لم تكن الشّمس قد أشرقت بعد عندما وصلت إلى الأزقة القريبة من بيت قائد الثورة الإسلاميّة، انتظرت مسؤول التنسيق بضع دقائق، ووصلت. تحرّكنا سيرًا على الأقدام لدقيقتين أو ثلاث، أشرقت الشمس ووصلنا إلى مدخل البيت.
من المقرر أن ينعقد اليوم لقاء المنتجين والناشطين الاقتصاديين مع الإمام الخامنئي، وقد أتيت لتدوين رواية عن هذا اللقاء وما يتعلق به. سمعت أن طبيعة هذا اللقاء مختلفة. هناك اكثير من الشيب، وطبعًا لا يقل عدد الشباب عنهم.
لن تمتدّ أيّ يد لمساعدتنا
الكراسي مصفوفة، وبالتدريج يجد الحضور أماكنهم ويجلسون على الكراسي. أعلم أنني لا أملك كثيرًا من الوقت، وأبحث عن الشخص المناسب لأبدأ معه الحوار. أرى شابًا طويل القامة يرتدي بدلة رياضية وعصرية، فيلفت انتباهي سنه وملبسه المختلف، ما يجعلني أرغب في التحدث معه. هو رئيس مجلس إدارة شركة منتجة لأجهزة قياس الغاز. أسأله: لو سمحوا لك بالتحدث مع القائد اليوم، فماذا ستقول؟
يقول: أعلم أنه لن تكون هناك أي يد تمتد لمساعدتنا، ويجب أن نعتمد على شبابنا وقدرات الشركات المعرفية المحلية. يضرب مثالًا بأنه في الماضي كانت أجهزة قياس الغاز المستخدمة جميعها في إيران أمريكية وأوروبية. أما اليوم، فقد صُنِّعت محليًا بالكامل بفضل جهود هؤلاء الشباب.
أتساءل في نفسي: كم مرة سمعت مثل هذه الأمثلة من قبل؟ وهل اعتمدنا بالقدر الكافي على قوة الشباب في الداخل ووضعنا ثقتنا فيهم؟
في اليوم السابق للقاء، وفي معرض شاركت فيه شركات مختلفة وزاره قائد الثورة الإسلاميّة، قدمت شركة معرفية جهازًا لتحليل العناصر بالليزر من إنتاجهم الخاص في جامعة شهيد بهشتي. هذا الجهاز لا يوجد من ينتجه في قارة آسيا، وما يشبهه في إيران كان كله مستوردًا وقديمًا. عدد قليل من دول العالم، معظمها في أوروبا، هي التي تنتج هذا الجهاز. ممثل الشركة الذي كان يشرح كيفيّة استخدام الجهاز قال إنهم صنعوه بأسعار أقل بنسبة 60% من نظيره الأجنبي.
الفرص الذهبية في قيعان المحيطات
كثيرون هم من شابوا في صناعة الإنتاج، ولكن يبدو أنني أفضّل التحدث أكثر مع الشباب. ربما لأن سني قريب من سنهم، أو ربما لأن الفرص أمام الشباب لصعود المنصّة أقل في حضور كبار السن، وفي هذه الأحاديث الجانبية في الاجتماع يمكنني سماع كلامهم. المقعد المجاور لرجل يبلغ من العمر حوالى 40 عامًا بملامح جنوبية، فارغ. جلست وطلبت منه أن يعرّف نفسه. هو مسؤول عن حديقة الخليج الفارسي للتكنولوجيا الحيوية في قشم. مجال عملهم هو التكنولوجيا الحيوية في البحر. يتحدث عن أهمية الزراعة المعتمدة على البحر ويؤكد أننا إذا لم ننتبه إلى أنفسنا، سنفقد الفرص في هذا المجال. عندما أسأله عن فرص هذا المجال، يبتسم ويقول: «هذا لا يتسع لهذا الحديث، ولكن اعلم فقط أن معرفة الإنسان بكوكب المريخ أكبر من معرفتنا بقيعان المحيطات».
هو يعتقد أن قيعان المحيطات موارد كبيرة يمكن استغلالها، وأن إيران لديها إمكانات هائلة للاستفادة من المياه الجنوبية المجاورة لها. كما إنهم قد حصلوا على المعرفة والخبرة الكافيتين لذلك.
وقفت وألقيت نظرة خلفي لأجد فرصة أخرى للحوار. نصف الكراسي قد امتلأت الآن، وبدأت الأحاديث بين أهل الإنتاج والصناعة تكثر. يبدو أن بعضهم لم يلتقوا منذ مدة طويلة، وهذا الاجتماع شكّل فرصة لتجديد اللقاءات.
وقعت عيني على عليرضا حسين أحمدي، المدير العام لشركة الذهب والمجوهرات «ريتون». كان من المتحدثين في هذا الاجتماع في الدورات السابقة. تبادلنا التحية وسألته: إذا كنت ستلقي كلمة هذا العام أيضًا، ما هي الأخبار السارة التي لديك للقائد؟ شرح وقال إن لدينا القدرة على تحقيق 500 طن من الصادرات في عامين إذا كانت الجهات الحكومية حكيمة ولم تعرقل طريقنا! لم تكن الشكاوى من الجهات الحكومية قليلة، ولكن القطاع الخاص، رغم الصعوبات كلها، يواصل عمله.
من البحار إلى الفضاء
من بين الأمور التي لفتت انتباهي في المعرض يوم أمس، كان الحضور القوي للشركات المعرفية في مجال قطع الأقمار الاصطناعية وتجهيزاتها. أقمار «ناهيد» و«بارس» و«كوثر» كانت نماذج عرضتها الشركات، التي لفتت انتباه قائد الثورة الإسلاميّة أيضًا أثناء جولته في المعرض.
كما أثار التفسير الذي قدمه ممثل إحدى الشركات عن عملية تصنيع الأقمار الاصطناعية شعورًا بالحماسة والأمل في قلب كل مستمع، وبما أن أكثر من 80% من القطع والمعدات الأساسية كلها صُنّعت محليًا في إيران، يمكن أن نأمل بمستقبل مشرق لهذه الصناعات في إيران.
في المعرض، كانت هناك شركات متخصصة في مراحل مختلفة من إصلاح الطائرات وتجديدها. عمومًا، كان عملهم مرتبطًا بتجديد الطائرات. هذه القدرة تشمل إصلاح الأجزاء المهمة للطائرات وتحديثها مثل المحركات والقطع المعقدة والثقيلة.
في جانب آخر من المعرض، كانت هناك شركتان تمتلكان القدرة على تصميم أنواع مختلفة من السفن بأحجام متنوعة واستخدامات متعددة وبنائها وتشغيلها. إحدى هذه الشركات لديها سجلّ حافل بتصميم ناقلتين للنفط بالكامل لإحدى الدول الأجنبية وبنائهما، ما يدل على القدرة الهندسية العالية لهذه الشركة في هذا المجال.
الشهامة الإيرانيّة حطّمت الرّقم القياسي لشركة «توتال»
التفت فرأيت شابًا ناضجًا، بادلته التحية وشرعت في الحديث معه؛ وعندما سألته عن مجال عمله، أخبرني أنه يشغل منصب المدير العام لإحدى الشركات البتروكيماوية. راح يتحدث بحماسة عن قدرة تصدير المنتجات البتروكيماوية التي تبلغ 13 مليار دولار، والتي يمكن أن تصل إلى 23 مليار دولار بحلول عام 2028م، ووعد بأن تشغيل مجمع «صدف» البتروكيماوي سيخلق ما يصل إلى ثلاثة آلاف فرصة عمل. كما عبر عن شكواه من تعقيدات التراخيص والبيروقراطية، ولكن هذه التعقيدات لم تُثبط من عزيمته.
كان يشتكي من العقبات الإدارية والقانونية ما جعلني أسأله: «لماذا لم تتعب ولم تهاجر؟» بدا لي شخصًا عمليًّا جدًا، وكأنه عدّ الإجابة عن هذا السؤال إطلاقًا للشعارات؛ فتجنب الإجابة المباشرة واكتفى بسرد إحدى ذكرياته. قال لي: نحن، مع المتخصصين والعمال الإيرانيين، في صيف هذا العام وتحت حرارة 50 درجة مئوية في الجنوب، حطمنا رقم شركة «توتال» في التقدم الشهري للمشروع. بدا الأمر كمعجزة للجميع، وأنا أرى فيه مثالًا على الجهاد الاقتصادي. ثمّ سألني: هل تعرف ما الذي جعلنا ننجح؟ وأجاب دون تردد: «شهامة المهندس والعامل الإيراني وحميّتهما».
حصلت على إجابة سؤالي، ولكني أرغب في سماع المزيد. أرغب في أن أسأل الشباب جميعهم الأدنى سنًّا في هذه المجموعة المميّزة والفريدة والقادرة، الذين في المناسبة ليسوا أقلّ من غيرهم من حيث بثّ الشكاوى عن عقبات الإنتاج: لماذا لم يستسلموا ولم يبحثوا عن راحة ورفاهية أكبر في بلد آخر؟
رفض 10 هكتارات من الأراضي والإقامة الألمانيّة
لم يتبقَّ سوى بضع دقائق حتى وصول القائد، ومعظم الكراسي قد امتلأت.
وجدتُ أحد مديري الشركات المعرفية الناجحة في مجال الزراعة بين الحضور، فأسرعت إليه. عبر حديثه أدركت أن جامعة السلطان قابوس في عمان قد عرضت عليه أخيرًا إنشاء موقع للبيوت الزجاجية المحميّة في عمان. يقول: يجب أن نولي المزيد من الاهتمام للزراعة خارج الحدود، والدول المجاورة لديها إمكانات جيدة للتعاون معنا في هذا المجال. عندما أشرت إلى تعقيدات هذا العمل وسط ظروف الحظر، ضحك وقال: صدقني، أينما ذهبنا، يُعجبون كثيرًا بقدرة خبرائنا ومشاريعنا لدرجة أنهم أصبحوا هم أنفسهم متحمسين لهذا التعاون. العقوبات جعلت العمل صعبًا لكننا لم نتوقف. ضحكنا معًا عندما أخبرنا عن التقاط الخبراء الهولنديين صوراً تذكارية مع الخبراء الإيرانيين في شركته. القصة تتعلق بمزرعة أنشأها خبراء شركته في سمرقند بأوزبكستان، وأثناء الزيارة، أثارت إعجاب الخبراء الهولنديين الذين لديهم خبرة طويلة في الزراعة.
كنت أعلم أن أمير عرب نعمتي كان يحمل إقامة فخرية في ألمانيا منذ عام 2017، ولكنه ما زال جالسًا بجانبي. أشرت إلى هذا الموضوع وسألته عن السبب. فقال: حتى الآن، أنا أضيّع وقتًا كثيرًا هنا للحصول على تصريح زراعي بسيط، والألمان عرضوا عليّ إقامة فخرية مع 10 هكتارات من الأرض. لكن لماذا أترك إيران، والدي وأمي؟ لا أحد من الإيرانيين يرغب في مغادرة بلده. يعجبني كثيرًا أنه يذكر «الوالدين» بجانب «إيران» دون تردد.
هل أذهب إلى العدوّ؟
هدأت الحسينية وامتلأت الأماكن جميعها. تحقّقت بسرعة من الكراسي القليلة الفارغة المتبقية، ربما لإجراء آخر محادثة لي قبل وصول القائد. لون شعره الكستنائي وابتسامته الواسعة، وحركات يديه الكثيرة أثناء حديثه مع الشخص المجاور له لفتت انتباهي. لا يوجد كرسي فارغ بجانبه، لذا وقفت بجانبه مباشرة، وبيدي دفتر ملاحظات، طلبتُ منه أن يعرّف نفسه. هو المدير العام لشركة معرفية تعمل في إنتاج الأدوات الدقيقة (الميكاترونيك). عندما تحدّث عن أعماله، أثار دهشتي صغر سنه، ولكنه ضحك واكتفى بالقول: «حسنًا، أنا متفاجئ أيضًا». هو الفائز بجائزة الخوارزمي وعدد من الجوائز الأخرى المرتبطة بالعلم والتكنولوجيا. يعدّ موهوبًا وفقاً للتعاريف كلّها. من الأصوات المحيطة، أدركت أن الوقت المتبقي لوصول الإمام الخامنئي قليل، فسألته فورًا: أنت الذي يمكنك الذهاب بسهولة وستحصل بالتأكيد على حياة أكثر رفاهية، لماذا بقيت؟
أجاب بالابتسامة نفسها التي لم تفارق وجهه: «هم لا يحبوننا. هل أذهب إلى العدو؟»
يبدو أنه حقًا منخرط في «الحرب الاقتصادية» ومهمته واضحة. لقد حصلت على إجابات أسئلتي؛ الحميّة الإيرانيّة لا تسمح لأي منهم أن يترك عائلته ووطنه في خضم هذه الحرب الاقتصادية الشاملة ويذهب إلى أحضان العدو.
شكرته أيضًا بابتسامة، وذهبت لأجد مكانًا للجلوس والاستماع إلى كلام قائد الثورة الإسلاميّة