تُقرّ وسائل الإعلام الدولية بقوة الصواريخ الإيرانية وقدرتها على اختراق طبقات الدفاع الجوي المتعددة للكيان الصهيوني، كما أشارت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية صراحةً إلى هذه الحقيقة، وذلك رغم سنواتٍ من الترويج الواسع لكون تلك المنظومات محصّنة وغير قابلة للاختراق. كيف حدث هذا التحوّل؟

نعم، فاجأت إيران العالم، فاجأت "إسرائيل" بالدرجة الأولى والولايات المتحدة ومن خلفها، فاجأت المتابعين كلهم والمهتمين بموضوع الصواريخ الباليستية، وقدرة هذه الصواريخ على اختراق المنظومات الدفاعية.

تفاجأ الإسرائيلي بعجز منظوماته الدفاعية المتنوعة والمتعددة وفشلها، بالإضافة إلى المنظومة الأمريكية الموجودة في "إسرائيل" منظومة "ثاد"، وطبعاً منظومة "السهم 3" بالإضافة إلى "مقلاع داود". القبة الحديدية هي أساساً للصواريخ الصغيرة المدى أو القصيرة المدى، فإذاً، بعد المباهاة بهذه النُظم الاعتراضية للصواريخ، وخاصة مباهاة الولايات المتحدة الأمريكية، الغرب يعني، والولايات المتحدة، وعندما أعلن الرئيس ترامب أخيراً أن الولايات المتحدة بصدد إنشاء منظومة متطورة للدفاع من الصواريخ سماها "القبة الذهبية" إلحاقاً بتسمية القبة الحديدية، وهذه المنظومة، وهذه منظومة القبة الذهبية، هي التي تحتاج إلى ثلاث سنوات لتُنجز، عدّها مضمونة في اعتراض الصواريخ كافة بنسبة مئة بالمئة.

إذاً، هذا الاتجاه كله تعرض للاختلال نتيجة خرق هذه المنظومات الدفاعية وفشلها في "إسرائيل" في اعتراض الصواريخ الإيرانية بنسبة معينة.

في اثني عشر يوماً من الحرب مع الجمهورية الإسلامية، استخدم الكيان الصهيوني منظوماته الدفاعية متعددة الطبقات، مثل مقلاع داوود، أرو ٣، القبة الحديدية، ومنظومة "ثاد" الأمريكية، ولكنه فشل في صدّ ضربات إيران. يعزو الخبراء هذا الخلل في طبقات الدفاع إلى اتساع رقعة الهجمات والتكنولوجيا المتطورة المستخدمة في الصواريخ. ما رأيكم في هذا التقييم؟

سبب فشل هذه المنظومات الدفاعية هو بالأحرى سبب نجاح الصواريخ الباليستية الإيرانية، لناحية أمرين: الأمر الأول هو مناورة الصواريخ وكيفية إطلاقها، والأمر الثاني هو التكنولوجيا المعتمدة أو الوسيلة أو التقنية التي اعتُمدت من أجل خداع رادارات المنظومة الاعتراضية وتضييع هذه الرادارات، يعني  منعها من التحسس وتحديد مكان هذه الصواريخ أو مساراتها.

طبعاً منظومة، يعني جهاز الإنذار الإسرائيلي يبدأ بالعمل منذ لحظة إطلاق الصواريخ من إيران، وربما قبل إطلاقها أيضاً، هناك تحضيرات معينة تُستَشعر عبر مراقبة دقيقة للمسطح الإيراني بواسطة أقمار صناعية إسرائيلية وبواسطة الطائرات أيضاً، كالدرون وغيرها، كانت مكلفة بإجراء مسح شامل وكامل لمراقبة أي حالة استعداد لإطلاق صواريخ، ثم لرصد أي محاولة إطلاق للصواريخ.

بالنسبة إلى السبب الأول أو الاعتبار الأول، مسألة المناورة في إطلاق الصواريخ لها دور كبير ومهم في تعطيل مسألة الاعتراض، لأن المناورة في إطلاق الصواريخ تأخذ في الحسبان إطلاق أنواع مختلفة من الصواريخ الباليستية وغير الباليستية، الفوق الصوتية وغيرها.

استخدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في عمليتها الصاروخية ضد الأراضي المحتلة صواريخ ذات مديات وقدرات مختلفة، الأمر الذي أربك المنظومات الدفاعية المتعددة للكيان الصهيوني، وجعل عملية التصدي مكلفة ومعقدة جداً. إذ إنّ الصواريخ وصلت غالباً إلى أهدافها في غضون دقائق معدودة. إلى أي مدى أسهمت هذه الإستراتيجية في زيادة الضغط اللوجستي على منظومات الدفاع متعددة الطبقات للكيان الإسرائيلي؟

هذا التنوع بالصواريخ لا بد أنه المنظومة الدفاعية الاعتراضية، وهناك يعني ما يُتحدَّث عنه عن إشباع هذه المنظومة أو تعقيد عملها، لأن هذه المنظومة، المنظومة الاعتراضية الإسرائيلية والأمريكية، ترتكز بصورة أساسية على القدرة الرادارية على تحديد الصاروخ وعملية حسابية دقيقة لتحديد مسار الصاروخ الباليستي من أجل  دفع صاروخ مقابل لتفجيره في السماء. المسألة تبدأ بتحديد مسار الصاروخ، هنا نقطة النجاح والفشل للصاروخ الاعتراضي، للعملية الرادارية التي ما دام الصاروخ الباليستي الإيراني قد تمكن من إخفاء نفسه أو تعقيد هذه المعادلة، فإنه نجح في الوصول إلى هدفه.

أما ما هي الأسباب؟ فهنا ندخل في مسألة تقنية، لكن قبل أن أتحدث عنها، أعود إلى مسألة المناورة باستخدام الصواريخ لناحية الصواريخ، أيضاً هناك صواريخ ذات رؤوس متعددة. على فكرة، إرباك المنظومة الاعتراضية وإشباعها، بالإضافة إلى ما ذكرت، يعني اعتماد تنوع الصواريخ، وأيضاً المسيّرات التي أُطلقت وتُطلق إلى جانب الصواريخ أيضاً لها دور معين في إرباك الرادارات  العاملة في منظومات الدفاع الاعتراضية.

هناك بُعد تقني آخر تُحدّث عنه وهو ما يُسمى حالة البلازما التي يخلقها الصاروخ الفرط صوتي عندما يدخل في المجال الجوي. نحن نعرف أن الصاروخ الباليستي عندما يُطلق يخرج من المجال الجوي إلى المجال الفضائي، ثم يعود بعد مسار ومسير معين، فيدخل المجال الجوي أثناء سقوطه وهبوطه باتجاه الهدف. هذه المرحلة، ونتيجة السرعة التي  يسير بها والتي  تفوق العشرة ماخ تقريباً، هذه السرعة تؤدي فور ارتطام الصاروخ واحتكاكه بذرات الهواء في طبقة الغلاف الجوي، ونتيجة هذه السرعة الفائقة، هذا الأمر يؤدي إلى الدخول في حالة بلازما.

ما المقصود هنا؟ المقصود أنه نتيجة ارتطام الصاروخ الفائق السرعة بذرات الهواء فور دخوله في المجال الجوي، نتيجة هذا الاحتكاك تتولد طبقة كهرومغناطيسية، هذه الطبقة التي تُسمى حالة البلازما تشكل تشويشاً وعائقاً أمام الرادارات وتمنع الرادارات الأرضية من رصد الصاروخ وتتبعه، وهو الذي يسقط بسرعة فائقة فيصل إلى هدفه دون أن تتمكن الرادارات من متابعة العمليات الحسابية التي تُجريها عملياً من أجل إطلاق صاروخ مقابل.

وصفت وسائل الإعلام العملية الصاروخية الإيرانية بأنها من أوسع وأدقّ العمليات العسكرية في عمق الأراضي المحتلة، إذ استهدفت أثناءها مواقع حساسة وحيوية مثل مركز استخبارات "أمان"، مبنى الموساد، معهد وايزمان، قاعدة نڤاتيم، قاعدة حتسريم، مصفاة حيفا وغيرها. هل يمكن القول إن هذه العملية التي استمرت اثني عشر يوماً قد قوّضت نظرية الأمن التي يتبناها الكيان الصهيوني؟

طبعاً، بالنسبة إلى الدقة، أثبتت الصواريخ الإيرانية أنها تستطيع أن تستهدف حتى عشرة أمتار، يعني دقة الإصابة لا تتعدى ولا تتجاوز العشرة أمتار، وهذه فعلاً دقة مهمة جداً بالنسبة إلى مقذوف ينطلق ويسير أكثر من ألف، ألف ومئتين، أو أحياناً أكثر من ألف وخمسمئة كيلومتر ويصل إلى هدفه، واحتمال الخطأ لا يفوق العشرة أمتار. لذلك نرى أن بعض الصواريخ استهدفت مقرات ومباني وأصابتها فعلاً، مثل مباني المخابرات وأمان ومعهد وايزمان وقواعد عسكرية جوية مثل قاعدة نيفاتيم وحاتسريم وغيرها، بالإضافة إلى مصفاة حيفا.

إذاً  الدقة، دقة الصواريخ الباليستية أيضاً، كانت مذهلة قياساً إلى فلسفة الصاروخ الباليستي العابر للأجواء.

طبعاً، نتيجة هذه المواجهة الإستراتيجية، وبالأسلحة الإستراتيجية بين الطائرة المقاتلة الأمريكية والإسرائيلية من جهة وبين الصاروخ الباليستي الإيراني من جهة أخرى، أعتقد أن الصاروخ استطاع أن يكرّس معادلة إستراتيجية ويثبتها ويثبت نفسه في معادلة الردع هذه، لأن نتائج هذه المواجهة أثبتت أنه  كما تصل الطائرة إلى هدفها في إيران، يصل الصاروخ إلى هدفه في "إسرائيل"، وإلى حد كبير بالدقة نفسها وبفاعلية أحياناً وفقاً للصاروخ المستعمل والرأس المتفجر الذي يُزود به.

هنا يمكن الإشارة إلى مسألة مهمة وهي التعادل السلبي، يعني ما حقق هذا التوازن هو التعادل السلبي بين فشل  المنظومة الدفاعية الإيرانية أو تدمير منظومة الدفاع الجوي الإيرانية الذي أتاح للسلاح الجوي الإسرائيلي حرية عمل في سماء إيران، هذا التدمير الذي حيّد منظومة الدفاع الجوي الإيرانية، وفشل منظومة الدفاع الاعتراضية في "إسرائيل" في اصطياد الصواريخ، بين هذين الفشلين إذا صح التعبير أو هذين التحييدين ما أسميته أنا تعادلاً سلبياً، هو الذي أدى إلى بروز هذا التوازن وهذا المشهد المتوازن  في الاشتباك الإستراتيجي الحاصل. طبعاً أعود لأذكر أن الصاروخ الإستراتيجي استطاع أن يكرّس نفسه بوصفه عامل ردع مقابل سلاح الجو الغربي المتطور.

في اليوم الحادي عشر من المعركة، ورداً على التدخل العسكري المباشر للولايات المتحدة ضد طهران، استهدفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، وهي قاعدة "العديد" الجوية في قطر. ما مدى تأثير هذه العملية الصاروخية في تغيير معادلات الاشتباك والردع، وهل كانت سبباً مباشراً في دفع العدو إلى طلب وقف إطلاق النار؟

لناحية الرد الإيراني على الضربة الأمريكية باستهداف قاعدة "العديد"، فهذا أيضاً كان له  مؤشر أو دلالات مهمة، أولاها الإرادة الإيرانية، إرادة القيادة الإيرانية في استهداف قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة كرد على الضربة الأمريكية للمنشآت النووية. إذاً الإرادة والتصميم والتنفيذ، ذهب الإيرانيون بهذا الأمر إلى التنفيذ واستهدفوا هذه القاعدة كعيّنة أو كنموذج من القدرة على الاستهداف بالدرجة الأولى والإرادة في الاستهداف، وبالتالي في لحظة ما شعر الأمريكيون أن قواعدهم قد تُستهدف بصورة أوسع إذا ما استمرت هذه الحرب.

طبعاً مسألة استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة ليست الورقة الأخيرة لدى إيران إذا ما تحدثنا عن أبعاد أخرى تتعلق بالموقع والجيوبوليتيك والمضائق وغيرها. هذه المعادلات كلها أدت إلى إنهاء هذه الحرب بهذا المشهد المتوازن في البُعد للأسلحة والاشتباك. طبعاً خرجت إيران من الحرب بعد أن قبلت تبادل وقف إطلاق النار دون أن توقع أو تخضع لأي شرط إضافي يتعلق بتقييد حركتها وحريتها في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم أو في ما يتعلق بالمنشآت النووية عموماً.