فلسطين، وخلقت واقعًا سياسيًّا جديدًا، ولم تعد فلسطين قضية عربية وإسلامية فقط، وإنما أصبحت قضية دولية إنسانية، يتعامل معها الرأي العام بشكل مختلف عن السابق. هذا كله يجعل الإدارة الأمريكية في موقع حرج ومرتبك، وهذا ما نشهده في مواقفها وسياساتها تجاه ما يجري في فلسطين.

الولايات المتحدة الأمريكية تعرف تمامًا أن هذا الكيان لن يستطيع أن يحقق أي انتصار، وفي نفس الوقت هي لا تريد الاعتراف بخسارته؛ لأن الاعتراف بخسارة الكيان الإسرائيلي في هذه المعركة يعني انتصار حركة المقاومة في فلسطين، وانتصار محور المقاومة، وانتصار إيران، وهذه الحقيقة لا تستيطع الولايات المتحدة أن تتحمّلها. لهذا السبب هي تمارس سياسة مرتبكة، بين الرغبة في وقف هذه الحرب وهذه الإبادة؛ لكي تُقلّص الضغوط الدولية وضغوط الرأي العام عليها، ومن جهة أخرى هي لا تريد أن يبدو هذا الكيان منكسرًا وخاسرًا، وهذا ما يدفعها إلى ممارسة ضغوط ناعمة على هذا الكيان، مثل التهديد بوقف إرسال السلاح. وكما قال السيد القائد أن الولايات المتحدة ترى هذا الكيان يذوب أمام عينيها، وهي لا تستطيع أن تفعل شيئًا. إن الذي سيجعل هذا الكيان يذوب هو صمود الشعب الفلسطيني وبسالته، وثبات محور المقاومة، والدعم الذي يحصل عليه الشعب الفلسطيني من محور المقاومة، ومن الرأي العام الدولي اليوم، ومن المؤسسات الدولية، هذا كله يعجّل في نهاية هذا الكيان وذوبانه.