نظرًا إلى أنّ الحج أحد أعظم الأرضيّات لتضافر الأمّة الإسلاميّة وتآزرها وتعاطفها، كيف يمكن الاستفادة من هذه الإمكانيّة العظيمة [للحج] من أجل حلّ مشكلات العالم الإسلاميّ بأفضل نحو ممكن؟

بالنسبة للسؤال الأول، إنّ لقاء المسلمين في الحج هو لقاء للتعارف المباشر بين المسلمين، والتعرف على قضاياهم، وقضايا بلدانهم، خاصةً أن كثيرًا من المسلمين، وكثيرًا من الأفراد في العصر الحديث، لديهم اهتماماتهم الفردية والشخصية، أو هم غارقون في اهتماماتهم وشؤون بلدانهم الداخلية، وليس لديهم الاهتمام الكبير بشؤون المسلمين الآخرين؛ لذلك فإن الحج مفيد في تبادل المعرفة، وتبادل الآراء حول المشكلات والتحديات، وأيضًا يمثّل أرضية مناسبة للتعاطف المباشر والمتبادل، وللتعارف عن قرب.

الأمر الآخر أيضًا، أن أصل الحج هو الهجرة من البلاد، والتوجه إلى الله تبارك وتعالى، والتخلص من الآثار الدنيوية لفترة وجيزة يحددها الإنسان للاهتمام بالمسلمين، وخاصةً أن الرسول (ص) قال: إن من مات ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم. وبالتالي، هناك بيئة نفسية وروحانية داخل الحج، تسمح للمسلمين بالتوجه إلى القضايا الإسلامية العامة والكلي.، وأيضًا، هناك عامل مساعد وهو تعرّف المسلم على حجم العالم الإسلامي، وتنوع العالم الإسلامي، وعظمة العالم الإسلامي، فهم يحضرون من الجنسيات المختلفة في مكان واحد، ولهم وجهة واحدة، ورؤية واحدة، ومعبود واحد، وبالتالي هذا أيضًا يمحو الحواجز القومية أو المذهبية أو اللغوية أو العرقية بين المسلمين، ويدفعهم إلى النظر إلى الإسلام بوصفه قضية، وليس فقط على مستوى القضايا الفردية والسياسية والاجتماعية المباشرة للبلدان، وإنما أيضَا النظر إلى العالم الإسلامي بوصفه عالمًا قادرًا، ولديه رؤية واحدة، ولديه أيضَا اتجاه واحد بالمنحى الأخلاقي والمعنوي والفلسفي والشرعي كذلك.

يُكوّن الحجّ فرصة مميّزة من أجل التعبير عن دعم الأمّة الإسلاميّة عامةً، والحجّاج خاصّةً، لأهالي غزّة. ما هي برأيكم الخطوات التي يمكن القيام بها في هذا الصّدد ضمن إطار الحج؟

إن اجتماع المسلمين في ساحة واحدة بهذه الروحية، وبهذه المقدمات النفسية والاجتماعية، يسمح بالقيام بالكثير من الأنشطة المعرّفة، والأنشطة الجماهيرية والجماعية أيضَا، بحيث يكون هذا الحج مثل لقاء ومنتدى عام لكل المسلمين، يتركون فيه تعلقاتهم الجزئية، ويتصلون بالبحر الإسلامي الواسع، ويستطيعون الاستفادة من التجمع لتشكيل زخم، وتقديم صورة للعالم ككل، وللحضارات الأخرى، تُبيّن هذه الصورة حقيقة الحضارة الإسلامية. ويُشكّل الحج هوية واحدة، وقوة واحدة، يعبر فيه الحجاج عن موقفهم الأخلاقي والسياسي من خلال الأعمال الجماعية، مثل الاحتجاجات والتظاهرات ومسيرة البراءة، وأيضًا من خلال اللقاءات الجماعية المتعددة الجنسيات للتحدث حول قضايا العالم الإسلامي الآنية، ومشكلاته وتحدياته، والتعاون لحلّها، والاستفادة من المقترحات والأفكار والثقافات والتجارب المختلفة داخل العالم الإسلامي لمعالجة هذه المشكلات، وأيضًا يمكن الاستفادة من الفرص التي يكشفها أهل البلدان المختلفة، والمعالجات والمقاربات المتنوعة التي يمكن أن تظهر في مثل هذا الاجتماع الهائل والكبير.

لو كنتم مشاركين بشكل شخصي في حجّ هذا العام، هل كنتم - بصفتكم أحد الحجاج - ستُقدمون على خطوة ضمن إطار دعم قطاع غزة، واستنكار الإبادة الجماعية التي تمارسها أمريكا والكيان الصهيوني؟

بالتأكيد أن الحضور في هذه الوسط الكبير يفتح المجال لذلك، خاصةً أن من بين الحجاج فلسطينيين قدموا من بلدان مختلفة، ومسلمين من الدول المختلفة، وخاصةً من تلك الدول التي لم تشهد تظاهرات وتحركات، وليس هناك إمكانية للقيام بأنشطة داعمة لغزة أو القضية الفلسطينية، حضورهم في هذه الساحة يفتح لنا المجال - ولأي حاج يهتم بشؤون المسلمين - كي يثير هذه القضايا  بحضور هؤلاء، وبحضور هذه الفئات، وويفتح المجال لتبادل وجهات النظر التاريخية والسياسية، وأيضًا تبادل التواصي بالحق والصبر،  والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة للتحرك في هذه البلدان بحسب المساحة المتاحة لهم.

يمكن أن تنشط المجموعة التي تذهب إلى الحج للقيام بأعمال جماعية في سبيل التحفيز، وفي سبيل تحريض المسلمين على القيام بواجباتهم تجاه القضايا الأساسية في العالم الإسلامي، وأهمها قضية فلسطين، وقضية الحرب الكبرى الجارية في غزة، وفي منطقة غربي آسيا.

ما هي مكانة «البراءة من أعداء العالم الإسلامي» في الحج؟ بعبارة أفضل، إلى أيّ مدى تنطوي البراءة من أعداء الأمّة الإسلامية - وعلى رأسهم أمريكا والكيان الصهيوني - على الأهميّة، خاصّة في حجّ هذا العام الذي يتزامن مع إبادة المسلمين في قطاع غزّة؟

أما بالنسبة للسؤال الرابع، فإن مسيرة البراءة هي استكمال للتوحيد، فعندما نقول: (لا إله إلا الله)؛ فإننا في البداية نرفض الطاغوت، ونرفض عبادة الطاغوت، نرفض عبادة أي معبود سوى الله سبحانه وتعالى، وما أمريكا والصهيونية العالمية والكيان الصهيوني المؤقت إلا طاغوت يدعو الناس للرضا بكل القبائح الأخلاقية، وللسكوت عن الجرائم غير المسبوقة والهائلة التي تحصل في غزة.

بالنسبة للبراءة، البراءة شرط وضرورة في هذه العبادة، وهي مكمّلة لها، ولا يمكن لإنسان أن يعبد الله سبحانه وتعالى ويسكت على الجرائم التي تحصل، وألا يتعاطف مع سكان قطاع غزة، ومع المسلمين في قطاع غزة، وهم من المسلمين المظلومين طوال عقود طويلة، ومن المهتمين بعبادتهم وبقرآنهم، ومن أهل قراءة القرآن، وحفظ القرآن، ومن أصحاب المظلومية الواضحة التي لا لبس فيها، وأيضًا من أصحاب الحاجة إلى الدعم والمساندة المعنوية والسياسية، وبكل الأشكال.

فإذًا، هذه البراءة ليست نشاطًا سياسيًّا على هامش الحج، وإنما هي في صلب الطواف، وفي صلب العبادة، وفي صلب أعمال الحج، وهي المكمّل، وهي التي تعكس استعداد المسلم - واستعداد المسلمين - للتضحية وللمواجهة. وبالتوكل والاعتماد على الله سبحانه وتعالى؛ تعكس البراءة استعدادهم للبذل في سبيل الله، والاستجابة للدعوة الإلهية، والتضحية والجهاد في سبيل الله، وهذا الجهاد وهذه التضحية هما قربان كل تقي كما يقول الحديث الشريف «الشهادة قربان كل تقي».

إذًا، هذه البراءة هي جزء لا يتجزأ من الحج، وهي جزء لا يتجزأ من الموقف الإسلامي العام، والموقف الإنساني العام الذي تعدّى العالم الإسلامي في تأييد المقاومة في غزة، وفي رفض الجريمة الجارية في قطاع غزة.