ملأتْ روايةٌ جديدة عن وحشية الكيان الصهيوني وسائلَ الإعلام في الأيام الماضية، فقد أطلق الكيان الصهيوني سراح 55 أسيرًا فلسطينيًّا، بعد أشهر من اعتقاله لهم خلال اجتياحه البرّي لغزة. وشرح الأسرى المحررون الأوضاعَ المأساوية، والظروف القاسية، والتعذيب الذي عانوا منه في سجون الكيان الصهيوني.
«أسأل الله أن يكون في عون المعتقلين الذين يتم التحقيق معهم من قبل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي. لقد تعرّضنا للتعذيب والضرب والاعتداء على أعضائنا التناسلية. لقد تعرّضنا للاعتداء اللفظي والجسدي؛ الله وحده يعلم. بالله عليكم حرروهم وأخرجوهم من ذاك الجحيم»[1]. هذه كلمات الأسير الفلسطيني المحرّر فرج السموني، الذي أُطلق سراحه من سجون الكيان الصهيوني يوم الاثنين في الأول من حزيران/يوليو.
وروى السموني وغيره من السجناء الفلسطينيين قصصَ العذاب والتعذيب الذي تعرّضوا له أثناء الاستجواب، بما في ذلك الاعتداء الجسدي واللفظي، وبيّنوا الظروف القاسية في زنازين السجون الصهيونية، مثل الاكتظاظ، وتفشي الأمراض، ونقص الغذاء.
وبحسب قول السموني، يجري حجز 30 شخصًا في زنزانة واحدة، وأجساد الأسرى الفلسطينيين مصابة بأمراض مختلفة، من بينها الخراجات والطفيليات والغرغرينا.
ويقول الأسير الفلسطيني المُفرَج عنه حديثًا عن الأوضاع الكارثية لتغذية الأسرى في السجون: إنّ الحصة اليومية لكل أسير فلسطيني لا تتجاوز كوب أرز، وشريحة طماطم، وشريحة خيار، مع قرص خبز.
وكان من بين المُفرَج عنهم أيضًا، محمد أبو سليمة، أحد أشهر الأطباء الفلسطينيين، ومدير مستشفى «الشفاء»، الذي قضى 7 أشهر في سجون الكيان الصهيوني. ووفقًا له، يتعرّض الأسرى الفلسطينيون إلى الإذلال الجسدي والنفسي يوميًّا، ويُقتل كثيرٌ منهم أثناء الاستجواب.
وقال أبو سليمة، في مؤتمر صحفي: «تم اعتقال العديد من الطواقم الطبية، وحرمانهم من الطعام والماء والدواء. ليس لدى الإسرائيليين خطوط حمراء. إنهم يعاملون السجناء كأنهم أشياء، وليسوا أشخاصًا. وحتى الأطباء الإسرائيليون متورطون أيضًا في هذا الضرب».
متى سيتوقف الكيان الصهيوني عن تعذيب الفلسطينيين؟
لا ينحصر تعذيب الأسرى الفلسطينيين في الأشهر القليلة الماضية، وما بعد عملية «طوفان الأقصى» في تشرين الأول/أكتوبر 2023، بل إنّه موجود على مدى العمر القصير للكيان الصهيوني. إن تكبيل اليدين المؤلم، والاحتجاز في ظروف مؤرّقة ومؤلمة، والحرمان من النوم، والتهديد بالاعتداء الجنسي، والإجبار على مشاهدة تعذيب سجناء آخرين، والتهديد باعتقال وتعذيب أفراد الأسرة، هي ألوان رائجة في تعذيب الفلسطينيين جسديًّا ونفسيًّا[2].
الصهاينة لا ينتهكون القوانين الدولية المتعلقة بأسلوب احتجاز الأسرى فحسب، بل لا يلتزمون بأيّ من المبادئ الأخلاقية والإنسانية أيضًا.
وبحسب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب[3]، «يُقصد 'بالتعذيب' أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ،جسديًّا كان أم عقليًّا، يلحق عمدًا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه، أو يُشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث، أو تخويفه، أو إرغامه، هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أيًّا كان نوعه، أو يُحرّض عليه، أو يُوافق عليه، أو يسكت عنه موظف رسمي، أو أي شخص يتصرّف بصفته الرسمية. ولا يتضمّن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية، أو الملازم لهذه العقوبات، أو الذي يكون نتيجة عرضية لها».
الكيان الصهيوني الزائف هو أحد الموقّعين على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب، لكنّه يُواصل تعذيب الأسرى الفلسطينيين من دون أيّ مبالاة، والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الحكومات الأوروبية، بما فيها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، التي صدعت آذان العالم بسمفونية حقوق الإنسان، لم تتخذ أيّ موقف في هذا الصدد، وكأن الفلسطينيين ليسوا بشرًا، ولا حقوق لهم.
يبدو أنّ السبيل الوحيد لإنهاء الجرائم ضد الشعب الفلسطيني والأسرى الفلسطينيين هو المقاومة المسلحة، وصولًا إلى إجراء الاستفتاء العام من أجل تحديد مصير أرض فلسطين، وهو المقترح الذي طرحه قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، مرارًا وتكرارًا: «ما الذي يعنيه "حلّ قضيّة فلسطين"؟ يعني بسط السيادة الفلسطينية على كامل أرض فلسطين. لقد طرحنا مشروعنا: استفتاء الفلسطينيّين. طبعًا، أولئك المحتلّون لا حقّ لهم، لكنّ الفلسطينيّين أنفسهم، في أرض فلسطين أو داخل المخيّمات في الدول المجاورة لفلسطين أو سائر الأماكن حيثما كانوا – هناك ملايين عدّة من الفلسطينيّين –، هم جميعًا يُمكنهم الإدلاء بأصواتهم. [الاستفتاء] منطقٌ مقبول وحضاري، ويُمكن أن يتبنّاه العالم لإدارة فلسطين. طبعًا، قد يقول بعض الأشخاص: حسنًا، ما تطرحونه يرفضه الكيان الصّهيوني، ولن يرضخ له. نعم، نعلم أنّه لن يرضخ، لكنّ رضوخه ليس بيده، ولا بإرادته. أحيانًا لا ترغب حكومة ما أو دولة ما في شيء معيّن، لكنّه يُفرض عليها، وتُضطرّ إلى تنفيذه. فإذا جرت متابعة هذه القضيّة – ستجري متابعتها، إن شاء الله – وفي حال أصرّت نوی هذه المقاومة على إرادتها، وأظهرت عزمًا راسخًا وقرارًا جادًا، فسوف يتحقّق هذا الأمر دون أدنى شكّ» 29/11/2023[4].