بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّدٍ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المنتجبين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أهلًا وسهلًا بكم أيّها الإخوة الأعزّاء، والأخوات العزيزات. طرح الإخوة والأخوات مواضيع جيّدة، بعضها يتعلّق بهذه المجموعة؛ بذكريات الحرب وشؤون «الدفاع المقدّس»، التي تقع متابعتها على هؤلاء السادة، وبعضها الآخر يرتبط بالمؤسّسات الحكوميّة. سيقوم الإخوة في مكتبنا بمتابعتها حتّى يتمّ النظر في المسائل التي ذُكرت، والقيام بما هو مفيدٌ منها إن شاء الله.
إنّ تكريم قدامى المجاهدين في «أسبوع الدفاع المقدّس» يأتي لأهمّيّة السبق والمبادرة في الأحداث المهمّة: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» (الحديد 21)؛ السبق والتقدّم في الساحات التي لم تُولج بعد يعدّ قيمةً. بالطبع، إنّ «أسبوع الدفاع المقدّس» يخصّ جميع المقاتلين والشهداء وعائلاتهم، ولكنّ القدامى، ومن بادروا بسرعةٍ وجدّيّةٍ أكبر، يحظون بقيمةٍ مضافةٍ، سواءٌ أكانوا من القادة أو من سائر الجنود، أو الأطبّاء أو المسعفين، أو المجاهدين، أو اللوجستيّين، فكلّهم يستحقّون هذا التكريم والتقدير الخاصّ. لقد شاهدنا العديد من هؤلاء القدامى في الفترة الأولى للدفاع المقدّس، ورأينا دورهم الفعّال.
الموضوع الذي يجب طرحه اليوم للمخاطب حول «الدفاع المقدّس» يتعلّق أساسًا بمسألتين، وهناك مسألةٌ ثالثةٌ لا يسعني الحديث عنها اليوم. المسألة الأولى هي: "لماذا استمرّت الحرب لمدّة ثماني سنواتٍ؟" على شبابنا الذين لم يعيشوا فترة الحرب والثورة أن يعرفوا لماذا خاضت الجمهوريّة الإسلاميّة معركةً استمرّت لثماني سنواتٍ - وهي مدّة ليست بالقصيرة -، شاركت في الدفاع عنها جميع مقدّرات البلاد. فما هو سبب دخولنا في هذه الحرب؟ هذا ما سأوضّحه اليوم ببضع كلمات.
الموضوع الثاني الذي علينا الالتفات إليه في الحديث مع مخاطبنا اليوم هو بيان ما جرى خلال الحرب. سأذكر أيضًا بضع كلمات بهذا الخصوص. طبعًا المخاطب الفعليّ في حديثي هذا هو أنتم الحاضرون هنا، والجماهير الكبيرة التي تستمع إلينا عن بُعد، فأنتم المخاطبون الفعليّون، لكنّكم لستم وحدكم المخاطبون بهذا الكلام؛ بل على جميع الشباب والأجيال القادمة، وأبنائكم، عليهم جميعًا أن يفكّروا في هذه القضايا، أن يعملوا عليها، أن يتعلّموا منها. هذه هي المواضيع التي سأتناولها ببضع كلمات.
وهناك موضوعٌ ثالثٌ مهمٌّ لا يسعني التطرّق إليه اليوم، وهو الفوائد والنتائج التي ترتّبت على هذا «الدفاع المقدّس». ولحسن الحظّ، فإنّ بعض المتحدّثين هنا قد أشاروا إليها.
أمّا مسألة "لماذا بدأت هذه الحرب؟" فأقول: لم تكن الرغبة بالهجوم على حدود إيران الثوريّة محصورة بصدّام وحزب البعث فقط. ربّما يمكن القول إنّ رغبة قادة النظام العالميّ آنذاك بمهاجمة إيران كانت أكبر من رغبة صدّام، وبالحدّ الأدنى لم تكن أقلّ. ففي ذلك اليوم كانت هناك قوّتان عظميان على مستوى العالم، ولكلّ منهما أتباع، هاتان القوّتان هما أمريكا والاتّحاد السوفيتي، وكان لكلّ منهما مجموعة من الأتباع على مستوى الدول والأنظمة السياسيّة؛ كلّ أولئك كان لهم رغبة في هذا الأمر.
الجمهوريّة الإسلاميّة، إيران الإسلاميّة كانت بالنسبة إليهم عنصرًا لا يطاق؛ لماذا؟ السؤال هو: لماذا لم يكن بمقدورهم تحمّل إيران الإسلاميّة؟ فنحن يومها لم نقم بأيّ عملٍ ضدّ أحدٍ. اليوم يقولون لنا: "أنتم أعطيتم صواريخ إلى الجهة الفلانيّة، وأعطيتم طائراتٍ مسيّرةً إلى الجهة الفلانيّة"، ولكن في ذلك الوقت لم تكن هذه الأمور موجودةً. إذًا، ما كان سبب العداء؟ هذه هي النقطة الأساسيّة. السبب هو أنّه في هذه النقطة الحسّاسة من العالم نشأت ثورةٌ شعبيّةٌ لا مثيل لها، وقدّمت فكرًا جديدًا لإدارة العالم. النظام السائد في ذلك الوقت لم يكن يتحمّل هذا الفكر الجديد، وهذه هي القضيّة. في ذلك الوقت، كان العالم عالمًا تسلّطيًّا. بالطبع هو كذلك اليوم أيضًا، لكن في ذلك الوقت لم يكن هناك صوتٌ أو موقفٌ واضحٌ يعارض هذا النظام الفاسد الذي يدمّر الفضائل؛ كان النظام العالميّ نظامًا تسلّطيًّا.
ماذا يعني "نظام التسلّط"؟ يعني أنّ العالم ينقسم إلى قسمين: بعض الدول متسلّطة ومهيمنة، وبعض الدول متسلَّط عليها؛ ولا يوجد قسمٌ ثالثٌ. الجمهوريّة الإسلاميّة، الثورة الإسلاميّة، النظام الإسلاميّ، كانت صرخةً علانية صريحة في وجه هذا النظام: "لماذا يكون هذا؟ لماذا يجب أن يكون هناك تسلّطٌ؟ لماذا يحقّ للدولة الفلانيّة أن تفرض رأيها وثقافتها ومطالبها على مجموعة من الدول؛ فقط لأنّها تمتلك معدّاتٍ عسكريّةً متقدّمةً؟ لماذا؟" لقد شكّلت الجمهوريّة الإسلاميّة مقولة جديدة في وجه هذا النظام الفاسد، ولم يكن مستكبرو العالم يتحمّلون ذلك. كانوا يدركون أنّ هذا الخطاب، هذا الفكر، يتّسم بميّزة الانتشار على مستوى العالم ــ وذلك صحيح ــ وقد انتشر فعلًا؛ انتشر هذا الفكر في العالم وجذب الشعوب، وسوف أعود للحديث عن جاذبيّة هذه الحركة بنحو مختصر.
كلّ هؤلاء ــ سواءٌ أمريكا أو الاتّحاد السوفيتيّ أو دول الناتو التي كانت تتّبع أمريكا، أو دول حلف وارسو التي كانت تتّبع الاتحاد السوفيتي ــ كانوا ينتظرون فرصةً، وقد وفّر لهم صدّام هذه الفرصة؛ رجلٌ طموحٌ، محبٌّ للسلطة، جشعٌ، وقحٌ، ظالمٌ، ولا يراعي أحدًا، على مقربة من إيران، على حدودها؛ قاموا بتحريضه وهاجم بلدنا. اليوم، بعض الأشخاص من داخل الجمهوريّة الإسلاميّة يلومونها ويقولون: "الجمهوريّة الإسلاميّة على خلافٍ مع العالم كلّه، وهي معزولةٌ عن العالم"؛ هذا ليس صحيحًا؛ الأمر ليس كذلك. إذا كان المقصود أنّنا لا نقوم بأعمالٍ سياسيّةٍ أو اقتصاديّةٍ أو تفاعلٍ أو علاقاتٍ مع العالم، فليس هذا هو الواقع كما هو واضح؛ نحن نقيم علاقات اليوم مع مجموعاتٍ ودولٍ يعيش فيها أكثر من نصف سكّان العالم. هذه الدعاية التي نراها أحيانًا من البعض، بأنّنا على خلاف وعلاقتنا سيّئة بالجميع، ليست صحيحةً. إذا كان المقصود أنّنا ضدّ النظام السياسيّ القائم على التسلّط، نعم، هذا صحيحٌ.
اليوم، وكما كان الحال في بداية الثورة، نحن ضدّ نظام التسلّط، وضدّ هيمنة أمريكا. اليوم لم يعد الاتّحاد السوفيتي موجودًا، ولكن أمريكا تتزعّم الدول الغربيّة وتمارس الهيمنة؛ نرى نتائج أعمالهم: الحروب التي يشنّونها، الظلم الذي يمارسونه، التمييز الذي يفرضونه، الشعوب التي يمارسون الضغط عليها. نحن نرفض هذه الأمور، ونعبّر عن رفضنا صراحة. هذا هو الحال الذي كان موجودًا في ذلك الوقت وما زال موجودًا اليوم؛ [لكن] في ذلك الوقت شكّل ذلك دافعًا لمهاجمة إيران؛ أمّا اليوم، بفضل صمود الشعب الإيرانيّ، وبفضل حضوره القويّ في مختلف الساحات، لم يعودوا يجرؤون على مهاجمة الحدود، لكنّهم يمارسون أشكالًا أخرى من العداء والمؤامرات والحقد.
فيما ذكرت حول عدم وقوف أحد في وجه ذلك النظام؛ بالطبع قبل الجمهوريّة الإسلاميّة كان هناك حركة عدم الانحياز، وقد انضممنا في بداية الثورة إلى هذه الحركة، والتي لا زالت موجودة إلى الآن، غاية الأمر أنَّ قادة تلك الدول نفسها التي كانت أعضاء في حركة عدم الانحياز – والتي تقارب المئة دولة -؛ كانوا يخضعون لهيمنة هذه القوى العظمى نفسها! فبعضهم كان يخضع لهيمنة أمريكا، وبعضهم كان يخضع لهيمنة الاتّحاد السوفيتي؛ بعضهم كان خاضعًا للهيمنة، وبعضهم [الآخر] كان يمتثل خوفًا؛ فقد كانوا يخشون همجيّة هذه القوى العظمى. في أحد مؤتمرات [حركة] عدم الانحياز، وبعد أن ألقيت – أنا العبد – كلمة هناك، قال لي رئيس جمهوريّة إحدى الدول في هذا العالم: "الجميع يخشى أمريكا، إلّا أنتم"، ثمّ أدنى رأسه، وقال: "وأنا أيضًا أخشى أمريكا!" كانوا يخافون. إذًا، ذلك الصوت الذي ارتفع علانية في وجه النظام العالميّ الفاسد؛ كان صوت الثورة الإسلاميّة والجمهوريّة الإسلاميّة، وقد كان مركز ذلك الصوت إيران الإسلاميّة التي يُناوئونها؛ ففي ذلك اليوم أيضًا كانوا مناوئين لها، واليوم أيضًا هم مناوئون لها، هذه هي القضية.
یجب أن ندرك هذا جيّدًا، البعض لا يدرك هذا. القضيّة ليست قضيّة الطَّاقة النوويّة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وكلام من هذا القبيل؛ فهذه ذرائع. القضيّة قضيّة الإتيان بمنطق جديد في وجه النظام العالميّ الباطل، الفاسد، المُتحيِّز، الذي يسيطر اليوم على العالم، القضيّة هي هذه، هم يعارضون هذا، وهذه هي مشكلتهم، ولن ينقضي هذا النزاع ما لم تذعن الجمهوريّة الإسلاميّة والشعب الإيرانيّ لمنطق القوّة الذي يمارسونه، وهذا ما لن تقبل به.
ذكرت "عوامل الجذب في الجمهوريّة الإسلاميّة"؛ لقد كان لهذه العوامل أثر عظيم؛ وقد أثارت الرعب في قلوبهم. كان – ولا يزال - هناك نوعان من الجاذبيّة للجمهوريّة الإسلاميّة، ويجب الحفاظ على هذين النوعين من الجذب؛ [لأنَّهما] يجتذبان الشعوب إليهما (أي إلى عاملي الجذب): أحدهما الجاذبيّة السياسيّة، والأخرى الجاذبيّة المعنوية. الجاذبيّة السياسيّة كانت تتمثّل في هذا الوقوف في وجه النظام العالميّ الفاسد؛ ولهذا فهي جاذبيّة سياسيّة. فالشعوب، وخلافًا للقوى [السياسيّة]، والدول، تميل إلى هذه الجاذبيّة السياسيّة؛ فأن تشعر أنّه يوجد في العالم نظام يُعارض هذا النظام العالميّ المغلوط، وهذه الغطرسات وأشكال التدخُّل الحاصل من القوى [العظمى]، لهو ممَّا يجتذب قلوبها. أنتم ترون، أنَّ رؤساء جمهوريّتنا حينما كانوا يزورون أيّ دولة من الدول الإسلاميّة، كانوا يحظون بترحيب شعوب تلك الدول واهتمامهم، وكان الناس يعربون عن محبّتهم لهم، وذلك يعود إلى هذه الجاذبيّة السياسيّة. هناك الكثير ممّا يمكن قوله في هذا المجال، هذه هي الجاذبيّة السياسيّة.
وكذلك فإنَّ الجاذبيّة المعنويّة، هي هذا الاهتمام بالإيمان الإلهيّ، وبالإيمان الدينيّ في النظام الإسلاميّ؛ فإنَّ لهذا جاذبيّة، ولهذا فهي تتمتّع بجاذبيّة كبيرة. في هذا العالم المادّيّ، يشعر الشباب في تلك الدول نفسها التي يطلق عليها متقدّمةً ومتحضّرةً بالخواء. وهذا ما يُصرِّح به اليوم علماء ومفكرو هؤلاء أنفسهم؛ فهم يشعرون بالخواء، ويشعرون بالعبثيّة، وتزداد [حالات] الانتحار يومًا بعد يوم. فيجد هؤلاء بالإيمان الدينيّ ملاذًا لهم، ويربط على قلوبهم؛ وهذه هي خصوصيّة الشعور الدينيّ. وهذه أيضًا إحدى عوامل الجذب في الجمهوريّة الإسلاميّة.
إذًا، فالسبب في وقوع هذه الحملة العسكريّة، وهذا الهجوم العسكريّ على بلادنا، وعلى حدودنا - وهو ما أفضى إلى «الدفاع المقدَّس» لثماني سنوات -، هو هذه [الأمور]؛ فهم كانوا يُعارضون ذلك. عوامل الجذب التي كانت موجودة في الجمهوريّة الإسلاميّة كانت تخفيهم، وكان المنطق الجديد للجمهوريّة الإسلاميّة يُثير غضبهم، ولهذا قاموا بتلك الحملة؛ فشغلوا البلاد لثمانية أعوام. هذا كان المطلب الأوّل. لا شكَّ أنَّ هذه [المسألة] فيها متَّسع لكثير من الكلام؛ فجدير بمن هم أهل الفكر، وأصحاب القلم، أن يتحدَّثوا في هذا المجال، ويكتبوا، ويعملوا، ويوضِّحوا.
وأمَّا المسألة الثانية: التقرير حول الحرب. ثمّة تقريران، ويمكن تقديم نمطين من التقرير عن الحرب: تقرير أعبِّر عنه بالوصف، «تقرير وصفيّ»، وهو نمط من التقارير يصف ما جرى خلال الحرب: كيف بدأت، وكيف استمرت، وإلى أين أفضت، وكيف كانت أوضاع طرفي الحرب؛ فهذا نحو من التقارير؛ [وهو] تقرير وصفيّ. وثمّة نحو آخر من التقرير، وهو أهمّ في رأيي: [وهو] التقرير الوصفي والتفسيريّ، والذي يوضِّح ويبيِّن لنا حقيقة الحرب، وحقيقة الجبهة، وروحها. إنَّ شباب اليوم بحاجة إلى المعرفة في كلا المجالين، فينبغي العمل [على ذلك]. سأكتفي هنا ببعض الإشارات وذكر العناوين؛ حيث ينبغي العمل على هذه [المحاور] وبذل الجهد [بشأنها]، وبحمد الله تمّ القيام بأعمالٍ جيّدةٍ، ويجب مواصلة هذا العمل.
أمّا فيما يتعلّق بالتقرير الوصفيّ للحرب: كان هناك جيش مهاجم شنَّ هجومًا على حدودنا؛ وكان أحد الأطراف هو الطرف المهاجم الذي يمتلك التجهيزات الكاملة، وبخطَّة مُعدَّة مُسبقًا. من البديهيّ أنّ من يريد مهاجمة حدودنا يُعِدُّ الخطط والبرامج مسبقًا، على عكسنا نحن الذين نتعرَّض للهجوم، ونُؤخذ على حين غرّة، من دون أن تكون لدينا أيّ خطّة؛ هذا فيما يخصّ بداية الثورة. نزل عدوّنا إلى الميدان بناء على تخطيط مسبق، وتجهيزات كاملة، وتشكيلات منظّمة، كلّ شيء كان مُعدًّا مسبقًا، لقد حظيَ بمختلف أشكال الدعم المتواصل، وامتلك تشكيلات هندسيّة قويّة، وشبكة اتصالات محكمة، وأحدث أنواع الأسلحة. كان جيش صدّام حسين يمتلك أفضل الدبّابات، وأفضل الطائرات، [و]أموالًا لا تُحصى، أموالًا لا حصر لها! كانوا يمتلكون المليارات؛ وأولئك الذين تعلمونهم وتعرفونهم هم من قدّموها لهم.
كانت أمريكا والاتّحاد السوفيتي وأوروبّا يعاضدونه بكلّ قوّة، ويقدّمون له الحماية والدعم اللازم، ويقومون باستبدال أسلحته الصدئة والمعطّلة. قامت فرنسا بتزويد صدّام بأفضل طائراتها ومقاتلاتها، بينما زوّدته ألمانيا بما يحتاجه من المواد الكيميائيّة، أمّا أمريكا فكانت تزوّده باستمرار بالمعلومات المرتبطة بساحة الحرب. كذلك، كانت دول الجوار تدعمه بالأموال والموارد، وكانت شواطئ الخليج الفارسيّ طريقًا للشاحنات والمقطورات المحمّلة بالسلاح والتجهيزات والموارد إلى العراق. هذا كان حال أحد طرفي الحرب؛ هكذا كان حال الطرف المهاجم. قرأت في أحد التقارير أنّ عدد الطائرات المُقاتلة لصدّام بعد الحرب كان أكثر منها في بدايتها! فعلى الرغم من كلّ تلك الطّائرات التي أُسقِطت، كان عدد طائراته بعد الحرب أكبر؛ إذ كان الدعم يُقدَّم له بانتظام وبشكل مستمرّ، هذا من جهة الطرف المهاجم.
أمّا الطرف المهاجَم، أي نحن، فقد كنّا في النقطة المقابلة تمامًا: نقص في المعدّات، لا نملك شيئًا، ولا بديل لتجهيزاتنا؛ في بداية الحرب، تمّ الاستيلاء على بعض دبّابات الفرقة ٩٢ التي كانت تخوض المواجهة مع العدوّ، فلم نتمكن من تعويض أيّ منها. عندما ذهبت إلى الأهواز، كان أحد ألوية الفرقة ٩٢ يمتلك حوالي خمسة عشر إلى ستّة عشر دبّابةً، في حين كان ينبغي أن يمتلك أكثر من خمسين دبّابةً حسب التنظيم [العسكريّ]! هذا كان الحال، لم تكن هناك بدائل؛ فما كان يذهب لا يعود، ينتهي! كانت مؤسّساتنا القتاليّة مُنهكة. لقد تمّ بناء الجيش وتنظيمه تحت وطأة الحرب؛ فكثير من كبار قادة الجيش لم يكونوا يمتلكون الخبرة في استعمال ما هو متوفّر لديهم. لم يكن المرحوم الشهيد فلّاحي، والمرحوم ظهير نجاد – وقد كان الجيش تحت قيادتهما – مطّلعين على كثير من تجهيزات الجيش؛ فقد كانت المناطق التي أدارها كلّ منهما صغيرة جدًّا، ثمّ أصبحا على رأس الجيش. كما لم تكن تشكيلات الحرس قد تمّ تنظيمها على النحو المطلوب؛ ففي بداية الحرب لم تكن هناك ألوية في الحرس، بل كانت تُشكَّل كتائب من مئتين أو ثلاثمئة عنصر، على نحو محدود، وبإمكانات محدودة. وكان هؤلاء يفتقرون أحيانًا حتّى إلى السلاح الفرديّ؛ لقد شاهدنا بأمّ أعيننا أنّه في بعض المواضع لم يكن السلاح الفرديّ متوفّرًا بالقدر الكافي! هذا هو حال الطرف المهاجَم، هكذا كانت أوضاعه.
حسنًا، ماذا كان ينبغي للنتيجة أن تكون؟ بناءً على المعايير العاديّة والقواعد المادّيّة المعتادة، هذا ما كان ينبغي أن تكون عليه النتيجة: كان يفترض بالطرف المقابل، - كما كانوا يتوقّعون -، أن يجتاز خوزستان في غضون أسبوع واحد، أو عدّة أسابيع كحدّ أقصى، ويقتحم قلب البلاد، ويتوجّه نحو طهران؛ [بيد أنّه] لم يحصل كذلك. فهذه القوّة الضعيفة نفسها، أظهرت بعد حوالي عام من اندلاع الحرب، فتوحاتها وتألُّقاتها؛ فألحقت على التوالي ضرباتها القاصمة بذلك الجيش المُعدّ والثريّ، والحائز على جميع أشكال الدعم. وفي النهاية أيضًا، وبعد ثمانية أعوام، طردت ذلك الجيش بخزيٍّ إلى خارج الحدود. هذا هو وصف الحرب على مدى ثمانية أعوام؛ فهذه هي خلاصته. والآن، [فما] هو العامل الأساسيّ في هذا التقدُّم، وفي هذا النصر، فهذا بعدُ كلامٌ هو بين أيديكم، وتعلمونه؛ [إنّه] الإيمان والجهاد وعوامل من هذا القبيل.
وأما ذلك التقرير التالي، والذي هو تقرير وصفي، فهو برأيي أهمّ. في التقرير الوصفي نقول: إنّ هذه الحرب لم تكن فقط من أجل الدفاع عن أرض الوطن. لا شكّ في أنّ الدفاع عن أرض الوطن هو قيمة – هذا ممّا لا شكّ فيه – إلّا أنّ قضيّة هذه الحرب كانت أسمى من ذلك؛ فقد كانت دفاعًا عن الإسلام، وعملًا بحكم القرآن. وقعت هذه الحرب في مسار يُقال عنه في التعابير الدينيّة وفي الأدب الدينيّ «الجهاد في سبيل الله»؛ كان «الدفاع المقدّس» جهادًا في سبيل الله. إنّ «الدفاع المقدّس» أبقى الثورة حيّة، وأبقى الإسلام حيًّا، وأعزّ الشعب الإيرانيّ، وأشاع في البلاد الروح المعنويّة، وأحيا في الشباب الجوهر الإنسانيّ والإيمانيّ الحقيقيّ؛ فالشباب الذين مضوا إلى ميدان الحرب، تحوّلوا من أشخاص عاديّين إلى أولياء إلهيّين؛ فالرجال الذين خاضوا ميدان الحرب بنظرة بسيطة وعاديّة إلى القضايا الدينيّة، خرجوا من ميدان الحرب كعرفاء إلهيّين وروحانيّين. كان إمامنا العظيم عارفًا كبيرًا، وكان إنسانًا ساميًّا، وقد قال مُخاطبًا كثيرًا من الأجلّاء بنحو عام: لقد أدّيتم العبادة لسبعين عامًا، فتقبّل الله منكم، فامضوا واقرؤوا أيضًا شيئًا من وصايا الشهداء! أي إنّ هذا الشاب الذي مضى إلى الجبهة، وجاهد لفترة في الجبهة، ووضع روحه على كفّه، ومضى من أجل الله، قد طوى خلال فترة قصيرة طريق السبعين عامًا الذي لذاك الرجل العارف العالم الفاضل؛ هذا هو مضمون كلام الإمام.
هذا هو الجوهر الحقيقيّ لحقبة حربنا. الهدف كان الإسلام؛ ولهذا تحوّلت ساحات الجبهة كلّها إلى أماكن للعبادة. وشارك في هذا المفهوم العامّ، أي «تحويل ميدان الحرب إلى مكان للعبادة»، سائر فئات الناس. كنّا نزور المنطقة في منتصف الليل، فرأيت ضابطًا في الجيش أو صاحب رتبة في الجيش واقفًا بجانب دبابته وهو يصلّي صلاة الليل! من صلاة الليل التي يؤدّيها أحد أفراد الجيش بجوار دبّابته، إلى جلسات التوسّل المفعمة بالرّوحيّة والحماسة التي كان يقيمها شباب حرس الثورة الإسلاميّة والتعبئة في مقارّهم، حيثما كانوا متواجدين، وصولًا إلى توسّلات ضابط في الجيش للانضمام إلى المجموعات الجهاديّة الليليّة التي كان يقودها الشهيد شمران.
في الأيّام الأولى [من الحرب]، كنّا قد وصلنا لتوّنا إلى الأهواز. في إحدى الليالي، جاءني ضابط – كان عقيدًا ثانيًا أو رائدًا، لا أذكر بالتحديد – وقال: «لديّ طلب»، في البداية، ظننت أنّه سيشكو إليّ أنّ لديه مشكلة في مدينته، وأنّهم لا يمنحونه إجازة، هذا ما تصوّرته في البداية، لكن بدلًا من ذلك، قال لي: "إنّ مطلبي هو أن يُسمح لي بالانضمام إلى المجموعة التي يذهب الشهيد شمران، برفقتها ليلًا من أجل اصطياد الدبّابات – حسب تعبيرهم". أي إنّ رجلًا في الأربعينيّات أو الخمسينيّات من عمره، يتوسّل ويقول اسمحوا لي بالانضمام إلى هؤلاء الشباب، ومرافقة شمران في عمليّات ليليّة لمهاجمة الدبّابات مثلًا باستخدام الآر بي جي. ضعوا هذا [المشهد] جنبًا إلى جنب مع ذاك الشاب الذي كان يرفع سنّه في بطاقة الهويّة حتّى يتمكّن من الانضمام إلى الجبهة، أو يبكي ويتوسّل إلى والديه للحصول على إذنهما وتوقيعهما من أجل الذهاب إلى الجبهة. هذه المشاهد كانت شائعة لدينا. الصلوات الخاشعة، البكاء في منتصف الليل، الخدمات البعيدة عن الرياء، أو القائد الذي يستيقظ في منتصف الليل ليقوم بتلميع أحذية عناصره [المجاهدين] وغسل ملابسهم. لا يوجد مثل هذه الأمور لدى أيّ جيش أو في أيّ ساحة حرب في العالم؛ هذا أمر تفرّدت به الجمهوريّة الإسلاميّة. تراه يرفض شرب الماء في آخر لحظات حياته لكي لا يُستشهد رفيقه العطشان وهو ظامئ، فيترك الماء لرفيقه ويستشهد هو عطشانًا. هذه الأمور التي قرأناها في [كتب] التاريخ، رأيناها بأعيننا في هذه الحرب أو سمعناها ممّن عاشوها.
تحت وابل نيران العدوّ، شهيدٌ كان قد كتب وصيّته، ويُوصي فيها بالحجاب؛ هذا يعني أنّ الروحانيّة والالتزام بالشريعة، والتعلّق بالأحكام الإسلاميّة، والإيمان[العميق] الإسلاميّ بلغت هذا المستوى. من وجهة نظري، هذا النوع من التقارير عن الحرب، والنظر إليها من هذا المنظور، أهمّ بكثير من التقرير الوصفيّ. هنا تتجلّى قدرة الله تعالى في نصرة عباده الصالحين؛ وهنا يتّضح أن الإرادة الإلهيّة لعباده الصالحين هي {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (الأعراف، 128). يحظى عباد الله الصالحون بالدعم الإلهيّ. هم يكابدون المشقّات، وقد كابدوا مشقّات كثيرة خلال دفاع الشعب الإيرانيّ على مدى ثمانية أعوام. لقد عانى الشباب، والعائلات، والآباء، والأمّهات، والزوجات، ولكن بعد هذه المعاناة منّ الله عليهم بالعزّة والنصر.
حسنًا، كلا النوعين من التقارير يجب أن يُوثّقا ويُسجّلا. هناك أشخاص يعرفون هذه الحقائق، وقد شاهدوها وعايشوها؛ فليعرضوها. وليبادر الآخرون أيضًا إلى تحويل هذه [القصص] إلى أعمال جذّابة، وقد أُنجز بالفعل بعض هذه الأعمال. في العام الماضي، قلت إنّ الإنجاز الذي تحقّق يجب أن يتضاعف مئة مرة[1]، وهذا هو الواقع أيضًا؛ نحن مقصّرون في هذا المجال. لو كانت لدينا إمكانات إعلاميّة كافية خلال فترة الثورة الإسلاميّة والحرب، لكانت التقدّمات التي تحقّقت في البلاد أكبر بكثير. لقد كانت إمكاناتنا الدعائيّة محدودة، بينما كانت لدى العدو إمكانات إعلاميّة غير محدودة، وما زال الوضع اليوم مشابهًا. علينا أن نعزّز اليوم إمكاناتنا قدر الإمكان. حسنًا، هذا فيما يتعلق بـ«الدفاع المقدس».
اليوم، هناك حدث مشابه يحدث في لبنان وفلسطين. هذه الأحداث في لبنان وفلسطين تشبه تمامًا ما جرى خلال الحرب المفروضة و«الدفاع المقدّس»؛ فهذا أيضًا جهاد في سبيل الله. لقد اغتُصِبت دولة إسلاميّة، وهي فلسطين، على يد أخبث الكفار في العالم، والحكم الشرعي القطعيّ هو أنّ واجب الجميع السعي والمساعدة لاستعادتها؛ لإعادة فلسطين إلى المسلمين، إلى أصحابها الحقيقيّين، واستعادة المسجد الأقصى، ومن يساعد في ذلك إنّما يساعد في الجهاد في سبيل الله. هنا تجري حركة ربّانيّة، الشعب الفلسطينيّ وأهالي غزة يجاهدون بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، هم يجاهدون في سبيل الله. وأولئك الذين يدعمونهم إنّما يدعمون الجهاد في سبيل الله. حزب الله، الذي يجعل صدره درعًا لغزّة ويتعرّض لهذه الأحداث المؤلمة، يجاهد في سبيل الله. في هذه المعركة، يمتلك العدوّ الكافر والخبيث كمًّا هائلًا من المعدّات والتجهيزات، وتقف من خلفه أمريكا، هي تزعم أنّها ليست متورّطةً وليس لديها علم بما يجري، لكنّها لا تقول الحقيقة؛ فهي على علم ومتورّطة فيه، وتحتاج إلى انتصار الكيان الصهيونيّ أيضًا. الحكومة الأمريكيّة الحاليّة تحتاج، من أجل الانتخابات المقبلة، إلى إظهار أنّها دعمت الكيان الصهيونيّ وحقّقت له النصر. بالطبع، هم يحتاجون إلى دعم المسلمين في أمريكا أيضًا، لذا يتظاهرون بأنّهم غير متورّطين، لكنّهم متورّطون. إذًا، يمتلك العدوّ المال والسلاح والإمكانات والإعلام العالميّ، في حين أنّ المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله، في الجانب الآخر، لا يمتلكون حتى عُشر مِعشار هذه الإمكانات. ومع ذلك، المُنتصر هو الطرف المجاهد في سبيل الله. مقاومة فلسطين منتصرة، وحزب الله منتصر.
النصر، إلى اليوم، حليف حزب الله وقوى المقاومة، والدليل على ذلك هو ارتكاب المجازر بحقّ النّاس[المدنيّين]. فلو استطاع الكيان الصهيونيّ الخبيث إلحاق الهزيمة بالقوى المناضلة، سواء في غزّة أو الضفّة الغربيّة أو لبنان، لما اضطرّ إلى إظهار هذا القبح والبشاعة أمام العالم، ولما ارتُكبت هذه المجازر ضد المنازل والمدارس والمستشفيات والأطفال والنساء. لم يستطع ذلك، ولأنّه عجز عن تحقيق نصر على المقاومة، بات مضطرًّا للتظاهر بالغلبة من خلال استهداف النساء والأطفال والمدنيّين العزّل والسيّارات في الطرق والمدارس والمستشفيات.
إذًا، لقد تلقّى [الكيان الصهيونيّ] الهزيمة حتّى الآن. صحيحٌ أنّهم وجّهوا ضربة أدّت إلى استشهاد بعض أفراد حزب الله المؤثّرين والقيّمين، وكانت تلك خسارة بلا ريب لحزب الله، لكنّها ليست خسارة تؤدّي إلى انهياره. فبنية حزب الله التنظيميّة والبشريّة أقوى بكثير من أن تؤثّر فيها مثل هذ الشهادات. إنّ اقتدارهم وقدراتهم وصلابتهم تفوق بكثير ما يجعل هذه الخسائر تشكّل ضربة قاصمة لهم. نعم، من المؤكّد أنّ فقدان شخص ما، خاصّة إذا كان قائدًا وصاحب تاريخ في الجهاد في سبيل الله، هو خسارة؛ لا شكّ في ذلك. ولكن، حتّى اليوم، يحقّق حزب الله النصر، وبحول الله وتوفيقه، سيكون النصر النهائيّ في هذه المعركة حليف جبهة المقاومة وجبهة حزب الله.
كلمتي الأخيرة في حديثي اليوم هي أنّ مقاتلينا ومجاهدينا ضحّوا بأرواحهم فداءً لئلّا تُرفرف راية العدوّ على حدودنا. هؤلاء الشباب المناضلون والمجاهدون أحرقوا قلوب عائلاتهم لكي لا تُرفرف راية العدوّ على حدود هذه البلاد، فلا يمكن للشعب الإيرانيّ أن يقبل بأن تُرفع تلك الرايات نفسها بواسطة عناصر متسلّلة أو أشخاص مخدوعين داخل البلاد! هذه الراية التي تمثّل التغلغل الثقافيّ ونمط عيش العدوّ ووساوسه العدائيّة، يجب ألّا تُرفع داخل البلاد أو في مختلف أجهزتنا! يجب توخّي الحذر؛ الجميع مسؤولون. يجب الحذر في وزارة التربية والتعليم، في الإعلام، في الصحافة، وفي وزارتي التعليم العالي والصحّة – حيث تُربّى الأجيال الشابة -. العدوّ انهزم على أيدي مجاهدينا هناك، ولا ينبغي أن نسمح لذاك العدوّ المهزوم بأن يعود ويتابع عمله داخل البلاد عبر أنواع الحيَل والخدع، ويحقّق مراده.
نأمل أن يحفظ الله المتعالي جميع مسؤولينا، وكلّ رجال ونساء بلادنا، وكلّ الناشطين في مختلف قطاعاتنا، وأن يمنّ عليهم بأقصى درجات الوعي لمواجهة مؤامرة العدو.
والسّلامُ عَليكُم ورَحمةُ الله وبَركاتُه