تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
  • English
  • Français
  • Español
  • Русский
  • हिंदी
  • Azəri
  • العربية
  • اردو
  • فارسی
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • خطابات
  • أفكار ورؤی
  • مرئيات
  • السيرة
  • قضايا وآراء
  • مؤلفات
  • إستفتاءات
  • خط حزب الله
خطابات
الخطابات
القرارات
رسائل ونداءات
مخطّط بياني

كلمته في القائمين على الحج و المسؤولين عن مراسم عشرة الفجر

بسم الله الرحمن الرحيمأودّ في البدء أن أرحب بالحضور الكرام، لا سيما الإخوة الأعزاء المتصدّين لشؤون الحج باعتباره أحد أهم الفرائض الدينية، و كذلك الإخوة الأحبة المسؤولين عن إقامة أحد أبرز المناسبات و هي الذكرى السنوية لعشرة الفجر المباركة، كما أرحب بكافة الإخوة الكرام الذين تجشموا عناء المجيء و أخصّ بالذكر الإخوة الذين تحملوا أعباء المسافات البعيدة ليحضروا مجلسنا هذا.قبل كل شيء لا بدّ من التنويه إلى أنّ كل منصب أو وظيفة مهما كانت تعتبر مهمّة للغاية و ذلك لأنّها تساهم في تحسين و تطوير إدارة شؤون البلد و المجتمع. فعلى كل من يخدم، و في أي مجال أو في أي وظيفة يساهم من خلالها في خدمة النظام و البلد و المجتمع، عليه أن يفتخر و يعتزّ بدوره، و يستعين بالله و يطلب التوفيق منه، و يكون شاكراً له و مثنياً عليه على تفضله و إنعامه، لما منّ علينا بسمو راية الإسلام التي جلبت لنا كلّ النعم. و لا يخفى أنّ خدمة الناس من أعظم النعم.أمّا بالنسبة لفريضة الحج فتتجلّى أهميّتها و عظمتها عندما يتمكّن الناس من إدراك كنهها و حقيقتها. لذلك عليكم أن تجهدوا لاستثمار ما تنطوي عليه هذه الفريضة من معانٍ سامية و منافع عظيمة ـ إذ يقول سبحانه: «ليشهدوا منافع لهم» (1) ـ من هنا اكتسبت الخدمة في شؤون الحج تلك المنزلة الرفيعة و القيمة الكبيرة. و لو كُتِبَ لهذه الفريضة أن تؤدّى على النحو الذي شرّعت من أجله، لكانت كفيلة بإيجاد الحلول لكثير من المعضلات التي ابتلي بها المسلمون. فالحج يتضمّن معانٍ روحية سامية، و مفاهيم وحدوية هامّة، و علم و معرفة. و هذا ليس بالشيء القليل بالنسبة للشعوب الإسلامية.و لا يخفى عليكم ما تعانيه بعض أجزاء العالم الإسلامي اليوم بسبب الفرقة و عدم التعاون بين قادة الدول الإسلامية. فها هي فلسطين تنتهك اليوم بأبشع الأساليب الضارية، و ها هو الشعب الفلسطيني يتجرّع أقسى الآلام و يمر بأصعب الأوقات التي من الممكن لأي شعب أنْ يتحمّلها.و مع وجود كم هائل من الإمكانات و التعاطف و الإستعداد الجماهيري الكبير من قبل كافة الشعوب الإسلامية لغرض تقديم العون، إلاّ أنّ شيئاً على أرض الواقع لم يحصل إزاء هذه القضية. إنّه لواقع مؤلم جدّاً. إنّ النصيحة غير مجدية لإرغام الكيان الصهيوني ليكف الظلم عن هذا الشعب. فالظلم مستمر طيلة خمسين عاماً و هو اليوم يتجسّد بأبشع صوره. فالشعب صغاره و كباره شبابه و شيبه نساؤه و أطفاله أفراداً و أسراً أصبحوا اليوم تحت وطأة الدبابات و البنادق و الأسلحة المميتة، يسحقون دون رحمة أو شفقة. ليس ليوم أو يومين، أو شهر أو شهرين، فالوضع لا يزال على هذه الحال منذ أكثر من عام بأكمله.إنّ الحج بإمكانه أنْ يشعر العالم الإسلامي بخطورة المسؤولية الملقاة على عاتقه. و بإمكانه أن يلهم الشعوب الإسلامية بحقيقة مهمّة تتمثل في أنّ مصلحة هذه الشعوب تقترن اقتراناً مؤكداً بالمشاركة الفاعلة الحقيقية و اتخاذ موقف قاطع إزاء هذه القضية. أقول ذلك لأنّ البعض يتصوّر أنّ الدفاع عن الشعب الفلسطيني، يتقاطع مع المصلحة الوطنية للبلاد، و هذا خطأ جسيم للغاية، إذ إنّ المسلم عندما يفقد غطاءه الذي تؤمّنه له باقي الشعوب الإسلامية، سيكون لقمة سائغة للعدو. و لو كتب للعالم الإسلامي أن يتحد فيما بينه، لما عانى شعب ما أصبح يعانيه اليوم.كما يجب التنويه إلى أنّه من الممكن أن يتعرّض أيّ شعب من الشعوب الإسلامية لمثل هذا الواقع، و قد لاحظتم حصول ذلك لبعض الشعوب. لكن الوحدة و التعاون الإسلامي، عنصر مهم يساهم في قطع الطريق على أعداء العالم الإسلامي و على الطامعين و المغتصبين، و يشكل عقبة كأداء تحول دون تحقيق مآربهم، و يمنعهم من التعرّض لأي بلد إسلامي و التصرف كما يحلو لهم و كما يجدونه مناسباً و بحسب ما تقتضيه مصالحهم. لذلك فإنّ وقوف العالم الإسلامي إلى جانب الشعب الفلسطيني و حمايته هو في حقيقة الأمر حماية لكافة الدول الإسلامية، و ضمان لمصالح الجميع، و هذا ليس أمراً هيناً. إذن فالحج، يكرّس هذه المعاني، و يعزّز الوحدة و العزم و التصميم لدى المسلمين. و لذلك كان من المهم جدّاً استثمار هذا الحدث العظيم و هذه الفريضة الإلهية الكبيرة، للنهوض بواقع المسلمين و واقع العالم الإسلامي و كافة الدول الإسلامية. و عليه فكل جهد يستثمر في هذا الاتجاه يعدّ مهمّاً و قيّماً للغاية.و هكذا الأمر بالنسبة لذكرى عشرة الفجر. فبحمد الله لقد أثبت الشعب طيلة السنوات الإثنين و العشرين المنصرمة من كل النواحي تفاعله الكبير مع عشرة الفجر التي شهدت انطلاق الثورة الإسلامية المباركة. فالشعب يقدّر و يثمّن هذا الحدث العظيم. و لذلك فإنّ كل من يساهم في إحياء هذه الذكرى و يعمل على تسهيل و تيسير مشاركة الجماهير و تفاعلها ـ كما في لجان عشرة الفجر الفاعلة و المؤثرة ـ فهو في الحقيقة يؤدّي عملاً مهمّاً و قيّماً للغاية.لقد كانت عشرة الفجر بالنسبة لبلدنا فرصة تاريخية ساهمت في تخليص شعبنا من حصار كان غاية في الخطورة. فما دام الشعب رهينة حصار نظام مستبد فاسد عميل رجعي مناوئ للقيم الإنسانية و الدينية، فإنّه لن يحصل على أي شيء إيجابي يساهم في تطوير حياته سواء على الصعيد المادي أو المعنوي. لقد كنا نشاهد في ظل ذلك النظام يد المحتل الأجنبي الغاصب تطال كل موضع من أراضينا، و تنتهك ديننا و تهين ثقافتنا و تراثنا و هويتنا الوطنية، و هذه هي طبيعة تلك الأنظمة. فجاءت الثورة لتخلّص الشعب الإيراني من براثن هذا الحصار، و تفتح الطريق أمامه و تمنحه الفرصة ليستعيد ثقته بنفسه و يبدأ بالاعتماد على قدراته الذاتية و استثمار موارده البشرية في كافة الميادين و المجالات. و نحن لا ندّعي هنا بأنّنا قد نجحنا باستثمار كافة الفرص التي أتاحتها لنا الثورة، لكنّنا نستطيع أن ندّعي بأنّ الثورة قد أوجدت لنا فرصة تاريخية لا نظير لها، و هذه الفرصة لا تزال متاحة للشعب الإيراني.و لا يخفى بأنّ أعداء الشعب الإيراني و أعداء هويتنا الوطنية و أعداء التقدّم الحاصل في هذا البلد، يطمحون أنْ يقصوا هذا الشعب عن دائرة التقدّم و الازدهار، و يعودوا بالبلد إلى سلطة الأجانب و هيمنتهم. لكن ذكرى عشرة الفجر، تشكّل عقبة كبيرة تحول دون تحقيق هذه الغاية. إنّهم يسعون جاهدين لمحو ذكرى الثورة من أذهان الناس، لكنّ إحياء هذه الذكرى يحول دون ذلك. كما إنّهم يسعون لطمس أثر الإمام الخميني الراحل، لكنّ هذه الذكرى تجسّد في كل مرّة إرادة الإمام (ره) و عظمته.طبعاً لا بدّ أن أنوّه إلى ضرورة أن يساهم كافة الأخوة و الأخوات المسؤولين عن هذه اللجان و العاملين فيها، بإحياء هذه الذكرى و إثراء الفكر الشعبي بأفضل وجه ممكن، و ذلك من خلال ممارسة التوعية اللازمة عبر التركيز على الأنشطة الثقافية و الإعلامية. فالتيارات السياسية و الثقافية العارمة التي يقودها أعداء البشرية ـ و خصوصاً أعداء الإسلام و أعداء الشعوب المستقلة ـ أخذت تكتسح أرجاء الدنيا، و لا يقتصر الأمر على بلدنا. لكن الشعب الذي بإمكانه الصمود و النجاة من قبضة مخالب الاستكبار العالمي، هو الشعب الذي يستطيع الثبات أمام هذه التيارات.فعندما يكون الشعب يقضاً واعياً متحداً متراصاً متعلّماً مثقفاً، و عندما يكون المسؤول قد نذر نفسه لخدمة الشعب و تحقيق مصالحه، و العمل بكل إخلاص و تفانٍ لتحقيق الأهداف العليا للثورة و النظام، و إيجاد الوعي لدى الناس بهذه الأهداف، عندئذٍ لن يكون بمقدور أي عدو مهما بلغ حجمه، فرض هيمنته على هذا البلد. فالمسؤول يخدم شعبه بعزم و صدق، و الشعب متفانٍ في سبيل الإسلام و الثورة. و هكذا يكون إيمان الشعب و استقامته و وعيه أسطورياً لا نظير له.طبعاً في المقابل هناك أيادٍ تعمل للحؤول دون تحقيق ذلك. من هنا تجدنا نؤكد و بشدّة على ضرورة مكافحة الفساد المالي و الاقتصادي و التصدّي له بقوّة، إذ لو تمكّنت الأيادي الفاسدة من إفشاء الفساد الاقتصادي بين المسؤولين، فإنّها ستوجّه للبلد ضربة قاسية لا يمكن لأي شيء أن يجبر عواقبها الوخيمة. لذلك قلت مراراً و تكراراً و ها أنا أؤكد مرّة أخرى: إنّ مكافحة الفساد تمثل جهاداً حقيقياً، و في الوقت نفسه عملاً شاقّاً للغاية. لكن يضاف إلى ذلك أنّ هذا الجهاد الكبير لن يثمر ـ و سيثمر بفضل الله و بدعم الشعب إن شاء الله تعالى ـ إلاّ بعد أن يتحقّق شرط أساسي يتمثل في بقاء المسؤولين في البلد متعاضدين متعاونين متكاتفين فيما بينهم. طبعاً لا أخفيكم فإنّ قادة السلطات الثلاث بحمد الله تعالى متعاونون و منسجمون في ما يتعلق بهذا الأمر، لكن يجب على باقي المسؤولين و في كافة المجالات و على كافة الأصعدة أن يتعاونوا و يبدوا عزماً حقيقياً في هذا الخصوص.إنّ كل سلطة من السلطات الثلاث تتحمّل جزءاً من المسؤولية، و لا بدّ لها من أداء دورها على النحو الأكمل. و لا يجوز لأي أحد من المسؤولين ـ سواء أكان في الحكومة، أم في السلطة القضائية أم في المجلس ـ أن يتنصّل عن أداء دوره فيما يتعلّق بهذا الأمر الذي يعد مصيرياً بالنسبة للبلد و الشعب و النظام الإسلامي. على الجميع أن يساهم و يعمل بشكل فعّال.كما يجب أن لا يكون هناك أي تمييز بين جهة و أخرى. فعلى الأجهزة العاملة على مكافحة الفساد أن لا تميّز بين جهة و أخرى، أو تدّعي بأنّ الفساد في هذا المكان سيئ، لكنّه في ذلك الموضع ـ إنْ وجد ـ فهو ليس بذلك السوء. كلاّ، فالفساد فساد، و يجب مكافحته أينما وجد. على هذه الأجهزة أن تعمل بشكّل حازم بدون أي مجاملات أو مداهنات، و تذيق الفاسد و المفسد مرارة القانون. و إنّني هنا لا أقصد شخصاً أو ملفاً أو موضوعاً بعينه، فالقضية بالنسبة لي ليست قضية أشخاص، إنّما المهم أن يتمّ هذا العمل بشكل صحيح و حازم.يجب أنْ يسود شعور من القلق لدى كل من تسول له نفسه اقتحام بيئة الفساد المالي، بأنّ التبعات التي سيتحمّلها جرّاء إقحام نفسه في هذه البيئة لن تكون هيّنة، عليه أنْ يعي بأنّ الشعب و كذلك المسؤولين في البلد سيتصدّون له. و هذا أحد العوامل المهمّة و المؤثّرة في إطار مكافحة الفساد.و من العناصر المهمّة التي يجب الإلتفات لها في هذا الإطار، هو أن لا يُقتصر على الفساد الحاصل أو الشخص الذي ارتكب الفعل المفسد فحسب، إنّما يجب الحرص على عدم حصول الفساد من الأساس. و لقد أكدت على السادة المسؤولين في السلطة التنفيذية و القضائية، ضرورة تحديد المصدر الأساسي الباعث على الفساد، و من ثمّ محاصرته و اجتثاثه من أصله.طبعاً عليهم أن يحذروا جيداً من الخضوع للميول و الأهواء و الألاعيب السياسية و الفئوية و الحزبية و غيرها ـ و التي طالما رغب الأعداء في سماع تفشي مثل هذه الأمور بين المسؤولين في البلد ـ عليهم أنْ لا يقفوا بوجه الحق، أو يتستّروا على الفساد، عليهم أن يعملوا لله و في عين الله. فإنْ تمكنوا من ذلك، كان النصر حليفنا و ساد الخير أرجاء البلد.و هناك من يدعي أن مكافحة الفساد و المفسدين تقضي على الاستثمار في البلد. لكن ثبت علمياً عدم صحّة مثل هذا القول. إذ يرى المتخصصون في هذا المجال وجود تناسب عكسي بين تفشي الفساد الاقتصادي و بين الاستثمار، فكلّما زاد الفساد في بلد ما كلّما تقلّص الاستثمار و كلّما تراجع الفساد نما الاستثمار. و هذه من الحقائق العلمية الثابتة. و رجائي من السادة المتخصصين في هذه القضايا، محاولة بيان و تفهيم هذه الأمور للرأي العام، كي يقطعوا الطريق على من يسعى لإثارة الغبار بين الأوساط الشعبية، محاولاً إجهاض هذا المشروع الكبير.إنّني لا أشك في أنّ هناك أيادٍ لا تريد الخير لهذا البلد، و لا تريد له الرقي و الإزدهار الإسلامي، لذلك نجدهم يضعون العقبات أمام مثل هذه المشاريع. لكن بحمد لله فإنّ المسؤولين في بلدنا يتحلون بالعزم و الصلابة و الصرامة، لكن يبقى هذا الأمر غير كافٍ في التصدّي لمن يقوم بإثارة الزوابع و المشاكل. و هنا لا بدّ أن أذكر شعبنا الكريم بضرورة بقائه يقظاً واعياً فطناً بالفتن التي تثار هنا و هناك و التي يراد منها تقويض هذه النهضة العظيمة. إنّ هذا الأمر يستدعي وعياً و فطنةً من شعبنا العزيز. كما على السادة المسؤولين أن يكونوا يقظين أيضاً و يسحبوا البساط من تحت العدو و لا يمنحوه الذرائع. فإن كان هناك بعض المشاكل و الأزمات تعاني منها بعض شرائح مجتمعنا، عليهم أن يستثمروا كل إمكانية متاحة في بلدنا لحلحلتها و تذليلها، و لا يسمحوا للعدو باتخاذها ذريعة يسدد من خلالها ضربته لإجهاض نهضة مكافحة الفساد.لقد طرح شعار مكافحة الفساد مراراً و تكراراً في السنوات الماضية، و قد تمّ التركيز عليه في العديد من المؤتمرات و الندوات و اجتماعات السادة المسؤولين، و كذلك في الإعلام للتأثير على الرأي العام، لكنّه أُجهض بسبب أمثال هذه البلبلات و التشويشات. على المسؤولين الكبار في البلد أنْ يبتروا يد المتغلغلين بالفساد الذين نشأوا على الفساد و تغذوا عليه، و لا يسمحوا لهم بإجهاض هذه النهضة الكبيرة.و من أجل ذلك يجب أولاً أن تسود روح الوحدة و الانسجام و التعاون و التعاضد بين قادة السلطات الثلاث و المسؤولين فيها. فإنّ قادة السلطات التنفيذية، و القضائية، و التشريعية، و أعضاء المجلس المحترمين، و السادة الوزراء المحترمين، و القضاة المحترمين، و جميع المتصدّين في النظام الإسلامي العاملين تحت راية بقية الله أرواحنا فداه، هم في الحقيقة خدام لهذا الشعب. عليهم أن يدركوا جيداً بأنّهم ليس سوى خدام لهذا الشعب، الذي أصبح مبتهجاً بالمساعي الرامية لمكافحة الفساد في البلد، و هو يطالب بالاستمرار بتفعيل هذا الأمر. و عليه فإنّ كل من يدعي وصلاً بهذا الشعب، و كل من يتكلّم بالنيابة عن هذا الشعب و يعمل لأجله، عليه أنْ يكون مقداماً في هذه النهضة.طبعاً يجب الحذر في هذا الإطار من مغبة الوقوع في الظلم، فيجب التصدّي للفساد و للشخص الفاسد و ليس للشخص البريء. كما يجب الحرص على المساواة و عدم التمييز ـ كما أسلفنا ـ لا بد من النظر إلى الجميع بعين واحدة. فإذا تمكنّا من ذلك ـ و نأمل أن نكون قد تمكنّا بلطف الله و فضله إن شاء الله تعالى ـ عندئذٍ سيشملنا الله بلطفه و عنايته و يكتب لنا التوفيق في نهضتنا هذه. نسأله سبحانه أن يسدد كافة الأخوة لأداء مهامهم على أتمّ وجه. و أن يمنّ على هذا الشعب بلطفه و عنايته. و نسأله أن يجعل هذه الأيام ـ أيام هذا الشهر الفضيل و شهر ذي الحجة و عشرة الفجر المباركة ـ أيامَ خير و بركة على أهل هذا البلد، و أنْ يجعلنا مرضيين لدى المولى صاحب العصر و الزمان (عجل الله فرجه الشريف) و يشملنا بدعائه و خيره.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1) الحج: 28. 
2002/01/23

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة 19 دي

بسم الله الرحمن الرحيمقبل كل شيء أود أن أرحب بالأخوة و الأخوات الكرام الذين تجشموا عناء السفر من محافظة قم لينيروا محفلنا بأنوار الشهداء الذين قدمتهم مدينة قم المقدسة و يملؤوه بأريج عطرهم الفواح.كما تعلمون! يصادف اليوم ذكرى التاسع عشر من دي ـ الحدث الذي شكّل أوّل انطلاقة لأحداث الثورة الإسلامية ـ كما يصادف اليوم ذكرى الحادثة الأليمة التي لا تكاد تغادر أذهاننا و هي حادثة المدرسة الفيضية التي وقعت في الخامس و العشرين من شهر شوال عام 1342.إنّ هاتين الحادثتين تعكسان أهمية هذه المدينة و دورها في صياغة تأريخ البلد. لقد كان للجمهور القمّي ـ بحوزته العلمية و بعامة مجتمعه ـ بحمد الله تعالى حضور بالغ الأهميّة في بلورة أحداث هذا البلد، قبل الثورة و بعدها.و نحن إذ نقف هنا نستذكر شهداءنا الأبرار الذين سطروا صفحات التضحية و الجهاد بأرواحهم و فكرهم و وعيهم، سائلين المولى عزّ اسمه أنْ لا يحرمنا توفيق أداء الشكر لهم، و أنْ يلهمنا السير على خطاهم و الاستمرار بأهدافهم.إنّ طريق التاسع عشر من دي الذي بدأته الجماهير و الشباب في قم كان طريقاً وعراً محفوفاً بشتّى المخاطر، إلاّ أنّ الأهداف التي كانت من ورائه كانت أهدافاً سامية تتضمّن إرساء دعائم النظام الإسلامي الذي يرتكز على الشريعة الإلهية، و سيادة العدالة و التقوى. و هذا بالضبط ما كان ينشده كافة الأنبياء، عندما استهدفت حركتهم إيجاد مثل هذا الواقع الذي تسود فيه العدالة و التقوى.لكن السؤال هو متى و كيف يتسنّى للعدالة و التقوى أن تسودان العالم و تعمّان الدنيا؟ لا شك إنّ ذلك لا يتحقق إلاّ بعد أن تستشري التقوى في نفوس كل من يمتلك زمام الأحداث في العالم ـ أي قادة الدول و زعمائها ـ لكن في غير هذه الصورة حينما تهيمن على البلاد أنظمة تفصلها عن التقوى آلاف الأميال ـ كما كان عليه الحال أيام النظام الطاغوتي ـ فإنّ مثل تلك البلاد لن تعرف معنى العدالة و لا معنى التقوى على الاطلاق. بناءً على ذلك لا بدّ أنْ يكون الأساس صحيحاً. و مرادنا من كون الأساس صحيحاً، أن يكون النظام الحاكم مستنداً إلى أحكام الشريعة الإلهية و تكون عناصره و رجالاته على درجة كبيرة من التقوى. و هذا ما كان يطمح له شعبنا على الدوام، و هو اليوم كما كان. كما لا يخفى أنّ إصلاح أمر آخرتنا و دنيانا و تجاوز العقبات التي تقف في طريقنا لا يكون إلاّ من خلال التركيز على هذا الأمر.أمّا من هي الأطراف المتضررة من هذا التغيير الإجتماعي الكبير؟ إنّ أوّل من يشعر بالضرر هم أولئك الذين اغتصبوا السلطة و هيمنوا على البلاد و حكموا الناس بالظلم و الجور و سرقوا قوتهم و استباحوا مصادر ثرواتهم المادية و المعنوية. إنّ هؤلاء هم أبرز أعداء النهضة، و هم الذين نعبّر عنهم في مفهومنا الثوري بالاستكبار العالمي.و بما أن المصالح و العلاقات العالمية أصبحت اليوم أكثر تقارباً و بدأت الفواصل بين دول العالم بالانحسار، لم يجد الغاصبون مطامحهم تقف عن حدود مصادر الثروات العالمية بل أصبحوا يبتغون الاستحواذ على العالم بأسره.إنكم تشاهدون اليوم ما يقوم به هؤلاء بغية الهيمنة على مقدرات العالم و الشعوب و الدول. و إذا ما وجدوا أن شعباً تصدّى لهذه السلطة الجهنمية الشيطانية و استطاع إقصاءها و عمد لإقامة الحق و العدل، فإنّ أوّل من سيعاديه هي هذه الأقطاب العالمية، و سوف لن تكف عنه إلاّ بعد أن تجهض كل مساعيه لإقامة الحق و درء الظلم و الجور. و هذا بالضبط ما حصل مع الثورة الإسلامية، فإنّ البعض منكم يتذكر جيداً كيف تحالفت القوى العالمية ضد الشعب الإيراني و سخرت كل إمكانياتها من أسلحة و مدافع و دبابات و هجمات إعلامية و أكاذيب و حيل و افتراءات لصده عن مبتغاه و تقويض نهضته التي بدأها حينذاك.لقد كان هذا دأب الأعداء على الدوام، فإن تمكنوا من إجهاض النهضات الشعبية و جعل الجماهير تعزف عن مبتغاها، فقد حققوا ما يطمحون له و بذلك تستمر هيمنتهم على تلك البلاد، لكن إن أخفقوا في تحقيق مآربهم و تمكنت الجماهير من اجتثاث عناصر الظلم و الطاغوت و تطهير البلاد منها عندئذٍ سيتخذ العدوان أشكالاً أخرى مختلفة، و سيكون الهدف الأساسي هو الحؤول دون وصول الجماهير إلى غايتها ـ التي هي إرساء العدل و التقوى في البلاد ـ حينئذٍ سيلجأ العدو إلى التحريض و الفتنة و إيقاد نار الحروب، و هذا ما لاحظناه بوضوح في السنوات الثلاث و العشرين الماضية، فقد فرضوا الحرب و أمطروا البلد بالصواريخ، و شنوا الهجمات الاعلامية المضادة، و فرضوا الحصار الاقتصادي، و شوهوا سمعة الثورة على الصعيد العالمي بأسره، كل ذلك من أجل غاية واحدة، هي منع النظام الإسلامي من تحقيق أهدافه و مبادئه بواسطة الجماهير ـ التي تمثل السند الأقوى و الداعم الأبرز لهذا النظام ـ من هنا كان عليهم أن ينهكوا الشعب أولاً، ثم المسؤولين و المتصدّين ثانياً، فإذا هيمن اليأس تسنّت عودة السلطة الغاصبة التي تمّ طردها سابقاً، لتعود إلى ممارسة أساليبها الجهنمية السابقة، و يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل التغيير الذي قام به الشعب.و قد نجحت خططهم في العديد من بلدان العالم. فقد كان القرن العشرون، قرن الثورات و التحولات الاجتماعية و السياسية الكبيرة. فالعديد من نقاط العالم ـ كآسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ـ شهدت تحولاً اجتماعياً جذرياً، لكن الاستكبار و القوى العالمية الغاصبة، تمكنت من إعادة الوضع إلى ما كان عليه عبر ممارسة الضغوط المختلفة. لكن الأمر بدى مختلفاً في إيران، إذ لم تتمكن تلك القوى من فعل شيء في هذا البلد، و السبب في ذلك يعود إلى وجود عناصر حالت دون نجاح العدو. أول هذه العناصر، الإيمان العميق الذي كان يهيمن على قلوب أبناء هذا البلد. ثمّ إلى جانب هذا الإيمان كانت هناك القيادة الصلبة الحكيمة الواعية للإمام الراحل، فكان رحمه الله يقف كالجبل الأشم في مقابل هجمات الأعداء، كما كان لحضوره بين الجماهير دور حاسم في إشعارها بالاستقرار و الطمأنينة. و قد تعرّض البلد إبان عهد الإمام الراحل لأشد الضربات لكنّ الشعب لم يُهزَم.أمّا العنصر الآخر الذي حال دون نجاح العدو فهو الأسس المتينة و البنى القويّة للنظام الإسلامي ـ المتمثلة بالدستور ـ فقد حرص المشرّع على بلورة دستور يوفق بين الإرادة و الأصوات و المطالب الشعبية من جهة و الرؤية الإسلامية من جهة أخرى، و الحفاظ على ذلك في كل مفصل من مفاصل النظام.فالنظام الإسلامي الرصين المتكئ على الشعب صوتاً و برلماناً و حكومةً، كان بمثابة السد الحصين أمام كل هجمة أو مخطط أراد العدو تمريره. طبعاً لا يخفى أن العدو لم يترك يوماً ممارساته العدوانية و لن يتركها أبداً. فكل المبادئ التي ساهمت في صمود هذه الثورة و بقائها كانت و لا تزال هدفاً لمخططات العدو. فإيمان الناس و تمسكهم بالنظام، أحد أبرز العناصر التي استهدفها العدو الطامع بالعودة إلى البلد و بسط نفوذه و زرع عملائه و إفشاء الظلم و الفساد في كل أرجاء البلد.إنّ هؤلاء لم يغفلوا عن الثورة الإسلامية و لو للحظة واحدة، لكنّهم كلّما حاولوا اصطدموا بعناصر القوّة و المنعة و الصمود التي يتمتّع بها البلد و ارتدوا على أعقابهم خاسئين دون أن يحققوا هدفاً أو مطمحاً.على شعبنا أن يعي ثمن هذه الجوهرة الثمينة ـ أي الإيمان ـ و يحرص عليها كلّ الحرص، لا بدّ له من صيانة هذه المبادئ و هذه الأسس الرصينة و الحفاظ عليها، ليكون قادراً على التصدي لشتى مؤامرات العدو و مخططاته.إنّ لشعبنا دوراً حاسماً في تحديد مصير البلد، كما أنّ لمسؤولينا الدور ذاته. و أؤكد لكم بأنّ لكل واحد من أفراد الشعب دوراً حاسماً و خطيراً، فكل نظام و كل بلد يضم جماهير واعية، مؤمنة، دائمة الحضور و المشاركة في القرار، و مستعدة دوماً للذود و الدفاع عن مصالحها، لن يكون من السهل السيطرة عليه أو تهديده بأي قوّة، لا القوة النوَوية بإمكانها ذلك و لا القوة الصاروخية و لا سواها من سائر القوى العسكرية. من هنا تتضح أهميّة دور الشعوب في تحديد مصير البلاد.كما أنّ على المسؤولين و أركان النظام أن يكونوا قادرين على مواكبة الشعب في حركته و تطلعاته، ليس هذا فقط و إنّما عليهم أنْ يتقدّموا على الجماهير و يمسكوا بزمام المبادرة.إن هناك ثلاث خصال لا بدّ أن يتحلّى بها كافة مسؤولي النظام و أركانه، و إذا ما توفّرت هذه الخصال سوف لن يكون بمقدور أي قوّة مهما بلغ حجمها، مواجهة الشعب. و هذه الخصال هي التقوى و الشجاعة و الوعي. إنّ على كافة المسؤولين أن يتحلّوا بهذه الخصال، و لا فرق في ذلك بين أن يكون المسؤول مديراً عامّاً في أحد الأجهزة الحكومية، أو قاضياً، أو عضواً في مجلس النواب، أو في مجلس صيانة الدستور، أو في مجلس خبراء القيادة، أو في القوات المسلحة، على الجميع أنْ يتحلّى بهذه الخصال ليبقى البلد مصاناً من الأخطار الحافة به.إنّ غياب التقوى يؤدّي إلى فساد الأعمال و المنجزات. لكن وجودها يصحّح كل عزيمة و كل إرادة و كل كلام ينطق به المرء، بحيث يكون خالصاً لوجه الله تبارك و تعالى و مستهدفاً للصالح العام، و في هذه الحالة يصبح المرء على الصراط المستقيم. لكن عندما تغيب التقوى يحل محلّها الغضب و الحسد و الضغينة و بالتالي فإنّ كل كلام أو سلوك أو حُكم أو أمر أو نهي سيكون إفرازاً عن تلك الخصال و مشوباً بها.و لا يخفى أنّ وجود التقوى وحدها دون الشجاعة لن يكون كافياً. فلطالما كان هناك من يتحلّى بالتقوى لكنّ افتقاده للشجاعة حال دون قدرته على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، و حال دون قدرته على الكلام المناسب في الوقت المناسب و في المكان المناسب. و هنا نشير إلى أنّ الإمام الراحل عندما بدأ نهضته كان هناك عنصر مهم و حاسم في نجاح تلك النهضة و هو الشجاعة التي كان رحمه الله يتحلّى بها، و إلاّ فهناك العديد من الشخصيات المتسمة بالإيمان و التقوى لم تكن قادرة على التغيير، و ذلك لغياب عنصر الشجاعة لديها، و كما هو معلوم فغياب الشجاعة يجعل المرء عرضةً للخوف و الرهبة، و من هذه النقطة تحديداً ينفذ العدو.فعندما يجد العدو مسؤولاً ما، أيّاً كان منصبه ـ في المجلس أو الحكومة أو القوة القضائية أو مجمع تشخيص مصلحة النظام، أو مجلس صيانة الدستور أو غير ذلك من المرافق الحيوية ـ يفتقد للشجاعة سيحاول التأثير عليه و إخافته. إنّ كل هذا التهديد و الوعيد الذي يطلق من هنا و من هناك و عبر وسائل الاعلام، الغاية منه ترهيب القادة و إخافتهم. فالعديد من الشعوب أصيبت بالبؤس و الحرمان بسبب فقدان الشجاعة لدى قياداتها. و الملفت أنّك تجد الجماهير قويّة متماسكة تتحلّى بالشجاعة و على أهبة الاستعداد للمشاركة و الحضور لكنّ القيادة، التي عليها التقدّم و الإمساك بزمام المبادرة، لا تتحلّى بالشجاعة الكافية.فلو رصدتم تاريخ البلدان لوجدتم أنّ كل بلد افتقر إلى قادة أو مسؤولين أو كوادر تتحلّى بالشجاعة فإنّ المعاناة كانت قرينة الشعب في ذلك البلد. و في حال كان الجميع مفتقراً للشجاعة فإنّ الشعب سيغرق في البؤس و الحرمان. إنّ كثيراً من التحليلات و التقارير الخبرية التي تمارسها القنوات الأجنبية تستهدف في الغالب إرعاب النخب و الكوادر في البلدان المستهدفة، و ذلك من أجل خلق أجواء يسود فيها الشعور بالضعف و القصور و الانحطاط. شعور يسيطر على ذهن المسؤول و عقله فيجعله غافلاً عمّا يمتلكه من رصيد شعبي، و طاقات علمية و ثقافية و حضارية و أهمية جغرافية، و منشدّاً إلى ما لدى العدو من قدرات و إمكانيات فكرية و عسكرية و غيرها. إنّ هذه الظاهرة تعتبر من أخطر الظواهر التي قد تستشري في بلد ما.الخصلة الثالثة، هي الوعي، فعلى المسؤولين أن يكونوا واعين للمرحلة مدركين لما يدور حولهم. و إلاّ فما الفائدة في أن يكون المسؤولون أو أركان النظام أو ممثلو الشعب أو المؤثرون في الجهاز القضائي أو غيره من أجهزة الدولة، على درجة من التقوى و الإلتزام و الشجاعة أيضاً، لكنهم غافلين عن مخططات العدو و تحرّكاته و كمائنه و المنافذ التي قد يهاجم منها. إنّ الشباب الذين شهدوا جبهات القتال إبان الحرب المفروضة يدركون جيداً ماذا أقصد من كلامي، فالمقاتل عندما كان يسمع صوت القذيفة، و يكون بإمكانه تحديد مصدرها و ما إذا كانت من جهة العدو أو من الجهة الصديقة فإنّه سيتمكّن من اتخاذ الموقف المناسب، لكن إنْ لم يستطع تحديد مصدر القذيفة فسيبقى تائهاً دون معرفة ما عليه فعله. لذلك عندما تواصل مدفعية العدو قصفها دون أنْ تكونوا قادرين على معرفة أنّها نيران العدو فمن الطبيعي أنّ موقفكم لن يكون موقفاً صائباً. و في المقابل إنْ كانت هناك نيران صديقة و كنتم غير قادرين على تمييزها أيضاً فتتسائلون عن سبب هذه النيران و تعترضون!إنّ إبرز ما يحتاجه المسؤولون اليوم هو الوعي، فعليهم أن يعوا المواضع التي يستهدفها العدو و التي يسدد منها ضرباته.قبل سنوات، تحدثت عن الهجمة الثقافية و قلت إن العدو يستهدفنا من خلال المنافذ الثقافية، غير إنّ البعض لم يع كلامي آنذاك، و استغرب هذا الطرح و قال ـ سراً أو في العلن ـ : عن أي هجمة يتحدث فلان؟! لكن اليوم و بعد مرور سنوات عديدة، بدأ بعض السذج يدركون شيئاً فشيئاً ما معنى الهجمة الثقافية! و بدأت المخاوف تسري إليهم من الهجمة التي بدأت تطال إيمان الشباب و عقيدتهم! فهو يشاهد بأمّ عينيه كيف يحاول العدو التدخّل و التأثير في كل ما له صلة بالشباب، و كيف يقوم بتغيير عقيدتهم إزاء الدين و الإمام الخميني، و تجريدهم من هويتهم، حتى أصبح البعض يشكك في طموح الشعب و تطلّعه لنيل الاستقلال! و هذا هو بالضبط ما يهدف إليه العدو، و هذا هو المقصود بالهجمة الثقافية.إنّ مسؤولي البلد بحاجة ماسة إلى مثل هذا الوعي، ليكونوا قادرين على تشخيص المنافذ التي يدخل منها العدو و يسدد ضربته. فإذا أدركوا ذلك أصبحوا يقظين. عندئذٍ ستؤتي الشجاعة و التقوى و الورع ثمارها و تنعكس آثارها على الشعب.إنّ من أبرز القضايا التي تطفو على السطح اليوم، قضية مكافحة الفساد. و على المسؤولين أن يدركوا ذلك جيداً. و المراد من الفساد، أن يقوم البعض مستعيناً بشتى الحيل و مستفيداً من الثغرات القانونية و الكلام المهذب المعسول و التظاهر بالصدق و الأمانة، أن يقوم بالإنقضاض على ممتلكات بيت المال و النهب منها بجشع. و لا يخفى أنّ التبعات و الأضرار التي ستنجم عن ذلك كثيرة و طائلة، من جملتها: أنّ الأموال التي كان من المفروض أن تُنفق على الشعب ـ على تشييد و إعمار البنى التحتية من طرق و جسور و سدود و موارد مائية و تطوير القرى و الأحياء و الترفيه عن الشعب ـ ستذهب إلى ريع شخص واحد أو مجموعة محددة من الأشخاص. فعندما تشاهدون أحدهم قد استحوذ من بيت المال على عشرات المليارات في غضون مدّة قصيرة لا تتجاوز الثلاث أو أربع سنوات، فماذا يعني لكم ذلك؟ معنى ذلك أنّ الأموال التي كان من المفروض أن تذهب إلى بناء و تشييد و إعمار آلاف القرى و الأحياء الفقيرة و إنعاش أهلها و إنقاذهم من حياة البؤس و الحرمان، قد استحوذ عليها شخص واحد باستخدام الحيلة و المكر و الخديعة، و استغفال بعض الناس. إنّ أوّل الأضرار إذن، هي تجفيف بيت المال و ذهاب الأموال إلى جيب شخص طمّاع حريص أناني جشع.الضرر الآخر يتمثل في تكريس نموذج سيء، فعندما يجد المستثمر الذي ينوي القيام بنشاط إقتصادي ما ـ صناعي أو زراعي أو غيره ـ عندما يجد أنّ هناك طرقاً غير مشروعة تدرّ أرباحاً طائلة في فترات وجيزة، سيكون ذلك بالنسبة له حافزاً للتوجّه نحوها. هناك من يقول أنّ مكافحة الفساد تقضي على الاستثمار لكنّي أجد أنّ القضية معكوسة، فعدم مكافحة الفساد الاقتصادي تزيد من احتمال توجّه المستثمرين نحو الطرق اللامشروعة في تراكم الثروة، لأنّهم يجدونها أسهل بكثير من الولوج في معمعة الاستثمار و الانتاج المشروع.إنّ الشخص الفاسد يجرّ معه الآخرين نحو الفساد، و يشجعهم على ذلك.إذن يتضح أنّ الضرر الثاني الناجم عن الفساد المالي يتمثل في القضاء على النشاط الاقتصادي للبلد.الضرر الثالث هو أنّ الشخص الفاسد عندما يريد الاستحواذ على ممتلكات بيت المال سوف لن يجد الأمر سائغاً و إنّما سيتم منعه بطبيعة الحال، لذلك سيكون مجبراً على دفع الرشوة إلى المدراء و المسؤولين و إلى كل من يقف في طريقه. و لا يخفى أن الجميع غير قادر على الصمود أمام الرشى. فهناك من يصمد و هناك من لا يقاوم أمام المال، سواء عن عمد أو عن غير قصد. لكن على العموم فالفاسد عندما يريد تحقيق غايته عليه أن يؤسس لبيئة فاسدة من خلال رشوة الكثيرين، فهو يفسد المدراء و العناصر الأمنية و موظفي البنوك و موظفي هذه الوزارة و تلك الوزارة.الضرر الرابع ينجم عندما يستشري المال الحرام بين عامة الناس و خاصتهم، و لا يخفى أنّ استشراء المال الحرام يؤدّي إلى انتشار المعصية؛ «أمرنا مترفيها ففسقوا فيها(1)»، و بالتالي فالولوج إلى الفساد المالي بمثابة المقدّمة للولوج إلى الفساد الأخلاقي و الجنسي و الشهواني و سائر أنماط الفساد الأخرى.الضرر الخامس، يتضح إذا ما علمنا أنّ الجهاز الإداري و كذلك القاعدة الشعبية عندما تفسد فإنّها تتحوّل إلى موضع من مواضع العدو الخارجي. فالأخير يجد في العناصر الفاسدة الأدوات المثلى التي تحقق له غايته السياسية في بلد من البلدان.لذلك كانت مكافحة الفساد بمثابة الجهاد الشامل. و رجائي من مسؤولي البلد أن لا يلوثوا هذا الجهاد بالمصالح السياسية الرخيصة. و لو تحلّى المسؤول بالوعي الكافي، لعلم أنّ مكافحة الفساد في الوقت الحاضر هي أمر واجب و حيوي و هي الجهاد بعينه. أمّا الجهل بالواقع أو الخطر المحدق، فمعناه الابتلاء بالغفلة التي تعد أمراً خطيراً للغاية.إنّني على يقين بأنّ شعبنا اليوم يتمتع بالوعي، لكن بعض النخب لا تمتلك مثل هذا الوعي! لذلك كان الوعي من أبرز المتطلّبات التي يحتاجها المسؤولون و النخب السياسية و الكوادر التي تدير دفة الأمور في البلد في السلطات الثلاث و سائر مفاصل الدولة الأخرى. عليهم أن يكونوا قادرين على التمييز بين مواضعهم و مواضع العدو، و أنْ يدركوا أهدافه و غايته و سبل مواجهته. و لا يخفى أنّ شعبنا لازال يقف بكل شجاعة و صمود و يمتلك العزيمة و الإصرار على مواصلة المسير. لكن الملفت أنّه بالرغم من عدم تحقق الكثير من مطالبه بسبب الحملات العدوانية الجائرة إلاّ أن شعبنا لم يتزعزع و إنّما بقي متمتعاً بالمنعة و الصمود، فما سبب ذلك؟ إنّ سبب ذلك هو أنّ الشعب يعلم جيداً بأنّ مواصلة هذا المسير ـ أي إسناد النظام الإسلامي ـ سيضمن له سعادة الدنيا و الآخرة. و هذا الأمر قد وعاه الشعب و أدركه جيداً، غير إنّ العدو لا يريد لذلك أن يتحقق. إنّ هدف المخططات الاستكبارية اليوم و على رأسها الشيطان الأكبر أمريكا هو منع النظام الإسلامي ـ المستند إلى إرادة الشعب و اختياره ـ من تحقيق أهدافه.فمن ناحية يقفون بوجه نجاح النظام الإسلامي و من ناحية أخرى يوحون إلى الشعب بأنّ منشأ كلّ المشاكل و الأزمات التي تتعرضون لها هو عزوفكم عن توطيد العلاقة بالولايات المتحدة، و لو نجحتم بإعادة العلاقات فإنّ مشاكلكم ستجد سبيلها للحل! إنّهم بهذه الإيحاءات يريدون التمهيد للعودة إلى بسط نفوذهم و هيمنتهم على البلد.لكن بحمد الله فإنّ كبار المسؤولين و القادة في بلدنا على درجة كبيرة من الوعي و الإدراك للحظة الراهنة، كما أنّ الشعب لا زال يتمتع بصموده المعهود، إذ ها هو يقف داعماً للنظام كالجبل الأشم. كما لا يخفى أنّ ارتكاز المسيرة على هذا النمط من الإيمان الشعبي و العزم و الإرادة التي لدى المسؤولين، سينتهي بها إلى النهوض بالبلد و تشييده و إعماره، و لن تتمكن الولايات المتحدة و من لف لفها من استعادة نفوذها و بسط هيمنتها على مقدّرات البلد ـ و هو الحلم الذي طالما راودها ـو نحن إذ نمضي ضمن هذه المسيرة نعقد أملنا و اعتمادنا أولاً و قبل كل شيء على الله سبحانه و تعالى الذي نرجو منه العون و التوفيق، الذي لو لا فضله و رحمته ما أمكن التقدّم خطوة واحدة إلى الأمام. فنحن نتوسّل إلى الله و نتوجّه إليه و نرجو أن يشملنا برحمته و جوده، و أنْ يمنّ علينا بدعاء المولى بقية الله في أرضه أرواحنا فداه.و بالدرجة الثانية فإنّ اعتمادنا على إيمان الشعب ـ الذي هو أيضاً من لطف الله و رحمته ـ و نخص بالذكر الإيمان و العزيمة التي يتمتع بها شبابنا الأعزاء في كافة أرجاء البلد، فنحن نحمد الله على ما حبانا به من جيل شاب مؤمن غيور واع على أهبة الحضور و المشاركة في كل الأحوال و الأوقات.كما أود الإشارة إلى أنّ شعبنا المؤمن يتطلّع نحو قادته و مسؤوليه و ينتظر منهم تحقيق مطاليبه. و أنا أعد الشعب بأنّ مسؤولي البلد و بضمنهم العبد الفقير الذي يقف بين أيديكم ـ خادمكم الصغير ـ سوف لن نتراجع قيد أنملة عن هذه المسيرة الخالدة المجيدة.أسأل الله سبحانه و تعالى أن يتقبّل بجوده و منّه مساعي و جهود الذين كرّسوا أنفسهم للخدمة في هذا السبيل، و أنْ يفض على هذا الشعب من بركاته و ينزل عليهم من رحمته و يوفقنا يوماً بعد يوم لتحقيق مزيد من الأهداف الإسلامية.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. الهوامش:1) سورة الإسراء، الآية 16 
2002/01/08

كلمة الإمام الخامنئي في حشد من الفلاحين

بسم الله الرحمن الرحيمفي البدء أرحب بكافة الإخوة و الأخوات الذين قدموا من شتى أرجاء البلد، و أخصّ بالذكر أسر الشهداء و المضحّين.لا يخفى أنّ المناسبة التي نحن بصددها، أي الأسبوع الزراعي، تشير إلى أهمية العنصر الزراعي في بلدنا، لذلك كان من الضروري الإحتفاء بهذه الأيام.و بهذه المناسبة أبارك لجميع الإخوة المزارعين و المسؤولين في مؤسسة الجهاد الزراعي الذين يتحمّلوا أعباء هذه المسؤولية الكبيرة.و أودّ هنا أن أشير إلى أمرين: الأول يتعلّق بالواقع الزراعي و بشريحة الفلاحين الواسعة، و الأمر الثاني: يتعلّق بعامة الشعب الكريم و بضمنه الأخوة المسؤولين و هو حول احتياجات الشعب و البلد الفعلية.أمّا بالنسبة للواقع الزراعي و الفلاّحي فإنّ أبرز الأولويات هو تحقيق الاكتفاء الذاتي على الصعيد الغذائي. و على شعبنا الكريم الاستغناء عن كل ما يرد من خارج الحدود. فمنذ مطلع الثورة الإسلامية و لحد الآن كانت الجهود منصبّة على تحقيق الاكتفاء الذاتي على صعيد الواقع الزراعي.و لا يخفى أنّ الشعب الذي يتكئ على سواعده و يعتمد على كفاءته في الإنتاج، فيقوم بالإنتاج و الاستهلاك الذاتي، بل و يتمكّن من توسيع رقعة الإنتاج إلى ما وراء الحدود، سيتحوّل إلى قوّة مهمّة و مؤثّرة. إنّ بلدنا اليوم بحاجة ماسّة إلى هذا الأمر. و ما إصرار الجمهورية الإسلامية على تطوير الواقع الزراعي إلاّ من أجل تحقيق ذلك. فعلينا أن لا نمدّ أيدينا إلى الغير لتأمين حاجاتنا من الحنطة و الأرز و الزيت و الألبان و طعام المواشي و غير ذلك من عناصر الغذاء الأساسية. و الحمد لله أنّ بلدنا يزخر بالموارد الطبيعية و البشرية، و لذلك أرجو أنْ تكون هناك جهود و مساع بنيوية و صحيحة في هذا المجال، و لا أخفيكم إنّ بوادرها بدأت هذه الأيام تظهر للعيان.لكن المهم هو إنّ على كافة الجهود التي يبذلها الشعب و القادة أن تتظافر. لا بدّ للعلم و التجربة و التقنيات الفنية و التكنولوجية و الاستثمار الأقصى للموارد الطبيعية و البشرية أن تمتزج بالشعور بالمسؤولية و الشعور بضرورة التنمية و التطوير و الخلاقية و المتابعة و التفاني في العمل. و أنّا كلّي أمل بما حصل مؤخراً من الاندماج بين وزارة الجهاد الصناعي و وزارة الزراعة و الذي انبثق عنه وزارة الجهاد الزراعي، إذ يمكن لهذه المجموعة أن تؤدي دوراً مهمّاً و حيوياً في هذا المضمار. كما لا بدّ لعملية الدمج بين الوزارتين أن تكون سبباً للتفاؤل في تعزيز النقاط الإيجابية. فتأريخ الجهاد الصناعي حافل بالمنجزات الكبيرة التي بدأت مشوارها منذ مطلع الثورة الإسلامية و لحد الآن، و كذلك الحال بالنسبة لوزارة الزراعة السابقة التي أصبحت تشكّل خلية متكاملة من الكفاءات، عبر التجارب و الخبرات التي تراكمت فيها على مرّ السنوات السابقة. إذن وجود هذه العناصر له أهمية بالغة في دفع عجلة النهوض بالواقع الزراعي.إنّ الأعمال الكبيرة، تتطلّب همماً كبيرة، كما تتطلّب إيماناً عميقاً ـ إيماناً بالعمل، إيماناً بالشعب و بدعمه و إسناده، و الأهم من كل ذلك، الإيمان بالله تبارك و تعالى و ما يجزله من أجر و ثواب للعاملين ـ و عملاً جهادياً متواصلاً، و هذا هو معنى الجهاد. و عليه فالنهوض بالواقع الزراعي، يتطلّب منّا جهاداً حقيقياً كما أسلفت.كما أنّ لتظافر هذه الجهود أثراً كبيراً آخر، يتمثّل في ما يعود على شريحة الفلاحين من مكاسب إزاء ما يتجشمونه من كدح و عناء مضنيين.إنّ الطبقة الفلاحية لدينا تبذل الكثير من الجهد و تتحمل الكثير من المشقّات، فلا بدّ لها من أن تحصد ثمار تلك الجهود و المشقات، و أن تكافأ بالعطاء الجزيل الذي تعود منفعته على الفلاح من جهة و على البلد من جهة أخرى.لا بدّ أن تكون السياسة العامة مبنية على: إعمار القرى و الأرياف، و جعلها ملائمة للسكن و الحياة، و تمكين القرويين الأعزاء ـ الذين يعدون من الطبقة المحرومة في البلد ـ من التوفّر على كافة مقوّمات الحياة الكريمة، عليكم أن تهيئوا لهم سبل المواصلات، من طرق و وسائط نقل و غيرها مما يسهم في خلق بيئة مناسبة لحياة كريمة. ففي مطلع الثورة الإسلامية بدأ العمل على هذا النمط من المشاريع، في كافة أنحاء البلد و في أقصى نقاطه، يجري بعزيمة و إصرار منقطعتي النظير، و لا بدّ أن يستمر الآن على هذا المنوال ضمن استكمال للخطط و المشاريع المرسومة. و لا يخفى إنّ هذه الأعمال تعتبر من المهام الجسيمة التي تتطلّب همماً عليا و إيماناً راسخاً و عزيمة صادقة.و السادة المسؤولين لدينا يتمتعون بالإيمان و العزيمة، لذلك وجب عليهم استثمار كافة الوسائل و الإمكانيات المتاحة. فبلدنا ليس بلداً فقيراً، فهو يزخر بالموارد الطبيعية و البشرية الأمر الذي يحتمّ على المسؤولين استثمار هذه الموارد لقشع صبغة الفقر و الحاجة، و الاعتماد على الغير إقتصادياً. و هذه المهمّة ـ كما أسلفت ـ تتطلّب من العاملين إيماناً و كفاءةً و تجربةً و خلاقية و عزماً، و ملخّص القول تتطلّب منهم عملاً جهادياً.إنّ ما أودّ إلفات نظر الشعب الكريم بشكل عام و المسؤولين بشكل خاص إليه، هو أنّ الإهتمام بالزراعة يعد اليوم حاجة ملحّة و مطلباً أساسياً. إنّ كافة القطاعات في البلد ـ كالقطاع الصناعي و العقاري و الصناعات الحيوية، و الخدمية، و قطاع التربية و التعليم و غيرها ـ لا تنحصر مسؤوليتها بالجهاز التنفيذي فحسب، إنّما يتحمل عبئها كافة السلطات و كافة المسؤولين و كذلك سائر أفراد الشعب. مطلوب منّا جميعاً المساهمة في تحقيق هذه المنجزات الكبيرة كي نصل بالبلد إلى مرحلة من البناء و الإعمار نحفظ به كرامة الإسلام و البلد و الأمّة أمام أعين العالم و ناظريه. إنّ هذه مسؤولية عامة تقع على عاتق الجميع. فعلى مدى سنوات من الحكم الملكي الجائر الفاسد المستبد العميل، تمّ تقويض أسس هذه المشاريع و البنى التحتية و القضاء عليها. و مهمّتنا اليوم التعويض عمّا فات، فأمامنا طريق طويلة جداً، لكنّه في المقابل طريق موسوم بالعزّة و الفخر.أمّا بالنسبة لمتطلّبات هذه المرحلة، فعلى رأسها الحفاظ على وحدة الصف و وحدة الكلمة بين صفوف الجماهير و بين المتصدّين و المسؤولين. علينا أن نكون يداً واحدة، و على الجميع أن يؤلّفوا صفاً واحداً يصبو إلى غاية واحدة، كي يتسنّى تذليل العقبات و تحقيق المنجزات. فاختلاف الكلمة لا يحقق لنا أي شيء. فلو فرضنا أنّ هناك مجموعة تسير وسط طريق معبدة و تريد الوصول إلى نقطة محددة ـ فبالرغم من كون الطريق معبدة و خالية من العقبات و المشاكل ـ فإنّ هذه المجموعة لو تنازعت و تناحرت فيما بينها، فإنّها لن تصل إلى المقصد، فكيف لو كان الطريق محفوفاً بشتى المخاطر و العقبات، و كان هناك أعداء يتربصون، و فوق هذا و ذاك كان الطريق شاقاً و طويلاً! ففي هذه الحالة على الجميع أن يتكاتف و يتآزر و يزداد عزماً و إصراراً و لا يضع نصب عينيه سوى الغاية التي ينشدها، ليتسنّى طي هذا الطريق المتسم بالعز و الفخر و الكرامة، و الشاق و الطويل في الوقت نفسه.إنّ هذا هو الشرط الأوّل لتحقيق أي فوز أو نصر. و هناك أمثلة على ذلك كثيرة، فبإمكانكم ملاحظة مصير البلدان التي كانت عرضة للاختلاف و التناحر.إنّني أقول لكم يا أحبائي! أيّها الشعب الكريم، و خصوصاً أنتم شبابنا الأعزاء! إنّ أمل العدو، عدو الشعب الإيراني و النظام الإسلامي و الثورة الإسلامية، اليوم إنّما هو شيء واحد، و يتمثل في جعل الدولة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية يخفق في تلبية أبسط حاجات الفرد و المجتمع. لكن إلى اليوم، لم تفلح أي من محاولاتهم السياسية و الإعلامية اليائسة و إنّما باءت بالفشل. لقد بنوا آمالهم على إجهاض المشروع الحكومي و تقويض الجهود التي تبذلها الدولة و النظام الإسلامي لتلبية حاجات الشعب، كي يقال إن النظام الإسلامي قاصر، و إنّ الإسلام عاجز، و بالتالي تصبح الأبواب مشرعة أمام عودة أولئك الذين ساسوا البلاد عشرات السنين بأدوات الظلم و الفساد بدعم من قوى الاستكبار، ليستحوذوا على مقدرات البلد من جديد. إنّهم يريدون إفشال النظام الإسلامي و جعله عاجزاً عن العمل. لكن يا ترى ما هو السبيل إلى ذلك؟ السبيل إلى ذلك يتحقق بالدرجة الأولى عبر: زرع الخلافات و تضعيف القوى الساعية و الطامحة و العاملة على استقلال البلد و سيادته.إنّ أبرز ما يخطط له العدو و يعمل لأجله هو تجفيف مصادر البلد و إفشاء الفساد، تلك الآفة التي ما داهمت مجتمعاً إلاّ أنهكته. و لا يخفى أنّه ما من مجتمع أو بلد إلاّ و وجدت فيه عناصر يعقد عليها العدو آماله فتستحيل إلى أدوات تحقق له غاياته و مآربه، لذلك على الشعب و المسؤولين توخي الحذر قدر الإمكان.إنّ الآلام التي يعاني منها البلد اليوم لا يداويها إلاّ شيء واحد، و هو أن تتعاون السلطات الثلاث و تتآزر و توحد كلمتها و تقوم بوضع خطط و برامج تهدف إلى تحقيق غايات النظام و أهدافه و رفاه المجتمع. إنّ هذه مهمة ملقاة على عاتقهم اليوم. على السلطات الثلاث تجنب التناحر فيما بينها و تضعيف بعضها البعض. كما على الصحف و الإعلام تجنّب تضعيف السلطات الثلاث ـ التي تمثّل دعائم النظام و أركانه ـ ، فعلى الإعلام توخي الحذر من التعميم السلبي، فعندما يجد جانباً سلبياً في هيكل سلطة من السلطات الثلاث، عليه أن لا يعمّم ذلك و يتهم السلطة بأسرها و بالتالي يضعف من موقفها. فلو فرضنا أنّ هناك مؤاخذة على نائب أو نائبين في المجلس، فهذا لا يعني أن يطال النقد المجلس بأسره. و إذا كان هناك اعتراض على حكم قضائي ما، فما من مبرر لاستهداف السلطة القضائية برمتها. و هكذا الحال بالنسبة لأداء السلطة التنفيذية، فلو كان هناك مؤاخذة على جانب منها فلا يشكل ذلك مبرراً لتضعيف السلطة بأسرها. إنّ تضعيف هذه الدعائم و الأركان، معناه تضعيف الثورة و النظام و تقويض الأهداف العليا التي ينشدها النظام. على الجميع أن يلتفتوا إلى هذا الأمر.إنّ على الكتّاب و الإعلاميين و المتحدّثين و كل من يساهم في التأثير على الرأي العام، عليهم أن يحسبوا حساباً لكل فعل و كل قول يصدر منهم. فالمهمّة جسيمة. و المجال الذي يتحركون فيه خطير للغاية، فالزلاّت لا تغتفر، و التوبة عليها ليس أمراً هيناً، إذ الأمور هنا ليست شخصية.و لقد تمكّنا خلال الإثنين أو الثلاث و العشرين عاماً المنصرم من إزاحة أضخم العراقيل عن طريقنا و ذلك من خلال وحدة الكلمة. كما إنّنا اليوم قادرون أيضاً على تجاوز كافة العراقيل التي تقف في طريق شعبنا عبر توحيد الكلمة بين المسؤولين و بين الشعب.و لا يخفى، إنّ كل شعب أو بلد يمتلك مشروعاً أو رسالة يريد إيصالها، لا بدّ أن تظهر له مجموعة من الأعداء، و هذا أمر طبيعي جداً. و إذا أراد المرء أن يعيش دون أعداء فعليه أن يتحوّل إلى كائن عقيم منزو عديم التأثير، يتم استلابه و هو صامت، و يُعتدى عليه و لا يعترض.إنّ الذي لديه رسالة يريد إيصالها، و لديه هدفاً ينشده و هو يعيش في خضم هذه الدنيا الكبيرة المليئة بالفوضى، من الطبيعي جداً أنْ يكون هناك من يتربّص له بغية الإيقاع به.و بالنسبة لنا فنحن لا نتوقّع أنْ نستثنى من هذه القاعدة، فنحن لا نفترض أن لا يكون لدينا أعداء يتربصون بنا، لكن ما نرجوه هو أن نعمل على أنفسنا، و أن نتحلّى بالأمل و الشجاعة و العزيمة و الإرادة و الوحدة و التوكّل على الله، و نقوم بإزاحة الأعداء عن طريق هذا الشعب، و نردّهم على أدبارهم خائبين.بفضل الله و قوّته، نحن قادرون على ذلك و سنقوم به، و المستقبل سيشهد على ما أقول.إنّ أملنا معقود على إيمان هذا الشعب و عزمه و غيرته و مجده و بسالته الكبيرة التي تجسدت في مختلف مراحل الثورة، فاستطاع الشعب عبر حضوره و مشاركته و ثباته ووعيه إفشال مخططات العدو الواحدة تلو الأخرى. و سيستمر إن شاء الله على هذا المنوال، و لا بدّ للقادة و المسؤولين من استثمار هذه الطاقات الهائلة من الشخصيات العظيمة التي يزخر بها بلدنا، و القيام بمهامهم على أتم و أكمل وجه.نسأل الله تعالى التوفيق لكم و إجابة دعاء المولى صاحب الزمان بحقكم إنّه سميع مجيب.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 
2002/01/01

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة عيد الفطر المبارك

بسم الله الرحمن الرحيميسعدني في هذا اليوم المبارك أن أتقدّم بأزكى آيات التهاني للأمة الإسلامية العظيمة، و شعبنا الأبي، و كافة الحضور الكرام و ضيوفنا الأعزاء و ممثلي الدول الإسلامية في بلدنا، المتواجدين ضمن حفلنا المبارك.لا يخفى إنّ عيد الفطر يعد من أبرز و أجلّ المناسبات الإسلامية. ففي هذا اليوم يبتهج العالم الإسلامي برمته و هو يشهد أحد أعظم الأعياد الحقيقية بالنسبة له. كما أنّ الإسلام قد سعى ليميّز الأمّة الإسلامية عن سواها بهذا العيد: «جعله اللَّه لكم عيدا و جعلكم له اهلا» (1). و الملفت هنا هو الشق الثاني من الحديث. فقد أريد لنا أن نستثمر هذه الهبة الربّانية أقصى إستثمار، سواء أكان ذلك على الصعيد الفردي - بأنْ نجعل قلوبنا محلاً لبزوغ نور المعرفة و مسلكاً للتوبة و الإنابة، إذ لا يخفى أنّه لو تسنّى لنا الاتصال بعالم المعرفة و المحبّة الإلهية و جعل أنوار تلك المحبّة تنعكس على بواطننا، فإنّ كثيراً من الظلمات و المصائب و الأزمات التي تحيط بنا ستجد طريقها إلى النور و إلى الحل؛ ذلك أن قلوب الناس و أفئدتهم هي مصادر للخير أو الشر الذي نجده ينعكس على تصرفاتهم و سلوكهم و أدائهم، بما في ذلك ما يحصل في المحافل المحلية أو الدولية - أو الإجتماعي.على العالم الإسلامي أن يجعل من عيد الفطر يوماً للوحدة و التلاحم، و يستغلّه في العودة إلى الذات و مراقبة النفس و محاسبتها. فالأمة الإسلامية اليوم بأمس الحاجة إلى ذلك. و بعيداً عن سائر التحليلات و التصورات و ما وراء كافة العلل و الأسباب التي ذكرت للأزمات و المشاكل و الإرهاصات التي تواجه العالم الإسلامي اليوم، يعتبر عامل التفرّق و التشتت هو السبب الرئيسي لذلك.فلو توحد المسلمون و تكاتفوا و تآزروا ستتلاشى كافة مخاوفهم و رهبتهم من الأعداء. فكل من يشعر اليوم بالتهديد من القوى العالمية المهيمنة، إنّما يشعر بذلك بسبب ما يعانيه من الوحدة و فقدان النصير و المؤازر. و هذا هو السبب الرئيسي الكامن وراء الشعور بالخوف الذي يصيب الدول و الشعوب على السواء.لكن عندما نجد أن الشعوب و الدول الإسلامية متكاتفة متآزرة فيما بينها، و أنّ الدول تجد شعوبها داعمة لها، و الشعوب تجد أنظمتها تسعى لإحقاق الحق و بسط العدل، و تجد غيرها من الشعوب يدعم مسيرتها و يرتفع صوته مؤيداً و ناصراً لها، عندئذٍ لن يبقى مجال لأي خوف أو تهديد يسعى الإستكبار العالمي لتكريسه بين بعض الدول و الشعوب.إنّ أولى نتائج الإتحاد، شعور المرء بالقوّة. و أولى نتائج الفرقة شعوره بالخواء،: « و تذهب ريحك »(2). فالفرقة تسلب المجتمع حيويته و نشاطه. و هذه من الأمور التي لا بدّ لنا من أخذها بنظر الإعتبار و تكريسها على الصعيد الداخلي.إنّ على كل فرد من أفراد الشعب و أخص بالذكر المسؤولين و المتصدّين لشؤون البلد، الحرص على هذه النعمة، نعمة الوحدة و الاتفاق ـ و هي نعمة أنعمها الله علينا و لا بدّ لنا من شكره عليها ـ و عدم التفريط بها: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (3).إنّ من أعظم النعم الإلهية نعمة الأخوّة، و الشعور بالألفة و الانسجام. فلا بدّ لهذا الشعور أن يسود في البلد بأسره، و يستشري بين أفراد الشعب و صفوف المسؤولين، و الساسة، و كل مَن لكلامه وقع و تأثير على الجماهير. عليهم أنْ يجففوا مصادر الفرقة و يتغلّبوا عليها، كما عليهم تفعيل سبل التواصل و التقارب، و تجاوز الخلافات الجزئية من أجل القضايا المصيرية المهمّة ذات الطابع المشترك، لا أن يعمدوا إلى تضخيم الجزئيات و تحويلها إلى قضايا أساسية و إهمال المشتركات المهمّة و المصيرية.إنّ الأخوّة الإسلامية، و حب الوطن، و النشوء و الترعرع في ظل مبادئ الثورة، و التمتّع بالنعمة الإلهية العظيمة المتمثلة بالنظام الإسلامي، و الحرص على المستقبل، و التفاني من أجل الشعب، كل ذلك من المشتركات الكبيرة التي لا بدّ من التمسّك بها و الحفاظ عليها، و عدم التعرّض لها أو التأثير عليها بواسطة الخلافات الجزئية. و هذا الأمر يعد بالنسبة لنا فريضة و ضرورة و واجب مقدّس لا بدّ من الالتزام به. و ليس هو بالأمر (المستحب) الذي يستحسن الالتزام به، إنّما هو أمر (واجب) لا مناص من الالتزام به. و كل من لا يلتزم به فهو يعرّض مصالح البلد و الأمّة و مستقبل الثورة للخطر.كما لا بدّ أن يكون الأمر كذلك على صعيد العالم الإسلامي برمّته. على الدول الإسلامية الاقتراب من بعضها و التواصل فيما بينها، لا بدّ للشعور بالقوّة و المنعة الإسلامية أن يسودا. لكن إنْ استطاع الاستكبار أن يفتت الجسد الإسلامي من خلال بث الفتن و إلقاء الوعود الكاذبة بين الأنظمة الإسلامية، فسيكون مصير الأمة كما هو عليه في الحال الحاضر و كما تشاهدونه اليوم. فالواقع الفلسطيني لا يكاد يخفى على أحد. إنّ القضية الفلسطينية ليست أمراً هيناً. إنّها تعتبر أبرز تحديات العالم الإسلامي في الوقت الراهن، كما إنّها قضية ترتبط بمصير كل إنسان في هذا العالم.فلا يظن قادة الدول الإسلامية أنّهم عندما يتخلون عن الشعب الفلسطيني و يتركونه بين مخالب العدو الصهيوني، فإنّ الأخير بعد أن يقوم بابتلاع هذا الشعب و هضمه ـ و هو الأمر الذي لن يحصل أبداً ـ سيترك الدول الإسلامية و شأنها. كلاّ إنّهم مخطئون. طبعاً لا يخفى أنّ الشعب الفلسطيني، شعب أبي و قوي، و قد أثبت ذلك مراراً. لقد أثبت الشعب الفلسطيني قدرته على المقاومة و الصمود، و لذلك نحن مؤمنون بأنّه سيتمكّن من تكسير مخالب المفترس الدموي السفّاك. كما إنّ هذا الشعب اليوم قد تسبب في معضلة كبيرة للعدو الصهيوني الغاصب لم يكن قد واجه مثلها طيلة الخمسين عاماً المنصرمة.إنّ الضغوط الكبيرة التي يمارسها الصهاينة و حلفاؤهم على الشعب الفلسطيني ـ الشعب المظلوم المضطهد ـ سببها أنّ هذا الشعب بثورته قد ألقى عصاً في عجلة الأنظمة الاستكبارية أدت إلى فشل جميع مخططاتهم المشؤومة.طبعاً، على العالم الإسلامي أن يأخذ هذه القضية على محمل الجد، و لا يتغافل عن مسؤوليته تجاهها، عليه أن يعي واجبه إزاء هذه القضية و يسعى جادّاً للعمل به. و بذلك تثمر الجهود و تصبح آفاقها جلية و واضحة إن شاء الله.نسأل الله تعالى ببركة هذا اليوم الشريف، و هذا العيد الكبير، أن يفك أغلال الأسر عن جميع المسلمين، و يعمّ الأمّة الإسلامية و شعبنا الكريم برحمته و بركته في هذا اليوم العظيم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش: 1) مصباح المتهجّد، ص 661.2) سورة الأنفال: الآية 46.3) سورة آل عمران: الآية 103.
2001/12/15

خطبتا الإمام الخامنئي في صلاة عيد الفطر

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد للَّه ربّ العالمين. و الصّلاة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا أبي ‏القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، الهداة المهديّين المعصومين المكرّمين، سيّما بقيّة اللَّه في الأرضين، و صلّ على أئمّة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. قال اللَّه الحكيم في كتابه: «واستعينوا بالصّبر و الصّلاة و إنّها لكبيرة الّا على الخاشعين».(1)في البدء أودّ أن أُهنئ الشعوب الإسلامية و أبارك للأمّة الإسلامية العظيمة في كافة أرجاء العالم و لشعبنا الكريم و للحضور فرداً فرداً ذكرى حلول عيد الفطر المبارك. هذا بالرغم من إنّ جرائم الصهاينة البشعة التي ترتكب في فلسطين لم تبق للمسلمين عيداً.إنّ عيد الفطر، هو يوم يتلقى فيه المسلمون الأجر و تتجلي فيه الرحمة الإلهية بعد مضي شهر رمضان الكريم. فبحمد الله قد أتممتم هذا الشهر ـ شهر الصلاة و الصيام ـ بخير و عافية، بعد أن وفقكم الله سبحانه بفضل دعائكم و ذكركم و مناجاتكم، لأداء فريضة الصيام و التوسّل و الخشوع و الخضوع له تعالى. فهذا يوم يجزل الله فيه العطاء لكم إن شاء الله. و قد يكون من أبرز مصاديق العطاء في هذا اليوم، أنْ يشملنا الله برحمته حتى حلول شهر رمضان القادم. و الرحمة الإلهية التي تتجلّى في شهر رمضان، هي نتيجة لما تدّخرونه في هذا الشهر الفضيل من حسنات. فهناك الانقطاع لله سبحانه و تعالى، و الإحسان للفقراء، و صلة الأرحام، و إعانة الضعفاء و العفة و الحلم، و وصول القطيعة، و مجازاة الظالمين لنا بالنصح، فهذا شهر الرحمة و المغفرة و الانقطاع و التوسّل، شهر ترقّ فيه القلوب و تشرق فيه الأرواح بنور الرحمة و الفضل، فتكون مؤهّلة أكثر من أي وقت لعمل الخير و اكتساب الحسنات. عليكم أن تديموا هذه الحالة حتى رمضان القادم، اجعلوا من شهركم الحالي فصلاً دراسياً تربوياً يؤهلكم لاجتياز العام بأسره حتى حلول شهر رمضان الذي يليه. و هذه خير نعمة قد يشملنا الله تعالى بها. اطلبوا من الله تعالى أن يمنّ عليكم بالرضا و الرحمة و القبول و العفو و العافية، و بذلك تكونوا قد أدركتم العيد الحقيقي.كما أود التنويه في هذه الخطبة إلى أنّ أكبر درس يقدمه لنا شهر رمضان المبارك هو تربية النفس، و أوّل و أهم خطوة في تربية النفس هي أن ينظر المرء إلى أخلاقه و سلوكه نظر الناقد لها، يتفحصها و يعثر على عيوبه و يحاول جادّاً التخلّص منها. و هذا ما علينا القيام به في هذا الشهر الفضيل.كما أذكّركم بأنْ تتراحموا فيما بينكم كي تُرحموا. و لا تمتد يد الموسر منكم لتطال من المعسر، و لا يستغل أحدكم فطنته أو منصبه أو تفوّقه المالي أو البشري في ابتزاز الآخرين. علينا أن نجد أنفسنا عبيداً لله تعالى. متساوين في العبودية مع الآخرين، ملزمين بإنصافهم و الإحسان إليهم. لنكون مؤهلين لهطول غيث الرحمة الإلهية، الغيث الذي يطهرنا الله به، و يغمرنا ببركاته. و لا يخفى أنّ هذه مهمّة الجميع، لكنّها تتأكد أكثر بالنسبة للفئات الميسورة و المتمكنة و التي تمتلك السلطة و المنصب و النفوذ، و التي تمتلك كلمة مسموعة و مؤثرة في الناس، فمسؤولية هؤلاء ـ في التحكّم بسلطتهم و نفوذهم و كبح جماح أهوائهم من مغبة التجاوز على الآخرين ـ أشد و أكبر.إنّ أحد أهم واجبات المرء ـ في أيّ موقع كان ـ أن يعرف حدوده فلا يتجاوزها. فتجاوز الحدود هو عبارة عن ذلك المفهوم المعيب و المخزي للاستبداد و الاستكبار. و أكبر خطر قد يتعرّض له الإنسان هو أن يُصاب بالاستكبار و الاستبداد. و لا يخفى أن الجميع عرضة للإصابة بهذا الخطر، فلا بدّ من توخّي الحذر من ذلك.طبعاً كلما كان نفوذ المرء ـ اجتماعياً ـ أكبر، كان احتمال إصابته بداء الاستكبار و الاستبداد أشد. و لا شك إنْ كان المصاب بداء الاستكبار، يتمتّع بنفوذ مادي و اجتماعي واسع، كان الخطر الذي قد يسببه لنفسه أو للمجتمع أكبر. لذا فمن الضروري لهذا النمط من الأشخاص أن يحاسبوا أنفسهم و يضعوها تحت المراقبة الشديدة.إنّ المصابين بداء الفساد ـ سواء أكان فساداً مالياً أو أخلاقياً أو سياسياً ـ إضافةً لما يتسببون به من أذىً لأنفسهم، فإنّهم يعرّضون المجتمع للخطر، و السبب وراء ذلك يكمن في شعورهم بالضيق من التقيّد بالحدود القانونية و الشرعية، و سعيهم للتخلّص من جميع القيود التي قد تقف في طريقهم. و عندما يصاب الإنسان بذلك ـ و العياذ بالله ـ فإنّه لن يجد قيداً أو مانعاً يقف حائلاً بينه و بين مطامحه، و هو من أجل ذلك سوف لن يتورّع عن اللجوء إلى أي وسيلة كانت من أجل تحقيق مآربه. و هكذا يستحيل إلى خطر يهدّد الكيان الاجتماعي برمّته. من هنا جاء تحذيرنا و تأكيدنا على المسؤولين بضرورة العمل على مكافحة الفساد المالي. فالمشكلة لا تكمن في أنّ الفاسد يستولي على المال العام فحسب، إنّما المشكلة تكمن في صيرورة هذا الشخص جرثومة فساد تكتسح كل ما يقف في طريقها فتصيبه بالعدوى أو تستغل كل قواها لإزاحته عن الطريق. و لا فرق بين إنْ كان الذي يقف في طريقها هو الشرع المقدّس، أو الدستور، أو القوانين، فالجميع تحت طائلة المناوئة.طبعاً لا أخفيكم فبحمد الله قد بدأت السلطة القضائية و جزء من السلطة التنفيذية ـ تعقيباً على تأكيدنا ـ باتخاذ بعض الإجراءات الفاعلة في هذا المضمار، و أنّا أوصي الجميع بأنْ يمدّوا لهم يد العون. يجب أن لا يجد الفاسد أو الفساد من يعينه أو يقف إلى جانبه. و كلّ مَن يساهم في تشويه هذا المشروع ـ القانوني و المنطقي ـ فهو يدعم الفساد، و بالتالي يشكّل مظهراً للاستبداد و الاستكبار، فهو بعمله هذا يتطاول على القانون و يستكبر عليه.طبعاً لا أخفيكم، فقد أكدت كثيراً على أن تكون السلطة القضائية شديدة الحرص في أدائها لهذه المهمّة، و أن لا تتجاوز الحدود بأي حال من الأحوال. فلا تظلمنّ أحداً أو تنتهك حرمته الشخصية من دون سبب. و على الصحف أنْ تقوم بدورها و تراقب جيداً أداء هذه السلطة. و مهما يكن، فهذا المشروع، يعد من المشاريع المهمّة و الصحيحة و الأصولية، و لا بدّ من الاستمرار فيه.... اللهمّ ! نسألك بحق هذا اليوم الشريف و بأوليائك و بنبيّك العظيم، و أهل بيته و الأئمة الطاهرين و بجميع الصالحين و بدماء شهداء الإسلام منذ البدء و حتى اليوم، أن تثبّتنا على دينك، و أن تؤيد و تنصر و توفّق كل من عمل و جاهد في سبيلك.بسم الله الرحمن الرحيمقل هو اللَّه أحد. اللَّه الصّمد. لم يلد و لم يولد. و لم يكن له كفوا أحد.(2)بسم الله الرحمن الرحيمالحمد للَّه ربّ العالمين. نحمده و نستعينه و نستغفره و نؤمن به و نتوكّل عليه و نصلّى و نسلّم على حبيبه و نجيبه، سيّد الأنبياء و المرسلين، أبى‏القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، الهداة المعصومين، سيّما عليّ أمير المؤمنين و الصّدّيقة الطّاهرة سيّدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سيّدى شباب أهل ‏الجنّة و علي ‏بن ‏الحسين سيّد العابدين و محمّد بن ‏عليّ باقر علم‏ النّبيّين و جعفر بن ‏محمّد الصّادق و موسى ‏بن‏ جعفر الكاظم و عليّ‏ بن‏ موسى الرّضا و محمّد بن ‏علي الجواد و عليّ‏ بن‏ محمّد الهادي و الحسن‏ بن‏ علي الزكي العسكري و الحجّة بن ‏الحسن القائم المهدي صلوات اللَّه عليهم أجمعين. أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه.أوصيكم إخوتي و أخواتي بتقوى الله و طاعته، راجياً منه سبحانه في هذا اليوم الشريف أن يدرء عن الأمّة الإسلامية كل سوء و يصرف عنها كل بلاء. نريد من خلال هذه الخطبة أن نلقي نظرة على واقع العالم الإسلامي. فالعالم الإسلامي اليوم يعاني من معضلات كبيرة. و المسلمون جميعاً مسؤولون إزاء هذا الواقع. فالدول الإسلامية، بعلمائها و مفكريها و مثقفيها و طلابها و فنانيها، و كل من لكلمته وقع و تأثير، يتحمّلون المسؤولية.إنّ بعض الدول الكبرى اليوم، تسير وفق أجندة الشر و الفساد، و قد تجاوزت حدودها كثيراً، و هي تستخدم كل وسائل العنف و القوّة لتحقيق مآربها. فهي تلجأ لممارسة كافة الضغوط، سياسية و اقتصادية و إعلامية، لإخضاع كل دولة تريد العيش بسلام و حرية، و تروم قطع الأيادي الغاصبة و المنتهكة لثرواتها الوطنية.فما يرتكب بحق فلسطين اليوم من فجائع، يمثل قمّة البشاعة و الدناءة. فالذنب الوحيد الذي ارتكبه الشعب الفلسطيني ليتّهم بالإرهاب هو أنّه أراد العيش بسلام و أمان في بلاده! و هذه من أشد صور الظلم التي شهدها و يشهدها التأريخ. فالشعب الفلسطيني يشاهد المغتصبين قد استحوذوا على أرضه و صادروا داره و سلبوا حياته و هيمنوا على مصادر ثروته، ليس ذلك فحسب بل و يمارسون بحقه أبشع صور الإهانة و التحقير. فإذا عزم الشاب الفلسطيني المسلم على أداء فريضة الجمعة، تعرّض للتفتيش من رأسه إلى أخمص قدمه، و من ثمّ يهان و يذلّ و يمنع من الصلاة. و لو أشتبه العدو بشاب أو رجل أو امرأة فلسطينية تسير في الشارع، فسيعرضهم لكل أشكال الإهانة و التحقير. فإذا نطقوا بشيء أو امتعضوا من ذلك، فلن يمنعه شيء من جرّ الآليات العسكرية إلى الشوارع الآهلة بالسكّان و هدم الدور على رؤوس قاطنيها.و عندما يريد هذا الشعب المسكين الدفاع عن نفسه، أو إطلاق صرخات الاستغاثة بأحد أو بالعالم الإسلامي، فإنّه سيتهم بالإرهاب و العنف؟! في الوقت الذي يصرّ الكيان الصهيوني على التصعيد من إجرامه بكل وقاحة و بشاعة، مغضياً الطرف عن أفعاله الشنيعة، و متهماً الشعب الفلسطيني المظلوم بالإرهاب! و هذا هو أبشع أنواع الظلم. على العالم الإسلامي أنْ يعي المرحلة و أنْ يتحمّل مسؤوليته تجاه ذلك.و إنّي و من على هذا المنبر أتوجّه من صميم قلبي بالشكر الجزيل لشعبنا الكريم على مشاركته الواسعة بيوم القدس. و إنّي على علم بأنّ شعوب العالم مستاءة من هذا الواقع و متألّمة، و هي تعلن عن ذلك بالحد الذي يسمح لها به، لكنّ المطلوب هو أن يتحوّل ذلك الاستياء إلى قرارات تتخذها الدول. على الدول الإسلامية أن تشعر بأنّها مسؤولة تجاه هذه القضية.و على الرأي العام الإسلامي أن يعلم: بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها من دول الاستكبار العالمي لن تدخل يوماً كطرف للنوايا الحسنة يسعى للصلح أو السلام بالنسبة لقضايانا، إنّما موقفها تجاهنا ـ على الدوام ـ هو موقف العداوة و الدفاع عن الظالم و المحتل.إنّنا مسؤولون إزاء ذلك، و مسؤوليتنا لن تقف عند هذا الحد، إنّها مسؤولية مستمرة تقع على عاتق الجميع. على الجميع أن يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، أن يمدّ له يد العون و الدعم و الإسناد و المواساة ليتمكّن من مواصلة جهاده ضد المحتل. و أودّ أن أخبركم: بإنّ الشعب الفلسطيني اليوم قد أثبت بمقاومته و ثباته و شجاعته منقطعة النظير أنّ بإمكان الدم أن يصمد أمام السيف، و سيثبت إن شاء الله، بأنّ الدم سينتصر على السيف.أمّا بالنسبة للقضية الأفغانية فنحن قلقون إزائها أيضاً. فالظروف التي تمرّ بها أفغانستان التي نشترك معها في الجوار و الإسلام و الثقافة، هي ظروف غاية في الخطورة.إن الواقع الأفغاني الحالي المستقر نسبياً ـ الذي حاز تأييدنا أيضاً ـ يمكنه أن ينهار إذا ما حصلت تدخّلات للقوى الكبرى و النفوذ الأجنبي. فالاستقرار النسبي الذي حصل مؤخراً بعد سنوات طوال من الحروب و النزاع، سيتعرّض للانهيار بتدخّل الدول الأجنبية التي تسعى لضمان مصالحها ـ و ليس المصالح الأفغانية ـ و ستذهب كل صفحات الجهاد التي سطّرها الشعب الأفغاني، و كل العذابات و الآلام التي تجرعها أدراج الرياح.فلا بدّ أن يتم تشكيل الحكومة الأفغانية بعيداً عن مساومات الأطراف الدولية. و لا بدّ أن يتولّى زمان الحكم في أفغانستان أناس عاشوا المحنة الأفغانية بكل تفاصيلها، أناس شهدوا و تحمّلوا ما شهد الشعب و ما تحمّله.أمّا أن يأتوا بأشخاص من الطرف الآخر للكرة الأرضية، أشخاص لم يعرفوا ما هي أفغانستان و ما هي معاناتها، عشرات السنين و هم بعيدون عن هذه الدولة، و بينما كان الشعب يمر بأصعب محنه، كان هؤلاء يعيشون حياة مترفة في أوربا و غيرها من الدول، فما الذي يعرفه هؤلاء عن أفغانستان و عن آلامها؟! على من يتولّى زمام الحكم في أفغانستان أن يعيش الهمّ، أن يشعر بالمعاناة، أن يتحرّق من أجل الشعب الأفغاني، أن يتلمّس آلام الشعب و معاناته بجلده و بلحمه و بعظمه.إنّ كل ما تجرّعته أفغانستان من غصص طيلة الخمس و العشرين عاماً المنصرمة كان سببها التدخّل الأجنبي. و إذا تسنّى لهذا الشعب أن يتولّى أموره بيده، فستجد المعاناة طريقها إلى الزوال إن شاء الله.نسأل الله تعالى أن يمنّ على الشعب الأفغاني المسلم بالسعادة و الخير و البركة.اللهم! بحقّ محمد و آل محمد، منّ على الشعب الأفغاني، و الشعب الفلسطيني، و سائر الشعوب المسلمة برحمتك و فضلك، و اجعل النصر حليفهم، و اقطع دابر الظلمة عنهم، يا أرحم الراحمين.بسم الله الرحمن الرحيمو العصر. إنّ الإنسان لفي خسر. إلّا الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات. و تواصوا بالحقّ و تواصوا بالصّبر.(3)و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاتهالهوامش:1) البقره: 452) التوحيد: 4 - 13) العصر: 3 - 1 
2001/12/15

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوكل عليه و نصلي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. قال الله تعالى في محكم كتابه: ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ و اللّهُ رَؤُوفٌ بِالعِبَادِ)).(1)تمرّ علينا اليوم ذكرى شهادة أمير المؤمنين و مولى المتقين الشخصية الأكثر شموخاً في التأريخ الإسلامي بعد رسول الله (ص). و من هنا أدعوكم أخوتي المستمعين و المصلين الأعزاء و نفسي لتقوى الله و اتباع أمره و نهيه. إنّ اقتداءنا بأمير المؤمنين و اتخاذه إماماً لنا، يحتم علينا التمسّك بالإيمان و مراعاة التقوى، ذلك أنّ علياً هو إمام المتقين و أمير المؤمنين.إن من الأمور التي لا يمكن محوها من الذاكرة، التميّز على صعيد العمل و السلوك الذي امتازت به هذه الشخصية العظيمة و الذي اتضح جلياً أبان فترة حكومته الوجيزة التي شملت تلك الرقعة الواسعة، و بقي مناراً يضيء على مدى التاريخ.إن المنازل المعنوية و الخصائص السلوكية و السمات الشخصية التي تفرّد بها هذا الرجل العظيم ـ و التي أفردت لها مصادر السير و التاريخ فصولاً كاملة تروي فضائل أمير المؤمنين، من علم و تقوى و شجاعة و أسبقية في الإسلام و زهد و ورع و غير ذلك مما يستحيل حصره من السمات العظيمة و المثيرة للدهشة، و المضيئة كالشمس في رابعة النهار ـ فكل واحدة من هذه الصفات لها مكانتها و منزلتها، لكن ما أظنّه أبرز الصفات شموخاً و عظمة، سيرته عليه السلام في إدارة دفة الحكم و شؤون الدولة. فالاختبار الاكبر يكمن هنا. عندما تكون السلطة بيد أمير المؤمنين و هي تشمل تلك الرقعة الواسعة من العالم الإسلامي، ثمّ نجده عليه السلام يسير بمثل هذا السلوك، فهذا أمرٌ مدهش لا نجد له نظيراً على الإطلاق، فهو خير قدوة لنا و محتذى.إنّ السبب الذي جعل كل مطلع على السيرة العلوية يأسف بشدة لقصر فترة حكومة علي عليه السلام، يعود لعلمه بهذه الحقيقة و هي أنّه لو كتب للمنهج العلوي الاستمرار لفترة أطول لربما كان التأريخ سيأخذ منحىً مختلفاً، و يتغيّر مصير البشرية إلى الأبد، و لانتهى عصر أنظمة الجور القائمة على الفساد و المال و الشهوات و الظلم التي تلاعبت بمصير الشعوب و حمّلته الكثير من الآلام و الويلات و لم تخل منها حقبة من حقب التاريخ البشري.إنّنا اليوم نقف إزاء هذا المنهج ـ أي المنهج العلوي ـ و إنّني لأجد أكثر الأمور أهميّة لنا و نحن في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، هو التقيّد و الاقتداء قدر الإمكان بهذا المنهج. و لو تسنّى لنا ذلك لانتفع الشعب الإيراني، و بتبعه كافة أرجاء العالم الإسلامي، بل و العالم أجمع من حكومتنا. إذن لا بدّ أنْ يكون جل سعينا منصباً على الاقتراب قدر الإمكان من المنهج المذكور.كما أنّ حكومة أمير المؤمنين عليه السلام تعتبر نموذجاً يحتذى به على صعيد إرساء العدل و حماية المظلوم و الاقتصاص من الظالم و نصرة الحق مهما كانت الظروف. و لا يخفى أنّ المنهج المذكور لا يبلى بمرور الأيام و ليس مؤطراً بإطار زمني أو بيئي محدّد و بالتالي يمكن اعتماده و استثماره في مختلف الظروف و الأحوال و على مختلف الأصعدة، علمياً و اجتماعياً و غير ذلك ممّا يضمن للبشرية سعادتها.و نحن لا نقصد بذلك استخدام ذات الأدوات التي تم استخدامها في تلك الحقبة أو تقليدها، ليشكل البعض علينا: بأنّ هذه الأدوات قد تغيّرت بمرور الوقت و ظهرت أدوات مختلفة أكثر حداثة و جدوى. بل مرادنا هو الاقتداء بذلك المنهج على صعيد التوجّه و المنحى الذي اختطّه و سار عليه نظام الحكم العلوي، و هو كما هو معلوم، لا يبلى و لا يتلاشى، بل يستمر حيّاً إلى الأبد. فنصرة المظلوم ـ على سبيل المثال ـ نقطة مضيئة في الحياة البشرية، و كذلك مقارعة الظالم و رفض الرشوة من القوي، و الثبات على الحقيقة، كلّها قيم إنسانية ثابتة لا يعتريها القدم و التجدد، و لا تغيّرها الظروف و الأحوال. و يعبّر عن هذه القيم بالأصول، فعندما نقول حكومة أصولية، أي حكومة ملتزمة بهذه القيم و المبادئ الثابتة التي لا تبلى. و الملفت أنّ ما يؤرّّق طغاة العالم و مستكبريه هو هذا النمط من الالتزام. فهم يستشيطون غضباً كلّما لاحظوا مواقف الحكومة الإسلامية المتمثلة بنصرة الشعوب المظلومة كالشعب الفلسطيني و الأفغاني، و عدم مداهنة الدول المستكبرة. و هذا هو سبب ما تشاهدونه من التشويه الإعلامي المستمر للأصولية و الراديكالية لدرجة أنّها أصبحت شتيمة تتناقلها أفواه الأعداء و أبواقهم الإعلامية. إنّ هذه الأصول هي ذاتها التي تقوّض مصالحهم و تقضي على مطامعهم، لذلك تجدهم لا ينفكون عن محاربتها. و ما دعاهم للخروج على أمير المؤمنين هو التصدّي لهذه الأصول و المبادئ. إذن لا بدّ أن يكون جهدنا منصباً في هذا الإطار.و قد يقول أحدهم، لم تطرحون هذا الموضوع على الناس، أليس من الأفضل أنْ تدونوا ذلك ضمن كتاب و تعمّموه على مفاصل الدولة ليُخضِع المسؤولون سلوكهم لهذه المعايير و يحسنوا أداءهم؟! أو تقوموا بتوجيه النصائح للمسؤولين و ليس للشعب!أقول: أولاً: ليست جميع الأمور أو أغلبها يمكن تدوينها ضمن دستور أو قانون. فهذه من جملة الأمور التي لا تتحقّق إلاّ بالإيمان و العقيدة و اليقين و الإصرار و العزيمة و الإرادة الحديدية الناشئة من تلك العقيدة.طبعاً لا يخفى عليكم، فما كان قابلاً للتعميم؛ نعمّمه، و ما كان قابلاً للامتثال؛ نأمر به، لكن يبقى أنّ التعاميم و الأوامر ليست كفيلة بحلحلة كافة المشاكل.لا شك إنّنا لا نغفل عن نصيحة المسؤولين، لكن النصيحة لوحدها غير كافية. فلا بدّ لهذه الأصول و الحقائق أن تتحوّل إلى ثقافة يعتاد عليها المجتمع و تنمو أهميتها لديه فتتحوّل إلى أبرز مطاليبه التي يطمح لتحقيقها. فعلى المجتمع أن يطالب المسؤولين في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، بمقارعة الظلم و التصدّي للظالم و المفسد.و لا بدّ أن تكون المعايير التي بحوزة القائد الأعلى و أركان النظام هي:التصدّي للظلم، و عدم مداهنة الظالم، و عدم التسليم للاستبداد، و صيانة الكرامة الإنسانية، و السعي لإحقاق الحق في كافة أشكاله و أنماطه و على جميع الأصعدة و الميادين. من هنا تجدني أطرح هذه المواضيع على عموم الناس، كما كان أمير المؤمنين عليه السلام يطرحها على عموم الناس أيضاً. فحتى كتبه عليه السلام التي كان يبعث بها إلى أشخاص محدّدين، لم يكن مضمونها خافياً على عامة الناس، فالجميع كان يطلع عليها. هذا بالنسبة للكتب و الرسائل، أمّا الخطب فقد كانت بطبيعة الحال موجّهة للعامة على ما هو معروف.فعلى سبيل المثال، بدأ أمير المؤمنين عليه السلام خلافته بالمساواة بين الناس في العطاء من بيت المال، و قد جرت سنّة من قبله و لمدة حوالي عشرين عاماً على تفضيل بعض الأشخاص بالعطاء على البعض الآخر ضمن معايير معينة، كالأسبقية في الإسلام و الهجرة و النصرة و.. الخ.و قد كانت الأموال ترد إلى بيت المال من خلال الغنائم، أو ربما الزكاة، و لم يكن الحال على ما هو عليه الآن من إدارة للشؤون المالية، فقد كانت الأموال تعطى للأفراد مباشرة بتفضيل بينهم وفقاً للمعايير التي تمّ ذكرها، و قد استمر الحال على هذه الشاكلة إلى أن تولّى أمير المؤمنين عليه السلام دفّة الخلافة، عندئذ أخذ بالمساواة في العطاء و أرجأ التفضيل بالتقوى إلى الله تعالى، فمن كان أشد ورعاً و تقوى فأجره على الله. و لكل امرء الحرية في الكسب الحلال، فمن كان يكد و يتعب و يحصل على المال فماله له، لكنّني أقسم بيت المال بالسوية.إلاّ أن البعض نصحوا أمير المؤمنين بخطورة هذا المنهج و العدول عنه، لما سينجم عنه من تموضع البعض و تشكيل جبهة قد تطيح بالحكومة العلوية بسبب تعرض مصالحهم للخطر! فأجابهم أمير المؤمنين: ((أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه من أهل الإسلام و الله لا أطور به ما سمر سمير و ما أم نجم)) (2).وفي موضع آخر جاء في كتابه لعثمان بن حنيف: ((ألا و إنّ لكل مأموم إماما يقتدي به و يستضيء بنور علمه، ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه و من طعمه بقرصيه)) (3). ثم قال: ((ألا إنّكم لا تقدرون على ذلك و لكن أعينوني بورع و اجتهاد)) (4).إنّ المخاطب بكلام أمير المؤمنين هذا ليس ابن حنيف وحده فحسب بل كلامه موجّه إلينا أيضاً: ((و لكن أعينوني بورع و اجتهاد)).إذن لا يمكننا أن نختار مساراً مغايراً لما اختاره أمير المؤمنين، فهو يشق على نفسه و يشدّد عليها، و في المقابل يستغل القائد أو المسؤول في حكومتنا منصبه لإشباع رغباته و إعمار دنياه؟ إنّ هذا أمر غير ممكن و ليس صحيحاً أبداً.و قد تحدّثت في السنة الماضية في مثل هذه الأيام و قلت: من المرفوض جداً أن يتاجر المسؤول و المتصدّي في النظام الإسلامي بمنصبه و يكون حاله حال التجار. فالمناصب العليا في نظام الجمهورية الإسلامية ليست متاجر أو رؤوس أموال تستغل لجني الأرباح الطائلة و اعمار الدنيا. فلا يحق للمتصدّي و المسؤول في نظام الجمهورية الإسلامية أن يقارن نفسه بالأثرياء و الوجهاء، و لا أن يقارن نفسه بأركان الأنظمة الجائرة. فالوزير أو المدير العام أو المتصدّي بشكل عام في النظام الجائر، يتمتّع بحياة مترفة و بثراء فاحش، فمن الخطأ أن نقارن أنفسنا و نحن في ظل نظام الجمهورية الإسلامية بهؤلاء، و نقول: نحن وزراء و مدراء أيضاً! كلاّ فالحالة في النظام الإسلامي مختلفة تماماً. فالمنصب في النظام الإسلامي ليس فرصة استثمارية، بل هو مسؤولية و خدمة و وظيفة تقع على عاتق المتصدّي لها. و هذا ما أرشدنا إليه أمير المؤمنين. (5)يكتب عليه السلام لابن عباس: ((فلا يكن حظك في ولايتك مالاً تستفيده و لا غيظاً تشتفيه و لكن إماتة باطل و إحياء حق)). (6)و قدم عليه أحدهم في خلافته يطلب منه مالاً فقال عليه السلام: ((إنّ هذا المال ليس لي و لا لك، و إنما هو فيء للمسلمين و جلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم، و إلاّ فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم)). (7)إذن هذا هو منطق أمير المؤمنين عليه السلام لمواجهة هذا القبيل من المطالب.لقد كان أهم شيء بالنسبة لأمير المؤمنين إرساء العدل و نصرة المظلوم و التصدّي للظالم ـ أيّاً كان المظلوم و أيّاً كان الظالم ـ فإنّه عليه السلام لم يشترط في المظلوم المراد نصرته، الإسلام. تصوروا أنّ شخصاً كأمير المؤمنين عليه السلام على هذه الدرجة من الإيمان و التقوى و التمسك بالإسلام، و الشخصية الأبرز في تاريخ الفتوحات الإسلامية، تصوروا أنّ مثل هذا الشخص لم يضع الإسلام شرطاً في نصرة المظلوم. فمثلاً نجده في حادثة «الأنبار» و هي الحادثة التي أغارت فيها خيل الشام على الأنبار ـ أحد مدن العراق ـ و قتلوا عامله عليه السلام و انتهكوا حرم المسلمين، فخرج عليه السلام بنفسه غضبان فمضى الناس فأدركوه، فقام فيهم خطيباً ـ بخطبة (8) هي من أكثر خطب النهج تأثيراً، و هي التي عرفت لاحقاً بخطبة الجهاد ـ فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: إنّ الجهاد باب من أبواب الجنة... و استمر يحث الناس و يدفعهم للتصدّي لما وقع من ظلم كبير قائلاً: .. و لقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة و الأخرى المعاهدة فينتزع حجلها و قلبها قلائدها و رعثها، ما تمتنع منه الا بالاسترجاع و الاسترحام، فبالنسبة لأمير المؤمنين ليس هناك فرق في نصرة المرأة التي استبيحت، أكانت مسلمة أم معاهدة ـ يهودية أو نصرانية أو مجوسية ـ فالكل يجب نصرتهم على السواء. ثم قال سلام الله عليه: فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديراً.و جاء في كتابه الشهير لمالك (9) : و لا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، فنصرة المظلوم و ضمان حقوق الإنسان في العرف العلوي لا يشترط فيها الانتماء للإسلام أو غيره، فكل إنسان جدير أن يتمتّع بهذا الحق.فانظروا إلى هذا المنطق الرفيع، و هذه الراية التي نشرها أمير المؤمنين و ظلّت خفاقة على مدى التأريخ! في حين نجد البعض يتمشدق اليوم بشعار حقوق الإنسان و ينادي به دون أن يكون له أي مصداقية، بل هو كذب محض، و رياء بحت، و شعارات خاوية لا تجد لها تطبيقاً على حيّز الواقع. فهم لا يراعون حقوق الإنسان في أي مكان، حتى في بلدانهم ذاتها، فأنّى لهم بذلك على الصعيد العالمي؟! إنّ حقوق الإنسان بمفهومها الحقيقي لم تجد تنظيراً واقعياً، و تجسيداً حقيقياً إلاّ في السيرة العلوية، التي سطّر صفحاتها أمير المؤمنين صلوات الله عليه.إنّ مهمّتنا اليوم و نحن نعيش عام المنهج العلوي، أن نسير على خطى أمير المؤمنين و نتبع سيرته. فإطلاق شعار القضاء على الفساد المالي و الاقتصادي في هذا العام، يحتم على كل من يتبع سيرة أمير المؤمنين و منهجه، أنْ يتمسّك بهذا الشعار و يجسّده على أرض الواقع. و على كل ملتزم بالصلاح و الإصلاح ـ بكل ما للكلمة من معنى ـ أن يسير وفق هذا المنهج.و على أجهزة الدولة و مفاصلها ـ و كافة السلطات، القضائية و التنفيذية و التشريعية ـ أن تعتبر نفسها مكلّفة بتجسيد هذا الشعار على صعيد الواقع، و تتجنّب إبقاءه رهين الألفاظ و الكلمات، شعاراً فارغاً لا محتوى له.إنّ مكافحة الفساد، أحد دعائم النظام الإسلامي و ركن من أركانه الأساسية، و هذا هو منهج أمير المؤمنين. فقد سار بهذا المنهج دون خشية من أحد، حتى ممّن كان يتأمل منه فضلاً أو عطاء أو حماية أو غض طرف. فكلّما وجد عليه السلام موطناً للفساد، اجتثّه. و لا شك إنّنا غير قادرين على مجاراة أمير المؤمنين، و لسنا ندّعي ذلك، بل و لا نليق ـ أقصد أنا نفسي ـ بمقام السائرين على خطى أمير المؤمنين، لكن هذا لا يمنعنا من السعي و مواصلة العمل. و على الجميع أنْ يعتبر هذا الأمر تكليفاً موجهاً إليه و واجباً ملقى على عاتقه. لا أنْ تقوم عوامل الضغط بإثارة الصخب و الضوضاء و تهديد كل جهة تحاول مكافحة الفساد و القضاء عليه. طبعاً على أي جهاز يعمل على مكافحة الفساد أن لا يخضع للتهديدات. بل عليه مواصلة السير في هذا الطريق بكل جديّة و مثابرة دون إعارة التهديدات أي اهتمام، فالله سبحانه ناصركم، و الشعب حاميكم.إنّ ما أفهمه هو أنّ الشعب لا يفرح بشيء بقدر فرحته بالمساعي التي يبذلها نظام الجمهورية الإسلامية الرامية إلى نصرة المظلوم و إحقاق الحق لعامة الناس من خلال مكافحة الطغاة و المفسدين و الطامعين.و على جميع السلطات، تشريعيةً و تنفيذية و قضائية، العمل بهذا الاتجاه، و لا أخفيكم إنّ المرء أصبح يشاهد اليوم انجازات حقيقية على أرض الواقع، لكن ذلك لا يمنع من وجود أشخاص قد يتهاونون في أدائهم بعض الأحيان، و هو ما نرجو أن نشهد نهايته بأقرب وقت.فنحن عندما نحتفي بذكر أمير المؤمنين و نخلّد ذكراه، يجب أن ينعكس ذلك على سلوكنا و أدائنا. و لا يكفي أن نخرج إلى الناس يومياً و نطالبهم بالاقتداء بأمير المؤمنين دون أن ندرك بأن المسؤولية العظمى تقع على عاتقنا و نحن نمسك بزمام النظام في الجمهورية الإسلامية. آمل أن يسدد الله المسؤولين في الجمهورية الإسلامية و يوفقهم للسير على خطى أمير المؤمنين و الاحتذاء به عليه السلام. طبعاً ليس خفياً عليكم ما واجهه أمير المؤمنين و تحمّله في هذا الطريق. و تصادفنا اليوم ذكرى شهادته سلام الله عليه. و الملفت أنّ أحداً لم يكن يسمع شكواه (عليه السلام) أيام حياته. صحيح إنّه قد اشتكى من الناس و وبّخهم من على المنبر مرّات عديدة، لكنّ شكواه الأساسية لم تكن تلك فحسب، و لم تكن بسبب تثاقل الأمّة و عزوفها عن الجهاد فقط؟ فلقد کان قلبه الشريف يتقطّع ألماً، و كان يتوجّه إلى خالقه سبحانه و يناجيه ـ كما ورد في دعاء كميل الذي علمه إياه أمير المؤمنين ـ إلهي و سيدي و مولاي و مالك رقي إلى أن يقول في الفقرة التي طالما هزّت سمعي و فؤادي و فكري: يا من إليه شكوت أحوالي (10) فكان قلبه يعتصر ألماً (11)، و كان لا يشكو بثّه و حزنه إلاّ إلى الله سبحانه. لقد كان جل قلقه ناشئاً من حجم المسؤولية العظيمة تجاه واقع الأمة و الوضع الذي آلت إليه أحوالها، و الاتجاه الديني في النظام الإسلامي الذي كان حديث العهد آنذاك. و لا يخفى أنّه عليه السلام لم يتنصّل عن تحمّل المسؤولية و أداء المهمّة الملقاة على عاتقه مثقال ذرّة.و عندما استقبلت هامته الشريفة سيف الغدر في المحراب لم تكن الكلمات التي قالها ـ كما ورد في مصادر السيرة ـ سوى: بسم الله و بالله و على ملّة رسول الله، فزت و ربّ الكعبة. لقد كانت تلك الليلة العظيمة ليلة مصاب و عزاء للمسلمين جميعاً، بينما كانت لأمير المؤمنين ليلة فوز و نصر و سرور. فقد كان عليه السلام ينتظر تلك الساعة بفارغ الصبر. و الذي يظهر من الأخبار أنّ تلك الليلة صادفت ليلة الجمعة، و هناك من ذكر أنّ ليلة الحادي و العشرين ـ أي ليلة شهادته عليه السلام ـ هي ليلة الجمعة، و مهما يكن، فلقد أمضى الأمير سلام الله عليه تلك الليلة في بيت أم كلثوم و تناول الافطار لديها بالصورة التي سمع أغلبكم بها ـ بالخبز و الملح، الخبز فقط دون أي شيء آخر ـ و قد جيء له بالخبز و اللبن لكنّه اكتفى بالخبز و الملح، و مكث طول الليل مشتغلاً بالعبادة و الصلاة. ثم غادر إلى المسجد قبل أذان الفجر، و أيقظ من كان نائماً في أطراف المسجد، ثم رفع صوته بالأذان و عندما فرغ عمد إلى المحراب و شرع في الصلاة، لكنّه ما إن وصل إلى نصفها حتى ارتفع صوت المنادي عالياً: تهدّمت و الله أركان الهدى، و الملفت أنّ الناس كانت واقفة على فحوى هذه الجملة، لكنّ المنادي لم يكتف بها، و إنّما أستدرك قائلاً: قتل عليّ المرتضى.. (12)صلى الله عليك يا أمير المؤمنين.بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ و لَمْ يُولَدْ * و لَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (13)اللهم! نقسم عليك بمحمد و آل محمد، صلّ على أمير المؤمنين بأفضل صلاتك و بارك عليه بأفضل بركاته و اشمله بوابل رحمتك. اللهم! و اجعلنا من خيرة شيعته. اللهمّ! أيّد و سدّد شيعة أمير المؤمنين و محبّيه أينما كانوا و أينما حلّوا، و انصرهم نصراً عزيزاً و زدهم قرباً منه و تمسكاً به. اللهمّ! انصر الإسلام و المسلمين و أعزّهم بعزّك، و اخذل أعداءهم. اللهم و كل من وقف و صدّ عن الطريق الذي خطّه أمير المؤمنين فاستأصل شأفتهم و أقطع دابرهم و ردّ كيدهم و مكرهم و كل ما يحيكونه للإسلام و المسلمين إلى نحورهم.اللهم! شعبنا العزيز، أعزّه و قوّ شوكته. اللهم! و ذلل على أمتنا المؤمنة المضحية كل أمر مشكل. اللهم! بارك و ارحم و تلطّف بكل من يعمل لخدمة الأمّة في سبيل إعلاء كلمة الإسلام و المسلمين. اللهم! اجمع بين قلوب أبناء هذه الأمّة و زدها ألفة يوماً بعد يوم.بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيّما علي أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سبطي الرحمة و إمامي الهدى عليّ ‏بن‏ الحسين زين ‏العابدين و محمّد بن‏ عليّ باقر علم النّبيّين و جعفر بن‏ محمّد الصّادق و موسى ‏بن‏ جعفر الكاظم و عليّ ‏بن ‏موسى الرّضا و محمّد بن‏ عليّ الجواد و عليّ‏ بن ‏محمّد الهادي و الحسن ‏بن ‏عليّ الزّكيّ العسكري و الحجّة بن ‏الحسن القائم المهدي صلوات‏ اللَّه‏ عليهم‏ أجمعين و صلّ على أئمّة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه.أتوجّه بالدعوة لجميع المصلين الكرام برعاية التقوى و استثمار ما تبقى من أيام هذا الشهر الفضيل ـ شهر الفضل و البركة و الرحمة ـ راجياً للجميع التوفيق في نيل رضا الله و مغفرته و رضوانه.هناك قضيتان تعتبران اليوم من أهم قضايا العالم الإسلامي ـ و هما في الوقت ذاته ذاتا صلة وثيقة بشأننا الإيراني و بأمننا القومي ـ إحداهما: القضية الأفغانية، و الثانية: القضية الفلسطينية. و الملاحظ في كلا القضيتين وجود هجمة شرسة يتعرّض لها المسلمون. أمّا القضية الأفغانية فإنّها على ما يبدو بدأت تسير باتجاه الحل، آملين أنْ تنتهي الأمور لما فيه خير و صلاح الشعب الأفغاني.لكن الذي حصل في بداية شهر رمضان هو أنّ الشعبين المظلومين بدءا يتعرضان لقصف مكثّف من قبل القوات الأمريكية و البريطانية. لم يرحموا فيه الصائمين و لا النساء و لا الأطفال و لا العجزة. فاستهدفوا المدنيين و ارتكبوا أبشع الجرائم الحربية التي لا تمحى من الذاكرة، كاستهداف السجناء الذي راح ضحيته المئات منهم، و استهداف الأبرياء و المدنيين في المناطق المختلفة.من ناحية أخرى، شهدت الأيام القليلة الماضية عدداً من الهجمات قام بها حليف أمريكا ـ أي الكيان الصهيوني الغاصب ـ و استهدف المسلمين الأبرياء في شتى أنحاء فلسطين، و استخدم فيه أنواع الدبابات و الطائرات و السفن الحربية، و راح ضحية ذلك الكثير من المدنيين و الأطفال و المنازل و المدارس و المستشفيات. إنّه وضع مؤسف و غريب حقاً! فمتى تعي الأمّة الإسلامية و تفيق من غفلتها؟ إنّ كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي أصبحت مستهدفة من قبل الأعداء. و هم لا يكتفون بذلك، بل يزفون البشرى تلو البشرى بأنّهم سيستهدفون بلداناً أخرى كالعراق و الصومال!إنّهم ينوون مداهمة العالم الإسلامي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب و ذلك لتأمين مصالحهم و مطامعهم، دون أن يتعرّضوا بأي شيء لأكبر جهاز إرهابي في العالم ـ أي الكيان الصهيوني ـ و ليس هذا فحسب، إنّما لا يتخلون عن دعمه و إسناده في سائر المواقف. و نحن هنا نتسائل: إذا لم تكن مهاجمة الدور و المنازل الآمنة بالدبابات إرهاباً، فما هو شكل الإرهاب؟! و إذا لم يكن قصف السكان بواسطة مقاتلات الـ F 16 و الهليكوبترات إرهاباً، فكيف تكون صورة الإرهاب إذن؟! إنّ هاتان القضيتان تعدّان اليوم من أهم القضايا، و بدوري سأتحدّث عن كل واحدة منهما بشكل منفصل.أمّا بالنسبة للقضية الأفغانية: فنحن مسرورون إزاء وجود نوايا حقيقية لتشكيل حكومة ائتلافية تضم سائر الأطراف و القبائل و الطوائف الأفغانية و تضمن الصلح و الاستقرار و الثبات للشارع الافغاني. فانتهاء الصراعات الدموية التي دامت أكثر من عشرين عاماً و كلّفت الشعب الأفغاني المظلوم الغالي و النفيس، يشكّل بالنسبة لنا خبراً عظيماً و بشرى سارة جداً، ذلك أنّ الشعب الأفغاني شعب مسلم يؤلمنا ما يؤلمه و يسرّنا ما يسرّه، و ثانياً: إنّ أفغانستان تقع إلى جوارنا و بالتالي فأمنها و استقرارها يمس أمننا و استقرارنا. فأي ناحية منها تكون مستقرة سينعكس ذلك على استقرارنا و سيكون بطبيعة الحال أمراً مرضياً بالنسبة لنا.لكن علينا هنا الالتفات إلى عدّة أمور:الأمر الأول: أنْ لا تحاول الولايات المتحدة الامريكية القيام بتوظيف قضية سقوط نظام طالبان لصالحها و تسجّله كنصر سياسي و فتح عظيم تم على يديها و تقوم بالترويج لذلك. إذ لا يخفى عليكم أنّه لو لا تدخّل الشعب الأفغاني و القوات و الميليشيات الأفغانية المنتشرة في كافة أرجاء افغانستان لما كان باستطاعة القصف الجوي إسقاط أي نظام سياسي. لقد كان للشعب الأفغاني الدور الأساسي في إنهاء نفوذ طالبان، و لو لا تدخل الشعب لاستمرّت امريكا بالقصف أسابيع و شهوراً مرتكبة أفضع الجرائم دون أن تحرز أي تقدّم.الأمر الآخر هو: صحيح أنّ هناك على ما يبدو جهود حثيثة لتشكيل حكومة ائتلافية في افغانستان، لكنّ هذا الأمر يجب أن لا يكون سبباً في تناسي الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان. إنّ الشعب الأفغاني ليس هو الوحيد المعني بهذه القضية، فكل شخص يكون بمقدوره تمييز الحقائق و تقييم أداء الدول و سلوكها، و اتخاذ المواقف منها، يدين هذا الظلم و يرفضه. و ذلك أمر ليس من شأنه أن يمحى من ذاكرة الشعوب، بل سيبقى محفوراً في ذاكرة التأريخ و شاهداً على مر الأجيال.الأمر الثالث الذي لا بدّ من أخذه بنظر الاعتبار، هو أنّنا لن نتدخّل في الشأن الأفغاني على الإطلاق ـ من يأتي على رأس السلطة و من لا يأتي ـ لكنّنا في الوقت ذاته نقف إلى جانب الشعب الأفغاني و ندعمه، على غرار ما كان عليه الأمر منذ أكثر من عقدين حيث لم يأل الشعب الإيراني و حكوماته المتتابعة جهداً في خدمة الشعب الأفغاني المسلم.إنّ قوافل المعونات التي تمّ إرسالها الأسبوع المنصرم، تستحق غاية المدح و الثناء و الشكر للشعب الإيراني الكريم، و أنا أجد من واجبي أن أتقدّم بالشكر الجزيل لكل من أسّس و ساهم و شارك و عمل على إرسال الهدايا للشعب الأفغاني الشقيق.لقد كان الأفغان ـ الشعب الأفغاني المتواجد في أفغانستان و الجالية الأفغانية المتواجدة على أراضينا ـ على مدى أكثر من عقدين يتمتّعون بحماية الدولة الإيرانية و شعبها. فنحن ندعم الشعب الأفغاني، و لا بدّ أنّ تكون الحكومة التي تتولّى شؤون هذا الشعب، تتمتّع بتأييده و قبوله.كما أود أن أشير إلى أنّ على كل حكومة تود استقطاب تأييد هذا الشعب ـ الذي عانى ويلات الحروب و النضال لأكثر من خمس و عشرين عاماً ـ أنْ تلتفت إلى أمرين مهمّين: الأول: الإسلام، و الثاني: الاستقلال. فالشعب الأفغاني شعب مسلم، متمسّك بمبادئ الدين الإسلامي. معنى ذلك أنّ أصول الإسلام و مبادئه تعتبر خطاً أحمر بالنسبة لهذا الشعب، و بالتالي فكل حكومة تنوي تسطيح العامل الإسلامي في المجتمع تملقاً منها للغرب و الأمريكان، عليها أن تعلم أنّها ستسقط من أعين الشعب الأفغاني و لن يكون لها أي مستقبل في هذا البلد.إنّ الشعب الأفغاني كان و لا يزال يناضل من أجل الإسلام و نيل الاستقلال. إنّ هؤلاء قوم لا يركعون للأجنبي و لا يخضعون لأي محتل، فمثلاً الصفعة التي تلقاها السوفيات في أفغانستان لم يتلقوا مثلها في أي واحدة من بلدان أوربا الشرقية. فقد حدث في كل من دول هنغاريا و تشيكوسلفاكيا و بولندا مثل ما حدث في افغانستان ـ من اقتحام للقوات السوفيتية ـ لكن أيّاً من هذه الدول، التي دخلها الجيش السوفيتي السابق و احتلّها، لم تؤلم الاتحاد السوفيتي بمثل ما آلمته صفعة الأفغانيين. و قد لاحظتم مؤخراً الموقف الحازم و الصريح للأفغان إزاء تدخّل بعض الدول العدوانية في الشأن الأفغاني الأمر الذي يعكس حجم الغضب و التذمّر الذي يشعر به هذا الشعب إزاء التدخّل الأجنبي.إنّ على كل جهة تتولّى سدّة الحكم في افغانستان ـ بغض النظر عن طبيعة الجهة التي تتولّى الحكم، و كيفية إدارتها لشؤون البلاد ـ أن تركّز على عنصري الإسلام و الاستقلال، كي تتمكّن من إعادة الأمن و الاستقرار للبلد.الأمر الآخر الذي أود الإلفات له: أنّ على سائر القبائل و القوميات المنتشرة في افغانستان ـ البشتو، و الطاجيك، و الهزاره، و الهرات، و الأزبك، و الغزلباش، و غيرهم من القبائل الصغيرة الأخرى ـ الاتحاد فيما بينها و تجنّب الخلافات بكل أشكالها و أنماطها، سواء أكانت قومية أم عنصرية أم طائفية، و أن يجهدوا للعيش إلى جانب بعضهم البعض، و تحمّل بعضهم البعض الآخر، كي يتمكنوا من بناء البلد الذي دمّره الأعداء و المحتلون، و عزّزت ذلك الحروب الداخلية و التعصّبات القومية و الطائفية. على الجميع أن يتحد و يتعاون و يتعاضد من أجل ذلك.كما و ليعلم الأمريكان و البريطانيون و الغربيون بصورة عامة، أنّهم غير قادرون على إحراز أهدافهم و تحقيق مآربهم و أطماعهم عبر التواجد على الأراضي الأفغانية. فلو عزموا على البقاء في أفغانستان تحت أي ذريعة و مسمّى، فليعلموا أنّهم يضعون أنفسهم في مواجهة الشعب الأفغاني برمّته، و سيتعرّضون لضربات موجعة من هذا الشعب.إنّنا نرفض كل أشكال التدخّل في الشأن الأفغاني و نرفض السياسات التي تتبعها الدول المهيمنة و المعتدية و المحتلة في أفغانستان. و في الوقت ذاته ندعو إلى انسياب المعونات و المساعدات الدولية التي تساهم في بناء البلد و إنقاذه من الدمار، بشرط أن لا تصاحبها قرارات تساهم في تكريس النفوذ و الهيمنة.أمّا بالنسبة للقضية الفلسطينية، فهناك أمر مهم يجب على العالم الإسلامي الالتفات له و التركيز عليه، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بدأ الرأي العام العالمي يتحوّل باتجاه مراقبة هذه الأحداث و ما تلاها من الهجوم على أفغانستان و غيره، الأمر الذي أوجد حالة من الغفلة عن القضية الفلسطينية ممّا دفع بالكيان الصهيوني لاستثمار هذا الواقع و تشديد حملاته و مداهماته للمدن الفلسطينية و ارتكاب أفظع الجرائم بحق الفلسطينيين. و قد بلغت جرائمه في الأشهر الأخيرة حدّاً قام معه باقتحام المدن و المنازل السكنية بالدبابات و غيرها من الآليات العسكرية. و هكذا استثمر الصهاينة أحداث الحادي عشر من سبتمبر أفضل استثمار، و على العالم الإسلامي أن يلتفت إلى هذا الأمر و يهتم به و يتعاطى معه بكل مسؤولية.طبعاً لا بد من الالفات إلى أنّه لا أحد يبرئ ساحة الأمريكان من المساهمة في ارتكاب هذه الجرائم. فالأمريكان قاموا بمهاجمة أفغانستان تحت ذريعة الإرهاب، و قاموا باعتقال عدد من الأشخاص على أنّهم ارهابيين، لكنهم بالنسبة لحالات القمع و الإرهاب التي تمارس بحق الفلسطينيين، لم يظهروا أي أسف أو اعتراض، ليس هذا و حسب إنّما قاموا بالدعم و التأييد أيضاً! إنّه لأمر يثير الدهشة و الغرابة حقاً، و هو في الوقت ذاته يشكل عبرة للرأي العام العالمي، فما هذه الإزدواجية في المواقف؟ ثمّ ألا يستحي هؤلاء أن يتحدّثوا عن حقوق الإنسان و الحريات و حقوق الشعوب، ثم يدعمون و يؤيدون كل أعمال العنف و الارهاب و القمع الوحشي؟!للأسف! لقد فشل كل من الأمريكان و البريطانيين فشلاً ذريعاً في تقديمهم التبريرات للرأي العام العالمي. و برأيي إنّ القيادات الأمريكية قد أوهنت شعبها و أهانته و جعلت موقفه مخجلاً على مدى التاريخ. و هكذا حال القادة البريطانيين، فقد أهين الشعب بسببهم و أصبح موقفه مخجلاً.و مما يؤسَف له ما آل إليه الموقف البريطاني اليوم، إذ أصبحت بريطانيا تؤدي دور المروّج السياسي و تقوم بمهمة الحادلة التي تعبّد الطريق للأمريكان.إنّ هذه الدولة التي كانت في يوم من الأيام شيخاً للمستعمرين بحيث لم تشهد المنطقة تاريخاً مظلماً كالتأريخ الذي طوته منذ القرن و نصف القرن من الزمان، فالبصمات السوداء و الجرائم التي خلفتها بريطانيا في كل من شبه القارة الهندية، و في افغانستان، التي نحن بصدد الحديث عنها، و في بلدنا، و في العراق و فلسطين لن تمحى من ذاكرة شعوب هذه البلدان، و الآن و بعد أن فقد هذا العجوز موقعه السياسي السابق المرتبط بالمرحلة الاستعمارية، بدأ يتحوّل إلى دلاّل صغير و مروّج و تابع للسياسة الامريكية، فكلما صدر قرار ما عن الادارة الامريكية سارعت بريطانيا لدعمه و تأييده.إن الحكومتين الأمريكية و البريطانية تتحمّلان معاً مسؤولية كل هذه الجرائم ـ التي وقعت و تقع على الفلسطينيين ـ ذلك أنّهما شجّعا الكيان المجرم على الاستمرار في جرائمه.طبعاً ليعلم الجميع إنّ هذه المساعي سوف لن تحل مشكلة الصهاينة. فالحكومة الصهيونية أصبحت اليوم في بركة من الوحل لا تدري كيف السبيل للخروج منها. إنّ الغصب و الظلم لا تحمد عقباهما، و ما نجده اليوم إنما هو نتيجة طبيعية كان من المفروض أن تحصل للصهاينة، و هناك أيام أكثر سوءاً بانتظارهم.إنّ ما يثير غضب الصهاينة هو هذه الانتفاضة التي تشاهدونها. فجميع الجهود و المساعي الصهيونية و الأمريكية و سائر المخططات و البرامج التي توضع هي من أجل القضاء على الانتفاضة.لكن يا ترى ما المراد من الانتفاضة؟ الانتفاضة تعني ثورة الشعب من أجل إحقاق حقّه، الشعب الذي صودرت أراضيه، و منازله، و أمواله، و حقوله و مزارعه، ثمّ أهين، و عومل كأقلية مهانة في بلاده المغصوبة. صحيح إنّ هذا الشعب قد تهاون في يوم من الأيام، لكنّ شبابه اليوم نزلوا إلى الساحة، إلى ساحة المعركة و النضال، فهؤلاء الشباب يملكون من الجرأة و الشجاعة ما يبعث فيهم العزم على مواجهة جيش مدجج بالعدّة و السلاح، بالحجارة و الحصى فحسب، و قد حققّوا بذلك انتصارات كثيرة و أصبحوا يشكلون عقبة كأداء أمام العدو لدرجة أنّه أصبح عاجزاً عن تطويق الانتفاضة. فمنذ أكثر من عام على انطلاقها بقيت انتفاضة المسجد الأقصى متوقدة دون أنْ يتمكن الكيان الصهيوني من إخمادها و دون أن يعرف السبيل إلى ذلك.إنّ جل مساعيهم تستهدف إطفاء هذه الشعلة المقدّسة و القضاء على ثورة الحق هذه. لذلك بدأوا بمضاعفة الضغوط على الناس، ففي الأيام الأخيرة الماضية بدأ الشعب الفلسطيني المظلوم و مدارسه و أطفاله يعاني أقسى الضغوط و الآلالم.إنّ الجميع مكلّف إزاء هذا الواقع، و بالدرجة الأولى الدول الإسلامية، و مقدمة عليها الدول العربية، فجميعهم يتحمّل المسؤولية. و قد علمنا أنّ الأيام القلائل القادمة ستشهد انعقاد قمة الدول العربية، و نحن مع هذه القمّة، فليعقد مؤتمر الدول الإسلامية، و لتعقد القمّة العربية و ليجدوا حلا لهذه القضية. إنّ عليهم أن يستثمروا مصادر الطاقة الهائلة و الثروة العظيمة المتراكمة و الأعداد البشرية الكبيرة، و إمكانات العالم الإسلامي الزاخرة و قوّة الطرح في المحافل الدولية، في الدفاع عن الشعب الفلسطيني. و أنْ لا يكتفوا بمجرّد مذكّرة أو كلمة خجولة تقال في هذا المحفل الدولي أو ذاك، بل عليهم أنْ يهدّدوا الولايات المتحدّة بقطع العلاقات و اتخاذ مواقف حاسمة منها، و يدعوا الأنظمة الأوربية للتدخّل.إنّ الأوربيين اليوم يمرون بامتحان عسير. عليهم أن يخوضوا امتحانهم في الدفاع عن حقوق الانسان و الحريات ـ التي ينادون بها ـ بجدارة. فكيف يلتزمون الصمت إزاء هذا الحجم من الانتهاك و الظلم و القمع الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني؟! طبعاً هناك من الدول الأوربية من صرّح ببعض الكلمات الخجولة. لكنّ هذا لا يكفي على الاطلاق. على المؤتمر الإسلامي و على الدول الإسلامية أن تتحمّل مسؤوليتها بكل جدارة.أمّا بالنسبة لكم أيّها الأحبة، أيّها الشعب الإيراني الكريم! و يا شعوب العالم الإسلامي أجمع! فإنّ أهم عامل مؤثّر و حاسم في مثل هذه القضايا، هو إرادة الشعوب. فالشعوب هي التي ترغم الحكومات على الاستجابة لمطاليبها و ذلك بالضغط عليها. فيوم القدس العالمي على الأبواب، و على الجماهير المسلمة أن تعلن غضبها من الكيان الصهيوني و من حلفائه، و من كلّ من سكت عن الجرائم و اتخذ موقفاً حيادياً من القضية الفلسطينية.و لا يخفى أنّ جميع العلماء المسلمين في شتى أرجاء العالم الإسلامي، و سائر النخب و المفكرين يتحمّلون جزءاًً هامّاً من المسؤولية. و يجب أنْ لا يخضع العلماء المسلمون و الدول الإسلامية للضغوط الأمريكية فيتخذوا مواقف مناهضة للإسلام كما لاحظنا حصول مثل هذا الأمر في الآونة الأخيرة عندما شهد العالم الإسلامي موقف أو موقفين من هذا القبيل.إنّ على علماء الدول الإسلامية و مثقفيها و شعرائها و خطبائها و كتّابها و فنانيها و طلابها أن يساهموا في الدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم ـ و هذه مسؤولية تقع على عاتقهم ـ فمساهماتهم لها دور فاعل و مؤثر في حماية هذا الشعب المظلوم. إنّ الكلام وحده ليس كافياً، فلا بدّ من توحيد الجهود الشعبية و اتخاذ المواقف الحاسمة التي لا شكّ أنّ تأثيرها سيكون أجدى من أي مساعدات و إعانات تصل إلى هذا الشعب. إنّ هذا تكليف ملزم، نسأل الله تعالى التوفيق للجميع بغية أداء تكليفهم هذا على أتمّ وجه.وإنّني على يقين، أنّ يوم القدس ـ الذكرى الخالدة التي تركها لنا الإمام الراحل ـ في عامنا هذا سيفوق سائر الأعوام الماضية حضوراً و مشاركةً و تفاعلاً ـ كما فاق يوم القدس الماضي سائر السنوات التي سبقته ـ و سيعلن العالم الإسلامي موقفه للصهاينة الغاصبين، الذين بدأت قشعريرة الخوف تدب في مفاصلهم يوماً بعد يوم. أمّا ما تشاهدونه في الإعلام من التهويل للقدرات الصهيونية فهو لا يدل على وجود قوّة حقيقية للصهاينة، فالكيان الصهيوني بدأ يقترب شيئاً فشيئاً من نهاية عمره المليء بالاستبداد و القمع و الجريمة، و سيأتي إن شاء الله اليوم الذي يشهد فيه المسلمون عودة الأرض الفلسطينية إلى أحضان شعبها و إدارتها من قبلهم.بسم الله الرحمن الرحيم(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ و الفَتْحُ * و رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ و اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) (13)و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش1) سورة البقرة: الآية 207.2) تحف العقول: ص 185.3) نهج البلاغة: الكتاب 45.4) المصدر نفسه.5) نهج‏ البلاغه، الكتاب 5؛ «إن عملك ليس بطعمة و لكنه في عنقك أمانة».6) بحار الأنوار، ج 40، ص 328.7) نهج البلاغة، الخطبة 232، (في جوابه عليه السلام لعبد الله بن زمعة).8) نهج البلاغة، الخطبة 27.9) نهج البلاغة، الكتاب 53.10) مفاتيح‏ الجنان، دعاء كميل.11) نهج‏ البلاغه، الخطبة 25.12) بحار الانوار، ج 42، ص 282 (باختلاف يسير في العبارة الأولى)13) سورة التوحيد: الآيات1 ـ 4.14) سورة النصر: الآيات1ـ 3.
2001/12/07

كلمة الإمام الخامنئي في جامعة الإمام علي (ع) العسكرية

بسم الله الرحمن الرحيميسعدني أن اشترك للمرة الثانية في هذا الحدث الشيق و الهام الذي نشهد فيه عن كثب تأهيل شبابنا العزيز في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية و توفيقهم للعمل و العلم و المعرفة و الدين و الجهاد.أسأل الله أن يبارك نجاحكم و ما حققتموه ـ سواء الخريجون من طلبة البكالوريوس و الدبلوم، أو الطلبة الذين التحقوا حديثاً بهذه الجامعة ـ بالتحاقكم بالركب العظيم لجيش الجمهورية الإسلامية، و يوفقكم و يزيد في عزمكم نحو المزيد من التطوّر و النشاط و الازدهار.و لطالما كان انطباعي عن هذه الجامعة أنّها بالإضافة لكونها تمثّل منظومة للعلم و الجهاد و التكامل الجسمي و الروحي، فإنّها تعد مركزاً للتمرّس على التقوى و الورع و الالتزام. و هذا لم يكن انطباعاً فحسب، إنّما لاحظت ذلك على صعيد الواقع أيضاً. كما أنّ المناهج الدراسية التي تتلقونها، و التي تهدف إلى تنمية الطالب علمياً و ثقافياً، تعتبر من المناهج الجيدة و الكفوءة.إنّ التواجد ضمن النخب العسكرية الشابة و الانتفاع من آراء و تجارب الذين خاضوا في ميادين الحرب الحقيقية ـ و ليس على الصعيد النظري فحسب ـ يعد أمراً مفيداً و فاعلاً جداً على صعيد تطوير القدرات و الكفاءات و العلوم العسكرية.أمّا إدراج التربية الإسلامية ضمن مناهج الجامعة، و وجود قادة و ضبّاط على درجة عالية من الإيمان و التقوى و الالتزام بمبادئ العقيدة الإسلامية، فهو أمر هامّ و حيوي لما يساهم في الإعداد المعنوي و التنشئة الروحية لشبابنا الأعزاء المنتمين لهذه الجامعة. من هنا كانت جامعة الإمام علي العسكرية عبارة عن منظومة علمية إيمانية جهادية تربوية لا تقتصر على الإعداد الجسدي للطالب فحسب، إنّما تسعى لإعداده و تنشئته معنوياً و روحياً أيضاً.و هذه الصورة تعكس انطباعي السابق عن هذه الجامعة، و نسأل الله تعالى أن يستمر إنطباعي على هذا النحو، بل و يتعزّز يوماً بعد يوم.و من الجدير قوله إنّ هناك من يتصور أنّ من غير الطبيعي التوليف بين الجانب العلمي و العسكري من جهة و الجانب الديني و الأخلاقي و تكوين جيش على قدر من التقوى و الورع و الإيمان و الاهتمام بالعلوم و المعارف الدينية، من جهة أخرى.و لا يخفى أنّ هذا الأمر قد يبدو غير طبيعي بالنسبة للواقع المغلوط السائد في أرجاء العالم ـ سواء على صعيد بلدنا أبان الحقبة الماضية، أو بالنسبة لمعظم دول العالم الحاضر ـ لكن لا شك أنّ من غير الطبيعي أيضاً أن نفكك بين هذه النخب الشابة التي تتلخص مهامها بالجانب العسكري (و التي تنتمي لبلد يتطلّع ليصبح أفضل البلدان نمواً و ازدهاراً، و لنظام يصبو لبسط العدل و تنمية الجانب المعنوي للإنسان) و بين تعزيز بنيتها الروحية و الفكرية و العلمية و المعنوية. و الذي يبدو لي هو أنّ الأمر غير الطبيعي وغير المنطقي يكمن في هذا التفكيك، و ليس العكس.إنّ نظام الجمهورية الإسلامية قد شرع للبشرية طريقاً جديداً و رائداً، طريقاً يتضمّن مبادئ طالما كانت البشرية تحلم بها، مبادئ حجبها المستكبرون عن الشعوب و حالوا دون نيلها.فكم كانت البشرية ترجو أن يسود العدل و الانصاف و المساواة بين الناس، و تنتهي سطوة الظلم و تنقشع سحائبه عن شتى أنماط الحياة، لكنّ ذلك الطموح بقي رهين الآمال و لم يجد فرصة تذكر لينعكس على أرض الواقع.و لطالما كانت البشرية متعطشة للمبادئ الإنسانية، المبادئ الثابتة التي لا تتغيّر بتغيّر الزمان و المكان.إنّ العلم يتقدّم، و أساليب الحياة تتطوّر، و العلاقات الاجتماعية تتغيّر، لكن الآمال الكبيرة التي تحملها البشرية و المبادئ العظيمة التي تتطلّع نحوها تبقى ثابتة بالرغم من تغيّر الزمان و الأوضاع و الأحوال.فالبشرية متعطشة للطهارة و النقاء و الصدق و العدل و الانصاف و الحقيقة و الأخوّة و الاهتمام بالجانب المعنوي، و مرتاعة و منهكة من مظاهر التزوير و الكذب و الظلم و النفاق و استباحة الحقوق.فكلّما وجدت هذه المبادئ من ينادي بها في هذه البقعة أو تلك من العالم، ظهر تيار من المستكبرين محاولاً خنق تلك الأصوات، أو وضع عقبات في طريق تلك المحاولات.لكن لا يخفى إنّ هذه المبادئ تعد مبادئ فطرية تتناغم مع جبلة البشر و فطرته و بالتالي فهي باقية ببقاء الإنسان و غير قابلة للزوال، بل إنّ تقدّم البشرية و تطوّر العنصر الإدراكي لها يجعلها أقدر على تقبّل تلك المبادئ و العمل بها.لقد ظهر اليوم نظام في الحكم يستقي مبادئه من التعاليم القرآنية وعناصر الهداية الإسلامية، و أبرز ما ينوي هذا النظام تحقيقه هو سيادة العدل و القضاء على الظلم.لقد نشر الإسلام لواءً يتسنّى للبشرية في ظلّه أنْ تحقق سائر المبادئ الإنسانية التي تنشدها، و هذا اللواء يحمله اليوم و يجسد معالمه نظام الجمهورية الإسلامية.أمّا الذين يناوئون هذا النظام في العصر الحاضر فيمثلون امتداداً للذين ناوءوا دعوات الأنبياء و المصلحين على مرّ العصور، و استخدموا كافة الوسائل و السبل لإجهاضها.إنّ كل أقطاب النظام الإسلامي و سائر أركانه تستهدف تحقيق تلك المبادئ و القيم، لا سيما قوى الأمن و القوى العسكرية التابعة لهذا النظام. إنّ شبابنا العسكريين بما يتمتعون به من نعمة الشباب، و ما يتحلون به من لباس العزة و الشوكة العسكرية، و الحب و الاحترام الذي يكنّه الشعب لهم لما قدموه أبان الحرب المفروضة، يعتبرون الورع و التقوى و الطهارة و النقاء و التديّن من جملة المهام المنوطة بهم و الملقاة على عاتقهم. و هذه الميزة مهمّة للغاية، و ذات قيمة عالية جداً.صحيح إنّ هذا المكان ـ الكلية العسكرية ـ ليس مسجداً أو معبداً، لكنّ افئدتكم المولعة بالذكر كل منّها يشكّل معبداً بحدّ ذاته. إنّ صيامكم و قيامكم و اصطفافكم في صلاة الجماعة ـ و هو ما شاهدته بنفسي عن كثب ـ و محافلكم المعنوية من جهة، و نشاطكم و حيويتكم و اندفاعكم إلى جانب ما تتلقّونه من علم و تدريب، يؤلّف تركيباً رائعاً و مثيراً للإعجاب. أحبتي! عليكم بمرور الأيام أنْ ترتقوا بمستوى هذا التركيب المتجانس، فليكن العلم مقروناً بالدين و الورع و التقوى، و ليكن جميع هذا مقروناً بما تتلقّونه من تدريب و تمارين في الانضباط العسكري ـ الذي يعتبر أمراً هامّاً لكل مؤسسة عسكرية ـ و اجعلوا من ذلك وحدة واحدة متماسكة تكسبكم المجتمع و تجعله قريب منكم و تعزّز أواصر العلاقة بينكم و بينه.إنّ مستقبل البلد بين أيديكم، و هذا الجيش متعلّق بكم. فعليكم أن تكونوا بما اكتسبتموه من تعاليم و إرشادات و أنوار معنوية، قبساً ينير كل موضع حللتم فيه.لقد تزامنت مرحلة الشباب التي تمرون بها مع مقطع زمني جيّد للغاية، فعليكم أنْ تثمّنوا هذه النعمة و تستثمروها.لقد أضاف الشعب الإيراني للقاموس العالمي مفاهيم جديدة لم يعهدها من قبل. لذلك تجدون المسؤولين في إيران ـ الذين يمثلون نواباً للشعب الايراني ـ لا يخشون في إبداء الحقيقة و اتخاذ الموقف الصريح و العادل و المنطقي و المعقول أي أحد أو جهة مهما كانت، و ذلك في كافة القضايا العالمية المصيرية، و خصوصاً إن كانت القضية تتعلّق بمصير الشعوب المظلومة و المضطهدة. إنّ هذا الواقع يعد نادراً جداً في عالمنا الحاضر، لكنّه في الوقت ذاته يعتبر غاية في العزّة و الكرامة و المجد.نسأل الله تعالى أن تتعزّز أسس هذا النظام بما يحمله من قيم و مبادئ و رؤى و مناهج، و تتسع آفاقها و تزداد وضوحاً و لمعاناً يوماً بعد يوم.كما أسأله سبحانه أنْ يوفقكم و يبارك فيكم. و لا يسعني هنا إلاّ أنْ أتقدّم بالشكر الجزيل لكل الأحبّة القائمين على هذه المنظومة العلمية و الثقافية و العسكرية.. قادة الجيش و القوات البرية و القائمين على هذه الجامعة.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 
2001/11/23

كلمة الإمام الخامنئي في أسر الشهداء بمدن كاشان و آران و بيدكل

بسم الله الرحمن الرحيمأحمد الله تعالى على ما حباني من توفيق، منذ اللحظة الأولى لدخولي دار المؤمنين، هذه المدينة المفعمة بالود و المحبّة و الخير، لأكون ضمن هذا الحشد الكريم المعطّر بأريج الشهادة و ألتقي بكم أيّها الأحبّة من أسر الشهداء و المعاقين والأُسَری الأحرار و المضحين من مدن كاشان و آران و بيدكل. إنّ محفلنا هذا مفعم بالمشاعر و العواطف الجيّاشة التي تستمد معينها من البنية المعنوية التي يتحلّى بها كلّ منكم. و هذا شأن محافل الشهداء و المضحين على الدوام. فالمشاعر الجياشة لا بدّ أن يكون منشؤها معنوياً و إلهياً و دينياً و ملكوتياً، لأنّ الشهداء متصلون بالملأ الأعلى و بالملكوت الإلهي. إنّ هذه المشاعر بالغة الشرف و الكرامة، أسأل الله أنْ يوفق المسؤولين و المتصدّين لمعرفة قدر هذه المشاعر و الأحاسيس التي يبادلنا بها شعبنا الكريم، و خصوصاً أسر الشهداء و المضحين، و يكونوا شاكرين لله على هذه النعمة البالغة.إنّ الأمر المهم بالنسبة لشهدائنا، هو أنّه بالرغم من كونهم قد حلّقوا بأجنحة المشاعر و الأحاسيس الطاهرة، إلاّ أنّ مرشدهم في ذلك السفر و في تلك الرحلة هو العقل و المنطق و الدليل. من هنا استطاعت حركة الإيثار و الشهادة و الجهاد و التضحية أنْ تنفذ إلى كافة الطبقات الاجتماعية في بلدنا و تأخذ لها حيّزاً مهمّا بين أبرز العقول و الطاقات. إنني أعتقد أنّ على أبناء الشهداء أن يفخروا بآبائهم، ليس فقط لأنّهم كانوا رموزاً للإيثار و التضحية و الفخر و العزّة، بل و لأنّهم كانوا معيناً يفيض بالعلم و المعرفة الحقيقية. و من الخطأ أن نتصوّر أنّ الشاب و البطل المقدام كان يترك مدينته و قريته و يذهب إلى ساحة الحرب و يتحمّل كل تلك المشاق تحت وطأة المشاعر و الأحاسيس فقط ـ طبعاً هذا لا ينفي أهميّة المشاعر و الأحاسيس التي يكون مصدرها إلهياً و إسلامياً و ثورياً و معونياً، فهي مباركة و ميمونة للغاية ـ لكن لم تكن المشاعر هي الدافع الوحيد لحركة الشباب، بل كانت تلك المشاعر مقرونة بالهداية العقلانية، فالشاب كان يعلم جيّداً و يفقه طبيعة حركته و ما الذي يدفعه نحو ساحات الوغى.فيا شبابنا يا مَن تمثلون البقية الباقية من الشهداء! و يا أيّها الآباء و الأمّهات الذين كانوا أحضاناً للشهداء و المضحين! و يا أيتها النسوة اللواتي قضين مع الشهداء شطراً من حياتهن! إنّ الشهداء الكرام، يمثلون كوكبة أدركت نور الحقيقة في دياجير الظلام التي خلفتها حقب الأزمان، فهرعوا إليها يتنافسون. و هذا هو المهم في الأمر. فالكثير لا يرون الحقيقة و لا يفقهون، و كثير ممّن يرى الحقيقة، لا يمتلك جرأة أو عزماً على السير نحوها و طلبها. من هنا فمَن استطاع مشاهدة الحقيقة، و امتلك الجرأة و العزم على طلبها، و لم يأل جهداً في ذلك، فإنّ مثل هذا الشخص يمثل، في أي وقت من الأوقات، إنساناً مختلفاً و متميّزاً، سواء أكان شاباً أو كهلاً أو يافعاً، امرأة أو رجلاً، و من أي طبقة اجتماعية كان.إنّ نظامنا الإسلامي قد ظهر ضمن بيئة عالمية و في برهة زمنية سادت فيها أنظمة ظالمة أخذت تتحكّم بمصير البشرية بأسرها. و الثورة الإسلامية لم تكن حدثاً جزئياً يقتصر على الإطاحة بنظام ظالم كان يسيطر على مقدّرات البلد. فالنظام الجائر الذي كان يتولّى سدّة الحكم في بلدنا و يتحكّم بمصائر الناس عن طريق العنف و القهر و الجهل، كان مدعوماً من قبل نظام عالمي و من قبل زعماء الأنظمة العالمية، فمواجهته كانت تعني مواجهة كافة مراكز القوى العالمية في ذلك الوقت. من هنا عندما انتصرت الثورة الإسلامية و تمكّنت من إزاحة هذه العقبة من طريقها، بدأت نفس تلك القوى بالتواطئ على الشعب الإيراني، و تبيّن أنّ هناك شبكة عنكبوتية من القوى الظالمة تقوم بدعم النظام البهلوي السفّاك، و لا تتورّع عن خنق أي صوت أو كلمة تصدح بالحق في هذا العالم. لذلك عندما نشبت الحرب المفروضة و التي دامت ثمان سنوات، تواطئت جميع تلك القوى على الشعب الإيراني. فمَن يا ترى كان باستطاعته فهم كل تلك الحقائق في ذلك الوقت، و في خضم الحجم الهائل من الإعلام العالمي المضاد، و مَن كان بإمكانه إدراك الواقع على ما هو عليه و الإيمان به، لدرجة يتحوّل معها هذا الإيمان إلى واعز للحركة و النهوض و القتال؟ لا شك إنّ ذلك كان يتطلّب إنساناً يملك قلباً متلألأً بنور المعرفة و العلم، قلباً منيراً مفعماً بالحياة. لقد كان شبابكم ـ و أعزاؤكم الذين شهدوا ميادين القتال و نالوا فيها درجة الشهادة ـ من هذه الفئة من الناس.لقد كانت الرؤية في إيران لجبهات القتال و الكفاح الدائر بين الحق و الباطل، لَتبدو في ظاهر الأمر قتالاً مع بلد جار و دفاعاً عن الأراضي الإيرانية، لكنّها كانت في الواقع و في الصميم دفاعاً عن جبهة العدل و الحق في العالم بأسره. لقد كان شبابكم في الحقيقة يدافعون و يضحون و يستشهدون دفاعاً عن كل مظلوم و عن كل صيحة حق تطلق في هذا العالم.اعلموا يا شبابنا الأعزاء، و يا أبناء الشهداء الكرام، أنّ تلك الصفحات التي سطرها آباؤكم من الشهادة و التضحية قد نوّرت الكثير و الكثير من الناس و أرشدتهم إلى الإسلام و عرّفتهم بحقائق الإيمان و هدتهم إلى سبيل الحق. إنّ شهداءنا مظاهر للعقلانية الدينية، و رموز للدفاع عن الحق و العدل. و هذا مجدٌ كبير و مفخرة عظيمة.إنّ أكبر خيانة يقوم بها المرء تجاه أمّته و شعبه، أن يتواطأ مع الجهات الإعلامية المهيمنة على العالم، و يشاركها حجب الحقيقة و منع أشعة الشموس التي تضيء حياة و تأريخ تلك الأمة و ذلك الشعب. إنّ كل من يستهين باسم الشهداء أو ينتقص من هذه الحركة العظيمة ـ التي سطّر صفحاتها شبابنا الأعزاء في تلك الحقبة ـ في الحقيقة، يخون تاريخه و تاريخ شعبه و أمّته.إنّني أقول لكافة الآباء و الأمّهات الذين فقدوا أعزاءهم في ميادين القتال و الصراع بين الحق و الباطل، و لسائر أبناء الشهداء الذين فقدوا آباءهم و لم يتمكنوا حتى من رؤيتهم، و لزوجات الشهداء الذي تجشموا عناء و ألم فراق الزوج و الرفيق و المواسي: أعزائي! إنّكم بشهادة هؤلاء لم تخسروا، فأن كنتم قد فقدتم أحبتكم، فإنّ شخوصهم حاضرة و ناظرة و مستقرة و محفوظة في خزائن و نفائس الشهادة الإلهية. إنّ هذه الحياة عابرة و ماضية، و كل منّا راحل عنها، لكن الفوز و المجد إنّما هو لمن كان في رحيله عن الدنيا تضحية من أجل الناس و الدين و البلد. إنّ هؤلاء قد رفع الله منزلتهم حتى لتفوق منزلة الملائكة.و لطالما قلت لذوي الشهداء، و من كلّ قلبي، لندعو الله سبحانه أنْ يحشرنا مع أحبائكم الشهداء، فإنّ لهم عند الله مقاماً و منزلة و شأناً. إنّ أعزاءكم قد نالوا أفضل ما يمكن أن يناله إنسان. و لا يخفى أنّ أجركم و ثوابكم مقرون بثواب الشهداء.و لطالما قلت إنّ الموضع الذي تَمَتْرَس فيه الشهداء بغية التصدّي لأعداء الدين و الحقيقة يمثّل الموضع المتقدّم الأوّل، أمّا الموضع الذي يليه فتمثّله أُسر الشهداء و ذويهم. إنّكم تقفون خلفهم، ففراقكم و آلامكم و آهاتكم و حرمانكم من رؤيتهم و شعوركم بالحسرة على لقائهم لا يضيع عند الله تعالى، فأنتم مثابون على ذلك.إنّ الله تبارك و تعالى قد خص ذوي الشهداء بأجر عظيم، و ما يضاعف ذلك الأجر هو عدم إظهار الجزع و الصبر و الشكر على البلاء، فعلى مدى سنوات الحرب كانت أُسر الشهداء تقف مرفوعة الرأس تتحدّث عن شهادة ذويها بفخر و اعتزاز فتشحذ الهمم و تستحثّ الآخرين و تبعث فيهم روح الإقدام على إرسال شبابهم للتضحية في ميدان الفداء.لقد قدّمت هذه المدينة شهداء بارزين و أعزاء. و لا يمكننا إحصاء جميع أسماء القادة الشهداء الذين نهضوا من هذه المدينة و استبسلوا، فالقائمة قد تطول، فهناك الشهيد كريمي، و الشهيد زجاجي، و غيرهما من الشهداء و القادة البارزين الذين تمكنوا عبر حضورهم في جبهات القتال من تحقيق إنجازات كبيرة جداً. لقد قدّمت كاشان و آران و بيدكل و المناطق و المدن المحيطة بها رجالاً بارزين كان لهم دور متميز في ساحات القتال، فحققوا انجازات مهمّة و أبدوا كفاءة قلّ نظيرها.أمّا اليوم فمهمّة الشعب، إبداء الاحترام و التقدير لكم و للشهداء. و مهمّة المسؤولين و المتصدّين الشكر و التقدير و تحويل ذلك إلى عمل و خدمة لكافة أسر الشهداء و ذويهم، و كذلك المعاقين و الأسرى. و أمّا مهمّتكم فتتمثّل في الإبقاء على اسم الشهداء عالياً مرفوعاً عزيزاً، عبر السلوك و العمل و تهذيب النفس و القول الصادق الرصين. يجب أن يسمع العدو من أبناء الشهداء كلاماً يكون له أثر الرصاصة في قلبه. إنّ أبناء الشهداء اليوم متواجدون في كلّ مفصل من مفاصل البلد، كالجامعات، و المدارس و مراكز العمل و المسؤولية، و على مختلف الأصعدة و المستويات.فيا أعزائي! أينما كنتم، إياكم أن تسمحوا لمخططات الأعداء أن تأتي على بريق نور الشهادة المعجون بطينتكم فتقضي عليه. عليكم أن تفخروا بالطريق الذي سار عليه آباؤكم و أعزاؤكم و استشهد فيه، و اعلموا ! لو لا وجود الشهداء و المعاقين، و لو لا تلك التضحيات لكان شعبنا اليوم أكثر شعوب المنطقة شقاءً و بؤساً. و كما تلاحظون فالعديد من شعوب المنطقة تمتلك حساً دينياً و مشاعر و كلاماً و رأياً، إلاّ أنّها لا تمتلك الجرأة على البوح به؛ لما تُجابه به من قمع و كم للأفواه. إنّ هذا الواقع كان لَيشهده بلدنا بصورة أشد و أقسى، لأنّه قابع تحت الهيمنة الأمريكية، فكانت حياة الشعب، مادية أم معنوية، تسحق تحت وطأة أطماع الأعداء و أهوائهم. إذن فالذي حفظ للشعب الإيراني عزّته و كرامته و حيثيّته و حرمته، هم أعزاؤكم من الشهداء و المضحين.إنّني أعتقد أنّ شبابنا اليوم، لا يختلف عن شباب الأمس الذي استطاع في ثمانينيات القرن الماضي أن يسمو براية الإسلام و يجعلها ترفرف عالياً، و سيكون بفضل الله و بما يمتلك من رصيد علمي و معرفي و بما يحمل من صفاء و نقاء، قادراً على جعل راية الإسلام و العدل و الحق التي ترفعها الجمهورية الإسلامية خافقة على ربوع العالم أجمع.و أخيراً ندعو الله سبحانه أن يعزّ شهداءنا و يحشرهم في زمرة أوليائه. اللهم ! احفظ للدماء الزاكيات التي أريقت في سبيلك ـ و كانت سبباً لعزّة و كرامة هذا الشعب ـ بركتها و يمنها و عزّتها حتى قيام بقية الله الأعظم. اللهم ! ذوي الشهداء ـ الآباء و الأمهات و الزوجات و الأبناء و الأخوة و الأخوات ـ اشملهم برحمتك و لطفك و رأفتك. اللهم! اجعلنا من جملة العارفين بمقام و منزلة الشهداء و ذويهم و المؤدّين حقّهم. اللهم! بارك في جمعنا هذا، و فيمن تحدّث فيه و استمع، و اشملهم بلطفك و عنايتك.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته  
2001/11/10

كلمة الإمام الخامنئي في أهالي كاشان و اران و بيدكل

 بسم الله الرحمن الرحيمالحمد للَّه ربّ العالمين. و الصّلاة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا و حبيب قلوبنا أبى ‏القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، الهداة المهديّين المعصومين، سيّما بقيّة اللَّه في ‏الأرضين.أحمد الله و أشكره على ما حبى به هذا الخادم البسيط من توفيق ـ بالرغم من كونه جاء متأخراً ـ لأكون بين هذا الحشد الكريم من رجال و نساء و كبار و صغار أهالي مدننا العزيزة، كاشان و آران و بيدكل. آملاً أن يتقبل الله منّا و يشملنا بفضله و لطفه و إحسانه.لا أخفيكم أنّه كان من المقرر أن نلتقي بكم أيّها الأحبة ضمن زيارتنا لمدينة أصفهان، لكن بعد السفر و البرامج المكثفة حالت دون ذلك.. و مهما يكن من أمر فنحن نحمد الله سبحانه الذي وفقنا للقاء بكم قبل حلول نهاية شهر شعبان المبارك.إنّني هنا اغتنم هذه الفرصة لإبراز مدى علاقتي و حبّي و إخلاصي لأهالي هذه المدينة و لتاريخها الحافل بالمواقف التي تبعث على الفخر و الزهو.لقد كانت مدينة كاشان من جملة المدن القليلة في بلدنا التي اشتهرت بحب أهل بيت الرسول ( عليهم السلام ) و الاخلاص لهم و معرفة حقيقتهم منذ القرون الأولى للإسلام، بحيث أنّها تمكّنت من اقتناص الحقيقة بالرغم من العتمة التي فرضتها الأمواج العاتية للسياسات الأموية و العباسية المظلمة. و كما هو معروف فإنّ الإمام الباقر عليه الصلاة و السلام قد أوفد ولده علي بن محمد الباقر ـ المدفون في ما يعرف بمشهد أردهال ـ لإرشاد الناس و توجيههم و التفاعل معهم و مع عواطفهم الجياشة تجاه أهل البيت عليهم السلام.و قد ذاع صيت مدينة كاشان بما تضمنت من فقهاء و محدثين و علماء رياضيين و فلاسفة و حكماء و متكلّمين. و نحن إنّما نتعرض لهذا التأريخ ليس على سبيل التفاخر بالماضي و التغافل عن الحاضر، كلا، فالتاريخ الحافل بالانجازات العلمية و الثقافية و الفنية لمدينة ما، يعكس وجود أرضية خصبة و استعداد لأبناء تلك المنطقة في الحال الحاضر لا بدّ من الاهتمام به و استثماره أيّما استثمار.و ليس من الصواب أنْ يُجرّد من يحمل مثل هذا التأريخ من تأريخه و ماضيه و يقال له ليس لديك ماضٍ أو تاريخ يُذكر، ذلك أنّ كل بقعة من بقاع بلدنا تتمتّع بمثل ذلك. إنّني أحاول أنْ أتعرّف على واقع المدن من خلال التركيز على الأسماء البارزة لها و المواقف التي تبعث على الفخر و الشخصيات العلمية و الثقافية التي أنجبتها.لقد شهد عهد الأئمة عليهم السلام شخصيات روائية بارزة جدّاً، من بينها المحدّث الكبير علي بن محمد القاساني، الذي يأتي اسمه في طريق العديد من الروايات المهمّة. و في العصر الذي راج فيه تدوين الكتب و المصنّفات برزت من هذه المنطقة ـ كاشان ـ أسماء كبيرة في الفقه و الحديث كالقطب الراوندي و قبله السيد ابو الرضا فضل الله الراوندي و غياث الدين جمشيد الكاشاني الرياضي الكبير.و في القرون اللاحقة برزت أسماء أخرى لفقهاء و حكماء و متكلمين و مفسرين معروفين، و شخصيات سياسية و مؤلفين أفذاذ و استمرت هذه المنطقة بالعطاء حتى الفترة القريبة من عصرنا الحاضر حيث برز أسماء لامعة على صعيد العلم و المعرفة كالمرحوم الملا حبيب الله كاشاني، و المرحوم آية الله الحاج مير سيد علي يثربي كاشاني ـ وكلي أسف على عدم إعطاء هذه الشخصيات حقها من الاهتمام و التقدير ـ و على الصعيد السياسي عرف المرحوم السيد ابو القاسم الكاشاني. أما على صعيد الأدب و الشعر فهناك قائمة طويلة من الشعراء تمتد عبر التاريخ و تتصل بزماننا الحاضر، و هناك العديد و العديد من العلوم و المعارف و الشخصيات العرفانية التي عرفت بها هذه المدينة. إنّ هذا الحجم من العطاء يعد مفخرة يحق لكل مدينة تمتلكه أن تعتزّ و تفتخر به.إنّي لا أقول للشاب إجلس و تفاخر بماضي مدينتك، لكنّي أقول للشاب الكاشاني إنّك امتداد لذلك الماضي المفعم بالعطاء العلمي و المعرفي. لقد تمكّنت تلك الشخصيات من النهوض ليس بمستواها العلمي أو مستوى مدينتها فحسب إنّما تمكّنت من تطوير العلم بأسره و الارتقاء به. و على الشاب الكاشاني اليوم، الطالب الكاشاني، رجل الدين الكاشاني، العامل الكاشاني، المرأة و الرجل المقتدرين في كاشان، أنْ يستمروا على خطى تلك الشخصيات و يكملوا تلك السلسلة التي لا تقف عند حد من العلم و المعرفة.إنّ كاشان اليوم تعدّ مقصداً و محوراً تهوي إليه و تلتف نحوه و تقصده المنطقة بأسرها. إنّ كاشان اليوم إسم مدينة يقع إلى جانبها كل من مدينتي آران و بيدكل، لكنّ كاشان في الماضي كانت تضم تلك المناطق بأجمعها. إنّ هذه المنطقة مفعمة بالاستعداد و الحيوية، إذ إنّها من المناطق المحاذية للصحراء و المعروفة تاريخياً بجفافها و ندرة مياهها. لكنّها اليوم تسجل أرقاماً مهمّة على صعيد النموّ الصناعي و السكاني. إنّ مجاورتها للصحراء و ندرة المياه فيها ليس أمراً طارئاً عليها، لكنّها بالرغم من كل ذلك كانت و لا زالت منذ آلاف السنين تقف صامدة تعتمد على إمكاناتها الذاتية. إنّ ازدهار الحضارة في هذه المدينة، حتى قبل مجيء الإسلام، و تطوّر الجانب المدني فيها منذ ذلك الحين، و حتى تحقيقها قمّة النشاط الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي و غيره اليوم، يعكس وجود استعداد للعطاء المستمر و التأريخي. إنّ كل ركن و كل زاوية من زوايا بلدنا مليئة بهذه الكنوز من العطاء و الموهبة.و السبب الذي حداني و يحدوني دائماً للتأكيد على المسؤولين في البلد، و على كل فرد من افراد الشعب، على أنّ مهمتنا اليوم هي العمل و العمل و العمل، هو أنّ هذه الأرض، هذه المنطقة العظيمة، هذه النقطة الجغرافية الحساسة للغاية، تمتلك قدراً من الاستعداد لو قدّر أنْ يجري العمل فيها ليلاً و نهاراً لسنوات متمادية، لما نفدت الحاجة إلى العمل و لبقيت المنطقة بحاجة للعمل الدؤوب.و يشار إلى أنّ هناك شخصيات تاريخية أنجبتها مدينة كاشان لم يتم انصافها، و لم تنل حقّها من المعرفة و الاهتمام. من بينها المرحوم الفيض الكاشاني. إذ يعد الفيض الكاشاني من الشخصيات الانسانية الفريدة و الريادية على أكثر من صعيد علمي. فقد كان حكيماً و فيلسوفاً عظيماً، و متكلّماً بارزاً و محدّثاً معروفاً، و رجاليا ذا مبنى و مدرسة في علم الرجال، و فقيهاً ذا رأي نافذ، و شاعراً و عارفاً في الوقت ذاته. و قد جُمعت كل هذه الملكات العلمية و المعرفية في هذا الرجل، الذي لم يحفر اسمه في لوح الشخصيات البارزة للبلد و لم ينل حظه من المعرفة و الاهتمام و التقدير من قبل الخواص و العوام بالقدر الذي اهتم به العارفون و الواقفون على شخصيّته. حتى أنّني سمعت أنّ مقبرة هذا العالم الكبير و الفنّان القدير لم تشيد على النحو الذي يليق بقدره و منزلته. طبعاً على ما يبدو أنّ الفيض كان قد أوصى قبل وفاته بعدم تشييد أي سقف على مقبرته. و مهما يكن من أمر فالتبجيل و الاهتمام بالشخصيات الكبيرة كالفيض، هو تبجيل و اهتمام بالعلم و المعرفة.النموذج الآخر الذي أود أنْ أذكره مستغلاً بذلك فرصة وجودي في كاشان هو المرحوم آية الله الكاشاني. الشخص الذي لولا وجوده و مساعيه لاستحال انطلاق الثورة الوطنية لتأميم النفط في هذا البلد. إنّني دائماً أحثّ الشباب على السعي للتعرّف على التأريخ الحديث للبلد، إذ إنّ أحد طرق الخداع و التضليل، التلاعب بالتاريخ و تحريفه، و هو الأمر الذي ـ للأسف ـ أصبح اليوم متداولاً بشكل كبير.لقد كان المرحوم الكاشاني الشخص الذي استطاع بمعونته الدكتور (مصدّق) و باقي أقطاب الثورة الوطنية لتأميم النفط من استقطاب الدعم الجماهيري، و لولا الكاشاني لما أمكن إحراز مثل هذا التأييد الشعبي الواسع.إنّ أحداً لم يكن ليعرف من هو (مصدّق)، و ما هو تأميم النفط. إن الجماهير ـ التي عادةً ما تحسم الموقف في أغلب التحوّلات الاجتماعية بحضورها و مشاركتها ـ لم تكن تعلم ما حقيقة الأمر إذ قد تمّ تغييبها بشكل نهائي. فالسلطة الحاكمة التي كانت تعارض بشدّة توعية الناس، كانت في واقع الأمر عميلة و أداة بأيدي البريطانيين. أمّا النخب و الساسة الذين كانوا يسيرون في ركب السلطة فلم تكن بأيديهم خيارات معينة و لم يكونوا موضعاً لثقة الجماهير. و في خضم هذا الوضع دخل المرحوم آية الله الكاشاني الميدان. لقد كان معظم العلماء على علم بماضي هذا العالِم و تاريخه، و كانت الجماهير متعلّقة به آنذاك و تربطها به علاقة اخلاص و محبّة من نوع خاص، فقد كان الكاشاني ممّن تم إبعادهم على أيدي القوات البريطانية الغاصبة. فتأمّلوا كيف كان الوضع آنذاك. و انظروا اليوم كيف هو وضع إيران و كيف نالت استقلالها السياسي، لدرجة أنّ أيّ قوّة عالمية لن تعود اليوم قادرة على اتخاذ أي موقف مضاد ـ حتى و لو على صعيد الكلام ـ من قادتنا و مسؤولي نظامنا. لكن في تلك الحقبة كان بمقدور دولة اجنبية ـ على أثر الحرب العالمية الثانية التي شهدت اكتساح القوات البريطانية و الامريكية و الروسية لأراضي بلادنا في زمن حكومة محمد رضا بهلوي ـ أن تجرُأ و تأخذ عالماً و مرجعاً دينياً و تقوم بنفيه خارج البلاد و ذلك بسبب مناهضته للسياسات البريطانية! طبعاً يشار إلى أنّهم قبل ذلك قاموا بإيداعه في سجن (قلعة فلك الافلاك) في مدينة خرم آباد، و قد زرت ذلك السجن و اطلعت بنفسي على الزنزانة التي قيل إنّ المرحوم الكاشاني قد حبس فيها. و عندما عاد من نفيه إلى طهران بلغت درجة التفاعل الجماهيري معه حدّاً أطاح بكل الخطط و البرامج التي كان قد أعدّها الأعداء، و بذلك بدأ البريطانيون و غيرهم يكتشفون أنّ القضاء على هذا العالم الروحاني يعد أمراً مستحيلاً. بعد ذلك تم ترشيح المرحوم آية الله الكاشاني نائباً عن طهران و من ثم رئيساً للبرلمان آنذاك، و أصبح الداعم الأساسي لمشروع تأميم النفط الوطني. و قد كان النواب الذين يرأسهم آية الله الكاشاني يتجولون في شتى أرجاء البلد. و أذكر عندما كنت شاباً يافعاً وصل إلى مشهد أحد نواب المرحوم الكاشاني و ارتقى المنبر و أخذ يخطب بالجماهير، و الملاحظ أنّه بدأ يستميل قلوب الناس و يجذبها إليه كالمغناطيس، لدرجة أنّ أحداً لم يكن باستطاعته الوقوف بوجه هذا الاقبال و التفاعل الجماهيري. و بذلك ففي عام 1329 هـ ش ـ أي قبل 51 عاماً على انطلاق الثورة الوطنية لتأميم النفط ـ كانت الجماهير تنادي بتأميم النفط في ايران. و بالرغم من أنّ ( محمد رضا ) لم يكن مع ترشيح ( مصدّق ) لرئاسة الوزراء إلاّ أنّه وجد نفسه تحت وطأة الضغط الشعبي مضطراً لقبول ذلك. و لو لم يكن المرحوم آية الله الكاشاني يؤمّن هذا الدعم الشعبي الكبير لمصدّق لما كان بمقدور الأخير أن يصبح رئيساً للوزراء على الاطلاق. و في عام 1331 هـ ش و عندما بدأت الحاشية تحيك المؤامرات ضد ( مصدّق ) حتى أقيل من منصب رئيس الوزراء، كان هناك عاملاً وحيداً أعاد القوّة لمصدّق و لم يكن ذلك العامل سوى المرحوم آية الله الكاشاني. إنّ هذه الأحداث من البديهيات التأريخية، و قد شهدها و رآها كلّ من كان حاضراً في ذلك الوقت، لكنّ البعض يتعمّد كتمانها و يحول دون إيصالها إلى الأجيال اللاحقة لأسباب لا تخفى على ذي لب. و عندما رشّح الشاه لرئاسة الوزراء ( قوام السلطنة ) بدلاً عن ( مصدّق )، أصدر آية الله الكاشاني بياناً، قامت الجماهير على أثره بارتداء الاكفان و النزول إلى الشوارع بحيث اكتظت الشوارع في طهران و باقي المحافظات بالناس، فلم يتمكّن ( قوام السلطنة ) من المكوث في منصب رئاسة الوزراء لأكثر من ثلاثة أيام فقط! و هل يا ترى باستطاعة أحد الوقوف بوجه هذه الأمواج البشرية الهائلة التي عبّأها آية الله الكاشاني؟لذلك أندحر (قوام السلطنة) عن منصب رئاسة الوزراء و عاد (مصدّق) إلى توليه.لقد كان البريطانيون يعتبرون النفط الايراني ملكاً شخصياً لهم، و استمروا يغتصبونه عشرات السنين، فيسرقون أموال الشعب الايراني دون هوادة، أمّا السلطة الحاكمة فكانت تتعاون معهم طمعاً في المكوث على الكرسي أكبر قدر ممكن من الوقت. لكن الثورة الوطنية لتأميم النفط قضت على هذا الواقع. و لم يكن المصدر الرئيسي لاذكاء الثورة سوى هذا الشخص الكبير و الشجاع، أي المرحوم آية الله ابو القاسم الكاشاني.إنّ المقطع المهم من هذه الأحداث و هو ما أود الفات النظر إليه و خصوصاً بالنسبة لشبابنا الأعزاء هو أنّ العدو قد عرف ما هو سر انتصار الشعب الايراني، لذلك عمد إلى عزل القادة السياسيين و المتصدّين في الدولة عن المؤسسة الدينية و عن الدين، و قد تمكنوا في تلك المرحلة من إبعاد القيادات السياسية عن آية الله الكاشاني و إيجاد العزلة بينهم، و للأسف نجحوا في ذلك إلى حد بعيد. فمنذ الثلاثين من شهر تير عام 1331 و هو الشهر الذي تمكّن فيه آية الله الكاشاني من تعبئة هذا الحجم الهائل من الجماهير، و حتى الثامن و العشرون من شهر مرداد عام 1332 عندما تمكّن عملاء الولايات المتحدة الامريكية في طهران من الالتفاف على (مصدّق) و إسقاطه و الإجهاز على كل ما له علاقة به، و عندما التزم الناس الصمت و لم يبدوا أي حركة تذكر، كل ذلك التحوّل لم يحدث سوى في غضون سنة و شهر واحد. فعلى مدى هذه السنة و الشهر، بدأت الأيادي الخفية المناهضة لاستقلال البلد و بفعل بعض المؤامرات التي حيكت من قبل أعداء هذا الشعب، بالعمل على تعميق الهوّة و تعزيز الفاصلة بين الدكتور مصدّق و آية الله الكاشاني، فبدأ مصدّق بالابتعاد شيئاً فشيئاً عن آية الله الكاشاني الذي بعث له قبل أيام من وقوع أحداث الثامن و العشرين من مرداد برسالة ـ لا زالت محفوظة ـ قائلاً له فيها: ((إنّي أخاف أنْ يستغل البعض وضعك هذا فيقودوا انقلاباً ضدّك و عندها تكون في ورطة حقيقية)). فرد عليه مصدّق: ((إنّي استند إلى دعم و اسناد الجماهير الايرانية و لا شيء يقلقني!)). و قد كان هذا خطأه بالتحديد. فالشعب الايراني منقاد و منصاع للمؤسسة الدينية و لرجال الدين، و شخص مثل آية الله الكاشاني بإمكانه تعبئة الشارع و زجّه و حمله على التضحية بنفسه. ففي الثامن و العشرين من مرداد عندما أقصي الكاشاني و أصبح جليس الدار ـ و في الواقع عندما أقصته حكومة (مصدّق) و عزلته عنها ـ تسبّب غيابه عن الساحة بغياب الشعب عن الساحة أيضاً، و هو الأمر الذي ساعد في قيام زمرة من العملاء المباشرين لامريكا بالاستيلاء على بعض قطعات الجيش و قيادة انقلاب عسكري. كما قاموا بدفع زمرة من الأوباش و الغوغاء في طهران للقضاء على مصدّق و إسقاطه. بعد ذلك بدأت مرحلة دكتاتورية محمد رضا شاه و استمرت خمسة و عشرين عاماً تسحق الشعب تحت وطأة أقدامها، و تلاشت محاولات تأميم النفط الوطني و أصبحت هواء في شبك، ذلك أنّهم أحالوا تنقيب النفط و استخراجه إلى شركة قام بتأسيسها الامريكان. و بذلك تحقق للعدو كل ما كان يبغي، و قد كان ذلك نتيجة الابتعاد عن الدين و الحوزة و المؤسسة الدينية، و هذا درس لا بد من التأمل فيه و الاعتبار منه.و مثل ذلك وقع أيضاً في مطلع انبثاق الحركة الدستورية، و حينها كان للجماهير الدور الحاسم في إقرار الدستورية و إجبار الدكتاتوريات القاجارية على الاعتراف بها. و إلاّ فمظفر الدين شاه لم يكن بالشخص الذي يوافق على الدستور، لكن ضغط الجماهير و حضورها أجبره على ذلك. و هنا أيضاً كان للمؤسسة الدينية و رجالاتها الدور الحاسم في تعبئة الناس و دفعهم للنزول إلى الشارع. لكن بعد إقرار الدستورية بدأت نخبة من المثقفين المنبهرين بالغرب و المنصاعين للعنصر البريطاني بالتحريض و الاعلام المضاد و الكتابة في الصحف و المجلات و العمل الدؤوب من أجل تشويه الحركة الدستورية و تسويدها في أعين الشعب و المؤسسة الدينية. و كانت نتيجة هذا الفعل ظهور دكتاتورية يصحبها انفلات و هرج و مرج، أعقبها بعد عدّة سنوات دكتاتورية رضا خان السوداء التي سلّط فيها سيف ظلمه على رقاب الشعب.إنّ هاتين الحادثتين تمثلان تجربتين مهمّتين و لكل واحدة منهما قصة منفردة تتطلّب وقفة و تأملاً و دراسة و تحليلاً مستقلاً.إنّني في الحقيقة أتألّم عندما أجد شبابنا غافلين عن هذه الوقائع. إنّ رصد تصرّفات العدو و طريقة تحركاته و تعامله في السابق يمكّن المرء من التعرّف على خدعه في الزمن الحاضر. طبعاً لا يخفى أنّ الأساليب تتغيّر، فأنتم تلاحظون ـ على سبيل المثال ـ أنّ المدرّبين للفرق الرياضية يجلسون و يقيّمون أداء الخصم و يراقبونه بكل دقّة و ذلك بغية التعرّف على أساليبه. فالشعب الايراني على مدى القرن الماضي ـ و قبل انطلاق الثورة الاسلامية ـ واجه الامريكان و البريطانيين على الأقل في قضيتين مهمّتين، أحداهما تمثلت بالحركة الدستورية، و الأخرى تمثلت بالثورة الوطنية لتأميم النفط. و في كلا الحادثتين قام الأعداء بخداع الشعب الايراني و سلبوه نشوة النصر، و أقاموا في البلد بعد كل من الحادثتين دكتاتورية سوداء أكلت الأخضر و اليابس.الحادثة الثالثة، حادثة الثورة الاسلامية، و قد تعاطى (الإمام) معها بذكاء و فطنة بالغة و لم يسمح للبعض ممّن حاول في بداية الثورة ـ و بتلقين من الأعداء أنفسهم ـ الترويج لإشاعات مغرضة مفادها: أنّ الإمام قد جاء و عمل على تحقيق الثورة و انتصارها و تعبئة الجماهير و نزولهم إلى الشارع و تأسيس الجمهورية الإسلامية، و الحمد لله! أمّا الآن فقد انتهى دور الإمام، فما عليه سوى التوجّه إلى قم و مزاولة دروسه و الانكفاء على بحوثه الحوزوية!معنى ذلك توريط الثورة الإسلامية بذات النهاية المأساوية التي منيت بها الحركة الدستورية. لكنّ إمامنا الكبير، و شعبنا المؤمن، و مناضلونا الاكفاء الذين مرّوا بتجارب تاريخية كثيرة، و قادة الثورة السياسيين الذين بدت الصورة واضحة جلية أمامهم و استطاعوا تحديد المنافذ التي قد يستغلّها العدو لمعاودة هجومه على هذا البلد، لم يتعسّر عليهم كشف الخطط و المناورات التي وضعها العدو. فانتهوا من تدوين الدستور، و لم يكن الإمام غائباً عن أي من التفاصيل، و إنّما كان مشرفاً و ناظراً على كافة مجريات الأمور. و بقي الناس طيلة هذه الفترة إلى جانب الدين و إلى جانب التعاليم الدينية داعمين و مؤيدين لحمَلَة لواء المعرفة الدينية. و بدلاً من أن يتجاهل شبابنا ـ طبقاً لمراد العدو ـ الحقائق الدينية و المبادئ الإسلامية التي نشرت لواء العدل في عالمنا اليوم، بدوا أكثر الطبقات وعياً و إصراراً على حمل لواء الإسلام و جعله خفاقاً في كل نقطة من نقاط البلد.إنّ شعبنا، و شبابنا لم يسمحوا للعدو أن يجري معادلته القديمة على الثورة الإسلامية. لكن ما هي هذه المعادلة؟ لهذه المعادلة خطوات، الخطوة الأولى: الفصل بين النظام السياسي و الحركة الدينية بما فيها المؤسسة الدينية. الخطوة الثانية: إحباط الناس و جعلهم يائسين من الواقع الجديد، كما قاموا بمثل ذلك إزاء الحركة الدستورية و الثورة الوطنية لتأميم النفط. و لا يخفى أنّ تفشي حالة اليأس في أوساط الشعب تحول دون نزوله إلى الشارع. الخطوة الثالثة: مع غياب الجماهير و عزلتها، تظهر الدكتاتوريات الظالمة الفاشية التي لا تعرف الرحمة، و يكون من السهل السقوط في أيدي العدو و الاستكبار و الاستعمار.لقد كان من السهل على الأعداء تطبيق معادلتهم هذه على محاولات التغيير التي جرت بمعزل عن الدين، فأحبطوا الناس، و غيّبوهم، ثمّ بعد أن خلت الساحة لهم تصرّفوا كما يشتهون و زرعوا في البلاد عملاءهم دون رقيب أو حسيب. لكنّهم لم يتمكنوا من القيام بذلك بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران، إذ فشلت محاولاتهم في الفصل بين الدين و بين حكومة الجمهورية الإسلامية، و بينه و بين الثورة الإسلامية، و أخفقوا في إحباط الناس و تخذيلهم، و بالتالي بقيت الجماهير مرابطة في الساحة و لم يجد العدو فرصة للحركة و ممارسة أنشطته العدوانية في البلد.لكن يبقى علينا أن نعي حقيقة التحدّي الذي يواجه بلدنا اليوم، فما هي طبيعة هذا التحدّي؟ في الحقيقة، إنّ على الشباب، و على كل فرد من أفراد الشعب، و على كل عامل و مزارع و مهني و رجل دين و طالب، أن يلتفت إلى هذه الحقيقة، و هي أنّ أهم ما علينا القيام به اليوم، و نحن نستظل بظلال الإسلام و الحكومة الإسلامية التي تتقوّم و تستند إلى آراء الناس و مشاعرهم و عواطفهم، هو أنْ نحاول بناء البلد و تشييده اقتصادياً و سياسياً و ثقافياً و اخلاقياً و نعمّره تعميراً يأتي على كافة الأبواق الاعلامية المغرضة و المسيئة التي لا تريد للبلد خيراً و يخنقها.و لا يخفى إنّ أفضل و أكبر دعاية لأي نظرية سياسية هو ما تحقّقه تلك النظرية على صعيد الواقع و على مستوى التطبيق.لقد ذكرتُ في حديثي مع الجماهير و الشباب في اصفهان أنّ أكبر ضربة تتلقّاها الليبرالية الديمقراطية السائدة في عالم الغرب اليوم، هو هذا الواقع المليء بالقتلى و الدماء و الأشلاء و الظلم. هذا الواقع الذي أريد له أن يكون إفرازاً لليبرالية و الديمقراطية.لقد كان محور الحربين العالميتين، الأولى و الثانية، هو أوربا، أي مركز الليبرالية و الديمقراطية.إنّ الاستعمار، و الاحتلال، و التدخل في شؤون الدول، و قضايا دول امريكا اللاتينية، و الأهم من ذلك كله، القضية الفلسطينية، و القضية الافغانية ـ في حالنا الحاضر ـ كلّها تأتي في نفس السياق. و ليس بمقدور الليبرالية و الديمقراطية تقديم أي إجابة أو تبرير لذلك. إنّ اكتشاف هذا الواقع لا يحتاج إلى بحث علمي أو فلسفي أو مناقشته عبر طاولة مستديرة، فشعوب الدنيا عندما تتأمّل تجد أنّ هذه النظرية السياسية ـ أي الليبرالية الديمقراطية ـ نتيجتها هذه الأمور، و لا يتمخّض عنها سوى ذلك.وفي خضم هذا الواقع، أنتم تعملون و تريدون تقديم أطروحة الإسلام السياسية و نظام الجمهورية الإسلامية ـ أي حكومة الشعب الدينية ـ إلى العالم بأسره. فالجمهورية تعني: حكم الشعب، و الإسلامية تعني: الدينية.يتصور البعض عندما نطرح مقولة ( الديمقراطية الدينية ) أنّنا جئنا باطروحة جديدة، و الحال إنّ ذلك لا يعني سوى ( الجمهورية الإسلامية ). إنّ ( الديمقراطية الدينية ) معناها أن تقترن إدارة النظام بالهداية الإلهية و بالإرادة الشعبية و بهذين الركنين يأخذ النظام مجراه. إنّ المشكلة التي تعاني منها الأنظمة السياسية السائدة في العالم هي افتقادها لأحد هذين الركنين أو لكليهما، فإمّا تجدها تفتقد لعنصر ( الهداية الإلهية ) ـ كما فيما يسمّى بالديمقراطية الغربية التي تتظاهر بسيادة الأغلبية، لكنّها تفتقد للهداية الإلهية ـ أو إنْ توفّر فيها عنصر ( الهداية الإلهية ) ـ أو على الأقل كما يُدعى ذلك ـ فإنّ الإرادة الشعبية تكون مغيّبة. و هناك طائفة من الأنظمة تفتقد لكلا الركنين، و كثير من البلدان على هذه الشاكلة، فليس بمقدور الشعب التدخّل في شؤون البلد و إبداء رأيه و فرض إرادته، كما ليس من هداية إلهية تؤطّر عمل النظام الحاكم.إنّ الجمهورية الإسلامية، تعني أنْ تتولّى ( الهداية الإلهية ) و ( الإرادة الشعبية ) معاً تكوين النظام و بلورته.و ليس هناك من إشكال أو نقص يواجه هذه النظرية على الصعيد النظري ـ في المحافل العلمية و الجامعية و البحثية ـ لكنّكم إن أردتم أن تثبتوا للعالم أولويتها و تقدّمها على سائر الأنظمة الأخرى، لا بدّ أن تجسّدوا ذلك على صعيد العمل و التطبيق. إنّ الإرهاص الحقيقي لنظام الجمهورية الإسلامية هو هذا.اعلموا أعزائي! إنّ كافة جهود أعداء الجمهورية تستهدف هذا المشروع، و هو أن لا يكون هناك أي نهضة عمرانية و اقتصادية في ظل نظام الجمهورية الإسلامية. و الحصار الاقتصادي الذي تسمعون عنه إنّما يأتي في هذا السياق. و كذلك العراقيل و العقبات التي توضع في طريق استغلال الثروة النفطية و غيرها إنّما تصب في ذات الغرض. يريدون أنْ يحولوا دون تحقيق ايران طموحها من العمران و البناء و التطوّر و النمو و الازدهار في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، كي لا يتحوّل هذا النظام إلى الأسوة و النموذج الأمثل الذي تحتذي به الدول الأخرى، و بالتالي لا تكون النظرية السياسية للإسلام هي النظرية السائدة في العالم.لكن ما هو موقفنا نحن، و ما هي وظيفتنا حيال ذلك؟ إنّ مهمّتنا تتمثّل في العمل على الضد ممّا يخططون. فلا بدّ لمسؤولي الدولة أن لا يغفلوا لحظة واحدة عن العمل للصالح العام و السعي الحثيث و المستمر لبناء الدولة، و تنمية كافة مرافقها الحيوية. لقد كنت دائماً أنبّه على أنّ الصراعات السياسية عادة ما تقف حائلاً دون عمل المسؤولين و الكوادر في الحكومة. فالمسؤول الذي شغلته (النعم) أو (الكلا) الحزبية أو التنظيمية أو السياسية سوف لن يتفرّغ لشؤون الناس و خدمتهم و لن يجد الفرصة لذلك. طبعاً لا يعني ذلك أنّنا لم نحقّق تقدماً ملحوظاً. و أنا ضد من ينكر أو يستصغر العمل و التقدّم الذي حققته الحكومات المتوالية للجمهورية الإسلامية منذ مطلع الثورة و لحد الآن. إنّ (الاستصغار) هو بحد ذاته يمثل مرض وطني ( كالاستكبار ). فالأعداء حاولوا بشتّى السبل أنْ تكون نظرتنا تجاه انفسنا سلبية و أن نستصغر أنفسنا، و نستهين بكل ما تصنعه ايادينا. لقد حقّق هذا البلد بعد الثورة درجة من التقدّم و النمو على كافة الاصعدة، بما فيها العمران و البناء و الثقافة، بحيث لو جمعنا السنوات المتمادية للحكومات الظالمة التي حكمت البلاد قبل الثورة فسوف لن نجد أنّها حقّقت، مجتمعة، جزءاً بسيطاً ممّا تحقّق خلال العشرين عاماً المنصرم. و لذلك كان من الخطأ الاستهانة بما تمّ تحقيقه.لقد كانت النظرة للبلد من قبل المتصدّين في النظام البهلوي و الأنظمة التي سبقته، نظرة المالك لملكه الشخصي، فلم تكن حركتهم إلاّ في إطار ما كان يدرّ على جيوبهم من أموال. افترضوا أن شخصاً ما يمتلك ضيعة تبلغ آلاف الهكتارات، قسم منها صالح للزراعة و القسم الآخر ليس كذلك، فمن الطبيعي إنّه سوف يستغل ما صلح منها لأنّه يعود عليه بالثمر و الربح الوفير، أمّا القسم الذي لا يعود عليه بالفوائد فسيتركه دون استغلال. لقد كان هذا الواقع سائداً في بلادنا، فكل ما كان في متناول الأعداء، و كل ما كان متعلّقاً بالمسؤولين، و مصالحهم و مصالح ذويهم، و منافع الشركات المتصلة بمراكز الاقتصاد العالمية، و منافع الصهاينة، تجده مشيداً و يتمتّع بكافة الوسائل و الإمكانات الخدمية و الرفاهية، و في نمو و تطوّر مستمر، قد رصدت له أموال من ميزانية الدولة. أمّا ما لم يكن كذلك، فتجده مهملاً، ليس من طريق معبّد أو سد مشيد أو بنية تحتية، و لا من جامعات أو طلاب، أو علم أو ثقافة أو صناعة أو فن، و لا أي شيء آخر يمت إلى المدنية بصلة.لكن اليوم و مع مرور عقدين من الزمن على انطلاق الثورة الإسلامية، تجد كافة أنحاء البلد و أقاصيه تتمتّع ببنى تحتية، و بناء و إعمار، و الوصول بالخدمات إلى أبعد نقطة في البلد، بما في ذلك الجانب العلمي و الثقافي، عبر تشييد الجامعات و كل ما يساهم في ضمان مستقبل أفضل للبلد. إنّ مثل هذه الجهود لا يمكن الإستهانة بها بأي حال من الأحوال.لقد ذكرت لأحد رؤساء الدول الأجنبية عندما زارني في طهران في أحد الأيام: إنّنا الآن بصدد بناء سبعين سداً في آن واحد، و عقّبت على ذلك: هل تعتقد بأنّ النظام السابق قد ترك لنا مبلغاً نستطيع بواسطته تشييد سد واحد؟ لقد فرغت الجمهورية الإسلامية من تشييد عدد من السدود و هي الآن بصدد بناء عدد آخر، يبلغ حوالي سبعين سداً! فانبهر و قال: هل هذا صحيح؟! قلت: نعم، إنّ هذه الحقائق لا يمكن الإستهانة بها.إنّ الاستهزاء بمنجزات الثورة لا يصب في صالح الشعب، بل يتسبب في إحباط الناس و يأسهم، و هذا بعينه ما يريده الاعداء. إنّهم يركّزون على نقاط الضعف و يسلطون عليها الاضواء، و يبرّزون النقص لكنّهم يعتمون على مظاهر التطوّر و الازدهار و النمو.إنّني في الوقت الذي ارفض الاستهانة بالمنجزات، أرى أنّ على المتصدّين و المسؤولين البدء بالمشاريع التي لم تنجز، و التعجيل بالمشاريع البطيئة، و إنجاز المشاريع المؤجّلة و المنسية، بهمّة مضاعفة و إهتمام أكبر، و هذا لن يتم إلاّ باستفراغ المسؤولين كل جهدهم و همّتهم من أجل العمل. فمياه الشرب، و السقي، و صناعة النسيج و حياكة السجاد و الحرير ـ التي تعد من التراث الكاشاني الأصيل الذي لازم هذه المدينة على مر العصور ـ تعاني اليوم من مشاكل و أزمات حقيقية، لكنّها جميعاً قابلة للعلاج. فمن خلال متابعة المسؤولين ستجد هذه الأزمات طريقها للحل. لا أدّعي إنّها ستحل في وقت قصير، كلا، فقد تتطلّب فترة من الزمن، لكن المهم هو أنّ يتم العلاج و أن يكون هناك سقف زمني لذلك. فالمشاكل ستحل واحدة تلو الأخرى، و هذا يتطلّب جهداً حثيثاً من المسؤولين.أمّا بالنسبة للناس، فالذي يقع على عاتقهم، هو أنْ لا يستسلموا لليأس إذا ما شاهدوا نقصاً أو إخفاقاً، فالنظرة السلبية و تجاهل الإيجابيات هو شيء يتمنّى الأعداء حدوثه و تفشيه بين الناس. إنّ ذلك يعد من أهم الارهاصات و التحديات التي يشهدها بلدنا اليوم.فالبلد يزخر بطاقات كثيرة و خيرات وفيرة. إننا اليوم بحمد الله نمتلك طاقات بشرية هائلة و مذهلة، فهذه الطبقة الواسعة من الشباب، التي تؤلّف نَفَساً جديداً، و هذا الكم الكبير من اليد العاملة، و هذه الإمكانات الواسعة، و هذا المستوى من الفكر و الرأي، لا شك أنّه يمكن استغلاله و استثماره في تطوير البلد و حلحلة الأزمات و المشاكل العالقة. فمثلاً نحن أمام عدد كبير جداً من الطلبة و التلاميذ، فلم يكن أحد يتصوّر أن مدينة بحجم كاشان تحتوي على اربعة عشر الف طالب جامعي ـ كما ذكروا ـ لكن اليوم، هذا الرقم يعد حقيقة لا يمكن لأحد انكارها. ليس كاشان فحسب إنّما كل نقاط البلد على هذه الشاكلة. فاليوم، تلاحظون الجامعات و المعاهد التخصصية العليا تنتشر في أقصى نقاط البلد. إنّ هذه تشكّل ذخائر حيوية بالنسبة لبلدنا.إذن، مهمّة المسؤولين اليوم تتمثّل في العمل الدؤوب الذي لا يعرف التوقّف. و مهمّة الشعب ترك اليأس و القنوط و بذل الجهد و السعي و مراقبة المتصدّين و متابعتهم و مطالبتهم بالنحو المنطقي الصحيح. إنّ على كل شخص أنْ يسعى و يجد و يجتهد، فلو تمكّنا جميعاً ـ كافة الشعب و المسؤولين ـ من إتقان مهامنا، سيصل هذا البلد إلى نقطة تجعل راية الجمهورية الإسلامية خفاقة في العالم بأسره، رغماً عن إرادة القوى المهيمنة و المتجبّرة.إنّ العالم اليوم بحاجة ماسّة إلى راية العدالة و البعد المعنوي التي رفعتها الجمهورية الإسلامية. إنّ أكبر فجوة يعاني منها العالم اليوم هي فجوة العدالة و البعد المعنوي. فشعوب العالم ميّالة إلى الصلح، لكن الساسة الغربيين يتظاهرون و يتبجحون بهذا الصلح، إلاّ أنّهم لا يتورعون عن إيقاد نار الحرب في كل مكان. فانظر ماذا ترى اليوم في فلسطين و أفغانستان؟ و ما هي القضية الفلسطينية؟ أليست هي قضية شعب يريد أن يستقر في داره؟ أليست هي قضية شعب يريد أن يعيش في وطنه، لكنّهم يمنعونه و يهدمون عليه داره.إنّ الكيان الاسرائيلي الغاصب قد استحصل صكا ابيضا من الولايات المتحدة الامريكية، فهو يعرف أن امريكا لن تعترض على أي جريمة يقوم بارتكابها، بل ستدعمه و تؤيّده. و الكثير من الدول الأخرى يغض الطرف تماشياً مع الارادة الامريكية. لذلك تجد أخبار الجرائم التي ترتكب يومياً بحق الشعب الفلسطيني تطرق اذان العالم، لكنّه لا يحرك إزاءها أي ساكن.و أفغانستان مثال آخر على ذلك؟ فيا ترى ما الجريمة التي ارتكبها الشعب الافغاني؟ و ما هي الدولة التي تعرّض لها الشعب الأفغاني كي تتم مهاجمته على هذا النحو؟ إنّ العالم يشاهد هذه الوقائع، و يعترض عليها، و يتكلّم، لكنّه لا يتصدّى لها و لا يقف حائلا دون وقوعها. و عندما تشاهد الشعوب هذه الأحداث لا شك أنّها تشعر أنّ العالَم يعاني بأسره من فجوة و نقص كبير، و ليس هذا النقص سوى العدالة. على الجمهورية الإسلامية أن لا تتخلّى آناً من الآنات عن ندائها و مطالبتها بالعدل و المعنوية.يا شبابنا الأعزاء! ـ إذ تؤلّفون الطبقة العظمى للشعب الايراني ـ اعلموا أنّ الطريق الذي أنتم سائرون فيه، كلّه فخر و اعتزاز، و إذا ما طويتموه بخطوات رصينة و بإرادة قوية و تصميم قاطع متوسمين بالعلم و التجربة التي خلّفها لكم السابقون، فإنّ العالم بأسره سيحذو حذوكم و يسير خلفكم.أعزائي! إن شهر رمضان على الأبواب، فبعد أيّام سيجتمع المؤمنون ـ المؤهلون لذلك ـ حول مائدة الرحمة الإلهية في ضيافة الله. إنّ الصوم بحد ذاته، و الأدعية و الأذكار التي تتلى عادةً في هذا الشهر الفضيل، تمثل أصنافاً لهذه المائدة. فاستثمروا هذه المائدة أفضل استثمار، و استغلوا شهري رجب و شعبان فبهما يستعد المرء للقاء شهر رمضان. و اعلموا أنّه لم يبق من شهر شعبان إلاّ أياماً قلائل. فيا أعزائي! و يا أبنائي! و يا شبابنا الأعزاء! لا تضيّعوا هذه الأيام. و اطلبوا من الله، و توجّهوا إليه بقلوبكم النقيّة و تكلّموا معه و ناجوه. إنّ الكلام مع الله لا يتطلّب لغة بعينها، لكن أئمتنا ـ الذين طووا مراحل القرب الإلهي واحدة بعد الأخرى ـ تكلّموا مع الله بألسنة بليغة. و قد علمونا كيف نتكلّم مع الله تعالى. فالمناجاة الشعبانية، و أدعية شهري رجب و شعبان، و هذه المضامين العليا، و هذه المعارف الرقيقة النورانية التي صيغت بألفاظ رائعة إعجازية، تعد وسيلة مثلى لحديثنا مع الله و دعائنا و تضرعنا إليه. إنّني أدعوكم أحبتي إلى التمسّك بالدعاء، و الصلاة و الصوم و استغلال ساعات النهار و ليالي شهر رمضان أفضل استغلال. راجياً من الله تعالى أنْ يشملكم بلطفه و كرمه و فضله.و أتوّجه بالشكر الجزيل و الامتنان لكم أهالي كاشان و آران و بيدكل الكرام على حضوركم الكبير و مشاعركم الطاهرة النقية، و استودعكم الله و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 
2001/11/10

كلمة الإمام الخامنئي في شباب محافظة إصفهان

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين. اللهم سدّد ألسنتنا بالصواب و الحكمة. أجد أن اللقاء بكم أيها الشباب لقاء جد شيق و جميل، خصوصاً و أن جماعة ملحوظة منكم هم إصفهانيون بلا شك.. أبناء العلم و الإيمان و الفن و المفاخر الوطنية و الإسلامية الكبرى. البرامج التي قدمها أعزائي كانت جيدة و لافتة و أنا أشكرهم جميعاً. لأذكر نقطة حول هذا الإنشاد الجماعي. هؤلاء الإخوة بالطبع قدموا عرضهم بصورة جيدة جداً. و الشعر الذي قرأوه أيضاً كان جيداً.. » ها عليٌّ بشر كيف بشر «. حينما كانوا ينشدون هذا الشعر بلحن و لهجة عربيين خطر ببالي أنه ليتهم أنشدوا بدل هذا الشعر قصيدة شهريار التي يقول فيها: عليٌّ أسد الله و سلطان العربكان يألف قلب الليل هذاو إذا بهم ينشدون هذه القضيدة أيضاً.. في مثل هذا الإنشاد الجماعي يجب الحفاظ تماماً على الرسالة و المضمون إلى جانب الفن، فالفن هنا أيضاً و مثلما هو في كل المواطن ينبغي أن ينصب في خدمة البلاغ و التبيين. أنا طبعاً شجعت هذا الإنشاد الجماعي العربي منذ عدة سنوات، لكني أعتقد أنه إذا لم يكن الشعر العربي ممتازاً و له خصوصياته الفريدة، فمن المناسب إنشاد الشعر الفارسي ذي المضامين الرفيعة. و من باب المصادفة أن الشاعر الذي نظم قصيدة » ها عليٌّ بشر « هو أيضاً تركي تبريزي كشهريار، و هو الملا مهرعلي تبريزي الذي عاش قبل مائة أو مائة و خمسين سنة:ها عليٌّ بشر كيف بَشَرربُّه فيه تجلّى و ظهرأنشدوا الشعر الفارسي بألحان فارسية جميلة و بأساليب فنية شيقة و باختيار مضامين يستلهم هذا الحشد الغفير الدروس منها. و قد تم تأمين هذا القصد إلى حد كبير في الجزء الفارسي الذي أنشده أعزائي. قلت هذا ليتجه الذين يسمعون هذا الكلام في كل أنحاء البلاد نحو اختيار نماذج فنية عميقة و ذات مغزى. حاجتنا للفهم و التفهيم اليوم أكثر من أي وقت مضى.أنتم جماعة عزيزة، غالبيتكم من طلبة الجامعات أو المدارس، و من أهل العلم المفعمين بالنقاء. الشيء الجيد الذي فعله الطلبة الجامعيون الإصفهانيون في هذه الجسلة - و قد شكرتهم في قلبي - هو إصدارهم ملصقاً مشتركاً يحمل اسم التعبئة الجامعية، و الاتحاد الإسلامي للطلبة الجامعيين، و التجمع الإسلامي للطلبة الجامعيين، و الجمعية الإسلامية لطلبة الجامعات، فجاءت الأسماء إلى جوار بعضها. صحيح أنكم قد تختلفون حول عشر مسائل لكن هناك الكثير من المسائل تتفقون عليها. أظهروا هذا الاتحاد حينما تكون آراؤكم متحدة. و هذا هو السبيل. إذا اختلف شخصان حول جملة من المسائل الفكرية أو السياسية العديدة، فلا ضرورة لأن يسحبا هذا الاختلاف على مواطن الاتفاق. مثلاً إذا أرادوا إقامة احتفال أو عزاء أو محاضرة أو شيء من هذا القبيل فلا ضرورة لأن يصطف تياران بوجه بعضهما. الشيء الذي فعلتموه حسن جداً و أنا أشكركم أبنائي الأعزاء من الصميم؟طول فترة ارتباطي بالجماعات الشبابية التي استمرت لأكثر من أربعين سنة جعلني أعجب بالشباب إعجاباً قلبياً عميقاً. الإعجاب و الثناء طبعاً يختلف عن الترحيب بهم. إنني لا أوافق الترحيب، و أن أقول شيئاً يعجبكم و لا أذكر الشيء الذي ربما أزعجكم و ساءكم. أنا لا اعتقد بمثل هذا، إنما اعتقد أن امتداح الشباب إذا كان في محله فهو صحيح و حقيقي و واقعي. و نقاط الثناء أيضاً واضحة في رأيي و سوف أذكر بعضها: بيد أن الثناء على الشباب يجب أن لا يتحول إلى ترحيب بهم. أنتم أبنائي. الإنسان يحب أبناءه شاء ذلك أم أبى. سواء علم الأبناء بذلك أم لم يعلموا، و سواء شاءوا ذلك أم لم يشاءوا. سواء شكروا حبَّ الأب و الأم أم لم يشكروا. هذه المحبة لا تعني أنه لو كان ثمة خطأ في سلوك هؤلاء الأبناء فيجب أن لا يذكر خوفاً من انزعاجهم، لا، بل يمكن للإنسان أن يكون طبيعياً مع أبنائه أكثر من الآخرين بكثير. إذن، أنا أحب فيكم الشباب و خصائص الشباب الرئيسية من أعماق قلبي و أثني عليها بكل كياني، لكنني استعيذ بالله من أن أقع في فخ الترحيب بالجماعة التي تقف أمامي أو الجماعات الكثيرة التي احترم محبتها.ما هي النقاط التي تثير الإعجاب بالشباب و الثناء عليهم؟ لو أعددنا لذلك لائحة من مائة نقطة لما كنا مُكثرين. وسأذكر هاهنا جملة نقاط من تلك التي تثير الإعجاب بالشباب.الشاب يتقبل الحق بسهولة. هذه حالة على جانب كبير من الأهمية. الشاب يعترض بسهولة و صدق، و يبادر دون أية هموم و بلا أية قيود داخلية. و هذه أيضاً حالة مهمة جداً. التقبّل السهل، و الاعتراض الصادق، و المبادرة المتحررة من القيود.. ضعوا هذه العناصر إلى جانب بعضها و سترون أية حقيقة جميلة تظهر إلى النور، و أي مفتاح لحل المشكلات يتوفر لدينا.الشاب ينشد الإصلاح طبيعياً. أنا بالطبع لا شأن لي إطلاقاً بالمصطلحات الدارجة للإصلاحيين و المحافظين و ما شاكل. ما أرمي إليه ليس الإصلاح كاستعراض سياسي. البعض ينادون بالإصلاح و الحال أنهم لا يعرفون أساساً ما الذي يريدونه و ما الذي ينشدونه. و البعض ينادون بالإصلاح لكن ما في قرارة أذهانهم ليس من الإصلاح في شيء، بل هو لون من ألوان الرجعية و العودة إلى الوراء. ترون أن البعض و باسم الإصلاح الجميل الباهر يريدون العودة إلى زمن لم يكن فيه للدين سوى طابع التشريفات في حياة الإنسان! هذا ليس إصلاحاً. إنه الطرف المضاد للإصلاح. الإصلاح مصحوب بالتكامل و التقدم، و ليس بالتراجع إلى الوراء.و هناك بالطبع أشخاص يتحدثون عن الإصلاح لكنهم يقصدون الإصلاحات الأمريكية! قبل سنة أو سنتين قلت في صلاة الجمعة إن هناك إصلاحات ثورية و إصلاحات أمريكية. مظهر الإصلاح الأمريكي هو أن تعود جرثومة فساد مثل محمد رضا بهلوي إلى إيران ثانية ليسيطر على الأمور، ثم يقدم مفتاح » هيمنة الأجانب على البلاد « الذهبي لأسياده الأمريكان على طبق من فضة! حين تلاحظون وسائل الإعلام الأمريكية و البريطانية و رجال السياسة عندهم يتحدثون عن الإصلاحات في إيران فإنما يقصدون مثل هذا الشيء، أي أن تتولى زمام السلطة في البلاد جرثومة فساد تابعة و محبة لهم و تكون أداة طيعة في أيديهم تضع كل شيء تحت تصرفهم و في خدمتهم.طبعاً البعض ينشدون الإصلاح بصدق.. هذا مما لا شك فيه؛ إنهم يعانون حقاً من النواقص و الثغرات و العقد و الانحرافات و يريدون الإصلاح، و هذا شيء إيجابي محبذ في مكانه. الشباب إصلاحي بهذا المعنى. أي إنه ينشد العدالة و الحريات المشروعة و تحقيق المبادئ الإسلامية بنحو طبيعي. الحقائق و المبادئ الإسلامية تثير فيه الهياج و تجتذبه. الصورة المحفورة في ذهنه للإمام أمير المؤمنين عليه السلام تثيره و تستفزه، فيقارن النواقص الراهنة بتلك الصورة و ينشد الإصلاح. هذه خصيصة مهمة جداً.و من النقاط المثيرة للإعجاب في الشباب هي الطاقة، و القدرة، و الإبداع، و الحيوية لدى الشاب. هذه أحوال متوفرة فيكم بشكل طبيعي. هذا جانب من اللائحة الطويلة لسجايا الشباب. هل يكسب الشاب هذه السجايا و الامتيازات؟ لا، إنكم لم تبذلوا جهداً يذكر للتوفر على ميزات طلب الحق، و الطاقة، و الحيوية، و التأنّي و الهمّة الشبابية. هذه مرحلة طبيعية من مراحل العمر و الحياة. إذن، هي موهبة يوجد قبالها تكليف و مسؤولية.ثمة هاهنا مغالطة تصنف على ذلك الترحيب الرامي إلى خداع العوام. المغالطة تقول إن المنطق الإسلامي لا يقول شيئاً سوى » التكليف « و » الواجب » بينما الخطاب الجديد في العالم يقول بـ » الحق « فلماذا لا تتحدثون إلا عن الواجب و التكليف؟ البعض أشاعوا هذا الكلام و كان قصدهم تملق بعض المتهربين من الواجب بشكل انتهازي غير صادق.أولاً الحق و الواجب وجهان لعملة واحدة. ليس ثمة حق من دون واجب. لكل إنسان حق و له في قبال ذلك واجب. إذن، أن يتحدثوا عن الحق و لا يتحدثوا عن الواجب كلام سخيف غير منطقي و فارغ من المحتوى. ثانياً ليس الكلام هنا عن الحق. الواجب الذي نطرحه هنا ليس مقابل حق من الحقوق، بل مقابل امتياز. أنتم لديكم امتياز يضع على عاتقكم بصورة طبيعية واجباً. أنا الذي لا أتمتع بشبابكم لا أتحمل بعض واجباتكم التي تتحملونها. طبعاً قد أتمتع في جانب آخر بامتيازات تفرض عليَّ بعض الواجبات. إذن، ليست القضية هنا تقابلاً بين الحق و الواجب، بل هي التلازم بين الامتياز و الواجب. الواجب ناجم عن امتياز تتحلون به في هذا الطور من أعماركم.. ناجم عن موهبة منحها الله لكم. لاحظوا أن هذا الواجب في المرحلة الراهنة أثقل من أي وقت آخر. لماذا؟ لأن جيل الشباب له دوره في المجتمع بشكل خاص. و لأن عدد الشباب ازداد، و لأن كفّة الشباب راجحة في المعادلات السياسية و الاجتماعية و الثقافية للبلاد. على ذلك، ليست القضية هنا: هل على الشاب واجب تجاه نفسه أم لا. القضية هي أن الأعداد الهائلة للشباب و تواجدهم في الساحة و خصوصاً الوعي الذي يتحلى به شباب بلادنا الملتزمون اليوم - و قلما نجد مثيلاً لهذا الوعي و الحس و التحفز في العالم - يجعل واجباتهم أثقل و أهم. و أقول لكم إن هذا الواجب من الواجبات التي تعد مثيرة و جذابة بالنسبة للشاب، و ليست من تلك الواجبات المتعبة الرتيبة. إنها واجبات متجانسة مع طبيعة الشباب و تدفع الشباب إلى الأعماق و تشجعهم.لأي شيء نريد أن ندعو الشباب؟ لا نروم إطلاق شعارات عامة. بعض الشعارات جد عامة و غامضة. إنها تشبه الدعوة لساحة لا أحد يدري أين بوابتها أو إن بوابتها مغلقة. طبعاً بعض الواجبات التي نوجهها للشباب هي واجباتهم الشخصية. بناء الذات علمياً، و أخلاقياً، و جسمياً. هذه واجبات مهمة. إنها مطالب من حقنا أن نطالب الشاب بها و الشاب نفسه بحاجة إليها. لكن موضوعنا الآن ليس هذا.ما نشعر اليوم أنه واجب يقع على عاتق شباب بلادنا هو أن يدافع الشباب عن رصيد الهوية الوطنية و الجماعية للبلاد بكل كيانهم و بأقصى هممهم. كل منظومة بشرية بحاجة إلى هوية جماعية و لا بد أن تشعر بالاجتماع و التلاحم و الهوية الجماعية. عادةً ما يشددون في بلدان العالم على مفهوم الوطنية، و يشددون في بعض البلدان على مفهوم القومية. ما هي الوطنية؟ إنها هوية جماعية يستطيع كل بلد عبر التمتع بها الانتفاع من كل إمكاناته في سبل التقدم و النجاح. إذا لم يتوفر هذا الشعور بالهوية الجماعية، ستواجه تلك المنظومة الكثير من المشكلات و ستحرم من كثير من النجاحات. أي إن بعض النجاحات في البلد لا تتأتى إلا عبر الشعور بالهوية الجماعية. هذه الهوية الوطنية و الجماعية ترتفع في بلادنا حتى فوق القومية. مع أننا نحترم القومية و نعتبرها مقدسة و نشدد عليها كثيراً - بمعناها الإيجابي و ليس بمعناها السلبي أو ما يسمى في العرف السياسي العالمي بالناسيوناليسم - لكن الهوية العامة و الوطنية للشعب الإيراني هي النظام الإسلامي الذي له من الفاعلية و الجاذبية و التأثير الواسع ما يفوق حتى القومية الإيرانية. أهمية هذه الهوية الجماعية العامة ترجع إلى تأثيراتها و مردوداتها على المستوى الإيراني، و كذلك على المستوى الإسلامي، مضافاً إلى تأثيراتها على المستوى العالمي. أي إنها شيء لا يشتمل عليه أي من الشعوب الأخرى.. إنه شيء فوق الوطنية. دائرة بعض الشعارات فوق الوطنية المحدودة. العرب مثلاً يعتمدون على الهوية العربية و القومية العربية، لكن هذه الهوية أولاً محدودة داخل إطار العرب و لا تستوعب غيرهم. و ثانياً لأن العروبة واقع فهي لا تنطوي على مبدأ فوق القومية تهتم له الشعوب الأخرى في العالم. و هكذا تبقى محصورة في إطار معين و تتعارض مع من هم خارج الحدود - العرب و غير العرب، العرب الفرس، العرب و الترك - لأنها تخلو من مبدأ يستوعب دائرة أوسع من هذه الهوية. أما النظام الإسلامي فليس من هذا القبيل. النظام الإسلامي له دوره الوطني و له دوره الإسلامي، و له دوره العالمي.. أي الدور فوق الإسلامي.الأهمية الإيرانية للنظام الإسلامي ترجع إلى كونه نظاماً سياسياً مستقراً راسخاً متجذراً أوجده الشعب نفسه، و ليس نظاماً مفروضاً على الشعب. إنه نظام معادٍ للإيديولوجيا الملكية. الملكية لها أيديولوجيا. الإيديولوجيا الملكية هي ما تلاحظونه في كل الملكيات العالمية على اختلاف صنوفها و أنواعها. أي الاستبداد و الاستثمارات الخاصة و منطق القوة حينما تكون هناك حاجة لمنطق القوة. في يوم من الأيام قد تدفع أحقاد شخصية متبقية عن فترة الشباب الملك أنوشيروان - الذي حاولوا أن يسمونه العادل - إلى قتل عشرات الآلاف من المزدكيين في يوم واحد! يروى أنه قال حينما كنت شاباً أمرني والدي - قباد - أن أقع على قدمي مزدك ( لأن قباد كان من أتباع مزدك ) و لا تزال الرائحة الكريهة لأقدام مزدك في منخريّ، لذلك أريد الآن بعد ما تربعت على العرش أن أنتقم لا من مزدك نفسه بل من عشرات الآلآف من المزدكيين!الملوك الصفويون من مفاخرنا - تعلمون أننا نقيم وزناً و اعتباراً للملوك الصفويين لأنهم من أتباع أهل البيت و قد حافظوا على استقلال إيران و وحدة أراضيها - و لكن لاحظوا أن الشاه عباس - و هو شخصية بارزة - كم مارس من الظلم النابع عن الاستبداد. قتل من أقربائه و سمل عيونهم إلى درجة أن بعض الأشخاص اضطروا إلى إخفاء بعض الأمراء الصفويين كي لا يعلم الشاه بوجودهم! أمر مثلاً أن يقطعوا رؤوس الأولاد الأربعة لإمام قلي خان و يضعوها أمامه، و الحال أن إمام قلي خان من الأشخاص الذين قدموا الكثير من الخدمات للصفويين فهو من خدمتهم القدماء و من قادة جيوشهم و رجال سياستهم، لكن روح الاستبداد لدى الشاه جرّت عليه هذا البلاء. الظلم و الجور لم يقتصر على محمد رضا و رضا خان. ثمة في الإيديولوجيا الملكية ظلم و جور ناجم عن الاستبداد و القدرة المطلقة و عدم الالتزام بأية مسؤولية و لا أي عهد إلهي أو شعبي. ثار النظام الإسلامي بوجه الإيديولوجيا الملكية بينما عاشت بلادنا الحالة الملكية لقرون متوالية سواء قبل الإسلام أو حتى بعد الإسلام. الإسلام في المدينة كان يحتوي الحرية و الديمقراطية - بمصطلحات اليوم - بالمعنى الحقيقي للكلمة. هكذا كان الحال في المدينة و مقر النبوة. أما في المناطق البعيدة حيث يحكم فلان من القادة الأمويين في خراسان، أو إصفهان، أو فارس، فلم يكن مثل هذا، إنما كان كل قائد حاكماً مستبداً يفعل كل ما يقدر عليه. إيمان الإيرانيين بالإسلام لم يكن طبعاً لأجل هذه الشخصيات و القادة، بل لأجل رسالة الإسلام التي كان لها قصتها المختلفة. ومن إيديولوجيا الملكية التي يعد الاستبداد ركناً أساسياً من أركانها انبثقت منذ المائة عام الأخيرة فصاعداً آفات أخرى في بلادنا منها التبعية، و منها فساد الملك و حاشيته و شخصيات البلاط: الفساد الجنسي، و الفساد الأخلاقي، و أنواع الفساد المالي.كانوا ملوكاً ذوي سلطة مطلقة أمام شعوبهم، أما حيال الأجانب فمستسلمين مطيعين.. » أسدٌ عَليَّ و في الحروب نعامةٌ «! كانوا يملون عليهم أشياءً في أهم القضايا لا من قبل رئيس جمهورية، بل من قبل سفير! سفير بريطانيا كان يأتي للبلاط و يقول من مصلحتكم أن تكون الأمور كذا و كذا. و كان الشاه يفهم ما معنى » من مصلحتكم «.. و إلى جانب التبعية المطلقة و الطاعة للأجانب كان هناك عدم الكفاءة إلى ما شاء الله.أقول لكم إنه لم يتم إنجاز أية أعمال مهمة طوال المائة عام الأخير إلى ما قبل انتصار الثورة. و اليوم تفتحت أعينكم على الحقائق العلمية في البيئة الجامعية. ترون كم أمامنا من الأعمال التي لم تنجز بعد، و من الطريق الذي لم يطوَ بعد. كان بالإمكان السير في هذه الطرق و مواكبة قافلة العلم. كان بالمستطاع تجريب العلم و العلمائية و البحث العلمي و الاستقلال في العلم و البحث العلمي في البلاد. لكنهم لم يفعلوا ذلك، إنما فعلوا العكس.في عهد دخول العلم الحديث لبلادنا، كان ما دخل هو التقليد و الترجمة. طبعاً، لا أقصد ترجمة الأعمال القيمة - و هي عملية ضرورية - إنما أقصد تفكير الترجمة و ذوق الترجمة و روح الترجمة بمعنى سلب الشعب القدرة على الإبداع، و سلبه شجاعة إطلاق الأشياء الجديدة، و التنكيل به و بخسه أشياءه و الإيحاء له بأنك إذا أردت الوصول لنتيجة معينة و الالتحاق بصفوف الآدميين فعليك أن تفعل نفس ما فعل الغربيون و لا تنحرف عنه قيد أنملة! هكذا علّموا شعبنا في الأروقة العلمية. لم يسمحوا له بالإبداع و التجديد و إنتاج العلم. العلم و الفكر مما ينبغي إنتاجه. لم يفسحوا المجال للإبداع العلمي لا على صعيد العلوم التجريبية، و لا العلوم الإنسانية، و لا العلوم الإنسانية و لا العلوم الاجتماعية. لذلك كان الوضع على هذه الشاكلة التي ترون.طبعاً خلال هذه الأعوام العشرين التي تلت الثورة و رغم كل المشكلات التي كانت، إلا أن الصفحة انقلبت. و إلا، فقبل الثورة و قبل انطلاق شجاعة الإرادة، و التفكير، و الثقة بالنفس، و الاعتماد على المواهب الإيرانية في البلاد - و هذه من خيرات الثورة - كانت غاية آمال الإنسان و طموحاته هو أن يعمل طبقاً للوصفة التي عمل بها الغربيون. أي إن الأفراد لم يكونوا يسمحون لأنفسهم بتجاوز ذلك السياق. إذن، كان ثمة استبداد، و تبعية، و فساد، و عدم إبداع، و عدم تقدم، لكن الثورة انتصبت مقابل كل هذه الظواهر و ثارت ضدها. لم تكن هذه الثورة و هذا النظام شيئاً اجترحته فئة أو جماعة معينة، إنما شيء قام به الشعب.القرن العشرون قرن التحولات السياسية الكبرى و الصغرى في العالم، و قد وقعت فيه العديد من الثورات، و الانقلابات، و التحولات. مهما نظرتم في القرن العشرين فلن تجدوا في هذه التحولات ما لم يتأثر بصفقات القوى الأجنبية و تدابيرها خلف الكواليس. طبعاً ثورة اكتوبر السوفيتية استثناء بين تلك الأحداث فقد كانت حدثاً مختلفاً، أما سائر التحولات السياسية التي وقعت في العالم فكانت إما بتأثير من الجماعات الحزبية و من ورائها الاتحاد السوفيتي، أو كانت انقلاباً يدبره بضعة أشخاص من طلاب السلطة. إذن، لم تكن من فعل الشعوب كما كانت الثورة في إيران. ثورة اكتوبر السوفيتية أيضاً لم تكن شعبية و قد ذكرتُ أن تحليلها حكاية طويلة بحد ذاته.الثورة الإسلامية الإيرانية كانت شعبية مائة بالمائة. إذا زرتم أية قرية من قرى البلاد خلال فترة الثورة لوجدتم الناس ثائرين و لديهم ما يقولونه و يطالبون به، و لديهم شعارات يرفعونها، و كل هذه المطالب و الكلام يدور حول محور واحد هو رسالة الإسلام التي كانوا يرون تجسيدها في إمامنا العزيز الغالي. أهمية النظام الإسلامي من حيث الأبعاد الإيرانية تكمن في أنها: أولاً شعبية مائة بالمائة. ثانياً تقف على الطرف النقيض لما عانت منه بلادنا قروناً طويلة، و هو الإيديولوجيا الملكية و الشخصيات الملكية. لا تجدون أية وطنية بوسعها خلق مثل هذه المحفزات العميقة في قلوب جميع أبناء الشعب. كل واحد من أبناء الشعب كان يطالب بهذه الثورة و بهذا النظام بكل كيانه و ينشده. حتى أكثر الناس لاأبالية كان لهم أيضاً سهمهم في هذه الحركة. هذا على المستوى الإيراني.أما على المستوى الإسلامي فإن الحالة الوطنية تحاصر عادةً داخل حدودها و لا تكون لها أية قيمة أو جاذبية أو احترام خارج هذه الحدود، أما النظام الإسلامي فقد أحيت الهوية الإسلامية و الشعور بالشخصية المميزة لدى الأفراد و الشعوب في كل مكان كان فيه مسلمون. الأقليات المسلمة المتفرقة في العالم شعرت بشخصيتها. الشعوب المسلمة خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا - أي أجزاء الامبراطورية العثمانية القديمة المتناثرة و التي تحملت آلام الاستعمار لسنين طويلة - شعرت أن نسائم جديدة قد هبّت. نحن طبعاً لا نوافق الامبراطورية العثمانية إطلاقاً فقد كانت حكومة ملكية كباقي الحكومات الملكية بكل مشاكلها و معاناتها، لكن الأوربيين - فاتحي الحرب العالمية الأولى - حينما نسفوا هذه الحكومة الكبرى الممتدة من البلقان إلى جميع نواحي آسيا الصغرى و الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - من البوسة و الهرسك حتى مصر، و تركيا الحالية، و العراق، و سورية، و فلسطين - لم يكتفوا بتدمير الحكومة، إنما انتقموا من الشعوب و أذلوها! أوصال هذه الحكومة وقعت في أيدي إحدى الدول الأوربية و تكررت قصة الاستعمار المحزنة .. القصة التي لن تنساها هذه الشعوب إطلاقاً و لن تفارق تاريخهم إلى الأبد. أن يأتي أجنبي إلى بلد من البلدان فيحكم فتوظف كافة إمكانات ذلك البلد لخدمة هذا الأجنبي و أجهزته فيكون نظام الحكم أجنبياً و تضطر جماهير البلد لإطاعة الأجنبي الذي يحكمهم و لا يتجرؤن على التحدث أو فعل أي شيء يعارض مصالحه. هذه كانت حقيقة الاستعمار.و حينما لم يمارسوا الاستعمار المباشر - كالعراق - أوجدوا حكومة ملكية و جاءوا بشخص غير عراقي - عائلة فيصل لم تكن عائلة ملكية عراقية - و نصبوه حاكماً على الناس، لكن الإنجليز هم الذين كانوا يحكمون في حقيقة الأمر. السياسة كانت سياسة الإنجليز. الإرادة إرادة الإنجليز و الشعب العراقي مستسلم و خاضع لقبضة حكومة أجنبية. انظروا، أية إهانة أشد من هذه لشعب من الشعوب؟ أهانوا كل شيء و قضوا على دينهم، و دنياهم، و شخصيتهم، وآدابهم، و ثقافتهم، و استقلالهم بالتمام.و يوم أوفدوا ما يسمى بموجة التحديث لهذه المنطقة ينبغي القول إنهم في الحقيقة أسالوا المياه الآسنة للتحديث على هذه المنطقة. لم يرسلوا العلم، و الإبداع، و الاختراعات الحديثة، و التقدم الفكري، و الجامعات الطليعية لبلدان مثل الجزائر، و مصر، و العراق، و سائر المناطق الخاضعة للاستعمار. الشيء الأول الذي جاءوا به هو الابتذال الثقافي، و السفور، و البضائع الاستهلاكية البالية، أو على الأكثر نظم التربية و التعليم المنسوخة من الدرجة الثانية و الثالثة. أي إنهم أهانوا الشعوب على كافة المستويات.حينما انطلقت التيارات اليسارية في العالم، رفع الكثير من المستنيرون في العالم الإسلامي شعارات يسارية - شعارات اشتراكية و ماركسية - و كانوا يريدون في الحقيقة الانتقام من الغرب. و لكن حين ظهر النظام الإسلامي و الثورة الإسلامية ثارت ضجة كبيرة و عمّ الهياج و الحماس كافة البلدان الإسلامية لأنها وجدت شعباً رفع راية الإسلام و صمد بوجه أقسى التهديدات، لا بوجه الغرب و حسب، بل بوجه الشرق و الغرب معاً، و رفع شعار » لا شرقية و لا غربية « و لم يأبه لأكثر صنوف التطميع إغراءً.أعزائي، ردود الفعل الأمريكية و الغربية حيال الثورة الإسلامية وليدة مثل هذه الحقائق. أوجدت الثورة في البداية انفجاراً في العالم الإسلامي بث الهلع في قلوب الجميع. حللوا الأمر و قالوا إذا لم نقف بوجه هذه الثورة و لم نسقط هذا النظام فسوف يستغرق العالم الإسلامي و يهدد مصالح الغرب في العالم الإسلامي. و كانوا على حق. لذلك ابتدأت المؤامرات ضد الثورة الإسلامية. إذن، فعل النظام الإسلامي و الثورة الإسلامية ذات الشيء الذي تفعله الوطنية لشعب من الشعوب. أي إن الجميع شعروا بالألفة و رفعوا الشعارات، و أطلقوا على أبنائهم في البلدان البعيدة أسماء شخصيات الثورة. شعراء العرب الكبار الذين لم نكن قد سمعنا بأسمائهم و لم تكن لهم أية صلة بإيران نظموا قصائد عصماء في وصف طهران، و إيران، و شعب إيران. نزار قباني شاعر جد مشهور توفي قبل ثلاثة أو أربعة أعوام، كان معروفاً بقصائده المعارضة للحكومات العربية و قد تهجّم في شعره الجذاب جداً على السلالات الملكية و حريمها. هو طبعاً لم يزر إيران أبداً و لم تكن له أية صلة عرقية بإيران، لكن له حول طهران قصيدة مطولة.. طهران التي لم يرها و لم يعرفها، و حول إيران التي طالما تصدت لها القوميةُ العربية.أما على المستوى العالمي فقد تركت الثورة الإسلامية تأثيراتها العالمية - حتى في العالم غير المسلم - و لفتت الأنظار إلى قوة الدين في تعبئة الجماهير. الدين الذي كان ظاهرة معزولة تشريفية إذا به فجأة يعبّئ شعباً بنحو يصرع صرعةً كاملةً نظاماً يستند للدعم الدولي، و لا يسمح بأي فراغ على أنقاضه بل يشيد نظاماً له رسالة جديدة. جميع من كانت لديهم أفكار مثالية للبشرية - قضية العدالة، و الإنسانية، و تكريم الإنسان، و المساواة بين البشر، و تساوي الأعراق، و ضرورة الكفاح و التصدي لمنطق القوة الدولي - و الذين حملوا في قلوبهم كلاماً لكنهم لم يتجرأوا على طرحه أو لم يجدوا الفرصة و الإمكانية اللازمة لطرحه، لاحظوا أن نظاماً سياسياً متماسكاً يقوم في مكان ما من العالم و يكتب هذا الكلام على اللافتات و يرفعه أمام أنظار الجميع. كان هذا شيئاً خارقاً بالنسبة لهم.في زمن حرب فيتنام حيث اشتدت الدعاية و الإعلام ضد أمريكا من دون أن يعبأ أحد لذلك أو يهتم، اجتمع جان بول سارتر الكاتب و الفيلسوف الفرنسي، و برتراند رسل الفيلسوف و الكاتب البريطاني، و عدد آخر و قالوا يجب أن نشكّل محكمة ضد أمريكا و نحاكم هذا النظام على جرائمه التي ارتكبها في فيتنام. أتذكر أن برتراند رسل كان المدعي العام، و جان بول سارتر كان رئيس المحكمة التي ضمّت عدداً آخر من المفكرين السياسيين في العالم الغربي. لم يجدوا أي مكان في العالم يشكلون فيه هذه المحكمة! البلدان الغربية - و منها فرنسا و بريطانيا - كانت شريكة أمريكا في جرائمها، لذلك لم يكن ثمة معنى لتشكيل مثل هذه المحكمة في هذه البلدان. و إذا قامت المحكمة في البلدان الشيوعية اصطبغت بصبغة شيوعية و لأنهم كانوا على خلاف مع الماركسية لم يرغبوا في إقامتها في تلك البلدان. و بالتالي لم تتوفر الحرية في أي مكان من العالم ليقيم فيه هؤلاء محكمتهم. فكان الحل الذي خطر ببالهم هو أن استأجروا سفينة شكلوا على متنها هذه المحكمة التمثيلية فوق مياه المحيطات الحرة! إذن، حين أراد عدد من المفكرين الاعتراض على جرائم أمريكا الفاضحة في فيتنام، كان عليهم إما أن يلجأوا للاحتجاجات في الشوارع - كالأعمال التي تحصل اليوم ضد العولمة.. حيثما ينعقد مؤتمر للعولمة تخرج مظاهرات شوارع و يطلق البعض الشعارات و يهجم عدد من الشرطة بهراواتهم، إلا أن هذه التظاهرات ليس لها أهمية تذكر و لا تأثير كبير، أنما هي مجرد أداة للاحتجاج - أو إذا أرادوا فعل شيء مؤثر في الرأي العام العالمي فلن يجدوا أي مكان في العالم يمكن أن يحتضنهم، لذلك اختاروا سفينة و ساروا إلى وسط المياه و قاموا بفعلهم هذا من دون أي اتصال بالجماهير و بلا أي امتدادات وطنية شعبية. في مثل هذا العالم الذي يعاني قحط مكان مناسب لإطلاق كلمة حق، إذا بشعب من عشرات الملايين و بمحفزات لا نهائية ينـزل فجأة إلى الساحة على نفس هذا الكوكب الأرضي، و ليس على أرض مستأجرة أو ساحة كرة قدم، بل في بلد معروف، و ليس في منطقة نائية من العالم، إنما في الشرق الأوسط أكثر مناطق الجغرافيا السياسية حساسية في العالم، ينـزل إلى الساحة و لا يعترض على أمريكا و حماتها فقط، و لا يقول » لا « لكل الدوافع الاستكبارية الأمريكية و حسب، بل و يعترض حتى على الاتحاد السوفيتي القطب المقابل لأمريكا.خلال فترة رئاستي للجمهورية شاركت في مؤتمر عدم الانحياز في زيمبابوي. مؤتمر عدم الانحياز يدار من قبل اليساريين غالباً. و هو لا يخلو طبعاً من بلدان ميّالة للغرب و أمريكا. لكن مدراءه الكبار هم روبرت موغابي و فيدل كاسترو - و هما يساريان - و بقية رؤساء الجمهوريات اليساريين في العالم من أنصار الاتحاد السوفيتي حضروا أيضاً و شاركوا في الإدارة. توجهت إلى هناك و ألقيت كلمة. كلمتي كانت مناهضة لأمريكا و للاستكبار مائة بالمائة. ذكرت حقائق الثورة، و حقائق البلاد، و جرائم أمريكا بما في ذلك جرائمها ضد شعب إيران، و القضايا المتعلقة بالحرب المفروضة و ما إلى ذلك. ثم هاجمت بنفس تلك الصراحة و الشدة الاعتداء السوفيتي على أفغانستان، فبهت هؤلاء! و قال لي أحد رؤساء الجمهورية اليساريين: عدم المنحاز الوحيد في هذا المؤتمر هو إيران. لاحظوا أن النظام الإسلامي اكتسب أهميته و تجلياته على المستوى العالمي بهذا الشكل مما اضطر حتى أعداءه إلى احترامه.أضف إلى ذلك أن الشيء الذي اجتذب إليه خصوصاً الجماهير في العالم غير الإسلامي هو الروح المعنوية. صحيح أنهم أزالوا المعنوية من حياة الناس، إلا أن هؤلاء الناس المحرومين من المعنوية و الغارقين في الحياة المادية يشعرون بالفراغ و النقص. كالإنسان المدمن الذي لا يترك إدمانه لكنه يفرح إذا قيل له إن هناك من يستطيع أن يجبرك بالقوة على ترك إدمانك، و يتمنى من الله أن يقيدوا يديه بالقوة و لا يزوّده بالمخدرات كي ينجو و يرتاح. الكثير من المجتمعات الغربية كانت و لا تزال تعيش مثل هذه الظروف.. أجل.. إنها غارقة في الماديات و بعيدة عن المعنوية، لكنها تشعر بالفراغ و النقص. لقد وجدت هذه المجتمعات أن نظاماً له هذه القدرات السياسية، و هذه المعنويات العالية، بكل هذه الأفكار الجديدة للعالم و بهذه الحيوية و الفتوة قد نزل إلى الساحة و هو يتحلى بالمعنوية.. يشرع أعماله باسم الله و ينهيها في سبيل الله.. يروم بناء العالم باسم الله، و لا يتجاوز الدنيا كما فعلت أجهزة القادة الكنسيين. لاحظوا أن هذه هي قصة الهوية العامة للشعب الإيراني أي النظام الإسلامي. شيء مهم من الناحية الوطنية، و الإسلامية، و العالمية. استرعى هذا النظام في مطلع ظهوره أنظار العالم إليه و استقطب القلوب المحايدة غير المغرضة بنفس الدرجة التي أقلق و أمضّ بها رجال و قادة و حراس الهيمنة الدولية و العالمية فوقفوا في وجهه.أعزائي، كثيراً ما تحدثت و كررت الكلام عن عداء المهيمنين و النظام الاستكباري للجمهورية الإسلامية. أتمنى أن تتأملوا و تفكروا في هذه القضية قليلاً. المسألة على جانب كبير من الأهمية. ثمة ها هنا عمل مهم جرى و يجري. الحقيقة أن ساسة الهيمنة العالمية الذين يرون العالم كله و مصالحه مباحةً لهم، يشعرون أنهم وقعوا في ورطة كبيرة. مصداق كونهم يعتبرون العالم كله ملكاً لهم هو ما ترونه. يقول الأمريكان إننا جئنا بأسطولنا إلى الخليج الفارسي لأنه فيه مصالح لنا. الهيمنة و الاستكبار العالمي لا يرى نفسه بحاجة لاستخدام الأساليب القانونية الدارجة و المألوفة لإحراز المصالح. الكل ينشدون مصالحهم. لكن طلب المصالح له طريقه. يعطي الإنسان شيئاً و يأخذ شيئاً.. يتفاوض و يكسب امتيازات. لكن هؤلاء غير مستعدين لاتباع هذه القوانين.. يبعثون سفنهم الحربية! حيثما تقتضي مصالح نظام الهيمنة فعليهم التواجد هناك باقتدار! إذا تعرضت هذه المصالح لأدنى تهديد فسيفعلون إذا استطاعوا ما فعلوه في أفغانستان من دون أي إشكال أو مانع أو رادع يخطر ببالهم.. لا يفكرون إطلاقاً.. إلا إذا تلقّوا ضربة على رؤوسهم، و بغير ذلك لا يرون و لا يشعرون بأي مانع أو عقبة تعترض سبيلهم. بل لا يرون حاجة لذلك. يقال لأمريكا هل حصلت على ترخيص من مجلس الأمن الدولي للهجوم على أفغانستان. فيجري وزير خارجيتهم المحترم (!) حواراً يقول فيه لا حاجة لمجلس الأمن! أنتم تدعون أن فلاناً أو الجماعة الفلانية أو المنظمة الفلانية استهدفت برجيكم العزيزين في نيويورك و نسفتهما و سوّتهما بالأرض، فهل عرضتم على أحد دليلاً أو شاهداً أو وثيقة بذلك؟ فيقولون لا حاجة لعرض الوثائق! أي إنه استبداد على مستوى دولي. الشعوب يكافح كلٌّ منها ضد دكتاتور بلاده و يبذل الأرواح للقضاء على هذا الدكتاتور و تنصيب حاكم شعبي مكانه. ثم تضطر هذه الشعوب لقبول الدكتاتورية الأمريكية الدولية الأجنبية و هيمنتها على شؤون بلادها. حين أكرر قضية عداء الهيمنة العالمية لإيران فإنما أفعل ذلك في ضوء هذه الحقائق.ثمة اليوم نظام مستقر و قوي و ذو رصيد شعبي عظيم. و قد حاربوا هذا الرصيد الشعبي العظيم طويلاً. مما لا يمكن لأجهزة الاستكبار أن تطيقه هو أن تشاهد جماعات مثلكم أيها الشباب تجلس و تستمع من الصميم لأحاديث مسؤول في بلادها. النظام المرتكز على أفكار الناس و أصواتهم، و عواطفهم، و محفزاتهم، و وعيهم، و يقع في منطقة جغرافية جد حساسة و يقول كلمته بلا أي خوف أو وجل، و يفعل ما يريده، فماذا يفعلون لهذا النظام إن لم يعادوه؟ لا بد لهم أن يعادوه. أنا و أنتم من يجب عليه معرفة هذا العداء و تشخيصه.و كما ذكرت ذلك اليوم في ساحة الإمام لذلك الحشد الهائل فإنهم يمكرون و يتآمرون و علينا أن تكون لنا مضاداتنا أمام مكرهم و مآمراتهم و هجماتهم. » و مكروا و مكر الله «. » إنهم يكيدون كيداً و أكيد كيداً «. إذا غفلنا عن عدوانهم خسرنا. و إذا لم نفكر بحل و علاج نواجه به هجماتهم نكون قد حققنا النجاح لعدونا بأيدينا. و هذا هو سبب تذكرتي و تحذيري الدائم للمسؤولين، و الشعب، و خصوصاً الشباب.نحن نعيش اليوم فترة حساسة. هل يمكن للشاب أن لا يكترث لشيء؟ تهجم العدو علينا حالة طبيعية. لا ضرورة إطلاقاً لأن تكون لدينا أجهزة خاصة توافينا بالأخبار عن أعماق أعمالهم - و نحن لدينا طبعاً أخبارنا الخاصة - و لكن حتى لو لم تكن لدينا تلك الأخبار الخاصة فمن الواضح و المنطقي و الطبيعي جداً أن يتآمر الأعداء ضدنا. يأتي البعض و يطرحون قضية » وهم المؤامرة «. يأتي شخص و يطرح دون خجل في الجامعات و الأجواء التنويرية في البلاد أن المؤامرة وهم، و الأعداء لا يتآمرون ضدنا. أمريكا لا تتآمر ضدنا!خلال فترة الحرب المفروضة، كانت هناك شخصيات كثيرة تزور إيران. من هذه الشخصيات التي لا أنساها أحمد سكوتوري رئيس جمهورية غينيا كوناكري في غرب أفريقيا و من الشخصيات البارزة و المحترمة جداً في القارة الأفريقية. المطالعات التاريخية و السياسية لشبابنا ضعيفة للأسف. عليكم أن تكثروا من قراءة هذه المسائل و الإحاطة بها. حصلت ثورة في بلد غنا في غرب أفريقيا و تولت الحكم شخصية أفريقية جد مميزة هو » قوام نكرومي « حيكت ضده بعد ذلك الكثير من المؤامرات.. مؤامرات غربية و أمريكية و غير أمريكية. في أحد أسفار » قوام نكرومي « إلى الخارج نفذوا ضده انقلاباً يمينياً غربياً في هذا البلد اضطر إثره أن لا يعود لبلاده. و دعا أحمد سكوتوري قوام نكرومي لبلاده و عرض عليه أن يتولى فيها رئاسة الجمهورية. مثل هذه الشخصية دعت قوام نكرومي لبلادها. إبان فترة رئاستي للجمهورية حيث كنت أنشط بشكل تنفيذي و عملي على صعيد السياسة الخارجية قلما رأيت بين الشخصيات السياسية في العالم شخصية بقوة هذا الرجل. زار إيران ثلاث مرات تقريباً. طبعاً ضغطوا كي يزور إيران للوساطة في قضية الحرب. كان يتحدث بكلام جيد في اللقاءات الخاصة.. داخل السيارة و أثناء التجوال و الذهاب و الإياب. قال لو لم تتعرضوا بعد الثورة لهجوم عسكري لتعجّبتُ، لذلك ليس من العجيب أن هجموا عليكم. صرّح بأن هجوم العراق ضدكم منظم و مدروس و مخطط له مسبقاً و عملية دولية، و ليس من فعل العراق. و كان على حق فهذا هو الواقع. شنوا هجوماً عسكرياً و ظنوا أن الأمر سينتهي لكن هذا لم يحصل. و فرضوا حظراً اقتصادياً و لم ينته الأمر. مارسوا شتى صنوف الضغط طوال هذه الأعوام الأثنين و العشرين و مارسوا الإذياء. هذه العداوات طبيعية، و ليس سبيل مواجهتها في الاستسلام.و أطرح هذه النقطة داخل قوسين.. لا يقولن أحد ما الداعي لمواجهة عدو يمارس كل هذه الإيذاء؟ توافقوا و تكيفوا معه! التوافق في القضايا السياسية المهمة ذات الصلة بمصير الشعوب يعني الاستسلام و العمل بحسب ما يريده الأعداء. كشخص يروم الاستيلاء على بيتكم و لا ترضخون له.. يقذفكم بالحجارة دوماً و يحطم الزجاج و يمارس الإيذاء. فيأتي شخص و يقول لكم توافقوا مع عدو يمارس كل هذه الإيذاء ضدكم! التوافق معناه أن تخرجوا من البيت و تسلموا له المفاتيح! التوافق معناه إهانة شعب بكامله و وقوعه في الأسر. معناه تأمين مطالب العدو بخصوص الشعب. النجاة من هذه الهموم و المشكلات ليس لها سوى سبيل واحد هو التفكير و التدبر و التخطيط لهجوم مضاد و فرض اليأس على العدو. جيل الشباب يتحمل مسؤولياته و واجباته في مثل هذه الساحة.إذا زعم زاعم أمام الشباب إن نظامنا الإسلامي لا عيب فيه إطلاقاً و إننا نطبق نفس الإطار الذي أراده الإسلام فقد قال هراءً. ليس الأمر كذلك إطلاقاً. إننا بشر ضعفاء. حينما يذكر البعض الاسم المبارك للإمام أمير المؤمنين عليه السلام أو الاسم المبارك للإمام المهدي روحي فداه ثم يذكرون أسماءنا بعدها ترتعد فرائصي. البون شاسع بين حقائق النور المطلق تلك و نحن الغارقين في الظلام. نحن نبات هذا المناخ الدنيوي المعاصر الملوث.. أين نحن من أصغر و أقل تلامذتهم؟ أين نحن من قنبرهم؟ أين نحن من ذلك العبد الحبشي المستشهد في كربلاء بين يدي الإمام الحسين عليه السلام؟ إننا لا نساوي تراب أقدام ذلك العبد. غير أن الحقيقة هي إننا كمسلمين عرفوا طريقهم اتخذنا قرارنا و ركزنا طاقاتنا في هذا الطريق. نسير في هذا الطريق و نواصل المسيرة بكل كياننا. ثمة نواقص في عملنا و جميعها قابلة للحل. طبعاً حينما نعالج هذه النواقص لا يعني هذا أننا بلغنا غاية المقصد.. كلا، سبيل الكمال لا نهاية له. في الطريق الذي نسيره عليه هناك علامة » الوقوف ممنوع « على كل كيلومتر منه.. ينبغي عدم التوقف بل السير إلى الأمام. الكثير من المشكلات الحالية التي يعاني منها شعبنا و بلدنا ممكنة الحل. جانب منها يقع على عاتقي أنا و أمثالي من رجال الدولة. و جانب منها يقع على عاتق الجماهير.أهم نقاط الضعف التي تختص بالمسؤولين - و قد أشرت لها باختصار ذلك اليوم في ساحة الإمام، و أفصّل فيها لكم أيها الشباب الآن أكثر - هي كالتالي:إحداها حالة هشاشة البصيرة و ضعف الإيمان الثوري و الإسلامي لدى بعض المسؤولين. هؤلاء معجبون بالوصفات السياسية الغربية.. و بالوصفات الفاشلة في الاختبارات تحديداً. الليبرالية الديمقراطية الغربية التي قيل يوماً إنها تمثل ذروة تكامل الإنسان الفكري و العملي، و لا يوجد شيء فوقها - و اعتقد أن هذا الرأي بحد ذاته دليل على قصر النظر حيث يجد الإنسان محطة معينة و يقول لا يمكن أن تكون وراءها محطة أخرى يسير الإنسان نحوها. كلا، الإنسان غير محدود في حركته و مسيرته - راحت تفضح اليوم نفسها بنفسها. هذه الليبرالية هي التي خلقت قضية أفغانستان راهناً و قضية فلسطين منذ سنين طويلة. هذه الأومانية الغربية الكاذبة هي التي تتجاهل الشعب الفلسطيني منذ خمسين عاماً و تروم إلغاءه بالكامل. لا يسألون أنفسهم هل كان الشعب الفلسطيني موجوداً في العالم أم أنه لم يكن موجوداً. إذا كنتم تعترفون بوجود اسمه فلسطين فأين شعبه إذن؟ أرادوا شطب شعب و اسم جغرافي من على الكرة الأرضية بالكامل. لقد بلغت الأومانية و الليبرالية و الديمقراطية عندهم اليوم درجة من القمع و الإرهاب بحيث لا يسمحون لوسيلة إعلام أجنبية ببثّ أخبار أفغانستان! هذا هو سياق الإعلام الحر من وجهة نظر الغرب. هذه الوصفة مفضوحة و فاشلة في الاختبار. و مع ذلك إذا بأحد مسؤولينا الذي أحرز عزة و احتراماً بفضل الثورة الإسلامية، و ربما كان هناك بضعة أشخاص يحترمونه بسبب إبدائه الانتماء للإسلام و الإمام و الثورة، يناصر فجأة الليبرالية الديمقراطية الغربية و هي القطب النقيض للديمقراطية الإسلامية! الديمقراطية الإسلامية و الحرية في الإسلام حقيقة أخرى مختلفة أساساً. أحياناً نجد مثل هذه الحالات النادرة. أنا طبعاً أشكر الله على أن مسؤولينا رفيعي المستوى مؤمنون بالمرتكزات الإسلامية إيماناً عميقاً. لم يستطع العدو التغلغل فكرياً و سياسياً إلى المواطن الحساسة. رؤساء السلطات الثلاث و مسؤولو البلاد رفيعو المستوى يؤمنون إيماناً عميقاً بمبادئ الإمام و الثورة. و لكن تلاحظ حالات في بعض المؤسسات سبق أن أشرت إليها.يخترقون القانون على الصعيد الفكري. مضمار الفكر له بدوره قوانينه التي لا بد أن تتبع. إذا كان لأحد شبهة حول أحد المباني الفكرية، فقانون ذلك أن يطرحها في المراكز المتخصصة و الأروقة العلمية. ينبغي إما معالجة الشبهة و محوها من الأذهان أو إذا كانت إشكالاً حقيقياً فيجب تحويلها إلى نظرية تنقاد إليها أذهان أهل العلم و الرأي. هؤلاء السادة لا يتبعون هذا القانون. تعنّ لأذهانهم شبهة معينة و ينتابهم عدم الإيمان و تقضم أرضة الأهواء و النـزوات و طلب الرفاه و الدنيا - نتيجة ألف ابتلاء و مشكلة - أركان إيمانهم القلبي العميق فيصبحوا من أرباب الشبهات، ثم يطرحون هذه الشبهة على الرأي العام و يسمون ذلك إعادة نظر! هذه خيانة للرأي العام.. ما معنى إعادة النظر؟ تارة يكون معنى إعادة النظر أن يعود الإنسان بدافع الفكر و الإنصاف عن خطأ كان قد وقع فيه. هذه حالة جيدة جداً. لكن إعادة النظر السياسية، و المصلحية، و الناجمة عن تغيّر الظروف، و تطميع العدو ليست إعادة نظر، إنما هي تذبذب و تلوّن. لدينا في الإسلام اجتهاد دائم. الاجتهاد الدائم معناه أن يعمل الإنسان الواعي على استكمال أفكاره دائماً. في طريق التكامل قد يصحح الإنسان خطأً من الأخطاء.. هذه ممارسة صحيحة و إيجابية. في طريق الفكر الإسلامي، يجب على الواعين، و المفكرين، و القادرين على الاجتهاد و الاستنباط في المباني الفكرية و النظرية للثورة - و ليس كل من ادعى ذلك، أو كل من لم يحرز الصلاحيات العلمية و الفكرية اللازمة - أن يفكروا دوماً و يستكملوا الأفكار. هذه حالة جيدة. ينبغي أن لا ننتمي لحزب » الريح « فنتخذ قرارنا كل يوم بحسب اتجاه هبوب الرياح، أو ننظر كيف تحرك العدو فنطابق تحركاتنا مع تحركاته. إذا قطّب حاجبيه نتخذ ملامح خائفة، و إذا أطلق كلاماً شديداً نتخذ ملامح معتذرة! هذا غير ممكن.لو نظر الإنسان في الحياة السياسية لبعض الأفراد منذ أول الثورة و إلى الآن لوجدها خلطة عجيبة من شتى صنوف الفكر و ألوانه! ذات يوم لم يكن أمثال هؤلاء ليكتفوا بأن تهتف الجماهير بشعارات » الموت لأمريكا و الموت للسوفيت «. كانوا يقولون يجب أن نهتف » الموت للشرق و الغرب «. كنا نقول لهم السوفيت رمز التفكير و الطريق الخاطئ. و أمريكا رمز الجرائم و الظلم.. ما الداعي لأن تقولوا: » الموت للشرق و الغرب «؟ فكانوا يقولون لنا: أنتم محافظون و استسلاميون! من بين هؤلاء السادة هناك اليوم من هم على استعداد للاعتذار رسمياً لأمريكا و بريطانيا و القول لهم: لقد أخطأنا حينما أسأنا لكم و هتفنا ضدكم.. اعذرونا. بعض هؤلاء الأشخاص كانوا يطلقون في بدايات الثورة بدافع التطرف المنفلت آراءً اقتصادية عجيبة غريبة تصيب الإنسان بالذهول التام! كنّا نقول لهم: كيف يمكن أن تكون هذه الآراء إسلامية؟ كانوا يريدون فرض أفكار يسارية اشتراكية جد متطرفة و تطبيقها باسم الإسلام. و بعض هؤلاء ممن تولوا مسؤوليات معينة قاموا بأعمال سيئة في ذلك الحين. لا أنسى أننا في شورى الثورة - في سنوات 57 و 58 - كان لدينا قانون يصنف أصحاب رؤوس الأموال قبل الثورة إلى أربع فئات: الفئة (الف)، و الفئة (ب)، و الفئة (ج)، و الفئة (د). الفئة (ب) هم الذين حصلوا على رساميلهم عن طرق غير مشروعة و غير قانونية، و حكمهم هو أن تسيطر الحكومة على رساميلهم. و الفئة (ج) هم الذين لم يكسبوا رساميلهم بطرق غير مشروعة، لكنهم حصلوا على قروض كبيرة من البنوك، و ارتكبوا بعض التزييف و الغش و لم يعيدوا الأموال. إذن، يجب أن يسددوا قروضهم. فإذا سددوا القروض كانت معاملهم لهم، و لكن إن لم يسددوا تتم السيطرة على معاملهم. في بداية رئاستي للجمهورية كُلّفتْ لجنة بتشخيص من يدرجون ضمن الفئة (ب)، و من يدرجون ضمن الفئة (ج)، و ما إلى ذلك من الأعمال. طبعاً لم تكن هذه المهام بيدي كرئيس للجمهورية، إنما بيد رئيس الوزراء و أجهزة هيئة الحكومة، و قد اطلعت أن ثمة في هذه الهيئة من يصرون على تحويل الفئة (ج) إلى الفئة (ب). أي إنهم أرادوا الحيلولة دون بقاء المعمل بيد صاحبه الذي يمكن أن يسدد قروضه للبنك و يبقى يشغِّل معمله و لا يعطل عمّاله عن العمل. في ذلك الحين كان هناك مثل هذا المنحى اليساري المتطرف الباطل المعادي للرأسمالية. و نفس أولئك الأشخاص هم اليوم على استعداد لفرش السجاد الأحمر أمام أصحاب الشركات و الرأسماليين الصهاينة كي يأتوا إلى إيران و يستثمروا فيها! يتحول الإنسان من أقصى الأفكار اليسارية الماركسية إلى أكثر التوجهات اليمينية الاقتصادية تطرفاً، و يسمي هذا إعادة نظر؛ هذا ليس إعادة نظر، إنه تذبذب و تلون. كان ذلك تطرفاً في حينه، و هذا هو اليوم أيضاً تطرف. وجود هؤلاء المطالبين بإعادة النظر في بعض الأجهزة و المؤسسات يسبب العراقيل و الخطر. إنهم يلحقون الأضرار إذا كانوا في الجامعات، و إذا كانوا في الحكومة، و إذا كانوا في المجلس، و أينما كانوا. هذه إحدى الآفات التي تهددنا.و من الآفات أيضاً التعطش للدنيا. الكثير منا - أولئك الذين اعتبروا السلطة و المناصب غنيمة - أصبنا بحب الدنيا للأسف. قبل خمس أو ست سنوات ذكرت في ندائي لاتحاد الطلبة الإسلامي هذه النقطة - لأنني كنت أشعر ببعض الأمور في ذلك الحين - و قلت إن على بعض الأفراد أن يحذروا من الوقوع في أسر الدنيا و لذائذها. الذي يرى أنه مسؤول سوف ينـزل الويلات بنفسه و بالناس إذا صار من اللاهثين وراء الدنيا و الرفاهية.بعض مشكلاتنا وليدة ضعف بعض المدراء المشغولين بالأعمال الجزئية و الأنشطة السياسية و الحزبية. حين أؤكد على هذه المسألة يقول البعض إن فلاناً يعارض الأحزاب و التحزب. و الحال أننا كنا أول من أسس حزباً بعد انتصار الثورة الإسلامية. إذا كان ثمة تحزّب بالمعنى الحقيقي للكلمة فأنا من أنصاره. لكنني لا أرى التحزب في أن يجتمع عدد من أدعياء السياسة ليطلبوا السلطة - عشرة أشخاص، أو خمسة عشر شخصاً، أو عشرون شخصاً - فيطلقوا شعارات و هياجاً و أموراً جذابة كاذبة يجرّون بها الناس أو جماعات من الناس هنا و هناك، و لا يكفوا عن اختلاق الشجارات و النـزاعات، و لأجل أن لا يبقوا عاطلين يضخمون مسألة صغيرة، و يطرحون شيئاً ضئيل الأهمية على أنه كبير الأهمية و يتناقشون و يجترحون التحليلات حوله أياماً و أسابيع، و يصنفون الآخرين وفقاً له إلى أصدقاء و أعداء.. فلان من التيار الفلاني إذن فهو عدو. و فلان من التيار الفلاني فهو إذن صديق. إنني لا أعتبر هذا تحزباً. هذه أساليب سياسية خاطئة و شائعة في العالم. كنّا مغتبطين بأن مثل هذه الأمور غير موجودة في إيران، لكن البعض يتوقون لها للأسف. لكن حين يتولّى شخص مسؤولية معينة فسوف يضر بمسؤوليته و مهماته إذا أراد أن يتوق لهذه الأمور. ذات مرة وجهت نداءً لبعض مسؤولي الحكومة و قلت لهم إن الساعات التي تمضونها في اجتماعاتكم الحزبية - لا أقول طبعاً إنكم تتقاضون أموالاً و إمكانيات - هي ملك الحكومة و الشعب، و لا يحق لكم أن تنفقوها على الشؤون الحزبية و الفئوية و ما إلى ذلك. بعض نقاط ضعفنا وليدة هذه الحالة. و إلا، فمدراؤنا صالحون. البعض يشكلون على مدراء الحكومة.. لا، مدراؤنا في القطاعات المختلفة - لحسن الحظ - مدراء صالحون على العموم. البعض منهم يبدون حقاً همماً في بعض الأمور، و لا أريد ذكر أسمائهم، و إلا فمن المناسب أن أفعل هذا. ثمة بين المسؤولين الحكوميين أشخاص يمكن ذكر اسمائهم للجماهير كشخصيات ناجحة، لكن ذكر أسماء البعض قد يفهم منه إلغاء و رفض للبعض الآخر، لذلك لا أذكر الأسماء. و لكن لدينا مثل هؤلاء الأفراد لحسن الحظ، شريطة أن لا تشوب نشاطاتهم تلك الحالات التي ذكرتها.من العيوب و الآفات الأخرى عدم وحدة الكلمة. وحدة الكلمة ظاهرة ضرورية. و لأنني شددت على هذه النقطة في كلمتي في ساحة الإمام لا أروم تكرارها هنا. من الضروري أن يتخذ المسؤولون موقفاً واحداً خصوصاً في القضايا العالمية و شؤون البلاد الرئيسية. حينما يظهر اختلاف بسيط بين تصريحات المسؤولين تلاحظون كيف تضخم الإذاعات الأجنبية هذه الاختلافات و تضاعفها. و حينما لا يكون ثمة اختلاف فإنهم يختلقونه و يزيفونه ليقولوا إن اتحاد الكلمة غائب بين المسؤولين. هم يخافون أشد الخوف من الجماعة المنسجمة المتعاطفة المتعاونة في عملها. من حسن الحظ أن تركيبة دستورنا حددت حلول المشكلات و جعلت القيادة محوراً و في النقطة المركزية لكل المسؤولين. هذه إمكانية و فرصة كبيرة جداً كي يستطيع المسؤولون العمل مع بعضهم بوحدة كلمة.ما هي التوقعات من الشاب؟ نريد من الشاب أن لا يضل الطريق. لا إشكال في النقد، بيد أن الإلغاء و الإقصاء أعظم ظلم لهذا الشعب. البعض يلغون النظام الإسلامي بلغة النقد. و البعض يرون أن نقد المدير أو المسؤول الفلاني نقد للنظام. هذه مجانبة للإنصاف. النظام الإسلامي معناه تركيبة الدستور. الأساليب التنفيذية و الإجرائية لهذا النظام موجودة في الدستور نفسه، و متوفرة بشكل واضح في وصية الإمام الجليل و سيرته و كلماته. الواجب الأهم هو أن نحافظ بكل قدراتنا و كياننا علی حزام الأمان المتين جداً لشعب إيران و الذي يصنع هويتنا العامة و أقصد بها النظام الإسلامي. على الشاب أن يصب كل هممه في بيئة عمله و دراسته و مسؤولياته المستقبلية - و بكل يقظة وتأنٍّ و اندفاع - على حراسة هذا النظام. معالجة عيوب النظام و ردم نواقصه شيء، و مواجهته و رفضه و مواكبة العاملين على إسقاطه شيء آخر. إن الإنسان ليحزن حزناً شديداً حينما يسمع شخصية جامعية كما تسمى تقول في وسط جامعي: الرجل هو من يبقى في البلاد و يناضل ضد هذا النظام كي يجفّف جذوره! هل الذي يعمل على تجفيف جذور هذا النظام الإسلامي الإلهي الشعبي رجل؟! النظام الذي بذلت في سبيله كل هذه الجهود البشرية و الشعبية.. النظام الذي ضحّى من أجله كل هؤلاء الشباب.. النظام الذي أريقت في سبيله على الأرض دماء كل هؤلاء الشهداء.. النظام الذي تحمّل مخلصو هذا البلد كل هذه المصاعب و المتاعب و العراقيل في سبيل تقويته.. النظام الذي يسنده في وقوفه شعب كبير بكل كيانه.. النظام الذي غدا رصيداً لعزة الإسلام و شرف إيران و شموخها في العالم.. العمل لتجفيف جذور هذا النظام رجولة؟! إنه أكبر خيانة و لؤم. هذه الظنون قصيرة النظر لا تصدر طبعاً إلا عن قلوب معلولة معيبة. جذور هذا النظام جد قوية و هي من أعمق الجذور و لم تستطع حتى العداوات الكبيرة أن تضعضعها.النقاط الأساسية التي ينبغي أن تتنبهوا لها أيها الأعزاء هي هذه: صيانة الدستور و خط الإمام - المتجسد و المتبلور في وصيته رضوان الله عليه - و الشعارات الأساسية و السياسية العامة للبلاد. هذه أشياء ينبغي حراستها و الاعتزاز بها من الأعماق.المتوقع من الشباب أن لا ينسوا المطالبة بالعدالة. و أن يعتبروا الحرية بمفهومها الإسلامي السامي جداً - سواء الحرية الفردية، أو الحرية الاجتماعية، أو السياسية، أو الحرية المعنوية و الروحية - من مطالبهم الدائمية فلا ينسونها. عليهم أن يدرجوا مكافحة الفقر و توفير الرفاه العام ضمن مطالباتهم. و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أيضاً من أهم المسائل التي يجب على الشباب الاهتمام بها. و ينبغي كذلك أن لا يستسلموا لخداع وسائل الإعلام حينما تقلب الحقائق رأساً على عقب. أبرز مساعي العدو راهناً هي أن يستخدم أكثر الأدوات و الأساليب الاتصالاتية الحديثة و ما بعد الحديثة تطوراً ليعرض حقائق بلادنا بالمقلوب. لا تستسلموا لإرادتهم و تعاملوا مع المسائل بتفكير. لا تستسلموا للنـزاعات بين بعض المسؤولين و التي تؤججها بعض الصحف للأسف. تظهر قضية بين اثنين من المسؤولين فيضاعفونها و يضخمونها بحيث تصبح قضية اجتماعية عامة تشغل الأذهان. أشرتُ يومها إلى أن قضية ما.. لرئيسي السلطتين التنفيذية و القضائية آراء مختلفة تم تحديد حلها في القانون، و لها حلولها النظرية و العملية أيضاً. سمعتُ أن رئيس الجمهورية المحترم قلق و منـزعج لأن رسالته لرئيس السلطة القضائية أذيعت في وسائل الإعلام. حسب ما أخبروني فإن مكتبه لم يذع الرسالة. لاحظوا أنهم جعلوا هذه المسألة علامة نزاع و أثاروا ضجيجاً حولها. كرروها في المجلس مراراً و أثارتها الصحافة كراراً و حولوها إلى قضية رئيسية في البلاد. و الحال أن هذه ليست مشكلة البلاد. مشاكل البلاد قضايا من قبيل توفير فرص العمل، و بناء البلاد، و مياه الري. لدينا في بلادنا كل هذه المشاكل، فما أهمية الخوض في هذه الشؤون الصغيرة؟ تحصل حالات اختلاف الرأي من هذا النوع عند تعاون السلطات مع بعضها مراراً. فهل على الصحافة و رجال السياسة تحويلها إلى الشغل الشاغل لأذهان الشباب؟! لا تستسلموا أنتم و لا تجعلوا هذه الأمور شاغلكم الرئيس. الشاغل الرئيس الذي يجب أن يجتذب اهتمام الشاب هو القضايا التي ذكرتها: طلب العدالة، و صيانة النظام الإسلامي، و معرفة العدو، و الاهتمام لاستقلال البلاد، و الاهتمام للصلة و الترابط بين المسؤولين و الشعب. طبعاً ثمة شؤون تختص بشبابنا الأعزاء دون سواهم، خصوصاً الشباب العاكف على طلب العلم، و منها بناء الذات.أعزائي، عوضوا نقصنا و تخلفنا العلمي، و هذا ما يحصل بالدراسة، و التفكير، و العمل، و الشجاعة العلمية. عززوا من إيمانكم. مشاعركم الطاهرة و قلوبكم النيرة النقية خير فرصة أمامكم كي تعززوا دعائم الإيمان في قلوبكم، و هي دعائم موجودة و الحمد لله. نشكر الله لأن كثيراً من شبابنا - ربما جاز القول أكثرية كبيرة منهم - طاهرون. حاذروا من أن يستطيع طلاب تلويث الأذيال في العالم - الذين يرومون تلويث أذيال كل الشباب في العالم - بلوغ أمنياتهم في خصوصكم. عززوا قوة الإرادة لديكم. اهتموا للرياضة. أؤكد خصوصاً على الرياضة، و اعتبر الرياضة كممارسة دولية و استعراضية يراد منها الإثارة حالة تصنّف على الدرجة الثانية. الرياضة بالدرجة الأولى لتقوية الجسم و سلامته، و هذه حالة ضرورية لكل الشباب في بلادنا نساءً و رجالاً. أعدوا أنفسكم لإيصال هذه الأعباء إلى محطاتها. إنها أعباء تختص بكم.. هذا البلد و هذا النظام لكم أنتم. الجيل الذي سبقكم طوى جزءاً من الطريق، و أنتم من يجب عليكم طيُّ الجزء الأكبر من الطريق بوعي أوسع إن شاء الله.اللهم، بمحمد و آل محمد، زد من نور هؤلاء الشباب يوماً بعد يوم. ربنا، بمحمد و آل محمد، اكتب المستقبل المشرق الشامخ المنتصر لإيران على أيدي هؤلاء الشباب القوية. ربنا مُنَّ عليهم بسعادة الدنيا و الآخرة، و اجعلهم جميعاً من جنود الإمام المهدي المنتظر عجل الله له الفرج، و استجب دعاءه عليه السلام في حقنا و حق كل هذه الشبيبة.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2001/11/02

كلمة الإمام الخامنئي في حشود أهالي إصفهان

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيما بقية الله في الأرضين؛ اللهم سدّد ألسنتنا بالصواب و الحكمة.أولاً أبارك عيد النصف من شعبان السعيد ذكرى ولادة سيدنا بقية الله الأعظم روحي له الفداء لكم أهالي إصفهان الأعزاء المؤمنين الولائيين. الفارق بين عيد مولد سيدنا بقية الله و سائر الأعياد الإسلامية هو أن الأعياد الكبرى تحكي كلها عن الماضي، أما عيد ولادة سيدنا بقية الله فيبشر بالمستقبل، لذلك تنشدّ قلوب المؤمنين لهذا اليوم الكبير و هذه الولادة العظيمة.ثانياً أشكركم أيها الأهالي الأعزاء الصميميون الودودون على اجتماعكم الكبير هذا و على استقبالكم الحماسي الحار لخادمكم الصغير هذا. أشكر الله على أن منَّ عليَّ أخيراً - و إن كان هذا بعد بعض التأخير - بلقائكم أيها الأهالي الأحباء و الحضور في هذه المدينة العزيزة.يجب أن أعتذر عن هذا التأخير الذي لم يكن اختيارياً. ما كان بوسع شيء أن يحول دون هذا السفر غير أن لا أستطيع التحدث إليكم. و أشكر الله أن أتيحت هذه الفرصة اليوم.أشير إلى جملة من النقاط حول مدينة إصفهان و هويتها الإنسانية و التاريخية. الأصفهانيون طبعاً و كذلك الكثير من أبناء البلد يعرفون الهوية العلمية و الأدبية و الفنية و التميز و النبوغ الذي تجلّى في إصفهان على امتداد التاريخ و إلى اليوم. و لكن لكي أقدم بدوري صورة إجمالية لهوية هذه المدينة الكبيرة و هؤلاء الأهالي المثقفين أقول إن لإصفهان سمات عديدة، لكن أبرزها هي العلم و الإيمان و الجهاد الشجاع و الفن و الصناعة. منذ خمسمائة عام و كل من ينظر لهذه المدينة في أي عصرٍ يرى هذه السمات. الشخصيات العلمية المميزة في هذه المدينة من أمثال المجلسي و الوحيد البهبهائي - و هو إصفهاني طبعاً - و الفقهاء الكبار و الفلاسفة العظام المشهورون المنتمون لهذه المدينة أو المتخرجون من حوزاتها العلمية لا يمكن إحصاؤهم في فترة قصيرة من الوقت و بالحساب الدارج. الإيمان الذي يتحلى به أهالي إصفهان كان مضرب الأمثال دائماً. زرت إصفهان في عهد الجور الشاهنشاهي دوماً. حتى في ذلك العهد حيث كانت جميع الأجهزة و الجهود منصبة على تقليص المظاهر الدينية و تقييدها، كانت بيارق التدين مرفوعة في إصفهان بأشكال مختلفة و بين شتى القطاعات. في عهد كساد سوق الدين و شياع التغريب لم تستطع العوامل الثقافية المخربة التأثير سلبياً على الرجال و النساء في إصفهان.إصفهان نموذجية من حيث الجهاد الشجاع. حرب السنوات الثمان و فترة الدفاع المقدس رفعت إصفهان إلى قمة المفاخر الإنسانية. و لا يقتصر الأمر على فترة الدفاع المقدس. شهداء إصفهان و الأبطال المشاهير من أهالي إصفهان قدموا هذه التضحيات في الميادين المختلفة. الشهيد آية الله المدرس في ميدان، و الشهيد آية الله بهشتي في ميدان، و الشهيد خرازي و الشهيد همّت و أمثال هذين العزيزين في ميدان آخر. هؤلاء الشهداء المشاهير - و لا يمكن بسهولة إعداد اللائحة الطويلة لكواكب شهداء هذه المدينة و هذه المحافظة - خلّدوا اسم إصفهان و سجلوها ضمن أبرز مناطق البلاد من حيث الجهاد الشجاع بحيث لا يمكن لأية منطقة أخرى منافستها.الفن و الصناعة في هذه المدينة أيضاً مضرب المثل لدى الجميع، و هي فريدة و نموذجية في بعض المجالات على مستوى العالم. إصفهان اليوم قطب رئيسي من أقطاب الصناعات في البلاد و الحمد لله. و قد كانت كذلك في الماضي و ستكون كذلك في المستقبل أيضاً. هذه السمات المميزة يجب أن تبقى بدرجات أرقى إن شاء الله في مستقبلكم أيضاً يا شباب هذا البلد. نذكر الماضي كي نعرف واجبنا للمستقبل. يجب أن تبقى هذه المدينة مدينة العلم، و الإيمان، و الجهاد الشجاع، و الفن، و الصناعة. و أنا أدري أن الأمر سيكون كذلك بفضل الله و بفضل كل هذه المواهب المتألقة في هذه المدينة و المحافظة، و بهذه الروح المبتهجة و القلوب الوضّاءة بنور المعرفة و بهذه المشاعر الدفاقة؟سيكون لي عدد من الأمور أطرحها إن شاء الله على الجماعات و الفئات المختلفة طوال فترة إقامتي في إصفهان، لكن ما أروم ذكره هنا يرتبط جانب منه بقضايا البلاد العامة، و يتعلق جانب منه بإحدى قضايا البلاد الخارجية. و قد أشاروا إلى مشكلة مياه الري، و مشكلة صناعة النسيج و سائر المشكلات. أعدت لي تقارير عن جميع هذه المشاكل. بعض الوزراء المحترمين و أعضاء هيئة الحكومة حاضرون في هذه الزيارة. مهمتهم النظر في جميع هذه المشاكل - و هي معروفة للحكومة طبعاً - و ملاحظتها و القيام بكل ما في وسع الحكومة القيام به. نحن طبعاً أكدنا و أوصينا و تحدثنا مع المسؤولين، و سوف نواصل المتابعة إن شاء الله كي يصار إلى رفع المشكلات إن شاء الله ضمن حدود الممكن في البلاد حالياً. و سوف ترتفع كل هذه المشاكل بالطبع عن طريق متابعة المسؤولين و الصبر و التحمّل الذي هو من ضروريات الروح السامية لشعبنا المسلم.القضية الأولى التي أروم طرحها هي أن واجب حماية نظام الجمهورية الإسلامية المقدس في الظرف الحالي للبلاد - و هو ظرف بالغ الحساسية - حساس و خطير بنفس درجة حساسية و خطورة الظرف. لماذا نقول إن الظرف الحالي حساس؟ لأن الأرصدة و التجارب و كذلك الأخطار قد تضاعفت علينا بعد مضي فترة على اندلاع الثورة الإسلامية و بلوغ هذه الفكرة و هذا النظام الفتي سن الثانية و العشرين.لقد تضاعفت أرصدتنا، فأهم رصيد للبلد و للنظام هو طاقاته البشرية - لدينا اليوم بالقياس إلى بداية الثورة مئات الأضعاف من الكوادر المتخصصة و الملتزمة والكفوءة في القطاعات و المناطق المختلفة من البلاد هي ثمرة فترة الثورة.. أناس مؤمنون مستعدون لتقديم كل كيانهم و قدراتهم العلمية و الإنسانية للبلد و الثورة و الشعب. في مطلع الثورة كانت الطاقات المتخصصة في القطاعات المختلفة قليلة جداً. أما اليوم فثمة في الجامعات و الحوزات العلمية و القوات المسلحة و شتى القطاعات الإدارية في البلاد الكثير من الكوادر المتخصصة. هذه زيادة في الأرصدة. جيل الشباب لدينا اليوم أضعاف جيل الشباب الإيراني في بداية الثورة. هذا رصيد و ينبغي النظر له كرصيد. الرصيد طبعاً وسيلة يمكن للكفوئين و المدراء اللائقين الجديرين استثماره لصالح الشعب و البلاد. الرصيد شرط لازم و ليس شرطاً كافياً.تجاربنا أيضاً تضاعفت. في مستهل الثورة لم نكن نعرف الكثير من القضايا المهمة ذات العلاقة بالبلاد و الدفاع عن نظامنا. أما اليوم فيتوفر مدراء البلاد و مسؤولوها على تجربة الحرب المفروضة و الحظر الاقتصادي الأمريكي و إعراض بعض الحكومات المتعطشة للسلطة و النفوذ. هذه تجاربنا. انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان، و هجوم العراق على الكويت، و انقلاب صفحة الدفاع العالمي عن النظام العراقي إلى الهجوم العالمي عليه.. هذه كلها تجارب و دروس ينتفع منها مسؤولو البلاد و مدراؤها في أدائهم، و أذكياء المجتمع و كل أبناء الشعب في آرائهم و تصوراتهم.و بنفس درجة زيادة أرصدتنا و قدراتنا و إمكاناتنا ازدادت أيضاً التهديدات على بلادنا و نظامنا الإسلامي. أعداء النظام و البلاد اليوم يستخدمون أساليب في التعامل لم تكن متاحةً لهم في الماضي أو إنها لم تكن مطروحةً أساساً. أما اليوم فهم يمارسون مؤامراتهم بنوعية عالية و أساليب معقدة.بالطبع، لو تصوّر أحد أن مؤامرات الأعداء تكفي لتوجيه ضربة للنظام فهو على خطأ كبير. العدو يتآمر و النظام الإسلامي يُعد مضادات التآمر » و مكروا و مكر الله «. إنهم يتخذون أساليب معينة لضرب النظام الإسلامي، و النظام الإسلامي بدوره يعد مضادات هذه الضربة، لكن التيقظ ضروري على كل حال.لماذا تضاعفت التهديدات و الأخطار؟ أية قوة متعطشة للهيمنة و النفوذ تغضب طبعاً من وجود قوى وطنية قديرة و رافضة في البلد الذي تروم التنفذ فيه تعمل على تقصير أياديها عنه. و هذا ما حصل في إيران. الحكومة الأمريكية كانت متجذرة في هذا البلد. لم يكن نفوذها سطحياً، إنما كانت تؤمِّن الكثير من مصالحها المهمة الحيوية من بلدنا العزيز، لكن النظام الإسلامي وقف بوجه هذه المصالح غير المشروعة. و قد كانت لبعض البلدان الأخرى مثل هذه الحالة. هذا الواقع الجديد جعل النظام الإسلامي من وجهة نظر تلك القوة العالمية عنصراً غير مرغوب فيه. و لأجل إخراج النظام الإسلامي عن حالته غير المرغوب فيها لا يوجد - حسب تقديرات تلك القوة العالمية - أكثر من طريق واحد و هو أن تفتح الطريق كي يستطيعوا معاودة تأمين مصالحهم غير المشروعة!أطلق النظام الإسلامي نموذجاً إسلامياً في العالم. أي إنه أثبت أن بالإمكان مواصلة الحياة حتى من دون أمريكا، و بالمقدور إدارة بلد كبير ذي خمسة و ستين مليون نسمة و التقدم به إلى الأمام من دون الخضوع لقوة عظمى. إذن السبب الرئيس للتهديد هو هوية النظام الإسلامي.طبعاً ثمة أسباب تجعل محفزات الأعداء في التهديد و العداء مما لا يمكن أن يزول بسرعة بل مما يستمر و يشتد أحياناً. من هذه الأسباب أنه أنفق مليارات الدولارات. هم طبعاً لا تطاوعهم قلوبهم على التصديق بأن الأموال التي أنفقوها على ضرب النظام الإسلامي ذهبت كلها هدراً. و من الأسباب أنهم يتمنون موت الروح الدينية لدى شبابنا. إذا استطاع مراسلهم في منطقة من مدن إيران مصادفة بضعة شباب و تسجيل كلام لهم يفهم منه عدم الاهتمام للدين، تراهم تضخمون هذا الشيء و يعممونه على جميع شباب البلاد فيمنّون أنفسهم بضعف الروح الدينية و روح الالتزام و الإيمان و حراسة الإيمان الديني في إيران! هم طبعاً مخطئون. إذا وقع اليوم حدث شعر معه الشعب الإيراني بالخطر فإن عدد الشباب المستعدين للتقدم و الدفاع طواعيةً و تضحيةً و في سبيل الله و النظام الإسلامي و مصالح شعبهم أكثر بالتأكيد مما كان في عهد الحرب المفروضة. شبابنا اليوم يتحلون بنفس الحماس و الهياج و الإيمان و الجاهزية التي أذهلت العالم خلال فترة الحرب المفروضة.الأعداء بالطبع يمنّون أنفسهم بأشياء وهمية من أجل تسويغ سياساتهم للرأي العام و لشعوبهم الغافلة غير المطلعة. يجدون حدثاً صغيراً و يضخمونه و يصورونه كبيراً. تجمع صغير من مائة شخص أو مئات الأشخاص يقوم في مكان ما ضد مقدسات الشعب و ترفع فيه الشعارات بمناسبة ما، يضخمونه ما استطاعوا، و يصغّرون بالمقابل التجمعات الشعبية الهائلة في الدفاع عن الثورة و الإسلام و حراسة المبادئ العليا للنظام الإسلامي. هذه أساليب إعلامية.شابنا هم نفس أولئك الشباب. لقد نهينا شبابنا المؤمن المخلص المتحمس عن إصدار ردود فعل مقابل الاعوجاجات التي قد يرونها عند البعض في الأماكن المختلفة.. و ننهاهم الآن أيضاً. و لكن حينما يبادر مائة شخص أو مائة و خمسون شخصاً في أفراح فوز فريق إيران الرياضي لتشويه سمعة الآلآف من الناس المشاركين و يمارسون المخالفات و الشغب و الأعمال التي تعد بالتأكيد جرائم، إذا لم ننه شبابنا فسوف يسوّون حساب هذه الفئة القليلة قبل أن تنـزل قوات الشرطة إلى الساحة.الناس ناس طيبون. الشباب شباب متحمس مخلص. طبعاً هناك مهمّات على عاتق الجميع.. رجال الدولة و مسؤولو البلاد بشكل من الأشكال.. و أبناء الشعب بشكل من الأشكال.. و خصوصاً الشباب. لدي طبعاً كلامي مع الشباب في جلسة خاصة إن شاء الله، و لا أريد أن آخذ وقت هذا التجمّع الكبير.ينبغي التحلي باليقظة و الحذر. ثمة واجبات على عواتق الجميع في هذا المضمار. و أنا خادم صغير و على عاتقي أعباء ثقيلة، واجباتي أكثر من الجميع. و مسؤولو البلاد كلما كانت مسؤوليتهم و مناصبهم أعلى و دائرة أعمالهم أوسع كلما كانت واجباتهم أكبر و أثقل. و على أبناء الشعب أيضاً واجبات.الشيء الذي أرى لزاماً عليَّ تأكيده بخصوص مسؤولي البلاد هو الانسجام و وحدة الكلمة بالدرجة الأولى. على مسؤولي البلاد أن يتحدوا و تكون كلمتهم واحدة. من مؤامرات الأعداء في السنوات الأخيرة هي دسّ شخصيات غير مؤمنة بالمبادئ الإسلامية في صفوف مسؤولي البلاد رفيعي المستوى، من أجل ضعضعة الانسجام بين مدراء البلاد الكبار. هذا خطر كبير. لمدراء البلاد مثل سائر الناس آراؤهم و أفكارهم في كل قضية، و هي آراء محترمة بالنسبة لهم، بيد أن هناك نقطتين في هذا الباب: الأولى هي إذا كان هناك شخص يتولى مسؤولية معينة في نظام الجمهورية الإسلامية لكنه لا يؤمن في داخله و قلبه بمبادئ نظام الجمهورية الإسلامية كما رسمها الإمام الجليل و تجسدت في الدستور، فإن شغله لذلك الموقع و المسؤولية حرام شرعاً. حين يدور الحديث حول القضايا الرئيسية في النظام الإسلامي، و حين تكون القضية قضية الوحدة بين الدين و السياسة، و مواد الدستور، و حين يجري الكلام عن ضرورة اتباع الدين و الشريعة، إذا كان لمسؤول من المسؤولين عقيدة غير هذه فبوسعه أن يكون مواطن الجمهورية الإسلامية - لا مانع في هذا - لكنه لا يستطيع أن يكون مسؤولاً. خصوصاً في المناصب و المسؤوليات رفيعة المستوى. المسؤولون الكبار، و نواب المجلس، و المسؤولون الكبار في السلطة القضائية إلى جانب مسؤولياتهم المهمة في نظام الجمهورية الإسلامية لا يمكنهم عدم الاعتقاد بمبادئ نظام الجمهورية الإسلامية و مبادئ الدستور.. فعقيدة الإنسان تؤثر في أعماله و أقواله.النقطة الثانية هي أن المسؤولين حين يختلفون في شيء غير قضايا النظام الكبيرة - في مسائل العمل والإدارة و فهم القانون - ينبغي أن لا يظهر اختلاف الآراء هذا أمام أعين الناس و يعلن في كل مكان. اختلاف وجهات النظر يجب أن لا يدل على اختلاف المسؤولين. لماذا؟ لأن ذلك يبث اليأس و القلق في نفوس الناس و يفرح الأعداء. اختلاف المسؤولين في فهم واجب من الواجبات حالة متوقعة طبعاً. مثلاً قد يكون لرئيس الجمهورية المحترم و رئيس السلطة القضائية المحترم وجهتا نظر حول قضية من القضايا، و يكون لكل منهما براهينه و أدلته. طيب، لهذه المسألة طريقة حل مرسومة في الدستور. القائد هو المنسّق بين السلطات الثلاث و بوسع القيادة رفع هذه المشكلات. معيار التعاون هو الدستور الذي حدد الواجبات، و أحكام حالات الاختلاف و النـزاع، و حدد الحَكَم و المرجع. ثمة في الدستور واجبات محددة للسلطة التنفيذية.. الإدارة العامة للبلاد، و إدارة جميع الشؤون التنفيذية للبلاد و إعداد الميزانية العامة للبلاد مهام تقع على عاتق السلطة التنفيذية. واجبات السلطة التشريعية هي سن القوانين و الإشراف على أداء المسؤولين الحكوميين. واجبات السلطة القضائية هي ملاحقة المخالفين للقانون و إحقاق الحق كي لا يظلم أحد أحداً و لا يعتدي عليه. إذا أرادت كل واحدة من السلطات القيام بواجباتها لكان هناك من العمل و الجهاد الذي يرضي الله مقدار كبير لا يبقي أي وقت. واجبات القيادة أيضاً مرسومة في الدستور. القيادة لا تتدخل تدخلاً مباشراً في مهام البلاد التنفيذية على الإطلاق، لا في السلطة التنفيذية، و لا في السلطة القضائية، و لا في السلطة التشريعية. أهم أعمال القيادة هو رسم السياسات العامة للبلاد، أي الأمور التي تحدد الاتجاه العام للبلاد و الذي يجب أن تتماشى معه جميع القوانين و القرارات و الأعمال. تواجد القيادة في جميع مفاصل البلاد يعني تواجد سياسات القيادة التي يجب تنفيذها بكل دقة. و أقول لكم: أينما تم تنفيذ هذه السياسات ربحت البلاد. و أينما جرى التخلف عن هذه السياسات طوال الأعوام الماضية - منذ عشرة أو أثني عشر عاماً إلى الآن - تضررت البلاد، و قد شعروا بالضرر أحياناً، و أحياناً لم يشعروا بالضرر إلا بعد انقضاء مدة. إذن، تواجد القيادة و مشاركتها حالة جادة.طبعاً قد يكون للمسؤولين آراء مختلفة حول بعض القضايا التي تهتم بها هذه السياسات، لا ضير في هذا.. يأتون و يطرحون آراءهم، و اتخاذ هذه السياسات يتم وفق سياق جد معقول و منطقي. يتم التخطيط لها في المؤسسة المكلفة بهذه المهمة في الحكومة، ثم ترتقي درجةً درجةً إلى أن تصل مجمع تشخيص المصلحة. إذن، يتم أخذ جميع جوانب القضية بنظر الاعتبار. و قد يكون لأحد الأشخاص رأي معارض. لا إشكال في هذا. لكن طالما كان القانون قانوناً لا يجوز التخلف عنه. و السياسات التي هي مضمون الدستور - للسياسات مرتبة أعلى من القانون، فهي في مستوى الدستور - طالما لم تتغير يجب على الشخص حتى لو كان له رأي آخر عدم تخطيها و العمل أو الدعاية طبقاً لرأيه. النقاش في الأروقة العلمية و التقنية و التخصصية جيد جداً، إلا أن إثارة الأجواء في البلاد بطريقة إغواء الرأي العام ممارسة خاطئة و على الضد من مصالح البلاد.إننا بملاحظة كافة الجوانب، و بدراسة جميع تجارب البلد و البلدان الجارة، و بعد استشارة أصحاب الرأي المميزين نصل لنتيجة فحواها أنه لا العلاقة مع أمريكا و حسب، بل حتى التفاوض مع الحكومة الأمريكية اليوم على الضد من المصالح الوطنية و مصالح الشعب. هذا ليس رأياً متعصباً. إنه فكر و تأمل مدروس يأخذ جميع الجوانب بنظر الاعتبار. التفاوض مع أمريكا - سواء بخصوص القضايا الحالية أو القضايا الأخرى - معناه فتح باب التوقعات و المطالبات الأمريكية. الذين يتحدثون عن التفاوض - و هم لا ينطلقون طبعاً من سوء نية لكنهم غافلون - لا يتفطنون إلى أن التفاوض مع أمريكا حول أية واحدة من القضايا التي ترى الحكومة الأمريكية لنفسها مصالح و آراءً فيها - مثل قضية أفغانستان هذه - لا فائدة منه إطلاقاً. لماذا؟ لأنها مستكبرة و لا تستسلم. تفاوض أمريكا مع حكومة ما ليس معناه أنها تريد موافقة آراء تلك الحكومة. إنها لا توافق حتى آراء الأوساط العالمية! الآن حيث تناقش في مؤتمر بأفريقيا قضية سخونة الأرض و الاحتباس الحراري في العالم، و العالم كله يرى ضرورة العمل في هذا المضمار، ترون أن أمريكا لا تخضع، أي إنها لا تتكيّف حتى مع أصدقائها الأوربيين! قبل أيام قرأت في الأخبار أن رئيس جمهورية باكستان طلب من الأمريكيين عدم استخدام المطار الفلاني للهجوم على أفغانستان، و استخدام باقي المطارات لهذا الغرض، لكن الأمريكيين رفضوا طلبه! أي إنهم لا يعيرون اهتماماً لمشورة رئيس جمهورية ذلك البلد فيما يتعلق بمطار! أي البلدان ذات العلاقة بأمريكا استطاع فرض رأيه على أمريكا في مسألة مهمة؟ بعض البلدان العربية تتملق أمريكا، وبعضها تراعي الآراء الأمريكية و تعمل بها في جميع القضايا بأقصى جهدها، و لكن أية مطالبهم ضد الكيان الغاصب أو القضايا المهمة في العالم العربي استجابت لها أمريكا؟ هذه غفلة كبيرة لدى البعض.السياسة التي طرحتها سياسة مهمة في البلاد. على المسؤولين العمل بالسياسات و الحفاظ على انسجامها. الانسجام أهم شروط التقدم. أقول لكم: لو لاحظ العدو وجود جماعة مؤمنة، ملتزمة، منسجمة، متعاطفة فيما بينها، و كفوءة تتولى زمام الأمور في بلادنا فسوف ييأس و تقل محفزاته في العداء. ليفهم الذين يشجعون التفرقة بين المسؤولين ما الذي يفعلونه. سياسة أعداء البلد حالياً هي بث الخلافات بين المسؤولين. لدينا أخبار خاصة عن الزمر التي يمتد أحد طرفيها داخل البلاد، و يسرح طرفها الآخر في الخارج. خطتهم الأساسية التفرقة بين مسؤولي البلاد تحت عناوين اليسار و اليمين و سائر العناوين. الشعب يطالب بوحدة المسؤولين. أينما وجد الشعب المسؤولين متكاتفين متحدين متعاطفين متطابقي التصريحات و لا يسقّط بعضهم بعضاً، فسوف يفرح و يتفاءل. و على العكس من ذلك الأعداء الذين سوف ييأسون.طبعاً، كانت لنا دوماً توصيات أخرى لمسؤولي البلاد و لا ضرورة لطرحها على الملأ العام. و قد تحدثنا مع المسؤولين حول قضايا إصفهان الخاصة نظير قضية المياه و غيرها. و أنا لدي اعتراضي بالطبع على طول فترة تنفيذ الكثير من المشاريع أكثر من الحد الطبيعي. و قد اعترضنا على الحكومات السابقة أيضاً. وعدتنا هذه الحكومة أن تقصّر أمد تنفيذ المشاريع. نبّهتهم خصوصاً إلى قضية كوهرنك الثالث، و مياه عين لنكان. و لحسن الحظ أن وزير الطاقة شاب مؤمن كفوء. نتمنى أن يستطيع إن شاء الله بلوغ النتائج خلال مدة أقصر من المدة المقررة.القضية ذات الصلة بالشؤون الخارجية هي فاجعة أفغانستان. لقد طرحت آرائي حول قضية أفغانستان، لكن ما أروم طرحه عليكم أيتها الجماهير العزيزة هنا هو جملة نقاط: النقطة الأولى هي أن جهود الأمريكيين انصبت على جرِّ ايران للدخول في هذه القضية. بغض النظر عن صحة أو سقم أساس القضية و اتهام تلك الجماعة الأفغانية أو العربية، و ما هي الأدلة على ذلك - لم يعرض الأمريكان لحد الآن أي دليل مقنع على أحد - و لكن على افتراض أن هذه التهمة صحيحة، فإنهم بدل أن يحاربوا المتهمين وجهاً لوجه يستهدفون الشعب الأفغاني! و لهم إلى الآن أثنان و عشرون أو ثلاثة و عشرون يوماً يدكون المدن و الشعب الأفغاني المظلوم باستمرار. أصروا على إدخالنا في هذه القضية: أمنحونا فضاءكم و أراضيكم لنستطيع العبور! لو لم تتخذ الحكومة الإيرانية تلك المواقف الحاسمة منذ البداية لتضاعفت توقعاتهم يوماً بعد يوم. من أهدافهم أن يقولوا للكتل الهائلة في كل أرجاء العالم الإسلامي و التي تحترم الشعب الإيراني و النظام الإسلامي أن إيران ليست ملتزمة بالمبادئ الإسلامية بالدرجة التي تصورتموها. هدفهم الآخر هو الحصول على ترخيص لقتل المسلمين و ارتكاب مجازر بحق الشعب الأفغاني. أي ترخيص أفضل من قولهم إن إيران على إطلاع بالأمر و هي تواكبنا و تتعاون معنا؟ لقد أصررنا على عرض مواقفنا على العالم دون أية ضبابية أو غموض. قلتُ لمسؤولي البلاد إن المواقف يجب أن تخلو من أية مراوغة و ازدواجية. يجب أن يعلنوا صراحة و بوضوح إننا نعارض الإرهاب و نعارض الهجوم الأمريكي على أفغانستان. و لا نشارك في أي تحالف تتزعمه أمريكا.النقطة الأخرى هي أن الأمريكيين تضرروا من هجومهم على أفغانستان. سواء حققوا أهدافهم العسكرية في أفغانستان أو لم يحققوها، فقد تكبدوا ضررين أساسيين أحدهما يختص بالأمريكيين أنفسهم، و الثاني ضرر يشترك العالم الغربي فيه مع أمريكا. الضرر الأساسي الذي تشترك فيه أمريكا و العالم الغربي في هذه القضية هو سقوط القناع عن وجه الليبرالية الغربية مرة أخرى. هم ينادون بالليبرالية الديمقراطية الغربية بكل فخر في العالم و يؤكدون وجود الحرية، و التحضر، و الديمقراطية، و احترام آراء الناس في الغرب. نعم، اللسان ناعم و يمكنهم أن يلوكوا الكلام كيف ما أشتهوا، و لكن في الامتحان يكرم المرء أو يهان! أضحت أفغانستان ساحة اختبار جديدة لليبرالية الغربية كي يثبت أنهم إذا استدعت مصالحهم و إرادتهم الاستكبارية فلن يتوانوا عن أي عمل و سيكونوا على أتم الاستعداد لتدمير و سحق بلد و شعب بأكملة دون أي حجة. في قضية الهجوم على العراق كان لأمريكا ما يشبه الحجة و الذريعة. قالت إن العراق هجم على الكويت. طبعاً لم تكن حتى تلك الحجة كافية. إذا كان العراق قد هجم على الكويت فلماذا يهاجمون المدن العراقية؟! كان عليهم مهاجمة القوات العسكرية. إذن، لم تكن حجتهم هناك مقنعة تماماً، أما هنا فهي غير مقنعة أبداً. هم أيضاً يعترفون أن أهالي هرات، و قندهار، و كابل، و جلال آباد لا ذنب لهم إطلاقاً. إنما المذنبون هم جماعة أو عدد قليل من الأشخاص. إذن، لماذا تدكون الناس؟! لأجل أن يوفروا الجواب للشعب الأمريكي نسجوا لأنفسهم ترخيصاً و راحوا يرتكبون غضباً مثل هذه الأعمال الوحشية و يقتلون الشعب الأفغاني قتلاً جماعياً. إذن، فضح وجه الليبرالية الغربية مرة أخرى و اتضح أنهم أخفوا سوطهم تحت باقة الورد التي قدموها، و ثمة وجه مرعب يختفي وراء الظواهر المعطرة و أربطة العنق و الأناقة و النـزاكة. هذا ما أدركه العالم.أما الضرر الخاص بأمريكا فهو أن النهضة الإسلامية العالمية تسارعت بشعار » الموت لأمريكا «، و أثبت ما هو الاستكبار الذي تقول به إيران و تكرره. حينما يقال هاتوا برهانكم على أن هؤلاء الأشخاص هم المتهمون في قضية العشرين من شهريور في نيويورك و واشنطن(1) لا يأتون ببرهان، إنما يقولون إنهم مجرمون! حين يقال لهم لا تهاجموا شعب أفغانستان يهاجمونه. حتى أصدقاؤهم الأوربيون الذين لا يدينون هجومهم بصراحة يعبرون عن قبح هذا العمل بأساليب مختلفة. و مع ذلك لا يقلع الأمريكان عن فعلهم! حين يقال لهم إن الناس في أفغانستان يقتّلون، تراهم يجرون حوارات يقولون فيها: كلا، الصور التي عرضتموها في التلفاز للأطفال و النساء الجرحى مزيّفة، إننا لم نقتل أحداً! دمروا كل هذه البيوت ، و قصفوا مراكز الهلال الأحمر، و نسفوا المراكز غير العسكرية علانية، لكنهم كالذي » أن رآه استغنى « يقولون بكل تكبر: كلا، الواقع هو ما أقوله أنا! حين يقال لهم: شهر رمضان علی‌ الأبواب، فأوقفوا هجماتكم بمناسبة هذا الشهر، يقولون: كلا، لن نوقف هجماتنا لأجل شهر رمضان! عندما يقال لهم إن القنابل و الصواريخ الفلانية تؤدي إلی جرائم في أفغانستان، يجرون الحوارات بكل برودة دم و يقولون: لقد قررنا مواصلة إمطار هذا البلد بهذا النوع من القنابل و الصواريخ! الاستكبار معناه أن لا تصغي آذانهم لأي كلام منطقي في العالم. و يتوقعون جرّ البلدان الإسلامية و إيران الإسلامية لقضية لا يمكن بحال من الأحوال تأييد موقف هذا المستكبر الظالم المعتدي فيها. تركزت جهود حكومة الجمهورية الإسلامية و مسؤولي البلاد على إبعاد البلاد عن القضية، لكنهم في الوقت نفسه يصرحون بمواقفهم لكل العالم. و أقول لكم إن مؤشر نمو النظام الإسلامي و المحفزات الإسلامية في العالم هو أن هذه الرسالة استلمت من قبل الشعوب المسلمة. الكثيرون كانوا يتمنون أن يقولوا شيئاً في الأيام الأولى لكن التهديدات لم تكن تسمح. و حين صرحت الجمهورية الإسلامية بموقفها اكتسب الآخرون الجراءة أيضاً و أعلنوا مواقفهم.أيها الشعب العزيز، أهالي إصفهان المؤمنين الأطياب! هذا هو نظامكم و بلدكم، و هذه الراية الخفاقة في أيديكم. هذه حصيلة تضحيات شهدائكم الأعزاء. إنها ثمرة الإخلاص و النقاء الذي أبداه الشعب الإيراني طوال هذه الفترة. المشكلات موجودة لكنها ممكنة الحل جميعاً. ليس في البلد مشكلة أو عقدة كأداء.سوف يدبّر المسؤولون الأمور إن شاء الله بفضل الاتحاد و الانسجام الذي ذكرناه و بمراعاة المعايير الإسلامية، فالإسلام منقذ مخلِّص. أعزائي، اعلموا أن صلاح الدنيا و الآخرة، و العزة و الاستقلال، و الرفاه المادي، و رفع الظلم و الإجحاف و التمييز كلها أمور غير متاحة في البلاد إلا تحت ظل الإسلام و نظام الجمهورية الإسلامية. اعتصموا بالإسلام و حافظوا على اتحادكم و معنوياتكم، و اعلموا أن المستقبل لكم أيها الشعب الإيراني بفضل من الله، و سوف تشهدون أيها الشباب أيام الازدهار و العزة التي لم تكن بالنسبة للأجيال الماضية ممكنة التصور حتى في الأحلام.اللهم بمحمد و آل محمد أعزز إيران و الإسلام و المسلمين. اللهم أمطر رحمتك و فضلك و بركتك على شعب إيران العزيز، و على أهالي إصفهان الأعزاء، و على هذا الجمع المحتشد.ربنا أقسم عليك بمحمد و آل محمد، أحينا بمحمد و أمتنا على محمد و آل محمد. ربنا مُنَّ على شعب إيران في عيد النصف من شعبان هذا بعيد كبير هو التعجيل في فرج مولانا إمام العصر و الزمان عجّل الله فرجه الشريف. اللهم بمحمد و آل محمد تقبّل منا بفضلك و كرمك ما قلناه، و ما نفعله، و ما في قلوبنا، و اجعله لك و في سبيلك.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - 11 أيلول (سبتمبر) 2001 م. 
2001/10/29

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة مسابقات القرآن الكريم الثامنة عشرة

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بالحضور المحترمين، خصوصاً الضيوف الأعزاء و القراء و الحفاظ المحترمين المشاركين في هذه المراسم من بلدان إسلامية شتى. كما أبارك للذين حازوا على مراتب عليا في هذه المسابقات. و أشكر القائمين على هذه المراسم و أتمنى أن يتقبل الله تعالى جهود المشاركين و الضيوف و القائمين على العمل، و أسأله أن يوفقكم ثانية لمواصلة أنشطتكم و خدماتكم القرآنية.أقول كلمة واحدة هي أن على مسلمي العالمي الاهتمام بالقرآن أكثر في ضوء كل هذا العداء الذي يواجهونه. القرآن هو علاج آلامنا. كل الضعف و الذلة و التأخر الذي نشاهده في العالم الإسلامي ناجم عن الابتعاد عن القرآن. علينا جميعاً - نحن و سائر البلدان الإسلامية - الاقتراب إلى القرآن أكثر.التوصية القرآنية الأولى هي التوحيد و التوجه إلى الله و تحطيم أصنام المال و العسف بأي شكل كانت. التوصية القرآنية الثانية هي وحدة الكلمة. إذا لم نهتم لنهي القرآن حيث يقول: » و لا تفرقوا « (1) ، و سرنا بذرائع مختلفة وراء الاختلاف و التفرقة و بضّعنا الأمة الإسلامية أوصالاً، ستكون النتيجة هذا الوضع الذي تشاهدونه: يهجم العدو على جزء من الجسد الإسلامي و تبقى الأجزاء الأخرى نائمة مهملة و كأن شيئاً لم يحدث! ينامون نومة العافية! هذه تفرقة و تمزق. علينا العودة إلى القرآن. العودة إلى القرآن ليست بتلاوته و حفظه فقط. تلاوة القرآن و قراءته و حفظه مقدمة لفهمه و العمل به.طبعاً، التلاوات التي تقدمونها بأساليب حسنة و جميلة مشوِّقة و ذات قيمة و تحض الشباب على التوجه للقرآن. لذا فنحن نشجع هذه المسابقات التي ينبغي إقامتها بمزيد من الاحتفاء و الحماس.نسأل الله تعالى أن يصلح أمور الأمة الإسلامية، و يجعلنا من المتوسلين بالقرآن، و ينوّر قلوبنا بنور القرآن، و لا يبعدنا عن القرآن في حياتنا و مماتنا في هذه الدنيا و تلك النشأة.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1 - سورة آل عمران، الآية 103.
2001/10/17

كلمة الإمام الخامنئي في مدراء الدولة بمناسبة المبعث النبوي

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك عيد المبعث الشريف و هو في الحقيقة عيد تاريخ الإنسانية لكل الشعوب المسلمة، لا سيما لشعبنا الإيراني العزيز، و لكم أيها الحضور المحترمون في هذا المجلس. بالطبع عيدنا لهذا العام ليس عيداً كاملاً بسبب فجائع أفغانستان. عدد كبير من هذه الأمة الإسلامية الكبرى، و من أتباع هذا النبي المكرم يتعرضون اليوم لتعامل متعصب حقود و ناقم من قبل القوى الظالمة الجائرة. نتمنى أن يفرّج الله تعالى لكل الأمة الإسلامية - خصوصاً للشعب الأفغاني و الشعب الفلسطيني المظلوم - ببركات النبي الأكرم و بركات هذا اليوم.المبعث في حقيقته هو ارتفاع راية الرسالة ذات الخصوصيات الفذة و الممتازة للبشرية. الواقع أن المبعث رفع راية العلم و المعرفة. ابتدأت البعثة بـ » إقرأ «: » إقرأ باسم ربك الذي خلق « (1)، و استمرت بـ » ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة « (2).. أي الدعوة المصحوبة بالحكمة. الدعوة الإسلامية في الحقيقة هي نشر الحكمة في كل العالم و على امتداد التاريخ، كما أن البعثة هي رفع راية العدل. أي تكريس العدالة بين المؤمنين و عباد الله و كل أبناء الإنسانية. و الرسالة هي رفع راية الأخلاق الإنسانية السامية. » بعثت لأتمم مكارم الأخلاق « (3). يخاطب الله تعالى رسوله الكريم قائلاً: » و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين « (4)، أي إن جميع الأمور التي تحتاجها الإنسانية في كل العصور و الظروف و في جميع أنحاء العالم مدرجة في هذه البعثة.. أي العلم و المعرفة، و الحكمة و الرحمة، و العدل و الأخوة و المساواة، و الأمور الأساسية التي يستلزمها سياق الحياة السليمة للبشر. مع أن الجهاد مقرر و مشرّع في الإسلام، و الجهاد معناه مكافحة العسف و العدوان - البعض طبعاً يشيعون عن سوء نية أن الإسلام دين السيف بسبب حكمه في الجهاد - لكن هذا الإسلام نفسه يقول: » و إن جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل على الله « (5). بمعنى أنه يرجّح السلم على الحرب حينما تقتضي الظروف ذلك.الإنسانية اليوم بحاجة لهذه المعارف. نحن المسلمون مقصّرون و علينا الاعتراف بتقصيرنا. نحن المسلمون مقصّرون. أولاً نحن مقصرون في عرض معارف الإسلام الحقيقية على مستوى العالم. ثانياً: في عرض النموذج الإسلامي الصحيح على مستوى العالم. إذا نظّم المسلمون أعمالهم و سلوكهم الاجتماعي و الفردي و نماذجهم الحكومية و السياسية طبقاً لهذه المعارف لكان هذا خير دعاية للإسلام. طبعاً، لا شك أن الأمواج الإعلامية العالمية المعقدة و المتشابكة منصبة اليوم ضد الإسلام. لاحظتم في إطار الأحداث التي وقعت في المدن الأمريكية أن مدراء الشبكات الإعلامية انتهزوا هذه الفرصة لتوجيه التهمة للإسلام؛ بمعنى أنهم لا يفرطون بأية فرصة. طبعاً هذه خطيئة بقيت تبعتها و آثارها و وصمة عارها في جبين الساسة المقتدرين في الكثير من البلدان الغربية. صرحوا و تصرفوا بطريقة جعلت المسلمين الأبرياء و هم مواطنو بلدانهم يتعرضون للتهم، و فوق ذلك اتهموا الإسلام و شمس المعرفة، و النور، و النقاء، و الرحمة. على كل حال البشرية اليوم بحاجة للإسلام.بخصوص الأمور التي تجري في منطقتنا هناك نقاط مهمة من المناسب أن يتنبه لها العالم الإسلامي. هناك حدثان يقعان حالياً: أحدهما حدث جد مرير و خطير هو تعرض السلام في هذه المنطقة و في العالم كله على أغلب الظن للخطر بسبب أداء و سياسات المسؤولين و الساسة و المقتدرين الأمريكيين خصوصاً. إنهم يرفعون دوماً شعار السلام و نصرة السلام، لكنهم عملياً يهددون السلام و يجرون العالم إلى الحرب. هل مصالح شركات إنتاج السلاح تقتضي هذا؟ هل المصالح السياسية الاستعمارية و الاستكبارية تستدعي ذلك؟ هل الجهل و الغرور و عدم الاكتراث لحقائق العالم هو الذي أوجد هذا الواقع؟ هذه كلها احتمالات ممكنة. ما هو واقع فعلاً و يسمعه الإنسان في كلام مسؤولي البلدان المقتدرة - و المسؤولين الأمريكيين غالباً - هو إطلاق كلام التهديد. إنهم يهددون السلام.. يهددون العالم بالحرب. الحرب بين مَن و مَن؟ الحرب بين الفرق؟ الحرب بين البلدان؟ الحرب بين الظالم و المظلوم؟ هذه كلها أمور محتملة.كلمة السلام تتكرر. يرفعون في كل مكان شعار إننا نريد السلام. في المفاوضات السياسية يطرحون قضية السلام دوماً، لكنهم يؤجّجون نيران الحرب عملياً! هذا سياق جد مهم و مرّ. التهديد بالحرب مرّ أينما كان. و لكن حين تكون هناك ذريعة غير منطقية وراء الحرب فستكون القضية أشد مرارة و سوءاً. المنطق الأمريكي للهجوم على أفغانستان منطق ضعيف جداً. لم يقنع أحداً في العالم. حتى الساسة المتحيزون لأمريكا صرحوا أنهم لم يقتنعوا.أي منطق هذا الذي يقول: طالما كان هناك متهمون في بلد ما إذن يجب الهحوم على ذلك البلد! اولئك المتهمون يعيشون في الجبال و الكهوف و مناطق غير معروفة، لكن هذه النيران تنهال على أناس لا توجه لهم أية تهمة في هذه القضية. هذا واقع. و أي ظلم فوق هذا؟لقد جرحوا جسد الأمة الإسلامية. الحق أن العالم الإسلامي اليوم مصاب و مفجوع. هذا عن قضية أفغانستان، و ذاك عن قضية فلسطين. للأسف ينتهز الصهاينة اليوم هذا الحدث فيضاعفوا ضغوطهم على شعب فلسطين المظلوم.الحدث الآخر الذي يقع حالياً - يقع غالباً على يد الأمريكيين و بعض من يتعاون معهم - هو أن الحضارة الغربية راحت تفصح عن حقيقتها و هويتها و تمنح الإنسانية تجربة معينة. الحروب تنتهي لكن التجارب تبقى. في الأحداث الكبرى دروس للشعوب. هذا الدرس سيبقى في صدور الإنسانية و في ذاكرتها التي لا تزول كيف أن حضارة بكل هذه البهارج و الإدعاءات أخفقت بهذه الدرجة في الاختبار. ثمة في العمل الذي يقومون به تأجيج للحروب و ظلم و إجحاف و غرور و سكرة، و تصرفات غير عاقلة. إشعال الحروب، تهديد السلام، قتل الناس العزّل، استهلاك ثروات طائلة لإشعال الحروب و بذريعة لا يمكن الوثوق بها.. هذه تجارب حضارة. قارنوا هذا بالحضارة الإسلامية حينما فتح المسلمون في زمن الخلفاء الراشدين مناطق غرب العالم الإسلامي - أي مناطق الروم و سورية الحالية - تعاملوا مع اليهود و النصارى تعاملاً جعل الكثيرين منهم يعتنقون الإسلام. في بلادنا هذه إيران استسلم الكثير من الناس بدون مقاومة لأنهم شاهدوا مروءة المسلمين و رحمتهم و مداراتهم لأعدائهم. و هكذا دخلوا دين الإسلام بأنفسهم. في بلاد الروم - كما كتب في التاريخ - قال اليهود للمسلمين حين جاءوا: قسماً بالتوارة لم نر طوال حياتنا يوماً طيباً كهذا اليوم. كانت هناك حكومة مسيحية تظلمهم، و حين جاء الإسلام شعروا بعطف الإسلام. هذا هو ما يبقى في التاريخ، و هذا هو ما يحدد اتجاه التاريخ، و هذا هو ما يضمن بقاء الفكر و الحضارة و الثقافة.هؤلاء يؤجّجون الحروب هكذا، و لا أدري هل غايتهم محاربة الإسلام و المسلمين؟! ذات مرة، قبل سنتين أو ثلاثة قال لي في طهران رجل سياسة غربي معروف عبارة مضمونها إننا لا نروم إشعال حرب بين الإسلام و المسيحية! فقلت له و هل مثل هذه الفكرة مطروحة أساساً؟! لماذا يجب أن تقوم حرب بين الإسلام و المسيحية؟ ليس المقرر أن تتحارب الديانات و المذاهب في العالم، إنما يجب أن تتعايش. ثم قلت له إنكم الأوربيين تنادون بالسلام لكنكم أشعلتم أكبر الحروب في العالم. طوال عقود أشعلتم حربين عالميتين و ضخمتموهما. طبعاً طالتنا نحن المسلمين نيران هذه الحروب لكنكم أنتم الذين أنشبتموها. إذن، نحن المسلمين لا ننوي الحرب. إنني أسأل نفسي: هل ما يطرح من قضية الحرب بين الإسلام و المسيحية سياسة خطّط لها المخططون خلف الكواليس كما خططوا لكثير من القضايا في العالم؟ إذا كان هذا فهو تهديد كبير أمام العالم. إنها وصمة عار لن تمحى من جبين الغرب أبداً.العالم اليوم و كما كان دوماً بحاجة للهدوء و السلام و الأمن. السلام من الحاجات الأساسية للبشرية. طبعاً نحن قلنا دائماً إن السلام ينبغي أن يكون مصحوباً بالعدالة. السلام المفروض و غير العادل أسوء على الشعب حتى من الحرب. الإنسانية بحاجة للأمن و السلام. و كل من يهدد هذين إنما يهدد الإنسانية.على المجتمع الإسلامي أن يفكر في نفسه. على العالم الإسلامي اليوم أن يفكر في مصيره تفكيراً جاداً. عليه نبذ الخلافات جانباً، و التخطيط و التفاهم و العمل على نقاط الوحدة و هي عظمة الأمة الإسلامية و هو ما يريده الجميع. ثمة في العالم راهناً قرابة مليار و نصف المليار مسلم.. كل هذه البلدان الإسلامية، و كل هذه الرساميل و الأرصدة الهائلة.. أفلا يجب أن يستخدم كل هذا لخدمة مصير الأمة الإسلامية؟ هذه حاجة اليوم. لاحظوا التهديدات و الجفاء و الظلم الذي يمارس هنا و هناك ضد العالم الإسلامي بكل الذرائع. هذا واقع يحمّل كافة المسلمين واجباً كبيراً. إننا لا ندعو أحداً لتأجيج النيران و الحرب، إنما ندعو الجميع للسلام و الهدوء و السلوك العاقل. إننا لا نعد المساعدة في تأجيج النيران القائم في أفغانستان اليوم مساعدة للإنسانية.. تأجيج النيران منافٍ لمصالح الإنسانية. أية مساعدة لهذا التأجيج هي على الضد من مصالح الإنسانية، و هي خصوصاً على الضد من مصالح الأمة الإسلامية اليوم.نتمنى أن يمنَّ الله تعالى علينا جميعاً بهديه و تثبيت أقدامنا على الصراط المستقيم، و سوف يعزّ الأمة الإسلامية و يرفع رأسها أكثر يوماً بعد يوم. و يقرّب و يؤلِّف بين البلدان الإسلامية أكثر، و يكفي الأمة الإسلامية لا سيما شعب أفغانستان المظلوم و شعب فلسطين المظلوم شرور الأشرار و الظالمين.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - سورة العلق، الآية 1.2 - سورة النحل، الآية 125.3 - بحار الأنوار، ج 70، ص 372.4 - سورة الأنبياء، الآية 107.5 - سورة الأنفال، الآية 61.
2001/10/14

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه عوائل شهداء القوات المسلحة

بسم الله الرحمن الرحيمبدايةً أرحب بجميع الحضور المحترمين عوائل الشهداء الكريمة. أتمنى أن يشمل الله تعالى بألطافه و رحمته الخاصة جميع القلوب العامرة بالإيمان و أنتم عوائل الشهداء الكريمة و ذوي شهدائنا الأبرار ببركة أيام و ليالي شهر رجب.هذه الأيام و الليالي مغتنمة جداً.. إنها أيام شهر الله المبارك.. شهر رجب فرصة مغتنمة لجميع القلوب المؤمنة كي تمتّن علاقتها بالله. الإنسان بحاجة لهذه العلاقة المعنوية و الروحية. يتعرض القلب الغافل لهجمات الشيطان و حينما يتسلط الشيطان على قلب الإنسان و روحه يظهر الشر و الفساد في العالم. سبيل العلاج العميق و الحقيقي لكل صنوف الشر و الفساد في العالم هو الارتباط بالله و صيانة القلب و الروح من توغل الشيطان و هيمنته. لو لا هيمنة الشيطان على قلوب البشر و هي مصدر الآثار الكبيرة في المجتمعات العالمية لعاشت البشرية بهدوء و لتمتع الناس بالأمن و السلام. كل مآسي الإنسانية وليدة البعد عن الله. لذلك رُسمت في الإسلام فرص للارتباط الخاص بالله تعالى، و من هذه الفرص شهر رجب. اعرفوا قدر شهر رجب. كل الأدعية الواردة في هذا الشهر إينما هي دروس و ليست مجرد لقلقة لسان. اقرأوا هذه الأدعية بحضور قلب و وعي بعمق معانيها، و اجعلوها تجري على قلوبكم و ألسنتكم. إذا متّن الإنسان المسلم - شاباً كان أو شيخاً، رجلاً كان أو امرأة - علاقته بالله تعالى في شهر رجب ثم في شهر شعبان فسينتقل إلى شهر رمضان و هو في أتم الاستعداد، و عندئذ سيغدو شهر رمضان ضيافة إلهية حقيقية. على الإنسان أن يستعد ثم يدخل الضيافة. و كما يقول الشاعر:» اغتسل ثم تبختر في الحانات «على الإنسان أن يغتسل هذا الغسل في شهري رجب و شعبان كي يستطيع الجلوس في شهر رمضان على المائدة الإلهية و التنعم منها. إذا استفضنا و انتهلنا من شهر رمضان فسوف تدل على ذلك أعمالنا و أخلاقنا و نظرتنا و أفكارنا. سنكون نحن أنفسنا من يقيس أنفسنا و يشاهد تقدمها المعنوي. نحن لا ندخل هذه الامتحانات و النتيجة هي المآسي و المعضلات التي نلمسها في وجودنا و في فضاء المجتمع. على الجميع - لا سيما عوائل الشهداء - اغتنام شهر رجب.الشهادة و الشيهد من أبرز الموضوعات في الإسلام. شهداؤنا ليسوا أشخاصاً قتلوا في معركة توسعية. إنهم يختلفون عن قتلى الحروب العادية التي تقع في الكثير من مناطق العالم لأجل الاعتداء على أراضي الآخرين و حريمهم. أين أؤلئك من شهدائنا؟! لقد هاجموا هذا البلد و استقلاله و سمعة شعبه و عربدوا علينا و تعاضدت كل القوى الكبرى ضدنا. هؤلاء الذين يتشدقون بالسلام دوماً و يتحدثون اليوم أكثر من أي وقت آخر عن السلام و الأمن، أمدّوا و جهّزوا إحدى أكثر الحكومات غطرسة ضدنا هاجموا بيوتنا، و مدننا، و قرانا، و طرقنا، و صناعاتنا، و اخترقوا حدودنا. لو لم تقف القوات المسلحة أمام العدو و لم يصنعوا من صدورهم دروعاً واقية، و لو لم يتوجه أبناء الشعب الإيراني على شكل قوات التعبئة إلى الساحة بجانب القوات المسلحة و لم يستعدوا للتضحية، فهل تعلمون ما الذي كان سينـزل بهذا البلد؟ هل تعلمون كيف كان الأعداء سيسحقون سمعة هذا الشعب الكبير و عرضه و شخصيته و كبريائه؟ لجنودنا و خصوصاً شهدائنا الأعزاء حق الحياة في أعناق هذا الشعب و في أعناقنا جميعاً. الشهداء هم من أبدوا عن أنفسهم شجاعة و بسالة أكبر من الآخرين، و جعلوا من صدورهم دروعاً و لم يفزعوا من الخطر و استشهدوا. البعض حلّق في جنان الإله، و البعض تعوّقوا، و الواقع أنهم شهداء أحياء كما يقال و هو قول صحيح.في هذه الأيام و السنوات حيث تتمتع بلادنا بالأمن و الاستقرار بفضل دماء الشهداء و اختلال سلامة المعاقين و ببركة جهاد المقاتلين، ليعلم الذين يتحدثون ضد القوات المسلحة و التعبئة أنهم لا يقدمون أية خدمة لمصالح البلاد و مستقبلها. القوات المسلحة - سواء القوات المسلحة النظامية أو أفراد التعبئة المستعدون للتواجد في سوح الخطر و الدفاع عن الشعب و حدود الوطن - من أعز شرائح المجتمع. الكل بحاجة لهؤلاء، و سيتضح ذلك في أيام الخطر.يحاول العدو في هجومه الثقافي إسقاط سمعة المقاومة و قيمتها بين الناس. إنه يريد في الواقع تحطيم المقاومة و تهديم الخنادق. الخندق الأهم لكل إنسان هو إيمانه و محفزاته و حبه. يجب أن لا تسمحوا لهم بهدم هذه الخنادق في القلوب.الشهادة وردة عاطرة لا تصلها من بين الناس سوى أيدي من يختارهم الله، و لا يشمّها سواهم. لتفخر عوائل الشهداء بشهدائها. تحملت زوجات الشهداء الملوعات، و آباؤهم و أمهاتهم المفجوعون، و أبناؤهم الذين لم يروا ظلال الأبوة فوق رؤوسهم.. تحملوا هذه المحن لكنهم يشعرون اليوم بالفخر و الشموخ. آباؤكم و أزواجكم و أبناؤكم هم الذين استطاعوا تحقيق هذه العزة للبلاد، و هي بلاد عزيزة اليوم و الحمد لله. لو لا هؤلاء لكان وضعنا بشكل آخر.تطرح اليوم في العالم بعض الأمور في ضوء أحداث وقعت في بعض المدن الأمريكية. أمواج الإعلام العالمي و التحركات السياسية في العالم تصب دوماً لصالح الإعلام الأحادي الموجّه. وسائل الاتصال العامة في يد جماعة معينة. الصحف، و الإذاعات، و التلفزيونات في العالم بيد الرأسماليين و أصحاب الأموال و القوة، و ليست في يد الناس و الأفراد المتنورين، و الصالحين، و الحكماء. يبثون عبر إذاعاتهم و تلفزتهم و وكالات أنبائهم و صحفهم كل ما يحلو لهم و يتطابق و مصالحهم، و ينشرونه في كل أنحاء العالم. و البعض يؤخذون هذا عن غير فطنة، و البعض للأسف يساعدون هذه الأمواج الأحادية النامّة عن الأنانية و الاستكبار، و الحال أن ذلك لا ينفعهم إطلاقاً.طبعاً في هذين الأسبوعين أو الثلاثة التي طرحت خلالها قضايا الانفجارات الأمريكية على مستوى العالم، صرح مسؤولو البلاد - لحسن الحظ - تصريحات جيدة و اتخذوا مواقف جيدة. و مع ذلك أرى من الضروري لتنوير أذهان الشعب - و هي نيّرة و الحمد لله - أن أذكر بعض النقاط:النقطة الأولى هي أن سلوك الحكومة الأمريكية و المسؤولين الأمريكان و تصريحاتهم في هذه القضية كانت متكبرة و مغرورة جداً و نابعة من روح الاستكبار. يصرحون تصريحات لا تنسجم مع أي منطق. طبعاً تم توجيه ضربة قوية لحيثيتهم و تعرضت سمعتهم الأمنية في العالم لتحديات شديدة، لكن هذا لا يبرر أن يتخذوا مواقف استكبارية غاضبة للتعويض عن إهانة، و كأنهم يقولون: يا أهل العالم نحن غاضبون، فلا تقولوا خلاف قولنا! أي يجب أن لا يتجرأ أحد لقول شيء خلاف قولهم ظناً منهم أن بالمستطاع عبر هذه الأساليب إبعاد الشعوب و الناس و الحكومات المستقلة عن الساحة. من جملة هذه الأقوال أن كل من لم يكن معنا - أي مع الأمريكان - فهو مع الإرهابيين! هذا كلام خاطئ جداً. كلا، ليس الأمر كذلك. الكثيرون إلى جانب أمريكا لكنهم أخطر من كل إرهابي العالم. تضم الحكومة الإسرائيلية اليوم أخطر الإرهابيين. الذين يترأسون تلك الحكومة هم أشخاص أصدروا الأوامر و شاركوا شخصياً في أفظع و أفجع الأحداث الإرهابية. و الآن أيضاً يغتالون و يرهبون كل يوم و هم في صف أمريكا. إذن، ليس كل من كان معكم فهو ضد الإرهاب، كلا، أشد الإرهابيين و أخبثهم هم اليوم معكم. و كذا الحال بالنسبة للجانب المقابل: كل من لم يكن معنا فهو مع الإرهابيين، كلا، نحن لسنا معكم و لسنا مع الإرهابيين؟النقطة الثانية هي أنهم و منذ الساعات الأولى للحدث ملأوا الأجواء العامة لبلادهم بمعاداة الإسلام! كيف استطعتم أن تحرزوا منذ الساعات الأولى أن هذا الحدث من فعل المسلمين؟! إذا كانت أجهزتكم الاستخبارية قوية إلى هذا الحد - منذ الساعات الأولى تحدثت الإذاعات و التلفزة الأمريكية بشكل صدّق معه الجميع أن القضية من فعل المسلمين - فلم لم تستطيعوا اكتشاف عمليات بهذا الحجم تحتاج يقيناً إلى أشهر - و البعض يقول سنوات - من العمل التمهيدي؟! كيف علمتم أنها من فعل المسلمين؟ أثرتم الأجواء العامة بشكل جعل الناس في أمريكا و بعض البلدان الأوربية يهاجمون بعض المساجد، و بعض المسلمين ذوي المظهر الإسلامي، و يطلقون النار عليهم، أو يهاجمونهم بالسكاكين. قال رئيس الجمهورية الأمريكي في أول تصريح له إن هذه حرب صليبية! الحروب الصليبية هي الحروب التي سار فيها المسيحيون من أوربا للاستيلاء على بيت المقدس و جاءوا و استمرت هذه الحروب مائتي عام. طبعاً هزم المسيحيون - الأوربيون - و انتصر المسلمون و طردوهم من هناك.. حرب صليبية، أي حرب بين الإسلام و المسيحية! لماذا يتحدث مسؤول رفيع المستوى - لو لم يكن في القضية غرض معين - هكذا دون سيطرة على نفسه و دون ملاحظة الاعتبارات؟! لماذا اتهمتم مسلمي العالم بعمل إرهابي مفجع؟ يثيرون الرأي العام ضد الإسلام، ثم يقولون رسمياً: أيها الناس لا تهاجموا المسلمين! هل هذا ممكن؟! لقد خلقتم الأجواء بحيث يتهم الجميع المسلمين و العرب.. نشرتم أسماءً إسلامية و عربية باستمرار، و نشرتم في صحفكم دوماً وجوهاً ترتدي الكوفيات و العقال. ألم يكن بين كل هؤلاء المتهمين شخص واحد من أمريكا أو الغرب و له اسم أجنبي؟! لماذا لم تنشروا عن أولئك؟ هذا تصرف قبيح جداً و عمل سيئ جداً له آثار طويلة الأمد لا يمكن تلافيها بسرعة و سهولة.النقطة الثالثة هي أن الأمريكيين أبدوا في هذه المسألة توقعات في غير محلها. تعرضوا للهجوم و إذا بهم يتوقعون من العالم كله أن يتعاون معهم؛ لماذا؟ لأن مصالحهم تعرضت للخطر. و هل راعيتهم يوماً مصالح الآخرين حتى تتوقعون من الجميع الآن أن يراعوا مصالحكم؟! هل مجرد امتلاك المدافع و البنادق و الصواريخ اليوم يمكن أن يعد إذناً لحكومة معينة كي تعلن أنه يجب العمل بكل ما أقوله أنا ليس إلا؟ هذه الحالة هي التي جعلت أمريكا ممقوتة. لاحظوا في أية البلدان يحرقون العلم الأمريكي. في كل مكان و ليس في إيران فقط. المؤتمر الذي عقد مؤخراً في أفريقيا الجنوبية عبّر عن مشاعر الناس و المنظمات و الحكومات في العالم. لقد جعلت أمريكا نفسها مبغوضةً بهذا التعسف و التوقعات الكبرى. إذا تعرضت المصالح الأمريكية في الخليج الفارسي للخطر فعلى الجميع مواكبة أمريكا و مماشاتها، أما إذا تعرضت مصالح بلدان الخليج الفارسي للخطر فلتتعرض! سحقوا كل تلك المصالح لمختلف البلدان - و منها بلادنا - و يقولون الآن على العالم كله أن يتعاون معنا لأن مصالحنا تعرضت للهجوم! هذا توقع زائد.النقطة التالية هي أن مفهوم الإرهاب في ذهنية المسؤولين الأمريكيين مفهوم مغلوط. إنهم يفسرون الإرهاب تفسيراً سيئاً. يفسرونه بحيث لا تعد المذبحة الكبرى لأهالي صبرا و شاتيلا - و هما مخيمان فلسطينيان - في ليلة واحدة بأمر من الشخص الذي يترأس الحكومة الصهيونية الغاصبة حالياً، لا تعد عملاً إرهابياً!قبل سنوات عدة، تجمع عدد كبير من أهالي قانا اللبنانية أمام مكتب ممثلية الأمم المتحدة في هذا البلد ليقدموا شكوى، فجاءت المروحيات الإسرائيلية و أطلقت النيران على المئات منهم - بما في ذلك النساء و الرجال و الأطفال و قد كانوا جياعاً و عطاشى - و قتلتهم جميعاً! أمريكا لا تعتبر هذا إرهاباً! دخلوا لبنان مرات عديدة و أختطفوا البعض أو قتلوهم، لكن أياً من هذه الأعمال ليست مصداقاً للإرهاب! قبل شهر أو شهرين صادقت الحكومة الصهيونية الغاصبة رسمياً على ضرورة اغتيال بعض الشخصيات الفلسطينية - و قد ذكروا اسم الاغتيال - و نفذوا الاغتيالات و فجّروا سياراتهم و قتلوا العديد من الأفراد، لكن أياً من هذه الأحداث لا يعد مصداقاً للإرهاب! أما أهالي فلسطين الذين يثورون للدفاع عن أرضهم و إنقاذ حقهم المنتهك، فيهتفون و يحملون الأحجار في أيديهم، و ليس لديهم أسلحة، فهم إرهابيون! هذا هو منطق الأمريكيين و هو منطق خاطئ لا يقبله العالم.النقطة الأخرى أنهم يقولون: ليس لدينا إرهاب حسن و إرهاب سيئ. كل الإرهابيين سيئون، لكنهم عملياً يصنفون الإرهاب إلى إرهاب حسن و إرهاب سيئ! يفجرون الطائرة الإيرانية التي تحمل مئات المسافرين بلا أي سبب أو ذريعة في سماء الخليج الفارسي، و يقطعون الناس إرباً و يغرقونهم في البحر، ثم لا يحجمون عن محاكمة قائد تلك الفرقاطة و توبيخه و حسب، و لا يمتنعون عن الاعتذار لإيران و حسب، إنما يمنحون قائد تلك الفرقاطة جائزة! هذا هو الإرهاب الحسن! المنطق منطق مغلوط. المفهوم مفهوم خاطئ و يتوقعون أن يتعبّأ العالم كله لصالح هذا المفهوم الخاطئ و يسير خلفهم و يفعل كل ما يريدون؛ فيجب أن لا يعترض الآخرون، بل و يساعدونهم!تشير مجموعة القرائن و الشواهد إلى وجود شيء آخر وراء هذه المسرحية التي تجري فصولها اليوم في أفغانستان. أفغانستان تقف اليوم أمامهم مظلومة دون مُدافع، بسبب أن شخصاً واحداً، أو عشرة أشخاص، أو مائة شخص، أو ألف شخص في داخل هذا البلد متهمون بتدبير تفجيرات نيويورك و واشنطن. لكن شيئاً آخر يكمن وراء هذه المسرحية. أولاً تشير القرائن إلى أن الحكومة الأمريكية تروم تكرار ما فعلته في الخليج الفارسي في هذه المنطقة، أي إنها تريد المجئ و الاستقرار في آسيا الوسطى و إفساح المجال لنفسها هناك بذريعة انعدام الأمن فيها. ثانياً يرومون تسوية حساباتهم مع الذين دافعوا عن الشعب الفلسطيني المظلوم، و سائر الأمور ما هي إلا الوجه الظاهري للقضية، أما باطن القضية فتلك.النقطة الأخرى هي أنهم كرروا في تصريحاتهم أن على إيران مساعدتنا في هذه القضية بأنحاء مختلفة! إني أتعجب كيف تتمادى بهم الصلافة إلى طلب المساعدة من حكومة الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني؟! ثلاثة و عشرون عاماً و أنتم توجهون كل ما تستطيعونه من الضربات لهذا الشعب و هذا البلد، و تتوقعون منا الآن مساعدتكم؟! أية مساعدة؟! حتى لو لم يكن الشعب الأفغاني مسلماً، و لم يكن مظلوماً، و لم يكن جاراً لكان طلب المساعدة هذا في غير محله، ناهيك عن أن يكون هذا الشعب مظلوماً و محروماً. الحق أن قلب الإنسان ليتحرّق على الشعب الأفغاني. تتوقعون المساعدة من الجمهورية الإسلامية؟! كلا، لن نساعد أمريكا و حلفاءها في هجومهم على أفغانستان إطلاقاً.حصيلة الكلام أننا لا نرى الحكومة الأمريكية صادقة في حربها ضد الإرهاب. إنهم غير صادقين و لا يقولون الحقيقة. لديهم أهداف أخرى. إننا لا نرى أمريكا صالحة لقيادة التحرك العالمي ضد الإرهاب. الأيدي الأمريكية ملوّثة بكل الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني في هذه الأعوام، و هي اليوم تواصل جرائمها بكل قساوة و وحشية.ليعلم الجميع - قال هذا مسؤولو بلادنا في لقاءاتهم و المجالس و الاجتماعات الخاصة، و أعيده الآن للرأي العام الإيراني و العالمي - أن إيران الإسلامية لن تشارك أي تحرك بقيادة أمريكا. طبعاً الكفاح ضد الإرهاب و انعدام الأمن في مناخ الحياة الإنسانية كفاح واجب و ضروري و هو جهاد. كل من يستطيع المشاركة في هذا الكفاح فعليه القيام بذلك، بيد أن هذا تحرك عالمي لا بد له من قيادة صالحة.كرّر مسؤولونا في الأيام القليلة الماضية أننا مستعدون لتقديم المساعدة لهذا التحرك و مواكبته في إطار منظمة الأمم المتحدة. و أقول هنا: نعم، الأمم المتحدة جيدة و لكن لهذا شرطه و هو أن لا تخضع منظمة الأمم المتحدة لنفوذ أمريكا و سائر القوى الكبرى، و إلا لو تقرر أن تخضع منظمة الأمم المتحدة - سواء مجلس الأمن أو المؤسسات الأخرى - لنفوذهم فلن يمكن الثقة بها. لم تكن لنا تجارب جيدة سابقاً في هذا المجال.تتحمل الحكومات الإسلامية واجباً كبيراً في هذا الخصوص. عليها الدخول إلى الساحة في إطار تحرك إنساني و عالمي كبير ضد الإرهاب و الاعتداء على أرواح البشر و ممارسة العنف ضد الحياة اليومية العادية للمواطنين - و هذا بحد ذاته واجب كبير، و تقع على منظمة المؤتمر الإسلامي في هذا الخصوص واجبات معينة، و نحن بدورنا و كعضو في منظمة المؤتمر الإسلامي نرى أن من الواجبات الأكيدة لهذه المنظمة هي المشاركة المستقلة في هذا الميدان - و كذلك ينبغي لها أن تنشط في هذا الحيّز لأن الشعب الأفغاني شعب مسلم و هو جزء من الأمة الإسلامية. لم يرتكب الشعب الأفغاني المظلوم أية جريرة. و هل دماء الذين قتلوا في بناية مركز التجارة العالمية في نيويورك أغلى من دماء الشعب الأفغاني؟! لماذا و ما هو السبب؟ لأن ياقاتهم وسخة؟ لأنهم محرومون من الصحة و الطعام و الراحة و الأمن، و ذلك بسبب هيمنة أشخاص كانوا طوال أعوام خريجي مدراس القوى الكبرى؟ قبل الانقلاب الذي حدث قبل أكثر من عشرين عاماً كان الرؤساء و رجال السلطة تابعين للقوى العظمى. و حين استلم الشيوعيون زمام السلطة بعد ذلك كانوا تابعين للاتحاد السوفيتي. و بعد ذلك يعلم الناس و يرون ماذا حصل. في الفترة الأخيرة كان مصير الشعب الأفغاني يتقرر دوماً بتدخل القوى. و هذا هو سبب فقر الشعب الأفغاني و تخلفه. و إلا فالشعب الأفغاني شعب حر شجاع و موهوب جداً يتمتع بثقافة جد عميقة و قديمة. نحن نعرف الشعب الأفغاني و عشنا سوية طوال قرون. نعرف أنه شعب موهوب جداً. ليسوا أقل من سائر شعوب العالم في أي شيء. بل هم أكثر منهم في كثير من الأشياء. أي ذنب ارتكبه هؤلاء الناس حتى يكونوا ضحية هذه الأهداف و تلك السياسات؟ هناك في هذا الخصوص واجبات على عاتق منظمة المؤتمر الإسلامي و الحكومات الإسلامية. عليها النـزول إلى الساحة بعقل و تدبير و عدم السماح بمحنة هذا الشعب. لنفترض أن بعض الإرهابيين اتخذوا أوكارهم هناك - نحن لا نعلم صدق هذا الأمر من كذبه إنما هو أدعاء الأمريكيين - فلماذا يسحب ذنبهم على الشعب الأفغاني؟ لماذا يجب سحق أبناء هذا البلد؟نسأل الله تعالى أن يزيد من عزة الإسلام و المسلمين يوماً بعد يوم و يحفظهم من شرور أعدائهم. من حسن الحظ أن شعبنا و حكومتنا تسير في دربها بكل رزانة و عقل و هدوء و سكينة. و سيبقى هذا الشعب و هذه الحكومة بعد الآن أيضاً يسيران في هذا الطريق الصواب القويم و سيشملهم اللطف و البركات الإلهية و أدعية سيدنا بقية الله أرواحنا فداه.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 
2001/09/25

النصّ الكامل لشرح الإمام الخامنئي حديثاً مرويّاً عن النبيّ عيسى (عليه السلام)

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي النصّ الكامل لشرح الإمام الخامنئي حديثاً مرويّاً عن النبي عيسى (عليه السلام) في مستهلّ بحث الخارج في الفقه بتاريخ 30/4/2001، حيث يشير سماحته  إلى أهميّة أن يعتني الإنسان بنفسه الداخليّة ولا يكتفي بتحسين مظهره، وأن يوجّه النصائح لنفسه قبل أن يوجّهها للناس.
2001/04/30

خطبتا صلاة الجمعة في طهران

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين. نحمده و نستعينه، و نؤمن به و نستغفره، و نتوكّل عليه و نصلّي على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، حافظ سره و مبلّغ رسالاته، بشير رحمته و نذير نقمته، سيّدنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، الهداة المهديين المعصومين. سيما بقية الله في الأرضين.أوصي جميع الإخوة و الأخوات المصلين و نفسي بتقوى الله و التزام الورع. يجب أن يكون زادنا بالدرجة الأولى في کل إجتماع من صلاة الجمعة، هو الاقتراب من حلية التقوى. التقوى عبارة عن المراقبة المستمرة للنفس، في القول و الفعل، بل و حتى المراودات الذهنية و الأفكار لئلّا نقترب مما يثير سخط الرب، سواء بأقوالنا أو أفعالنا أو حتى في أفكارنا. نسأل الله تعالى أن يعيننا في الاقتراب من العمل بالتعاليم العامة لأنبيائه و أوليائه ببركة هذا التجمع النوراني لصلاة الجمعة، و ببركة هذه الأيام التي تتعلق هي أيام أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام الذي يمثل التقوى.سأتحدث في الخطبة الأولى لهذا اليوم عن أمير المؤمنين ( ع) الذي تزيّن هذا العام باسمه. عام أمير المؤمنين يصل إلى نهايته في هذه الأيام. طبعاً جميع الأعوام و الأيام و التاريخ بأكمله يتعلق بأمير المؤمنين و مسیرته و طريقه الواضح. على مدى هذا العام الذي تزيّن باسم أمير المؤمنين، تم إنجاز الكثير من الأعمال الفكرية الجيدة لمعرفة أمير المؤمنين من قبل المحبين لذلك الإنسان العظيم. لهذا کانت تسمية هذا العام باسمه تسمیة مناسبة و أدت إلى نتائج ملفتة للنظر حيث توجّهت القلوب نحو أمير المؤمنين، و حظي بإقبال الجماهير و تم إحياء ذكر ذلك الإنسان العظيم على مدى العام في المحافل و المراكز التي عقدت للتنبّه، و في أفئدة الناس. أنه أمر حسن. لكن ما هو مهم و الذي يحظى بالنسبة لنا بأهمية أكبر من المعرفة و الوعي، هو التقرب العملي من أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام، لأنه قدوة بالنسبة لنا. إن معرفة الإمام علي (ع) لا تكفي، بل لا بد أن تكون المعرفة تمهیداً للاقتراب من مكانة أمير المؤمنين. فإذا ما أرادت الحكومة خير الأمة و صلاحها فعليها أن تجعل علي بي أبي طالب (عليه السلام) قدوة و أسوة لها. حينها سيشعر الناس بالسعادة في حياتهم. هذا هو الوضع و الواقع اليوم، و سيكون التاريخ هكذا في المستقبل أيضاً. إذا ما كان المجتمع يتوقع بلوغ السعادة، فإن السبيل العملي لتحقيق ذلك هو أن تتخذ الحكومات من حياة أمير المؤمنين و حكومته أسوة لها و تنحو منحاه. إن إدعاء الحكومات الغربية - التي بيدها وسائل الإعلام العالمية - و أفعالها المرائية لا تستطيع أن توفر السعادة للبشرية أو أن تذيق المجتمع طعم العدالة الحقيقية.إن لمفردة العدالة و مفهومها موقعاً متميزاً في حياة أمير المؤمنين و شخصيته. الكثير من الميزات كانت تجتمع في شخصیة ذلك الرجل العظيم، بيد أن أبرز تلك الخصال التي تقترن دوماً باسمه هي قضية العدالة. المفاهيم المتنوعة التي تنبع من شتى فروع العدالة، اجتمعت كلها في وجود أمير المؤمنين. فهو مظهر العدل الإلهي أيضاً. لقد اقتضى العدل - الذي نعتبره من أصول الدين - أن يختار الله سبحانه شخصاً كأمير المؤمنين عليه السلام لقيادة الناس و هدايتهم، هذا ما شاءه الله تعالى. فوجود أمير المؤمنين و شخصيته و تربيته و ذروة مكانته و بالتالي نصبه للخلافة كلها مظهر للعدل الإلهي. لكن العدالة تجسدت بمعناها الإنساني بأكمل صورة في كيانه. العدالة الإنسانية تتجسّد في بعديها الفردي و الاجتماعي في حياته: عدالة الإنسان في حدود حياته الفردية و عدالته في مجال حكومته و خلافته التي نطلق عليها اسم العدالة الاجتماعية. كلا البعدين يبرزان في حياة أمير المؤمنين، و علینا معرفة ذلك بغية تطبيقه عملياً، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يتحملون مسؤوليات في المجتمع و يتمتعون بمكانة في الحكومة.لقد تمثلت العدالة فی شخصية أمير المؤمنين (ع) بأعلی درجاتها، و هو ما نعبر عنه بالتقوى، هذه هي التقوى التي تجسّدت في عمله السياسي و العسكري و توزيعه لبيت المال، و استفادته من مواهب الحياة، و استثماره لبيت المال، و في قضائه و جميع شؤونه. فالعدالة الفردية و الذاتية في كل شخص هي في الحقيقة بمثابة سند للعدالة الاجتماعية و صاحبة التأثير في العدالة على صعيد الحياة الاجتماعية. لا يمكن لمن یفتقر التقوى في ذاته و في عمله الشخصي و هو رهين أهوائه النفسية و أسيراً للشيطان، لا يمكنه له أن يدعي القدرة على تطبيق العدالة في المجتمع، فهذا غير ممكن. من يريد أن يكون مصدراً للعدالة في حياة الناس، لا بد له أن يلتزم بتقوى الله في ذاته أولاً. تلك التقوى التي أشرت إليها في بداية الخطبة، تعني المراقبة النفسیة للحيلولة دون ارتكاب الأثم، طبعاً هذا لا يعني أن الإنسان لن يرتكب خطأ، كلّا. فكل إنسان غير معصوم يرتكب الخطأ، لكن هذه المراقبة، هي صراط مستقيم و سبيل للنجاة و تنقذ الإنسان من الغرق و تمنحه القوة. الإنسان الذي لا يراقب نفسه و يعاني من فقدان العدالة و التقوى على صعيد القول و الفعل في حياته الشخصية لا يستطيع أن يكون مصدراً للعدالة الاجتماعية في المجتمع. هذا هو الموطن الذي أعطى فيه أمير المؤمنين درسه الخالد لكل الذين يمارسون دوراً على الصعيد السياسي لمجتمعاتهم، حيث يقول: من نصّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل غيره (1). و يقول: و ليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه (2). إذ یمکن أن ینطق اللسان بكثير من الأشياء، أما ما يمكنه هداية الناس إلى صراط الله، فهو سيرة و عمل من ينصبونه إماماً و معلّماً للناس، أو من تکون طاعته مفروضة علی الناس، سواء على مستوى المجتمع أو أدنى مستوى من ذلك. ثم يقول: و معلم نفسه و مؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس و مؤدبهم (3). هذا هو منطق أمير المؤمنين (ع) و درسه. فالحكومة ليست ممارسة للحكم و حسب. بل الحكومة هي نفوذ إلى الأفئدة و استقرار في الأذهان. فمن يكون في هذا الموقع أو يضع نفسه فيه، يجب علیه أولاً أن ينشغل دوماً بتهذيب نفسه و إرشادها و تذكیرها و وعظها.يقول أمير المؤمنين حول من يتمتع بالأهلية لإمارة الناس أو يتولّى مسؤولية من شؤونهم، و طبعاً هذا ما يبتدئ من زعامة البلد و يسري إلى ما هو أدنى من ذلك في الدوائر و المؤسسات حيث كان أمير المؤمنين يوصي ولاته و قادته بهذا ممّا يصدق على القاضي أو المسؤول عن قطاع معين أو المتصدي لدائرة من دوائر هذا الجهاز الواسع، فيقول: فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه(4). و يقول: يصف الحق و يعمل به(5). من هنا يأتي التلازم بين السلطة و الأخلاق في الإسلام، فالسلطة هي سلطة غاصبة ظالمة إذا ما خلت من الأخلاق. يجب أن تكون سبل الوصول إلى السلطة و الحفاظ عليها سبلاً أخلاقية. فلا معنى في الإسلام للتشبث بأي وسيلة لبلوغ السلطة. ليس هناك حق لأي كان - فرداً أو فئة - في اللجوء لأي سبيل أو وسيلة لبلوغ السلطة - كما هو شائع في عصرنا هذا في الكثير من بلدان العالم - كلّا، فالسلطة التي تأتي عن هذا السبيل أو التي يجري الحفاظ عليها بهذه الطريقة، إنما هي سلطة ظالمة و لا تتمتع بالشرعية.إن للأساليب أهميتها في الإسلام؛ فشأنها كشأن القيم. كما يهتم الإسلام كثيراً بالقيم، فإن للأساليب أهميتها أيضاً، و لا بد أن تتجسد هذه المثل عن طريق الأساليب أيضاً. إذا ما أردنا أن تكون حكومتنا حكومة إسلامية بالمعنى الحقيقي للكلمة، فلا بد لنا أن نسير في هذا الطريق دون مواربة. يجب على المسؤولين في القطاعات المختلفة، و السلطات الثلاث و المسؤولين من الدرجة الوسطى، كلهم جميعاً، أن يسعوا للاستفادة من الأدوات و الوسائل السليمة و الأخلاقية للقيام بالأعمال و تحقيق أهدافهم. الاستفادة من هذا الأسلوب قد تؤدي إلى بعض الأخفاقات و المتاعب في مجال بلوغ الحكم، لكن في الوقت ذاته فإن الاستفادة من الأساليب غير الأخلاقية ليست صحيحة من وجهة نظر الإسلام و في رأي أمير المؤمنين. هذا هو الطريق و علينا أن نتحرك هكذا. ما تطرقت إليه، كان حول العدالة في إطار الشؤون الشخصية لعلي بن أبي طالب (عليه الصلاة و السلام).أمّا عدالة الإمام علي عليه السلام على صعيد المجتمع، أي توفير العدالة الاجتماعية، فأمير المؤمنين(ع) يمثل وصفة الإسلام الكاملة. كانت حكومة أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) حكومة إسلامية 100% و ليست 99% أو 99/99%، كلّا. فلم يخرج ما كان يصدر عن أمير المؤمنين و حدود صلاحياته و سلطته من تحرك أو قرار عن صبغته الإسلامية. أي إنها كانت العدالة المطلقة. ربما مورست بعض الأعمال تتنافى مع العدالة في بعض المناطق المختلفة التابعة لحكومة أمير المؤمنين، لكن أمير المؤمنين كمسؤول كان يشعر بتكليفه عندما يواجه مثل هذه الممارسات. فكانت كتبه و تحذيراته و خطبه المؤثرة في النفوس و حروبه كلها بهدف تطبيق هذه العدالة.هذا هو تكليفنا اليوم. لا أريد أن يتبادر إلى الأذهان الوهم بإمكانية أن يصل أمثالنا أو من هو أفضل منا إلى مستوى أمير المؤمنين(ع). كلّا. فقد كان أمير المؤمنين المثال الأعلى و الأنموذج الأصيل. و هو نموذج يُراد أن يتحرك الجميع نحوه، و إلا لا يمكن التشبّه بأمير المؤمنين و لا يمكن تشبيه أحد به. أولئك العظام الذين اختارهم الله تعالى و منحهم العصمة - سواء كانوا من الأنبياء الإلهيين العظام أو الأئمة الأطهار عليهم السلام - هم نجوم تتلألأ في سماء البشرية و الملك و الملكوت، ليس هؤلاء ممن يستطيع الأشخاص العاديون أمثالنا بنفوسهم الحقيرة و قابلياتهم المتواضعة، أن يتحركوا بذلك الشكل أو أن يصلوا إلى هناك. لكنهم الهداة. الإنسان يجد طريقه بواسطة النجوم. لذلك يجب أن نتحرك بهذا الاتجاه. هذا هو واجبنا اليوم. لا يحق لأي من المسؤولين في نظام الجمهورية الإسلامية القول بأننا لا نستطيع أن نعمل كأمير المؤمنين فلا تكليف علينا، كلا. فهناك مراتب شاسعة بين ما يمكننا القيام به و بين المستوى الذي كان عليه أمير المؤمنين. علينا المضي قدماً و طي هذه المراتب قدر استطاعتنا.ينبغي أن تظهر العدالة بصورتها الحقيقية في المجتمع. و هذا ممكن كما أن الثورة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية حققا أبعاداً من العدالة كان یُعدُّ تطبیقها خلال فترة من الفترات مستحیلاً في إيران. فلقد مر على بلدنا زمن كان من المحال على الذين لم يكونوا ذيولاً لأمريكا و بريطانيا أو القوى الفاسدة أو البلاد الفاسدة الوصول إلى المراكز السياسية. لم يكن هناك أدنى دور لعامة الشعب. لم يخطر ببال أحد أن يكون له تأثير في سياسة البلد و سلطته دون أن يقع في مستنقع هذه المقاصد و التبعية. أمّا اليوم، فإن كافة أبناء الشعب يلاحظون إمكانية الوصول إلى أرفع المناصب السياسية في النظام إن أرادوا أن یوفّروا في أنفسهم الشروط اللازمة لذلك. لقد كانت العدالة الاجتماعية خارج حدود التصور في بلدنا يوماً ما. لكن جانباً منها قد تحقق الآن. فإذن نحن نستطيع. من الممكن تحقيق الكثير من الإنجازات عن طريق همة الجماهير.على المسؤولين أن يتحلّوا بالعزم حتی يتمكّنوا من تطبيق العدالة التي ينشدها الإسلام في كافة الأبعاد سواء الأبعاد القضائية أو الاقتصادية أو على صعيد توزيع مصادر الثروة الوطنية و مختلف الفرص و ما يعد مهماً بالنسبة لأبناء البلد. فيجب أن يكون سلوك كل مسؤول في السلطات الثلاث - التنفيذية و القضائية و التشريعية - سلوكاً عادلاً و أن يكون هدفه تطبيق العدالة في مجال استثمار بيت المال و المنافع الشخصية و العزل و التنصيب و كل ما يفعله. إذا ما تحقق ذلك بحيث تبذل المساعي من أجل تحقيق العدالة في كل قطاع من قطاعات البلد و هذا النظام، و كان هناك من يتابع قضية العدالة و ذاق أبناء الشعب طعمها و توفّرت للجميع، إذ علينا أن نبذل جهودنا حتی لا يبق أثر للإجحاف في جميع مجالات الحياة فحينئذ سيكون بمقدور الجمهورية الإسلامية أن تطرح نفسها أمام شعوب العالم و جميع الشعوب الإسلامية كأنموذج إسلامي.إن البلدان الإسلامية مشدودة اليوم لسيادة الإسلام، و هذا الانشداد سيتوطد متى ما تحققت السيادة الحقيقية للإسلام، أي متى ما رأوا مراعاة الحدود الإلهية في المجتمع، و مراعاة حقوق الناس في المجتمع على أكمل وجه، و ليس هناك من يمارس الظلم بحق الآخرين بسبب ما يتمتع به من قدرات، و ليس هناك من يتنصل من تطبيق العدالة الحقيقية بحقه بسبب ما يتمتع به من منصب أو مكانة، و إن المخالفة تعدّ جرماً أياً كان مرتكبها، و يُنظر إلى الناس على حد سواء في ضوء الطبيعة الإنسانية و الأخوة الإسلامية، إذا ما عملنا بهذا الشكل، نكون قد حافظنا على الأمانة الإلهية المودعة بأيدينا و إلّا فسيكون حكم أمير المؤمنين حكماً شديداً: إعلم يا رفاعة أن هذه الإمارة أمانة فمن جعلها خيانة لعنه الله إلى يوم القيامة. اللهم! بمحمّد و آل محمّد وفّقنا جميعاً و كل مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية لتطبيق أحكام الإسلام النيّرة..إننا إذ نتحدث باسم علي و نسير على ذكراه، فاجعلنا اللهمّ في العمل أيضاً من السائرين على نهجه المستقيم. اللهم: أقم في مجتمعنا العدل الذي هو وديعة الإسلام و أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام.بسم الله الرحمن الرحيمو العصر، إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر.(6)بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما على أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سبطي الرحمة و سيدي شباب أهل الجنة و علي بن الحسين زين العابدين و محمّد بن علي و جعفر بن محمّد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمّد بن علي و علي بن محمّد و الحسن بن علي و الخلف القائم المهدي حججك على عبادك و أمنائك في بلادك و صل على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين.أوصي نفسي و جميع الإخوة و الأخوات الأعزاء بالتقوى و سلوك هذا السبيل النير الطافح بالبركات.بمناسبة ذكرى رحيل نجل إمامنا العظيم الحاج السيد أحمد الخميني رضوان الله تعالى عليه فقد اخترنا أن تكون صلاة الجمعة لهذا اليوم إلى جانب مرقده و مرقد إمامنا العظيم. إن تكريم عزيزنا الراحل هذا يعد مسؤولية و واجباً يقع علينا دوماً و ذلك لسببين: أولهما أداء حق الإمام و الثاني أداء حقه هو.أما أداء حق الإمام: فقد قضى ذلك الرجل الصبور النشط الجاد للغاية عمره لخدمة الإمام و أهدافه بالمعنى الحقيقي للكلمة. فيما كان الإمام بدوره يعرف قدر هذا الولد الكفوء. سمعت من الإمام ما لا يقل عن مرتين أنه قال: إن أحمد أعز الناس علي. لم يكن الإمام من أولئك الذين يعبرون عن مشاعرهم الشخصية إزاء المقربين منه، لقد نطق بهذه العبارة كي نقولها نحن أيضاً لا أن نعلم بها و حسب. كما أن الإمام أعرب عن ثقته بالسيد أحمد في مناسبات عديدة. إنني لا أنسى ما صرح به الإمام أثناء اجتماع مثير للغاية ضمّني و آخرين من أنه يولي ثقة كاملة بالسيد أحمد. إذن أنه لأمر جيد أن نحيي ذكرى نجل الإمام دوماً أداءً لحق الإمام.أما أداء حقه فهو أنه عانى من المحنة و بذل جهوده. فلقد كان يسير في الطريق الذي يرى فيه أنه يمثل طريق الثورة و الإسلام الذي يدعو إليه الإمام(ره) دون مواربة، مما أثار عداء الكثيرين ضده. كان بعض هذا العداء حتّى و إن جاء أحياناً باسم الإسلام و تحت غطاء الإخلاص للمفاهيم الجميلة، أضغاناً شخصية ناجمة عن العقد التي تضمرها قلوبهم إزاء هذا العزيز المظلوم، و ذلك لأنه كان متصلباً في مواقف الإمام و لم يساوم و لم يخضع للآخرين. إن الذين يسيئون إلى المرحوم السيد أحمد و يهجونه، لإدخال السرور على قلوب أعداء الإسلام، إنما يشعرون بالعقدة من الإمام و الثورة. إن السبب في عدائهم الشخصي لذلك المرحوم هو أنه كان مدافعاً عن الإمام و الثورة حقيقة سواء في عهد الإمام أو بعد رحيله. لقد دافع سماحته عن القيم و المبادئ و وقف صامداً و عمل عكس ما كان يتوقعه الكثيرون. هو نفسه اشتکی لي مرتين أو ثلاثاً من بعض الذين يتوقعون منه أموراً أخرى. اللهم نسألك بحق محمد و آل محمد أن تنزل رحمتك و مغفرتك و رضوانك على روح السيد أحمد الخميني و روح إمامنا العظيم الذي كان مصدر وجوده و تربيته.الموضوع الذي أرى من الضروري التطرق إليه في مجال قضايا البلد العامة في آخر جمعة من هذا العام و نحن على أعتاب العام الجديد، هو أننا و إن كنّا نوصي للشعب دوماً بالتحلي بالوعي و الحذر إزاء مؤامرات العدو المعقدة، غير أن وصايانا تهمّ في الغالب من يتحملون المسؤوليات المتنوعة. لأن العدو شدّد هجومه ضد نظامنا بسبب ما لمسه اليوم من عظمة الجمهورية الإسلامية و ازدیاد قدرتها.فالأعداء يسلكون عدة سبل لشن الهجوم ضد نظام الجمهورية الإسلامية. لعلهم يوجهون ضرباتهم، لكنهم حين يجدون عدم جدوى هذه السبل و عدم تأثيرها، فإنهم يعيدون النظر في أساليبهم دوماً. إن اقتدار هذا النظام الذي يعتمد على عواطف أبناء الشعب و أصواتهم و إيمانهم، أربك العدو، لكنه لم يخرج بعد من الساحة. إن العدو لم يزل يقوم بالمؤامرات و سيقوم بها حتى مدة طويلة. فعلينا التحلي باليقظة. و ما دام العدو يغيّر أساليبه و مخططاته، فيجب علينا مضاعفة وعينا، سواء كافة أبناء الشعب أو المسؤولون. و لحسن الحظ فإن أبناء شعبنا من الشباب و سائر الشرائح يتحلون بالوعي و اليقظة و الفطنة. و هذه الحساسية التي يبديها أبناء شعبنا أمر مهم للغاية و هناك الكثير من الأمور الدقيقة التي تترصدها عيون الجماهير.إنني أردت من الشعب و المسؤولين في بداية عام 79هـ.ش أن تتركز جهودهم على بعدين هما الوحدة الوطنية و الأمن القومي. طبعاً تمّ بذل جهود و إنني أشكر من صميم قلبي كل الذين بذلوا مساعيهم في هذا المجال. لقد أنجزت أعمال جيدة خاصة في مجال الأمن، كما تم تنفيذ أعمال قيمة في مجال الوحدة، لكنني أريد أن أكرر حديث بداية السنة في هذه الأيام الأخيرة من هذا العام، و أوكّد أن العدو يبلغ أهدافه متى ما استطاع إيجاد صدع في هيكلية النظام و بث الخلافات بين مسؤولي القطاعات المختلفة. هذا ما يتابعه العدو.كيف يمكن إيجاد الصدع؟ يمكن سلوك طريقين: هؤلاء قد يأسوا من أحدهما تقريباً و لا نقول بشكل كامل، إذ أنهم لم يستطيعوا تحقيق شيء عن ذلك الطريق. الطريق الذي لم يفلحوا أن يقوموا بمناورات و دسائس فيه، هو طريق التسلل إلى أركان الحكم. إنهم لم يستطيعوا و ما زالوا أن يتسللوا إلى المراكز العليا في النظام. الطريق الآخر الذي سلكوه منذ بداية الثورة و أتذكر الكثير من الذكريات و النماذج منه منذ فترة رئاستي للجمهورية، هو أن يهتموا بفئة أو شخص من النظام و يطروه و يدعموه و يوحون له بأنهم من حماته، عسى أن يفلحوا من خلال ذلك في إثارة حفيظة الآخرين إزاءه و إذكاء حسن الظن لديه بهم، أي إنهم يخلقون صدعاً في النظام. هذا ما كان ضمن برامج دعايات الأعداء دوماً، سواء فيما مضى أو في يومنا هذا، و قد جرّبوه مراراً و ذاقوا طعم الفشل في العديد من المواقف. أرى من الضروري أن أذكر هذا لكم من باب الشكر لله على نعمته هذه، فمن أعظم النعم التي أعطانا الله تعالى هي أن الكثير من مسؤولينا واجهوا القضايا بكلّ وعي و يقظة و أدركوا أن لسان الأعداء اللين ما هو إلى فخ. عملوا بهذا المخطط بالنسبة لرئيس جمهوريتنا السابق و الحالي لكنهم فشلوا. اتهمت وسائل الإعلام قبل و بعد انتخاب رئيس الجمهورية الحالي بدعم الأجهزة الغربية له. لكن سماحته زرع اليأس في نفوس الأعداء في أول مؤتمر صحفي له بعد بدء مسؤوليته. و هكذا شأنه حتى الآن و الحمد لله. لكن العدو نجح في بعض الحالات و تمكّن من الاستفادة من هذه المؤامرة. فبمجرد أن يبرز خلاف حول قضية ما في داخل البلد فهو يعمل على قمع جهة معينة لصالح الجهة المقابلة، فيقوم بمدح و ثناء طرف في مقابل الطرف الآخر. علينا أن نتحلي بالوعي و الحذر لنعرف ما يعيشه العدو من تصورات و مخططات، هناك الكثير ممن يدركون هذه المؤامرات، و هناك من لا يدركها و ينخدع بها. لقد وضع الإمام رضوان الله عليه قاعدة عامة لمثل هذه الحالات. إنني لمست على مدى السنوات الاثنتين و العشرين التي مرت على قيام الجمهورية الإسلامية إلى اليوم، أن هذا المنهج و المنطق الذي كان يلتزم بهما الإمام، كان صحيحاً. إذ كان الإمام يقول: متى ما قام الأعداء بمدحكم فاعلموا أنهم يلتمسون فيكم مطمعاً، فعليكم إزالة أرضية ذلک الطمع. و اعلموا أن كل ما يدعون إليه أبناء الشعب و الجماعات و الشباب و الشرائح المختلفة إنما يلحق الضرر بكم. هذا ما جربناه لحد الآن. فلا بد من التحلي باليقظة الفائقة.إن العدو يمتلك وسائل إعلامية فعالة للغاية. إن كافة وسائل الإعلام العالمية تقريباً تحتكرها اليوم الأجهزة القوية الثرية في العالم و التي تهيمن على الكثير من الحكومات، و أغلبهم من الصهاينة أو حلفائهم. إنهم لا يقومون بالدعايات أو يستهدفون أحداً أو يدافعون عن أحد دون هدف أو حسابات دقيقة. بل لهم أطماعهم أو أهدافهم من وراء ذلك. فلا بد من الحذر. سبيل معالجة الأمر هو ما قلته - كما نقلته عن رئيس جمهوريتنا المحترم و رئيس جمهوريتنا السابق - أي على المرء أن يكون كلامه و موقفه و تحركه بالشكل الذي يدرك ذلك الذي حفر له البئر بامتداحه إياه أنه قد أصيب بالفشل و لم يبلغ هدفه. ربما حصل أن بادرت الإذاعات الأجنبية إلى امتداح و دعم كبار المسؤولين و المدراء في البلد بمناسبة - سواء المدح لشخصهم أو لمنظومتهم أو لفئتهم أو لحزبهم - إنني قلت لهم علیکم أن تفعلوا شیئاً حتی لا یُشتبه بکم مع الأعداء، أي عليكم تكريس البون الذي يفصلهم عنكم بصراحة. إن حصل هذا، فلن يبلغ الأعداء أهدافهم و ستحبط مؤامراتهم، و ليتحدثوا بما يحلوا لهم. عندما يكون هناك اختلاف بين تيارين أو فئتين حول قضية ما في بلدنا - طبعاً الاختلافات في الرأي و الأذواق أمر طبيعي بلا ریب - فإنهم يعبرون عن دعمهم لأحد هذين الطرفين بينما ينكّلون بالآخر! فطريق إحباط فاعلية مؤامراتهم هو أن يعلن الطرف الذي أعلنوا دعمهم له براءته منهم بصراحة. لو قاموا بهذا العمل، فلن يبلغ العدو هدفه الذي يتمثل في إيجاد شرخ. و إلّا فإن العدو سيأمل في إلى بلوغ هدفه. اعلموا يا أعزائي، لو حصلت فجوة في النظام، فلن يتقدم أي عمل أساسي؛ فأيما جماعة تقوم بعمل ما، و تضع فئة أخرى علامة استفهام عليه و تحول دون تقدم هذا العمل - حيث لاحظتم أنتم نماذج ذلك في حالات عديدة. فإذا ما قام جهاز بعمل إيجابي مفيد، فسرعان ما تلاحظون أن هناك من يتخذون المواقف تجاهه و يوجهون النقد له و يهاجمونه و هو لم تتضح معالمه بعد! - بهذه الطريقة لا يتقدم العمل أبداً. حينما يُطلق شعار أو حديث جيد عن لسان، تظهر فئة أخرى تهاجمه و لا تسمح لهذا الشعار أن یثمر. هذه هي المشاكل الكبيرة التي تنبع من حالة التفرقة في مراكز الحكم الرئيسية، و إلا فلا إشكال في الاختلاف على الصعيد الفكري. بل الإشكال في الفرقة و التخاصم و العداوة التي تصب في صالح الأعداء. إنني أشكو من بعض المواقف التي يتخذها بعض الأشخاص سواء في السلطة التشريعية أو بعض المواقع الأخرى. ينبغي أن لا تكون المواقف بالشكل الذي يرى فيها العدو أنها تصب في صالحه و يحقق أهدافه و مآربه من خلالها. علينا أن نفسح المجال أمام أجهزة البلد - سواء السلطة التنفيذية أو القضائية أو التشريعية - كي تقوم بأعمالها بقدرة و شجاعة و ثقة بالنفس.إن الصراع في المستويات العليا في الحكومة هو ما يريده العدو و يتابعه بجدية. و كما سبق أن قلت: إذا كان من الممكن لهم النفوذ إلى إحداها فسيقومون بهذا العمل - و لحسن الحظ لم ينجحوا به حتى الآن و لن ينجحوا في المستقبل أيضاً بإذنه تعالى - و إلا فإن لديهم سبلاً أخری تتمثل في تقربهم من البعض و تشديد الصراع لصالح فئة ضد أخرى. هذه هي إحدى السياسات الواضحة التي انتهجت ضد الثورة خلال هذه السنوات القليلة. هذا هو هدفهم من كل ما يصرحون به أو ما يصدر عنهم من مواقف، و هذه هي غايتهم من مبادرتهم لتأسيس الإذاعات. و هناك في الداخل أذناب المعادين للثورة و عملاء الأجهزة الجاسوسية الأجنبية - فهؤلاء أيضاً موجودون - الذين يتخذون نفس تلك المواقف و يطلقون نفس تلك الأحاديث و يتابعون نفس الهدف. إن هدفهم لا يتمثل في إيجاد الصدع في الأجهزة العليا للنظام و حسب، بل إن إيجاد الثغرة في الحوزة العلمية هو هدفهم الآخر. كانوا يبذلون مساعيهم لبث الخلافات بين كبار المراجع و العلماء المشهورين في الحوزة العلمية، و لحسن الحظ لم ينجحوا، و نتمنى أن لن ينجحوا في كل الساحات.إنني و في آخر جمعة من العام الموسوم بعام أمير المؤمنين (ع) أوصي باسمه العظيم و ذكراه نفسي بالدرجة الأولى - إذ إنني أحتاج أكثر من غيري للتقوى - ثم أدعو مسؤولي البلد و كافة أبناء الشعب و أنتم أيها المصلون الأعزاء بالتقوى و هي ما وصّى به أمير المؤمنين بما تحمل من معنى المراقبة الحذرة لأقوالنا و أفعالنا و حركاتنا، لكي لا يأمل العدو و يشعر بأنه يستطيع إيجاد الصدع في النظام و يحول دون تقدم الأعمال الجيدة. أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العام الذي تزين باسم أمير المؤمنين ذخراً لهذا الشعب، و أن يجعل من العام القادم عاماً لتحقيق النجاحات الكبيرة لهذا الشعب إن شاء الله. و هناك أمور تتعلق بالعام القادم و قضية الانتخابات التي ستجري في مطلع العام القادم سأتطرق إليها في وقتها.بسم الله الرحمن الرحيمإنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك و انحر. إن شانئك هو الأبتر.(7)و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) نهج البلاغة،الحكمة 70.2) نهج البلاغة، الحكمة 70.3) نهج البلاغة، الحكمة 70.4) نهج البلاغة، الخطبة 86.5) نهج البلاغة، الخطبة .866) سورة العصر: الآية 1-4.7) سورة الكوثر: الآية 1.
2001/03/16

كلمة الإمام الخامنئي في طلبة و أساتذة جامعة أمير كبير

بسم الله الرحمن الرحيمالحضور بينكم أيها الشباب الأعزاء في غاية الروعة و الجمال، و بعيداً عن المبالغة، عليَّ أن أقول بأنكم بمثابة النجوم الزاهرة التي نوّرت سماء مستقبل هذا البلد. أتمنى لكم النجاح في حياتكم التي ستقضونها في هذه الدنيا و بين أبناء شعبكم و بلدكم إن شاء الله، و یمکنکم أن تمدّوا أرواح و أفئدة أبناء هذا البلد الصالحين بالمزيد من النورانية. لا يمكن للمرء أن يتصور أي حلية لمجموعة شابة غير حلية العلم و المعرفة و البحث العلمي و الفكر النيّر و الدين و العواطف المعنوية و النشاط الديني و الثوري.أما أنا فأكنّ إكراماً فائقاً لهذه الجامعة، و کنت کثیر التردد عليها في الماضي. هي في الحقيقة تمثل أمَّ الجامعات الصناعية في البلد و أقدمها و ربّما أكثرها علماً على مرّ المراحل المختلفة. خلال اجتماعنا بأساتذة الجامعة الأعزاء قبل قليل، أشار عميد الجامعة إلى ما حصل من تقدم و تطور كمي و نوعي في الجامعة خلال السنوات التي أعقبت انتصار الثورة و ذلك في الحقيقة من دواعي الرضا و السرور. طبعاّ لست راضياً في قرارة نفسي عن ذلک، و أتمنى أن تحقق هذه الجامعة و كافة جامعات البلد المزيد من التطور على المستويات العلمية و العملية و البحثية و أن نحقق هذا العمل.للدخول في الحديث لا بأس من أن أذكر لكم خاطرتين عن هذه الجامعة. طبعاً حديثي اليوم ينقسم إلى جزئين: أولهما كلمتي التي سألقيها على مسامعكم، أما الجزء الثاني فيختص بالردّ على الأسئلة. في القسم الأول من الحديث سأتحدث أساساً عما يتعلق بالجامعة، أعني القضايا التي تهمّ الجامعة و الطلبة الجامعيين. الخاطرتان، تعودان إلى السنين الأولى من انتصار الثورة، الخاطرة الأولى تتعلق بالاجتماعات التي عقدناها مع جماعة من طلبة هذه الجامعة. و منهم من هو موجود اليوم أيضاً و يعدّ من مسؤولي البلد و من الشخصيات المعروفة نسبياً. لقد قاموا بعقد اجتماعات و وجّهوا الدعوة لي و لبني صدر و لم يكن حينها رئيساً للجمهورية، و كان المطلوب أن نتحدث عن ماهية خط الإمام، حيث كان البعض يستنكر منذ اليوم الأول أي وجود لخط الإمام. فكانوا يقولون: ما هو خط الإمام؟ كانت تلك الاجتماعات تعقد لبيان ماهية خط الإمام و حدوده، و هي ذكريات خالدة بالنسبة لي.الذکری أو الخاطرة الثانية هي تلك التي نُقلت عنّي مراراً. لقد قلت هذا الموضوع في هذه الجامعة. كنت ألقي كلمة في هذه الجامعة خلال فترة رئاستي للجمهورية و كنت أجيب عن الأسئلة التي وجّهت إليّ. كتب أحد الطلبة يسألني عن العمل الذي سأختاره بعد انتهاء فترة رئاستي للجمهورية؟ - لأنه كانت هناك تصورات مختلفة - فقلت: لم أحدّد لي أي عمل و لا أدري ماذا سيحدث. لكنّ علي أن أقول: لو أمرني الإمام أن أتولى مسؤولية الدائرة العقائدية السياسية في كتيبة الشرطة في مدينة زابل و الذهاب إلى هناك، فسآخذ بيد زوجتي و أطفالي و أذهب إلى زابل، أي سأصبح مسؤولاً عن الدائرة العقائدية السياسية في تلك الكتيبة. أي إنني لم أحدد هدفاً شخصياً لي أبداً.إنني و لحسن الحظ أشعر منذ البداية و لا زلت بشوق لطلبة هذه الجامعة و أجوائها و بيئتها العلمية، فهي جامعة رائعة للغاية و مغتنمة و أسأل الله أن تسنح لها الفرصة لكي تؤدي دوماً دورها البارز في القيام بالواجبات التي تقع على عاتقها.لكن ما أريد أن أطرحه عليكم هو ما كنت أرغب في طرحه على الإخوة الأعزاء في اجتماع الأساتذة، لكن الفرصة لم تسنح. لذلك سأذكره أوّلاً و هو أن من أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق الجامعات هو تحديث الفكر العلمي أو التفكير العلمي الحديث. فقضية التحجّر و الجمود و الالتزام بالأطر الجامدة المفروضة على الإنسان و التي لا يسندها منطق صائب يمثل آفة. ما هو واجب مبدئي للوسط العلمي و الجامعي هو تحقيق الحداثة على صعيد القضايا العلمية. هذا هو المعنى الحقيقي لإنتاج العلم. إنتاج العلم لا يعني نقله فحسب، بل الإبداع العلمي يحظی بالأهمية بالدرجة الأولى و هو ما أقوله لأنه يجب أن يتحول إلى ثقافة. هذه الحداثة العلمية أو التجديد الفكري لا ينحصر بالأساتذة فحسب، بل مخاطبها هم الطلبة و الوسط العلمي عموماً. هذا الإبداع العلمي - الذي يعبر عنه في قاموس المعارف الإسلامية بالاجتهاد - بحاجة إلى أمرين: أحدهما الكفاءة العلمية و الآخر الشجاعة العلمية. الكفاءة العلمية أمر ضروري. حدة الذكاء و الرصيد العلمي اللازم و السعي الدؤوب لكسب العلم، تعتبر من الأمور الضرورية لبلوغ الكفاءة العلمية، لكنها لا تكفي. فما أكثر الذين يتمتعون بكفاءة علمية لكن أية فائدة لم تتحقق من رصيدهم العلمي هذا، حيث لا يتقدّم بقافلة العلم إلى الأمام، و لا يحقق أي رقي للشعب على الصعيد العلمي. لذلك فالشجاعة أمر ضروري. طبعاً حينما يجري الحديث عن العلم، ربّما يتبادر إلى الأذهان تلك العلوم ذات الصلة بالجوانب الصناعية و الفنية بالدرجة الأولى - حيث تحظي بالأهمية الفائقة في هذه الجامعة - لكنني أتحدث على نحو الإطلاق و العموم. فالعلوم الإنسانية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و القضايا المتنوعة الضرورية لإدارة أي مجتمع و أي بلد بأسلوب علمي، كلها بحاجة إلى الابتكار و الحداثة العلمية، أي الاجتهاد. ما يلاحظ في أوساطنا العلمية - و اعتبره من أكبر العيوب - هو أننا نردد الكتب و النصوص الأجنبية و ندرسها و نحفظها و نتعلمها و نعلّم على طول عشرات السنين، لكننا لا نجد في أنفسنا القدرة على التساؤل و توجيه الإشكالیات! ينبغي طبعاً دراسة النصوص العلمية و كسب العلم من أي كان، لكن العلم لا بد أن يقترن بروح قوية و ثابتة و كفاءة تتمتع بالقابلية على التقدم بالعلم إلى الأمام لیتسنی له المضي قدماً في طريق الرقي. هكذا جاءت النهضات العلمية في العالم.إننا اليوم - يا أعزائي - بحاجة إلى التطور العلمي في بلدنا. فإذا لم نبذل الأموال و الجهود و المساعي من أجل العلم، فإن مستقبلنا سيكون مستقبلاً حالكاً. هناك البعض يسعون لتحديد المسيرة العلمية أو إيقافها أو عدم الاهتمام بها. هذا ليس أمراً محبّذاً. لكن الفريضة العظمى التي تقع على عاتق هذا الجيل - و بالدرجة الأولى على عواتقكم أنتم الجامعيين - هي تعزيز البنية العلمية للبلد، فإذا ما افتقدنا العلم، فسيتخلف اقتصادنا و صناعتنا و إداراتنا و قضايانا الاجتماعية. إن الذين يفرضون هيمنتهم على عالمنا المعاصر، و تلك الأيدي الخفية التي تستولي على المصادر الإنسانية و المادية العظيمة في العالم، و تتطلع إلى المحيطات و الممرات البحرية الحساسة و تتدخل أينما شاءت، إنما استطاعوا إيصال البشرية إلى هذا البؤس عن طريق استخدامهم لآلة العلم! لذا فإن العلم أمر ضروري لمواجهة أفعالهم. فإذا ما أردتم أن تتقدموا علمياً فعليكم التحلّي بالشجاعة على الإبداع. على الأساتذة و الطلبة أن ينعتقوا من قيود الإيحاءات القائلة بجزمية التعريفات العلمية و ديمومتها.طبعاً ينبغي أن لايُساء فهمي، فإننا لا نوصي أحد بالتورط في الفوضى العلمية، و الذين لا يتمتعون برصيد علمي في أي مجال، إذا ما أرادوا أن يحققوا الإبداع حسب ظنهم، فإنهم سيتورطون في اللغو العلمي، هذا ما نلاحظه على صعيد العدد من العلوم الإنسانية و المعارف الدينية، فهناك من الجهلة من اقتحموا الساحة دون أن يتمتعوا برصيد علمي كاف و يتحدثون، و يتصورون بأنهم يحققون الإبداع، وما هو من الإبداع في شيء، بل إنه فوضوية. لذلك لا أنصح بذلک على صعيد القضايا العلمية. فلا بد من كسب العلم، و علینا أن لا نتحول الی مستهلکین للنتاجات العلمية التي قدمها الآخرون. لا بد من إنتاج العلم بالمعني الحقيقي لمفهوم الإنتاج، طبعاً لهذا العمل، منهجيته و ضوابطه. المهم هو أن تحيى روح الإبداع العلمي و تبقى حية في الوسط الجامعي. لحسن الحظ لمست هذه الرغبة و الحب لدى الطلبة و أراها عند الأساتذة أيضاً. فعليهم أن يضعوا يداً بيد للرقي بالمستوى العلمي للبلد. إذا ما اقترن العلم بهدى الإيمان و العواطف السليمة و المعرفة المستنيرة الواعية، فإنه سيصنع المعاجز الكبرى التي يمكن لبلدنا أن يكون بانتظارها.لقد أشرت إلى التعبّد العلمي و الاستسلام للجزمية العلمية في شتى العلوم. إنني أعتقد بشكل علمي بضرورة تبلور وعي ذاتي جمعي في كافة الأوساط العلمية إزاء الثقافة الغربية الدخيلة ذات الطابع المتغطرس. لقد انزعج البعض كثيراً لإثارتنا قضية الغزو الثقافي قائلين لماذا ترددون عبارة الغزو الثقافي؟! هذا و الغزو الثقافي يجول وسط الساحة يطلب من تنازله، حاول البعض أن يجدوه هنا و هناك! هذا الغزو الثقافي لا ينحصر ببعض الظواهر السطحية، بل القضية هي أن منظومة ثقافية في العالم تسعى لفرض متبيناتها و طروحاتها على سائر الشعوب و الدول الأخرى معتمدة في ذلك على ما لديها من ثروة نفطية و حق النقض الفيتو و أسلحة جرثومية و كيمياوية و نووية و سلطة سياسية. ربما يقع بلد ما ضحية الفكر المستورد فيفكر بما يمليه هذا الفكر و يتقبّل ما يضخّه الآخرون من أفكار. ليست هذه الأفكار من الطراز الأول، بل هي مستهلكة منسوخة لم يعد لها أية فائدة، لكنهم يعتبرونها حسب تصوراتهم ضرورية لبلد أو شعب، فيتمُّ ضخها إلى ذلك الشعب عن طريق وسائل الإعلام على أنها أفكار حديثة! هذه هي المصيبة الكبرى و العظمى التي تحيق بأي بلد.على أساتذتنا و طلبتنا بما لديهم من عقليات متوقّدة أن يقوموا بدارسة الكثير من المفاهيم الحقوقية و الاجتماعية و السياسية ذات الطابع الغربي التي ينظر إليها البعض على أنها وحي منزل لا يمكن التشكيك فيه على الإطلاق في الورشات البحثية العظيمة للعلوم و من ثم إثارة الاستفسارات حولها و تحطيم حدود الجزمية، و إبداع طرق جديدة لكي يستفيدوا هم أنفسهم و يقترحوها على البشرية أيضاً. هذا ما يحتاجه بلدنا اليوم و يتوقعه من الجامعات. على الجامعات أن تخلق في بلدنا و شعبنا نهضة شاملة و عميقة على صعيد الأجهزة الدقيقة، كي يستطيع العاملون المتفانون العمل بما تجود به اقتراحاتهم و إبداعاتهم العلمية لإرساء الصرح الحقيقي لمجتمع زاهر عامر قائم على العدل و الأفكار و القيم الإسلامية. هذا ما يتوقعه بلدنا من الجامعات. بم يشغلون الجامعة لصدّ الأساتذة و الطلبة عن سلوك هذا الطريق؟ اعلموا أن ما تهتم به الأجهزة الاستخباراتية هو كيفية صرف الطالب المتيقظ و الجامعة الواعية في إيران و الحد دون سلوكه الطريق الذي يؤدي إلى رقي البلد و تقدمه. لقد تحدثت مراراً حول الفكر و الثقافة الغربية المستوردة. لعل البعض حمل ذلك على أنه نوع من التعصب و العناد. كلّا، فهو ليس تعصباً أو عناداً. ليس هناك سبيل أكثر سهولة و بساطة لتكبيل شعب ما من أن تستطيع القوى الكبرى في العالم أن تصوغ ثقافة ذلك الشعب و اعتقاداته وفقاً لحاجاتها. تلك الاعتقادات الذي تحث الشعب للاعتماد على نفسه و التقدم إلى الأمام و السعي للاستقلال و الحريةهي ألدُّ أعداء الذين يريدون أن يهيمنوا على كافة أنحاء العالم و يسخّروا البشرية برمتها لصالحهم. لذا يكافحون ذلك الفكر و تلك المعتقدات، و يسعون في سبيل ذلك إلى التوسّل بشتى الأدوات و المناهج لنشر أفكارهم و اعتقاداتهم و اتجاهاتهم في نفوس ذلك الشعب ليفكر كما يحلو لهم. و حينما فكّر كذلك، فإنه يعمل في ضوء ما يفكر به. هذا هو الأسلوب الرائج جداً حالياً، و هو التنظير الاستعماري. لقد قاموا بهذا العمل في إيران منذ بداية الثورة و يفعلونه الآن أيضاً. كما فعلوا ذلك في أمكنة أخرى من العالم، و هو لا يختص بهذا العصر و الزمان.لقد بدأ الإنجليز خلال القرن التاسع عشر سلسلة من الحروب و الاعتداءات الاستعمارية، فكانوا يذهبون إلى أفريقيا و آسيا و الهند و الأمكنة الأخرى لفتح البلدان و استعباد أهلها. هناك اليوم عشرات الملايين من زنوج أمريكا يعيشون في تلك الظروف، هم أحفاد أولئك الرقيق الذين انتزعهم دعاة الحضارة في القرن التاسع عشر من أفريقيا و من أحضان عوائلهم و آبائهم و أمهاتهم و نقلوهم إلى أمريكا للعمل و الخدمة و الارتزاق. كانت هذه الأعمال جرائم سافرة لغرض تبرير هذه الأعمال المنافية للعقل و الشرع و لكافة القوانين البشرية، فإنهم كانوا يختلقون تنظيرات تحمل عنوان الثقافة و التنوير. فالاستعمار بذاته يعد أحد تلك التنظيرات، أي إننا نذهب إلى تلك المناطق لغرض إعمارها! هذا بعينه هو الرائج في عالمنا اليوم. إذ أن التنظير يمثل أحد الأساليب التي ينتهجها الذين يريدون أن يستثمروا حياة الشعوب و مواهبهم الإنسانية.إنني أريد أن أثير انتباه الوسط الجامعي و شبابنا الجامعيين إزاء التنظيرات الغربية الدخيلة التي لا تهدف إلّا للحفاظ على العلاقات السلطوية للغرب مع بلدان من قبيل بلدنا. تطلق أحاديث كثيرة تحت عناوين مختلفة، غير أن الهدف واحد لا أكثر. لقد جاءت هذه الثورة و هذا النظام و هذه الحركة العظيمة الشعبية و انكسرت سلطة الغرب المتغطرسة في هذا البلد. لا يوجد في بلدنا اليوم أي رواج قانوني للقيم الغربية. و تسليم مصالح البلد للأجانب، يعدُّ اليوم أمراً مذموماً في بلدنا. اليوم يرى هؤلاء خاصة الأمريكان أن مائدة أطماعهم التي بسطوها بآلاف الآمال في هذا البلد قد جمعت و لملمت. و ليست هذه خسارة قليلة لمراكز السلطة و الهيمنة العالمية، فماذا يفعلون للعودة بالظروف الماضية؟ لقد جاءوا في بداية الثورة و شنّوا حرباً شعواء، لكن حينما لاحظوا أن أنوفهم قد تمرّغت في التراب، فهموا أن هذا ليس السبيل المجدي. لذلك تمسّكوا بالغزو الثقافي. الغزو الثقافي ليس أمراً سهلاً، إنه عمل النخبة. لذا يجلس النخبة و يفكّرون و يكتبون الوصفة و للأسف هناك البعض في داخل البلد يمهّدون السبيل لتنفيذها! فهؤلاء يطلقون الأحاديث، و هناك البعض يكررونها باللغة الفارسية و يلبسونها ثوباً محلياً! فينبغي الحذر من هؤلاء.لدي الكثير من الأحاديث أريد أن أقولها للوسط الجامعي و الشباب الجامعي و الأساتذة الجامعيين. و هذه الأحاديث أحاديث جادة ينبغي الالتفات لها فلا يمكن محو ظاهر القضية و من ثم الركون إلى الراحة. هناك البعض يريدون أن يمحوا ظاهر القضية و شكلها. حينما نقول العدو، يقولون: من هو العدو؟ حينما نتحدث عن المؤامرة، يقولون بأنكم تسيئون الظن! لا يمكن إنهاء الأمر بمحو ظاهر القضية. فالقضية بذلك لا تتم معالجتها، بل ينبغي التفكير فيها. طبعاً السبب في أنني أطرح هذا الأمر على شريحة الجامعيين، هو أنني أكرم هذه الشريحة. إنني أشعر من أعماقي بأهمية الجامعة للبلد. إذ يمكن للجامعة توفير قمة الخدمات التي يمكن منحها للبلد. فالجامعة مهمة للغاية بالنسبة للبلد.طبعاً هناك الكثير من الخدمات المتبادلة بين الجامعة و الثورة. إذا ما أردنا إعداد قائمة من الخدمات المتبادلة بين الثورة و الجامعة، لكانت تلك قائمة طويلة. بمجرد حضوري في اجتماع الأساتذة و مشاهدة بعض هؤلاء الأصدقاء ثارت الذكريات في خاطري و تداعت في مخيلتي الأيام الأولى لعودة الإمام و الدور الذي لعبوه آنذاك، في الأماکن التي لم نكن نلمس فيها الألقاب و الأطماع و الشهرة المزيّفة، بل كان يلاحظ الجهاد بکل إخلاص. ثم في فترة الحرب، تم تقديم ثلاثة آلاف شهيد من الطلبة الجامعيين للثورة و الإسلام، منهم تسعون من طلاب جامعتكم هذه. ليست هذه أموراً قليلة، بل هي خدمات الجامعة.الثورة أيضاً قدمت خدمات للجامعة. أعتقد أن من أهم خدمات الثورة للجامعة تتمثل في أمرين: أولهما: منحت الثورة الجامعة الشعور بهويتها الوطنية المستقلة، و أنقذتها من حالة الانبهار و التأثّر بالأجانب. كما كان الوضع قبل انتصار الثورة. أمّا الثاني، فإن الثورة ألفت بين الجامعة و الشعب. كانت الجامعة قبل ذاك عبارة عن جزيرة منعزلة تتوسط محيط الشعب الصاخب. باستثناء العناصر المؤمنة الملتزمة من الأساتذة و الطلبة، كان الوسط الجامعي بحيث لو دخلتم لنالتکم أعراضها مما كان سائداً من ثقافة و إيمان و معتقدات عامة و مما كان الشعب ملتزماً به. لقد كان الوسط الجامعي مكاناً للهواجس الشخصية بالنسبة للغالبية العظمی من الأساتذة و الطلبة، باستثناء تلك الفئة القليلة من السياسيين المناضلين، أما سائر العناصر فقد كانت هواجسهم هواجس شخصية! لم تكن لديهم هواجس اجتماعية و ما كانوا يشعرون بآلام مجتمعهم. أکبر أمنية للطالب آنذاك کانت نجاحه و حصوله علی وسيلة للهروب خارج البلد. لقد كانت الجامعات منبهرة بالغرب و لم تتوفر لديها الإرادة للسير نحو الإبداع. هذا لا يعني أنهم لم تكن لديهم الرغبة في هذا الهدف، إنما كانت تلك هي الثقافة السائدة في الجامعة. الثقافة السائدة كانت ثقافة التبعية التي كانت حكومة الشاه تعمل على إشاعتها بقوة. حتى أن أولئك الذين كانوا يدعون إلی التجديد في الوسط الجامعي لم يكونوا مستنيرين شعبيين، بل كانوا يتميّزون بالبعد و الانفصال عن الشعب! العديد منهم غادروا البلد بعد انتصار الثورة إلى البلدان الأوربية و هم الآن يعيشون حياة الترف و يقضون أكثر أوقاتهم في المقاهي! هكذا كان وضع الجامعة، فجاءت الثورة و انقذت الجامعة من هاتين الآفتين الكبيرتين، و جعلت منها جامعة مستقلة، خلّاقة و أثارت فيها الثقة بالنفس، و التميّز بالقابلية على إنتاج العلم و الفكر المنسجم مع ثقافة الشعب بكافة شرائحه و مواكبة طموحات الجماهير و معتقداتها و العلاقات السائدة فيها، هذا ما يحظي بالأهمية الفائقة. علي أن أقول لكم، بأن هذين الأمرين من النقاط المهمة التي إذا ما تعرضت الجامعة للخطر من قبل الأجانب و الأعداء، فإن أول ما يُقصف هو هذان المركزان المهمان الجوهريان، فهم يريدون سلب الثقة بالنفس من الطالب الجامعي و إدخال الأفكار و النظريات الدخيلة المترجمة إلى الجامعة و حقنها في عقول الأساتذة و الطلبة و من ثم فصلهم عن الناس و تطلعاتهم و إيمانهم. هذا هو الخطر الرئيس، و علاجه هو الحفاظ على العلاقة الفكرية مع جماهير الشعب و التمسك الوثيق بأصول الثورة. أعزائي! لا بد من تعزيز الصلة بالثورة أكثر فأكثر. لقد أضعنا - نحن الشعب الإيراني - هويتنا و مكانتنا على المستوى الدولي، و الثورة هي التي أعادت للشعب الإيراني هويته و مكانته.اليوم يحاول أصحاب النظریات و أرباب الدعايات في الغرب العودة بذلك الخط الرجعي، أعني خط العودة إلى الخضوع للغرب. طبعاً كما قلت فإن مشروعهم هذا يحمل عنوان النظريات المستنيرة على الظاهر، أو الخطاب الجديد، أو العولمة أو نظرية تغيير الخطاب. يقولون بأنه لا يمكن لطالب هذه المرحلة أن يكون طالب فترة مقارعة الاستعمار. و يقولون: لقد انتهى عصر مناهضة الاستعمار و الاستكبار و ترديد شعارات الموت للاستكبار، و ولّى عصر المطالبة بتطبيق العدالة و مقارعة الرأسمالية، و انتهت فترة المناداة بالمبادئ و التبرّي و التولي السياسي، و الحوار الجديد الذي يحمله الجامعي هو منطق العولمة و الواقعية و اللحاق بالنظام العالمي الجديد، أي التبعية لأمريكا، و اسمه الظاهري هو العولمة. معنى ذلك هو أن يعود الشعب الإيراني إلى مرحلة ما قبل الثورة خاضعاً للهيمنة الأمريكية و عميلاً و آلة لضمان مصالحها. معنى ذلك أنه بالرغم من المساعي التي بذلها الشعب الإيراني و الأعلام التي رفعها على قمم النصر، و حالة اليقظة العظيمة التي أوجدها في نفوس الشعوب المسلمة عليه العودة إلى ما قبل انتصار الثورة. و ليس الهدف الواضح الحقيقي سوى هذا، لكنهم يريدون إخفاء هذا الهدف تحت عناوين جميلة من قبيل العولمة و التطور و التقدم.طبعاً ما زالت الأجهزة و أصحاب النظریات في الغرب تردد هذه الأحاديث على مدى عشرين عاماً. و منذ بضعة سنين راح بعض المغفلين الجهلة في الداخل أو المغرضين و المنبهرين راحوا يرددون نفس تلك الأحاديث و الأقوال بلهجات مختلفة. فالقضية المهمة بالنسبة لنظام الديمقراطية الليبرالية على الظاهر - و هي في الحقيقة ليست ديمقراطية و لا ليبرالية، بل هي نظام الاستكبار العالمي - و للشركات الصهيونية و أنصارها ليست إلّا أن يمكن لهم الاستثمار و محاولة احتكار الهيمنة على المراكز الرئيسية للثروة العالمية انطلاقاً من مراكز سلطتهم. هؤلاء يتهمون الثورة بالاستبداد حتی لا تقف عقبة في طريق استبدادهم. يصفون العالم بأنه قرية عالمية كي يتولوا هم القيمومة عليه، يطلقون شعار الوحدة الثقافية و العولمة الثقافية كي يفرضوا ثقافتهم على كافة ثقافات العالم. إنهم لا يسمحون لأحد بإثارة أدنى مؤاخذة على المستوى الدولي فيما يتعلق بثقافتهم التي مهّدت السبيل للاستعمار، لكنهم يريدون منكم أن تنتهجوا سبيل التعددية و القراءات المتعددة فيما يتعلق بإيمانكم و أفكاركم و ثقافتكم، و أن تسمحوا لكل مقالة و وجهة نظر أن تطرح حول إيمانكم و أفكاركم و ثقافتكم و قواعدكم العقائدية المتينة، لكنهم لا يسمحون بمثل هذا فيما يخص شؤونهم! فلا يحق لأحد أن تكون له قراءات متعددة إزاء المصالح الأمريكية. فهم يدخلون بكل قوة حيثما اقتضت مصالحهم. إذا ما سئلوا عن المبنى في تدخلهم، يختلقون له أساساً فكرياً! قبل عدة أيام طرح في الكونغرس الأمريكي مشروع يسمح للرئيس الأمريكي باغتيال معارضة في أية نقطة من العالم! و إذا ما واجهوا استفساراً عن السبب فإنهم يختلقون أدلة لتبرير مصالح أمريكا! و يريدون منا أن ننظر إلى تلك الأدلة بنفس رؤيتهم و نتقبلها بكل كياننا و إيماننا. هل هناك غطرسة فوق هذه!قبل أربع أو خمس سنوات جرت انتخابات حرة في الجزائر، و لكن ما أن لاحظوا أن هذه الانتخابات ستنتهي بفوز من لا يرغبون فيهم برمجوا و قاموا بانقلاب عسكري و قمعوا الجماهير. و العالم برمته كان قد اعترف بحرية تلك الانتخابات و أنها كانت تجسيداً للديمقراطية - على حد تعبيرهم - لكنهم لجأوا إلى القمع! لو سألهم سائل عن سبب ذلك القمع، لاختلقوا له الدليل و هو أن الإسلاميين سيصلون إلى سدة الحكم و هم يعارضون آراءنا و أفكارنا فيما يتعلق بالقضايا العالمية و ما يخص الديمقراطية! أي إنهم يطرحون أسساً و مبان أصولية و ثقافية و فكرية خاصة بهم و لا يسمحون لأحد في العالم بأن يناقش و يؤاخذ هذه الأسس أو يقول ما يناهضها، لكنهم يناقشون أسسكم الفكرية و متبنياتكم و قيمكم و معتقداتكم الفكرية الإسلامية الراسخة. و إذا ما سألتموهم عن السبب، احتجوا عليكم بوجود القراءات المتعددة و هذه إحداها، لذا يعتقدون بالقمع الثقافي! و إذا ما قلتم لماذا؟ فإنهم يتهمونكم بالتحجر و الجمود بسبب معارضتكم للتعددية الثقافية، في حين أنهم لا يعتقدون بالتعديدية الثقافية و لا يتقبلونها عندما يتحدثون عن مصالحهم و المفاهيم التي تقوم عليها تلك المصالح! هذا ما يجب على الشاب المسلم أو الطالب المسلم أن يتحلى بالوعي به حين التفكير بهذه الأهداف و المآرب، و حين اتخاذه للقرار و الإدلاء برأيه و المبادرة. البعض ينظر إلى ذلك على أنه كلام جديد و حديث، فيترجمه إلى الفارسية و يتحدث عنه و يؤلف المقالات بشأنه و يناقش كافة قيم الثورة و الأسس الفكرية للشعب. مصدر هذه الأحاديث و الأفكار و دوافع أصحابها أمر واضح. فهدف أولئك الذين انتجوا هذا الفكر و الثقافة هو أن يتمكّنوا من الهيمنة على الشعوب و البلدان و ثقافات الآخرين. فهل صحيح أن نترجم أفكارهم و نكررها. طبعاً يمكن للجامعة أن تلعب دوراً مهماً علی هذا الصعيد. إنني أؤيّد الجامعة المبدئية التي تطلب الرقي، و المتفاعلة مع الشعب و ناشطة على الصعيد العلمي و الفكري. لا أنصح الجامعة و الجامعي بالتحفظ و الاكتفاء بما هو في متناول أيديهم من فكر و معرفة على الأطلاق، كلّا، على الجامعة أن تتسلّق دوماً سلم الرقي و تتقدم إلى الأمام. إنني أعتقد بأن التحفظ و الاكتفاء بما لدينا و الافتقار للهمّة العالية على كافة الساحات الفكرية و الثقافية يمثل مذبحاً للثورة، فالثورة تعني بالأساس خطوة واسعة تليها خطوات عظيمة اخرى. لا بد من استيعاب المفاهيم بصورة صحيحة و التحرك ضمن الحدود الصحيحة للمفاهيم.من المفردات الشائعة اليوم مفردة الإصلاح. لقد قلت في خطبة صلاة الجمعة و كررت مراراً؛ إنني أعتقد بأن الإصلاح هو من ذات الثورة. فالثورة تعني بالأساس حركة عظيمة نحو الأمام و علیها أن لا تقف أبداً بل تتقدم إلى الأمام دوماً. فهذه الحركة التقدمية هي الإصلاح. بالطبع إذا أراد الأمريكان إعطاءنا دروساً في الإصلاح، و أن يقولوا لنا أفعلوا هذه الأشياء لتكونوا إصلاحيين، فمن البديهي أن لا نوافق على ذلك، لأن ما يعتبرونه إصلاحاً هو عين الرجعية إلى الماضي. لو كانت في إيران اليوم حكومة ملكية رجعية مطيعة للغرب بدل حكومة الجمهورية الإسلامية الشعبية الفاعلة المستقلة الشجاعة لاعتبروها حكومة إصلاحية. مثل هذا الإصلاح صالح لهم. و إذا كان هذا النوع من الإصلاح حسناً و صالحاً فليعملوا هم به. الإصلاح - بالمعنى الصائب للكلمة - جزء لا يتجزأ من الثورة. و الطالب الجامعي المتدين لا يمكنه أن لا يكون إصلاحياً. الإصلاح ليس ادعاءً سياسياً ظاهرياً. ينبغي عدم استخدام الإصلاح كادعاء أجوف و وسيلة لاجتذاب هذا و ذاك و تجميل الوجوه. الإصلاح واجب و جهاد. من واجب الحكومة و الشعب أن يكونا إصلاحيين. طبعاً عليهم أن لا يسمحوا للآخرين بتقديم تعريف الإصلاح لهم، فعليهم معرفة الإصلاح بأنفسهم و البحث عنه و تمیيزه و تعريفه مقابل ذلك الإصلاح الأمريكي و إصلاح الخضوع للأجنبي.من الكلمات و الطروحات التي اتخذها العدو محوراً في حربه النفسية - و أرى واجباً علي التطرق إليها - هي قولهم إن جيل الثورة الثالث انفصل عن أفكار الثورة، و يتبعون أحاديثهم هو بنسيج فلسفي - كتلك الفلسفات الكاذبة المزيفة التي يصنعونها لتبرير كلام خاطئ و كاذب - لكي لا يتجرأ أحد على أن يقول بأن هذا الكلام، خطأ. هم يقولون بأن حدیثهم هذا يستند إلى فلسفة! فما هي تلك الفلسفة؟ هي أن الجيل الثالث لكافة الثورات أعرض عن الثورة! يا له من كلام كاذب خاطئ و تهریج! حول أية ثورة تتحدثون؟ وقعت الثورة الفرنسية عام 1789م و لكن الجیل الثالث لم يعرض عن الثورة و لا حتی الجيل الثاني، بل الجيل الأول هم الذين أعرضوا عن الثورة! بعد أربع أو خمس سنوات قاموا بحركة على الثوريين الأوائل و أمسك الانقلابيون الجدد بزمام الأمور لمدة ثلاث أو أربع سنوات، و بعد أربع أو خمس سنوات أخرى انطلقت حركة أخرى ضدهم. و ما أن حل عام 1802 م حتى تغيرت صورة الثورة بالكامل فتمكن شخص كنابليون من الوصول إلى سدة الحكم و وضع تاج الملوكية على رأسه، أي وصل الأمر بعد عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً بالبلد الذي كافح ضد الملكية و أعدم لويس السادس عشر بالمقصلة إلى أن يأتي نابليون و يتوج نفسه و يعلن نفسه امبراطوراً و يحكم سنين في ذلك البلد. استمر الحال ما يقارب من ثمانين سنة تعاقبت خلالها الحكومات و العوائل الملكية المختلفة للحكم على فرنسا حيث كانت تعيش حرباً مستمرة و غارقة بالابتذال و الفساد! فلم تصل تلك الثورة إلى الجيل الثاني، ناهيك عن الجيل الثالث، و ذلك بسبب ضعف قواعد الثورة و أركانها. و الآن بعد مضي قرنين من الزمن يأتي البعض في الجمهورية الإسلامية ممن لاحياء لهم، فيضعوا رتوشاً لتلك الروى التي عجزت في وقتها عن صيانة الثورة، و يقدموها على شكل عناوين براقة للثوريين في إيران الذين تمكنوا من إقامة أعظم ثورة قامت على أسس صلبة و المحافظة عليها إزاء العواصف أعواماً متمادية.و ثورة أكتوبر في روسيا لم تصل هي الأخرى للجيل الثالث. فلم تمض على انتصار الثورة ست أو سبع سنوات حتى وصلت الاستالينية إلى سدة الحكم، إذ حل استالين الذي يُشبَّه به كل من يراد وصمه بالعنجهية و الغطرسة و التعسف و الابتعاد عن الإنسانية! و هو الصحيح حيث كان استالين مظهراً لكل هذه الصفات السيئة حقيقةً. فتبدلت الحكومة العمالية - كما تسمى - و التي أقيمت من أجل الطبقات الضعيفة، إلى حكومة فردية استبدادية مطلقة! فلم يكن استالين يسمح حتى للحزب الشيوعي الذي كان هو الكل بالكل في النظام السوفيتي السابق، باتخاذ القرارات في مجالات معينة. استمر استالين في حكمه المطلق بما كان عليه من سطوة و جبروت مدة ثلاثين و نيّف من السنين و لم يكن هناك من يتجرأ على المعارضة. لعلكم سمعتم أعمال النفي المروعة. اول كتاب صدر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي يتطرق إلى أوضاع الکبت التي كانت سائدة في فترة الاتحاد السوفيتي - و لا اتذكر اسمه الآن - و قد ترجم كلا جزئيه إلى الفارسية و قرأته و كان يتميز بحسن التأليف و يفصل أوضاع تلك الفترة. علماً أنه يتطرق إلى فترة ما بعد استالين حيث تغيرت الأوضاع تغيّراً تاماً رغم استمرار النهج الاستبدادي، لذلك لم تكن القضية، قضية الجيل الثاني و الثالث أو شيء من هذا القبيل، بل لقد انتهى كل شيء منذ البداية.أية فلسفة هذه، و على أية ثورة يمكن تطبيقها؟ و أي ثورة جرّبت تراجع جيلها الثالث عن الثورة؟ كلّاً، ذلك يتوقف على الفكر الذي تحمله تلك الثورة. فالثورة التي تستطيع إقناع الجيل الثاني أو الثالث أو حتى العاشر بما تتميز به من الأصالة و الصحة، ستكون خالدة. أفكار الثورة الإسلامية هي الأفكار التي تتميز بالخلود، فحب العدالة و التحرر و الاستقلال و مقارعة التدخل الأجنبي أمور لا يعتريها الاندثار. إنها أفكار تتصف بديمومة استقطابها للأجيال. اجتمع بعض المنظرين لينسجوا ما يحلو لهم، فصدقهم السذج في الداخل و قالوا بأن الجيل الثالث للثورة يعرض عن مبادئها و مع تقليل جاذبية الثورة، فإننا نستطيع أن نخرج الثورة من أيدي الثوريين و نقبض عليها نحن بأيدينا! حينما يقولون:نحن فمن هم المقصودون؟ إنهم أولئك الذين سيطروا على البلد أعواماً متمادية قبل الثورة! إنني اعتقد بأن هذا الفكر في غاية السذاجة و البلاهة فليطمئنوا أن نفس ذلك الاندفاع و الحماس و الحيوية و الإيمان و العواطف التي تحلى بها جيل الشباب في الفترة التي تمكن من تحقيق ذلك الإنجاز، موجود في جيل الشباب اليوم أيضاً. فعليهم أن يعلموا أنهم إذا رموا الثورة بحجر فسيرد إلى نحورهم. فالثورة لن يعتريها الاندراس و ستتوقد جذوتها من جديد لتحرق كل ما اختزنوه من أفكار بالية. أما فيما يتعلق بالجامعة، فإنني أرى أن الجامعة كانت و ستبقى حصناً رئيسياً للثورة. إن جيل الشباب من الطلبة لن يسمح بأن تتحول الجامعة إلى وكر آمن لأعداء هذا الشعب و للمغترین بالأجنبي . لقد أخطأوا في حساباتهم السابقة و نالوا صفعة من الطلبة. يبدو أن هنالك فئة تريد إعادة تلك الحسابات الخاطئة، لكن عليهم أن يعلموا بأنهم سيتلقون الصفعة من الجامعيين أنفسهم أيضاً. طبعاً أعتقد بأن الجامعة تتمتّع بالاكتفاء الذاتي و هي لا تحتاج إلى الاستعانة بالطاقات الخارجية. ما تمتاز به الجامعة في عام 1379هـ . ش على الجامعة في عام 1359 هـ .ش، هو أن جيل الأساتذة اليوم هم من الجيل المؤمن الملتزم الذي لم يكن لدينا إلّا القليل منه عام 1359 هـ.ش. لا أقول بأنه لم يكن موجوداً عندنا، لكنّه كان قليلاً. جامعاتنا اليوم تزخر بالأساتذة و الطلبة و المدراء المؤمنين و الحمد لله. لذلك لا يراودني القلق إزاء الجامعات. طبعاً أخاطبكم أيها الطلبة، فأنتم رجال هذا الخندق و عليكم الحذر و القلق عليه لئلّا يطاله الوهن. عليكم ترصين جدرانه ثقافياً و فكرياً. أن بناء الذات يمثل واجباً على الطلبة في شتى المجالات الفكرية و الأخلاقية و الثورية سواء على الصعيد الشخصي أو على مستوى الوسط الجامعي و بناء الذات.. هذا هو ترميم هذه الخنادق و الحصون.الموضوع الذي یتکرر كثيراً في الجامعة في أيّامنا هذه هو الحرية. إذ يقولون بأن الحرية تؤخذ و لا تعطى. بيد أنني أقول بأن الحرية تعطى و تؤخذ و تُتعلم أيضاً. فما معنى القول بأن الحرية تعطى؟ يعني أنّه لا يحق لمسؤولي الحكومات سلب حق الحرية الطبيعي - أي الحريات المشروعة - من أي كان. طبعاً ليس ذلك امتناناً من الحكومات بل عليها أن تعطي الحرية ـ فذلك يمثل واجباً مفروضاً عليها. و القول بأن الحرية تؤخذ معناه وجوب أن يعرف كل إنسان واع ذي شعور في المجتمع حريته و حدوده و يطالب بها. و القول بأن الحرية تُتعلم معناه أن للحرية آدابها و ثقافتها التي يجب تعلمها. فلن تتوفر هذه النعمة العظمى لأي فرد و مجتمع كما ينبغي بدون الثقافة و آداب الحرية. فلو لم تتوفّر آداب الحرية في المجتمع و لم يعرف أبناؤها كيفية استثمارها، فليطمئنوا أنهم سيفقدون هذه الحرية الضرورية لكل مجتمع ناشط و ناهض و رائد، و هذا ما يعتبره الإسلام كارثة بالنسبة للمجتمع. فلو ضاعت الحرية، فستحدث كارثة. و لا فرق في نظر الإسلام بين الاستبداد و الدكتاتورية - سواء الفردية أو الجماعية، فكلاهما على حد سواء، و الدكتاتورية الحزبية شأنها شأن الدكتاتورية الفردية و هي أسوأ منها في بعض الأحيان - و إذا ما حاول شخص الهيمنة على مقدرات الناس في ضوء أهوائه النفسية فإن ذلك أمر مرفوض و هو بمثابة الكارثة إذا ما حصل في مكان ما. إذا لم نتعلم كيفية التعامل مع الحرية و إذا لم نعرف ثقافة الحرية و آدابها، فستحدث هذه الحالة. هناك البعض يريدون هذه الحالة. و هناك فئة أخرى تحاول إثارة الفوضى من خلال عدم التعرف على ثقافة الحرية لكي یتعطش الناس لمستبد متغطرس. في بعض المجتمعات تفعل الفوضى و الاضطرابات و الانفلات و فقدان الأمن فعلتها بحيث يتمنى الناس أن يأتي إنسان مستبد متغطرس لیوفّر لهم النظام! في بعض المجتمعات تفعل الفوضى و الاضطرابات و الانفلات و فقدان الأمن فعلتها بحيث يتمنى الناس أن يأتي إنسان مستبد متغطرس لإقرار النظام! فيسعى البعض لجرِّ هذا المجتمع إلى ذلك الوضع. يستغلون الحرية استغلالاً خاطئاً و يتلاعبون بأفكار الجماهير و مشاعرهم و إيمانهم و طموحاتهم و حاجيات المجتمع ليدفعوا المجتمع نحو الانفجار. هؤلاء هم أعداء الحرية. فينبغي عدم الإساءة للحرية و استخدامها كحربة تستهدف صدور حراس الحرية. كما ينبغي عدم التلاعب بالحرية. فأولئك الذين ينادون باسم الحرية دون أن يتمسكوا و يلتزموا بثقافتها، إنما يوجهون ضربة لها. هؤلاء ليسوا أنصاراً للحرية بل خونة لها. ينبغي عدم اتخاذ الحرية أداة لانتهاك القانون و مطرقة يضرب بها أصل نظام الجمهورية الإسلامية. ليس هناك نظام في شرق العالم و غربه يصفح عمن يأخذ مطرقة يضرب بها أصل ذلك النظام، لكن نظام الجمهورية الإسلامية فعل هذه الكرامة. إذ تلاعب البعض خلال فترة طويلة كما يحلو لهم بإيمان الناس و طموحاتهم باسم الحرية، و التزمت الجمهورية الإسلامية جانب الصمت لأي سبب من الأسباب فتحملن النظام و صفحت و كانت كريمة. إنني كخادم لكم و أخ للحاضرین في هذا الاجتماع حريص على كرامتكم و محب لشريحة الطلبة، أقول لكم: من الآن فصاعداً لا يحق للجمهورية الإسلامية و مسؤوليها و لا في نيّتهم محاباة الذين يريدون التحرك و العمل بما يتعارض و مصالح الشعب و الحرية و مصير هذا الشعب. فقد جلس هؤلاء في مجالسهم و محافلهم و قالوا إننا نريد أن نطيح النظام بشكل قانوني! إنه أمر عجيب! نحن لا نعرف شيئاً باسم الإطاحة القانونية. فكل حركة أو محاولة يراد منها الإطاحة، هي بمثابة إعلان للحرب. و حكم المحارب في الإسلام واضح . و هذا ما لا يختص بنا، إننا بسبب مواجهتنا هذا الكم من الأعداء و تعرضنا للحصار الاقتصادي و الإعلامي العالمي علينا بالمزيد من التأمل. لكن الآخرين يفكرون هكذا.لقد كان ثوريّونا منذ بداية الثورة على وجهين و لعبوا دورین فمنهم من كان ثوريّاً إيجابياً و منهم من كان سلبياً. كنا نطلق صفة السلبي على من كان ينسحب من ساحة العمل و السعي و التحرك إذا ما كانت نتيجته المتاعب. فهو ثوري، لكنه يبحث عن الجاه و يطلب الدعة. الثوري الذي كان يقول: إنني ناضلت قبل انتصار الثورة، أما الآن فأريد المحافظة على مکانتي بين الناس. لذلك لم يدخل مثل هؤلاء ساحة الأخطار و المتاعب و المواضع التي يتعرض فيها الإنسان إلى لوم اللائمين.کان هناک ثوريون إيجابيون. فكانوا على استعداد للتضحية باعتبارهم كانوا يتواجدون في أي مجال يشعرون فيه بالقدرة على تقديم المساعدة. سواء كان ذلك في الجبهة أو الجامعة أو الساحة الثقافية أو السياسية. فالثوري السلبي يتنحى عن العمل، و إذا ما أوكل إليه العمل أحياناً، فيتخذ كمن لا تقع عليه أية مسؤولية وضعاً سلبياً بالمعارض و كأنه لا يتحمّل المسؤولية في أي عمل، لكن الثوري الإيجابي يشعر بأنه من أكثر الأشخاص مسؤولية و يدخل الساحة و إن لم يكن يقوم بأي عمل.إنني أقول لكم: أعزائي! أيها الشباب! عليكم أن تكونوا ثوريين إيجابيين. على الجامعة تربية ثوريين إيجابيين، إن هذا الشعب و التاريخ بحاجة إليكم و عليكم أن تستعدوا . لو تواجدتم في الساحة، سيكون المستقبل الذي بانتظار البلد، مستقبلاً مشرقاً للغاية. نحن اليوم لا يضاهينا أي بلد في بعض الميزات و قليل من يناظرنا في البعض الآخر. نحن من البلدان النادرة التي تتمتع بمثل هذا الموقع الإستراتيجي حيث نمثل حلقة الوصل بين جناحي العالم، و كذلك وقوعنا في منطقة تتنوع تضاريسها و أحوالها مما يجعلها مؤهلة لكل نشاط و عمل. و لا يضاهينا بلد في العالم من حيث توفر بعض الثروات الكامنة في العالم، أو على الأقل وجود هذا الكم الهائل من المصادر المختلفة الكامنة تحت الأرض في العالم، سواء كان النفط و الغاز و غيرها من الثروات من ناحية أو الطاقات الإنسانية. فلدينا هذا العدد الكبير من الشباب، و هم ليسوا شباباً تافهين خاملين. بل الشاب الإيراني يتمتع بالموهبة و الوعي و اليقظة. لو تعاضد الشعب و الحكومة و نزلا إلى ساحة العمل - كما هو الحال الآن و الحمد لله - بالأمل بالمستقبل و التحلي بالوحدة و التآلف و ترك الأحاديث التي یسعى العدو لحقنها في أذهان الناس بممارسة الضغط، و عملا على توحيد جهودهما أكثر فأكثر، فاعلموا أن بلدنا سيرتقي ذروة المجد على مدى مستقبل ليس ببعيد و سترون هذا المستقبل بأنفسكم بالتأكيد. هذا ما نستحقه على صعيد الإمكانيات الإنسانية في العالم. نحن نتمتع بالمواهب و التاريخ، فالقرن الرابع الهجري - أي العاشر الميلادي - كان فترة ازدهار بالنسبة لنا. أنتم تعلمون أن القرن العاشر الميلادي هو قرن بداية العصور الوسطى المشهورة في أوربا، حيث استغرق سبعة قرون. طبعاً لم تبتدئ العصور الوسطى من القرن العاشر الميلادي، بل سبقته في انطلاقتها. لكن القرن العاشر الميلادي هو ذروة الانحطاط في أوربا. هل تعلمون ما كان يجري في إيرانكم و المجتمع الإسلامي في القرن العاشر الميلادي أو الرابع الهجري؟ القرن الرابع الهجري، كان قرن ازدهار العلم و الفلسفة في بلدكم و العالم الإسلامي، فهو قرن ابن سينا و الفارابي و الرازي و قرن الحكماء الإلهيين العظماء و قرن الشخصيات التي ما زالت آثارهم العلمية تهيمن على الدنيا حتى أيامنا هذه التي نعيش فيها. لا شك في أن إيران اليوم أكثر استعداداً عما كانت عليه في عهد ابن سينا و الفارابي و الخوارزمي و الرازي و الشيخ الطوسي و غيرهم من العلماء و أكثر قدرة على تربية مثل هذه الشخصيات العظيمة. فلماذا لا يسمحون. و إذا كانوا لا يسمحون، فلماذا نخصع لهم؟! و لماذا نعمل وفقاً لمآربهم؟ لماذا ينفذ الشاب أو السياسي أو المثقف الإيراني نفس ما يريده أرباب السياسة من الصهاينة و الأمريكان و الآخرين بغية إعادة فرض هيمنتهم على إيران؟ يا له من عار! إنه عار في قلوبنا و إن لم يعلم به أحد. يجب أن يكون نتاج جامعاتنا ثورياً إيجابياً ناشطاً مسؤولاً مؤمناً متفائلاً و هذا ما أتمناه. إنني ألمس هذا عندما أنظر إلى الأوساط الجامعية لا سيما هذه الجامعة العزيزة.النقطة الأخيرة تتعلق بالطلبة الناجحين في المسابقات العلمية الدولية و المتميّزين من الطلبة في هذه الجامعة و الجامعات الأخرى. علي أن أقول نقطتين فيما يتعلق بهؤلاء. النقطة الأولى هي أن على الحكومة و المسؤولين معرفة قدر هؤلاء و توفير الإمكانيات لهم. و لا ينحصر العباقرة و المتميزون عقلياً و فكرياً على بهؤلاء، بل لدينا الكثير بين الطلبة و الأساتذة الشباب و غيرهم ممن أثبتوا تفوقهم الواضح في الامتحانات و المسابقات و الاختبارات المختلفة. فعلى الحكومة معرفة قدرهم و توفير مستلزمات تقدمهم العلمي كي لا يشعروا بالحاجة للابتعاد عن أوساطهم.النقطة الثانية هي أن ينظر هؤلاء أنفسهم إلى مواهبهم و قدراتهم الذهنية على أنها ثروة وطنية، فهي ليست ثروة شخصية، و عليهم استثمارها لصالح بلدهم و شعبهم و عوائلهم، إنها مواهب و أمانات إلهية و ليست ملكاً شخصياً. فلا تقولوا إن الحكومة لا تهتم بنا. و إذا لم تهتم بكم الحكومة، فهذا لا يعد عذراً. لقد قلت هذا كي يتذكر حديثنا اليوم هؤلاء الشباب الذين سيصبحون بعد خمسة عشر أو عشرين عاماً من الشخصيات العلمية البارزة في البلد.الرد على الأسئلةسؤال: ما هو رأيكم بالصحف و الصحافة؟ و هل تؤيدون ما تقوم به السلطة القضائية؟الجواب: هذا السؤال كثيرا ما يوجه إلي. و جوابي هو: إنني اعتبر الصحافة ظاهرة ضرورية لا بد منها لمجتمعنا و كل مجتمع يريد الحياة الطيبة. أرى أن على الصحافة ثلاثة واجبات أساسية هي: النقد و الإشراف، و إيصال المعلومات الصحيحة و الواضحة، و طرح الآراء و تبادل الأفكار في المجتمع. أعتقد أن حرية القلم و التعبير عن الرأي حق مسلم به سواء للشعب أو الصحافة و لا أشك في ذلك أبداً، بل هو من الأصول التي ينص عليها الدستور. كما اعتقد بأن المجتمع لو افتقد الصحافة الحرة الراشدة و الأقلام الحرة الواعية فإنه سيفقد الكثير من الأمور الأخرى، فوجود الصحافة الحرة من بوادر تكامل الأمة و هو بحد ذاته مصدر للتكامل. فهي من ناحية نابعة عن تكامل الشعب و حريته و من ناحية أخرى تؤدي بدورها إلى تنامي حالة التكامل في الأمة. طبعاً اعتقد أن هناك قيماً و حقائق أخرى إلى جانب تلك القيمة، و یجب عدم تضييعها بسبب حرية الصحافة و القلم. إن الميزة العظيمة هي أن يستطيع المرء الحفاظ على الحرية و إدراك الحقيقة، و أن تتوفر الصحافة الحرة لديه و كذلك أن لا تحيق به الأضرار. فينبغي التحرك في هذا المسير.و بالنسبة لتعامل السلطة القضائية، علي أن أقول: لا يحق لأحد - و هذا یخصني أنا أيضاً - التدخل في عمل المحاكم و الحكم القضائي. فيجب على القاضي اتخاذ القرار بكل حرية. يجب عدم إثارة الأجواء ضد القاضي. يجب أن يتمكن القاضي من إصدار الحكم في ضوء القانون بعيداً عن کبت الأجواء. لذلك يجب عدم التدخل. حسب معلوماتي بشأن المحاكمات التي جرت لبعض الصحف، فلم يحدث هناك أي تدخل. إنني اعتقد أن الإشراف على الصحافة أمر ضروري و يعد واجباً. هذا ما يصرح به الدستور و قانون المطبوعات و القانون العادي أيضاً. من المسلم به أنه لا تضمن مصالح الشعب و طموحاته دون وجود الإشراف. هناك البعض يتصور أن الرأي العام منطقة حرة فيمارسون ما يحلو لهم دون حدود! إن الرأي العام ليس فأر مختبرات ليخضع لتجارب من يفعل ما يحلو له. إنهم يزعزعون إيمان الشعب و مشاعره و معتقداته و مقدساته عن طريق التحليلات الخاطئة و نشر الشائعات و إثارة التهم و الأكاذيب. هذا ليس أمراً صحيحاً. لذلك لا بد من الإشراف لئلا تحدث هذه الأمور. هذا يعد واجباً، و إذا لم يجر القيام بهذا الواجب، فينبغي وضع علامة استفهام على الأمر. فمن هو المسؤول؟ المسؤول هي المؤسسات الحكومية بالدرجة الأولى و الأجهزة القضائية بالدرجة الثانية. لو قامت المؤسسات الحكومية بواجبها، فلن يصل الدور إلى السلطة القضائية. لكن إذا عجزت الدوائر الحكومية عن القيام بما يقع على عاتقها لأي سبب كان، فعندئذ يتعين على القاضي التدخل. فمثل القاضي كالحكم. ينبغي أن لا نتوقع من القاضي التوقف عن إصدار الحكم. فالحكم في الملعب يحذر اللاعب المخطئ و ينبهه في البداية، فإن لم يجد التحذير يشهر له البطاقة الصفراء، و إن لم ينفع الأمر معه فيعاقبه بالبطاقة الحمراء، فمن يلاقی تحذیراً و لا یبالي له أو لا يتوقف عن المخالفات، يوجه الیه تحذیر ثان، فإن لم ينفع معه تشهر بوجه البطاقة الصفراء و إذا لم ينفع معه حتى هذا الإجراء فمن الطبيعي أن تُشهر بوجهه البطاقة الحمراء. هذا ما لا مفر منه. يجب أن لا يعتب أحد على القاضي. من يريد توجيه أفكار الناس بصورة غير مسؤولة، فهو يتمتع بالأهلية للقيام بذلك العمل. لا بد أن توجّه أفكار الجماهير بالصحافة. و إذا ما حاول مغرض لا سمح الله أو متجرد عن المسؤولية الإمساك بعملية الترشيد و التوجيه هذه، فمن المتيقّن أنه سیرتکب أخطاء. ليس هناك من يسمح للثمل أو من يغلب عليه النعاس بالسياقة، و إن سمح له بالسياقة، فإنكم تأبون ركوب سيارته. من يريد الإمساك بالقلم لا بد أن تصبح التقوى و الصدق و العفة و إنصاف الآخرين جزءاً لا يتجزء منه . في الكلمة التي ألقيتها مطلع هذا العام قلت: إن بعض الصحف بمثابة قواعد للعدو. مما أثار دهشة البعض! لقد سمعت مؤخراً انتشار الوثائق الخاصة بالدور الذي لعبته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلال الفترة التي سبقت أحداث يوم 28 مرداد، طبعاً لم أر هذه الوثائق، لكن ما نقل لي في غاية الظرافة. فهو يكشف عن الصحف التي كانت تنشر في طهران بميزانية الاستخبارات الأمريكية و توجيهها تمهيداً لواقعة 28 مرداد، طبعاً لقد لاحظنا نماذج لهذه الممارسات في بلدان أخرى، كشيلي في عهد سلفادور اليندي، حيث كانت الصحف تلعب أدواراً مهمة لتصوير حكومة اليندي التي استمرّت في الحكم سنتين على أنها حكومة فاشلة و لتحشيد الرأي العام ضدها، حتى استطاعوا في نهاية المطاف الإطاحة به. طبعاً لم يصدر في ذلك اليوم اعتراف عن أحد، لكن أدرك الجميع فيما بعد من هم الذين كانوا وراء ذلك، و ما هي دوافع الذين جاؤوا إلى سدة الحكم و من أين استلموا الأوامر؟ و من هم الذين مهدوا لهم؟ فلا يمكن الصبر حتى تقع الكارثة ثم نكشفها. بل لا بدّ من ملاحظتها اليوم و التحرك ببصيرة واعية.سؤال: هل المؤسسات و الأجهزة التابعة للقيادة تخضع للرقابة و الإشراف و التفتيش، أم أنها فوق الرقابة؟ و هل يخضع ممثلوكم في المؤسسات و المحافظات للرقابة و الإشراف؟الجواب: علي أن أقول: ليس هناك من هو فوق الرقابة و الإشراف حتى القائد، ناهيك عن الأجهزة التابعة له. لذلك على الجميع أن يخضعوا للرقابة و الإشراف. الرقابة على أرباب الحكم - لما تعنيه الحكومة و السلطة بطبيعة الحال، من اجتماع القدرة و الثروة، أي بيت المال و السلطة الاجتماعية و السياسية بأيدي الحكام - لكي يتحلّوا بالأمانة و أن لا يسيئوا استغلال السلطة أو تصاب نفوسهم بالطغيان - أمر ضروري و لا بد منه. طبعاً تصنيف المؤسسات و الأجهزة بهذا الشكل - بعضها تابع للقيادة و بعضها غير تابع للقيادة - تصنيف خاطئ، ليس لدينا مثل هذا التصنيف. حسب ما ورد في الدستور، فإن السلطات الثلاث، التنفيذية و القضائية و التشريعية تخضع لإشراف القيادة. و هكذا الحال بالنسبة لسائر المؤسسات. فالخضوع لإشراف القيادة لا يعني أن القائد هو الذي يتولى إدارة الجهاز. لكن لا فرق في الأمر إذ لا بد من خضوعها للإشراف. لكن للأسف لا تزال الرقابة و الإشراف في بلدنا غير تخصصي و علمي و كفوء. و في بعض الحالات لا يكون هذا الإشراف محايداً. و علينا الاعتراف بذلك. طبعاً جدير بالمؤسسات الحكومية و المؤسسات العامة أن لا تخاف من المحاسبة. عليها محاسبة نفسها لكي لا تخاف من المحاسبة. لذلك فالأجهزة التابعة للقيادة تخضع هي الأخرى للرقابة و الإشراف. إننا نعتقد بضرورة عمليات التفتيش. طبعاً يوجد حالياً مثل هذا الإشراف و تخضع المؤسسات للرقابة. و لا يعني، أنه لا يقع خطأ لكن ليس على أساس التساهل و التهاون إزاء الخطأ.سؤال: ما هي القنوات و الكيفية التي تطلعون من خلالها على مجريات الأمور و القضايا في المجتمع؟ هل يطلعونكم على كل شيء؟الجواب: إنني أسعى أن أكون على اتصال مع الواقع عن طريق المصادر الرسمية و غير الرسمية. و التقارير التي تصلني متنوعة للغاية. سواء تقارير الأجهزة الأمنية في وزراة الأمن أو القوات المسلحة أو تلك المتعلقة بالأجهزة الخبرية من الأجهزة الحكومية. كما أن قسماً من مكتبنا مهمته إيصال المعلومات، مثل مكتب العلاقات العامة و مكتب التفتيش، فهما على اتصال دائم مع الشعب عن طريق الرسائل أو الهاتف. كثيراً ما ألتقي بالأشخاص و شرائح الشعب المختلفة و أتلقي الكثير من الرسائل. على أي حال فإن لي آذاناً صاغیة ، لكنني في الوقت ذاته لا أدعي معرفتي بكل ما يحدث. لا يمكن أن أطلع على كل شيء؛ طبعاً يمكن أن أعرف أموراً و أجهل أخرى. إنني أعتقد بأن انقطاع من يتولى مسؤولية في جهاز حكومي - سواء المسؤولية التي تقع على عاتقي أو التي يتحملها سائر المسؤولين - عن الحقائق و ابتعاده عن الناس يمثل عنصر انحطاط. أعتقد بأن على المسؤول أن لا يسمح لنفسه بالابتعاد عن حقائق المجتمع و الأخبار الجارية فيه. طبعاً الانقطاع عن الناس أو كما يعبر عنه أمير المؤمنين عليه السلام، الاحتجاب عن الرعية أمر خطير للغاية، و قال علیه السلام لمالك الأشتر قلة علم بالأمور فالإنسان يضعف لديه الاطلاع على جميع الأشياء نتيجة احتجابه عن الناس. طبعاً إنني أذهب إلى زيارة الأشخاص في بيوتهم. من الأعمال التي قمت بها منذ بداية رئاستي للجمهورية و حتى الآن - و قد تزداد أو تنقص - هي الذهاب إلى بيوت الأشخاص و جماهير الشعب و الجلوس على بساطهم و محادثتهم و الاستفسار عن حياتهم عن کثب . طبعاً الاطلاع على الناس، قسم من المعلومات، و القسم الثاني هو الاطلاع على العدو. لم يسألني أحد هل لديك معلومات عن العدو أم لا؟ لكنني أقول بنفسي: نعم، فلست غافلاً عن العدو. هناك الكثير ممن يتصورون أننا نرمي سهامنا وسط الظلام حين نتحدث عن العدو. كلّا، ليس هذا رمي للسهام في الظلام، فإننا نعلم و نشعر بوجود العدو. خلال الأيام الأخيرة نشرت بعض الصحف الأمريكية أخباراً عن تصريحات أدلى بها رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية و انعكست في بعض صحفنا أيضاً. كان يقول: لدينا جواسيس ناشطون في بعض الدول منها إيران و يتكلمون بلغة تلك البلدان. ثم تحدث عن إيران خاصة. فقال: لدينا جواسيس في إيران و لغتهم هي الفارسية و متوسط أعمارهم 30 عاماً. و قد يتبادر لدى البعض التساؤل: لماذا يقولون هذه الأحاديث. إذا ما استفاضت المعلومات، ستقل أهميتها بالنسبة لصاحبها. لذلك يمكن إدراك الكثير من الأمور من الأحاديث هنا و هناك. نعم، تجاهل العدو لا يعتبر ميزة و حُسناً.خلال عهد الشاعر حافظ، تعاقب على حكم شيراز أربعة أمراء منهم الملك الشيخ أبو إسحاق - طبعاً كان اسمه الشيخ و لم يكن شيخاً - و قد ذكر اسمه حافظ في عدة مواضيع، لأنه كان يحبه كثيراً. كان الشيخ أبو إسحاق شاباً جميلاً من أهل اللهو و اللعب. كان الأمير مبارز الدين - الذي كان أحد سلاطين تلك المنطقة - قد تحرك من كرمان نحو شيراز. و كان يقصد احتلالها. و اتسم زحفه بالهدوء لئلا يشعر به أهالي شيراز ليفاجئها بالحصار و لا يمنح أهاليها فرصة للدفاع عنها. لكن بعض الناس اطلعوا على الحدث و جنود الحكومة عرفوا القضية. لكن أحداً لم يكن يتجرأ على إخبار الملك الشيخ أبي إسحاق. حتى وصل العدو إلى قرب شيراز و حاصر المنطقة بأكملها. و أخيراً وجد وزير الملك الشيخ أبي إسحاق عدم إمكانية البقاء على هذا الحال، فغداً سيهجم العدو على شيراز و الملك لا يعلم بوجود العدو على مقربة من المدينة. فهل هذه ميزة بالنسبة للمسؤول أن لا يعلم أين يكمن العدو؟! فذهب الوزير إلى الملك الشيخ أبي إسحاق، لكنه لم يتجرأ على أن يقول له الأمر بشكل مباشر! فدخل من مدخل آخر و قال له: إن الجو لطيف جداً و الفصل ربيع و الصحراء زاهرة بالخضرة. ألا تحب الصعود إلى أعلى القصر لتتفرج علی المنظر؟ و بهذه الذريعة أخرج الملك من القصر و ذهب به الی أعلى القصر. لما ذهب الملك إلى أعلى القصر و نظر إلى المنظر، لاحظ أن حشوداً أقاموا معسكراً في الصحراء. فتساءل لمن هذا المعسكر؟ قال له إنه للأمير مبارزالدين. قال: متى جاءوا؟ قال له - على سبيل المثال - قبل عشرة أيام. و بدلاً من أن يستعد هذا الملك عديم الغيرة و الحياء للحرب و يلبس لباس الحرب - طبعاً حارب فيما بعد و وقع أسيراً، ثم قتل - قال: ألم يشعر هؤلاء بالأسف و الحسرة حين جاءوا للحرب في مثل هذه الأجواء الربيعية الطيّبة! فلا يمكن أن يتولى المرء المسؤوليات المهمة هكذا.سؤال: ما هو رأيكم بالعنف؟ إنكم تتحدثون عن الرحمة و منطق الحوار، لكن البعض من التيارات المختلفة لا يزال تدق على طبول العنف، فكيف يمكن معالجة هذا؟الجواب: فيما يتعلق بقضية العنف يمكن النظر إليها من جهتين. أو بعبارة أخرى يمكن ملاحظة قضية العنف من بعدين. أولهما البعد الأخلاقي و الحقوقي و الآخر البعد الإعلامي و الحرب النفسية. ينبغي عدم الخلط بينهما. على صعيد البعد الأخلاقي و الحقوقي فإن موقفنا معلوم إزاء العنف؟ لقد قلنا مراراً، بأن من يتجاوز على حقوق الناس أو يمارس العنف بشكل غير قانوني، فهو مدان. هذا ما يعتقد به الإسلام. هناك حدود في الإسلام من قبيل الحد و العقاب للتصدي لمن يكون حب القتل و السرقة في كيانه. لا جدل في ذلك على الإطلاق. لقد قلت مراراً، كما قلت في صلاة الجمعة أيضاً، إنني أعارض المساواة بين العنف و بين الحدود الإسلامية. و لا فرق في ذلك بين التيارات و الفئات المختلفة. إذا ما وقعت الإساءة لا يمكن أن يقال بأن هذا الشاب طيب أو أن هذا الشاب تابع للتيار الفلاني أو الشاب الفلاني التابع للمكان الفلاني قام بهذا العمل، ليقل سوء ذلك العمل بعد ذلك. كلّا، فالإساءة، إساءة و ذلك مما لا جدل فيه. و هناك تيار إعلامي يشن حرباً نفسية ضد الثورة. فمن هم الذين أثاروا لأول مرة قضية العنف كوصمة سلبية لبلدنا على المستوى الدولي؟ هم الذين انغمست أيديهم - أي الأمريكان - حتى المرفق بدماء الأبرياء، و أولئك الذين ما زالوا يصرون على اغتيال من شاؤوا في العالم بصورة غير قانونية و يسعون الآن لإضفاء الصفة القانونية على ممارساتهم هذه! هم الذين يتحدثون عن العنف و يدينونه. و الصهاينة و إذاعتهم يتحدثون عن العنف. هي قضية تطرح كقضايا سياسية و إعلامية. ليس شيئاً يمكن للإنسان النظر إليه كأمر حقيقي، ليتسنى له إبداء وجهة نظره بشأنها. ينبغي عدم الغفلة عن هذا. هناك البعض يتعطشون للسلطة، هؤلاء هم المرضى و السفهاء لذلك يرددون هذه الأقاويل و يكررونها. إنهم يتهمون الإمام العظيم الذي كان مظهراً للرحمة و العطف بالعنف. كان الإمام إنساناً عارفاً و مظهراًَ حقيقياً للرحمة، ذلك الرجل الذي قاد الثورة بكل صلابة، كان كثير الحساسية إزاء القضايا العاطفية. هذا ما لمسته في شخصية الإمام مراراً.خلال إحدى زياراتي لأحدى محافظات البلد، جاءتني والدة أحد الأسرى الذين استشهدوا فيما بعد و قالت لي جملة تعبر عن حبها للإمام، و أكدت على أن أوصل كلامها للإمام. و قد نقلتها لسماحته فشاهدته تأثر كثيراً كإنسان حزين للغاية و أجهش بالبكاء. و خلال أيام الحرب حيث جاء الأطفال إلى صلاة الجمعة يحملون الصناديق التي جمعوا بها النقود لإهدائها إلى جبهة الحرب، في اليوم التالي ذهبت لزيارة الإمام و كان سماحته قد شاهد هذا المنظر عبر الشاشة الصغیرة، و تأثر إلى أبعد حد، ما أثار دهشتي حقيقة.كان الإمام مظهراً للعواطف، و كان إنساناً رؤوفاً ودوداً و في غاية العاطفة. هم يتهمون مثل هذا الإنسان بالقسوة. لماذا؟ لأنه في عهده تم تنفيذ حكم القانون بحق عدد من المحاربين القتلة المجرمين في قضية عمليات المرصاد. حارب البعض هذا الشعب و له عقوبته المحددة في الدستور و الإمام بدوره نفذ أمر القانون. طبعاً لم يقم الإمام بهذا العمل بنفسه، بل الأجهزة المسؤولة آنذاك هي التي قامت بهذا العمل. لكنهم كانوا يتهمون الإمام بالقسوة! و اليوم هناك البعض من المغفلين أو السفهاء أو ممن يجهلون مخططات العدو يكرّرون هذه الأقاويل في الداخل. إنه لظلم في الحقيقة أن يأتي من يطرح هذه القضية - التي هي عبارة عن حرب إعلامية و نفسية ضد الثورة و الإمام و القيم الإسلامية - على أنها مكافحة للعنف. فما هي علاقتها بقضية العنف؟! فإن آراء الجميع واضحة . في تلك الأيام أصدر الإمام بياناً شديد اللهجة ضد الذين كانوا يمارسون شيئاً من العنف في بعض الأحيان بحق الذين لم يراعوا المظاهر الإسلامية. هؤلاء كانوا من عناصر الثورة، لكن الإمام أصدر بياناً ضدهم، لأنهم كانوا يبدون العنف و كان عملهم غير قانوني و غير منطقي.سؤال: ما هي الإجراءات التي اتخذت لتسهيل عمل الطلبة و زواجهم؟الجواب: خلال لقائي الأخير بالمجلس الأعلى للثورة الثقافية ذكّرت من جديد بقضية العمل بالنسبة للخريجين، و هي باعتقادي قضية مهمة للغاية و إنني أتابعها. كما أنني أوصيت مؤخراً بعض كبار المسؤولين في البلد خاصة المجلس الأعلى للعمل بشأن القضية و كان لذلك أثره و الحمد لله و إنهم يقومون الآن بأعمال معيّنة على هذا الصعيد. نتمنى أن يعالج جانب من قضية عمل الطاقات المتخصصة - و هي قضية مهمة للغاية - بمهمة مجلس الشورى الإسلامي و الحكومة و المجلس الأعلى للثورة الثقافية و المعنيين. طبعاً جانب من هذه المسألة مرتبط بالوضع العام لاقتصاد البلد، و لا يمكن التفاؤل بمعالجة المشكلة كلها على المدى القريب، لكن المسلم به أنه من الممكن القيام بأعمال مهمة. ثمة علاقة بين قضية العمل و قضية الزواج و إحدى العراقيل في طريق الزواج هي قضية العمل، لكن عليّ أن أقول فيما يتعلق بقضية الزواج، يا أعزائي، لا تستهينوا بالعقبات الثقافية في طريق الزواج. فالزواج ضروري للشباب و هم يرغبون فيه. لكن ثمة عراقيل. لا تقتصر جميع العراقيل على المشاكل الاقتصادية، فإن العراقيل الاقتصادية هي جانب من المشكلة. المشكلة الرئيسية، هي ثقافية و تتمثل في الأعراف و التفاخر و التكاثر و التقليد و حب التفاخر، فهي التي تحول إلى حد ما دون تنفيذ ذلك العمل الذي يجب تنفيذه. فعليكم أنتم و عوائلكم معالجة هذه العقد. إنني أشعر بالسرور لمراسيم زواج الطلبة التي تقام سنوياً، و إذا تعودوا على إقامة مراسم الزواج على بساطتها و بعيداً عن البهرجة و الأعمال التشريفاتية، فإنني أتوقع حل الكثير من المشاكل. أساس الزواج في الإسلام يقوم على البساطة. هذا ما كان سائداً في بداية الثورة، لكن ثقافة التكاثر و التفاخر و الثراء عقدت الأمور إلى حد ما، و مما يؤسف له أن بعض المسؤولين اختلقوا المشاكل بسبب مراسم الزواج التي أقاموها لأبنائهم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2001/02/26

كلمة الإمام الخامنئي لدى استقباله أعضاء مجلس الخبراء

بسم الله الرحمن الرحيمأرحّب بالسادة المحترمين و أسأل الله أن يشمل هذه المساعي الخالصة التي يبذلها السادة الكرام في هذه المجامع بقبوله و رحمته و أن يجزي الجميع و يأجرهم. لقد استفدنا من كلمات السادة، خاصة الوصايا القيمة للغاية التي بيّنها سماحة السيد مشكيني، التي كانت مغتنمة و عزيزة جداً بالنسبة لنا. نسأل الله أن يجعلنا من الصالحين لنستفید من هذه الوصايا الكافية الوافية. قبل کل شيء، أری من الضروري أن أبارك للسادة الكرام هذه الأيام المباركة من عشرة الفجر، كما أشكر شعبنا العزيز لحركتهم العظيمة التي أبدوها من أنفسهم في يوم الثاني و العشرين من شهر بهمن. لقد أثبتت هذه المظاهر غزارة الثورة و تواجد الشعب الحقيقي و الذي أزال الکثیر من العقبات علی مدی تلک الأعوام الطویلة، و أصاب الطامعين بالفشل و عدم النجاح.فيما يخص هذه الثورة العظيمة، أعتقد بأنه يجب أن لا ننسی أبداً بأن هذه الثورة تحدثت بشيء جديد في عالم البشرية. هناك مساع قائمة لإبعاد هذا الکلام الجديد الحدیث، و هو کلام بديع و كامل في عالم اليوم، یریدون إبعاده عن الساحة، کما یرغبون فی حرف أذهان الجماهير، خاصة الشباب في كافة أنحاء العالم عن هذا الموضوع. الحديث الجديد هو أن الثورة انطلقت ضد الحكومات القائمة على الظلم و عدم التقوى. لقد لاحظنا على طول قرون متمادية في كافة أنحاء العالم - سواء في إيران أو في المناطق الأخرى - كما نلاحظ اليوم أن الشعوب تعوّدت أن تعترف بشرعية الحكومات غیر الملتزمة و الحكومات التي تقوم بمختلف أنواع الجور، و أن تقبلها و تخضع لها، سواء الحكومات الوراثية التي لا تتمتع بأسس اعتقادية و فكرية و البعیدة للغاية عن المنطق، أو الحكومات القائمة على الانقلابات و ممارسة الضغط و الخيلاء اللامشروع و هي أيضاً لیست من المنطق في شيء أو الحكومات القائمة على أصوات الشعب في الظاهر، لكنها في الحقیقة لا تقیم أي أعتبار لرأي الشعب و إرادته، هذا أوّلاً و ثانياً الذين يمتازون بمثل هذه الخصوصيات في بداية أمرهم لكنهم لا يتورعون عن ممارسة شتى صنوف الظلم و العدوان. أنظروا أنتم إلى الساحة العالمية في القرنين التاسع عشر و العشرين و لاحظوا كم كان هناك من الظلم و الاستعمار و الإبادة الجماعية و ترويج لأنواع الفساد بين الشعوب المختلفة. لقد كانت أيدي هذه القوى الكبرى خلف مثل هذه الأعمال و الممارسات، هذه القوى الكبرى التي ترتدي أحياناً في بلدانها لبوس الديمقراطية في الظاهر، لكن الديمقراطية ليست كل شيء، و ليس فيها العدل الذي يعتبر قاعدة الحكومة الصحيحة. إن الحكومة الإسلامية و الثورة الإسلامية قد أطلقت كلاماً و فكراً و هو أن الحاكم و الحكومة و السلطة السياسية يجب أن يكون قائماً على أساس التقوى، و العدالة، و الحقيقة. تم تدوين الدستور على هذا الأساس. هذه حادثة مهمة للغاية في العالم. هذا ما كان يتحدث عنه المثقفون و المبدعون الملتزمون على مدی سنوات متمادية منذ فترة السيد جمال الدين، و كانوا يريدونه و يتمنونه، و هذا الکلام و هذه الكتابة و تردید الشعارات، كانت توقظ القوى الكبرى في العالم من سباتهم و كانت تغضبهم و تجبرهم على ردود الفعل. لاحظوا ما فعلوا مع المستنيرين الإسلاميين في كافة المناطق الإسلامية الرئيسية - سواء في مصر أو الهند أو إيران أو في العراق أو المناطق الأخرى - على مدی مائة عام أو مائة و خمسين عاماً أو مائتي عام.كان الاستكبار و الاستعمار يحكمان بصورة مباشرة و غير مباشرة أيضاً. ألقى الإنجليز القبض على شخص كالمرحوم آية الله الكاشاني و نفوه من إيران، أي لم يكن مهماً لهم أن يمارسوا سلطتهم على بلد آخر و يلقوا القبض على شخص و ينفونه إلى مكان آخر و يقوموا بسجنه. كما كانوا يهيمنون على الكثير من المناطق الأخرى عن طريق أذنابهم و عملائهم أي القوى الداخلية التي كانت تضمن مصالحها. هؤلاء كانوا يخافون من الشعارات الإسلامية إلى هذه الدرجة. لقد تبدّلت هذه الشعارات إلى حقيقة في الوقت الراهن، أي تحولت إلى ثورة أدت إلى تشكيل حكومة إسلامية.و کالكثير من الثورات الأخری طبعاً، كانوا يتوقعون بالرغم من أن هذه الثورة انطلقت بحول الدين و قوته، بأن یتخلی دعاة الدین و حملته عن الثورة، كما حدث في الكثير من مناطق العالم. إن العديد من هذه النهضات التحريرية و حركات الکفاح ضد الاستعمار، انطلقت على أيدي العلماء و حملة الدين، لكن بمجرد أن تقدم حملة الدين، انحرف دعاتها عن المسير قبيل الانتصار أو بعده. فما هي أسباب هذا الإنحراف؟ هناك أسباب مختلفة. كان السبب هو السذاجة و بساطة التفكير أحياناً، و كان أحياناً الخروج من الساحة أمام الضغوط، و كان أحياناً الخروج من الساحة و تركها بسبب دعايات الأعداء - حيث كانوا يستهزئون بهؤلاء و يهاجمونهم - و الانشغال بالقضايا المختلفة، حيث لاحظنا نماذج ذلك في الجزائر و البعض من بلدان شمال أفريقيا التي أقامت هناك حكومة دينية - كتونس - لكن تلك الحكومات الدينية انهارت بعد فترة من الزمن بسبب الأخطاء التي كانت ترتكب، و وصل البعض من الذين كانوا عملاء الاستعمار إلى سدة الحكم في تلك البلدان. هذا ما حدث في الهند أيضاً، أي إن القادة الدينيين تركوا العمل في منتصف الطريق. كما حدث هذا في مصر تقريباً و في العراق. كان هؤلاء الأشخاص الذين دخلوا الساحة بفضل الثورة و هم من المتأثرین بالفكر الغربي، قد أوصوا الإمام بقولهم سيدي، عليكم أن تذهبوا إلى مدينة قم و تنشغلوا بأعمالكم، و نحن ندير البلد من هنا! هؤلاء كانوا يتمنون هذا الأمر، لكن ذلك لم يحدث. لاحظوا أن هناك عزماً راسخاً و جبلاً شامخاً خلف هذه الحركة، كما أن الجماهير لا يتركون الأمر، و الشعب في الساحة عن وعي و معرفة. طبعاً انطلقت أنواع المؤامرات التي استمرت إلى يومنا هذا؟ لذا شاع هذا الكلام و الفكر الجديد في العالم، بالرغم من الهجمات الدعائیة ضده من کل حدب و صوب.هذه الدعايات الأجنبية و هذا الغزو الثقافي ليس شيئاً جديداً، ما كان جديداً - و ما نؤکد علیه خلال هذه السنوات - هو الأساليب الجديدة التي بدأت داخل البلد و لا تزال مستمرة. الغزو الثقافي ضد الثورة في العالم، كان أسرع و أشمل من الغزو السياسي و الاقتصادي. لقد قاموا بشتى الأعمال، فکم من أفلام قاموا بإخراجها ضد الإسلام و الثورة و الأسس الإسلامية و الشيعية، حيث كانوا يتصورون أن هذه الأصول لعبت دوراً في ظهور هذه الثورة - و اليوم وصل الأمر إلى الحاسوب و الإنترنت - و فعلوا ما كان بوسعهم لیحولوا دون تحقق هذا الکلام الجديد، و هو أن السلطة السياسية يجب أن تكون في أيدي الأشخاص المتقين و العادلين، و يجب أن تكون التقوى و العدالة شرطاً لهذه السلطة السياسية. هذا الحديث الجديد هو ما يهز صاحب سلطة في العالم و يدهش أي جهاز في كافة أنحاء العالم ينتفع من السلطة مادياً. لذا نراهم يحاربون هذا الفكر. من الذي يتفق مع هذا الفكر؟ إنهم المظلومون و المحرومون و شرائح الشعب المختلفة، الذين يقضون أعمارهم في ظروف صعبة مختلفة بسبب الظلم و عدم التقوى. إن الجماهير الحاشدة هم بشكل طبيعي سند الثورة الإسلامية و الحكومة الإسلامية، و دعامتها في البلدان الإسلامية بالدرجة الأولى و من ثم في كافة أنحاء العالم، و في أي بقعة تتضح فيها هذه الحقيقة. في مقدمة أعداء هذه الثورة و هذه الحكومة، القوى الكبرى السياسية الذين لا يستطيعون أن يمارسوا أعمالهم و يتقدموا فيها على أساس التقوى و العدالة. هذا هو الخطاب الجديد الذي جاءت به الثورة. هذا هو الخطاب و الكلام الجديد في العالم، و علينا أن لا نترك هذا الخطاب الجديد.عندنا اليوم تجارب كثيرة. لقد مضى اثنان و عشرون عاماً على انتصار الثورة، لكن يجب أن لا ينظر دوماً من هذا المنظار فنقول إن الحوافز و الإيمان قد ضعف عندنا و عند الجماهير بسبب تقادم السنين بعدنا عن تاريخ انتصار الثورة. طبعاً يجب ملاحظة هذا الأمر كجزء من العناصر المؤثرة على جميع القضايا، لكن هناك قضايا مهمة أخرى إلى جانب هذا، و يجب أخذها بنظر الاعتبار أيضاً. فاليوم عندنا تجارب كثيرة و مدراء ممتازون و شباب صالحون و ذوو أفكار صالحة و طلبة العلوم الدينية و الفضلاء الشباب المستعدون للعمل داخل الساحة، و جيل الشباب العظيم المتعطش للإسلام. فيما يتعلق بالشباب، يجب الحكم بصورة صحيحة. يجب أن لا يُنظر إلى بضعة شباب يتظاهرون بمعارضتهم للدين، ربما كان التظاهر بمعارضة الدين لا يعني عدم الإيمان و عدم الدين، على أي حال هناك فلتة(1) يمكن أن تحدث، و إنه لمم (2) في الكثير من الحالات. حينما تكون هناك ساحة دينية، لو لاحظتم هؤلاء الشباب أنفسهم، فسترون أنهم يلبسون الدروع على قلوبهم و يتجهون نحو الإصالة الدينية. هذه هي الحقائق. هذا ليس زعماً. علينا أن لا نحسب تلك النقطة السلبية إلى جانب النقطة الإيجابية. هذا لا يعني أن نتجاهل هذه النقطة السلبية، لا، لكن هناك الكثير من النقاط الإيجابية. هناك الكثير من الشباب الذين يجاهدون في سبيل الدين دون أن نعلم أنا و أنتم و دون أن نكون قد طلبنا ذلك منهم، و دون أن ندعمهم مالياً أو نقول لهم أحسنت هنا و هناك - في المساجد و مراكز المقاومة، و في جامعات البلد، في جامعات طهران و القطاعات العمالية المختلفة و غيرها - إنهم يبذلون جهودهم الدينية و يستلهمون من تلك المعنوية المتوفّرة.أيها الأعزاء! أيها السادة المحترمون! على أي حال عندنا نقاط ضعف و نقاط قوة في الثورة و في نظام الجمهورية الإسلامية. علينا تعزيز نقاط القوة هذه و تقليل نقاط الضعف. يمكن أن نضع أمامنا فهرساً من نقاط القوة و نضع نقاط الضعف إلى جانبه. و غالباً ما تمّ العمل و التفكير بهذه القضايا، أي إنها ليست أموراً غير قابلة للمعرفة. إن المسيرة العامة و حركة المجتمعات، مسيرة معقدة للغاية، أي مجرد معرفة هذه المشكلات، لا تؤدي إلى معالجتها، كلّا، فجميعنا بشر، و الإنسان في جهاد مستمر و هو بحاجة إلی هذا الجهاد. يجب مكافحة هوی النفس و الشيطان الخارجي الذي يغوي دائماً إلی طريق الضلال، أي هناك حاجة مستمرة إلى المكافحة و المجاهدة الواعية. علينا أن نبذل مساعینا للحد من ارتكاب الأخطاء. فهناك الكثير من الأرضيات للتقدم. إحدى النقاط الإيجابية التي يجب التركيز علیها دوماً، هي نشر الإسلام في كافة ساحات الحياة. هذه قضية مهمة للغاية. هذا ما يوجد في دستورنا و يعتبر اليوم القاعدة الرئيسية لحكومتنا - حيث أن جميع الأشياء نابعة من الإسلام - فهذا ما يجب تعزيزه. طبعاً تعزيز نقطة القوة هذه يمكن أن يحصل إلى حد كبير بالإعلام و الكلام و الإصرار و بذل المساعي لكي لا يستطيعوا أن يقضوا عليها أو يمسوا بها، لكن الجهاد ليس هذا و حسب، إذ ينبغي استخراج الآراء، و الفتاوى الإسلامية من الآثار الإسلامية. عندنا مجتهدون عظام، و عقول مفکرة و أرضيات جيدة للاجتهاد، لذا ينبغي تنشيط الاجتهاد في جميع المجالات أكثر من ذي قبل.في الكثير من هذه الساحات اليوم نحتاج إلى النزول إلى في ساحة الاجتهاد و استخراج أحكامها الإسلامية. يجب أن يقوم بهذه الأعمال، العلماء العظام، علماء الحوزات العلمية، أعضاء مجلس خبراء القيادة و الأمانة العامة لمجلس الخبراء في المجالات المتعلقة به، بشكل دقيق و علمي و فني جداً لكي لا يمسك غیر الصالحین بزمام الأمور. لو استخرجتم ذلك الفكر الإسلامي الخالص من المصادر الصحيحة و جعلتموه أمام آراء الجماهير و أفكارهم، و أمام الطلاب و خاصة الشباب، فإن الشخص الفلاني الذي لا يتمتع بالخبرة و الوعي و لا يدّعي شيئاً في قرارة نفسه، لن يأتي لیتحدث ببعض الكلمات ليصفق له المغرضون فيقول في نفسه: أجل، نحن أيضاً لنا كلمتنا و آراؤنا و قضايانا التي نطرحها و تثير اهتماماً هنا و هناك.عندنا الكثير من نقاط القوة. و من نقاط قوتنا الأخری هي الإيمان المصحوب بعواطف الجماهير. فإيمان الجماهير، إيمان عميق. طبعاً هذه النقطة لا تختص بشعبنا، فلو نظرتم إلى البلدان المسلمة في الاتحاد السوفيتي السابق، للاحظتم أنه بعد أن أطلقت الكثير من المشاريع في هذه البلدان ضد الأديان على مدى ثمانين عاماً، حينما خرجت هذه البلدان عن سيطرة الاتحاد السوفيتي الشيوعي السابق، اتجهت إلى الإسلام بشكل طبيعي. طبعاً هل سيكون بوسع مبلغي الإسلام العمل، أو لا يكون بوسعهم العمل، أو كيف يمكن أن يعلموا أو بأي عمق عملوا، هذه قضية أخری. لذلك، إيمان الجماهير، ليس إيماناً يمكن القضاء عليه بهذه الأمور.لقد قاموا في بلدنا على مدى أعوام متمادية بمكافحة الإيمان الديني بأسلوبين. الأسلوب الأول، هو أسلوب رضاخان، أي بالخيلاء و ممارسة الضغط و قوة السيف، و الأسلوب الآخر، هو الأسلوب الثقافي الحديث في عهد محمدرضا شاه. لقد استخدموا مختلف أنواع المناهج حتی يصرفوا الجماهير عن الدين، لكن لاحظوا أنتم، أن تلك الحركة العظيمة الإسلامية انطلقت بعد مضي خمسين عاماً من حكومتهم الظالمة. هذا ما یفعله إيمان الجماهير. علينا أن نحسب حساباتنا على إيمان الجماهير بهذه الصورة. هذه هي إحدى نقاط قوتنا. كلما اتصف هذا الإيمان بالوعي و ازدادت قاعدته رسوخاً بملاحظة سلوكنا و أقوالنا و أعمالنا، فسيكون أفضل سند لهذه الثورة.قلّما يوجد بلد استطاع أن يدخل الإيمان إلى الساحة بهذه الصورة. ربما من ميزات بلدنا أن الإيمان هنا مصحوب بالمشاعر و الحب و النشاط، المشاعر تجاه أهل البيت و أولياء الدين. نتيجة الإيمان المصحوب بالعواطف هي أن الجماهير حافظوا على أسس هذه الثورة و هذا النظام بشكل قوي في حین لم تستطع الأجهزة الخارجية أن تقوم بعمل كبير رغم كل ما كانوا يتمتعون به من ثروات. لذا اتجهوا نحو هذه الأعمال الصغيرة، التي تلاحظون بعض مظاهرها.هدفي طبعاً ليس الحد من قلق البعض حيال قضايا البلاد الثقافية، كلّا، فإنني أكثر منكم قلقاً، كما كنت قلقاً تجاه القضايا الثقافية منذ حياة الإمام المباركة. لا بد أن نکون قلقین طبعاً، لكن الكفاح هو سبيل حل القلق، فهناک حاجة إلى الكفاح الجيد، و الخوض في الساحة و التفكير - هذه الساحة، ساحة أهمية التفكير فيها أكثر من جميع الساحات الأخرى - و المطالعة، و القيام بالعمل ببراعة، و النزول إلى الساحة في الوقت المناسب، و التعرف الصحيح على العدو و دراسة أساليبه.إن العدو يستفيد اليوم من كافة الأساليب. بالأمس كنت أقول في اجتماع الشباب بأن هناك الآلاف من المواقع الرئيسية و الفرعية في الانترنت هدفها الرئيسي هو مكافحة الأفکار الإسلامية، لا سیما الأفکار الشيعية. فالغزو ليس غزواً يقوم على الاستدلال، بل يستخدمون الأساليب المدمّرة و المناهج النفسية و غيرها. لجميع هذه الأمور و الأساليب ردودها و ردودها ليست صعبة. ينبغي الاستفادة من هذه الوسائل. علينا أن نستفيد مما نتمتع به إلى أقصى حد ممكن. إننا لا نستفيد من إذاعتنا و تلفزتنا و صحافتنا و الكثير من المنابر العظيمة العامة كما ينبغي. هذه هي نقاط ضعفنا، علينا أن نبین نقاط الضعف. يجب تقليل نقاط الضعف يوماً بعد يوم و تعزيز نقاط القوة، و هذا ممکن.قضايا بلدنا على نوعين: القضايا العامة الجارية و القضايا الفصلية. یستفید العدو، من الوسائل العامة و المستمرة و من الوسائل الفصلية لتوجيه ضرباته للبلد و النظام الإسلامي. فالعدو يلاحظ في أي فصل ما يجب أن يقوم به. على سبيل المثال، ماذا يجب القيام به في أعتاب الانتخابات. طبعاً حينما نقول العدو، فهذا لا یعني أجهزة الاستخبارات الأمريكية فحسب، فأحياناً تکون رؤوس الخيوط في أيديهم، لكن اللاعبين أشخاص لا يفهمون أحياناً أنهم وقعوا في ساحة اللعب و لا يعلمون بإشارة من يتحركون.برأيي ما هو مهم جداً بالنسبه لهم اليوم - قبل الانتخابات الآتية بعد عدة شهور - هو قضية خلق التوتر السياسي، أي إيجاد التوتر السياسي بين الناس، و إيجاد القلق، جعل الناس مشغولين بالقضايا الصغيرة، و بث النزاع بين التيارات، و تكبير القضايا الصغيرة. هذا من ضمن البرامج... يريدون أن يقوموا بعمل يجعل أجواء البلد أجواء ملتهبة. إن المكافحة ضد هذا البرنامج هو السعي للحفاظ على أمن الأجواء العامة و السياسية للبلد. على الجميع أن يتحركوا في هذا المسير. يجب عدم الاهتمام لأية حركة تريد خلق التوتر. و على الصحافة خاصة أن تأخذ هذه النقطة بنظر الاعتبار. على الأجهزة المتنوعة و السلطات الثلاث أن تحافظ على الشخصية و السمعة و الحدود القانونية و أن لا يضعف بعضها بعضاً. و للأسف تلاحظ أحياناً أمور من هذا القبيل هنا و هناك. طبعاً هذه حالة نابعة عن الغفلة على أغلب الظن، لكن يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار أن الأعداء تستغلون هذه الغفلة في الكثير من الحالات.نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لكي نتمكن من القيام بما هو واجبنا و ما يقع علی عاتقنا من مسؤولية جسيمة، و ذلك بالشكل اللائق و في الوقت المناسب، و أن يبیض وجوهنا أمام السؤال الإلهي و عند أولياء الله العظام و أن يشملكم و يشملنا و يشمل كافة المسؤولين و الشعب الإيراني العزيز بأدعية الإمام المهدي المنتظر(أرواحنا له الفداء) الطاهرة إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) الخطأ الناتج عن عدم التفكير2) الذنب الصغير.
2001/02/14

كلمة الإمام الخامنئي في أعضاء المجالس الأمنية لمحافظات البلاد

بسم الله الرحمن الرحيمأرحّب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة الأعزاء و المسؤولون المحترمون المتفانون في أمر الأمن الهام للغاية. إنني كأخ صغير مثقل بأعباء مسؤولية عظيمة أتقدم لكم جميعاً بالشكر للمساعي التي تبذلونها و المصاعب التي تتحملونها و التي أشار السيد موسوي لاري إلى بعضها. طبعا لا قيمة للشكر الذي أقدّمه أنا أو أمثالي، فهو اعتباري محض، لكن ما عند الله، هو الحقيقي المحض، و هو الأفضل و الأكثر خلداً (و ما عند الله خير و أبقى).(1)أسأل الله أن يشملكم بالشكر و الأجر الإلهي.أعتقد أن قضية الأمن تقف في طليعة حقوق الشعب. هذا ما يشعر به أبناء الشعب أنفسهم أيضاً. لو فقد الأمن في البيئة، فلن تبقى أية مطاليب أو أفراح للشعب. لذلك أنتم تلاحظون في بعض مراحل التاريخ، أن الشعب خضع لسلطة أحد الجبابرة كي يوفّر له الأمن، بالرغم مما تتركه حكومته من آلام و مشقات وراءها. فالأمن يحظي بهذا القدر من الأهمية.الأمن أمر واقعي و ملموس و واسع للغاية، إذا ما توفر الأمن فقد لا يشعر به أحد. فهو كالسلامة، متى ما توفرت لم تشعروا بها، و لكن بمجرد أن تصابون بالصداع لا سمح الله، فعندئذ تدركون معنى الصحة. يقول: نعمتان مكفورتان الصحة و الأمان (2). فبمجرد أن يختل جانب من الأمن، فإن أثره ينعكس على حياة الناس، فالأمن شيء واقعي و ملموس، و لا يمكن توفيره بالأذهان و لا يتحقق عن طريق النسج الفلسفي الذي قد يطرح في محافل المثقفين على المستوى النظري أو جلسات البحث و النقاش حيث يجتمعون و يبحثون حول الأبعاد الذهنية لقضية ما. فالشعب يريد الأمن الحقيقي و بأوسع مداه، أعني في محيط العمل و في البيت و لأبنائهم في المدارس و في ملاعب كرة القدم و في الطرقات و في القرى و في المدن و الشوارع. توفير الأمن عبء ثقيل و جاد للغاية يقع على عاتقكم.طبعاً لا يقتصر الإخلال بالأمن على هذه الأجهزة التي تقدم ذكرها. بل إن بعض أسباب انعدام الأمن، تعود إلى أجهزة أخرى. لكنكم مرغمون على توفيره. حينما لا تتوفر فرص العمل أو إذا كانت قليلة - و كانت البطالة مشهودة في المجتمع - فسيكون هذا نفسه من أسباب انعدام الأمن. و الإدمان و شياع المخدرات أيضاً من أسباب انعدام الأمن. كما أن الألاعيب السياسية غير المسؤولة لطلّاب الجاه من أسباب انعدام الأمن. و التدخلات الأجنبية و تحركات العدو الخارجي من عوامل انعدام الأمن. بالرغم من عدم صلة هذه الأمور بكم، لكنكم تتحملون مسؤولية النهوض بهذا العبء الثقيل بكل صلابة و عزيمة. يجب عليكم النزول إلى الساحة و مكافحة كافة أبعاد انعدام الأمن، ليس هناك قطاع يحظى بالأهمية دون غيره.الأمن حق عام يتعلق بكل الشعب في كافة أنحاء البلد، تستفيد منه القوميات المختلفة و اللغات المختلفة و أصحاب العادات المختلفة و الأديان المختلفة، ناهيك عن الأذواق السياسية المختلفة. حتى ذلك الذي يخالف ركناً مهماً من أركان النظام أو أصل النظام، لا بد أن توفّروا له الأمن في محيط حياته. الوحيد الذي يخرج من تحت هذه الخيمة هو المجرم الذي يرتكب الجريمة أو ينوي ارتكابها، أما سائر أبناء الشعب فتشملهم هذه الخيمة، و عليكم أن تبسطوا هذه الخيمة فوق رؤوس ابناء الشعب كله.النقطة الأخرى هي أنه لغرض إقرار الأمن لا بد لكم من تحديد الهدف و البرمجة على أساس الهدف و العمل على أساس البرمجة، ثم عليكم تقويم عملكم تقويماً دقيقاً على أساس المعيار لا بالكلام فحسب. يمكن للجميع أن يقولوا بأنهم أشاعوا الأمن أو أنه ليس هنالك أمن، لكن عليكم أن تستندوا للأرقام و الإحصائيات الدقيقة الصحيحة، فعليكم تمييز الأمر أولاً لكي تفهموا موقعكم في هذا الطريق الذي تسلكونه.من جانب آخر، لمكافحة الإخلال بالأمن، لا بد من التحلي باليقظة و الحزم و السرعة و المتابعة الدؤوبة و الرؤية المتساوية الواحدة لكل العناصر المخلة بالأمن. إذا لم يكن ثمّة وعي، فإنكم ستصابون بالغفلة، و سيدخل انعدام الأمن في بيوتكم دون أن تشعروا به. أول البلاء هو عدم التحلي باليقظة. إذا لم تتحلوا بالحزم و تعرضتم للتردد و الاهتزاز في المبادرة، فسوف تتحوّلون أنتم أنفسكم إلى عناصر مخلة بالأمن، لأنه إذا أصيبت الأجهزة المسؤولة عن الأمن بعدم الثبات، فإنها ستتحول إلى أكثر العوامل تشجيعاً على بروز العناصر المخلة بالأمن، فبعد عنصر الحزم تأتي المتابعة. عدم المتابعة، بلاء أراه في الكثير من الأماكن. إنهم ينطلقون و يبدأون جيداً، لكنكم سرعان ما تلمسون الوهن في مسيرتهم بعد عدة خطوات. و على إثره يطرأ التوقف أو التراجع أحياناً. هذا خطأ، لا يمكن معالجة انعدام الأمن بهذا الأسلوب! النظرة الواحدة المتساوية إلى كافة العناصر المخلة بالأمن تحظى بالأهمية أيضاً. كل من يسبب الإخلال بالأمن، و لا فرق أن يكون من مثيري الفتن و الاضطرابات المحترفين - الأوباش و الشقاوات و أمثالهم - أو من العناصر السياسية ذات الظواهر الأنيقة، أو ممن يتلبس بالانتساب إلى حزب الله، أو كان عضواً بارزاً في جهاز معين، فعلى الجهاز المعني أن يتابع عمله حتى النهاية. لو توفر هذا الحزم و المتابعة و اليقظة و عدم المحاباة في تطبيق الحق و العدالة، فعندئذ يتألق اقتدار النظام كالشمس. لأن الإخلال بالأمن إخلال باقتدار النظام.الإخلال بالأمن إخلال باقتدار النظام. عندما كنا نتأمل تلك الأحداث المرة و الأليمة التي وقعت في شهر تير من العام المنصرم، كنا نلاحظ ما كانت تكتبه صحافة ذلك اليوم. لقد عرضتُ هذه الصحف أمام بعض المسؤولين الكبار في البلد و قلت ما هذا؟ فقالوا إن مهمتهم وضع علامة استفهام أمام اقتدار النظام.و هكذا كان الأمر. كانوا يختارون العناوين التي تشجع على الإخلال بالأمن، و المقتضى الواضح لهذا هو عجز النظام عن إقرار الأمن و إفشائه.هل هناك سباب أكثر من هذا؟! و هل هناك ضربة أسوأ و أغدر من هذا؟! هذا بحد ذاته يعد عامل إخلال بالأمن. التعامل مع عنصر المخل بالأمن يجب أن يتصف بالعزم و الوعي و التعقل، و أن يكون هذا التعامل خارجاً عن إطار الألاعيب السياسية التي يقوم بها الكثيرون للأسف.لقد أشار السيد لاري إلى قضية الأمن الوطني الذي سبق أن تحدثت عنه في مطلع هذا العام. لكنني كنت قد أشرت إلى الوحدة العامة أيضاً. إن الشعب يلبي الوحدة، و هو في الساحة، و هو يتقدمنا يا أعزائي! علي أن أقول لكم بصراحة إنني كلما أنظر إلى نفسي و إلى ما يمكنني رؤيته من أمور البلاد أجد الشعب يتقدمنا. عليكم أن تنظروا إلى يوم الثاني و العشرين من شهر بهمن في هذا العام. فبالرغم من شدة الحملة الإعلامية الموجهة ضد النظام و الثورة و ضد الإمام و ضد الثاني و العشرين من شهر بهمن منذ العام الماضي و إلى يومنا هذا لغرض التأثير على المخاطب الإيراني في العالم، غير أن مشاركة الشعب تتصف بالاقتدار و الاستقامة و العزيمة و عدم المحاباة، حيثما احتاج الأمر الى تواجده و مشاركته. جاءوا من جميع الشرائح و ملأوا الشوارع و اكتسحوا كالنهر الصاخب ما اعترضته من مزابل و حثالات. لذلك، الشعب يتحلي بالوحدة و يأتي جميع الناس و يساهمون في مظهر الوحدة. غير أن مما يؤسف له هو أن التيارات و الفئات السياسية و قادتها و بعض الأشخاص، ما زالوا يكتفون بالتشدق دون العمل و الإذعان للحق. دعونا السادة، و كانت لنا معهم جلسات متعددة و تحدثنا معهم؛ إلا أن النتيجة كانت كأنه لم يكن شيئاً مذكوراً(3)، و كأننا لم نتكلم معهم أبداً!وحدة الشعب من عناصر استتباب الأمن. في هذا الخصوص على جميع العناصر المعنية تقع مسؤولية - كما تقع المسؤولية على العناصر الإعلامية و أئمة الجمعة و مؤسسة الإذاعة و التلفزيون أيضاً - لكن ساحة العمل في هذا المضمار بجانبها الأعظم هي بأيديكم، فعليكم أن تبذلوا مساعيكم في هذا المجال.برأئي ما يجب أن تأخذوه بنظر الاعتبار و ينبغي أن يشغل أذهانكم و أعمالكم، هو قضية التآمر للقضاء على النظام و إسقاطه، ناهيك عن بعض القضايا كالتهريب و غيرها مما ينجم عنه من مشكلات في بعض الحدود و الأماكن الأخرى. الذين يتابعون هذا العمل الخبيث و ينفقون له الأموال يهدفون إلى إبعاد هذه القضية عن أذهان المسؤولين على اختلاف مستوياتهم - فهم لا يركزون الآن في خطابهم على الشعب - لكيلا يتنبه المسؤولون لما يدور حولهم، و يتمكّنوا هم من القيام بأعمالهم. لذلك يثيرون ضجّة عارمة إذا ما تحدث أحد عن وجود مساعي للقضاء على الثورة و هذه المؤامرة ضد الثورة و الشعب الإيراني أو وجود العدو الخارجي. المسؤولون السياسيون و الأمنيون للأجهزة المعادية لنظام الجمهورية الإسلامية يتحدّثون اليوم بصراحة، و ينفقون الأموال لإنشاء محطة إذاعية مناهضة للنظام - هذا ما سمعته بنفسي صدفة من إحدى الإذاعات التي تعلمون أنها أنشئت بأموال الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية - و حتّى لو لم يصرّحوا بذلك فالجميع يعلمون الأمر. لكنّهم يصرّحون بأننا نريد مواجهة بنية النظام و قواعده. كذلك يتحدثون عن ضرورة تغيير الدستور، لكنّهم يتفضلون و يدعون إلى تغيير هادئ للنظام، فإذا ما صرّحوا هم بذلك، فهل من العقل أن نغمض نحن أعيننا و نقول: كلاّ، لا يوجد مثل هذا الشيء؟! بلى، يوجد مثل هذا الشيء، و نحن نلاحظ مؤشراته و لسنا بحاجة إلى البحث عن شواهده المحتملة.اليوم إحدى الأعمال الأمنية لمسؤولي الأمن هي التعرف على المندسين الذين يأتون من خارج حدود البلاد و يدخلون القذائف و المتفجرات و غيرها إلى داخل البلد. من جانب آخر، نواب الكونغرس الأمريكي و القطاع الحكومي الفلاني في أوربا يسمحون لهؤلاء و يمضون أعمالهم و يباركونها! فما معنى هذه الأعمال؟ هل هذه الأمور لا ترتبط مع بعضها أو لا تتصل ببعضها؟ الذين يرسلون هؤلاء إلى داخل البلد، هم الذين يدعمون أو يشجعون و يأخذون التأييد و الأموال من الكونغرس الأمريكي بشكل ومن البلد الأوربي الفلاني بشكل، و من رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء و نائب المجلس بشكل. ما معنى العلاقة مع الخارج، و لماذا يجب أن نغمض أعيننا؟ إذا لم نلاحظ عدوّنا و لم نفكّر في مواجهته، فمن سيشجّعنا و يمدحنا؟ و نحن نصنع عدواً فرضياً في داخل البلد، و تقوم التيارات بعداء بعضها لبعضها الآخر، هذا الالتيار ضد ذاك؟ هل يتّسم هذا التصرف بالعقلانية، و هل يمثل هذا أسلوباً لإدارة شؤون البلاد؟!من مسؤولياتكم الرئيسية محافظة بعضكم على البعض الآخر. ينبغي على الأجهزة أن تحافظ على بعضها البعض. لا تسمحوا للأجهزة أن تضعّف إحداها الأخرى؛ كما عليكم أن لا تفسحوا المجال للآخرين في الخارج بأن يضعفوا الأجهزة. لاحظوا، لو افترضنا قيام القوى الأمنية أو وزارة الداخلية أو الحرس الثوري بواجباتهم في حين عجزت السلطة القضائية عن النهوض بمهامّها، فإن الوضع لن يرسو على حال أبداً، و كذا لو قامت السلطة القضائية بمهامها و كذا وزارة الداخلية و الحرس في حين عجزت قوى الأمن عن النهوض بمهامها بشكل جيد، فلن يرسو وضعنا على حال أبداً. لذلك ينبغي على هذه العناصر التي توفر الأمن أن تتعامل مع بعضها على أحسن وجه. لو أريد لجميع هذه المنظومات أن تنجز أعمالها على أحسن وجه فإن ذلك يستدعي تجنّب إضعافها. لماذا يحاولون إضعاف السلطة القضائية؟ إنني لا أفهم الدافع الذي يقف وراء هذا العمل، و لقد سبق لهم أن استهدفوا بهجماتهم قوى الأمن لإضعافها. لماذا؟ كما حاولوا النيل من وزارة الأمن، إن هذا مما يلحق الضرر بأمن البلد، فعلى مختلف الأجهزة في البلد أن يحافظ بعضها على البعض الآخر، و يسند بعضها بعضاً، و تتصدّى معاً للعناصر التي تعمد إلى إضعاف مواقف الدولة.أعتقد بأن نظام الجمهورية الإسلامية أثبت قدرته على المبادرة في شتّى المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و كذا على الصعيد الدولي؛ فبنية النظام تتميّز بصلابتها و رسوخها، و الأهم من هذه القضية هو ما يتمتع به النظام من دعم جماهيري عظيم لا مثيل له. إنني أقطع جازماً بأننا لو قسّمنا الأنظمة و الحكومات في العالم بشكل إجمالي إلى أربعة أقسام من حيث معدّل تمتّعها بالدعم الشعبي، فوفقاً للمعلومات التي بحوزتي من مختلف مناطق العالم، سيكون نظام الجمهورية الإسلامية في طليعتها، أي إنه يتمتع بالحد الأعلى من الدعم الشعبي.. إنني لا أرى نظيراً في أية بقعة أخرى من العالم لهذه التجمعات و المشاعر و ما يعبر عنه أبناء الشعب من المودة و العواطف و العلاقات التي تشدّه بالمسؤولين. طبعاً يمكن أن توجد مثل هذه الحالات هنا و هناك، لكنها كما أعلم ليست بمثل هذه الصلابة. إذن، إنكم تلمسون توفرنا على كلا العاملين المهمين هنا: أولهما صلابة بنية النظام و هيكليته و مرافقه الأساسية، فهو من أقوى الأنظمة بناءً و أكثرها منطقية، و الثاني هو الدعم الشعبي، بالإضافة إلى عنصر ثالث هو الشعور بالمسؤولية الإلهية. على سبيل المثال بإمكان أي منكم في الكثير من الحالات إذا أجّل العمل بواحد من الملفات التي قد تقع بين أيديكم في ساعة متأخرة من الليل، إذا أجّله إلى صباح يوم غدٍ و ذهب لبيته فليس هنالك من يطلع عليكم أو يحاسبكم على ذلك، غير أن العين الناظرة الوحيدة التي تضعونها في الحسبان هي عين الله سبحانه و تعالى، و هي التي تدفعكم للمبادرة إلى إنجاز العمل في الحال و بلا تأخير قربة لوجهه تعالى. و هذا الشعور بالرقابة الإلهية، و الشعور بالمسؤولية أمام الله، و الحافز الإيماني الذي تعمر به قلوبكم أيها المسؤولون الأعزاء يعد شيئاً نفيساً و عزيزاً. اعتبروا هذا كالعنصر الثالث. بوسع هذه العناصر الثلاثة معالجة كل ما يعترض أية حكومة من مشاكل و منها المشاكل الاقتصادية.خلال زياراتي لمختلف المحافظات، كنت ألمس أن المحافظين و سائر المسؤولين، يعدّون خططاً ممتازة و يبذلون جهوداً خيرة، و هكذا بالنسبة لمرافق الدولة الأخرى و مستوياتها العليا، فإذا تمّ تنفيذ هذه الأعمال بالوقت المناسب دون تأخير و استعين بالعناصر الجديرة و جرت متابعة الكثير من هذه الأعمال، إذ حصل ذلك تتيسّر معالجة المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها أبناء الشعب، و يتيسّر لمسؤولي النظام معالجة مشكلة البطالة و مكافحة المفاسد التي تنتشر هنا و هناك. علينا جميعاً الاتكال على الله و الاستعانه به و أن نعقد آمالنا على هدايته و عونه و ننزل إلى سوح العمل، و أن لا يسمح أي منّا لنفسه بأن يبخل بما لديه من طاقة و تفانٍ، فلا بد من أن نبذل كل ما بوسعنا.أعزائي! لقد ألقي اليوم عبء المسؤولية الثقيل على عواتقنا، فإذا أفلحنا في الوصول بهذه المسؤولية إلى شاطئ السلامة، فسيكون لذلك أثره الخالد و البعيد المدى في تاريخ بلادنا. فالقضية لا تقتصر على إدارة البلد حالياً دون التفكير بالغد؛ فهذا البلد نهض من بين ركام الاستبداد و الحكومات الفاسدة التي تسلّطت على رقابه فترات متمادية، و قد انطلق مستهلّاً مرحلة جديدة طابعها المشاركة الجماهيرية و الرسالية التي يحملها الإسلام و الجهاد المرير الذي شهده بلدنا. هذه المرحلة تواجه مشكلات عديدة لعدّة أسباب أنتم على علم بها؛ و هذه المشكلات، تمثّل في واقعها تحديات كبرى لا تقتصر علينا، بل إن كل حكومة تواجه ظروفاً مشابهة تدهمها هذه التحديات،غاية الأمر أن غالبية الحكومات إمّا أن تتراجع القهقرى أو تستسلم أو تصاب بالهزيمة،غير أن نظام الجمهورية الإسلامية أفلح في تخطي هذه العقبات بفضل من لله و المبادئ و المعنويات و بفضل الدعم الجماهيري العظيم، و استطاع نظامنا مواصلة طريقه على مدى اثنتين و عشرين عاماً بكل صلابة و ما زال اليوم يتمتع بالحيوية والنشاط، لكن عليه أن يواصل طريق الجهاد بكل وعي، و هذا ما سوف يتحقق إن شاء الله.أتمنى أن يشملكم الله تعالى جميعاً بفضله و عونه، و أن ينور قلوبنا جميعاً بنور هدايته، و يسكن إمامنا العظيم و شهداءنا الأبرار - الذين كل ما لدينا من تضحياتهم - في أعلى عليين، و يوفقكم جميعاً تتمكنوا من مواصلة هذا المسير بصلابة.و أجدد شكري لكم جميعاً أيها الأعزاء على مساعيكم الدؤوبة و على تحملكم عناء الحضور إلى هنا كي نجتمع سوية.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1) سورة القصص، الآية 60.2- الكشكول، ج 3، ص 45.3- سورة الإنسان، الآية 1.
2001/02/13

كلمة الإمام الخامنئي في خطبتي صلاة عيد الفطر السعيد

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. الحمد لله خالق الخلق و باسط الرّزق و فالق الأصباح، ديّان الدين، رب العالمين. نحمده و نستعينه و نؤمن به و نتوكّل عليه و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه، سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين. الهداة المهديين. سيّما بقية الله في الأرضين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله. في الخطبة الأولى لصلاة عيد الفطر، سأتحدث لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء المصلين حول موضوعين. الموضوع الأول، هو تهنئة هذا العيد الإسلامي العظيم. تبريك عيد الفطر يعني تبريك اجتياز شهر رمضان المبارك بنجاح. نحمد الله على أن وفّق شعبنا لأن يقضي هذا الشهر المبارک حقاً. أجواء البلد في كل أيام شهر رمضان، كانت معطرة بعنايات المؤمنين و المشاعر الطاهرة للشباب المؤمنين و أنفاس الصائمين المقدسة. شهر رمضان في هذا العام كان أفضل من العام الماضي من حيث توجهات و توسلات و نجاح الشعب في مجالات بناء الذات و المعنوية. علينا أن نعرف قدر هذا و نحافظ على آثاره المباركة لأنفسنا و لشعبنا، شهر رمضان هو شهر بناء الذات نحو التقدم. نسأل الله أن نواصل هذا الطريق و هذا النهج و هذه الحركة المباركة - التي يواصلها الشعب الإيراني العظيم على مدى السنوات الواحدة و العشرين - بنجاح و هذه هي النقطة الثانية التي كنت أريد أن أشير إليها. أي معرفة قدر البركات الإلهية و التوفيقات التي أنزلها الله على الشعب الإيراني في هذا الشهر. يوم عيد الفطر - كما جاء في رواية أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام - أشبه بيوم القيامة؛ (1). أي يوم الجزاء. أسأل الله أن يجلب اجتماعكم الحاشد في هذه المراسم المعنوية و العبادية و السياسية، العناية و الرحمة الإلهية لكم، و يمكن للشعب الإيراني و مسؤولي البلد و جميع الذين تقع عليهم مسؤولية في أي مكان من البلد و أي قطاع من القطاعات العظيمة، و ذلك بالتوكل على الله و الاهتمام بالإرشادات الإلهية في القرآن و أحاديث أهل البيت عليهم السلام و إشارات الرجل المعنوي العظيم في عصرنا و خليفة الأنبياء - إمامنا العظيم - يمكن لهم مواصلة هذا الطريق، و أسأل الله أن يضمنوا سعادة الشعب و مستقبل هذا البلد. بسم الله الرحمن الرحيم و العصر. إن الإنسان لفي خسر. إلّا الذين آمنوا و عملوا الصالحات. و تواصوا بالحقّ و تواصوا بالصّبر. (2) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيّدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، الهداة المهديين المعصومين. سيّما بقية الله في الأرضين. و استغفر الله لي و لكم. أوصيكم عباد الله بتقوى الله. أوصي ثانية جميع الإخوة و الأخوات الأعزاء المصلين بمراعاة تقوى الله. في هذه الخطبة أتحدث باختصار حول موضوعين أو ثلاثة مواضيع حول القضايا الجارية في العالم و المجتمع الإسلامي و الشعب الإيراني العزيز؟ في البداية أبارك من الصميم ولادة السيد المسيح عليه السّلام - النبي الإلهي العظيم - لجميع مؤمني العالم و المسيحيين و المسلمين. مما لا ریب فيه أن قيمة السيد المسيح عليه السلام عند المسلمين، ليست بأقل من قيمته و قدره و منزلته عند المسيحيين المؤمنين بالمسيحية. هذا النبي الإلهي العظيم، قضى جميع مراحل حیاته بين الناس، بالسعي لكي يمكن له الوقوف أمام الظلم و التعدي و الفساد و الذين قيّدوا الشعوب عن طريق الإعتماد على المال و التعسف و كانوا يجرونهم إلى جحيم الدنيا و الآخرة. إن الآلام التي تحمّلها هذا النبي العظيم منذ فترة طفولته - حيث منحه الله النبوة في فترة طفولته - كانت في هذا الطريق. فمن المتوقع أن يتأس أتباع السيد المسيح و الذين يعرفون عظمة ذلك الرجل و منزلته المعنوية الرفيعة و مكانته السامية، يتأسوا به في هذا الطريق. العديد من الذين يدعون اليوم التبعية للسيد المسيح، يسلكون طريقاً غير طريق السيد المسيح. هداية السيد عيسى بن مريم على نبينا و عليه السلام هي هداية إلى عبودية الله و المعارضة للفرعونية و الطغيان. هناك اليوم أشخاص، يدعون التبعية لذلك النبي الإلهي العظيم، حلوا مكان الفراعنة و الطواغيت الذين كان عيسى بن مريم يحاربهم. نتمنى أن تكون بداية السنة المسيحية، سنة مباركة للمسيحيين و للمسلمين، لاسیما للمسيحيين في بلدنا. القضية المهمة في هذا العصر، هي قضية فلسطين حيث أن انتفاضة فلسطين و بيت المقدس لا تزال مستمرة. الذين كانوا يظنون بأنهم قادرون علی إبعاد الشعب الفلسطيني عن المطالبة بحقه، ارتكبوا خطأ، فهم لم و لن يستطيعوا باستخدام القوة و الضغط أن يصرفوا الشعب الفلسطيني عن مواصلة هذا الطريق. فمن الممکن أن يجبروا هذا الجيل على السكوت المفروض لمدة، و ذلك عبر القمع و الضغط و الإرهاب، لکن حلمهم هذا لایتحقق، حيث أن الصهاينة تصورا أنه سيكون بوسعهم السیطرة على أرض فلسطين المغتصبة بسهولة فیما بعد. لقد قامت شعوب العالم و الشعوب المسلمة بدعم مقاتلي فلسطين المظلومين.شعبنا العزيز أثبت دعمه لانتفاضة الشعب الفلسطيني بكل وضوح. من الواجب أن أشكر عزمکم من الصمیم أيها الشعب الأعزاء الذين تحلوا بشموخ و عظمة فائقة في مسيرة يوم القدس العظيم و الاجتماع الحاشد في صلاة الجمعة. لقد أحرز شعبنا العزيز، كما في السابق، الشرف لبلده و تاريخه و مسؤولي بلده. يوم القدس في هذا العام و كما كان متوقعاً أقيم بكيفية خاصة في كافة أنحاء العالم الإسلامي، و هذا يعود إلى حقانیة صوت الشعب الفلسطيني المظلوم. نتمنى أن تتعاون الحكومات مع شعوبها هكذا و تدعم الشعب الفلسطيني. ذلك الشعب المظلوم و المقهور و المحاصر على أيدي أكثر الأعداء همجية و وحشية، يحتاج إلى المساعدة. على شعبنا و حكومتنا و كذلك على الشعوب و الحكومات المسلمة الأخرى أن تقوم بدعم هذا الشعب المظلوم قدر وسعها. هذا هو الواجب الديني و الإنساني و العقلي الذي يحكم به العقل و إنه لواجب تاريخي يحكم به التاريخ. علي أن أتحدّث باختصار حول قضايا البلد و قضايا شعبنا العزيز. أعزائي! ما حفظ شعبنا و بلدنا إزاء مؤامرات الأعداء و المتآمرين، يتمثل في عدة أسباب من أهمها وحدة كلمة كافة أبناء الشعب. كل أبناء الشعب يتحلّون بالوحدة، و كل أبناء شعب لا يكون بينهم نزاع و جدال مدمّر، و كل شعب يتعاطف مع مسؤوليه و يرى مسؤوليه جزءاً من كيانه و يعمل فيه المسؤولون بواجباتهم إزاء الشعب و يروا أنفسهم خداماً للشعب، فإن ذلك الشعب لا يهزم أبداً أمام كافة العداءات. هذا أمر قهري. لقد جرّب شعبنا هذا الأمر على مدى واحد و عشرين عاماً، لقد أثبتنا عدم الرضوخ للفشل في الساحات الصعبة. من يبدي عداوته للشعب الإيراني، فإن أحد أكبر عداواته أن يقضي على الوحدة الوطنية العظيمة و تعاطف الشعب مع المسؤولين أو يمس بها. هذه هي العداوة التي يبديها البعض. نحن لا نعجب و لا نشتكي من العدو الذي ينفق ملايين الدولارات و يحمّل المسؤولية على عاتق بعض الأشخاص - فيضع مسؤولاً عن الحرب النفسية، و مسؤولاً عن نشر الشائعات، و مسؤولاً عن المؤامرات، و مسؤولاً عن بث التفرقة - نحن لا نتعجب و لا نشتكي منه فهو عدو على كل حال. لكننا نشتكي من الذين يُخدعون من قبل العدو داخل البلد و يتابعون هدفه و يقومون بدعمه. طبعاً إذا اقتضت الضرورة أحياناً فلن نكتفي بالشكوی. التعاون مع العدو، يعد بحد ذاته عداوة، طبعاً ليست هذه العداوة مع شخص خاص، أو مسؤول أو جماعة من المسؤولين، بل هي عداوة مع مصالح الشعب و ليس هناك شخص يمكن له أن يتحمل هذه العداوة و عليه أن لا يتحمّل. إنني ألاحظ أن البعض يكررون صوت الأعداء. إن شعبنا متحد و الحمد لله. كل من كان في مجموعة و يريد أن يجعل قلوب الشعب سيئة الظن و مكدرة بعضها من بعض، فمن المسلم به أن يسقط من عين الشعب و لا يعتبره الشعب صديقه. أقول للمسؤولين في المستويات المختلفة إن أحد طرق النجاح العملي و كسب اعتماد الشعب، هو تعاون الأجهزة المختلفة و السلطات الثلاث فيما بينها. يجب أن لا يضعفوا بعضهم بعضاً. على الجميع أن لا يضعفوا القوى المسؤولة في البلد و مجلس الشورى الإسلامي. يمكن أن لا تكونوا راضين عن أقوال و مواقف نائب أو عدة نواب، و لكن عليكم أن لا تضعفوا المجلس. فالمجلس مؤسسة قانونية معتبرة كسائر المؤسسات القانونية. إذا خالف شخص حكماً صادراً من المحكمة الفلانية في القضية الفلانية، فيجب أن لا يضعف السلطة القضائية. طبعاً لأي حكم موافقوه و مخالفوه. و لكن يجب عدم تضعيف الحكومة. يمكن أن لا يكونوا راضين عن عمل مسؤول فلاني أو معترضين علیه، لكن لا يجب أن تضعف الحكومة و السلطة التنفيذية. فالمؤسسات القانونية كركن في هذا البناء الشامخ على عاتقها عبء. مجموعة هذه المؤسسات حافظت على متانة هذا البناء العظيم الذي و ينظر إليه مليار و عدة ملايين مسلم في أكناف العالم - الذين يتمتعون بقوة الإدراك و الفهم - فيشعرون بالكبرياء. هناك البعض يقومون بتضعيف مجلس صيانة الدستور، و البعض الآخر يقومون بتضعيف مجلس الشورى الإسلامي، و البعض الآخر يقومون بتضعيف السلطة القضائية، و البعض الآخر يقومون بتضعيف الحكومة، و البعض الآخر يقومون بتضعيف مجمع تشخيص مصلحة النظام. توجيه الإشكالات إلى عمل أو عملين أو عشرة أعمال - حيث أن البعض من هذه الإشكالات يمكن معالجتها لو تم إيضاحها، أو حتى لو لم يكن بالإمكان معالجتها - يجب أن لا يسبب في أن نقوم بتضعيف المؤسسات. هناك البعض في المجلس السابق كانوا يطلقون شعار حلّ المجلس! يلاحظ المرء أحياناً أن نفس تلك الأصوات و الأحاديث و الحوافز كانت تعترض يوماً على المجلس و يوماً على السلطة القضائية و يوماً على السلطة التشريعية، دون أن يقدّموا أدلة صحيحة. طبعاًً ما أوصي به حول الحفاظ على شأن السلطات و أراه من واجبي و واجب الجميع، لا يتنافی مع الاعتراض و تسجيل الإشكالات على بعض ممارسات هذه السلطات. أجل، أنا أرفع صوتي أيضاً و أقول بأن على مسؤولي البلد - سواء في السلطة التنفيذية أو في السلطة القضائية أو في السلطة التشريعية - مكافحة الفقر و الفساد و التمييز في هذا البلد. لو أرادوا ضمان أمن البلد و ظروف معيشة الجماهير و عزتنا الدولية، فلا سبيل عندهم إلّا مكافحة هذه الأمور. عليهم أن يعرفوا أنواع الفساد و عليهم مكافحتها بصورة جادة، لا بالحديث و اللسان، و طبعاً هناك البعض لا يتحملون حتى التحدث بذلک بالألسن، هؤلاء يعارضون أصل مكافحة الفساد و التمييز و الفقر! هؤلاء الذين يقومون باتخاذ مواقف من مكافحة الفقر و الفساد و التمييز، يتهمون أنفسهم دون أن ينتبهوا. فمن يعارض مكافحة الفساد؟ إنه ذلك الشخص الفاسد أو المخدوع من قبل شخص فاسد. و من يعارض مكافحة التمييز؟ إنه الذي یستفید من التمييز أو المخدوع من قبل المستفید من التمييز، و إن لم يکن کذلک لما عارض أبداً. طبعاً نشكر الله على أن مسؤولي السلطات الثلاث أخذوا هذه القضايا بنظر الاعتبار برغبة و متابعة و قاموا بتبادل الأحاديث و اتخاذ القرارات. نسأل الله أن نلاحظ تنفيذ هذه القرارات و القيام بما أشير إليه و ذلك بفضل الله و لطفه. اللهم! نسألك بحق محمّد و آل محمّد، أن تزید علاقة الناس و المسؤولين رسوخاً يوماً بعد يوم! اللهم! و اشمل الروح الطاهرة لإمامنا العظيم برحمتك و فضلك و مغفرتك. اللهم! بلغ سلامنا و صلواتنا و إخلاصنا للإمام المهدي المنتظر الحجة بن الحسن عجل الله فرجه الشريف. اللهم عجل في فرج ذلك العظيم. بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد و لم يولد. و لم يكن له كفواً أحد. (3) و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. الهوامش: 1) بحار الأنوار، ج 9، ص 362 2) سورة العصر: الآية 1-3 3) سورة التوحيد: الآية 1-4
2000/12/27

كلمة الإمام الخامنئي في صلاة الجمعة بطهران

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، نحمده و نستعينه، و نؤمن به و نستغفره، و نتوكل عليه، و نصلي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، حافظ سرّه و مبلّغ رسالاته، سيدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما بقية الله في الأرضين. و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.أوصي نفسي و جميع الإخوة و الأخوات المصلين بمراعاة التقوى و الورع و التوجه إلى الله تعالى في كل ما نقوم به من أمر و نهي في حياتنا على الصعيدين الفردي و الاجتماعي. و أن ننظر إلى الله و نؤثر رضاه على كل شيء و نرى فيما يكلفنا به فوزاً عظيماً. نسأل الله أن يساعدنا علی صيام هذا الشهر - و هو شهر التقوى - بأن نتمكن من مضاعفة التقوی في نفوسنا و أعمالنا أینما كنا و مهما كنا.هذه الأيام تختص بأمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام، إضافة إلى أن هذا العام قد سمي باسم هذا الرجل العظيم أيضاً. فما هو الهدف من ذكر أمير المؤمنين و ذكرياته؟ إنها بالدرجة الأولى تتمثل في إحياء هذه الفرصة لأنفسنا لكي نعبّر عن إتباعنا له. فالتشيع يعني الاتباع. و إذا لم يكن ذلك الاتباع، لکان هذا الإدعاء في النسبة إليه جوراً بحقه. إضافة إلى ذلك فإننا نستطيع من خلال التعرف على تلک الشخصية العظيمة، أن ننوّر أفکار و قلوب أبناء زماننا فيما يتعلق بالقضية الرئيسية في الإسلام و التي تتمثل في إدارة المجتمعات البشرية في ظل نظام إسلامي و وفقاً للدستور الإسلامي. المحور في كل شيء هو حكومة أمير المؤمنين التي استغرقت بضعة أعوام، لذلك يجب أن يكون المراد من حديثنا عن ذلك العظيم، هو إتباعه و السير على خطاه. طبعاً عليّ التأكيد بأنه علی الرغم من أن نظامنا الإسلامي القائم في زماننا هذا، يركّز على أساس الاتباع للأحكام الإسلامية، فإن المسؤولين و أصحاب المناصب في النظام الإسلامي، هم الذين يجب عليهم بالدرجة الأولى إتباع أمير المؤمنين.لقد خاطب أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) كلّا من المسؤولين و أبناء الأمة علی حد سواء. الخطاب الموجّه لأبناء الأمة، يشمل المسؤولين أيضاً. لكن الخطاب الموجّه للمسؤولين، يختص بهم فحسب. هذا ما تعكسه الرسالات التي كان أمير المؤمنين يوجهها، سواء تلك الرسالة المعروفة التي وجهها إلى مالك أشتر(1)، أو سائر الرسالات التي بعثها إلى عمّاله و ولاته.نحن اليوم - سواء المسؤولون و ذوو المناصب في الجمهورية الإسلامية أو الجماهير - في أمس الحاجة لمعرفة هذه الأوامر و التوجيهات و العمل بها. لو عملنا بها، فعندئذ يتحقق المراد من الآية الكريمة (کنتم خير أمة أخرجت للنّاس)(2). أي سنتحول إلى تلك الأمة التي لو نظر إليها العالم بأسره، لاتخذها قدوة و أسوة له. و إذا لم نعمل بتلك المناهج و الأوامر، فيمكن أن يصل الأمر بشعبنا و مسؤولينا لا سمح الله، لا إلى أن لا يحرزوا شرفاً للإسلام فحسب، بل و سيحطّون من شأنه. لو ابتعدنا عملياً عن الإسلام و توجيهات أمير المؤمنين فهذا الخطر موجود و يمكن أن يداهمنا.إنني أرغب أن أتطرق في الخطبة الأولى باختصار إلى بعدين، لأن جو اليوم ليس مناسباً للتفصيل في القول، أحدهما يتعلق بالحكومة و الآخر يتعلق بالمسؤولية التي تقع على عاتق الشعب، لكن دائرتها تشمل كلّاً من الحكومة و الشعب. خلاصة ذلك البعد الذي يتعلق بالحكومة، و هو ما ورد في كلمات أمير المؤمنين. إن المنصب الحكومي كما يراه أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام يجب أن لا يتحول إلى وسيلة لنيل الدعة و الاسترخاء و التكسب الدنيوي. فهو ليس مهنة كسائر المهن، و هذا يعني تحمل المسؤولية. تحمل هذه المسؤولية لا يمكن أن يكون وسيلة لأن يكسب المرء شيئاً، و يجمع أموالاً و يؤمِّن مستقبله و مستقبل أولاده عن هذا الطريق، أو يعيش رغداً. فما هو الهدف إذاً من تحمّل مسؤولية المناصب في نظام الجمهورية الإسلامية و النظام الإسلامي؟ الهدف هو تطبيق العدالة و توفير الأمن للجماهير، و التمهيد لإقامة مجتمع إنساني تتفتح فيه المواهب لسمو البشرية و صلاحها. لو عرفنا أن هذا هو الهدف في رأي أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام، فعندئذ يتحقق المعنى المتوخّى من الكلمات التي نسمعها من ذلك العظيم.يقول أمير المؤمنين: إنني على استعداد لتحمل أصعب ظروف العيش على أن لا ألقى الله سبحانه ظالماً لأحد من عباده، يقول: و الله لأن أبيت على حسّك السّعدان مسهّداً و اجرّ في الأغلال مصفّداً أحب إلي من أن ألقى الله و رسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد و غاصباً لشيء من الحطام (4)و في موضع آخر من نهج البلاغة يقول (ع): إن الله تعالى فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بأضعف الناس . أي لا يحق لذوي المناصب في نظام الحق، أن يقارنوا أنفسهم مع الأعيان و النبلاء و يقولوا: ما دام هؤلاء يتمتعون بمثل هذه البيوت و هذه الحياة و يعيشون هكذا، فلنحاول نحن ذوي المناصب و المسؤوليات في الجمهورية الإسلامية أو النظام الإسلامي و الحكومة الإسلامية، أن نعيش مثلهم. أو ما دام الزعماء و المسؤولون و الوزراء في البلدان الأخرى التي تسودها نظم غير إلهية و غير حقة، يعيشون هكذا، و يتمتعون بأسباب الدعة أو الإمكانيات المادية، فلا بد أن نحتذي حذوهم. كلّا. لا يحق لهم مقارنة معيشتهم بمعيشة الأعيان و النبلاء و المتمكّنين أو المنحرفين. فإذن، مع من ينبغي عليهم مقارنة حياتهم؟ أن يقدّروا أنفسهم بأضعف الناس (5). التعبير بـ أضعف الناس لا يعني العيش مثلهم - يمكن أن لا يستطيع المرء أن يعيش بحيث يقتِّر على نفسه - بل يعني مقارنة نفسك معهم، لا مع الأعيان و الأشراف أو هذا الغني و ذاك الرأسمالي. فصاحب المنصب و المسؤول في النظام الإسلامي و نظام الحق لا ينبغي له أن يعيش كالأعيان و الأشراف و المتمكنين و الأثرياء في المجتمع أو كمسؤولي البلدان غير الإسلامية. هذه ثقافة خاطئة، أن يمتلك من يصل إلى مكانة و مسؤولية من المسؤوليات الحكومية، داراً فارهة أو سيارة من الطراز الفلاني، أو يتمتع بإمكانيات حياة خاصة. كلّا، هذا لا ينسجم مع توجيهات أمير المؤمنين و لا يقتصر هذا على ذلك العصر، بل يشمل جميع الأزمنة. لم يكن الفقر آنذاك يشمل جميع الناس. لقد تحققت الفتوحات الإسلامية، و كانت هناك ثروات في البلد الإسلامي، و كان ثمة من الأثرياء و التجار من كانوا يعيشون حياة مرفهة، سواء أكان ذلك عن طريق الحلال أو الحرام، فلا شأن لنا بأفعالهم. يقول أمير المؤمنين في ذلك الزمان، ينبغي أن لا تكون معيشتكم معيشة دعة. هذا ما يتعلق بالمسؤولين و ذوي المناصب في النظام الإسلامي حيث عليهم مقارنة أنفسهم بالضعفاء من الناس لا بالأثريا في المجتمع.يقول (ع) في رسالة أخرى وجهها إلى الأشعث بن قيس: و إن عملك ليس لك بطعمه، و لكنه في عنقك أمانة ، فالمسؤولية في النظام الإسلامي عبء يقع على عاتق الإنسان يجب عليه تحمله من أجل هدف أو نية خاصة. هذا هو الفهم الصحيح للحكومة و المسؤولية الإسلامية.على المسؤولين في النظام الإسلامي أن لا یعیشوا حیاة اسراف و بذخ. و فوق ذلك، عليهم أن لا يعيشوا بشكل، يتحول معه أسلوب البذخ و الإسراف إلى رکن من أرکان الحضارة. هذه مرحلة أخرى تفوق المرحلة الأولى، أو لا تقل عنها على أقل تقدير. لنفترض أن أحد كبار المسؤولين و من بين ذوي المناصب في الحكومة الإسلامية، سلك سبيل البذخ في حياته من حيث الإسراف الذي یطغى على محل عيشه أو محل عمله، أو حياته العائلية، أو كيفية تزويج أبنائه من قبيل المهر و الجهاز و ما شابه ذلك، و خرج عن النهج الإسلامي، فإن هذا الأسلوب سيتحول إلى نوع من السلوک و النهج في المجتمع یراه الآخرون و يتعلّمون منه، حينها یرتفع الصداق و يصعب الزواج و الحياة، و هكذا تسري تبعات هذا التصرف في ثنايا المجتمع شيئاً فشيئاً، سواء على المدى البعيد أم القريب. لذلك فإن أهم ما يركّز عليه أمير المؤمنين في باب الحكومة، هو: على الحاكم أن لا يتخذ من الحكومة وسيلة للعيش و جني العوائد المالية و جمع الثروات، بل عليه أن يعتبرها مسؤولية. فهذه المسؤولية عبء على عاتقه، يجب عليه أن يبذل قصارى جهده لحمل هذا العبء و إيصاله إلى الغاية المنشودة.النقطة المحورية لهذه المسؤولية تتمثل في مراعاة حقوق الناس و التزام العدالة بينهم و الإنصاف في القضايا الخاصة بهم و السعي لتأمين متطلباتهم. فالأصل بالنسبة للحاكم الإسلامي، هو متطلبات الجماهير. لقد قلت قبل عدة أيام في كلمة لي مع المسؤولين، بأن الوجه الأول لقضية الديمقراطية هو أن يقوم الشعب بانتخاب المسؤولين. الوجه الثاني هو إذا ما وصل المسؤولون إلى مناصبهم، فعليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم لتلبية حاجيات الناس و العمل من أجلهم. هذا ما تفوح به كلمات أمير المؤمنين(ع). فقد نقل عنه (ع) في رسالته لمالك الأشتر، من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده و من خاصمه الله أدحض حجته و كان لله حرباً(7). طبعاً ليس هناك فرق، بالرغم من أن أمير المؤمنين عليه السّلام وجّه هذه الرسائل لولاته - منهم مالك الأشتر، و عثمان بن حنيف، و آخرون - فإن الخطاب يشمل أيضاً كافة المسؤولين ممن يقومون ببعض الأعمال.إذا ما أراد الحكام و أصحاب المناصب في النظام الإسلامي القيام بهذه الواجبات، فهم بحاجة إلى نقطة أخرى و هي الإخلاص لله و العمل من أجله و مواصلة الاتصال بالله. فلا تقتصر قضية المسؤول و صاحب المنصب في النظام الإسلامي على العلاقة مع الجماهير، فلو لم يتصل بالله، لتعثّر عمله من أجل الجماهير و خدمتهم أي لتعثّرت تلك المسؤولية الرئيسية التي تقع على عاتقه. ما يدعم هذه المسؤولية، هو العلاقة بالجماهير، لذلك يقول أمير المؤمنين - كما ورد في نهج البلاغة - في هذه الرسالة التي وجهها إلى مالك الأشتر و اجعل لنفسك فيما بينك و بين الله أفضل تلك المواقيت(8) أي لا توكل حالة الارتباط بالله و الإنابة إليه و التضرع له إلى أوقات تعبك و كسلك. ثم يقول: و إن كانت كلها لله (9). أي و إن كانت جميع أعمالك لله حينما تكون صاحب منصب في الحكومة الإسلامية، و الشرط في ذلك إذا صلحت فيها النية و سلمت منها الرّعية (10). لكن في الوقت ذاته وفّر من بين مساعيك التي هي كلها من العبادات وقتاً للخلوة مع نفسك و مع الله سبحانه. هذه هي الصورة لذوي المناصب و المسؤوليات في النظام الإسلامي و في قاموس أمير المؤمنين. كل ما لدينا عن ذلك العظيم، غالباً ما يتعلق بفترة حكومته، أما ما لدينا عن فترة استغرقت خمسة و عشرين سنة عاشها من وفاة النبي (ص) حتى استلامه للخلافة فهو محدود للغاية. تتصف المرحلة التي قضاها في فترة النبي بالطابع الجهادي و تخضع لإشعاعات شخصية النبي الأعظم (ص)، لذلك ما يروى عن أمير المؤمنين غالباً ما يعود بفترة حكومته التي استغرقت إلى ما يقارب الخمس سنين، و قد صدر عن لسان شخص حاكم ليرسم من خلاله الخلق الذي ينبغي للحاكم التزامه، و يختص بعده الأول بالواجب الذي يقع على عاتق المسؤولين، و خلاصته هو: إن المسؤول في النظام الإسلامي هو مسؤول يعمل من أجل الناس و في سبيل الله، لا من أجل أهوائه و مصالحه الشخصية.البعد الآخر الذي سأتطرق له باختصار - يتعلق بعامة الناس - و هو يتمثل بالدرجة الأولى في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في القضايا الاجتماعية. طبعاً في القضايا الفردية فإن التقوى هو موضع الاهتمام و عناية فائقة من قبل أمير المؤمنين، لكن ليس هناك في القضايا الاجتماعية خطاب يفوق في شدته و حزمه و حيويته و صرامته، الخطاب المتعلق بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، واجب عام. طبعاً علينا أن نأسف لعدم توضیح معنى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بشكل صحيح. فالأمر بالمعروف يعني توجيه الأمر للآخرين للقيام بالعمل الصالح. و النهي عن المنكر هو نهي الآخرين عن فعل الأعمال القبيحة، و كل من الأمر و النهي فعل لساني و لفظي. طبعاً تسبقهما مرحلة أخرى هي المرحلة القلبية التي لو توفرت، فإن المرحلة السابقة ستكتمل. حينما تساعدون النظام الإسلامي عبر أمر الناس بالمعروف من قبيل الإحسان للفقراء و الإنفاق و كتمان السرّ و المحبّة و التعاون و القيام بالأعمال الصالحة و التواضع و التحلّي بالحلم و الصبر و تدعون للالتزام بهذه الأعمال و الممارسات، و تكون قلوبكم عاشقة و متعلقة بهذا المعروف فسيتصف أمركم هذا بالصدق. حينما تنهون أحداً عن المنكرات من قبيل الظلم و العدوان على الآخرين و التعرض لهم و الاستیلاء علی الممتلكات العامة و التطاول على أعراض الناس و ممارسة الغيبة و الكذب و النميمة و التآمر على النظام الإسلامي و التحالف مع أعداء الإسلام و تدعون الناس إلى الابتعاد عن هذه الخصال، و تحملون في قلوبكم البغض لها و النفور منها، فإن ذلك النهي سيكون صادقاً و ستكونون منسجمين مع أمركم و نهيكم هذا. لكن إذا تباين القلب و اللسان - لا سمح الله - فحينها يدخل المرء في عداد من یصفهم هذا الحديث لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له. فاللعنة الإلهية تحيق بمن يأمر الناس بالمعروف لكنه لا يعمل به، و ينهاهم عن المنكر، لكنه يرتكب ذلك المنكر، و سيكون مصيره خطيراً للغاية.لو تبيّن معنى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و حدودهما للناس، فسيتضح أنهما من أكثر أساليب التعامل الاجتماعي حداثة و حلاوة و كفاءة و فعالية، و لا يبقي مجال أمام الآخرين لأن يقولوا: سيدي إن هذا ضرب من الفضولية . كلّا، فهو نوع من التعاون و الإشراف العام و التعاون على نشر الخير و تقويض الشر و الفساد، و المساعدة على أن تعتبر الخطيئة خطئية دوماً، فإن أسوأ الأخطار عندما توصف الخطيئة يوماً ما بأنها صواب، و يوصف العمل الصالح بأنه سيئة و تتحول الثقافات و تنقلب رأساً على عقب. حينما يشيع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بين أوساط المجتمع فإن ذلك سيؤدي إلى أن تعتبر الخطيئة في نظر الإنسان خطيئة دوماً و لن تتبدل إلى صواب و لا إلی عمل صالح. إن أخطر المؤامرات ضد الناس هو الحديث و العمل على تبديل الأعمال الصالحة - التي يأمر بها الدين و فيها يكمن صلاح البلد و تطوره - إلى أعمال قبيحة لدى الناس، و تبديل الأعمال القبيحة إلى أعمال حسنة في نظرهم. هذا خطر كبير للغاية.لذلك فإن أولى ثمار الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو أن تبقي الحسنة حسنة و السيئة سيئة. من جانب آخر، لو انتشر الإثم في المجتمع و اعتاد الناس عليه، فإن من يكون في رأس المجتمع و يريد دعوة الناس إلى الخير و الصلاح و المعروف و الحسنات سيواجه الصعاب، أي لا يستطيع أن يقوم بهذا العمل بيسر، أو يجبر على أن يقوم بهذا العمل عن طريق دفع ثمن کبیر. و هذا أحد عوامل عدم نجاح مساعي أمير المؤمنين - مع ما كان يتمتع به من قوة و عظمة - في مواصلة طريقه و أدى بالتالي إلى استشهاد ذلك الرجل العظيم. الرواية التي أقرأها لكم، رواية عجيبة تهزّ كيان الإنسان. حيث يقول: لتأمرن بالمعروف و لتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم (12). أي ينبغي عليكم تطبيق مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيما بينكم و نشره و الالتزام به، فلو لم تقوموا بهذا الأمر، فسيسلط الله عليكم الأشرار و الفاسدين و العملاء. أي سيؤول زمام الأمور إلى أيدي الحجاج بن يوسف الثقفي و أشباهه تدريجياً! فالكوفة نفسها التي كان أمير المؤمنين على رأسها و کان يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يخطب في مسجدها، وصل بها الأمر إلى أن جاء الحجاج بن يوسف الثقفي في مسجدها، يخطب في الناس و يعظّهم حسب ظنه! فمن هو الحجاج؟ هو ذلك الرجل الذي لا فرق عنده بين دم الإنسان و دم العصفور! كان يقتل الإنسان كما يقتل الحيوان أو الحشرة بالراحة. قد أمر الحجاج ذات مرة و قال لأهل الكوفة بأن يجيئوا و يعترفوا بكفرهم و يعلنوا عن توبتهم عن الكفر، و من أبى قطع عنقه! لقد ابتليت الأمة بمثل هذه الضروب من الظلم العجيب الغريب الذي يفوق حدود الوصف و البيان. إذا لم يسد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في المجتمع، و شاعت فيه الأعمال المنكرة من سرقة و غش و خيانة و أصبحت جزءاً من ثقافة المجتمع تدريجياً، فستمهّد الأرضية إلى أن یأخذ الأشخاص غير الصالحين بزمام الأمور. طبعاً للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر دوائر مختلفة أهمها دائرة المسؤولين، أي عليكم أن تأمرونا بالمعروف و تنهونا عن المنكر. فعلى الجماهير مطالبة المسؤولين بالعمل الصالح، و ليس ذلك عن طريق الرجاء و الدعوة، بل عليهم أن يطالبوهم. هذه من أهم الدوائر. طبعاً ليست هذه هل الدائرة الوحيدة، بل هناك دوائر مختلفة.لا تقتصر قضية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، على النهي عن المنكر فحسب، بل هناك الكثير من الأعمال الصالحة و الأمر بها أيضاً. فبالنسبة للشباب يعتبر التحصيل العلمي، و التعبّد، و التحلّي بالأخلاق الفاضلة و التعاون الاجتماعي و الرياضة بأسلوبها الصحيح و المعقول و مراعاة الآداب و التقاليد الحسنة في الحياة، كل ذلك يعتبر من المحاسن و ثمة الكثير من المسؤوليات الصالحة و الأعمال الكبيرة بالنسبة للرجال و النساء و الأسرة. فحيثما دعوتم أحداً للعمل بواحد من هذه الأعمال الصالحة - تقولون له و تطالبونه - فهو يعتبر أمراً بالمعروف. لا يقتصر النهي عن المنكر على الردع عن الذنوب الشخصية فحسب، بمجرد أن نتحدث عن النهي عن المنكر، يتبادر إلى الأذهان أن هناك شخصاً ما يسيء التصرف في الشارع أو يرتدي زيّاً غير مناسب، فيأتي من ينهاه عن ذلك. النهي عن المنكر لا يقتصر على ذلك، بل هو معشار العشر منه.النهي عن المنكر يشمل كافة المجالات المهمة. منها على سبيل المثال، الأعمال التي يقوم بها المتمكنون، و سوء استغلال المصالح العامة، و تدخّل علاقات الصداقة في الشؤون العامة للبلاد، أو الواردات و الشركات و استغلال المصادر الإنتاجية و غيرها، و ترجيح المسؤولين للعلاقات الشخصية. قد يرتبط التجار و الكسبة بعلاقات صداقة و تعاون فيما بينهم، فلذلك شأنه، و قد يقيم مسؤول حكومي يتمتع بصلاحيات و مقومات السلطة علاقة خاصة مع شخص آخر، فهذا هو الممنوع و المحذور و ما يعتبر في عداد الذنوب، و ينبغي على كل من يطّلع على هذه الممارسات النهي عنها في حدود دائرته أو القسم الذي يعمل فيه، سواء إزاء رؤسائه أو مرؤوسيه، كي يضيّق الخناق على أولئك الانتهازيين.كما يمكن ممارسة النهي عن المنكر في إطار العائلة أيضاً، ففي بعض العوائل تنتهک حقوق النساء و الشباب و الأطفال. لا بد من تنبيه هذه الأسر و مطالبتهم بالالتزام بهذه الحقوق. لا يقتصر إهدار حقوق الأطفال على عدم إبداء المحبة لهم، كلّا. بل إن سوء التربية و الإهمال و عدم الاهتمام بهم و قلة العاطفة و غيرها تعتبر أيضاً ظلماً بحقهم.ثمة منكرات شائعة على صعيد المجتمع و يمكن النهي عنها و لا بد من النهي عنها. و هي من قبيل: إهدار الثروات العامة و الحيوية، و إهدار الطاقة الكهربائية، و إهدار المحروقات و المواد الغذائية و الإسراف في استهلاك الماء و الخبز. فنحن لدينا هذه الكميات الكبيرة من بقايا الخبز و مخلفاته، و هذا بحد ذاته يعد منكراً، إنه يعد منكراً في البعد الديني و الاقتصادي و الاجتماعي، و من الواجب النهي عن هذا المنكر أيضاً. بوسع أي فرد و بأي طريق ممارسة هذا النهي عن المنكر، فبوسع مسؤول بشكل، و بوسع بائع الخبز بشكل، و بإمكان عامل خباز بشكل آخر. استناداً لبعض الإحصائيات التي لدينا، فإن كمية الخبز التالف عندنا یعادل كمية القمح الذي نستورده من الخارج! أليس هذا من دواعي الأسف؟! كل هذه الأمور تعد من المنكرات و من الواجب النهي عنها. وفقاً لما ورد في نهج البلاغة، فقد جعل أمير المؤمنين (ع) النهي عن المنكر أحد المحاور الرئيسية لتوجيهاته. فيما يتعلق بالمسؤولين، هناك نهج و سلوك و توجيه الأوامر و تعيين أصول، و فيما يتعلق بعامة الناس، ينبغي حثهم على المشاركة و النشاط و الشعور بالمسؤولية و القضايا الاجتماعية و ذلك من خلال الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.على عاتقنا مسؤولية كبرى. لقد ضحى أمير المؤمنين بنفسه الكريمة في سبيل تلك المسؤولية. كما سخّر حياته بأكملها منذ تمكنه من بذل الجهود - منذ أن أسلم في صباه و حتى نهاية حياته سواء في مكة أو المدينة، أو في المراحل القادمة أو فترة خلافته - و لم يتوقف على الجهاد و السعي في سبيل الله و لو للحظة واحدة. إن أمير المؤمنين هو الأسوة الحقيقية لكل إنسان سام يريد أن يحلق في سماء جميع ظواهر العالم و لا يرى وجوداً لأي شيء يقف في طريقه و يكبّله.قد ابتلي المجمتع البشري في هذه الأيام بمصاب ذلك الرجل العظيم. يروي الأصبغ بن نباته (13) أنه لما أصيب أمير المؤمنين و كان في داره، دخلت عليه، فوجدته متعصباً بعصابة و قد أصفر لونه و تغيرت ملامحه و هو مستلق یستریح. لم تكن صحته على ما يرام. في الوقت نفسه سمح للناس الذين كانوا قلقین علیه بالدخول. فكان يأتي الجميع و يسلمون عليه، في تلك الأثناء حيث بدت ملامح الإرهاق و سريان السم في بدنه حتى وصل إلى قدمي ذلك العظيم، خاطب الناس قائلاً: سلوني قبل أن تفقدوني (14). فلم يتوقف عن السعي و الجهاد حتى في آخر لحظات حياته. ثم اتبعها بالقول: لكن خففوا علي... إمامكم ليس على ما يرام. صلى الله عليك يا أمير المؤمنين!اللهمّ! نقسم عليك بمحمد و آل محمد أن تجعلنا أتباعاً حقيقيين لهذا الرجل العظيم. اللهم! إنا نسألك بمحمد و آل محمد أن لا تجعل أفعالنا و سلوكنا سبباً في إضعاف الإسلام و سبيل أمير المؤمنين (ع)، و أحينا على ذلك السبيل و أمتنا عليه و انصر الإسلام و المسلمين. اللهم! اغفر لنا و احلل عقد حياة الناس و وفق الحكومة الإسلامية و المسؤولين في الحكومة الإسلامية و المسؤولين في بلدنا الإسلامي لأداء واجباتهم و أعمالهم.بسم الله الرحمن الرحيم(قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد)(15)بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيّدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما على أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنة و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و الخلف القائم المهدي حججك على عبادك و أمنائك في بلادك و صل على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله و استغفر الله لي و لكم.أوصيكم ثانية أيها الإخوة و الأخوات من المصلين بتقوى الله. يتركز حديثنا في هذه الخطبة حول القضية الفلسطينية، و يرجع السبب في ذلك إلى أن قضية فلسطين تمثل اليوم القضية الأولى بالنسبة للعالم الإسلامي. على الأمة الإسلامية اليوم، و خاصة البلدان القريبة من فلسطين - مثل شعبنا و بلدنا - أن تأخذ هذه النقطة بعین الاعتبار، و هي أن الصهاينة المهيمنين على فلسطين و الغاصبين لفلسطين و حماتهم يسعون للإيحاء بأن ما يجري داخل فلسطين، هو قضية داخلية تهمّ حكومة إسرائيل الغاصبة، و هي ليست كذلك أبداً. فلو أن أحد لم يثر داخل فلسطين، لكان العالم الإسلامي عدواً للصهاينة و حماتهم، من أجل القضية الفلسطينية، فما بالك لو ثار الشعب الفلسطيني و دخل الساحة بكل وعي.فلسطين هي قضية العالم الإسلامي و ذلك لسببين: الأول هو أن فلسطين جزء من الأرض الإسلامية. و لا خلاف بين المذاهب الإسلامية المعروفة أو بين الفقهاء على أنه لو سلب جزء من أرض الإسلام من قبل أعداء الإسلام و هيمنوا على ذلك الجزء، فعلى الجميع أن يرى من واجبهم السعي و الجد لاستعادة ذلك الجزء و إعادته إلى أرض الإسلام. لذلك فإن الشعوب الإسلامية في كل أنحاء العالم تدرك هذا الواجب. طبعاً لا يستطيع الكثيرون القيام بعمل ما، لكن على كل من یتمکن و بأي شكل من الأشكال أن يتحرك، و سوف يحرك. لهذا السبب تلاحظون أن العالم الإسلامي برمّته يرحّب بيوم القدس العالمي الذي عيّنه الإمام الراحل في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك - يوم الجمعة القادم - و ستشهدون بفضل الله و منته أن مراسيم يوم القدس لهذا العام ستفوق ما جرى خلال السنوات الماضية حماساً و صلابة في جميع العالم الإسلامي.و الثاني: هو أن إقامة الدولة اليهودية - أو بتعبير أدق الصهيونية - في هذه البقعة من العالم الإسلامي كان لغاية استكبارية بعيدة المدى. فالغاية الأساسية من إقامة هذه الدولة في هذه المنطقة الحساسة التي تمثل قلب العالم الإسلامي تقريباً - أي تربط الشطر الغربي من العالم الإسلامي و هو أفريقيا بشطره الشرقي و هو الشرق الأوسط و آسيا و المشرق الإسلامي و هو مفترق طرق بين آسيا و أفريقيا و أوربا - إنما كان لإبقاء هيمنة المستعمرين في تلك الأيام - و في مقدمتهم بريطانيا - على العالم الإسلامي و الحد من إقامة دولة إسلامية مقتدرة - كالحكومة العثمانية في وقتها - بوسعها الحيلولة دون نفوذ المستعمرين و انگلترا و فرنسا و الآخرين في هذه المنطقة. لذا فقد أقاموا قاعدة لأنفسهم. استناداً للوثائق التاريخية فقد كانت إقامة الحكومة الصهيونية هناك طموحاً استعمارياً للحكومة البريطانية قبل أن يكون أملاً لليهود. هناك قرائن تؤكّد أن الكثير من اليهود كانوا يعتقدون بعدم الحاجة لهذه الدولة، و إن هذه الدولة ليست لصالحهم، و كان ذلك عاملاً لتملّصهم منها. لذلك لم يكن ذلك حلماً و فكرة يهودية و إنما هو دسيسة استعمارية بريطانية، أصبحت بعد ذلك تركة استولت علیها أمريكا بعد استحواذها على الإرث الاستعماري حينما اختطفت مقاليد السياسة الاستعمارية من بريطانيا و استفادوا منها قدر استطاعتهم و لا زالوا يستفيدون منها لحد الآن. لذلك إنقاذ فلسطين و محو الحكومة الصهيونية قضية تنسجم و مصالح شعوب المنطقة، و منها مصالح بلدنا العزيز إيران. الذين وضعوا مقارعة الهيمنة الصهيونية ضمن برامجهم منذ اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية إنما التزموا بذلك بعد تدقيق. لقد اتخذ هذا البرنامج وفقاً للمصالح العامة للبلد و الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني. و هذا هو الحال في البلدان الأخرى. فجميع المثقفين و الساسة أصحاب الأفكار المتحررة في البلدان الإسلامية و جميع الذين لم تتدنّس أيديهم بالعمالة لأمريكا، يعتقدون بوجوب الوقوف أمام إسرائيل؛ أي إنهم يرون ذلك جزءاً من مصالح بلدانهم.إن قضية فلسطين ليست قضية داخلية بالنسبة لتلك الدويلة الغاصبة المزورة، بل إنها قضية عالمية رئيسية. الجدير بالاهتمام هو أن الجيل الفلسطيني الجديد قد أدرك الحقيقة. و أية حقيقة هي؟ إنها حقيقة أنه لو أراد التغلّب على الذل و الهوان و الاحتقار و الضغوط المفروضة عليه فلا سبيل لذلك سوى الجهاد و المقاومة، و ليس الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إذ لم يحصل المفاوضون على أي شيء.من جانب آخر لقد بلغ سلوك الصهاينة من الوحشية و البعد عن موازين الرحمة و المروءة الإنسانية درجة أثارت سخط الجيل الشاب الفلسطيني بشكل طبيعي، و لم يعد بوسعهم التحمل و الصبر. يتوهم الصهاينة أن بوسعهم إخماد صوت الشعب الفلسطيني إذا ما استخدموا المزيد من العنف و لجأوا إلى الدبابات و المدفعية و الأسلحة الكيمياوية. أجل بإمكانهم ممارسة المزيد من الضغوط و إسكات الشعب الفلسطيني لفترة من الزمن، لكن ليس بوسعهم القضاء على عقدة الغضب الكامنة في القلوب، فهي ما لا يمكن محوه، و هي التي ستتمخض عن زمجرة و غضب يطيح بعروشهم. و لا يستطيعون اقتلاع جذور هذه الحركة. النقطة الثانية المهمة للغاية هي أن هذه النهضة قد أطاحت بكل حسابات الدولة الصهيونية الغاصبة. لأن هذه الحسابات قامت على أساس أن الشعب الفلسطيني ليس لديه القابلية و الإرادة و العزيمة و الفاعلية للمواجهة بعد أن مورست بحقه كل تلك الضغوط منذ البداية و تمّ تشريد أكثر من نصف الشعب الفلسطيني الأصليين إلى الخارج و مضت سنوات متمادية. و في الوقت الحاضر أصبحت هذه الحسابات سراباً و انهارت قواعدها. فإذا ما صمم الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يسكنون في فلسطين - و ليس الفصائل الفلسطينية التي تقيم خارج الحدود الرئيسية لفلسطين ممن يسكنون في لبنان أو الأردن أو مناطق أخرى - على مقارعة هذا الكيان فلن يبقى أي أثر لتلك الأجواء الآمنة التي اتخذوها على أنها الجنة الموعودة بالنسبة لهم و استقطبوا إليها المهاجرين غير الفلسطينيين أي المهاجرين اليهود من شتى أنحاء العالم. لقد أنهارت حساباتهم فاضطرت حكومتهم للاستقالة. يمكن أن يظنوا في حساباتهم بأنه يجب علیهم ممارسة المزيد من الضغوط و المجيء بحكومة أكثر قسوة. غير أن ذلك خطأ. فليست القضية بتلك البساطة، بل هي قضية عظيمة يرتبط بها مصير العالم الإسلامي و جميع البلدان الإسلامية، خاصة الدول التي هي على قرب من بؤرة الخطر و من هذه الغدة السرطانية. في شهر رمضان هذا أيضاً تمادى الصهاينة في ارتكاب الجرائم. أنتم تلاحظون أن الأطفال الصغار ذوي السنة أو السنتين و اليافعين و الشباب و الكهول و المرضى يشكلون ضحايا هذه الأحداث، و هذا ما يثبت مناهضة عدو الإسلام و المسلمين - أي الزمرة المهيمنة على هذا الجزء من العالم الإسلامي - للأعراف الإنسانية و حقوق الإنسان. و في الوقت ذاته يعلن أعضاء الكونغرس و و النخبة من الساسة في أمريكا بصراحة عن دعمهم لهؤلاء! إنهم يقومون بهذا العمل، و يعبرون عن مكنوناتهم التي تمثل سياستهم و طبيعتهم ذاتها في دعمهم لهؤلاء المفسدين ذوي الطبيعة الشيطانية الوحشية. لا يتوقع منهم أكثر من ذلك، لكن على شعوب العالم أن یعبروا من موقفهم. و لحسن الحظ فإن شعبنا يتحلى بالوعي و اليقظة الكاملة. على شعوب العالم التي طالما سمعت من أمريكا في القضايا المختلفة شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان و حقوق الأكثرية و الدفاع عن الديمقراطية حسب ظنهم حيث كانوا يفخرون بها، عليهم أن يشاهدوا الوجه القبيح الحقيقي للسياسة الأمريكية من خلال مرآة فلسطين.لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أفصحت منذ اليوم الأول عن موقفها تجاه هذه الظاهرة القبيحة. موقف الجمهورية الإسلامية هو ما صرح به الإمام الراحل و المسؤولون مراراً و أكدناه مراراً و هو أنه يجب استئصال هذه الغدة السرطانية - إسرائيل - من المنطقة. و لهذا الموقف معادلة إنسانية تماماً تحظی بالقبول و هي عودة جميع أبناء الشعب الفلسطيني - لا أولئك الناس الذين قدموا إلى فلسطين من مختلف أنحاء العالم - الذين يعيشون في المخيمات و سائر دول العالم إلى فلسطين، و عليهم تعيين حكومتهم التي يجب أن تتشكل من قبلهم. طبعاً من الواضح أنه ليس هناك فلسطيني - سواء كان مسلماً، حيث أن غالبيتهم من المسلمين، أو مسيحياً أو يهودياً حيث يشكلون الأقلية - يرتضي أو يسمح بأن تأتي شرذمة من صعاليك أزقة لندن أو العوائل البائسة في موسكو أو أمريكا ليقيموا دولة في فلسطين و يتحكموا بأبنائها. من الواضح أن الشعب الفلسطيني و العالم الإسلامي يرفضان أن تأتي تلك الجماعة من الأراذل الذين لا يحسنون سوى الاعتداء و الضرب و العمل بما يرغبه الصهاينة و اليهود للتحكم بفلسطين. هذا ما يرفضه الشعب الفلسطيني و العالم الإسلامي أيضاً. هذه المعادلة، معادلة يتقبلها العالم. الذين يقولون بأنهم يحترمون أصوات الشعب و الديمقراطية... حسناً، هذه هي الديمقراطية! هذه المنطقة من العالم لها أهلها الذين لا يزالوا أحياء و هنالك بضعة ملايين يسكنون هناك و بضعة ملايين يسكنون خارجها - في لبنان و الأردن و المناطق الأخرى - فليأتي هؤلاء و يجتمعوا هناك و ينتخبوا حكومتهم بأنفسهم... هذا أسلوب في غاية الصواب. واضح جداً أن الحكومة الصهيونية التي تحكم اليوم و أية حكومة صهيونية أخرى لا حق لها في البقاء و التسلط على أرض فلسطين. نحن نقول لإخواننا الأعزاء في فلسطين الذين يواجهون المشاكل: إذا ما قاومتم و صبرتم فإنكم ستنالون الأجر و الثواب بالإضافة إلى الانتصار. فالنصر يقترن دوماً بالصبر و السير في سبيل الله ( و لينصرن الله من ينصره)(16). و لا شك في ذلك، طبعاً فإن النصر آت. لكن عليهم أن يتحلوا بالصبر و الجد. و نقول للشعوب و الدول الإسلامية إن المسؤولية الشرعية المفروضة على الشعوب و الدول هي أن تمد يد العون لتلك الجماعة المؤمنة و ذلك الشعب المظلوم، و أن لا يتركوهم وحيدین في الساحة. طبعاً هناك مساعدات نأمل أن يتم وضعها في محلها و أسأل الله أن يكون لها الأثر النافع في التخفيف من آلام الشعب الفلسطيني إن شاء الله. نسأل الله تعالى أن يعالج مشاكل الإسلام و المسلمين و الشعب الفلسطيني.بسم الله الرحمن الرحيمإذا جاء نصر الله و الفتح. و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. فسبّّح بحمد ربّك و استغفره أنه كان توّاباً. (17)و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1 - نهج‏البلاغه، رسالة 532 - سورة آل عمران: الآية1103 - نهج‏البلاغه، خطبة 2244 - نهج‏البلاغه، خطبة 2245- نهج‏البلاغه، خطبة 2006- نهج‏البلاغه، رسالة 57- نهج‏البلاغه، رسالة 538- نهج‏البلاغه، رسالة 539- نهج‏البلاغه، رسالة 5310 - نهج‏البلاغه، رسالة 5311- تفسير الصادقى، ج 1، ص 33912- تهذيب الاحكام، ج 6، ص 17613 - بحارالانوار، ج 40، ص 4514- كتاب سليم‏ بن قيس، 80215- سورة التوحيد:الآية 1 - 316 - سورة حج - الآية 4017 -سورة نصر: الآية 1 - 4
2000/12/14

كلمة الإمام الخامنئي في مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين. سيما بقية الله في الأرضين. قال الله تبارك و تعالى: ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً. و داعياً إلى الله بإذنه و سراجاً منيراً. و بشّر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً. و لا تطع الكافرين و المنافقين و دع أذاهم و توكّل على الله و كفى بالله وكيلا). أشعر بالسرور و أحمد الله تعالى على أن وفقني بعد انقطاع أقصر من الانقطاعات السابقة، للالتقاء بکم أيها الأصدقاء الأعزاء و الإخوة و الأخوات الكرام، و المسؤولون الكبار في نظام الجمهورية الإسلامية و حاملو عبء المهمة و المسؤولية العظیمة في هذا الزمان، و أن سنحت لي الفرصة سأتحدث عن بعض القضايا التي اعتقد أنها مفیدة إن شاء الله تعالى. كما أشكر سماحة السيد خاتمي - رئيس جمهوريتنا العزيز - فقد كان حدیثه حدیثاً جیداً. ما بيّنه حول عزم الحكومة و المسؤولين على متابعة و مكافحة التفرقة و الفقر و الفساد و حل مشاكل الشعب الاقتصادية، من الأمور المهمة للغاية حقيقة. أسأل الله تعالى أن يوفق المسؤولين في المجالات المختلفة للقيام بواجباتهم و بلوغ أهدافهم؛ لا سیما القطاعات الاقتصادیة، وزارة الاقتصاد و المالیة، البنک المرکزی، و مؤسسة الإدارة و التخطيط و المؤسسات التابعة لها، و أسأل الله تعالى أن يوفقهم جميعاً. إنها فرصة استثنائیة بین أیدینا. ما كتبته اليوم هو أن هذه المجموعة التي تضمّنا - و التي تتكون من المسؤولين الكبار للقطاعات و المؤسسات المهمة و الرئيسية في الجمهورية الإسلامية، قد أتيحت لها فرصة فريدة كي نتمكن من تحقيق الأهداف الإلهية و الإسلامية في جزء مهم من العالم. أعني إيران العظيمة و العزيزة. لكن فرصة الوصول إلى السلطة التي سنحت لكم اليوم أيها الحضور في القطاعات المختلفة، تختلف عن الوصول إلى السلطة في الأعراف السياسية العالمية. هم لا يزعمون هناك أنهم يريدون تحقيق الفلاح و الصلاح و التقدم للبشرية و ما شابه ذلک و لا يزعمون أنهم يريدون منح السعادة للإنسان. المراكز الثقافية و السياسية في العالم قد تصرح رسمياً بأنها تعارض المجتمعات القائمة على أساس العقيدة و الدين و الفكر الأصيل. من الواضح عندما لم يكن الأصل قائماً على أساس الفكر المنظم و المدوّن، فإن الأهداف ستكون تابعة للأحداث و التطورات العالمية و الميول الشعبية و الفئوية أيضاً، لهذا لا يمكن لأحد أن يدعي بأنه يهدف إلى تحقيق المبادئ السامية التي تحتاج إليها البشرية، هم لا يدعون ذلك أيضا. لكن الأمر يختلف بالنسبة لنا، لأننا ندعي ذلك. إن مسؤولي النظام دخلوا هذه الساحة راجين أن يتمكنوا من تحقيق جزء من الأهداف الإلهية التي يؤمنون بها على الصعيد العملي. مثل هذه الفرصة لم تتح منذ صدر الإسلام و إلى الآن. فهي فرصة استثنائية و فريدة جداً. ينبغي علينا أن نغتنم هذه الفرصة أینما کنا - سواء في السلطات الثلاث أو كافة الأقسام الإدارية الأخرى في البلد - و أن نعمل علی تحقيق الأهداف و المبادئ الإسلامية ما بوسع مسؤولي إدارة أمور البلد و قدراتهم، و هي في الحقیقة قدرات كبيرة. لهذا هناك واجبات تقع على عاتقنا. فما هي هذه الواجبات؟ لقد كتبت بعض النقاط في هذا المجال و طبعاً لا أريد أن أخوض في التفاصيل و الجزئيات، بل سوف استعرضها كقائمة من العناوين. علينا مسؤوليات عامة، سواء أكان ذلك بصفتنا دولة و حكومة أو كأشخاص مسلمين. و لكن لهذه الواجبات أساس فكري. هذه هي خصوصية الفكر الإسلامي و العقيدة الإسلامية و الدينية. عندما نناقش قضايا من قبيل الحرية، أو الانتخاب و إرادة الشعب في المجتمع، أو أية واحدة من السياسات العامة، فلا بد أن نعلم بأن لكل منها أساس. لو تساءلنا لماذا يحق للناس التصويت؟ فلا بد من وجود دلیل فكري و منطقي، ليكون السبب واضحاً. كل ما يشكل الخطوط الرئيسية للبرامج في مجال التخطيط، يتصل مباشرة برافد الفكر الإسلامي و وجهة النظر الإسلامية و البصیرة الإسلامية التي تمثل إيماننا و عقيدتنا و ديننا، و نقوم نحن بأداء وظائفنا و واجباتنا على أساس توضیح هذا المفهوم. فما هي هذه الأسس الفکریة؟ باختصار شدید علينا أن نبدأ من هنا، أي من الخطوط الرئيسية للبصیرة الإسلامیة و وجهة نظرها حول الكائنات و العالم و الإنسان. هذا لا یتوقف علی دین الإسلام فحسب، بل جمیع الأدیان، إن لم تکن محرّفة، تتمتع بهذه البصیرة في أصولها و جذورها. و دین الإسلام لم یحرّف و إنما يستند علی مصادر موثقة، في حین يمكن أن تخلو سائر الأديان من مثل هذه المميزات. المنظومة المعرفية هذه التي نستمد منها الخطوط الرئيسية لمنهجنا و واجباتنا - أي النظرة الكونية و الفكرية الإسلامية - لها فصول متعددة، و جمیعها مؤثرة في سلوك المرء فرداً كان أو حكومة، و اكتفي هنا بعرض خمس من أكثر هذه النقاط أهمية. إحدى هذه النقاط هي التوحيد. التوحيد يعني الإيمان بأن هذا التركيب المعقد و المدهش و المنظم للكائنات و عالم الخلقة، من مجرات و أفلاك و حفر سماوية عظيمة و كرات لا عدّ لها و لا حساب و ملايين المنظومات الشمسية إلى خلايا البدن الصغيرة و ذرات المواد الكيماوية - تلك التي تتميز بنظام دقيق في هذا التركيب العظيم و المتنوع المعقد الذي تم استنباط آلاف القوانين منه. فعندما یکون النظام خاضعاً للقانون الدقيق فسيستمد منه قوانین تکوینیة لا تقبل الخطأ - نابعة من فکر و تدبیر و قدرة و لم تخلق بالصدفة. كل إنسان عاقل و فكر سلیم و خال من الریب و التردد، و بعید عن اتخاذ القرارات السریعة، یقبل ذلک. النقطة التالية هي أن هذا الفكر و هذا التدبير و هذه القدرة العظيمة اللامتناهية و التي لا توصف، و التي أبدعت هذا التركيب العجيب و المعقد، ليس الصنم الفلاني من صنع الإنسان و لا بشراً محدوداً يدعي الألوهية أو شخصية رمزية أو أسطورية، و إنما هي ذات الواحد الأحد المقتدر الأزلي الذي تسميه الأديان إلهاً و يعرف بآثاره. فإذن إثبات هذه القدرة و الإرادة و الدقة الموجودة وراء هذه الهندسة العظيمة و المعقدة و إثبات أن ذلك المهندس المنقطع النظير و الذي لا يوصف، لا يشبه تلك الأشياء الصغيرة التافهة المستعملة التي يصنعها الإنسان بنفسه أو على صورته و التي تتسم بصفة الزوال كصانعها، بل (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عمّا يشركون). كافة الأديان مشترکة في هذا الجانب من النظرة الكونية، سواء الأديان القديمة، أو الإبراهيمية، أو ما قبل الإبراهيمية، و حتى تلك الأديان الهندوسية المشوبة بالشرك الموجودة حالياً. الذي ينظر إلى الفيدا، فإنه يجد فيها عرفاً توحيدياً خالصاً تزخر به كلمات الفيدا، مما يدل على أنها تنبع من مصدر شفاف و زلال. لهذا فإن التوحيد هو الركن الرئيسي لفكر و نظرة و انطباع هذا الإسلام الذي نريد أن نقيم هذه الحكومة و هذا النظام على أساسه. الركن الثاني، هو تكريم الإنسان، أو يمكن أن نسميه محورية الإنسان. طبعاً محورية الإنسان في الفكر الإسلامي تختلف تماماً عن محورية الإنسان في أوربا في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر الميلادي. فهذا شيء، و ذلك شيء آخر ذلك يسمى أيضاً محورية الإنسان. إنهما يتشابهان في الاسم فقط. إذن محورية الإنسان في الإسلام، ليست محورية الإنسان في أوربا على الإطلاق، فهي شيء آخر. (ألم تروا أن الله سخّر لكم ما في السموات و ما في الأرض).(3) من يقرأ القرآن و نهج البلاغة و المصنفات الدينية، فإنه سيشعر جيداً بهذا الانطباع الذي يوحي بأن كل هذا الكون و هذا الوجود الواسع يقوم على أساس محورية الإنسان كما يرى الإسلام. هذه هي محورية الإنسان. لقد جاء في الكثير من الآيات، أن الله تعالى سخّر لكم الشمس و القمر و البحر، و لكن هناك آيتان في القرآن الكريم توضحان هذا التعبير الذي ذکرته. أي (سخّر لكم ما في السموات و ما في الأرض ) (4). فما المراد بالتسخير؟ يعني أنكم الآن مسخرون بالفعل للسموات و الأرض و ليس بوسعكم التأثير عليهما. لكن بالقوة فإنكم خلقتم بشكل و خلقت عوالم الوجود و الكائنات بشكل آخر. بحيث تكون مسخرة لكم. فما معنى مسخّرة؟ أي في قبضة أيديكم و بوسعكم الاستفادة منها بأحسن وجه. هذا يدل على أن هذا المخلوق الذي سخّر الله له السموات و الأرض و الكواكب و الشمس و القمر، لا بد أن يكون عزيزاً و مكرماً جداً من حيث الخلقة الإلهية، و هو ما جاء في قوله تعالى (و لقد كرمنا بني آدم)(5). فهذا التكريم الذي جاء في القرآن هو تكريم يشمل مرحلة التشريع كما يشمل مرحلة التكوين، التكريم التكويني و التكريم التشريعي بتلك الأمور التي عينتها الحكومة الإسلامية و النظام الإسلامي للإنسان، أي إن الأسس هي أسس إنسانية تماماً. النقطة الثالثة من النقاط الرئيسية و الأساسية في الرؤية الإسلامية هي قضية استمرار الحياة بعد الموت. أي إن الحياة لا تنتهي بالموت. هذا المعنى يعد من الأصول الفكرية في الإسلام بل و في كافة الأديان الإلهية و له تأثير كبير. كما ذکرت، فإن كافة هذه الأصول الفكرية تؤثر في تنظيم العلاقات الاجتماعية و ترسيخ أسس الحكومة الإسلامية و في إدارة المجتمع و العالم. نحن سندخل مرحلة جديدة بعد الموت. الإنسان لا يفني، بل ينتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى، ثم تقوم في تلك المرحلة القيامة و يوم الدين و الحساب و غيرها من هذه الأمور. النقطة الرابعة من النقاط الرئيسية في هذه النظرة الكونية، هي عبارة عن تلك الموهبة اللامحدودة للإنسان في توفير كل ما يحتاج إليه المؤمن من أجل الوصول إلى الرقي. لدى الإنسان موهبة تساعده على الوصول إلى ذروة كمال حياة الممكنات و هو ما لا تتمتع به سائر الكائنات و معنى أحسن تقويم في الآية الشريفة (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) لیس المراد منه التناسق بين الرأس و القلب و العين و البدن مثلاً. فهذا لا يقتصر هذا على الإنسان، بل يتميز به كل حيوان أيضاً. في أحسن تقويم يعني خلقنا الإنسان في أحسن مقياس، أي ذلك المقياس الذي لا يقف عند حد أو نهاية في نموه. فهو يذهب في عالم الوجود إلى حيث لا يوجد ما هو أبعد منه، أي إنه يستطيع أن يفوق مرتبة الملائكة و الكائنات العالية و غيرها. عندما تريد البشرية أن تطوي هذا المسير، فلا يمكن ذلك إلّا باستخدام إمكانيات عالم المادة. و هذا من المسلمات، و لهذا يقول (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)، لذلك فإن حركة التعالي و التكامل الإنساني ليست في فراغ، بل عن طريق استخدام الإمكانيات المادية، أي يسيران معاً. بمعنى أن ازدهار الإنسان مواز لازدهار عالم المادة و عالم الطبيعة، حيث يؤثر أحدهما في ازدهار الآخر و يؤدي إلى تحولات مدهشة. النقطة الأخيرة التي أريد أن أذكرها في هذا المجال من الفكر الإسلامي، هي أن الإسلام و الرؤية الإسلامية، ترى أن العالم يسير نحو حاكمية الحق و الصلاح لا محالة، و لا مساومة فی ذلك. كما أشرت سابقاً - و الآن لا يمكنني أن أبين ذلك سوى عن طريق الإشارة، لأن المقام لا يحتمل التفصيل - فإن كافة الأنبياء و الأولياء قد جاءوا ليقودوا الإنسان نحو هذا الطریق الرئیسي، عندما یطأوون هذا الطریق، سيظهر جمیع مواهبهم، و قد قام الأنبياء و الأولياء بهدایة الضالين دوماً إلی هذا الطریق و صدّهم عن سبل الضلال و منعهم من الطرق الوعرة من الصحاري و الجبال و الودیان. لكن البشرية لم تصل بعد إلى هذا الصراط المستقيم، و سیتحقق ذلک في زمن الإمام المهدي المنتظر أرواحنا فداه. كافة هذه المشاعر و المحاولات تبذل على أساس هذه الرؤية التي تقول بأن نهاية هذا العالم هي انتصار الصلاح و لربما كان ذلك عاجلاً، أو آجلاً و لكنه حادث لا بد منه. و سيقهر الصلاح الفساد في نهاية المطاف و ستتغلب قوى الخير على الشر، هذه هي نقطة من نقاط الرؤية الإسلامية التي لا ريب فيها على الإطلاق. على هذا الأساس، فإن ذلك يؤدي إلى نتائج عملية و إلى مسؤوليات تقع على عاتق الذين يؤمنون بهذه الأسس. لا فرق في ذلك بين أن تكون الحكومة إسلامية و زمام الأمور و السيادة في أيدي أهل الحق أو أن تكون الحكومة غير الإسلامية - افترضوا أن تكون حكومة كالحكومة الطاغوتية البائدة أو كحال الإنسان الذي يعيش بين الكفار - فهذه المسؤوليات التي سأشير إليها تقع على عاتق كل إنسان في كلتا الحالتين. فما هي المسؤوليات التي تترتب على تلك الرؤية. لقد كتبت نقاطاً عدة سأبينها لكم هنا. الواجب الأول هو الإقرار بالعبودية و الطاعة لله تعالى. لأن العالم له مالك و خالق و مدبر و نُعتبر نحن جزءاً من أجزاء هذا العالم، فلا بد على الإنسان أن يطيع. طاعة الإنسان تعني تناسقه مع الحركة العامة للوجود و العالم. لأن جميع العالم (يسبح له ما في السموات و الأرض).(8) (قالتا أتينا طائعين).(9) فالسموات و الأرض و ذرات العالم كلها تلبي الدعوة و الأمر الإلهي تسير وفقاً للقوانين التي وضعها الله تعالى في الوجود. لو اتبع الإنسان القوانين و الواجبات الشرعية و الدينية التي علّمها الدين، فإنه ستحرك على نسق هذه الحركة الوجودية، لهذا سيكون تقدمه أكثر يسراً و اصطدامه بالعالم أقل و سيكون هو و العالم أقرب من السعادة و الصلاح و الفلاح. طبعاً المقصود بعبودية الله هو معناها الواسع الكامل، لأننا قلنا بأن التوحيد هو الإيمان بوجود الله و هو أيضاً نفي ألوهية و عظمة الأصنام و الأوثان المصنوعة و الناس الذين يدعون الألوهية و الذين لا يصرحون بذلك، لكنهم يمارسونه في أعمالهم. فإذن على الصعيد العملي، هناك واجبان، الأول امتثال أمر الله تعالى و عبودية خالق العالم و الثاني، الامتناع عن طاعة أنداد الله و كل من يريد أن يفرض حكمه على الإنسان في مواجهة سلطان الله. إن ذهن الإنسان ينصرف على الفور إلى تلك القوى المادية و الاستكبارية التي تمثل مصاديق ذلك بالطبع، لكن له مصداق أبرز و هو هوى نفوسنا. فشرط التوحيد هو عدم طاعة هوى النفس حيث أن هوى النفس هو أخوف ما يخيف و سأشير إلى ذلك لاحقاً. الواجب الثاني هو أن يسعى الإنسان لتحقيق الرقي لنفسه و للآخرين. سواء في المجال العلمي أو الفكري أو الروحي أو الأخلاقي أو الاجتماعي أو السياسي - أي رقي المجتمع - أو في المجال الاقتصادي، أي تحقيق الرفاهية في حياة الناس. يجب على الجميع أن يسعوا لتحقيق هذه الأمور. أعني تقدم العلم و تطوره للجميع، و سيادة الأفكار السليمة الصحيحة، و الرقي الروحي و المعنوي، و الخلق الكريم و مكارم الأخلاق، و التقدم الاجتماعي البشري - و لا يقتصر هذا على الأبعاد المعنوية و العلمية و الأخلاقية للفرد فحسب، بل ينبغي أخذ المجتمع بنظر الاعتبار أيضاً - و تقدم الشؤون الاقتصادية و الرفاهية للإنسان، و ينبغي عليهم أن يوفروا للناس وسائل الرفاهية و الاستفادة من إمكانيات الحياة أكثر فأكثر. هذا هو الواجب الذي يقع على عاتق الجميع، و لا يقتصر على حكومة أو سلطة بل هو واجب يترتّب حتى في عصر الحكومات غیر التوحیدیة. الواجب الثالث هو تفضيل الفلاح الأخروي على المصالح الدنيوية، لو تعارض أحدهما مع الآخر. فهذا أيضاً من الواجبات العملية على كل من يؤمن بتلك الرؤية العالمية، فلو وجدنا أحياناً أن المنفعة الدنيوية تتصادم مع الأهداف الأخروية، فإنه يجب على الإنسان أن يبذل قصارى جهده لجعل هذه المنفعة الدنيوية متناسقة مع الأهداف الأخروية. لكن إذا لا يتساو الأمران أحياناً، فعلى المرء أن یغمض عینه عن إحدى المصالح - سواء أكانت مادية أو سلطة أو منصب أو شهرة و غيرها - أو أن يرتكب إثماً يؤدي إلى الوزر الأخروي. شرط الإيمان بتلك النظرة هو أن على الإنسان أن يفضل الجانب الأخروي أي أن يتغاض عن تلك المصلحة و لا يرتكب ذلك الإثم. هذا واجب يقع على عاتق كل مسلم. كما أن على الإنسان أن يبرمج نشاطاته بحيث لا تتنافى مع الجهود الدنيوية العظيمة التي يبذلها في الحياة الدنيا و أن لا تکون متنافیة أیضاً مع الفلاح الأخروي و لامع الواجبات التي یمکن أن يؤدي عدم أدائها إلى الوزر الأخروي للإنسان. الواجب الرابع هو ضرورة الجد و السعي و الكفاح. أحد الواجبات الرئيسية التي تقع على عاتق كل إنسان - سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي متمثلاً في الحكومة أو السلطة - هو الجهاد، أي عليه أن يسعى دائماً و يجتنب الكسل و البطالة و اللامبالاة. فأحياناً ينشغل المرء بأحد الأعمال لكنه لا يشعر بالمسؤولية إزاء واجباته الأساسية و يقول: لا شأن لنا في ذلک. هكذا هي الانحرافات الناتجة عن هوى النفس. يجب على الإنسان عدم الخضوع لها. بل لا بد من مكافحة كسله و بطالته، و أن يبذل مساعيه و يتعرض للخطر في هذا السبيل. فهذه هي إحدى الواجبات. طبعاً يجب أن يكون هذا الجهاد، جهاداً في سبيل الله و هو ما سأبينه في النقطة التالية. الواجب الخامس و الأخير، هو الثقة بالنصر في كل الظروف، لكن بشرط أن يكون هناك الجهاد في سبيل الله، أي إنه لا يحق له أن يقنط، لأن النصر بانتظاره بالتأكيد. أما تلك الحالات التي لم يكن النصر فيها حليفه، فلأن الجهاد لم يكن في سبيل الله. أو لربما لم يكن ثمة جهاد في الأصل. فما هو شرط الجهاد في سبيل الله؟ هو أن يؤمن الإنسان بسبيل الله و أن يعرفه، لذلك يمكن له أن يجاهد في سبيله. هذه الواجبات تقع على عاتق الإنسان بصفته فرداً و على عاتق جماعة بصفتها حكومة. و كما قلت فإن ذلك لا يتعلق بمرحلة السلطة فقط و هذه الواجبات لا تقع علينا، لأن الحكومة الآن بيد جماعة من المؤمنين بالله و الإسلام، بل هي واجبات دائمية، حتى عندما لا يكون زمام الأمور بيد هذه الجماعة، بل بيد الأعداء و الطاغوت و المفسدين في الأرض. حتى في تلك الأحوال كان البعض يقوم بها و البعض الآخر لا يقوم بها مع اختلاف درجات و مستويات الأداء. أما الآن فهذه الواجبات تقع على عاتق كافة المسلمين، مع تفاوت في تحمل الواجبات بالطبع. لقد كان الواجب الرئيسي على كافة الأنبياء و الأولياء و الأئمة هو تبيين هذه الواجبات للناس سواء بالجهاد و إستلام الحكم و الإدارة بهذا الشكل أو حينما يعجزون عن استلام الحكم. لقد جاهد الجميع و قاوموا ( و كأین من نبي قاتل معه ربيون كثير)(10). الحرب و الكفاح السياسي و مواجهة الأعداء، لم تکن بدایته من الإسلام، كلّا. بل كان في عهد الأنبياء السابقين أيضاً، أي في عهد الأنبياء العظام الإلهيين منذ زمن إبراهيم و فيما بعد و لربما كان كذلك قبل إبراهيم عليه السلام و هو ما لا علم لي به. لهذا، فإن هذه الواجبات هي الواجبات التي يدعونا إليها الأنبياء. و لكن هذه المسؤولية تعتبر أکبر عظمة في دولة الحق و عندما تكون زمام الأمور بيد عباد الله، و المؤمنين بالله و سبيله. فلماذا؟ لأنه لا يمكن المقارنة بين إمكانياتكم كجزء من هذه الحكومة الآن و إمكانيات شخص مثلكم في عهد حكومة الطاغوت في أحسن أحوالها. لنفترض أن هذا القمع و هذا الکبت و التضليل من قبل وسائل الإعلام لم يكن موجوداً في حكومة الطاغوت، و أنهم كانوا يمنحون الإمكانيات دون معارضة كبيرة، و لا يمارسون ضدكم أساليب القوة و العسف. فإن الوضع الحالي - أي الوضع القائم للدولة الإسلامية - يبقى أفضل ألف مرة ربّما من أحسن الأحوال التي يمكن للإنسان فيها أن يقوم بنشر و متابعة و تحقيق المبادئ الإلهية في عهد الطاغوت. فإذن ينبغي تقدير كل ذلك. إقامة هذه الحكومة الإلهية و الإسلامية لهو من أصعب الأمور. ما حدث الآن، أي تمکنکم من تحقيق هذه الأهداف، لم يكن بالأمر اليسير. إنه لا بد من وجود مئات الظروف و تحقيق مئات الأوضاع و تناسقه مع بعضها البعض لیکون هناک حدث کالثورة الإسلامية. ليس من الممكن أن يقع حدث كهذا في أي زمان أو مكان أو في أي ظروف في أي بلد. كلّا. لقد تضافرت أحداث کثیرة و التحمت إحداها بالأخری في تاريخنا و في ظروفنا المعيشية و جماهيرنا و علاقاتنا الاجتماعية و عقائدنا و في وضع حكومتنا و في وضعنا الجغرافي و في العلاقات الاقتصادية و السياسية الدولية، حتى تمهّدت الظروف لقيام الثورة الإسلامية و انتصارها و هذه الظروف لا تتوفر بسهولة. إنه لمن المستبعد جدّاً أن تجتمع كل هذه الظروف حتى يقع مثل هذا الحدث. طبعاً هذا لا يعني أنه من المستحيل حدوث مثل هذا الأمر - فهو ممكن بالتأكيد في جميع الأمكنة لو توفرت الظروف - و لكن على كل حال توفرت هذه الظروف في بلدنا و وقع هذا الحدث و تعتبر هذه الظاهرة من الظواهر الثمينة و العريقة و العجيبة جداً، فلا بد من تقديرها. نحن نريد إقامة ذلك النظام و تلك التنظيمات و تلك الحكومات التي يمكن من خلالها تحقيق هذه الأهداف. هذا ما يتطلب مشواراً طويلاً و صعباً تمثل الثورة الإسلامية نقطة بدايته. عندما نتحدث عن الثورة، طبعاً لا نريد بها أن نؤکد علی المواجهات و الاضطرابات و الفوضى و غيرها، خلافاً لتلك الانطباعات التي نلاحظها عند البعض ممن يشعرون بالسرور لتلاعبهم بكلمة الثورة في البعض من كتاباتهم! هم أحياناً يريدون تصوير الثورة على أنها أعمال الشغب و الإضطرابات و الفوضى، ثم يقولون بأننا لا نريد الثورة، أي إن الثورة أمر سلبي! هذه أفکار خاطئة حول الثورة. فالثورة تعني التغيير الأساسي. طبعاً في أغلب الأحيان فإنه لا يمكن القيام بهذا التغيير الأساسي بدون تحديات صعبة و بلا ممارسة الضغوط، لكن هذا لا يعني أن الثورة لا بد أن تصحبها الاضطرابات و أعمال الشغب و غيرها. كلّا. و في الوقت ذاته، لا يمكن إطلاق اسم الثورة على كل شغب و اضطرابات و فوضی عامة أو جماهيرية، و لا على أي تحول. بل إن الثورة تعني تبديل الأسس الخاطئة إلی أسس صحيحة. هذه هي الخطوة الأولى. عندما تحققت الثورة، فسرعان ما سیتحقق بعده النظام الإسلامي. النظام الإسلامي أي تطبيق مشروع هندسي و شكل إسلامي عام في مكان ما. و ذلك كما حدث في بلدنا من إسقاط نظام ملكي استبدادي و فردي و وراثي و عميل و استبداله بنظام ديني شعبي متق بهذه الصورة التي أختارها له الدستور، أي النظام الإسلامي. و أما بعد قيام النظام الإسلامي فيأتي دور تشكيل الحكومة الإسلامية بمعناها الحقيقي، أو بتعبير أوضح، إيجاد نظام حكم و سياسة على النسق الإسلامي. لأن هذا غير متوفر منذ اللحظة الأولى، فلا بد من العمل على توفيره و تحقيقه تدريجياً. على المسؤولين و الحكام أن يكونوا متناسقين مع تلك المقررات و الشروط التي تتعلق بشخص مسؤول في الحكومة الإسلامية، أو أن يتم انتخاب أشخاص من هذا الطراز - إن كانوا - أو أن يعملوا على تكميل نقائصهم و يحركوا أنفسهم نحو الرقي. هذه هي المرحلة الثالثة التي نعبّر عنها بإقامة الحكومة الإسلامية. إذا قام النظام الإسلامي، فينبغي أن تكون الحكومة إسلامية. أي الحكومة بمعناها العام، و ليس بمعنى مجلس الوزراء فقط، بل بمعنى السلطات الثلاث و المسؤولين، و القائد و الجميع. المرحلة الرابعة - التي تأتي بعدها - هي البلد الإسلامي. فإذا ما أصبحت الحكومة إسلامية بکل معنى الكلمة، فإن البلد سيصبح إسلامياً بالمعنى الحقيقي للكلمة و سوف تتكرّس العدالة و يتم القضاء على التفرقة و التغلب على الفقر شیئاً فشیئاً، و تتحقق العزة الحقيقية لذلك الشعب و يحقق ذلك البلد المزيد من التطور على نطاق العلاقات الدولية. هذا هو البلد الإسلامي. إذا تجاوزنا هذه المرحلة، فإن المرحلة التالية هي مرحلة العالم الإسلامي. إذ يمكن إقامة عالم إسلامي من خلال البلد الإسلامي. إذا لم یتوفر النموذج، فمن الممكن خلق نماذج أخرى في العالم علی غراره. ففي أي مرحلة نحن الآن؟ إننا في المرحلة الثالثة، و لم نصل بعد لمرحلة البلد الإسلامي و لا يمكن لأحد أن يدعي بأن بلدنا بلد إسلامي. نحن صممنا نظاماً إسلامياً ثم قمنا بتطبیقه - و كلمة ( نحن ) تعني أولئك الذين قاموا بذلك - لدينا الآن نظام إسلامي مبادئه واضحة كما أن أسس الحكومة واضحة هنا. من الواضح كيف يجب أن يكون المسؤولون و ما هي واجبات السلطات الثلاث و ما الذي يجب على الحكومة القيام به، لكننا لا نستطيع أن ندعي بأننا بلد إسلامي، فما زال لدينا الكثير من النقائص، ينبغي علينا أن نبني أنفسنا و أن نتقدم إلى الأمام. علينا أن نربّي أنفسنا. طبعاً إذا ما كان هناك إمام معصوم يأخذ بزمام الأمور كأمير المؤمنين بحيث يكون قوله و فعله و سلوكه أسوة، فإن عمل مسؤولي الحكومة سيكون أكثر سهولة، لأن لديهم الوصفة الكاملة التي تحتوي جميعها على الهداية. و لكن عندما يكون شخص مثلي على رأس الحكومة، فإن الأمور ستكون أكثر صعوبة بالنسبة للمسؤولين. لكن ثوابهم سيكون أكثر أيضاً. إذا ما تمكنوا من مواصلة هذا الطريق، فإن أجرهم سيكون عظيماً. فليبذل كل منكم جهده لتطبيق مسؤولياتكم وفق النموذج الإسلامي. أي إن دينكم و تقواكم و اهتمامكم بأمور الناس و مراعاتكم للأحكام الشرعية و رعايتكم لبيت المال و اجتناب الأنانية و حب النفس و محاباة الأصدقاء و الأقارب و الابتعاد عن الكسل و البطالة و عن حب الشهوات و سواها، يجب أن يكون وفقاً لنموذج الإسلام. يمكن لكل واحد منكم أن يقوم بواجباته في هذه المجالات و يتقدم و يبني نفسه، طبعاً أجركم أكبر من الذي كان يقوم بهذا العمل في عهد أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام بالتأكيد، لأنه كان يُنظر إلى أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام و هو كان نموذجاً كاملاً، لكنكم ليس عندكم مثل هذا الشخص الذي يمكنكم رؤيته و احتذاء حذوه. القوانین في متناول أيدينا جميعاً و اليوم ثمة واجبات تقع على عاتق كل واحد منا. ما هو الخطر الرئیسي؟ للإجابة علی هذا السؤال أقرأ لكم رواية. يقول: إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان اتّباع الهوى و طول الأمل .(11) إن أخطر الأخطار اثنان: اتباع الهوى و النفس. لا تعجبوا من إن أكبر الأخطار هو هوى النفس الکامن في قلوبنا، إن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك (12) إن أعدى الأعداء هو النفس، التي بين جنبيك، و تلك الأنانية التي تريد كل شيء لنفسها. هنا يقول عن لسان النبي: إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان اتباع الهوى و طول الأمل فأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق (13). فأغلبية هذه الضلالات هو اتباع الهوى. طبعاً نحن نصوغ لأنفسنا آلاف التبريرات، لكي ننحرف عن سبيل الله و أن يكون حديثنا و سلوكنا غير ما عيّنه لنا الدين و الشرع. ميزة هوى النفس هي أن يضلّكم عن سبيل الله الذي يحتاج إلى الجهاد. و أما طول الأمل فينسي الآخرة. طول الأمل يعني الآمال البعيدة و الشخصية، من قبيل ابذل جهدك لتشييد منزلك على الطراز الفلاني، أو أن تصل إلى المنصب الفلاني، أو أن تلاحظ هذا و ذاك و تخلق لنفسك آلاف المصاعب لتصبح ثریاً و تقوم بممارسة نشاط اقتصادي. فطول الأمل هذا - أي تلك الآمال التي لا تقف عند حد، و لا نهاية لها - تقف أمام عين الإنسان صفاً و تختلق له أهدافاً تافهة و تجعل منها آمالاً عظيمة في نظر الإنسان. ميزة هذه الأهداف هو ينسي الآخرة (14)، حيث يظل الإنسان دوماً في شغل شاغل من هذه الأهداف التافهة، فيموت قلبه و لا يبقي لديه وقت أو رغبة في الدعاء أو الإنابة أو التضرع. ما أريد أن أقوله في ختام حديثي اليوم هو أن أفضل شيء يمكننا أن نجعله معياراً لنا اليوم من أجل إصلاح أخلاقنا و أفعالنا و تصرفاتنا - أي مسؤولي البلد - هو الديمقراطية الدينية التي أشرنا إليها مراراً و تكررت كثيراً. لا ينبغي أن يتبادر الخطأ إلى الأذهان، فهذه الديمقراطية الدينية ليس لها علاقة أبداً بأصول الديمقراطية الغربية، بل إنها شيء آخر. النقطة الأولى هي أن الديمقراطية الدينية ليست شيئين، ليس الأمر أننا نستورد الديمقراطية من الغرب ثم نلصقها بالدين حتى نحصل على مجموعة متكاملة. كلّا، فنفس هذه الديمقراطية تتعلق بالدين أيضاً. هناك وجهان للديمقراطية كما أشرت إليها في جلسة أخرى لبعض المسؤولين. فالوجه الأول للديمقراطية هو أن تتم إقامة النظام وفقاً لرأي الشعب و رؤيته، أي أن يختار الناس النظام و الحكومة و النواب و المسؤولين الكبار، سواء أكان ذلك الانتخاب مباشراً أو غير مباشر و هو ما يدعيه الغرب، و إن كان هذا الادعاء لا أساس له من الصحة هناك. هناك البعض يغضبون عندما نكرر دوماً إن ادعاء الديمقراطية في الغرب هو ادعاء غير صحيح. يظنون بأنه كلام متعصب، و الحال أن الأمر ليس كذلك، فهذا ليس كلامنا، كما أنه ليس من العصبیة في شيء، و ليس نابعاً من عدم الوعي، بل إنه يستند إلى آراء و نظريات و أبحاث و نماذج كبار الأدباء في الغرب. فهم أنفسهم يصرحون بهذا الأمر، أجل هم لا يصرحون به في الإعلام العام و أمام الرأي العام، بل إنهم في مثل هذه الحالات يتحدثون عن صوت الشعب و أن كل ما عندهم قائم على أساس إرادة الشعب و لكن هذا ليس أمراً واقعاً. هم يعترفون بهذا المعنى على مستويات مختلفة، و هو موجود في كتاباتهم و لقد لاحظنا الكثير من هذه الاعترافات، و تلاحظون الیوم هذا النموذج في الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه هي الديمقراطية هناك! نحن لا ندعي ذلك، فما يتعلق بأصوات الشعب ليس سوى قسم من قسمي الديمقراطية الدينية، فلا بد من الانتخاب. على الشعب أن یمارس إراداته بوعي و أن یتخذ قراره حتى يتم أداء التكليف الشرعي فيما يخصه، إذ لا يكون هناك تكليف بدون المعرفة و الوعي و الإرادة. الوجه الآخر للدميقراطية هو: بعد أن اختارنا الشعب، ستقع على عاتقنا مسؤوليات جدية و حقيقیة. لقد جمع بعض الأصدقاء هذه الروايات من نهج البلاغة و غيره من الكتب و طبعاً لا مجال لقراءتها جميعاً، ساكتفي بقراءة اثنتين أو ثلاث منها. و إياك و المن على رعيتك بإحسانك أو التزيّد فيما كان من فعلك أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك فإن المن يبطل الإحسان و التزيّد يذهب بنور الحق و الخلف يوجب المقت عند الله و الناس.(15). يقول: إذا أخلفتم فإن ذلك وعودكم، يوجب مقت الله و الناس (16). و الله تعالى يقول ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) و مع أن هذا الكلام وجّهه أمير المؤمنين لمالك الأشتر، لكنه خطاب لنا أيضاً. النقطة الثانية من هذه الواجبات تتعلق بالديمقراطية الدينية: أنصف الله و انصف الناس من نفسك و من خاصة أهلك و من لك فيه هوى من رعيتك (18). أي ما عبر عنه أصدقاؤنا المستنيرون بمحاباة الأصدقاء، أي مراعاة الناس و مراعاة الله عند التعامل مع الأصدقاء و الأقرباء و الأصحاب. أي أن لا تعطي امتيازات خاصة فهذا ما ینافي الديمقراطية. و كل من يفعل ذلك، قد يؤدي فعله إلى الفساد الذي أشار إليه السيد رئيس الجمهورية. أجل، ينبغي مكافحة مظاهر الفساد هذه. أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء! ما دام هذا الفساد موجوداً بين مسؤولي البلد، فلن تكون هناك إمكانية العمل و التقدم، مهما كان. هذه فجوات و حفر لا يمكن ملؤها مهما أفرغتم فيها من جهد و إنجازات، بل إن إنجازكم سيذهب هدراً. فإذن لا بد من معالجة هذه الأمور. هذا هو قول أمير المؤمنين من لك فيه هوى من رعيتك يعني تجنب منح الامتيازات الخاصة لأصحابك و أقربائك و من تحبهم، لا بد من المساواة بين الجميع في الاستفادة من الامتیازات. إذا كان هناك امتياز، يجب أن يمنح للجميع. فإذا ما تقرر أن تكون هناك قرعة، أو سقف محدد فلا ينبغي ترجيح أحد على آخر. النقطة الثالثة و هذه أيضاً من علامات الديمقراطية الدينية و لكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق و أعمها في العدل و أجمعها لرضي الرعية (19) أنا و انتم مخاطبون بهذا. فإذا كان أحدكم وزيراً أو نائباً في البرلمان أو مسؤولاً في القوات المسلحة أو في القيادة، أو في السلطة القضائية أو في أي مكان آخر، فاعلموا أن ما تقومون به لا ينبغي أن يكون محاباة لأصحاب الثراء و السلطة، هؤلاء الذين يعبر عنهم في كلام أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام بـ الخاصة . ثم يقول: فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة (20) ثم يقول: و إن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة . (21) الديمقراطية الدينية لا تتمثل في مجرد أن يقوم المرء بالدعايات و إثارة الضجيج و إجراء الانتخابات و فرز الأصوات، ثم ينتهي كل شيء و لا تكون له علاقة مع الجماهير! عندما تتحقق المرحلة الأولى يأتي دور المرحلة الثانية، أي مرحلة تلبية الحاجيات. ثم يقول أمير المؤمنين حول هذه المجموعات الخاصة: لا تقولن إني مؤمّر آمر فأطاع (22) هذه الجملة أيضاً من ضمن رسالته إلى مالك الأشتر. و يقول: فإن ذلك ادغال في القلب (23) أي أن ذلك يفسد قلبك؟ و هذه هي الحقيقة. ثم يذكر أمير المؤمنين مميزات أخرى: و تقرب من الفتن ، (24) هذا يقرب غضب الناس منك. عندما تتحدث هكذا، و تقول أنا، أنا، و تريد كل شيء لك و لا تشعر بمسؤوليتك فإن هذا يغضب الناس دوماً. أيها الأعزاء! إننا في شهر رمضان، إنها أيام و ساعات مباركة.على الجميع أن يغتنموا هذه الأيام و الساعات. الاستفادة الحقيقية من هذه الساعات و الأيام و الليالي هي أن نسأل الله و نبذل جهودنا أيضاً كي نتمكن من العمل كمسؤولين إسلاميين حقيقيين و مؤمنين أينما كنا. هذا ما يجب أن يكون و هو شيء لا بد منه، أي لا يمكن لنا أن نتحمل على الإطلاق أن ينتشر هذا الفساد بيننا، كلا، يجب أن يتم القيام بتلك الأمور و على الجميع مسؤولية ذلك. لا بد من بذل المساعي و تحقيق هذه الإصلاحات. إن الخطوة الأولى في الإصلاح هي إصلاح ذاتنا، أي يجب على مسؤولي النظام أن يتخلوا جميعاً عما يمكن أن يكون فيهم من أساليب و سلوكيات و أخلاقيات و تصرفات غير إسلامية و یخلصوا أنفسهم منها. فإذا تم القيام بهذا العمل، فستتقدم الأمور. اسألوا الله و ادعوه في شهر رمضان المبارك أن يعيننا على اجتياز هذه المرحلة، و أن تكون المرحلة التالية هي مرحلة إقامة البلد الإسلامي إن شاء الله، و سيتحقق بفضل الله ذلك النموذج الذي لم يكن الأعداء يريدون تحققه أبداً. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الهوامش: -1 سورة الأحزاب: الآية 45 - 48 2 - سورة الحشر: الآية 23 3 - سورة لقمان: الآية 20 4 - سورة الجاثية: الآية 13 5- سورة الإسراء: الآية 70 6 - سورة التين: الآية 4 7 - سورة البقره: الآية 29 8 - سورة الحشر: الآية 24 9 - سورة فصلت: الآية 11 10 - سورة آل عمران: الآية 146 11 - الخصال: ص51 12- بحارالانوار، ج 70، ص36 13 - الخصال: ص51 14 - الخصال: ص51 15 - نهج‏البلاغة، الرسالة 53 16 - نهج‏البلاغة،الرسالة 53 17 - سورة الصف:الآية 3 18 - نهج‏البلاغة، الرسالة 53 19 - نهج‏البلاغة، الرسالة 53 20 - تحف‏العقول، ص 128 21 - تحف‏العقول،ص 127 22) تحف‏العقول، ص127 23) تحف‏العقول،ص 127 24) تحف‏العقول، ص 127  
2000/12/02

كلمة الإمام الخامنئي في حشد من الحرس الثوري و المعوقين و طلبة الجامعات و المدارس

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك لكم أيها الحضور الأعزاء و لكافة الشعب الإيراني ذكرى المولد السعيد لسيد أحرار العالم، الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، و يوم الحرس، و كذلك ذكرى ولادة أبي الفضل العباس حامل لواء التضحية و الفداء في صحراء كربلاء، و ذكرى المیلاد السعيد للإمام السجاد سيد العابدين و الساجدين، و كذلك يوم الثالث عشر من آبان، يوم تجلي الحرية و الشجاعة و الكرامة الثورية لشعبنا المسلم من جديد. لقد تزامنت هذه الأعياد الثلاثة و يوم الحرس في هذا العام مع يوم الثالث عشر من شهر آبان، يوم السيطرة على وكر التجسس و يوم مكافحة الاستكبار. إنها مناسبات متعددة اجتمعت کلها في أيام متقاربة. اجتماعنا اليوم يتألف من عناصر يمثل و يجسد كل واحد منها هذه المناسبات العظيمة. ففي هذا الاجتماع جمع من الحرس الأعزاء، سواء من حرس الثورة الإسلامية أو من حرس اللجان الذين يؤدون مسؤولياتهم اليوم في قوات الشرطة. و كذلك جمع من أعزائنا الطلبة الجامعيين، و التلاميذ، و المعوقين. إنه اجتماع معطر و مبارك و نسأل الله أن يشمل هذا الاجتماع بلطفه الإلهي و أن يشمله بنظرة ولي الله الأعظم (أرواحنا فداه) بعين الشفقة و الرأفة.أريد أن أقول كلمة حول الحرس الثوري و كلمة أخرى حول الطلبة الجامعيين و حول التلاميذ، و كلمة أخرى حول المعوقین لكي تتضح العلاقة التي تؤلف بين هذه الفئات الاجتماعية الثلاث، ثم أتحدث حول موضوع آخر. فالطلبة الجامعيون و التلاميذ الذين ينشطون في ساحات العلم و المعرفة و الوعي و يعدون أنفسهم لإدارة هذا البلد في المستقبل في المجالات المختلفة، هم يمثلون في الحقيقة آمال الغد للشعب و المجتمع. هذا يعني أن هذا البلد و هذا الشعب و هذا النظام يحتاج إلى هؤلاء الشباب من أجل مستقبله. فإذن، أحد العناصر الرئيسية لعزة أي بلد و بناء مستقبله، هم هؤلاء الشباب العاكفون على الدراسة. كلما كانت دراستهم جيدة و أفعالهم أفضل كلما أصبحت تربيتهم الفكرية و الأخلاقية و الدينية أحسن و أفضل، و كان مستقبل البلد مشرقاً في جميع المجالات. إضافة إلى ذلك فإن بإمكان الطلبة الجامعيين و التلاميذ أن يلعبوا دورهم المطلوب في كل وقت وفقاً لما تقتضيه المرحلة التي یمر بها البلد.الحرس هم الذين انبثقوا من هذه الجامعات و المدارس و من بين شرائح الشعب المختلفة في أحرج ظروف مرّت بها البلاد و شكلوا صفاً مرصوصاً و قاموا بدورهم بكل رجولة و شجاعة في أشد لحظات تاريخنا الوطني حساسية. أي إن ذلك الجمع من الطلبة و التلاميذ الذين أعدّوا في مرحلة من أكثر مراحل تاريخنا خطورة و حساسية - كمرحلة الثورة و مرحلة ما بعد الثورة و مرحلة الحرب المفروضة - و تحلوا بالعزم الراسخ للقيام بدور قوي و بنّاء، كانوا هم أنفسهم عناصر الحرس. هؤلاء القادة الذين تلاحظونهم اليوم، كانوا شباباً في بداية الثورة، أي في أعمار طلبتنا و بعض تلاميذنا اليوم، لقد كانوا شباباً واعين و متمتعين بقدر كبير من الحماسة و الوعي و الشجاعة و الشعور الديني و الثوري الملتهب، إضافة إلى حب التضحية، و كان هناك شباب آخرون أيضاً في تلك المرحلة - و لم یکن شباب وطننا هؤلاء فقط - الذين لم يكونوا يتمتعون بمثل هذه الشجاعة و هذا الإيمان الراسخ أو كانوا عاكفين على القيام بأمور أخرى من شؤون البلد و لم ينزلوا إلى هذه الساحة الخطرة التي دخلها هؤلاء الجنود الحقيقيون للإسلام و الثورة حاملين أرواحهم على أكفهم. فإذن، هؤلاء الشباب الشجعان و الواعون يعدون من العناصر الرئيسية في تحقيق العزة و الرفعة للشعب و البلد و لتمهيد مستقبل مشرق لبلدنا و نظامنا، و لقد أظهروا في الحقيقة الشجاعة في أكثر المراحل حساسية. ما قاموا به، لم يكن مجرد إظهار إيمان و حماس نابع عن الحب - كانوا یتمتعون بذلک طبعاً و لكن الأمر لم يقف عند ذلك الحد - بل تمكنوا في الوقت ذاته من القيام بأعمال مدهشة بما يتمتعون به من فكر و عقل و سعي و موهبة بشرية. فالعديد من خططنا العسكرية و الکثیر من عملياتنا الواسعة في ساحة الحرب، و الكثير من نشاطاتنا الاستطلاعية التي أدت إلى دحر العدو - سواء في مجال الحرب أو في مجال الاستطلاعات أو المضادة للتجسس - كانت من فعل هؤلاء الشباب. مع إنهم لم يكونوا يتمتعون بمعلم أو لم يدخلوا دورات تدريبية في هذه المجالات، إلّا أنهم تفجّروا فجأة كالعيون و الينابيع بالشعور بالحاجة لتفعيل المواهب الكامنة، فقد حققوا إنجازات مدهشة. طبعاً ثمة أخطار كثيرة كانت تهدّدهم، إلّا أن هذه الأخطار لم تتمكن من إبعادهم عن الساحة. في الحقيقة، يمكن القول بأن عناصر الحرس عندنا - كانوا شباباً في مراحل الحرب و في الساحة المفعمة بالأخطار - هم أسوة حسنة لأي جيل شاب.أما معوقونا فهم يتكوّنون من هذه المجموعة الفدائية بشكل أساسي، أي هؤلاء الذين دفعتهم هذه الروح المعنوية للتخلي عن بيئة العمل و الدراسة و عن عوائلهم فدخلوا هذه الساحة الخطرة و تقدموا إلى حد الشهادة أيضاً، إلّا أن الشهادة لم تكن من نصيبهم في هذا الطريق و اعتصموا بالصبر. عندما يصبر المعوق، أو يحتسب ذلك عند الله، و عندما يعود شاب قوي و وسیم متمتع بالمحسنات الطبيعية و قد فقد بصره أو ساقه أو يده أو كبده و سلامته و الكثير من المميزات التي يتمتع بها الإنسان السالم جسدیاً، ثم يمشي بين الناس، لكنه شاكر و يشعر بالفخر و الرفعة لما فعله في سبيل الله، فإن هذه القيمة لا تقل عن منزلة شهدائنا، بل ربما تفوقها. فهذه هي تعاريف ثلاثة عامة لكم أيتها الفئات الثلاث الذين حضرتم اليوم إلى هنا و عطـّرتم المکان بمقدمکم.أقول لكم بأنه إذا طمح شعب ما إلى تحقيق العزة السياسية و الاجتماعية و الرفاهية المادية في الحياة، و لو طمح إلى بلوغ الآمال و المبادئ المعنوية و الدنيوية و الأخروية الكبيرة - على حد سواء - و لو تطلع إلى العلم و الاقتدار العالمي و الدولي - و كل ما يطمح إليه الشعب - فإن هذه الأشياء ستتحقق حين یستطیع الشعب أن یخلق في نفسه عناصر و خصال في مقدمتها الإيمان، أي الإيمان بهذا الهدف و بهذا الطريق. فعدم الإيمان و اللامبالاة و تشتت الأفکار و الانحلال و تقلب المزاج يتنافى مع المستقبل المشرق و الباعث على الفخر. لو نظرتم إلى التاريخ، فإنكم ستلاحظون أن كل شعب بلغ مكانة جيدة، فأول شيء كان يتمتع به هو الإيمان و العقيدة. لو تفحّصتم و درستم التحولات التاريخية - حتى في التاريخ المعاصر و ليس بالضرورة تاريخ ما قبل ألف أو خمسة آلاف عام - أي تاريخ هذه البلدان الموجودة في العالم اليوم - فإنكم ستلاحظون أن ما تتمتع به هذه البلدان اليوم - أياً كانت - أو الأمور الإيجابية التي تتمتع بها، حصلت عليها في مرحلة كانت تتصف فيها بتلك الخصائص، فالإيمان هو العنصر الأول. عندما يحقق مجتمع عزته و فخره و سعادته في الحياة في سبيل الله و يعلم أنه سيحصل على الدنيا و الآخرة و يحقق أهدافه المادية و المعنوية إذا ما آمن بالله، و عليه أن يعلم أيضاً بأن الشرط الأول في تحقيق ذلك هو أن يؤمن بهذا الفكر و هذا المبنى و هذا الطريق. لاحظوا، أن الله تعالى يقول في القرآن (إنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً لتؤمنوا بالله و رسوله)(1). فالرسول نفسه داخل أيضاً في هذا الخطاب: (لتؤمنوا بالله و رسوله و تعزروه و توقروه و تسبحوه بكرة و أصيلا)(2). أي إنه لن يتحقق أي شيء بدون هذا الإيمان. فسجلوا هذه الملاحظة في أذهانكم، ثم أنظروا ماذا يتابع أولئك الذين يبذلون مساعيهم دائماً للمساس بالإيمان العام. أنتم تعلمون أن الإيمان هو القاعدة الأساسية لسعادة الشعوب و فخرها. كل عنصر و مبلّغ يعمل على زعزعة قاعدة هذا الإيمان - بأي شکل من الأشکال - أو یجعله مثاراً للريب و الشكوك، أو یدفعه إلى اللامبالاة و التسيب و الإنحلال، فهذا يعني أنه يتابع تحقيق هذا الهدف القبيح، أي محاربة العزة الوطنية و المفاخر الوطنية و سعادة الشعب.العنصر الآخر هو الشعور بالمسؤولية، أي إن هذا الإيمان لا بد أن يصحبه الشعور بالمسؤولية، يعني أن الإنسان لا بد أن يشعر بأن على عاتقه مسؤولية و أن عليه واجب. و بدون الشعور بالمسؤولية سيفقد هذا الإيمان فاعليته. ينبغي أن يترافق هذان العنصران أيضاً مع الشجاعة و روح الخوض في الساحة و الاهتمام بالطاقات الکامنة. لأن أحد العوامل التي تؤدي إلى هزيمة أي شعب و أية جماعة و أي جيش، هو الغفلة عن تلک الطاقات الکامنة.الشعب الإيراني يتمتع اليوم بنفوذ معنوي و اقتدار سياسي واسع في كافة أنحاء هذه المنطقة سواء في بلدان الشرق الأوسط أو في الشرق أو أفريقيا و الكثير من المناطق الأخرى. و هذا ما تحقق بفضل هذه الإنجازات العظيمة التي حققها الشعب الإيراني. نظام الجمهورية الإسلامية اليوم هو أحد أعظم النظم قوة و اقتداراً. طبعاً هذا ما تقرّه التحليلات السياسية الجادة. حتى في البلدان التي تکنّ لنا العداء، لقد قالوا هذا و اعترفوا به و كتبوا عنه و سجلوه. ثمة مساع للتقليل من أهمية هذا الاقتدار و هذا النفوذ المعنوي و السياسي الذي تلاحظون اليوم نماذجه و بوادره في فلسطين و الكثير من البلدان غير الإسلامية في أنظار الشعب الإيراني - لا سيما في أنظار جيل الشباب و العمل على تجاهله و إنكاره - أي أن يظهر الشعب الإيراني على أنه شعب منعزل يعيش في عزلة و لا يهتم به أحد. هذا ما يقوم به العدو. لماذا؟ لكي يتجاهل هذا الشعب هويته الحقيقية و طاقاته العظيمة و إمكانياته الكثيرة. هذه هي إحدى خطط العدو. فإذن، الشجاعة و الرشد و الوعي و معرفة ما يتمتع به هذا الشعب من قوة و طاقة ذاتية منحها له الإيمان يعتبر من شروط صنع المستقبل المشرق.هكذا هي وحدة الكلمة. على الجميع أن يتّحدوا. ثمة اختلافات في أي مجتمع بشري. ليس بوسعكم أن تجدوا مجتمعاً بشرياً يتفق أهله في وجهات نظرهم و حول القضايا المختلفة، لكن هذا الاختلاف لا ينبغي أن يفكّ عرى الوحدة بين أبناء شعب ما أو أفراد منظومة ما. فانظروا الآن كيف تحاك مؤامرات الأعداء. هناك جماعات تتفق علی الأساسيات، ففكرها واحد، و إيمانها بالإسلام و الشريعة و الإيمان بنظام الجمهورية الإسلامية واحد، و لديها من الالتزام الديني ما يجعلها أحياناً تقوم بأداء المستحبات و النوافل، كما أن طريقها واحد و حتى عملها واحد، إلا أنها تشعر بالتنافر و التباغض فيما بينها بتأثير إيحاءات العدو، و يواجه بعضها بعضاً في المراكز و المؤسسات الحكومية و بين الناس و في المجالات المختلفة! أية جماعة من تلكم الجماعات تتشدد مع من سواها و تعلن عن عدائها السافر لمن سواها و تكون أكثر حدة و غلظة و تعصباً مع غيرها، فإن أعمالها هذه تصب في صالح أعداء هذا الشعب و هذا النظام، سواء أكانت تدري بذلك أو لا تدري. فالوحدة و الاتحاد من الشروط الضرورية أيضاً. هذا هو صنع مستقبل هذا النظام و توفيره، و الحديث في هذا المجال كثير.أريد أن أقول لكم بأن نجاح أي شعب في مسيرته التقدمية، له علاقة عكسة مع نفوذ الأجانب و الأعداء في ذلك البلد، أي إنه كلما ازداد نفوذ الأعداء و الأجانب - حتى و لو لم يكن صريحاً - بين الجماهير و في الشرائح المختلفة و المحيط السياسي، كلما ازداد البعد بين هذا الشعب و بين تحقيق عزته و مجده و صناعة مستقبله. هذا لا يعني أنه لا بد من مواجهة كل أجنبي، كلّا، فأحياناً يتسالم المرء مع بعض الأجانب في سبيل المصلحة، و لكنه لا ينبغي السماح لهذا الأجنبي الصديق للقيام بدور في الشؤون الداخلية لهذا البيت و هذه العائلة و هذا البلد و هذا المجتمع. منذ اجتثاث جذور النفوذ الأمريكي و سائر القوى الكبرى - لم تكن أمريكا وحدها و إن كانت أسوأهم جميعاً - منذ بداية الثورة الإسلامية في هذا البلد، راحوا يفكرون دوماً في فرض نفوذهم و فرض أفكارهم و أحاديثهم و أفعالهم و تحقیق أطماعهم و أهدافهم في هذا البلد بطریقة ما. لقد استخدموا شتى الوسائل لتحقيق هذا خلال السنوات الإحدى و العشرين من عمر الثورة. إن أكثر الأساليب التي يستخدمونها اليوم هو أسلوب المناورات السياسية، حيث تظهر هذه المناورات السياسية بأشكال مختلفة. عندما يريد أحد السياسيين بلوغ أهدافه، فإنه قد يعبس أحياناً و قد يبتسم أحياناً أخری و یحقد أحياناً و يهدّد أحياناً أخری، و يكرّ تارة أو يفرّ تارة أخرى. هذه هي المناورات السياسية. فيوماً يقولون إننا أسأنا إلى الشعب الإيراني كثيراً و هذا يعني أننا نعبر عن أسفنا! و يوماً يصادقون في مجلس الشيوخ على قرار ضد الشعب الإيراني. و يوماً يأتون و يمدحون الخونة و أشد التنظيمات حقداً و عداءاً للثورة، و يوماً يشنون الهجمات الإعلامية ضد إيران لأنها أعلنت بكل صراحة عن معارضتها للكيان الصهيوني. و يوماً يخصصون الأموال لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية. هذه هي المناورات السياسية و كلها أساليب سياسية. هم ينهجون شتى الطرق في إذاعاتهم و وسائلهم الدعائية و في اتصالهم بالشخصيات الداخلية و في خداعهم و حيلهم. حيثما وجدوا تساهلاً و منفذاً في هذا السد العظيم الذي أقامه الشعب الإيراني في مواجهة نفوذ الأعداء، فإنهم يركزون عليه و يبسطون نفوذهم هناك، سواء تمثل هذا التهاون في أحد الشخصيات السياسية أو الأحزاب السياسية أو في أحد المسؤولين الحكوميين. و لهذا يقول الله تعالى في سورة الفتح المفعمة بالحماسة و العبر و بعد أن يبين الآيات الحماسية، حول أصحاب النبي (أشداء على الكفار رحماء بينهم)(3). فالمراد بالكفار هنا ليس اليهود أو المسيحيون الذين كانوا يعيشون في كنف الرسول. بل كان هناك في ذلك الوقت المسيحيون و اليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة و كانت لهم علاقات حسنة مع النبي و أصحابه. لا يسمونهم (أشداء على الكفار ). المراد بـ (أشداء على الكفار) هنا أمثال قريش الذين كانوا يدبرون دوماً الهجمات العسكرية على الإسلام و المدينة الإسلامية، أو أمثال يهود بني قريضة و يهود خيبر و سائر المناطق الذين كانوا ينقضون العهود دوماً - و يسافرون إلى هنا و هناك من أجل تعبئة هذه الجماعة أو تلك ضد الإسلام أو يشنون الهجمات العسكرية أو يبثون عوامل الإثارة و الإشاعات - أو أولئك الذين كانوا يعيشون في المدينة و يظهرون الإسلام و يضمرون الكفر و كان لهم علاقات دوماً مع المجموعة الأولى و المجموعة الثانية من الكفار. (أشداء على الكفا) يعني أشداء على هذه الجماعات الثلاث. لكن (رحماء بينهم)، يعني كانت الشفقة سائدة بينهم. لاحظوا، هذا هو المنهج الإسلامي. لأن العدو لا يستطيع أن يتغلغل أبداً في أوساط هؤلاء الأشداء. فما معنى الأشداء؟ إنها تعني الصلابة المتقنة. و القرآن يصف الحديد بقوله (فيه بأس شديد) (4) . كلمة الشديد تعني القوي. فالشدة هنا ليس المراد بها الظلم، أو ضرورة سفك الدماء، بل تعني القوة و الاستحكام، أي إن هذا السد لا ينبغي أن يكون هشاً أو متهاوياً، و هذا الجدار يجب أن لا يكون مثقوباً.كلمتي اليوم دوماً للتيارات السياسية و الشخصيات السياسية في هذا البلد هو أن لا يظهروا أمام العدو بالشكل الذي يتمكن من النفوذ و بسطه في عمق الثورة. هذا هو السبب الذي جعلني أشكو أحياناً عن بعض الأشخاص أو بعض الصحف في هذا البلد. عليهم أن لا يقوموا بأعمال تجعل العدو يشعر بأنه يمكن له التغلغل و بسط نفوذه داخل النظام، حيث قلنا بأنه كلما ازداد نفوذ العدو، تزعزعت العزة الوطنية أو الاقتدار الوطني و العظمة الوطنية و ضعف الأمل في صنع مستقبل البلد. فالعلاقة بينهما علاقة معكوسة. فلو أخلى أحد الميدان للعدو، و لو بدل أحد يوم الثالث عشر من آبان، الذي هو يوم التعبير عن العداء لأمريكا، إلى يوم للذل أمام أمريكا، و لو فكر أحد دوماً في التفرقة بدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية، فاعلموا أنه يمهّد سبيل نفوذ الأعداء بالتأكيد. إذن هذا الشخص ليس بوسعه أن يدعي أنه من دعاة الوحدة الوطنية و المصالح الوطنية. إنه لمن السيئ للغاية أن يسلم البعض في النظام الإسلامي قلبه للأعداء، بل هم لا يكتفون بذلك، إنما يكررون أقاويل الأعداء، و يضعون علامة استفهام أمام مقدسات النظام. و لا يكتفون بذلك أيضاً بل يريدون تنفيذ ما يريده الأعداء بکل دقّة، أي يريدون أن يزعزعوا ذلك الإيمان - الذي كان الشرط الأول - في نفوس الشعب، و يقضون على الشجاعة و الثقة بالنفس في قلوب الشباب، و يأخذون المعاول ليهشموا هذا النظام و يحدثوا صدعاً فيه! هم يقومون بهذه الأعمال، ثم يعاملهم النظام و يعتبرهم مجرمين، و هي وصمة عار دائمة لهم في النظام الإسلامي (الّا الذين تابوا و أصلحوا و بينوا)(5). فيعفو الله عنهم و تتحول سيئاتهم إلى حسنات. و لكن طالما لم يقوموا بهذه الأمور فهم مجرمون. ثم يأتي البعض ليدافع عن هذا المجرم خلافاً للقانون، و هذا من أقبح الأعمال!من أسوأ العادات في أي بلد هو أن تقوم الأجهزة المختلفة في البلد باتهام أحدها الآخر. و هذا لا معنى له، هذا يصيب التآلف و الوحدة بين الأجهزة الإدارية في البلد بالخلل التام. المجموعات التي تعمل أجهزتها على تكميل الأجهزة الأخرى و مساعدتها فإنها تکون قد وصلت إلى حد التكامل، لا أن يفكر الجهاز الفلاني في إسقاط الجهاز الآخر عن الاعتبار، و في نفس الوقت يكون كل همّ ذلك الجهاز إسقاط هذا الجهاز و القضاء عليه و الإساءة إليه. هذا لا يمكن. فالمجرم مجرم، لكنه مجرم بمقدار جرمه فحسب لا أكثر. و الجرائم ليست كلها واحدة. فلا ينبغي عندما يرتكب شخص جرماً، أن يؤدي هذا الجرم إلى محو كل حسناته، فهذا لا يمكن أيضاً، لكن لا بد أن يحسب جرماً. فإن أي عمل و سلوك ثبتت إدانته وفقاً للقانون و القاعدة و الأسلوب الصحيح لا ينبغي أن يقوم بعض الذين لا يهتمون لأي شيء بتشجيعه و مدحه و إطرائه. مثل هذه التصرفات تضر بمستقبل البلد. أو أن يقوم أحد بهذه الأعمال، ثم يقول بأنه يؤمن بالعزة الوطنية و السعادة الوطنية و أنه يريد مستقبل الشعب! هذا ما لا ينسجم مع ذاك. ما أريد أن أقوله لكم أيها الشباب - سواء من الحرس أو طلبة الجامعات أو التلاميذ أو المعوقين - هو: أعزائي! أنتم شباب تقع عليكم إدارة حاضر النظام و مستقبله. لقد کان هناک شباب قاموا بأمور كثيرة في هذا البلد حتى بلغوا به هذه المكانة. و أما منذ الآن فتقع مسؤولية الأمور عليكم و اليوم يومكم و المسؤولية تقع على عاتقكم. إنني أقول لكم أيها الشباب: أعزائي! الإيمان هو القاعدة الأساسية. و الشعور بالمسؤولية هو من القواعد الأساسية. و الاتحاد و التآلف بين القوى المؤمنة من القواعد الأساسية. طبعاً ثمة قواعد أخرى أيضاً و لكنني أكدت على هذه النقاط. لو أخذتم هذه القضايا بنظر الاعتبار، فعليكم أن تعلموا أن هذا البلد الذي يعتبر اليوم من أقوى و أعظم النظم في العالم بفضل الثورة، و سيكون أيضاً من أعزّ البلدان و من أكثر البلدان تقدماً في المستقبل. على المسؤولين أن يقوموا بواجباتهم، و عليهم أن يعرفوا حاجيات الجماهير و يلبّوها. المشاكل التي یعاني منها الشعب الآن - كالحرمان، و العوز، و التمييز، و البطالة و التي نذكّر المسؤولين دوماً تذكّراً مشفقاً بها - لمن العوائق التي تعترض الطريق. التغلب عليها ليس هدفاً في حد ذاته، بل هو ضروري في بلوغ الهدف. الهدف هو بناء البلد بحيث يصبح نموذجاً في العالم، (لتكونوا شهداء على الناس)(6). فعليكم بالرقي و الرفعة حتى تتمكنوا من أن تكونوا شهداء على العالم برمته، و على كل المناهج و كافة الحضارات و المدنيات. لهذا الطريق مراحل و لسوف أقول في كلمة إن شاء الله في أية مرحلة نحن الآن. لقد ابتدأنا طريقاً و تقدمنا فیه كثيراً. على خلاف ما يريد العدو الإيحاء به، فإن هذا الشعب تقدم إلى الأمام و بلغ مكانة جيدة ، لكن مواصلة هذا الطريق یحتاج إلى التغلب على هذه العقبات. إن هذا الفقر و البطالة و بعض مظاهر الفساد التي قد تبدو هنا و هناك، و بعض مسببي الخلافات و دعاة الخلاف و ما إلى ذلك، كلها أمور تعيق تقدم الحركة الشعبية العظيمة، فلا بد من التغلب عليها كي يتمكن هذا الشعب من التقدم بحركته إلى الأمام. و إن شاء الله لو تمكن هذا الشعب من نزع هذه الأسلاك الشائكة عن خط حركته كما استطاع أن يتغلب على هذه الموانع المتراكمة على طريقه، فاعلموا أن الشعب الإيراني و إيران الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية المقدس سيكون في المستقبل القريب على قمة المجد بين بلدان العالم إن شاء الله و سيكون نموذجاً لحركة البشرية.اللهم! إنا نسألك بحق محمد و آل محمد، أن تمن بعنايتك و توفيقك على هذا الشعب و هؤلاء الشباب الأعزاء. اللهم! و اشملنا جميعاً بألطاف مولانا الغائب (أرواحنا فداه) واشملنا بأدعیته الزاکیة. اللهم! و أرض عنا الأرواح المطهرة لشهدائنا الأعزاء و الروح المقدسة للإمام الراحل.. اللهم! و اجعلنا عارفين بقدر من ضحّوا بأنفسهم و صحتهم و أرواحهم و إمكانياتهم في سبيل هذه الثورة.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) سورة الفتح: الآية 8 و 9.2) سورة الفتح: الآية 8 و 9.3) سورة الفتح: الآية .294)سورة الحديد: الآية25. 5)سورة البقره: الآية 160.6)سورة البقره: الآية 143.
2000/10/31

كلمة الإمام الخامنئي في ذکری المبعث النبوی الشریف

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك عيد المبعث السعيد لكافة المسلمين و الأحرار في العالم و محبي إجراء العدالة على الأرض و الشعب الإيراني العظيم و الشجاع، كما أبارك لکم أيها الحضور من مسؤولي و مدراء القطاعات المختلفة في البلد و الضيوف من البلدان الإسلامية.يعتبر المبعث النبوي عيداً حقيقياً و مهرجاناً كبيراً سواء للمسلمين على مدی القرون و الأزمنة أو للبشریة کلها إذا ما تحلّى أبناء البشرية بالتفكير في الرسالة الإسلامية.لقد فتحت البعثة النبوية طريقاً جديداً أمام البشرية (هو الذي يصلّي عليكم و ملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور)(1). کانت البعثة من أجل أن تخرج البشرية من الظلمات إلى النور. هذه الظلمات تمثل كافة الظلمات التي تحدث في العالم و في حياة البشرية على طول التاريخ. إنها ظلمات الشرك و الكفر، و الجهل و الحيرة و الجور و الإجحاف و التمييز، و الابتعاد عن الأخلاق الإسلامية و الغرق في مستنقع الفساد الأخلاقي، و قتل الإنسان لأخيه، و انحراف الأفكار و ضلالتها و سائر أنواع الظلمات. يهدي الإسلام البشرية للخروج من هذه الظلمات، و ستُهدى البشرية إلى هذا الطريق تدريجياً و ذلك عن طريق التعلیم و الحركة و اتخاذ القرارات، و التفكير الصحيح و التعرف على العقبات. إن استيعاب العالم اليوم الرسالة النبوية أكثر من ذي قبل. فكلما ازداد العلم البشري، تضاعف الاحتمال بنجاح رسالة الإسلام. و كلما استخدمت القوى الكبرى في العالم - أينما كانوا - الأساليب الحيوانية و الوحشية لقمع العواطف الإنسانية و تسخير البشرية - حيث يزداد الظلم الذي تمارسه القوى الكبرى بحق البشرية وضوحاً - فإن المجال يتفتح أكثر للتعرف على نور الإسلام و يزداد تعطش البشرية له. نحن نشعر اليوم بتعطش البشرية لرسالة الإسلام التي هي رسالة التوحيد و رسالة المعنوية و رسالة عزة الإنسان، فالبشرية توّاقة لهذه الرسالة.طبعاً واجبنا نحن المسلمين هو أن نجعل هذه الرسالة أمام أنظار شعوب العالم و ذلك من خلال سلوكنا و أقوالنا و عزمنا و إرادتنا. حيثما أظهر المؤمنون بالإسلام في الأمة الإسلامية تحركاً مقروناً بالفضيلة، فسيكون الإسلام أكثر تألقاً في أنظار الناس في العالم و تزداد الرغبة فيه. و حيثما ظهرت على كل واحد من أبناء الأمة الإسلامية آثار الضعف و الذلة و الانحطاط و التخلف، فإن ذلك سيكون سبباً في الحط من شأن الإسلام. لو صدرت اليوم عن أبناء الأمة الإسلامية و أصحاب القدرة فيها - أي من لديهم إمكانية القيام بعمل ما -أحاديث و أفعال تبدو عليها ملامح الانحطاط، فإن هذا سيكون إهانة للإسلام أمام أنظار شعوب العالم. لهذا فإن مسؤولية ساسة المسلمين و علماء الإسلام و مستنيري المسلمين و فنانيهم و كتابهم و أدبائهم جسيمة للغاية، كما أن مسؤولية أبناء البلدان الإسلامية ممن يتمكنون من التأثير على بيئته جسيمة للغاية. فاليوم هو اليوم الذي يمكن أن نضع فيه رسالة الإسلام أمام الإنسانية المظلومة و المشدوهة، و نقول لهم: هذا هو سبيل النجاة لكم، و هذه هي الحقائق.اليوم هو عيد للأمة الإسلامية، لكن للأسف أن امتزج عيد المبعث النبوي، هذا العام بدماء المظلومين في فلسطين. فحادثة فلسطين حادثة عظيمة. العالم الإسلامي يواجه هذه الحادثة العظمى منذ أكثر من نصف قرن. على طول هذه العقود مرّت مراحل لو كان مسؤولو العالم الإسلامي و من كان بوسعهم اتخاذ القرار قد أحسنوا اتخاذ القرار فيها، لربما كانت هذه المشكلة قد عولجت أو تيسّرت معالجتها على الأقل. لقد حدث الكثير من القصور خلال هذه الأعوام المتمادية. اليوم هو یوم مصیري. اليوم من الفترات التي يمكن للشعب الفلسطيني أن يتحرك نحو ما يتطلع إليه العالم الإسلامي. لماذا؟ لأن جيلاً استيقظ في فلسطين. قد يمكن قمع حزب أو إخراج فئة ما من الساحة، أو جعل عدد من الناس نادمين عن جهادهم أو شجاعتهم، و لكن لا يمكن صرف جيل عن الطريق الذي عرفه أو يتطلع إليه مهما كان الثمن. هذه هي القضية اليوم. فالجيل الذي تحمّل عبء القضية الفلسطينية اليوم، قد استيقظ و عرف الحقيقة. فما هي الحقيقة؟ الحقيقة هي أن القوى الكبرى و الساسة و أصحاب الثروة في العالم قرّروا في مرحلة من الزمن أن يمحوا شعباً من الأرض و يزيلوا بلداً من الخارطة الجغرافية. و قد تصوروا بأنهم نجحوا في إنجاز ذلك. لقد قاموا بقتل طائفة و فئة و قمع أخرى و تصوروا بأن القضية قد انتهت. في حین أن شعباً كالشعب الفلسطيني بما لديه من تاريخ مشرق و حضارة إسلامية و ثروة و مواهب متألقة عند أبنائه - فالشعب الفلسطيني شعب ممتاز و فيه الكثير من المواهب و الشخصيات البارزة - مثل هذا الشعب الذي يتمتع بهذه الميزات، حاولت القوى الكبرى في العالم كإنجلترا و أمريكا و الصهاينة أو أصحاب الشركات العظيمة الفلانية أو هذا المحفل العالمي و ذاك محوه من الوجود. هذا غير ممكن، كما أنه لم يحدث. لقد أخطأوا حينما تصوروا بأن الشعب الفلسطيني و فلسطين قد زالا من الوجود. ففلسطين باقية و الشعب الفلسطيني باق. و هناك اغتصاب كبير إلى جانب حقيقة وجود الشعب الفلسطيني، فقد قاموا بجمع طائفة من الناس من أنحاء العالم و أقاموا شعباً زائفاً و اختاروا له اسماً، و جهّزوه بوسائل القوة، و ها هو اليوم يستعرض وجوده إلى جانب حقيقة اسمها الشعب الفلسطيني، و هذه الحقيقة أدركها الجيل الفلسطيني اليوم بكل كيانه. فالخطوة الأولى هي المعرفة، و قد حصلوا على هذه المعرفة و أدركوا أن هذا الكيان المزيف الذي يتمتع بالدعم العالمي، ليس من الصعب إلحاق الهزيمة به، و لقد أدركوا الأمر بشكله الصحيح، لذلك خاضوا غمار الساحة. اليوم على جميع البلدان الإسلامية و كافة الشعوب الإسلامية دعم هذا الشعب بكل ما یملکون من قوة. إنني لا أدعي أن قضية فلسطين ستنتهي في مدة زمنية قصيرة، لكنني أدعي أن فلسطين ستعود إلى الفلسطينيين بلا ريب. ربما يمتد الزمن أو يقصر، أو تتضاعف الخسائر و تزداد، لكن هذا الأمر سیتحقق.و ما یترک أثراً هو سلوكنا، نحن مسؤولي البلدان الإسلامية و الشعوب المسلمة، لو أحسنّا التصرف فستتضائل هذه المدة و ستقل هذه الخسائر. و لو أسأنا التصرف فستطول هذه المدة، و ستتضاعف الخسائر و لن يتحمل الشعب الفلسطيني هذه الخسائر لوحده، بل سيتحملها العالم الإسلامي برمته، و أولئك المقصرون و الذين يدعمون الظالم، سوف يدفعون الثمن و غرامته و يتجرعون مرارته. اليوم تقع هذه المسؤولية على عاتق جميع المسلمين. فما هو ذلك الواجب؟ إنه الدعم. و كيف يمكن الدعم؟ طبعاً لهذا الدعم صور مختلفة، الدعم السياسي و الدعم المالي و الدعم الدولي، يمكن تقديم أنواع الدعم لهم. و هذا ما يجب اتخاذ القرارات بشأنه من قبل المسؤولين و أصحاب السلطة في العالم. و إن لم يتخذوا قراراً فإن الشعوب الإسلامية ستشعر آنذاك بأن المسؤولية وقعت عليها مباشرة.من الطبیعي أن الكيان الصهيوني لا یقوم بارتكاب هذه الجرائم لوحده، إذ لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية شريكة معه في هذه الجریمة. و كل من يدعم هذا الظلم، فهو شريك في هذه الجریمة. و من الممكن أن لا يترتب على ذلك أي أثر اليوم، غير أنه لن يمحى من ذاكرة الشعوب و التاريخ.لقد أدرك شعبنا العزيز قضية فلسطين بكل كيانه و شعر بالظلم الذي لحق بالعالم الإسلامي، أدرك المسؤولية التي على عاتقه في هذا المجال. كان لحكومة الجمهورية الإسلامية دور ريادي في هذا الجانب دوماً، حيث شعرت بواجبها و فعلت كل ما بوسعها. من الطبيعي جداً أنه ستترتب على ذلك نتائج كبرى و نحن نتمنى - و نشاهد بوادر ذلك - أن تلمس الدول الإسلامية بعض الحقائق تدريجياً و قد أصبح البعض أکثر اقتراباً من أصل الموضوع و راح يقرّب السبيل الی کل ما هو واجب دیني وإسلامي. نسأل الله تعالى أن يوفق جميع مسؤولي البلدان الإسلامية و كافة الشعوب المسلمة التي تشعر بالمسؤولية إزاء هذه القضية الكبرى التي تتفاعل اليوم و لا يمكن أن نکون غیر مبالین بها، و أن يهدينا جميعاً و يعيننا. و نسأل الله أن يجعل الحلّ النهائي لمشكلة الشعب الفلسطيني - التي هي مشكلة العالم الإسلامي - عاجلة بقدرته البالغة و بعزته و قوته.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) سورة الأحزاب - الآية 43
2000/10/24

كلمة الإمام الخامنئي في المخيم الثقافي - العسكري لأنصار الإمام علي (ع)

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السّلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيما بقية الله في الأرضين. أحمد الله على توفيقي العظيم حيث استطعت أن أشارك في اجتماعكم الشبابي النشيط أيها التعبويون الأعزاء. إن وجود قوات التعبئة يجب أن يدفعنا إلى شكر الله. حيوية الشباب التعبويين يجب أن تدفعنا إلى حمد الله، كما أن النمو المطّرد في الكيف و الكم لقوات التعبئة يجب أن يدفعنا إلى شكر الله أيضاً. و اليوم في عالم السلطة السياسية و الاستكبار الاقتصادي و السياسي في كافة أنحاء العالم، حيث تحاول كافة القوى أن تحوّل شباب العالم، خاصة شباب البلدان الإسلامية، إلى كائنات ليس لديها نشاط و حوافز، و أن تبدّل جيل الشباب في البلدان الإسلامية إلى أناس دون الفائدة و لا يشكلون خطورة عليها - و هو ما تقوم به في البلدان المختلفة في العالم الثالث و خاصة في البلدان الإسلامية، طبعاً نفس البلدان الكبرى ذات الاقتدار السياسي في العالم تعاني من فساد و إدمان و إنحراف جيلها الشاب، شاءت ذلك أم أبت - و حينما يلاحظ المرء في مثل هذا العالم، أن جيل الشباب في بلدنا يربّي كوكبة عظيمة من الفتية و الفتيات الذين يتواجدون بحب و شوق في ساحات العلم و الدين و الجهاد و السياسة و ساحات استعراض القوة و النشاط أمام أعين العالم المذهولة و قلوبه اللامؤمنة فيجب عليه أن يشكر الله. أحمد الله تعالى على وجودكم و نشاطكم و طاقتكم و إيمانكم و استعدادكم يا أبنائي الأعزاء. إن هذا المخيم الثقافي - العسكري أقيم في الوقت الذي رفع فيه الكثيرون من شباب الأمة الإسلامية لواء الجهاد في فلسطين و في القدس الشريف و يدافعون عن كرامتهم و هويتهم و كيانهم بكل ما لديهم من النفس و المال، و هم يبذلون مساعيهم، بينما يطلقون خارج فلسطين العزيزة - في البلدان الإسلامية الأخرى - الشعار باسمهم و ذكرهم و تضامناً معهم و إعلاناً عن تواجدهم في الساحة. في مثل هذه الظروف أقيم هذا المخيم العظيم في هذا المكان.إن لي حديثاً حول التعبئة و حديثاً آخر حول فلسطين. بالنسبة للتعبئة أقول بأن سياسة مراكز السلطة الدولية قائمة دوماً منذ بداية هذا القرن و ما زالت على إقصاء الشعوب عن المعادلة السياسية، أي إنه منذ اليوم الذي خططت فيه الدول الأوربية و من بعدها أمريكا لإخضاع البلدان الإسلامية في هذه المنطقة لسيطرتها و استغلال نفطها و موقعها الاستراتيجي و أسواقها الاستهلاكية و طاقاتها العاملة الرخيصة، فإنها إضافة إلى ذلك اتخذت قراراً قاطعاً و مصيرياً آخر و هو أن تُخرِج شعوب هذه المنطقة عن المعادلة السياسية، إذ إن الشعوب إذا دخلت المعادلة السياسية، فإن جهاز الهيمنة الاستكبارية سيفشل. كيف يريدون إخراج الشعوب من هذه المعادلة؟ إن السبيل إلى ذلك هو ذلك هو أن لا يكون للشعوب دور و لا كلمة و لا عزم في هذه المنطقة، و هو أن يجعلوا على رأس السلطة في هذه البلدان عناصر موالية لهم، عناصر لا علاقة لهم بالشعوب و لا شعبية لهم بين الجماهير. إن نموذج ذلك في بلدنا إيران هو رضا خان و من بعده ابنه. إنهما لا علاقة لهما بالشعب. عندما تجد الشعوب نفسها في مواجهة سلطة مثل هؤلاء الأشخاص أو حكومتهم أو سيطرتهم في بلد كإيران أو في بعض بلدان شمال أفريقيا أو البلدان الأخرى في هذه المنطقة، فمن الواضح أنها لن تدعمهم. و عندما لا يقوم شعب بمساندة حاكم، فإن هذا الحاكم يخضع للسلطة الأجنبية و يمتثل لأمرها و نهيها، فعندما تأمره أن يعترف بسلام الشرق الأوسط فإنه يمتثل لأمرها و عندما تأمره أن يخفض أسعار النفط بقدر ما يحلو لها، فإنه سيكون مكرهاً على امتثال أمرها و عندما تأمره بإخراج شخص من حكومته أو أن يستخدم شخص للقيام بعمل خاص، فإنه يضطر لأن يمتثل لأمرها! فلماذا يكون مضطراً هكذا؟ لإنه إذا لم يمتثل لأمرها، فسيواجه سخط مراكز السلطة الدولية و هو من جهة ثانية لا يتمتع بشعب يسانده. و ستكون النتيجة هي أن يصبح قرار الحكام الفاسدين و العملاء في هذه البلدان هو نفس القرار الذي تتخذه أجهزة الهمينة الدولية أي ذلك الشيء الذي سميناه بالاستكبار منذ بداية ثورتنا، و هو ذلك الشيء الذي يحتقر الشعوب و لا يهتم بحقوقها و مصالحها. هذه كانت هي السياسة الاستكبارية، و هذا ما فعلوه. لقد تابعوا هذه السياسة في إيراننا العزيزة على مرّ عشرات الأعوام قبل الثورة. و لو نظرتم إلى البلدان الأخرى - إنني لا أذكر اسماءها و لا أعيّن زمناً بذاته- فإنكم ستجدون العديد من هذه النماذج. فما هي النقطة التي تقف في مقابل هذه السياسة؟ هي أن يدخل الشعب المعادلة السياسية في بلد ما و يقول نعم أو يقول لا، و يعلن عن مطالباته و يطالب بحقوقه و يتدخل في قضايا بلده بعين بصيرة و عزم راسخ و خطوات ثابتة و قوية. و هذا ما قامت به ثورتنا الإسلامية العظيمة و قائدها الفذ في هذا البلد الذي كان مغلقاً كطلسم. لقد كان هناك ما يسمى بالمجلس و الانتخابات و غير ذلك من هذه الأمور على طول عشرات الأعوام قبل الثورة. لكن هذا الشعب لم يكن يذهب و لا لمرة واحدة إلى صناديق الاقتراع و لم يكن يعرف الانتخابات و لا الحكومة و لا القرارات، بل كان كل شيء يتم تنفيذه في غياب الشعب و كانت كل القرارات تتخذ و تنفذ بعيداً عن الشعب. و لكن هذا الشعب نفسه هو الذي تواجد في الساحة منذ بداية الثورة. و مسؤولو الحكومة إذا كانوا يقومون باتخاذ قرار أو يبدون شجاعة أو يقومون بعمل راسخ قوي فإن ذلك بدعم من هذا الشعب. عندما يكون شعب في وسط الساحة، فإنه يساهم و يشارك في معادلة الحكم، و لن يكون بإمكان القوى المتغطرسة الدولية أن تجبره على شيء أن تفرض أحداً عليه، كما لن يكون بوسع الحكام المداهنة و الخضوع لإرادة الأجانب، لأن الشعب يطالبهم بهذا.إن كافة أبناء الشعب في إيران الإسلامية يتواجدون في الساحة، طبعاً ليست الحوافز على السواء في كل مكان، و كذلك ليست النشاطات و العزائم واحدة، و ليس الجميع على استعداد لتقديم نفس الشيء في سبيل الأهداف السامية لبلدانهم و شعوبهم. و هناك من هو على استعداد لبذل القليل من وقته و هناك من هو على استعداد لبذل عدة كلمات، و هناك من هو على استعداد لأن يكون متفرجاً و مشجّعاً. فالجميع ليسوا سواء. و هناك من بين أبناء شعبنا العظيم الذي يبلغ خمسة و ستين مليوناً من هو على استعداد لبذل نفسه إذا اقتضتها الضرورة أو بذل ماله إذا تطلب الأمر ذلك، أو تسجيل حضوره إذا تطلب الأمر ذلك. فلو كان الأمر متعلقاً بالبناء فسيدخلون الساحة، و لو كان الأمر متعلقاً بالدفاع فيخوضون غمار الساحة أيضاً، و كذلك لو كانت أهداف البلاد بحاجة إلى الإعداد العلمي، فإن هناك من يعد نفسه علمياً، و هناك دائماً من هم على استعداد لأن يقدّموا كل ما يطلب منهم في سبيل الأهداف السامية، و الذين يمتازون بهذه الميزة، هم التعبويون. التعبئة تعني أن الأجهزة المعنية في البلد لا تعتمد على المؤسسات الرسمية و الحكومية فحسب من أجل حل المشاكل المعقدة أو اتخاذ الخطوات الواسعة أو الدفاع عن البلد. فلدينا مؤسسات مسلحة قوية في الحرب و لدينا الجيش و الحرس، لكن عندما يطرح الدفاع عن حدود البلد أو استقلاله أو عزته، فإن الدخول في الساحة لن يقتصر على المؤسسات الرسمية فحسب، بل إن كافة أبناء الشعب يدعمونها و يدخلون الساحة، كما قاموا بهذا الأمر خلال هذه السنوات العشرين في فترة الحرب و قبلها و بعدها. هذا هو معنى التعبئة. التعبئة تعني تواجد أفضل القوى الشعبية العظيمة و أكثرها حيوية و إيماناً في الميادين التي يحتاج إليها بلدهم من أجل المصالح الوطنية و الأهداف السامية. و هذا ما يتميز به أفضل الأشخاص و أشدهم إخلاصاً و أعظمهم شرفاً و فخراً. التعبئة في البلد تعني تلك الثلة المستعدة لحمل لواء الفخر و التضحية في سبيله و هذا ليس بالأمر اليسير. إننا نحمد الله على أن القوى الشعبية الملتهبة المتحمسة كانت تتواجد في كافة الساحات منذ اليوم الأول للثورة. و لقد كان الإمام يعرف قدر هذه القوة، كما كان أبناء الشعب يعرفون قدر هذا التيار العظيم المتأجج بينهم، و حتى الذين لم يكن لهم حضورهم أو لم يكونوا مستعدين للنزول في هذه الساحات الخطرة، فإنهم قاموا بإطراء و تشجيع أولئك الشباب المستعدين و تلك العناصر المضحية. و هو ما أثار سخط أجهزة السلطة العالمية أو الأجهزة الاستكبارية، أولئك الذين يريدون أن يأخذوا بزمام الدول و الشعوب تعسفاً و ظلماً.و من هنا يمكن إدراك سر تلك الحملة الإعلامية ضد قوات التعبئة. فلماذا توجه الإهانات للتعبئة في أجهزة الإعلام الدولية و الإذاعات؟ و لماذا يسيء أولئك الذين يتلقفون حديث الأجانب و يكررونه، لقوات التعبئة بأقذع الألفاظ؟! و يوجهون الإهانات إلى قوات التعبئة التي تستحق الإجلال و التعظيم و التشجيع؟! لأنهم يعرفون دور التعبئة في الحفاظ على الاستقلال الوطني و العزة الوطنية و المفاخر الوطنية و تحقيق المصالح الوطنية، و إضافة إلى ذلك و فوق هذا كله، دورها في رفع لواء الإسلام و نظام الجمهورية الإسلامية. إنهم من ألد الأعداء للتعبئة و لكن عداوتهم بلا جدوى.إن شبابنا اليوم و الحمد لله و من مختلف الشرائح يشعرون بالحيوية و النشاط في التعبئة و يعرفون قدر هذا. و اليوم فإن شبابنا التعبويين تضم بين صفوفهم أبرز طلبة الحوزة و الجامعة و الطلبة الفضلاء الممتازين و طلبة الجامعات المتفوقين ذوي الأوسمة العالية في المسابقات العلمية الدولية و التلاميذ الممتازين في المدارس العليا و العمال الممتازين في المصانع و العناصر الممتازين في المجالات المختلفة و القراء الممتازين، و الفنانين الممتازين و الأساتذة الممتازين و كافة الممتازين في الشرائح المختلفة، فهل يمكن للعدو الحط من هذه القيمة السامية في عيون الشعب عن طريق كل هذه الدعايات العدائية الفارغة؟!إنني أقول لكم أيها الشباب الأعزاء، و أيها الفتية و الفتيات المؤمنون في قوات التعبئة و من أية فئة كنتم: أيها الأعزاء! إن البلد ملككم، و إن هذا البلد لكم يا جيل الشباب، فعليكم ببنائه و عليكم الحفاظ على قواعد المجد و العظمة التي أقامتها هذه الثورة و شيّدها بيديه مهندس الثورة القدير، و عليكم بتعويض ما جرّته علينا الأعوام الطويلة التي سبقت الثورة من تخلف و تراجع و ذلك بفضل ما لديكم من طاقة و إرادة و إيمان. و الذي يشعر من بين الشباب بهذه المسؤولية و هذا الحب بالأهداف بالإخلاص، فهو تعبوي سواء أكان في قوات المقاومة أو لم يكن، سواء أخذ بطاقة عضويته في التعبئة أو لم يأخذ، فكل من يتمتع بالإيمان و كل من يتابع تحقيق الأهداف السامية و كل من هو على استعداد للتضحية بنفسه و روحه من أجل بلده و إسلامه و في سبيل النظام الإسلامي و سبيل أبناء شعبه فهو تعبوي أينما كان. فعلى شبابنا الأعزاء التعبويين في فرق التعبئة الخاصة - فرق عاشوراء، و يا زهراء، في قوات المقاومة و في مختلف أقسام التعبئة - أن يفخروا لتمكنهم من تجسيد هذا الشعور بحضورهم المنتظم في قوات التعبئة.أصل الآن إلى لحديث حول قضية مهمة للغاية في أيامنا هذه، هي قضية فلسطين. أيها الأعزاء، في فلسطين تعبئة أيضاً، تلك التعبئة الفلسطينية التي لفتت إليها أنظار العالم اليوم. عندما تتحكم أيادي حفنة من الساسة في مصير القضية الفلسطينية، حيث لا دور للشعب فيها و لا صوت للشباب، فإن المصير سيكون هذا الذي شاهدتم، مذلة بعد أخرى و إنسحاباً إثر إنسحاب و ترك الساحة للأعداء حيث تخلوا عن خنادقهم الواحد تلو الآخر لصالح عدو متغطرس معتد صفيق و وقح، هذا هو الوضع حينما لا يكون الشعب في الساحة. لقد تجاهلوا الشعب و تناسوا الحوافز الحقيقية - أي الهدف العقائدي - التي تشد إليها الجماهير، و جعلوا القضية الفلسطينية ترتد على أعقابها إلى عشرات السنين. لقد قلت لأحد أولئك القادة الفلسطينيين عندما جاء إلى هنا في بداية الثورة: لماذا لا تطلقون شعار الإسلام؟ فأتى بأعذار واهية. هم لم يكونوا يريدون ذلك، لأن قلوبهم لم تكن تنبض بالإسلام. و اليوم مضى أكثر من اثني عشر عاماً أو ثلاثة عشر عاماً على دخول الشعب الفلسطيني الساحة باسم الإسلام و شعار الإسلام، فأدرك العدو فوراً أصل القضية. عندما بدأت الانتفاضة في العقد الماضي في فلسطين، فإن الأعداء - أي الصهاينة و حلفاءهم الأمريكيين - أشعروا بالخطر قبل أن يشعر به أحد آخر، فقرروا القضاء عليها. لأنها تفجّرت باسم الإسلام. ثم بذلوا مساعيهم لمعالجة الأمور، لكنهم عاجزون عن العلاج، لأنهم متغطرسون. إن الكيان الصهيوني كيان عنصري في فلسطين المغتصبة، فهل يمكن توقع العدالة من كيان عنصري؟! إنه كيان تشكل عن طريق قوى الهيمنة السياسية و الاقتصادية العالمية و ذلك بغية الحد من اتحاد الأمة الإسلامية و عزتها، و منع المسلمين من الظهور كقوة عظيمة متحدة كي لا يتمكنوا من تشكيل أي خطر. فهل يمكن توقع العدل و الإنصاف من هذا الكيان؟! إن الذين يتصورون أنه يمكن عقد المباحثات مع هذا الكيان، هم الساذجون، فأية محادثات مع الكيان الصهيوني تعد بمثابة فتح ميدان جديد له للتقدم. لقد قاموا بدعمه في المحادثات بالأمس، و جاء اليوم مطالباً بالمسجد الأقصى! عندما لا يعرف المرء كيفية التصرف مع مثل هذا الكيان المتغطرس و عندما يتخذ القرار تحت تأثير ضغوط الأمريكيين و الصهاينة المنتفذين ذوي السيطرة على رؤوس أموال العالم، فستكون تكون هذه هي النتيجة، حيث نزلت الجماهير بنفسها إلى الميدان. إن دخول عنصر صهيوني نجس و بغيض إلى المسجد الأقصى منذ ثلاثة أسابيع أثار مشاعر الجماهير. فإذا كان أدعياء القضية الفلسطينية أو حكام البلدان العربية قد احتجوا في ذلك اليوم على هذا التصرف لشعرت الجماهير أن هناك من يتحدث باسمها و ربما تغير مسير القضايا و لكن الجماهير أدركت بأن عليها النزول إلى الساحة. فنزلت إلى الميدان. و الآن مضت ثلاثة أسابيع منذ التهاب نيران المقاومة في أرض فلسطين، و لقد قلت لهؤلاء الشباب الفلسطيني: اعلموا بأن جيلاً قد استيقظ و أن جيلاً دخل الساحة، فهل يتمكنون من إطفاء شعلة هذه الانتفاضة بمثل هذه الأقاويل؟ إن هناك البعض يقومون بارتكاب الجرائم و الإرهاب و يقتلون عدداً من الشباب و المظلومين، لكن دماءهم ستروي شجرة النهضة الفلسطينية و الثورة الفلسطينية. إن القضية ليست بتلك الصورة التي يمكن للسلطة الاستكبارية الأمريكية أو عميلتها - الكيان الصهيوني - حلها، فلا يمكن معالجة هذه القضية. هم قاموا بإخراج شعب من دياره و وطنه و بلده، و الذين لازالوا يعيشون هناك يخضعون للهيمنة الأجنبية. فهل يمكن إخماد مثل هذا الشعب؟ إن الأجهزة الاستكبارية تشكو من إيران الإسلامية قائلة بأنكم تعارضون مشروع السلام، إننا معارضون بالطبع. و لكن اعلموا أنه تصور ساذج أن تظنوا بأنه من الممكن محو شعب من صفحات التاريخ و الإتيان بشعب مزيف بدله حتى لو لم تكن إيران الإسلامية معارضة و حتى لو لم يقم أي شعب أو دولة في العالم بتقديم العون. إن الشعب الفلسطيني يتمتع بالثقافة و التاريخ و الماضي و الحضارة. إن هذا الشعب عاش في هذا البلد آلاف الأعوام، ثم تريدون أنتم إخراج هذا الشعب من بيته و مدنه و تاريخه و تجمعون عدداً من المشردين و الضائعين و المزيفين و الخلطاء و الانتهازيين من بلدان العالم ثم تخلقون شعباً مزيفاً؟ فهل يمكن هذا؟! تقومون بهذا العمل عن طريق ممارسة الضغط و استخدام القوة لفترة معينة، فهل يمكن مواصلة هذه الأعمال؟! لا يمكن مواصلتها للأبد بالطبع، و قد ظهرت بوادر ذلك اليوم.إن كلمتي الأولى حول فلسطين هي أنه لا توجد قوة في العالم يمكن لها أن تخمد في العالم و في أفئدة الشعوب الإسلامية و لا سيما في صدور الشعب الفلسطيني شعلة الحرية و عودة فلسطين إلى أصحابها. و ليس هناك سوى طريق واحد للمعالجة. إنني أقول لأولئك الذين يعتبرون قضية الشرق الأوسط أزمة دولية و يقولون بأنه لا بد من أن نبذل المساعي للتغلب على أزمة الشرق الأوسط، أقول بأن الطريق الوحيد للتغلب على أزمة الشرق الأوسط هو استئصال جذور الأزمة. فما هي جذور هذه الأزمة؟ إنها الكيان الصهيوني المفروض على المنطقة. فما لم تقتلع جذور الأزمة، فإن الأنظمة ستظل قائمة. إن طريق المعالجة هو السماح للمشردين الفلسطينيين في لبنان و في أي مكان آخر بالعودة إلى فلسطين. و ليقم الشعب الفلسطيني الأصلي - سواء كان أبناؤه من المسلمين أو المسيحيين أو اليهود -بإجراء استفتاء و ينتخبوا نظاماً للحكم في بلدهم. إن الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني هم من المسلمين بالإضافة إلى عدد من اليهود و المسيحيين الذين هم من سكان أرض فلسطين الأصلييين و عاش آباؤهم هناك. فليقوموا بتعيين نظام الحكم المطلوب لهذه الجماعة في بلدهم، ثم يتخذ هذا النظام قراراً بشأن أولئك الذين احتلوا فلسطين طوال أربعين أو خمسة و أربعين أو خمسين عاماً، هل يُبقي عليهم، أو يعيدهم، أو يسكنهم في منطقة أخرى، فهذا يتعلق بالنظام الحاكم في فلسطين، و هذا هو سبيل حل الأزمة. و ما لم يتم تنفيذ هذا الحل، فلن يكون هناك حل عملي آخر، و لن يكون بإمكان الأمريكيين القيام بشيء آخر مع كل ما لديهم من استعراض للعضلات. إنهم فعلوا كل ما كان بإمكانهم، و هذه هي النتيجة التي تلاحظونها. طبعاً هم يشعرون بالسخط و الغضب إزاء ما حدث في الأسابيع الثلاثة الأخيرة في فلسطين المحتلة، و ثورة الشباب و شجاعة الرجال و النساء و تلك الإرادة القوية و العزم الراسخ الذي تحلى به ذلك الشعب المظلوم الغاضب، فراحوا ينحون باللائمة على هذا و ذاك! كلّا أيها السادة! إن الجمهورية الإسلامية ليست هي السبب في نهضة فلسطين و إن الشعب اللبناني ليس هو الذي يقف خلف ثورة فلسطين، بل إن الشعب الفلسطيني نفسه هو سبب نهضة فلسطين، و سبب ثورة فلسطين هو تلك الأيام و الهموم المتراكمة في عمق هذا الجيل الشاب الذي نزل اليوم إلى الساحة بكل أمل و نشاط. نحن نشيد بهؤلاء و نعتبرهم جزءاً منا و نعتبر فلسطين قطعة من جسد الإسلام و نشعر بالأخوة و القرابة تجاه الشعب الفلسطيني و شباب فلسطين، إلا أنهم هم أنفسهم الذين يتقدمون بالانتفاضة إلى الأمام.إن تلك الاتفاقيات التي عقدت في شرم الشيخ و الأطراف اللامسؤولة في القضية لا جدوى لها و لا تأثير. و ستكون مدعاة لخجل المشاركين في هذه الاتفاقيات و الذين عقدوها، و لن تكون لها أدنى فائدة و لا تأثير. إن قمة الرؤساء العرب ستعقد في مستقبل قريب جداً. إنني أرى من الضروري أن أذكّر رؤساء البلدان العربية بالمسؤولية الجسيمة التي تقع اليوم على عاتقهم. إن الأمة الإسلامية تتوقع اليوم أموراً من الرؤساء العرب. لقد بذل الأمريكيون مساعيهم لكي يؤثروا على قمة الرؤساء العرب، فينبغي عليهم أن لا يقعوا تحت هذا التأثير. إن كل قرار يتخذ في قمة الرؤساء العرب اليوم، سيكون عرضة لقضاء التاريخ و حكمه إلى الأبد. إن القادة العرب يستطيعون أن يكسبوا فخراً أبدياً لهم و ذلك عن طريق اتخاذ قرارات صحيحة في هذه القمة. طبعاً قضية فلسطين لن تحل بمثل هذه المؤتمرات، لكن هذه المؤتمرات بوسعها أن تقدّم مطالب الشعب الفلسطيني و تعرضها على العالم. أشد هذه المطالب أهمية و إلحاحاً هو محاكمة و معاقبة المسؤولين عن المذابح الفلسطينية خلال هذه الأسابيع الثلاثة في محكمة إسلامية أو عربية. كما يجب محاكمة ذلك الكائن القذر الذي جرح مشاعر المسلمين بدخوله المسجد الأقصى و ينبغي تطهير البيت المقدس و مدينة القدس تماماً من الصهاينة، و أن يسمح للشعب الفلسطيني أن يتخذ القرار حول مستقبله و مصيره بحرية كاملة. هذه هي المطالب الملحة التي يمكن لقادة البلدان العربية تقديمها. إنني أقول للإخوة و الأخوات الفلسطينيين، عليكم مواصلة جهادكم و صمودكم و اعلموا أنه ليس بإمكان أي شعب الحفاظ على شرفه و استرداد هويته و استقلاله إلّا بالصمود و الكفاح. فالعدو لا يمنح شيئاً لشعب عن طريق الرجاء و التوسّل. و لن يكون بإمكان أي شعب تحقيق أي إنجاز عن طريق إبداء الضعف و التذلل و الرجاء أمام العدو. فكل شعب بلغ أهدافه في هذا العالم، إنما بلغها بالعزم و الإرادة و الصمود و المواجهة و رفع الرأس عالياً. بعض الشعوب ليس لديها هذه الإمكانية، لكن الشعب الذي يؤمن بالإسلام و القرآن و الوعد الإلهي و قوله تعالى (لينصرن الله من ينصره)،(1) يتمتع بهذه الإمكانية.توصيتي الأخرى هي أن العدو يبذل قصارى جهده اليوم لبث الخلافات بين صفوف الشعب الفلسطيني حتى أن تلك العناصر الفلسطينية الخائنة التي تعاون العدو، تسعى لبث الخلافات. لا تخضعوا لمؤامرة العدو هذه. و على عناصر حماس، و الجهاد الإسلامي، و فتح - شباب فتح الذين دخلوا الساحة حديثاً - ألّا يغادروا الساحة و أن يكونوا جميعاً متحدين. كما يجب عليهم أن لا يسمعوا أحاديث أولئك الرؤساء و الزعماء الذين يتحدثون لصالح العدو و يقومون بتوجيه الأوامر. و على أبناء الشعب الفلسطيني أن يجتمعوا حول محور العناصر المخلصة و المؤمنة و المضحية. و ليعلم الشعب الفلسطيني - الذي يلفت اليوم انتباه العالم الإسلامي - أن أفئدة الأمة الإسلامية تشيد به و تدعو له. و لو كان ثمة طريق للمساعدة، فإن الأمة الإسلامية ستقدم مساعداتها، شاءت الحكومات أم أبت. إن الأمة الإسلامية لن تتخلي عن فلسطين و عن الشعب الفلسطيني و لن تتجاهل شباب فلسطين.كما أقول أيضاً لشعبنا العزيز بأن عليكم أن تعرفوا قدر هذه الملحمة التي سطرتموها في دعم إخوانكم الفلسطينيين الأعزاء و التضحية من أجلهم و عبرتم بوضوح و الحمد لله عن دعمكم العظيم و مساندتكم الشاملة لإخوانكم الفلسطينيين. هذا يمثل قيمة كبرى. و كل العالم يدري مدى حب بلدنا الإسلامي العزيز إيران، و شعبنا و حكومتنا و كافة أبنائنا رجالاً و نساءً و اهتمامهم البالغ و عزمهم الراسخ إزاء القضية الفلسطينية و لو كان بإمكانهم تقديم المساعدة، فإنهم لا يتوانون في تقديمها. و يا له من أمر رائع أن تُيجمع المساعدات المالية من المستطيعين و أن يبادر المستطيعون لتقديم مساعداتهم المالية، و لو لم يكن بإمكاننا تقديم العون العسكري و البشري و لم يكن بوسع شعبنا و شبابنا الذهاب إلى هناك، فإن من الممكن تقديم العون المادي و معالجة البعض من آلامهم و تضميد بعض جراحهم و جعل قلوب أمهاتهم و آبائهم تحت تفرح و تحن لهذه المحبة. لقد شاهدتم ذلك الصبي الذي قتل و هو في أحضان والده؟! هذا ليس النموذج الوحيد، بل ثمة نماذج أخرى مشابهة. إن عظمة هذه الحركة بلغت ذلك القدر الذي يجعل كل هذه التضحيات ضئيلة في أنظارهم. كما أنكم قدمتم تضحيات كبيرة خلال الحرب المفروضة إلّا أن تضحياتكم أذهلت كل العالم. و هكذا هو الشعب الفلسطيني اليوم، حيث راح يستصغر الصعاب و التضحيات و لكنه أدهش العالم. إن حادث شهادة كشهادة ذلك الصبي في أحضان والده، يفجّر عواصف في قلوب شعوب العالم. و هذه الأمور تستحق الكثير من التقدير.اللهم! نسألك في هذا الوقت من يوم الجمعة، و الذي هو يوم وليك و عبدك الصالح، الحجة بن الحسن أرواحنا فداه، و ندعوك بحق ذلك العظيم و بحق محمّد و آل محمّد و جميع الأولياء أن تنزل نصرك على أبناء الشعب الفلسطيني و كافة المسلمين المجاهدين في شتى أنحاء العالم. اللهم إنا نسألك أن تجعل الشعب الإيراني دوماً مرفوع الرأس و ظافراً و منصوراً. اللهم نسألك بحق محمد و آل محمد أن توفق شبابنا التعبويين المتحمسين و المتوثبين في كافة الساحات. اللهم! و اهلك أعداء الإسلام و المسلمين، و أجعل وحدة الامة الإسلامية أكثر قوة و رسوخاً يوماً بعد آخر. و أجعل القلب المقدس للإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) راضياً عنا و عن هذا الجمع و عن كافة الشعب الإيراني و لا سيما عن التعبويين الأعزاء. اللهم! أدخل السرور على الروح الطاهرة لإمامنا بما يقوم به هؤلاء الشباب المؤمنون في هذا البلد و أشملنا جميعاً بأدعية هذا الرجل العظيم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش: 1- سورة الحج: الآية 40.
2000/10/08

كلمة الإمام الخامنئي في حشود أهالي مدينة قم

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيّدنا و حبيب قلوبنا أبي القاسم محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، الهداة المهديين، سيما بقية الله في الأرضين.أحمد الله تعالى على أن وفّقني مرة أخرى لأكون بينكم يا أهالي قم المتوثبين المؤمنين الثوريين الواعين في مدينة العلم و الجهاد. فمدينة قم، مدينة محبوبة، و هي مدينة النهضة و الثورة، و مدينة العلم و الاجتهاد، و مدينة الولاية و الإمامة، و مدينة الحوزة العلمية، و مدينة العلماء الكبار، و المهد التاريخي الذي لا ينسى لإمامنا العظيم سماحة آية الله العظمى الخميني، و مدينة المراجع العظام، و مدينة المحدثيين و الفقهاء و العلماء و المفسرين و المؤلفين الإسلاميين البارزين، و هي مدينة تتمتع بمفاخر استثنائية و بالتاريخ الذي لا ينسى، سواء في العلم أو في الثورة و الجهاد.و لهذه المدینة الکریمة ثلاثة نقاط بارزة ملفتة للنظر من بين كل هذه النقاط المشرقة. النقطة الأولى: هي وجود المرقد الطاهر و المضجع الشريف للسيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، هذه السيدة العظيمة التي نبعت من جوار مرقدها لأول مرة، هذه العين المتفجّرة و المتدفّقة و شملت بركاتها كافة أنحاء العالم لا سيما العالم الإسلامي. النقطة الثانية هي العلم و الفقه و الحديث الذي حملت هذه المدينة رايته، و الحوزة العلمية التي ما زالت قائمة في هذه المدينة المقدسة منذ ألف و مائتي عام و إلى الآن. إن العلماء العظام و الفقهاء الكبار و الفلاسفة البارزين و المحدثين الفضلاء و المؤلفين الأجلاء قد تخرّجوا جميعاً من هذه المدينة أو التجأوا إلى هذه المدينة و أقاموا فيها في ظل نور بضعة الإمامة و الولاية: أي السيدة المعصومة (عليها السلام). النقطة الثالثة، هي ما تتميزون به يا أهالي هذه المدينة المؤمنين و الشجعان و الواعين و العارفين بالزمان. منذ اللحظة الأولى التي ظهرت فيها هذه النهضة على ساحة الوجود، كان أبناء هذه المدينة أول من لبّى و مدّ يد العون للإمام. إنني لا أنسى ذلك اليوم في المسجد الأعظم بمدينة قم، عندما بدأت الأسابيع الأولى للكفاح و النهضة العظيمة لرجال الدين أتى أهالي مدينة قم من مختلف الشرائح إلى محفل درس إمامنا العظيم، فرفعوا أصواتهم و قالوا إننا كنا و لا نزال ندعمكم، لماذا لا يتقدم هذا المشروع إلى الأمام كانت القضية قضية لائحة مجالس المدن و الولايات. أهالي مدینة قم ساندوا الإمام منذ أول خطوة في الکفاح. و يوم وجّهت تلك العناصر العميلة و الخائنة الإهانة للإمام في ذلك اليوم أيضاً كانت هذه المدينة و أبناؤها و هؤلاء الشباب، و هؤلاء الأمهات و الأخوات و الزوجات هم الذين قاموا بالثورة. و هؤلاء الشباب الذين انطلقوا إلى الشوارع و قدموا الشهداء و تلقوا الضربات و تحمّلوا الضغوط، لكنهم وقفوا صامدين.لقد كان نضال أهالي مدينة قم تمهيداً لكفاح الشعب الإيراني. فتواجدكم في شوارع مدينتكم علّم أهالي المدن الأخرى، و أوضح لهم الطريق. لذلك فهموا بأن عليهم أن يدخلوا الساحة، و أن يضعوا اللامبالاة جانباً و قاموا بهذا الأمر، فهبّت هذه العاصفة العظيمة و نشط البركان الهائل و هزّ العالم بأسره و حقق الحرية للشعب الإيراني. ثم، عندما حان وقت الدفاع عن النظام الإسلامي الجديد، كنتم أنتم أيضاً يا أهالي قم في الطليعة. و كان شبابكم و کتائبکم و التعبويون منكم و كذلک عوائلكم و أمهاتكم و آبائكم، کانوا هم الذين دخلوا الساحة بشجاعة و تضحية كبيرة و استطاعوا أن يلعبوا دوراً بارزاً جداً. و إنني لأشعر بالسرور بينكم، كما أحس بالهدوء إذ أتحدث معكم حول إحدى قضايا الثورة المهمة و العديدة. ما أريد أن أقوله لكم اليوم أيها الجماهير الأعزاء، هو أن الشعار الأساسي لثورتنا مكوّن من هذه الكلمات الثلاث: الاستقلال، الحرية، و الجمهورية الإسلامية. الجمهورية الإسلامية هو ذلك النظام الذي خاض الميادین، و يسیر قدماً بفضل جهوده و يشق الطريق رغم التحديات التي واجهها و یواجهها. إن شعار الحرية، هو من ضمن الشعارات المغریة للغاية، و قد تحدثوا عنه كثيراً و كتبوا البحوث و ألفوا الكتب و أطلقوا الشعارات. لقد قيل الكثير حول الحرية، تارة باعتدال و تارة بإفراط و تارة أخرى بتفريط. إن شعار الحرية ظل حيّاً و لكن شعار الاستقلال بقي معزولاً علی العکس من الشعارین الآخریین.إن شعار الاستقلال لهو من أهم الشعارات. لو لم يكن الاستقلال، لما استطاع شعب أن يتطلع بعین الأمل إلى حريته و شعار حريته. و هناك من یرید أن یصبح الاستقلال في خبر کان، بعضهم يفعل ذلك عمداً و بعضهم سهواً و بعضهم جهلاً و البعض الآخر خباثة. إنني أريد اليوم أن أتحدث لكم أيها الإخوة و الأخوات الاعزاء، حول قضية الاستقلال بما یتيحه لنا الوقت. ما معنى الاستقلال؟ و ما هو مفهوم الاستقلال و قيمته بالنسبة لشعب ما؟ معنى الاستقلال هو أن یتمکن الشعب من تعيين مصيره بنفسه، لا أن يتدخّل الآخرون و الأغيار و يقرّروا مصيره بتدخلاتهم الخيانية و المغرضة. هذا هو معنى الاستقلال. فلو سلب شعب استقلاله، أعني إذا تحكّم الأجانب في مصيره - و هم غیر مخلصین له طبعاً - فإن هذا الشعب سيفقد شيئين. الأول عزة نفسه و مفاخره و الشعور بهويته، و الثاني مصالحه. إن العدو الذي يتحكم في مصير الشعب لا يهمّه أمره و لا يهتم بمصالحه. و الذي يأتي ليضع مخالبه في رقاب شعب ما، فإنه لا يفكر بالدرجة الأولى - أولاً و آخراً - إلّا بمصلحته. و الشيء الذي لا يعيره أدنى اهتمام هو مصالح ذلك الشعب الذي فقد استقلاله، و عندنا الكثير من النماذج في هذا المجال في القرن التاسع عشر و من ثم في القرن العشرين.لقد جاء المستعمرون الأوربيون و هيمنوا على مناطق عديدة من آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية فأذلوا شعوبها و قاموا بسلب ثقافتها و هويتها و ثرواتها. حتى إنهم سحقوا لغاتها، و خطوط كتابتها و تاريخها و تقاليدها. لقد بقوا في تلك البلدان قدر استطاعتهم، ثم رحلوا عنها. لقد شاهدت بأم عيني بعض هذه النماذج و سمعت عن بعضها و قرأت عن البعض الآخر.و من هذه النماذج دولة الهند الكبيرة و الواسعة. أتى الإنجليز من أقاصي الأرض و احتلوها بالتزوير و الخداع أولاً، ثم لجأوا إلی السلاح و القوة العسكرية. لقد هيمنوا على هذه الأرض لسنین متمادية و أذلوا الجماهير و قتلوا الكبار و قضوا على ثروات الهند. إن الإنجليز ملئوا خزائنهم و جيوب أصحاب رؤوس الأموال من رؤوس أموال الهند و ثرواتها و تركوا الهند تعاني الفقر و المسكنة و البؤس. و لم يتوقف هذا على الثروات المادية فحسب، بل سلبوا منهم الثروات المعنوية و فرضوا لغتهم عليهم. و اليوم فإن اللغة الرسمية في الهند و باكستان و بنغلادش - و التي كانت تتشكل منها شبه القارة الهندية قديماً و التي كانت مستعمرة للحكومة البريطانية - لا تزال اللغة الإنجليزية! كانت في تلك المنطقة عشرات اللغات المحلية، نسخ الإنجليز هذه اللغات و قاموا بمحوها بقدر استطاعتهم. حينما يفقد شعب لغته، فإن هذا يعني أنه ينقطع عن تاريخه و تقاليده و تراثه القيم و لا يطلع عليها.لأتحدث لكم حول نموذج آخر، عندما كنت رئيساً للجمهورية، قال لي رئيس البيرو في أمريكا اللاتينية: لقد عثرنا حديثاً على حضارة شامخة جداً في حفريات جرت في بلدنا. كان يقول: لقد سيطر المستعمرون أعواماً متمادية على البيرو، لكنهم لم يسمحوا لشعب بيرو و مثقفيهم و أصحاب الرأي فيهم، أن يفهموا بأنهم كانوا يتمتعون بمثل هذه الحضارة في الماضي! أي إنهم كانوا يحولون دون أن يعرف الناس تاريخهم و يفخروا بماضيهم!النموذج الآخر هو الجزائر، هذا البلد العربي المسلم. فقد أتى الفرنسيون و هيمنوا على ذلك البلد على مدى عشرات السنين، و جعلوه مسخراً لهم بقوة السلاح و أقاموا لهم حكومة، و جعلوا حكامهم و ضباطهم سائدين في ذلك البلد، و كان أول ما قاموا به هو القضاء على الآثار الإسلامية و حتى اللغة العربية. عندما كنت رئيساً للجمهورية جاء أحد المسؤولين الجزائريين الكبار إلى طهران و زارني. كان يريد أن يقول شيئاً أثناء الحديث، و لكنه لم يستطع أن يعبر عنه باللغة العربية! مع أنه كان يتحدث باللغة العربية، لم يكن يدري كيف يمكن التعبير عن ذلك الحديث باللغة العربية! فالتفت إلى وزير خارجيته و سأله بالفرنسية عن معنى ذلك الحديث بالعربية؟ فأخبره بذلك، ثم استخدم اللغة العربية! أي إن زبدة و نخبة الشعوب، ظلوا معزولين عن لغتهم بسبب تأثير الاستعمار. و قد تحدث معنا المخلصون الجزائريون بعد ذلك و قالوا إننا بذلنا جهوداً كبيرة لإعادة اللغة العربية بعد إزالة الاستعمار.أعزائي، أيها الإخوة و الأخوات! إن فقدان الاستقلال في أي بلد يؤدي إلى مثل هذه الحالة، فيسلب جماهير ذلك البلد هويتهم الوطنية و مفاخرهم و ماضيهم التاريخي، و ينتهب ثرواتهم المادية و يسلبهم لغتهم و هويتهم الحضاریة أيضاً. هذا هو الوضع عندما تهيمن قوة كبرى على بلد ما. لقد كانت هذه هي الحالة في عهد الاستعمار. في العهد التالي بعد الاستعمار - و الذي يعرف بعهد الاستغلال - كان هناك وضع آخر. طبعاً لم يستعمر بلدنا أبداً، أي إن الأجانب لم يستطيعوا أن يأتوا إلى هذا البلد و يشكلوا حكومة غير إيرانية، تشكيل حكومة إنجليزية مثلاً، لأن الإنجليز كانوا يهيمنون على بلادنا. فالشعب الإيراني لم يسمح لهم بذلك، لكنهم قاموا ببسط نفوذهم داخل إيران قدر ما استطاعوا و كلما سمحت لهم الفرصة بذلك.إنني أريد أن أقدم لكم أربعة نماذج من تاريخنا القريب، أي تاريخ المائة عام الأخيرة و هذه النماذج الأربعة تثبت لنا ما يتعرض له بلد و شعب حينما تسود قوة أجنبية أجهزته السياسية و الثقافية.أحد هذه النماذج هو نموذج الثورة الدستورية. إنكم تعلمون بأن عهد استبداد الحكومة القاجارية كان قد بلغ ذروته عند الناس. و أدی إلی نهضة الناس و المخلصين في المجتمع، و كان في طليعتهم رجال الدين. كان رواد المشروطة رجالاً من أمثال المرجع المرحوم آية الله الآخوند الخراساني في النجف و ثلاثة من كبار العلماء في طهران هم: المرحوم الشيخ فضل الله النوري، و المرحوم السيد عبد الله البهبهاني، و المرحوم السيد محمد الطباطبائي. و كان هؤلاء يستمدون مساندتهم من الحوزة العلمية في النجف. فماذا كانوا يريدون؟ كان هؤلاء يريدون تحقیق العدالة في إيران و إزالة الاستبداد عنها. و عندما لاحظوا ثورة الجماهير فإن الحكومة البريطانية التي كان لها نفوذ شديد آنذاك في إيران و كانت تتمتع بعناصر بين المثقفين، رصدتهم و منحتهم وصفتها. طبعاً كان هناك بعض المثقفين في عداد المخلصين، فلا ينبغي تضييع حقهم، و لكن عدداً منهم أيضاً كانوا من الخونة و العملاء و كانوا من عناصر الحكومة البريطانية. أجل، لم تكن الدستورية سوى شكل و تجسيد للحكومة الإنجليزية. فهؤلاء المثقفين بدلاً من أن يبحثوا عن إقامة جهاز للعدالة بقالب و شكل إيراني يعمل على تحقيق العدالة، فإنهم جاءوا بالدستورية. فماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت النتيجة هي أن تلك النهضة الشعبية العظيمة التي كان يقودها العلماء و التي انطلقت باسم الدين و المطالبة بالدين، أدت بعد فترة قصيرة جداً إلى إعدام الشيخ فضل الله نوري شنقاً في طهران و قبره موجود في هذا المكان. ثم ما لبثوا أن أغتالوا السيد عبد الله البهبهاني في منزله. و بعد ذلك مات السيد محمد الطباطبائي في عزلة و وحدة. ثم أعادوا الثورة الدستورية إلى ذلك الشكل الذي كانوا يرغبون فيه، هذه الدستورية التي أدت أخيراً إلى حكومة تولاها رضا خان!النموذج الثاني، هو حكومة رضا خان نفسها. فالإنجليز كانوا قد عقدوا اتفاقاً مع الحكومة القاجارية يمنح لهم حق التسلط على كافة الأمور المالية و العسكرية في إيران. فجاء ذلك العالم الواعي المرحوم السيد حسن المدرس و عارض هذا الاتفاق و لم يسمح بالمصادقة على هذه اللائحة من قبل مجلس الشورى الوطني آنذاك. و عندما وجد الإنجليز أنهم لم يصلوا للنتيجة و لا يمكنهم أن يعملوا بهذا الشكل، فكّروا في طريقة أخرى. فهموا بأنه من الواجب عليهم أن يجيئوا بدكتاتور إلى القدرة و یولوه الحکم في إيران حتى يقوم بقمع و كبت السيد حسن المدرس و أمثاله و يتصرف مع الشعب بعنف شديد، و ينفذ المطامع الإنجليزية. و لهذا فقد جاءوا برضا خان إلى الحكم. إن حادثة تولي رضا خان زمام الحکم في إيران من الحوادث المليئة بالعبر في تاريخنا. و اليوم يجب على شباب هذا البلد جميعاً أن يطلعوا على هذه الحادثة. إن حالة الفوضى التي كانت تهيمن على البلاد قبل مجيء رضا خان، تم التغلب عليها بواسطة قبضة رضا خان الفولاذية و دعم الحكومة البريطانية، ثم فرض على البلاد نظاماً قسرياً و استبدادياً استمر خمسة و خمسين عاماً . و تغلغل الإنجليز في الأجهزة السياسية و الثقافية لبلدنا، و وضع الجماهير عرضة للضغوط.النموذج الثالث، هو نموذج شهريور عام 1320[أیلول 1941 م]الذي عزل رضا خان عن الحكم بواسطة حُماته القدامى و ذهب من إيران. ثم جاءوا بمحمّد رضا بشرط خضوعه تماماً للإنجليز! كان ينفذ لهم كل ما يريدون، و لذلك لم يكن هناك حاجة للاستعمار! و عندما يكون هناك خائن إيراني مستعد لحكم الشعب الإيراني مقابل الدعم الأجنبي و تنفيذ رغبات ذلك الأجنبي في إيران، فلا حاجة و الحال هذه لأن يتعبوا أنفسهم في استعمار البلاد! و هذا ما فعلوه.ثم جاء النموذج الرابع. و ذلك في شهر مرداد 1332 [آب 1953 م] بعد أن أسقطوا حكومة مصدق - و طبعاً كانوا قد فرضوا العزلة على المرحوم آية الله الكاشاني من قبل، بکل ما تيسر لهم من الخدع التي حيكت آنذاك - ثم عادوا للحكم من جديد و دخلوا إيران و استطاعوا أن يدبروا انقلاب 28 مرداد عن طريق ما یملکونه من نفوذ و عملاء و أنشطة و أن يعيدوا محمد رضا إلى إيران بعد أن کان قد هرب منها. و بذلك استمرت حكومة بهلوي الدكتاتورية السوداء لمدة خمس و عشرين سنة أخرى. هذه مراحل تاريخية أربع مليئة بالعبر.عندما يسمح شعب لقوة أجنبية بالنفوذ في أجهزته السياسية أو الثقافية فسيكون هذا هو مصيره. و لو لم تحدث الثورة الإسلامية، و لو لم ينطلق هذا الشعب، و هذه الحركة التاريخية العظيمة بقيادة الإمام العظيم، فهل تعلمون ما الذي کان سیحل بالشعب الإيراني اليوم؟ الشعب الذي لم يكن يُعلّم و يُمنح أي بعد من أبعاد التطور العلمي في الغرب، و لم يكن له اختراع و لا اكتشاف و لا بناء، فقد كل مصادره و باع نفطه لهؤلاء الأعداء بثمن أبخس من مياه الأنهار. فكان النفط لهم و مصافي تكريره من عندهم، و كانت الاتفاقيات الطويلة الأمد تعقد لصالح أعدائهم! كما أن أعداء هذا البلد كانوا قد خططوا أيضاً لسائر المناجم و المصادر الطبيعية في البلاد. إنهم كانوا يريدون أن يمحوا الأدمغة المفكرة لهذا الشعب و أن يبقوا على أجهزة البلاد العلمية في أدنی مستوی. لقد قضى الشعب الإيراني أياماً صعبة في مرحلة النفوذ الأمريكي و الإنجليزي في إيران. فالإنجليز تسببوا في تخلف الشعب الإيراني خلال المائة عام الأولى، ثم جاء الأمريكيون من بعدهم و جعلوا البلاد متخلفة بنفوذهم. و لا نزال نری بأم أعيننا حتى اليوم في أية مرحلة جديدة ندخلها، خیاناتهم و سوء أفعالهم و تصرفاتهم.إن أحد أبرز إنجازات الثورة الإسلامية هو قطع أيدي أمريكا عن هذا البلد، و إن إحدى مفاخر الثورة الإسلامية هو تمکنها من الغلبة على نفوذ أمريكا و قطع يدها و اقتلاع جذورها و إزالة العقبات التي تزرعها في مسیرة هذا البلد.طبعاً بعض الذين تولوا الحكومة في البداية في هذا البلد و كانت قلوبهم تنبض بحب أمريكا، كانوا يريدون أن لا يسمحوا بتحقيق هذا الإنجاز. لقد شاهدت ذلك بأم عيني عن قرب في مجلس الدفاع الأعلى عام 1358ه. ش. لقد كانوا يعدّون لائحة يتم على أساسها الإبقاء على وفود المستشارين العسكريين الأمريكيين - هؤلاء الذين ارتكبوا كل هذه الجرائم و الخيانات - في جيش الجمهورية الإسلامية، و لكن تحت عنوان آخر! و قد قمت بالحد من ذلك و قلت لهم ما هذا الذي تقومون به؟! و دار بعض النقاش، ثم تركوا الموضوع دون إکماله، و لم يوفقهم الله تعالى بعد ذلك لتنفيذ هذا العمل و ذهبوا. و مرة أخرى، و لم يكن قد مضى من عمر الثورة سوى عام واحد، أعدّ نفس هؤلاء السادة في الجزائر مشروع المحادثات مع الأمريكيين - الأعداء الدمويين لهذا الشعب - و لكن الإمام يمنع ذلك و لم يسمح لهم.عندما يسمع المرء اسم الإصلاح و الحرية من فم مثل هؤلاء الأشخاص، يحق له أن يسيء الظن. هم الذين كانوا يريدون بعد ثورة متألقة كان حدها المسنون ضد الهيمنة الأمريكية من هذا النوع أن يأتوا بالأمريكيين من النافذة بعد أن خرجوا من الباب مستخدمين في ذلك شتى أسالیب المکر. ثم يأتي هؤلاء الآن ليتحدثوا عن الحرية و الإصلاح و يدعمهم البعض من حثالة و عملاء النظام البائد! فكل إنسان عاقل يحق له أن يشعر بالقلق و يسيء الظن. لقد كان الاستقلال هو بيت القصيد في الثورة الإسلامية، أي الحيلولة دون النفوذ الأجنبي في هذا البلد، أي إن أمريكا و انجلترا و الآخرين لم يعد يحق لهم أن يقوموا بممارسة نفوذهم في قضايا البلد السياسية و الثقافية أبداً.أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء! لقد تحدثت حول قضية الاستقلال، لأن دستورنا ينص على أن الاستقلال لا يمكن أن يحدّ من الحرية و لا الحرية يمكن أن تحول دون الاستقلال و هذا من الأصول القوية و المتينة للغاية. فلو كان البعض يريد أن يطلق العنان للأعداء و نفوذهم باسم الحرية، فهذا لیس من الحریة بشيء. هذا ما يريده العدو. و هذا هو الفخ الذي ينصبه العدو. فاليوم يوم حساس و إن هذا العهد لعهد حساس.إنني أقول لكم: نحن نحمد الله على أن مسؤولي البلد، سواء المسؤولين الكبار، أو مسؤولي السلطات الثلاث و رؤسائها وقفوا صامدین أمام الأعداء بكل قوة و صلابة و هم على استعداد لبذل كافة مساعيهم من أجل استقلال هذا البلد و إن الشعب شعب واع يقظ. و لكن هناك البعض لا يرضون إلّا بإهداء هذا الاستقلال الذي تم الحصول عليه من قبل هذا الشعب ببذل دماء هذا العدد الكبير من الشهداء و الجهود التي بذلت في سبيل تحقيقه، إلى أعداء هذا الشعب!عندما يلاحظ المرء أن أجهزة إعلام العدو - الأجهزة الدعائية العميلة لأمريكا و وكالة الاستخبارات الأمريكية، و الأجهزة الإعلامية الإنجليزية، و الأجهزة الإعلامية للكيان الصهيوني الغاصب - قد استخدمت كافة طاقاتها و شنت حرباً نفسية من أجل لائحةٍ تقدم للمجلس، و راحت تعبر عن مشاعرها الجياشة التي تفوق عواطف الأم، حناناً و رقة من أجل أحد السجناء، أو أحد المسؤولين، فيحق له أن يقع في الشك و أن يتردد في تصديق الكثير من القضایا المزعومة. لقد عقد العدو آماله اليوم على أن يتمكن من استغلال نقاط الضعف و السذاجة، و إعداد موطئ قدم له من جديد في أجهزة البلد السياسية و الثقافية و لكني أقول بأن هذا الشعب یقظ و المسؤولين متيقظون و سيردون على العدو و على أطماعه و كثرة مطالباته بكل قوة. دستورنا دستور تقدّمي، و قد تم تدوينه بعناية فائقة و دقة متناهية. و على أساس هذا الدستور، يوضع كل شيء في مكانه. و إنني أوصي جميع المسؤولين، و كافة المؤسسات التشريعية و المراكز القانونية و جميع أبناء الشعب بمراعاة القانون. لو احترمنا الدستور، فإن العدو لا يستطيع أن يواصل أطماعه. لا بد من مراعاة القانون، فالقانون سد على الأعداء طريق نفوذهم. و لو لوحظ أن أجهزة الأعداء الدعائية تدافع عن بعض المجرمين في بعض الأحيان، فإن أفضل رد على العدو هو تطبيق القانون. و لو تلقى مثيرو الشغب في أحداث من قبيل أحداث خرم آباد العقاب اللازم - أياً كانوا - عن طريق الأجهزة القانونية لما تجرّأ الأعداء ثانية. بمراعاة القانون و العدالة و الابتعاد عن الخلافات السياسية الجزئية - التي عادة ما تكون مصحوبة بالضجة و الضوضاء - ليس بوسع العدو أن يستمر في مطامعه.أقول لكم أيها الأعزاء! إن الخلافات السياسية و اختلاف التیارات التي تبدو أحياناً كبيرة للغاية، ليست بهذا الحجم، و لا بهذه الأهمية. الشعب يواصل مسيرته. إن طريق الشعب هو طريق الإسلام و طريق الثورة و طريق الله و طريق الإمام العظيم. الجماهير لا تهتم بهذه التخطيطات المصطنعة، فالأعداء يحبون أن يزرعوا الشقاق بين الأجنحة. لقد قلت مراراً بإخلاص كامل في صلاة الجمعة - و هي لمن أقدس الأمكنة - و كذلك في الأماكن الأخرى و دعوت التيارات السياسية إلى الجلوس معاً و التباحث و أن يتخذوا القواسم المشتركة كأصل و مبدأ لحل الخلافات على أساسها. و إذا شددتم على المبادئ فلن تكون ثمة أهمية للخلافات السياسية الجزئية. فاستجاب البعض لذلك و عاند البعض الآخر و لا يزالون معاندين، فما معنى هذا العناد؟! لماذا يضحي البعض بوحدة الشعب و الوحدة الوطنية و الأمن القومي و المصالح الوطنية و مصالح هذا البلد من أجل الأهداف الفئوية، إذا كانت هذه الممارسات بعيدة عن نفوذ الأعداء، فهي سيئة للغاية، و إذا كانت ذات صلة بنفوذ الأعداء فهي بالطبع أكثر سوءاً!إنني لا أزال أدعو الجميع من جديد إلى وحدة الكلمة على أساس المبادئ الرئيسية للنظام الإسلامي و على أساس بينات الدستور و على أساس الإسلام و على أساس طريق الإمام و على أساس مصالح الشعب و على أساس مواجهة كل من يواجه هذا الشعب، و هذا طريق واضح يمكن لكل الأخيار و المخلصين و الصادقين الاجتماع عليه.إن جميع مدراء البلد اليوم يقومون بنفس هذه الدعوة و الحمد لله. فرئيس الجمهورية و رئيس السلطة القضائية و رئيس السلطة التشريعية و الكبار في الحكومة يدعون إلى ذلك جميعاً. هؤلاء يفهمون بأن إدارة هذا البلد الواسع بهذا العدد الهائل من المؤمنين يعد فخراً عظيماً منحه الله لهم. و هم يعرفون أنهم لو مدّوا يد العون لهذه الطاقات العظيمة و هذا الشعب الباسل الوفي و هذه الجماهير التي كان لها تواجدها القوي في الساحة دوماً و حيثما كان ذلك ضرورياً على مرّ هذه الأعوام العشرين، و لو عالجوا مشاكلهم و دافعوا عن مصالحهم و مبادئهم العزيزة و العظيمة - أي سيادة القرآن و الإسلام - فإن ذلك سيكون فخراً عظيماً لهم، سواء عند الله أو عند ملائكته أو عند أجيال التاريخ أو عند الجيل الحاضر في العالم.إن الجمهورية الإسلامية نظام عزيز في العالم اليوم. و مسؤولو الجمهورية الإسلامية أعزاء لعلاقتهم الوطيدة بالشعب. و هذا ما يدركه رؤساء و مسؤولو هذا البلد، و هو ما يلتزمون به أيضاً بفضل من الله. لكن البعض من ضيقي الأفق و ذوي الشخصيات الضعیفة المحبة للمصالح المادية بأشكالها المتنوعة و أصحاب الأذواق المعوجّة أحياناً - و ينبغي علينا أن نشير إلى الأذواق المعوجة أيضاً لكي يبقى هناك سبيل لحسن الظن - نهجوا طريقاً آخر.و المهم بالنسبة لهذا الشعب اليوم هو أن يأخذ المسؤولون بنظر الاعتبار العناصر الأساسية لإصلاح أمور البلد على قدر استطاعتهم. و هذه العناصر الأساسية هي ثلاثة: مكافحة الفقر و الفساد و التمييز. هذا هو أساس القضية. فالمسؤولون إذا لم يسكتوا عن الفقر و الفساد و التمييز فسوف يشمل الرضا الإلهي و التوفيق الإلهي و الهداية الإلهية الجميع و لسوف تزول جميع العقبات. هذا الشعب متواجد في الساحة، و هو شعب وفيّ و محبّ للقرآن. لو أردنا تحقيق هذه الأمور، فلا سبيل لذلك سوى الحدّ دون تغلغل الأعداء بكل قوة. لقد كان لإمامنا العظيم قاعدة و قد صرح بها مراراً. كان يقول: حيثما وجدتم الأعداء التقليديين لهذا الشعب و هذا البلد يعيرون الأهمية لشيء ما و يعبرون عن حبهم لأمر ما و يدافعون عن قضية ما، فعليكم أن تسيئوا الظن بفعلهم هذا. إنهم يعبرون أحياناً عن دعمهم لأحد الشخصيات عندما يريدون إفساده، و يدعمون أحياناً أحد عملائهم و يشنون حرباً نفسية من أجل إظهاره على أنه شخصية كبيرة. و لحسن الحظ فإن شعبنا شعب سياسي واع و متيقظ و لن ينخدع بهذه الأشياء.أما توصيتي الآخرى فهي أن تكسب المراكز القانونية ثقة الشعب. سواء السلطة القضائية أو الحكومة، أو مجلس صيانة الدستور أو مجلس الشورى الإسلامي، أو مجمع تشخيص مصلحة النظام. فإن هذه المؤسسات، مؤسسات قانونية. إن دعايات الأعداء تحاول دوماً أن تقصف أحد هذه المراكز إعلامياً أمام مجموعة من المخاطبين من أجل أن تفقدهم الثقة و الأمل و الاطمئنان، و تقضي على هذه الصلة بين الشعب و المسؤولين. إنني أقول بأن على كافة هذه الأجهزة أن تكسب ثقة الشعب و على الشعب أن يثق بها لأنها بمثابة أمن الشعب. إنني لا أدعي بأنه لن يحدث خطأ، فمن الممكن أن يحدث خطأ، و لكن لكل خطأ سبيل للتلافي و الإصلاح. لو قطعت الصلة بين الجماهير و الأجهزة القانونية، لما بقي هناك سبيل للحوار و التفاهم. و هذا هو ما يريده العدو.طبعاً على الأجهزة المسؤولة - سواء مجلس الشورى الإسلامي أو مجلس صيانة الدستور أو السلطة القضائية أو الحكومة أو مجمع تشخيص مصلحة النظام و غيرها - أن تراقب جميعاً و أن تحاول دوماً السير في الطريق الدقيق الذي رسمه أمامها الإسلام و القانون - الشرع و القانون - و ذلك بلا تغاض و لا مواربة و لا مداهنة و دون الاهتمام بالأبعاد غير اللازمة، و أن تأخذ الله و الشعب و المصالح الوطنية بنظر الاعتبار و لذلك يبارك الله في عملها.اللهم نسألك بحق محمد و آل محمد انزل بركاتك على هذا الشعب. اللهم! و انصر هذا الشعب على أعدائه، اللهم! و احفظ لهذا الشعب حصن استقلاله الذي دافع عنه بكل شجاعة. اللهم! و اجعل مسؤولي هذا البلد دؤوبين مسددين و موفقين ليكونوا في خدمة الشعب. اللهم! و احشر شهداءنا الأعزاء مع أوليائهم. اللهم! و احشر إمامنا العظيم مع أجداده الطاهرين. اللهم! و أحينا و أمتنا جميعاًَ للسير في طريق الله و طريق أئمة الهدى و طريق إمامنا العظيم. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2000/10/04

كلمة الإمام الخامنئي في مدراء و فنانين الدفاع المقدس

بسم الله الرحمن الرحيمفي البداية أرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء و مقاتلي الجبهة الثقافية للدفاع المقدس و الأعزاء الذين حملوا أرواحهم و أفكارهم و فنّهم و قلوبهم و طاقاتهم الثقافية إلى هذه الساحة إضافة إلى التضحية بأبدانهم و أجسادهم في ساحة هذا الاختبار العظيم للشعب الإيراني، و زادوا ثروة الشعب الإيراني و رصيدة أكثر فأكثر. و أرحّب خاصة بعوائل الشهداء الأعزاء لهذا الحضور العزيز المشكور و المعوقين و سواهم من المضحين. و أسأل الله تعالى أن يتقبل جهودكم القيمة و يجعل مواصلة هذا الطريق المليء بالمفاخر من نصيب أولئك الذين يتمتعون بنصيب من الفن و الأدب و الثروة الثقافية.فالحرب من أشد الحوادث و أهمها للشعب. قد لمسنا ذلك جميعاً بأنفسنا و بلحمنا و دمنا و شعورنا و إدراكنا. هذا ليس شيئاً قرأناه في التاريخ أو طالعناه في الإحصائيات. لكن النقطة المهمة هي أن بإمكان الشعوب أن يحوّلوا هذا الحدث المليء بالأضرار إلى فرصة ثمينة و رأس مال. أنتم تعلمون أن أضرار الحرب لا تقتصر على جرّ أبناء الشعب الأعزاء إلى شفا حفرة المنیة أو إيقاع الخسائر و تبديد الثروات فحسب. إن الإرادة الوطنية و فطنة الحكام و كياستهم لو لم تدعم البلاد في حرب ما، فإن الخضوع و الذل و الهزيمة المعنوية و عبئها الثقيل على عاتق ذلك الشعب، ربما كان أشد وطأة من كافة الأضرار. نحو مائة و خمسين عاماً - أو قرابة مائتي عام - تمر اليوم على اتفاقية (تركمانجاي) الملطخة بالعار. كل مواطن إيراني يشعر بالخجل في قرارة نفسه و يحس بالذل و الهزيمة عندما يطالع هذا التاريخ بعد مضي نحو قرنين من الزمان، و يسأل نفسه: كيف لم يتمكن حكام البلد من استثمار الإرادة الوطنية و الثروة المادية و المعنوية في البلد لدعم الهوية الوطنية لهذا البلد في مثل هذا الحدث العظيم؟! لقد توغل جيش الأعداء وسط البلد، ثم لم يلبثوا أن قبلوا بالانسحاب قليلاً بعد سلسلة من التذلل و الرجاء و التزلف و تدخلات الأعداء المتلبسين برداء الأصدقاء و بعد ما ألحقوا الكثير من الأضرار الفادحة بالمصالح الوطنية و الإهانات الفاضحة بالشعب الإيراني؛ بينما استولوا على سبع عشرة مدينة في القوقاز و حرموا إيران جزءاً عزيزاً من أراضيها...! أنتم لا تزالون حتى اليوم تشعرون بالخجل و الذل و الخضوع عندما تتذكرون هذا الحدث أو تقرأونه في كتب التاريخ و ترون ماذا حل بالشعب الإيراني في تلك الحادثة المرة. على غرار ذلك أيضاً ما حدث في الحرب العالمية الثانية، عندما أصبحت طهران محلاً لاستعراض و خيلاء ضباط البلدان المختلفة الذين كانوا يتجولون في شوارعها و ينظرون إلى المواطن الإيراني بعين الذل، و يستغلونه للقيام بأعمالهم و يوجهون له الإهانات، و يعتدون على عرضه. هذان نموذجان مختلفان. يدلان على ما لحق بالشعب من خسائر فادحة في الحروب.كانت كل هذه الأحداث ممكنة الوقوع في الحرب التي حدثت في هذا البلد سنة 1359 [1980م]. إن هدف أولئك الذين كانوا يريدون فصل جزء من الأراضي الإيرانية لم يكن تقلیص حجم الأراضي الإيرانية فحسب؛ بل كان الهدف هو أن يجعلوا هذا الشعب يشعر بالذل لقرون طويلة، ربما لمدة قرن أو قرنين، و أن يقتلوا روح الإقدام و الثقة بالنفس لدى الشعب الذي تجرأ على الوقوف أمام إمبراطورية الاستكبار العالمية العظمى و الثورة ضدها خلافاً لكافة الأعراف الدولية، و أتى بحكومة شعبية مائة بالمائة لا تخضع لأية قوة عظمى في العالم. لقد كان هذا هو منتهى أملهم و كان بإمكانهم الحصول عليه! و لو لا ما قام به المقاتلون و العوائل و قوات التعبئة الوطنية العامة و ما قام به المقاتلون في ميادين الشرف ثم عرضوه أمام أعين الجماهير و ما قام به قادة كل هذه المفاخر، لكان بوسع الأعداء تحقيق أهدافهم. لا تترددوا و لا تشكوا في ذلك. لقد كانوا يستولون على جزء من الأراضي الإيرانية، ثم كانوا سيعيدون إلينا بعض ما استولوا عليه بعد النقاش و كانوا سيمنّون على الشعب الإيراني بلطفهم هذا - طبعاً كانوا يقومون بهذا العمل خلال أعوام متمادية تستغرق أكثر من الأعوام الثمانية التي استغرقتها الحرب - ثم كان سيشعر الشعب الإيراني بالإهانة كلما ألقى النظر إلى ذلك الجزء من أراضيه! هذا الذي لاحظتموه من دعم الغرب بأكمله للعراق و دعم الاتحاد السوفيتي و كافة أوربا الشرقية و دعم الدول و حکومات دول الخلیج الفارسي للعراق التي كانت تابعة لإشارة أمريكا لم يكن هدفهم مجرد الاستيلاء على عدة مدن إيرانية و منحها للعراق أو إقامة حكومة مستقلة، بل كان الهدف هو القضاء على الشعب الإيراني و إزالة المنافذ التي أوجدها الشعب الإيراني في جهاز الامبراطورية الاستكبارية العظيمة. لكن الله لم یشأ ذلک لهم. فما معنى لم یشأ الله لهم؟ معناه هو أن أبناء الشعب الإيراني لو كانوا قد تجاهلوا الأمر و اغفوا و لم ينطلق المقاتلون إلى جبهات القتال، و لو لم يكن الإمام قد رفع صوته و ألبس قلبه على الدروع و لم يقف صامداً و لو لم يكن كل هذا الاستنفار و تعبئة القوى و الطاقات، فهل كان الله تعالى سيريد ذلك أيضاً؟ كلّا، فإرادة الله تعالى تصب في صالح الشعوب و إرادتها. الحقيقة الكامنة في حياة أي شعب لا تتغير بالإراداة الإلهية أبداً إلّا إذا تحلّى ذلك الشعب بالعزم على تغييرها. فهذا ما یصرّح به القرآن و هو من ضمن المعارف الدينية الأكيدة.إن ذلك الضرر الذي كان من المقرر إلحاقه - و لو لم تكن الإرادة الوطنية و حكمة و تدبير حكام و مسؤولي البلاد و إخلاص و جدّ المعنيين بهذا الصدد فإن هذا كان سيحدث بالتأكيد - قد تبدّل إلى فرصة بفضل هذا الإيمان و هذا العزم الوطني. أجل، لقد فقدنا الكثيرين من الأعزاء في الحرب، و تحملنا الكثير من الأضرار المادية و المعنوية، لكن شعوراً تفجّر في قلب هذا الشعب يحمل من البركات و القيمة ما يفوق كل شيء آخر في حاضرنا و مستقبلنا و هو شعور الثقة بالنفس، و الإحساس بالعزة و الاستقلال و الشعور بالثقة الوطنية العظيمة، و شعور الإيمان بتحقيق المعجزات المستحیلة، الواحدة تلو الأخرى لو التفّت الشعوب حول محورية الإيمان بالله و العمل الصالح. هذا ما حدث في حياتنا.أعزائي! ما يكمّل هذه القضية، هو رواية و نقل هذه الحادثة بشكل صحيح، و هنا يتجلّى دوركم. إن جميعكم - أغلبيتكم أو جميعكم - قد ذهب إلى ميادين القتال و حضر في الجبهات. الذين لم تسمح لهم أعمارهم بذلك في تلك الأيام، اطلعوا على قضايا الحرب نقلاً و رواية. إن هذه الحادثة العظيمة لو تمت روايتها بالشكل الصحيح، لظلت آثارها خالدة. لكن إذا لم تتم روايتها أو نقلت بصورة غير صحيحة، فلسوف تقل تأثيراتها، لا أنها ستزول بشكل كامل، لكنها ستقلّ إلى حد كبير. و لو نقلت بصورة مغرضة لا سمح الله، فإن القضية ستكون على العكس.إن هذه الأعوام الثمانية من مرحلة الدفاع المقدس تشمل الآلآف من الأحداث. إنني أريد أن أناشد المجتمع الثقافي و الفني في البلد أن يعدوا فهرساً على الأقل لهذه الأحداث الكثيرة . عليهم أن يجلسوا و يفكروا و يدققوا في أحداث الحرب بدقة فنية و أن يعدوا فهرساً لهذه الأحداث. ثم يقوموا بعد ذلك بمقارنة هذا بالأعمال الفنية التي أنجزت عن الحرب حتى اليوم - و هي أعمال قيمة جداً بالتأكيد - حتى يروا كم أنجزنا من هذا الفهرست. أعتقد بأننا لو قمنا بهذا العمل، فإننا سنفهم بأننا لم نعرض حتى واحداً بالألف من الذي كان ينبغي علينا عرضه ه حول الحرب و ما يمكن توضيحه من أحداث هذه الحرب! إنني غالباً ما لاحظت أو سمعت عن هذه الأعمال الفنية، لكن متابعتي لهذه الأعمال أصبحت قليلة في الأعوام الأخيرة. لاحظت في سنوات الحرب و السنوات التي تلتها أغلبية هذه الأعمال الفنية التي كتبت أو صورت تلفزيونياً أو سينمائياً حول الحرب أو حصلت على تقارير عنها. لا شك أن هناك الكثير من الأعمال القديمة من بين هذه الأعمال، لكن كل هذه الأعمال لا تزال قليلة مقابل هذا الكنز العظيم الذي أحرزه الشعب الإيراني خلال هذه الأعوام الثمانية من مرحلة الدفاع المقدس.إن الحرب لم تكن كلها في ميادين القتال. فالكثير من قضايا الحرب تكمن في المنازل و في الطرق و في القلوب و بين المجموعات المعنية باتخاذ القرارات و داخل المحافل الدولية. لاحظوا، أننا تعرضنا للكثير من الممارسات المغرضة الواضحة من قبل تلك المحافل التي كانت تدعي الحياد في القضايا الدولية و ذلك في فترة الحرب. إنهم كانوا يطلقون الكثير من المزاعم. أولئك الذين تلاحظونهم اليوم ينادون بنزع أسلحة الدمار الشامل و الأسلحة الكيمياوية و الجرثومية و ما شاكل و يعتبرونها من الأمور البديهية الواضحة، كانوا هم الذين منحوا للحكومة العراقية و الجيش العراقي الأسلحة الكيمياوية و قاموا بصنع هذه الأسلحة له أو وفروا له إمكانية صنعها. و القطبان الكبيران آنذاك - أي أمريكا و الاتحاد السوفيتي السابق - كانا قد جاءا لمساعدة العراق بكل طاقاتهما و إمكانياتهما، فأين و في أي عمل فني تم تبين و توضیح ذلک بشكل صحيح؟لقد قلت مراراً بأننا كنا نريد ذات يوم أن نستورد أسلاك شائكة لاستخدامها في الجبهات، لأنها لم تكن متوفرة في البلد و إيران لم تكن تنتج هذه الأسلاك. الاتحاد السوفيتي السابق لم يسمح لنا بالعبور بالأسلاك الشائكة من داخل أراضيه و قال بأنها من أدوات الحرب! أي إنهم كانوا يدّعون بأنهم لا يدعمون أيّاً من طرفي الحرب! بينما كانت الطائرات الروسية، و الصواريخ الروسية و الخبراء الروس و الضباط الروس و المتفجرات الروسية و كافة الإمكانيات الروسية، في متناول أيدي العدو في الجانب الآخر من جبهات القتال و كانت في مواجهتنا في هذه الحرب!كما أن أوربا التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان و تتحدث في المحافل الدولية بكل لباقة و أدب و لياقة، سواء شرق أوربا، أي يوغسلافيا الحالية و بقية بلدان الكتلة الشرقية آنذاك أو غرب أوربا أي ألمانيا و بقية البلدان قامت هي الأخرىبدعم العراق قدر استطاعتها. لكنهم لم يكونوا مستعدين لبيع إيران أبسط الأشياء. عندما كانت إيران تشتري شيئاَ منهم، بطریقة ما، فإنها كانت تبذل في ذلك قصارى جهدها و تشتريه بثمن باهظ قد یبلغ أضعافاً مضاعفة! طبعاً كان هدفهم واضحاً - كما سبق أن قلت - و كان من المقرر القضاء على هذه العزة الوطنية التي حققها الشعب الإيراني بفضل حركته الثورية العظيمة و سد الثغرة التي أحدثتها الثورة الإسلامية في اقتدار الثقافة الغربية و الهيمنة الغربية و نظام السلطة العالمية. لقد كان هذا هو هدفهم. و على أي حال فقد كانت هذه هي السياسة التي توصلوا إليها. فأين ذلك في أعمالنا الفنية، أو السينمائية أو المسرحية و سوى ذلك من سائر النتاجات الفنية؟ أو ليس من الممكن تصوير هذه الأحداث؟ أم أنها ليست تجربة تستلهم منها الأجيال القادمة في إيران؟!نحن نلاحظ اليوم بأنه عندما يدور الحديث حول الدفاع المقدس و حرب الأعوام الثمانية و هذه العظمة المطلقة التي أبدعها الشعب الإيراني - و التي تعتبر من أهم المواضيع الفنية، و بإمكان الفنان أن يستخدم قلمه أو يأخذ بزمام الأمور بشكل جيد في العمل على مثل هذه المحاور الوطنية المتألقة - فإننا نعثر على بعض النتاجات هنا و هناك لا تأخذ هذه العظمة بنظر الاعتبار، و ليس هذا و حسب، بل إنها تبحث فيها عن نقطة ضعف سواء أكانت حقيقية أو فرضية لتسلط عليها الأضواء! فما هو الهدف من هذه الممارسات؟ لماذا ينبغي تجاهل هذا الإنجاز العظيم الذي حققه الشعب الإيراني؟! و هل تعتبر هذه خدمة للشعب الإيراني الذي وقف برجولة و شجاعة في مواجهة هجوم استهدف حدوده و شخصيته و كرامته و تاريخه و هويته الوطنية، ثم نأتي الآن لنضع علامة استفهام أمامها و ذلك بلغة الفن. إنهم يقومون بهذه الأعمال. برأيي هذا ليس من قبيل الصدفة، أي إنه لا يمكن القول بأن فناناً فكّر إنه من الممكن العمل بهذا الشكل. كلّا، فالأمر باعتقادي ليس عادياً. طبعاً المسؤولون و مدراء المراكز الفنية و الثقافية في البلاد هم المسؤولون عن هذا القصور، و ينبغي عليهم أن يبرمجوا و أن يقوموا بعمل.كل ما كان يتمتع به هذا الشعب، بذله بإخلاص و خاض غمار الساحة. القرويون و القرويات و كافة المستضعفين رجالاً و نساءً في شتى المدن، و مختلف العوائل، و الشرائح المختلفة و الشباب الكثيرون و المؤسسات العسكرية في البلد - سواء من الجيش و الحرس، و حتى قوات الشرطة و التعبئة الشعبية العظيمة - كانوا قد دخلوا جميعاً الساحة. لقد حقق الشعب الإيراني إنجازاً عظيماً خلال هذه السنوات الثماني. و لا أجد في تاريخنا القريب - أي خلال بضعة قرون ماضية مما يمكن أن تكون له علاقة بقضايانا الحالية - أن الشعب الإيراني خاض حدثاً عسكرياً عظيماً و بمثل هذه الرغبة و الطواعية و ضحي في المراحل المختلفة بروحه و نفسه بفضل إيمانه و عاطفته و قوته. حتى في العصر الصفوي الذي حدثت فيه حروب عظيمة و تم فيه تحقيق إنجازات كبيرة، لم يكن ما نلاحظه اليوم على الإطلاق و ثمة أدلة واضحة على ذلك، و تحلیله لیس مستعصياً، فسببه واضح. و على كل حال فإن هذه الظاهرة هي ظاهرة لا مثیل لها في تاريخ إيران حقيقة، أو أنها نادرة، مراعاة للاحتياط. فهل هناك ما هو أشد جاذبية للفنان من مثل هذه الظاهرة العظيمة بكل ما فيها من شموخ و جمال؟ أنظروا إلى الأعمال الفنية العظيمة في العالم، إن الكثير من هذه الأعمال تتركز على بطولات الشعوب، حتى في حالات الهزيمة. حينما هجم نابليون على روسيا، فإن إثنين من الروائيين و الفنانين الكبار قاما بتصوير هذا الحدث: هما الفرنسي فيكتور هوغو و الروسي - الذي يمثل الطرف المنهزم في بداية الأمر تولستوي. يمكن للطرف الذي انتصر أن يتحدث كما يحلو له، و أما الطرف الذي باء بالفشل فقد صور الحدث في كتابه بشكل يعتبر مصدر فخر و عزة للشعب. يعني إنه ركز على النقاط القيّمة و الإيجابية التي يمكن للفنان ملاحظتها، و استخرجها و سلط عليها الضوء و أبرزها و أضفى عليها الألوان الخلابة و جعلها تدهش العيون.لقد حققنا نصراً مطلقاً في هذه الحرب التي استغرقت ثماني سنوات، فنحن لم نكن البائدين بالحرب حتى نقول لقد أصبنا بالفشل لأننا كنا نريد الاستيلاء على منطقة ما و لم نستطع، فالقضية لم تكن هكذا. القضية هي أن عدواً هجم علينا بهدف الاستيلاء على جزء من أراضينا، و قام العالم برمته بدعمه أيضاً، فوقفنا صامدین في مواجهته بشجاعة حتى باء بالفشل و تمرّغ أنفه في التراب. فهل هناك نصر أكبر من هذا؟! إذن، علينا أن نروي هذا النصر بكل ما له من أبعاد و خصوصيات و ما يحتوي عليه من آلاف الأحداث و الوقائع. هذه هي مسؤولية تقع على عاتق فنانينا الأعزاء و كتّابنا و فناني السينما و شعرائنا و رسامينا و أصحاب الثقافة و الفن.لقد انتهت اليوم مسؤولية أولئك الذين دخلوا ساحات القتال و أبدعوا تلك الملحمة طوال السنوات الثماني، سواء الشهداء منهم أو المضحون أو المقاتلون. لقد أنجز أولئک مسؤولیاتهم، و بعد أن انتهی عمل أولئك بدأت مسؤولية ركب عظيم آخر. إضافة إلى ما أعدوه من تقارير خلال مرحلة الحرب، فمرحلة الحرب هذه خلقت لنا الكثير من الفنانين و الشخصيات البارزة! إن مسؤولية هذا الركب العظيم تعود مرة أخرى بعد انتهاء الحرب و هنا لا تقتصر المسؤولية على ثمانية أعوام فحسب، بل یمکنها أن تمتد إلی ثمانين عاماً أخری أیضاً.لا أطيل الحديث، لكنني أشكر من أعماق قلبي جميع الأعزاء الذين قدموا خدماتهم الجليلة لهذا الشعب و هذا البلد في ساحة الثقافة و الفن و ذكريات الحرب الشامخة. أسأل الله تعالى أن يتقبل منكم جميعاً، و أن يوفقكم و أن يشمل بعنايته و توفيقه كافة الأخوات و الإخوة الأعزاء و أن يمنحنا القدرة على أداء هذا الدين العظيم الذي يقع على عاتقنا جميعاً أمام هذا الشعب و أمام هذا التاريخ إن شاء الله.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2000/09/27

كلمة الإمام الخامنئي لدى استقباله حشداً من السيدات

بسم الله الرحمن الرحيمأولاً أرحب بكن جميعاً أيتها السيدات المحترمات العزیزات، خاصة عوائل الشهداء الأبرار و أمهات و زوجات شهدائنا الأبرار لحضوركن في هذا الاجتماع الحميم الحاشد و أشكر الأم المحترمة والدة الشهداء الثلاثة الأعزاء للكلمة التي ألقتها.إن ذكرى ميلاد فاطمة الزهراء سلام الله عليها فرصة ثمینة للنساء المسلمات لیبدين اهتماماًً أكبر بهوية المرأة المسلمة و بمكانة المرأة الراقية في الإسلام و في ظل النظام الإسلامي. لقد أصبحت قضیة المرأة کباقی القضایا الأخری ألعوبة بأیدي الانتهازيين للقیم الإنسانیة. و في وسائل الإعلام علی مدی السنین نجد الذین لا یعیرون أي أهتمام للمرأة و لا لکرامة الإنسان و نجد أن القیم المادیة هي أهم ما عندهم، و للأسف هم یلعبون دوراً بارزاً في كافة الأصعدة - و قد جعلوا من قضية المرأة وسيلة للحصول على الأرباح المادية في الساحات المختلفة و راحوا يبحثون حولها، و يبتدعون التقاليد و يبثون الدعايات و یجرون أذهان النساء و الرجال في کل أنحاء العالم إلی الهاویة و إلی الضلال. في مثل هذه الظروف من المناسب للمرأة المسلمة استعادة هويتها عن طريق التفكير في المفاهيم الإسلامية و النماذج الإسلامية و التأمل في الخطوط التي رسمها النظام الإسلامي لتقدم المرأة و الرجل، و استعراض الأدلة الموضوعية في مواجهة سفسطة و وساوس العناصر الصهيونية و أصحاب رؤوس الأموال و الثراء و الذین یکنزون الذهب.لقد وقف الإسلام صامداً إزاء الجاهلية التي ظلمت المرأة، سواء في المجال المعنوي و التفكير و القيم الإنسانية أو في المجال السياسي، أو أبعد من ذلک و هو المجال الأسري. فللمرأة و الرجل مجتمع صغير طبعاً يسمى الأسرة، و هي نقطة الأنطلاق الأولی التي یمکن أن تتعرض المرأة فیها للظلم و الجور إن لم يتبع المجتمع القیم و المثل الإسلامیة. و لهذا وضع الإسلام قيماً لكل هذه المجالات الثلاثة.بالنسبة إلی القضايا المعنوية، فالمرأة هي من رواد حرکة الإنسان المعنویة نحو التقدم. و عندما یأتي القرآن بمثلٍ عن المؤمنین یقول: ( و ضرب الله مثلاً للذين آمنوا أمرأة فرعون )؛ فيضرب مثلاً بالمرأة. و عندما يدور البحث حول الإيمان و الإسلام و الصبر و الصدق و الجهاد في سبيل الحصول على القيم الإنسانية و الإسلامية و المعنوية، فإنه يقول: ( إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات ). لقد ذكرت هذه الآية عشرة أسماء للقيم المعنوية: الإسلام و الإيمان و القنوت و الصدق و الصبر و الخشوع و غيرها. فالمرأة و الرجل يتحركان جنباً إلى جنب في هذه الساحة و يتقدمان إلى الأمام؛ كما ذكر القرآن الكريم كليهما. إن صنم النزعة الرجولة الذي كان يعبده الرجال و حتى النساء في الجاهلية حطّمه الإسلام في هذه الآيات. كما أن الإسلام يعتبر بيعة المرأة أمراً ضرورياً و قضية حيوية في الساحة السياسية و الاجتماعية. إنكم تلاحظون في العالم الغربي و في هذه البلدان الأوروبية التي تدعي جميعها الدفاع عن حقوق المرأة - و کلها کاذبة تقریباً - لم يكن للنساء حتى خلال العقود الأولى من القرن المنصرم، أي حق في إبداء الرأي و لا في الانتخاب و قول الحق بل و حتى لم يكن لها حق في الملكية. أعني لم تكن المرأة مالكة لأموالها الموروثة أيضاً؛ كانت أموالها في أيدي زوجها! و لقد ثبّت الإسلام بيعة المرأة و ملكيتها و ضرورة تواجدها في الساحة السياسية و الاجتماعية. ( إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله ). فإذن النساء كن يأتين لمبايعة النبي. و لم يقل نبي الإسلام ليأتي الرجال و يبايعوا نيابة عن النساء، و لم يقل إن على النساء اختيار ما اختاره الرجال؛ كلّا. بل قال: بأن على النساء المبايعة أيضاً؛ و يجب عليهن المشاركة في القبول بهذه الحكومة و في القبول بهذا النظام الاجتماعي و السياسي. و بهذا فالغربيون متأخرون عن الإسلام ألفاً و ثلاثمائة سنة في هذا المجال و مع هذا يتشدقون بهذه الأمور! هكذا هو الحال بالنسبة للملكية؛ و سائر المجالات الأخرى التي تتعلق بالقضايا الاجتماعية و السياسية.و كانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها أسوة سواء في طفولتها أو في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول (ص) إليها، و كذلك في كافة القضايا العامة المتعلقة بوالدها - الذي كان محوراً لجميع الأحداث السياسية و الاجتماعية - و هذا يدل على دور المرأة في النظام الإسلامي. کانت فاطمة الزهراء طبعا الذروة في هذه الفضائل. و كانت هناك شخصيات بارزة بين النساء في صدر الإسلام؛ النساء اللواتي كن يتصفن جميعهن بالمعرفة و العقل و العلم و التواجد في الساحة، و كن يشاركن في ساحات القتال؛ لدرجة كانت للبعض منهن اللواتي كن يتمتعن بقوة بدنية، بطولات و صولات في ساحات الحرب. لكن الإسلام لم یفرض هذه الأمور على النساء طبعاً، بل رفعه عنهن؛ لعدم ملاءمته لطبيعتهن الجسدية و عواطفهن.على الرجل أن یحافظ علی المرأة فی أسرته کالوردة، و لذلك يقال: المرأة ريحانة . و لا علاقة لذلک بالساحات السياسية و الاجتماعية و الدراسية و ألوان الكفاح السياسي و الاجتماعي المختلفة؛ بل يتعلق بالبيئة العائلية. المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة . و بهذا يقضي النبي على تلك النظرة الخاطئة التي كانت لا ترى في المرأة مسؤولية سوى أداء واجباتها داخل البيت. المرأة كالوردة التي يجب العناية بها. يجب أن ننظر إلی هذا المخلوق المتسم بالرقة الروحية و الجسدية بهذه النظرة. و هذه هي نظرة الإسلام. فقد حافظ الإسلام على المميزات النسوية التي تقوم عليها كافة مشاعرها و متطلباتها، و لم يفرض عليها و لم يطلب منها، أن تفکر أو تعمل أو تطالب كالرجل - أعني في النظرة الإسلامية حفظت لها مميزاتها النسوية التي هي خصوصية طبيعية و فطرية و محور كافة المشاعر و المساعي النسوية - و في الوقت ذاته فتح أمامها أبواب العلم و الساحة المعنوية و التقوى و الساحة السياسية و حثها على اكتساب العلم و كذلك التواجد في الساحات الاجتماعية و السياسية المتنوعة. و في نفس الوقت لا يحق للرجل داخل العائلة أن يجبر المرأة على العمل أو أن يضطرها لشيء أو یکون مفرطاً في متطلباته منها، أو يستخدم القدرات الجاهلية و غیر القانونية ضدها. هذه هي النظرة الإسلامية.و بفضل هذه النظرة عندما وصلت النهضة الإسلامية إلى مرحلة الثورة الإسلامية و تقدمت المرأة إلى الأمام بما لها من فهم طبيعي لموقف الإسلام؛ قال الإمام - و نعم ما قال - لو لم تشارك المرأة في هذه النهضة لما انتصرت الثورة. و لا شك لو لم تشارك النساء في المظاهرات الحاشدة في الشوارع - أعني تلك المشاركة الواسعة العظيمة للنساء في أيام الثورة - لما انتصرت الثورة. و في الحرب المفروضة لو لم تبد أمثال هذه الأم العزيزة لهؤلاء الشهداء الثلاث و أمهات الشهداء و زوجات الشهداء - التي كان لي شرف الجلوس و الحديث و التعرف على خصوصيات الآلآف منهن - لو لم يبدين إيمانهن و صبرهن و صمودهن و معرفتهن و استنارتهن و تضحيات شبابهن و أزواجهن، لما انتصرت الحرب. و لو لم تتحلَّ أمهات الشهداء و أزواج الشهداء بالصبر، لما تعطشت أفئدة الرجال شوقاً للجهاد في سبيل الله؛ و لما تفجر منها الشوق بتلك الصورة لينشر النضارة علی المجتمع. و لقد لعبت المرأة دوراً ریادياً في ساحات القتال. و لو لا وفاء السيدات و عواطفهن و تواجدهن في الساحات المختلفة، و في المظاهرات و الانتخابات لما كانت هذه الانطلاقة و الحركة الشعبية و استمرارها بهذا الشکل. هذا هو رأي الإسلام، و هذه هي النظرة الإسلامية. على الغربيين تحمل مسؤولياتهم حيال المرأة؛ لأنهم خانوا المرأة. إن الحضارة الغربية لم تمنح المرأة شیئاً. و إذا لاحظنا التقدم العلمی و السياسی و الفکری للنساء هناک فأنه تحقق بفضل جهدهن. و في أي بلد تحرز فيه المرأة مثل هذا التقدم - و هو الذي قد تحقق في إيران الإسلامية و بلدان أخرى - فإنما تحقق بفضل سعيهن. إن ما أشاعه الغربیون و كانت الحضارة الغربية أساسه المعوج، لم یکن إلا الابتذال حيث رموا بالمرإة إلی هوة الابتذال و لم يقوموا بإصلاح أمورها داخل الأسرة. و تنشر الصحف الأمريكية و الأوروبية باستمرار تقارير عن ارتفاع نسب تعذیب المرأة و الإساءة إلیها. إن الحضارة الغربية التي أودت بالمرأة إلى مستنقع الابتذال و الابتلاءات الجنسية، سببت تزلزل الكيان العائلي و عدم أعتبار الخیانة الزوجیة قضیةً کبیرة. ألا يعتبر هذا ذنباً؟ أوليست هذه خيانة للمرأة؟ و مع حضارتهم هذه، کأنهم هم أصحاب حق أمام العالم کله؛ في حین أنهم مدانون! بالنسبة إلی قضیة المرأة يجب على الحضارة الغربية الدفاع عن نفسها و عليها إعطاء التوضیحات؛ لكن هيمنة الرأسمالية و الإعلام الغربي يقلب الحقائق رأساً علی عقب؛ فيتحول هؤلاء إلى أصحاب الحق و المدافعين عن حقوق المرأة حسب ما يقولون و يظنون! في حین أن الأمر لیس کما یظنون. طبعاً هناك مفكرون و الفلاسفة و أناس صادقون و صالحون بين الغربيين يفكرون و يتحدثون بصدق. ما أقوله هو أن الاتجاه الثقافي العام و الحضارة الغربية عموماً هي ضد المرأة و في ضرر المرأة. على المرأة الإيرانية في إيران الإسلامية أن تبذل جهدها في إحياء الهوية السامية للمرأة الإسلامية إلى درجة تلفت أنظار العالم. هذه هي المسؤولية التي تقع على عاتق النساء المسلمات؛ خاصة الشابات منهن و فتيات المدارس و الجامعات.الهوية الإسلامية هي أن تحافظ المرأة على هويتها و خصائصها الأنثویة - التي تعتبر أمراً طبيعياً و فطرياً و إن خصوصيات أي جنس تعتبر قيمة له - أعني الحفاظ على تلك المشاعر الرقيقة، و عواطفها المتدفقة و عطفها و محبتها، و رقتها و صفائها و تألقها الأنثوي، و في الوقت ذاته ينبغي عليها التقدم في ساحة القيم المعنوية يوماً بعد يوم - كالعلم و العبادة و التقرب إلى الله، و المعرفة الإلهية و السلوك في وادي العرفان، سواء في ساحة القضايا الاجتماعية و السياسية و الصمود و الصبر و المقاومة و التواجد السياسي و المطالبة السياسية و الفهم و الوعي السياسي و التعرف على بلادها و مستقبلها و المبادئ الوطنية الكبيرة و المبادئ الإسلامية المرتبطة بالبلدان الإسلامية و الشعوب المسلمة و التعرف على مؤامرات الأعداء و التعرف على العدو و أساليبه، أو في ساحة استتباب الأمن و الإنصاف و إرساء الهدوء في البيئة الحياتية و الأسرة. إذا كانت هناك حاجة إلی قوانين أو حاجة إلى القيام بإصلاح القضايا المرتبطة بالمرأة، فعلى النساء اللواتي يتمتعن بالعلم و المعرفة و الوعي أن يتقدمن و يدخلن في كافة هذه الساحات؛ و عليهن استعراض النماذج المتكاملة للمرأة؛ حتى يثبتن أن المرأة المسلمة هي مرأة تحافظ على دينها و حجابها و أنوثتها و لطافتها و نعومتها و تدافع عن حقها؛ و تتقدم في ساحة المعنوية و العلم و البحث العلمي و التقرب إلى الله و تكشف عن شخصيات بارزة و تتواجد في الساحة. و هنا تكون أسوة للنساء.عليكن أن تعلمن أن أنظار المرأة المسلمة في الكثير من بلدان العالم تتوجه إليكن اليوم و النساء یتعلمن منكن. حينما تلاحظن في بعض البلدان الغربية و في بعض البلدان المسلمة التي تسودها الحكومات غير المسلمة، بأن الحجاب الإسلامي یتعرض لهجمة أعداء الدين، فهذا یدل على رغبة النساء في الحجاب. في البلدان المجاورة، و في الأماكن التي لا تعیر أي اهتمام بالحجاب، أو البلدان الإسلامية التي زرتها من قريب و لم يكن هناك ذكر للحجاب قط؛ نجد بعد مضي عشرين عاماً من عمر الثورة أن النساء؛ خاصة المثقفات و الجامعيات منهن و الفتيات في الجامعات، قد أقبلن على الحجاب و تعلقن به؛ و حافظن علیه؛ و هناك نماذج لذلك في البلدان الغربية فضلاً عن البلدان الإسلامية. أنتن أسوة و نموذج. اعلمن إنه لا توجد في أي نقطة من العالم نساء كأمهات شهدائنا، أم لشهيدين، أو أم لثلاثة شهداء، أو أربعة شهداء. و هناك العديد من الأمهات اللواتي وقفن صامدات أفضل و أقوى من الآباء بفضل ميزاتهن و وعيهن في هذه المجال. هذه هي التربية الإسلامية؛ هذه من الآثار الطاهرة و النورانية لفاطمة الزهراء سلام الله عليها. إنكن بنات فاطمة و أولاد فاطمة الزهراء و أتباعها.أسأل الله أن تنير قلوبكن جميعاً الأنوار المقدسة للولاية و المعنوية و المعرفة و أن تخطو النساء المسلمات خطوات كبيرة و حسنة يوماً بعد يوم في طرق الحفاظ على الهوية الإسلامية و أن تشمل الألطاف الإلهية و الفضل الإلهي روح إمامنا الطاهرة و أن تشملكن جميعاً أيتها الأخوات العزیزات الأدعية الزاکیة للإمام المهدي الموعود أرواحنا فداه.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2000/09/19

كلمة الإمام الخامنئي لدى استقباله مسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما بقية الله في الأرضين. قال الله الحكيم في كتابه:( بسم الله الرحمن الرحيم. الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم.) (1)أرحب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، و المسؤولون و المدراء البارزون في نظام الجمهورية الإسلامية. إن هذا الاجتماع اجتماع رائع و نسأل الله تعالى أن يكون اجتماعاً مفيداً. أحاديث سماحة السيد خاتمي، كانت أحاديث جيدة و مفيدة و تنمّ عن حوافز جيدة و سامية جداً. نسأل الله أن نتذكر هذه المواضيع التي أشار إليها - خاصة في قسمها الأول الذي كان يختص بسيرة مولى المتقين و إمام الموحدين، أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام - لتكون لنا درساً دائماً. الهدف من هذا الاجتماع هو بالدرجة الأولى إيجاد الألفة و التعاطف. فإن اتفقت الأذواق و الأفکار حول الأمور المختلفة، لكان ذلك أفضل، و لو اختلفت الأذواق في بعض من القضايا، فأواصر المحبة ستملأ الفراغ.التعاطف سيكون أكثر يسراً بذكر الله. إن ذكر الله يشعل مصباحاً في قلب الإنسان و یملؤه نوراً، و يزیل عنه غبار الحقد و الضغینة و الإنانية، و يمثل مرساة للقلوب المضطربة المتلاطمة، و يبعث الهدوء و يطمئن القلوب. إن ذكر الله فی المتناول دوماً و قریب من القلوب الطيبة، ما عدا القلب الذي ابتلى بالخبائث. لمثل هذا الشخص لن يتيسر ذكر لله، و لن يحدث له مثل هذا النجاح و لا يسمح له بدخول حريم القدس الإلهي. إن القلب الملوث بالشهوة و حب السلطة و الحقد على عباد الله و الملوث بالحسد و الأنانية و حب المال، لا يجد طريقه نحو حريم القدس الإلهي، إلا القلب الذي تطهّر من هذه الأدران.لا يسمحون للقلب الملوث بالدخول إلى حريم القدس الإلهي، ينبغي أن نتطهر من الدنس. لو استطاع القلب أن يعطّر و يزيّن نفسه بذكر الله، فلا شك أن الاستجابة الإلهية ستتيسر له، ( ادعوني استجب لكم ).(2). ليس هناك دعاء دون الاستجابة. الاستجابة لا تعني أن يتحقق للإنسان كل ما یطلبه بالتأكيد - يمكن أن يتحقق له، و يمكن أيضاً أن لا يتحقق نظراً لبعض الأسباب و المصالح - لكن الاستجابة الإلهية ستتحقق. الاستجابة الإلهية هي نظر الله تعالى و عنايته، حتى و لو لم يتحقق لنا ما طلبناه - و كثيراً ما نتصور أن هذا الطلب هو لصالحنا، لكنه ليس لصالحنا - لكن نداءكم يا الله لا بد أن يكون له لبيك. علينا أن نسعى لتعطير القلوب، و اليوم نحن في أمس الحاجة إلى تطهير القلوب. أنا أحتاج إلى هذا العلاج الإلهي أكثر منكم جميعاً، فنحن الذين تقع على عاتقنا مسؤوليات جسيمة، نحتاج إلى ذلك أكثر من الآخرين. إن مسؤوليتنا جسيمة. إن الله تعالى قد فرض على النبي كل هذه العبادات الثقيلة و هذا السهر في الليالي، و ذلك البكاء و التضرع في جميع الساحات، لأن مسؤوليته جسيمة. كل شخص بحاجة إلى تقوية علاقته بالله تعالى بقدر ما يتحمّله من مسؤولية. لو استطعنا أن نقوّي هذه العلاقة، لصلحت أمورنا و تمهّدت أمامنا السبل و استضاءت أذهاننا و أصبحت الآفاق واضحة أمامنا، لكننا إذا لم نحل هذه العقدة، فإن أمورنا لن تصلح. من الممكن أن يتحقّق النجاح في بعض الأمور، لكن الهدف لا ينحصر بالنجاح في الأمور الدنيوية. هدف الإنسان الموحّد أرفع من أن یحصر في عالم الطبيعة، مع أن عالم المادة هو المقدمة و التمهيد و الصراط نحو تلك الأهداف. أنکم لا تستطيعوا الّا تعبروا هذا السبيل، لكن ينبغي عليكم عدم التوقف فيه. إن الهدف ينبغي أن يكون أعلى من متطلبات هذا العالم. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لنتمکن من تنفيذ هذه الأعمال.أعزائي! إن بلدنا - كما سمعتم في حدیث سماحة السيد خاتمي - يتمتّع بالإمكانيات الوافرة و الآفاق المشرقة، لكن هناك مشاكل، فينبغي الاستفادة من هذه الإمكانيات و تخطي هذه المشاكل. في مثل هذه الظروف، الوحدة و التعاطف برأيي من أكثر الأمور أهمية في عالم علاقاتنا الإنسانية. ينبعي عدم تلويث الأجواء. لو وفق الله تعالى مسؤولي النظام إلى السير معاً في تعاطف - الذي لا يعني بالضرورة تشابه الأفكار فأحياناً يمكن أن تختلف الأذواق، لكن ليس من منطلق النزاع و الخصام و العداء - فستحل الكثير من المشاكل. إن ثورتنا و نظامنا الإسلامي من العوامل المساعدة جداً لتطهیر الباطن و تطهیر أجواء العمل في البلد، فينبغي علينا اغتنام هذه الفرصة قدر المستطاع.طبعاً هناك جهود تبذل لطرح القضايا الجانبية على أنها قضايا رئيسية، أو تبیین الأمور غير الحقيقية - أو الحقيقة و لكن من الدرجة الثانية - على أنها قضايا وطنية رئيسية، لكن هذه الأمور ليست القضية الأولى لهذا الشعب، بل القضية الرئیسیة للشعب هي أن على الجميع أن يجدوا سبلاً لتعزيز النظام و إصلاح الأمور و الأساليب، و حل العقد، و توضيح الأهداف و المبادئ لكل أبناء الشعب، و الاستفادة من طاقة الإبداع العظيمة و حركة و إرادة و حوافز و إيمان هذا الشعب المؤمن و الطريق نحو مبادئ هذا النظام السامية التي بها ستحقق السعادة للجميع. طبعاً هناك الكثير من الأعمال علينا تنفيذها و على عاتقنا جميعاً مسؤوليات و واجبات جسيمة. على كل شخص أن يعمل بواجبه على أحسن وجه يمكنه. إن الذي خطر ببالي أن أطرحه اليوم، هو كيف نستطيع أن نتغلب على العيوب و النقائص، و القضاء على الفساد أو بالمعنى الحقيقي للكلمة كيف نستطيع أن نحقق الإصلاح في البلد. هذا سؤال مهم و من المناسب أن تتركز أذهان جميع الذين يهتمون بمصير هذا البلد و هذا الشعب على هذا السؤال. إن قضية الإصلاحات اليوم - التي هي موضع اهتمام الجميع اليوم - تطرح في البلد. هناك الكثير من الأشخاص يتحدثون حول الإصلاحات و يسعون لتحقيقها. فما هي الإصلاحات؟ و ما هي الطرق لبلوغ الإصلاحات؟ و ما هي أولوياتها؟ هذه قضايا مهمة للغاية.و القضية المهمة الأخرى التي تطرح نفسها في هذا المجال هي: ما الذی يستهدفه العدو من خلال دعاياته التي يتابع فيها شعار الإصلاحات؟ إن الإصلاحات تتعلق بنا. فما هو السبب في تركيز الإعلام الدولي على الإصلاحات في إيران كما تلاحظون؟ هذه الدعايات تتعلق بالمراكز التي لا يحق لها أن تدعي أنها تريد الخير للشعب الإيراني. هل يعود سبب وجود الفساد و الضيق و فساد الظروف في هذا البلد إلا إلى هيمنة و تغلغل الحكومة البريطانية المستكبرة في المرحلة الأولى و الحكومة الأمريكية في المرحلة الثانية؟ ما هي القوة التي سببت القمع في هذا البلد؟ و ما هي القوى التي أقامت الأجهزة الوطنية و الحكومية في هذا البلد على أساس الفساد؟ و ما هي القوى التي كافحت الأخلاق العامة و الإنسانية على مدى خمسين عاماً؟ و ما هي اليد التي أوصلت رضاخان إلى السلطة ؟ و ما هي العناصر التي نفذت انقلاب 28 مرداد؟ و هم الذين قاموا بأسوء حركة دعائية على مدى خمسين عاماً لجر هذا الشعب إلى الفساد و الانحلال و عدم الاعتقاد بالأسس الأخلاقية و الدين. إن شبابنا اليوم لا يتذكرون شيئاً عن صحافة العهد البهلوي، لكنكم تتذكرون. و من الذي كان يشجع تلك الصحافة الفاسدة أو الجرائد الملونة حسب قول إنسان مثقف مسلم معروف؟ و من الذی کان یشجّع ذلک؟ و من أین کانت تستمد قوتها؟ هل هناك أحد سوى الأجهزة السلطوية التي جاءت بذلك النظام و كانت تدعمه بكل قوة؟حتی نکون الیوم معارضین لإسم و ذکر الحکومة الأمریکیة و هیمنتها الاستكبارية بکل کیاننا، لأي مبرر سنحتاج يا ترى غير ما صنعه ذلک النظام من تضييع لجمیع إمکانیاتنا البشریة و المادية و الأخلاقية الموهوبة و القضاء علیها على مدى خمسين عاماً؟ و ما الذي حققه النظام البهلوي الإيراني خلال هذه العقود الخمسة؟ و هذا الخراب الذي أوجده هؤلاء، كم من الوقت و کم من المساعي سنحتاج إلیها لإصلاحه؟ و من الذي مهّد لذلك؟ و من الذي قدم الدعم؟ و من الذي قام بالتوجيه نحو ذلك؟ و من الذي قام بتقوية أجهزته الاستخبارية؟ و من الذي كان يخطط لهم؟ و في نفس الوقت نجد الحكومة الأمريكية و البريطانية، و رؤساءهما و ساستهما و مراكزهما الإعلامية، يدعمون و يدافعون اليوم عن ما يسمى بالإصلاحات و الحرية في إيران! و هذا ما يجب أن يدفع كل إنسان واع إلى التفكير و أن يحث كل غافل على اليقظة و الوعي. فما هي القضية؟ هذا حديث مهم للغاية و سؤال أساسي.إنني کشخص واجه الکثیر من القضايا المتنوعة و في الساحات المختلفة لهذا النظام منذ بداية الثورة و حتى اليوم، و أعرف الأشخاص و الکلام أیضاً و أعرف دعايات الإعلام العالمي، توصلت إلى استنتاج عام و باختصار: إن هناك مشروعاً أمريكياً عاماً أعد لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية و قد تمت دراسة کل جوانبه. هذا المشروع هو مشروع أعد على غرار المشروع الذي استخدم لإسقاط الاتحاد السوفيتي. إنهم يتطلعون إلى تنفيذ نفس ذلك المشروع في إيران. هذا ما يرمي إليه العدو. و لو أردت استعراض أدلة و قرائن هذا المعنى، و لا زلت أتذکرها حتی الآن، من غیر أن أبحث عن دلالاتها، فهناك شواهد واضحة في تصريحاتهم. و إن صحة هذا الادعاء تبدو واضحة تماماً من خلال تصريحاتهم غير المنطقية المنطوية على الغرور و الأوهام في السنوات الأخيرة - و التي يقرون فيها بأنفسهم بأن تصريحاتهم كانت تصریحات مستعجلة - حيث تشير إلى أنهم وفقاً لحساباتهم أعدوا مشروع إسقاط الاتحاد السوفيتي السابق و لكن بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة الأوضاع في إيران لإسقاطها. و قد ارتكبوا أخطاء طبعاً و هذا من لطف الله. إن أعداءنا يخطئون بحساباتهم في المواقف الحساسة. هم طبعاً عاجزون عن تصحیح الأخطاء التي ذكرتها طبعاًً، كلّا لا یستطیعون، إنهم يخطئون في معرفة الحقائق. و يخططون على أساس هذه الأخطاء فتأتي خططهم خاطئة، و لهذا لا یفلحون. فقد خططوا للدفاع عن النظام البهلوي و وقفوا بجانبه بكل قواهم، لكنهم أخطأوا في التعرف على قضايا إيران و التعرف على الناس و رجال الدين و التعرف على الدين، لذلك أصيبوا بالفشل. هذه المرة أيضاً لن يكون مصيرهم إلا كذلك المصیر و سیکون الفشل حلیفهم. فقد أخطئوا في الکثیر من الأمور: الخطأ الأول هو أن السيد خاتمي ليس كالسيد غورباتشوف. الخطأ الثاني هو أن الإسلام ليس كالشيوعية. الخطأ الثالث هو أن النظام الشعبي للجمهورية الإسلامية ليس كالنظام الدكتاتوري البروليتاري. الخطأ الرابع هو أن إيران المتحدة، ليست كالاتحاد السوفيتي الذي تشكل من بلدان التحمت ببعضها البعض. الخطأ الخامس هو أن دور القيادة الدينية و المعنوية في إيران ليست مزاحاً. سأوضح هذه الأخطاء لاحقاً .أرى من الضروری هنا الإشارة إلى المشروع الأمريكي لإسقاط الاتحاد السوفيتي. و إن ما يدور في ذهني الآن، هو الجزء الأکبر من مذكراتي اليومية التي سجلتها عام 1370 ه.ش. حول أحداث الاتحاد السوفيتي. و أكملت هذه المذكرات طبعاً عن طریق المعلومات الكثيرة التي جمعها أصدقاؤنا من مصادر مهمة روسية و غير روسية و هو ما أريد الآن توضیحه بشكل تفصيلي، لقد كانت حادثة عظيمة.عندما نقول المشروع الأمريكي لإسقاط الاتحاد السوفيتي، فعلينا أن نتحدث عن ثلاث نقاط: النقطة الأولى هي أنه عندما نقول المشروع الأمريكي، فإن هذا لا يعني أن سائر الكتل الغربية لم تتعاون مع أمريكا في هذا الصدد، أجل، كافة الدول الغربية و الأوربية كانت تتعاون مع أمريكا بكل وسیلة. على سبيل المثال دور ألمانيا و انجلترا و بعض البلدان الغربية كان بارزاً في هذا المجال. تعاون هؤلاء بشكل جدي مع أمريكا.النقطة الثانية هي أنه عندما نقول المشروع الأمريكي، فإنه لا يعني أننا نتجاهل العناصر الداخلية في إسقاط الاتحاد السوفيتي، كلّا، إن عناصر الإسقاط كانت موجودة في النظام السوفيتي، و عدوهم استغل تلك العناصر على أفضل وجه. فما هي تلك العناصر الداخلية، إنها الفقر الاقتصادي و ممارسة الضغوط على الناس، الکبت الشديد و الفساد الإداري و البيروقراطية. طبعاً كانت هنا و هناك حوافز قومية و وطنية.النقطة الثالثة هي أنه عندما نقول المشروع الأمريكي أو الغربي - أو أي مصطلح نعبر به - فإن هذا المشروع لم يكن مشروعاً عسكرياً. فقد كان مشروعاً إعلامياً بالدرجة الأولى، حيث تم تنفيذه أساساً عن طريق اللافتات و الصحف و الأفلام و غيرها. إن الذي يحقق في هذا الموضوع، سيلاحظ أن خمسين أو ستين بالمائة من المشروع قد تم تنفيذه عن طريق وسائل الإعلام و الأساليب الثقافية. أيها الأعزاء! عليكم أن تحملوا قضية الغزو الثقافي الذي أطلقتها قبل سبع أو ثماني سنوات علی محمل الجد. إن الغزو الثقافي ليس مزاحاً. فالعامل السياسي و الاقتصادي یأتی بالدرجة الثانية بعد العنصر الإعلامي و الدعائي، و لم یکن للعامل العسكري أي دور. لكن ما هو ذلك المشروع؟ عندما تولى غورباتشوف الأمور سنة 1985 كان من العناصر الشابة بين الأمناء العامين السابقين المسبنين. كان رجلاً مثقفاً و حسن التعامل، و الشعار الذي أطلقه، كان شعار البيروسترويكا بالدرجة الأولى و الغلاسنوست بالدرجة الثانية. البيروسترويكا في التعبير الفارسي تعني إعادة الإعمار و الإصلاحات الاقتصادية، و الغلاسنوست تعني الإصلاحات في مجال القضايا الاجتماعية، و حرية التعبير و ما شابه ذلک. لقد أهالوا على غورباتشوف في العامين الأول و الثاني أكادساً هائلة من الأحاديث و التحليلات و التفاسير و الإطراءات و التوجيهات و الاقتراحات حتى وصل الأمر إلى أن قدمته المراكز الأمريكية على أنه رجل العام! لقد حدث هذا في مرحلة الحرب الباردة، أعني في المرحلة التي كان الأمريكيون يستهدفون فيها أية محاولة للنجاح في الاتحاد السوفيتي! و إن كانت هناك حقائق جيدة قبل غورباتشوف فإنهم كانوا ينكرونها بشدة و كانوا يشنون عليها هجمات إعلامية. لكنهم اتخذوا هذا الأسلوب بالنسبة لغورباتشوف! لقد كان هذا الترحاب الغربي كتشجيع كبير خدع غورباتشوف! أنا لا استطيع أن أدعي بأن الغرب أو أجهزة الاستخبارات الأمريكية هي التي جاءت بغورباتشوف إلى السلطة - كما كان يدعي بعض الأشخاص في العالم - أنا لا أملك قرائن هذا الأمر حقيقة و طبعاً لست على علم بحقائق ما خلف الستار، لكن الشيء المسلم به هو أن الترحیب، و انشراح الوجه، و بشاشة الوجه، و التبجيل و التشجيع و التكريم من قبل الغربيين هو الذي خدع غورباتشوف. إنه اعتمد على الغربيين و الأمريكيين، لكنه خدع. لقد كتب غورباتشوف كتاباً تحت عنوان البيروسترويكا - الثورة الثانية - حيث يمكن للمرء ملاحظة آثار هذه الخدعة فيها.كانت هذه الشعارات مدوية في يوم كانت أجواء الکبت قد خيمت على الاتحاد السوفيتي السابق. إنني كتبت في مذكراتي في سنة 1369 أو 1370 [ 1991 م] أن غورباتشوف رفع ترحيص السفر من مدينة إلى مدينة أخرى داخل الاتحاد السوفيتي! بعد ثلاثة و سبعين عاماً من انتهاء فترة حكم ستالين التي استغرقت ثلاثين عاماً على تأسيس الاتحاد السوفيتي، و بعد انتهاء فترة حكم بريجنيف التي امتدت ثمانية عشر أو تسعة عشر عاماً، كان الغاء ترخيص السفر من الأعمال التي قام بها السيد غورباتشوف في مجال الغلاسنوست!في مثل هذه الأجواء، بوسعكم إدراك معنى فكرة و مشروع قضية حرية التعبير. عندما تقولون حرية التعبير، فكم سيكون ذلك مدهشاً و مذهلاً للجماهير! في كل هذه الفترة، لم تكن في الاتحاد السوفيتي صحف مهمة و ملفتة للنظر سوى صحيفة برافدا و كانت صحيفة عامة. أو صحيفة تتعلق بالشباب إضافة إلى بعض الصحف التخصصية، أما تعدد الصحف و إصدار الكتب المختلفة فلم يكن له وجود على الإطلاق. الكاتب الذي انتقد بعض أسس الاشتراكية - و ليس كلها - كان ممنوعاً من الخروج من الاتحاد السوفيتي لسنوات مديدة. طبعاً الأمريكيون كانوا يروجون الكثير من الدعايات حوله و كانوا یتحدثون كثيراً عنه و أنا لا أزال أتذكر هذا الموضوع قبل انتصار الثورة. في مثل هذه الأجواء، أطلق غورباتشوف هذا الشعار، لكنهم ارتكبوا بعض الأخطاء و التي لا أرغب بالإشارة إليها الآن. و ستتضح بعض أخطائهم في ثنايا الکلام. خلال مدة قصيرة عمت سيول الدعايات الغربية و الثقافة الغربية و المثل الغربية الاتحاد السوفيتي و منها نماذج الألبسة و مكدونالد و غيرها من الأمور التي كانت في الحقيقة رموزاً أمريكية. هذه ليست أفكار طالب حوزوي معزول عن العالم، فإنني قرأت في المجلات الأمريكية في نفس تلك الأيام - كالتايم و نيوزويك - بانهم ذكروا أن انتشار مقاهي مكدونالد في مسكو هو خبر مهم و يعتبر طليعة نشر الثقافة الغربية و الثقافة الأمريكية في الاتحاد السوفيتي! شعارات غورباتشوف كانت في الذروة لمدة عامين، ثم لم یلبث أن ظهر بجانبه شخص آخر يسمى يلتسين. و كان دور يلتسين دوراً مصيرياً. دوره هو أن يصر على أن هذه الشعارات لا جدوى منها، و أن هذه القفزة لا تكفي، و أن الوقت بات متأخراً، و إن الإصلاحات تأخّرت! لو كان هناك رجل عاقل مدبر في مكان غورباتشوف فلعله كان يستطيع أن ينفذ تلك الإصلاحات على مدى عشرين عاماً دون أي هاجس - كما حدث في الصين - لكن هذا المقدار سلب غورباتشوف أناته و تمهله. و وصل به الأمر إلى درجة عزل معاونه يلتسين، لكن وسائل الإعلام الأمريكية و الغربية قامت بتقويته فضلاً عن عدم إقصائه! ظلت وسائل الإعلام الغربية و الأمريكية لمدة عام أو أكثر تظهر يلتسين على إنه شخصية بارزة و مستنيرة و إصلاحي مظلوم. ثم حان وقت الانتخابات الرئاسية في روسيا. و أنتم تعرفون أن سائر الجمهوريات كان لها انتخابات مستقلة. طبعاً لم تكن عندهم انتخابات، ثم قرروا أن تكون لهم انتخابات مستقلة. أحد إنجازات غورباتشوف هو تأکیده علی ضرورة إجراء الانتخابات. حيث لم تجر انتخابات على الإطلاق في الاتحاد السوفيتي بعد سقوط الحكم القيصري. و كانت الانتخابات في المرحلة القيصرية شبيهة بانتخابات عهد الشاه في بلدنا. حتى إن ثورة الدستور عندهم تزامنت مع ثورة الدستور في إيران و لكن بفارق واحد. ففي العهد القيصري کان المجلس الوطني دائماً مجلساً صورياً كمجلس الشورى الوطني عندنا في عهد النظام البهلوي. و عندما جاء الشيوعيون انتهى كل شيء فلا مجلس و لا انتخابات! و الآن و بعد مرور ثلاثة و سبعين عاماً تقرر إجراء انتخابات في روسيا و ليس في الاتحاد السوفيتي برمته. فمن هو المرشح؟ إنه السيد يلتسين! يلتسين -ذلك العنصر المتشدد - أصبح رئيساً للجمهورية بحصوله على غالبية الأصوات.و من هنا تبدأ قصة لافتة. منذ اليوم الذي أصبح فیه يلتسين رئيساً للجمهورية في يونيو عام 1991 م، حتى يوم الرابع أو الخامس من شهر دي حيث أعلن انهيار الاتحاد السوفيتي بشكل رسمي لم يستغرق الأمر سوى سبعة أشهر. أعني أن تلك السنوات لم تكن سوى مقدمة للانهيار. قد حدثت بعض هذه المقدمات على يد غورباتشوف و بعضها الآخر على يد يلتسين عندما انتهت مرحلة غورباتشوف و تسارع المخطط الأمريكي و الغربي، إلى وصول يلتسين إلى السلطة. و بمجرد أن تسلّم يلتسين زمام الأمور و أصبح رئيساً لجمهوریة روسيا و الشخص الثاني في الاتحاد السوفيتي وقع في يده زمام المبادرة. يلتسين أصبح رئيساً للجمهورية في يوم 24/03/1370 و في يوم 26/03/1370 ه.ش - أي بعد مرور ثلاثة أيام - أعلن جورج بوش رئيس جمهورية أمريكا أن جمهوريات منطقة البلطيق الثلاث - أي لتونيا و استونيا و ليتوانيا - ليست ملك الاتحاد السوفيتي و على الاتحاد السوفيتي أن يمنحها الاستقلال و يعترف رسمياً باستقلالها، و إلّا فإن أمريكا ستوقف مساعداتها التي وعدت بها. و أنا لا أتذکر الآن طبعاً إن کان الوعد بالمساعدات قد حصل في عهد رونالد ريغان أو في عهد بوش، و على كل حال فقد وعدوا بمساعدة السيد غورباتشوف. لم تمض سوى مدة قصيرة حتى أعلن يلتسين عن الاعتراف الرسمي باستقلال الجمهوريات الثلاث! و بعد مرور شهرين، و لكي تزداد شخصية يلتسين تألقاً، حدث الانقلاب المعروف في الاتحاد السوفيتي و الذي كان يبدو غامضاً تماماً في تلك الأيام. عندها أصبحت التلفزة الأمریکیة أکثر فعالیة و نشاطاً - أعني الـ سي. إن. إن و غيرها - في مسكو و ركّزت على يلتسين. و عندما كان يبث تلفزيوننا تقارير مصورة من الـ سي. إن. إن، شاهدنا يلتسين یجوب الشوارع على ظهر دبابة و یرفع شعارات بين الجماهير قائلاً: كلّا، إننا لن نستسلم للانقلابيين! ثم ذهب إلى المجلس، لكن الانقلابيين لم يمسوا يلتسين بسوء و هو الذي كان في متناول أيديهم عندما کان - دائماً - یعتصم في المجلس الوطني فلم يعتقلوه، لكنهم توجهوا إلى غورباتشوف الذي كان يقضي عطلته في شبه جزيرة كريمة و اعتقلوه! بينما يلتسين كان يصرخ و يرفع الشعارات! أثاروا ضجة إعلامية في العالم و طبعاً لم يكن للحقيقة من أثر! و ظهر عدد من الدبابات في شوارع مسكو، لكنها اختفت بعد ثلاثة أيام، ثم لم يلبثوا أن قالوا بإنهم اعتقلوا الانقلابيين و هم نيام! و كانت نتيجة الانقلاب هو أن يلتسين - الذي كان الشخص الثاني - أصبح الشخص الأول في الحقيقة! و في تلك الأيام قام وزير خارجيتنا بزيارة لجمهوريات آسيا الوسطى و رجع. و سألته عن الأخبار؟ فقال إنه من الواضح إن رئيس الاتحاد السوفيتي هو يلتسين و ليس غورباتشوف! و كانت حقيقة القضية واضحة للعالم. ثم أخذت الجمهوريات تطالب بالاستقلال واحدة تلو أخرى. على سبيل المثال زعمت أوكراينا أنها تطالب بالاستقلال. و كان غورباتشوف معارضاً لذلك، لكن يلتسين كان يقول نحن موافقون، ثم لم يمض يومان أو ثلاثة حتى اضطرّ غورباتشوف أن يعلن موافقته! إذن حدثت قضية ليجد غورباتشوف نفسه مضطراً للتقدم إلى الأمام و رفع نفس تلك الشعارات لكي لا يتخلف أو أنه كان مضطراً للتبعية، لأن ضغوط الإعلام العالمي لم تكن تفسح مجالاً إلا لما يقوله يلتسين. بدأت هذه الوتیرة من أواخر شهر يونيو. و جاء بعده اقتراح استقالة غورباتشوف من الأمانة العامة لحزبه، و من ثم اقتراح حل الحزب الشيوعي، ثم الإعلان عن هزيمة الشيوعية - و هو ما أثلج صدور الأمريكيين كثيراً - و في النهاية انتشرت إشاعة استقالة غورباتشوف. و في مقابلة أجريت مع غورباتشوف في ذلك الوقت سئل هل ستقدم استقالتك أم لا؟ قال: إنني بانتظار مجيء وزير خارجية أميركا إلى مسكو لأرى ماذا سيحدث! جاء وزير خارجية أميركا إلى مسكو و لكنه التقى بيلتسين قبل أن يلتقي بغورباتشوف و ذلك في الكرملين حيث تتم اللقاءات الرسمية. و هذا يعني نهایة أمر غورباتشوف! و بعد مرور ثلاثة أيام قدم غورباتشوف استقاله و تم الإعلان عن انهيار الاتحاد السوفيتي! كان هذا هو المشروع الأمريكی الناجح في الاتحاد السوفيتي. أي أنهم استطاعوا عن طريق مشروع ذكي تماماً و بإنفاق بعض المال و استخدام بعض الأشخاص و وسائل الإعلام أن يسقطوا قوة كبرى و يقضوا عليها نهائياً خلال ثلاث سنوات أو أربع سنوات، و وصلوا للنتيجة المطلوبة خلال ستة أو سبعة أشهر!أرى من الضروری طبعاً أن أقول لكم هنا إن روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لم تتبدل إلى برازيل ثانية كما كانوا يريدون. إنهم كانوا يريدون أن تتبدل روسيا إلى برازيل - أعني دولة من دول العالم الثالث - ذات إنتاج كثير، لكنها تعاني من الفقر الشديد و ليس لها أدنى دور في السياسة العالمية. هل هناك في العالم من يسمع بالبرازيل من حيث الموقف أو الرأي أو التواجد؟ كانوا يريدون أن تصبح روسيا هكذا، و هذا ما لا يحدث، لماذا؟ لأن روسيا تتمتع بشعب قوي و صالح، فهم أقوياء من حيث الأصل، فضلاً علی التقدم الصناعي و النووي و علمائهم و بحوثهم و سائر إمكانياتهم. إن مخططي هذه القضايا الذين هم من وراء كل تلك القضايا، يحلمون بأن يحدث مثل هذا الشيء في الجمهورية الإسلامية. إنهم لا يتصورون أن الجمهورية الإسلامية إذا أصبح مصيرها كمصير الاتحاد السوفيتي السابق، فإنها ستصبح مثل روسيا اليوم، كلّا، بل يتصورون أن إيران تصبح كإيران في العهد البهلوي، أعني في الدرجة العاشرة بعد تركيا! لأنهم يتصورون أن إيران ليس لديها الطاقة النووية، فلذلك لا تستطيع أن تتقدم من الناحية العلمية، إضافة إلى أن عدد سكانها لا يصل إلى ثلاثمائة مليون نسمة و ليست من طراز روسيا التي تعتبر اليوم أيضاً من أكبر بلدان العالم.لكن ما هي الحقيقة اليوم؟ إن الحقيقة تختلف عما خططه هؤلاء اختلاف السماء عن الأرض! إنهم أخطأوا خطأ كبيراً. و أنا في الحقيقة أشعر بالمرارة من مقارنة السيد خاتمي العزيز - و هو السيد المؤمن سليل الشرفاء و العاشق للعلوم الدينية و المحب للإمام و الذي هو مثلنا من طلبة العلوم الدينية - مع غورباتشوف كما طرحه الغربيون، لكنهم قاموا بهذه المقارنة و قالوا بصراحة بأن شخصاً شبيهاً بغورباتشوف وصل إلى السلطة في إيران! و علينا أن لا ننسى طبعاً أن البعض هنا في الداخل شعروا بالغبطة من ذلك و للأسف لم يفهموا هذه الإهانة، كما لم يدرکوا المؤامرة التي کانت تکمن خلف هذه الإهانة من حيث المبدأ! إنه لا شأن لي بالمغرضين و الذين يفهمون ماذا سيحدث و ماذا يريدون أن يفعلوا، لكن عدداً من الذين لم يكونوا مغرضين أيضاً لم يفهموا ماذا يحدث و ما الذي يريد العدو أن يفعله.لنعود إلى تلك الفوارق. النقطة الأولى هي الفرق بين رئيس جمهوريتنا مع السيد غورباتشوف. إن غورباتشوف كان متنوراً و ربما لم يكن يعتقد بأصول و مبادئ الشيوعية، كان إنساناً لم يكن يوافق هيكلية الاتحاد السوفيتي، و لقد عبر هو بنفسه عن ذلك بأساليب مختلفة. طبعاً لم يكن بإمكانه أن يعلن ذلك بصراحة عندما تولى السلطة، لكنه كان يصرح بذلك في النهاية. إن رئيس جمهوريتنا، الجمهورية الإسلامية، إنسان معتقد و ملتزم، و الإمام هو غایته و أسوته، و هو رجل دين. لقد كانوا يتحدثون في البداية من وهم خيالهم، و لا يزال ساستهم و زعماؤهم يطلقون تلك الأحاديث، لكن البعض منهم أثارتهم الدهشة في هذين العامين الأخيرين و قالوا في دعاياتهم مراراً: كلاً، إنه مثلهم و إنه واحد من الأصوليين! و هذا هو الشيء الذي أدركوه بشكل صحيح! إن غورباتشوف لم يكن مؤمناً بأصول الشيوعية و كان محباً للغرب، و کان حدیثه حدیث الغربيين، لكنه حديث باللغة الروسية، و إلا فشعاراته لم تكن تختلف عن شعاراتهم و كان مولعاً بهم! طبعاً هناك العديد من النقاط المنمقة جداً كالزيارات، و الوعود الكاذبة و ... و لا أريد أن أشير إليها، حیث لا یسعنا الوقت في هذا الاجتماع، و بإمكانكم أن تجدونها.الفرق الثاني هو أن الإسلام ليس كالشيوعية. و الشعب السوفيتي أيضاً لم يكن يوافق الشيوعية و إن كانت دين الحزب الشيوعي. و كان الحزب الشيوعي السوفيتي یتکون من بضعة ملايين فقط مقابل كل سكان الاتحاد السوفيتي البالغ عددهم ثلاثمائة مليون، ربما يصل عدد أعضاء الحزب الشيوعي إلى عشرة أو خمسة عشر مليوناً. إن أعضاء الحزب الشيوعي كانوا يتمتعون دائماً بامتيازات خاصة، لذلك يمكننا أن نخمّن بأن الحصول على هذه الامتيازات كان هو الهدف الأول لهؤلاء الأعضاء، لهذا لم تكن الشيوعية ديناً لهم. و الإسلام هو دين الناس و حبهم و إيمانهم. إن الإسلام هو الذي من أجله أرسل هذا الشعب العظيم أعزاءه و فلذات كبده إلى ساحات القتال و حينما عادت أجسادهم المضمخة بالدماء، لم يذرف لهم الدموع و حمد الله علی ذلک! فهل رأيتم مثل هؤلاء الأمهات و الآباء؟ ربما رأى كل واحد منا المئات من هذه الحالات. طبعاً أنا رأيت الآلاف منها عن کثب؟ و اليوم عندما يأتي إلينا آباء و أمهات ضحّوا بأربعة شهداء من أبنائهم، حتى و إن اشتكوا من بعض الأمور، فإنهم يشعرون بالرضا لشهادة أولادهم في سبيل الله! إن هذا الشعب يلتزم بالإسلام بكل وجوده. بعد مضي خمسين عاماً من محاولات طمس الدين، بدأ بحركة عظيمة خلف إمامه العظيم و رجل دين و مرجعه الديني و أقام هذا النظام الإسلامي. إن الإسلام هو الذي حينما رفع اسم إيران و رفرف علمه في سماء إيران، فإن المسلمين الواعين في كل مكان، أحسوا بهويتهم و شخصيتهم و كرامتهم. ثم قارن هؤلاء بين الإسلام و الشيوعية! الحمد لله الذي جعل أعدائنا حمقی (3).الفرق الثالث هو أن هذا النظام الإسلامي ليس نظاماً شيوعياً بل هو نظام إسلامي، و يتمتع بالشباب و المرونة و الحيوية و الشعبية. لقد كنت أقول للسيد خاتمي في ذلك اليوم بأن أي نظام في العالم - حتى الديمقراطيات الغربية، سواء في أمريكا أو في فرنسا أو في البلدان الأخرى - ليس بوسعه أن یدعي إنه يتمتع بالشعبية كنظامنا، لأنه في الديمقراطيات الغربية يتوجه البعض إلى صناديق الاقتراع و يدلون بأصواتهم. على سبيل المثال يقول لهم الحزب: عليكم أن تصوتوا لصالح الشخص الذي رشحه الحزب، حتى إذا أدلى المواطن بصوته ينتهي كل شيء! هؤلاء الذين يشاركون في عملية الاقتراع، يمثلون غالباً سبعة و ثلاثين بالمائة من مجموع الذين تشملهم شروط التصويت. على سبيل المثال في الانتخابات الأمريكية الأخيرة لم يتجاوز عدد المشاركين سبع و ثلاثين بالمائة. و لم يصل عدد المشاركين إلى ستين أو سبعين بالمائة أبداً كما شاهدتم في انتخابات رئاسة الجمهورية أو انتخابات المجلس سواء في دورته الخامسة أو السادسة. و باختصار فإن كل الذين يشاركون في الانتخابات هناك يدلون بأصواتهم ثم يذهبون، ولكن الوضع یختلف هنا، حيث يحب الشعب المسؤولين و تربط بينهم أواصر عاطفية، و ليست علاقات انتخابية فحسب. عندما يتعرض أحد المسؤولين هنا للمرض فإن الجميع يرفعون أيديهم بالدعاء سائلين شفاءه كما يدعون لأولادهم! و إذا لوّح أحد المسؤولين و أشار فإن الجماهير یتسابقون للتضحیة و الفداء. و لا أثر لذلک في الديمقراطيات الغربية فما بالك بنظام البروليتاريا الديكتاتوري! إنهم يقولون بأن الديكتاتورية هي أحد مبادئهم الضرورية، أعني عدم الانتخابات! فعلى مدی أكثر من سبعين عاماً استغرقها نظام الاتحاد السوفيتي و حتى الانتخابات الروسية الأخيرة، لم تقم هناك حتى انتخابات واحدة، بينما أقيمت هنا إحدى و عشرين انتخابات خلال واحد و عشرين عاماً! هل هناك مجال للمقارنة؟ فحیاة ممثلي البروليتاريا هي حياة القصور و حیاة الكرملين، لكننا نجلس هنا على البسط الزهيدة الثمن. كما أن المسؤولين هنا يسعون - الذين يمكن لهم ذلك - يسعون باعتزاز لأن تکون حیاتهم قریبة من حياة الشعب. و أما في النظام الشيوعي، فعندما كان استالين یتزعم الأمور، لم يكن هناك علاج إلا موته! يحكم لمدة ثلاثين عاماً، حتى إذا مات إثر حادث أو بدون حادث، أو على إثر إدمان المشروبات الكحولية الروسية المعتقة، جاء خلفه خورتشوف ثم بريجنيف الذي مات بعد مضي ثمانية عشر أو تسعة عشر عاماً فخلفه شخص آخر! هذا النظام يختلف عن نظام الجمهورية الإسلامية القائم على الانتخابات و أصوات الجماهير و تجري فيه انتخابات رئاسية و تشريعية كل أربع سنوات. و أما على مستوى القيادة فنظامنا أسمى درجة و رتبة لأن القيادة المعنوية لها التزامات معنوية و توقع خبراء القيادة و الشعب من القیادة هو عدم ارتكاب الإثم مهما صغر، و إلا فسيعزل تلقائياً و سوف لا یعدّ حدیثه حجة علیه و لا على شعبه. فهل يمكن مقارنة هذا النظام المرن و الحيوي و الفعال و المتطور بنظام مغلق و غير مرن تتمثل فيه هشاشة الدكتاتورية البرولتارية؟!أرغب أن أذكر نقطة أخرى و هي نظام الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجب حتمي على الجميع، لكننا کمسؤولین، یکون واجبنا أکبر في مجال الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. علينا أن نستخدم الأساليب و الوسائل المناسبة، لكن على الشعب أيضاً القيام بواجباته. أداء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يسقط ببضع مقالات تنشر في الصحف و لا تنتهي قيمته المؤثرة. فالنهوض و النمو و الكمال و الصلاح كله رهن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و هو ما یجعل النظام حیویاً و یافعاًً دائماًًً. و الآن فإن نظامنا البالغ من عمره أحد و عشرين عاماً ما زال شاباً و إذا قورن أيضاً بالنظام الشيوعي السوفيتي المتهاون و الضعيف البالغ من عمره بضعة و سبعين عاماً، فإن نظامنا شاب بشكل طبيعي، حتى إذا مرّ مائة عام على مثل هذا النظام، لو كان الأمر بالمعروف قائماً فيه، و اعلموا أنتم أن من واجبكم نهي أي شخص عن المنكر إذا رأيتم منكراً منه، فحينئذ سيبقى هذا النظام الإسلامي أكثر رونقاً و طراوة و ازدهاراً. و لا ينحصر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في طبقة العوام فحسب، حتى و إن كانوا من المستويات العالية، فعليكم أمرهم بالمعروف، لا أن ترجوا و تتمنوا منهم ذلك، بل عليكم أن تقولوا له: سيدي، لا تفعل، إن هذا العمل أو هذا الحديث غير صحيح. إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يجب أن يكون في حالة استعلاء. و هذا الاستعلاء طبعاً لا تعني أن يكون الآمرين أرفع درجة من المأمور أو الناهي أرفع درجة من المنهي، كلا، إن روح و قالب الأمر بالمعروف هو قالب الأمر و النهي، ليس قالب الرجاء و التضرع و الطلب. لا يمكن أن يقال: أرجوك أن لا ترتكب هذا الخطأ، كلا، يجب أن يقال: سيدي! لا تفعل هذا الخطأ، لماذا ترتكب الخطأ؟ فالجميع مخاطبون بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حتى لو كان الشخص أكثر أهمية مني، و حتى لو لم أکن سوى طالب حوزوي بسيط .الخطأ الآخر يتعلق بنظرتهم إلى البلد. إن إيران بلد منسجم، حتى إنكم لو تحسستم مشاعر تلك الأجزاء التي انفصلت عن إيران في القرون الماضية فستجدون فیها رغبة في الانضمام إلينا؛ فكل من ابتعد عن أصله، يبحث عن وصله ؛ هؤلاء أيضاً يرغبون بالانضمام إلی هذه الأم. فأين إيران من الاتحاد السوفيتي؟ لقد ربطوا عشرة أو أحد عشر بلداً ببعضها بدبوس - أو بمعنى آخر بالسوط - ثم تشكل ما يسمى ببلد واحد! من الواضح إنها إذا رفع عنها السوط فستنفصل و قد انفصلت. و أری من الواجب عليّ طبعاً أن أذکر هنا أن ثمة محاولات للتركيز على قضية القوميات في إيران. إن البعض يتابعون هذه القضية عن طريق إثارة النعرات القومية و نفي العامل الحقيقي للوحدة أي الإسلام و الدين. الذين يتصورون بأن عامل الوحدة في بلدنا هو اللغة الفارسية لا يحبون هذه اللغة كما أحبها أنا بالتأكيد، و لم یحاولوا و لو واحد بالمائة من المحاولات التي بذلتها أنا من أجل هذه اللغة! إن عامل الوحدة عند الشعب الإيراني هي ليست اللغة الفارسية، بل هو دين الإسلام، أي ذلك الدين الذي تجسد في الثورة و النظام الإسلامي، فالنتيجة هي أن المتحدث باللغة التركية يقول: آذربيجان أياختي، انقلابا داياختي أي آذربيجان صامدة، و هو ما يقوله الكردي بالكردية و البلوشي بالبلوشية، و العرب بالعربية. یحاول البعض التقلیل من أهمية عامل الألفة بين قلوب أبناء الشعب الإيراني و هو الإيمان بالإسلام، کلا، إن البلد و الشعب يتمتع بالوحدة، و لهذه الوحدة طبعاً جذورها في التاريخ و الجغرافيا و التقاليد و الثقافة، لكن سببها الرئيسي هو الدين و القيادة التي لحمت و وحّدت أجزاء هذا الشعب ببعضها فراح الجميع يشعرون بالوحدة. هناك مسؤولية تقع على عاتق القيادة، و هي الحفاظ على النظام و الثورة. إن إدارة البلد تقع على عاتقكم أيها السادة المسؤولون. كل واحد منكم يدير البلد من موقعه و إن الواجب الرئيسي للقيادة هو مراقبة انسجام هذه القطاعات المختلفة و عدم انفصالها عن النظام و الإسلام و الثورة. فإذا حدث هذا في أي مكان، هنا يأتي دور القيادة. و القائد ليس شخصاً بعينه. ليس إنساناً أو طالباً حوزوياً أو علي خامنئي أو الكثيرين من أمثاله. بل القيادة عنوان و شخصية و حقيقة نابعة من إيمان و حب و عاطفة الشعب و سمعة و المئات من أمثال علي خامنئي يضحّون بأنفسهم و بماء وجههم في سبيل هذه الحقيقة، و لا یبالون. و أما أنا فلا شيء، إن إمامنا العظيم - و هو إمام قلوب هذا الشعب بکل معنی الکلمة - كان هكذا أيضاً. و كان مستعداً لأن يبذل ماء وجهه في سبيل الحفاظ على النظام و القيادة. و هذه الحقیقة موجودة، و بکلامهم و أفعالهم هذه لم و لن یستطیعوا أن یمحو وجود هذه الحقیقة. و في أیام الکبت و القمع التي لم تتجسد فيها القیادة بهذا الشکل، كانت قلوب الجماهير المتدينة في يد القيادة، لكن القيادة التي لم تكن متميّزة و متّشخة و طابعاً خارج النطاق القانوني، و كانت تتمثل بمراجع التقليد و كبار العلماء و ظهر تأثيرها کثیراً، لذلك عندما کانت تلك القيادة تعترض على معاهدة استعمارية، كانت تلک المعاهدة تلغى، أو حينما كانت تشير إلى حادثة غير مناسبة، فإن الجماهير كانت تستنكر تلك الحادثة. و في حادثة 15 خرداد كما نقل، ضحى الآلآف بحياتهم و استشهدوا في الوقت الذي لم يكن إمامنا العظيم قائداً بالمعنى القانوني للكلمة، بل كان عالماً بارزاً. لا يمكنهم أن يتجاهلوا هذا الأمر، و هي ظاهرة لم تكن موجودة في الاتحاد السوفيتي، و إلا لما حدث ذلك. فلو كانت موجودة لأخذت هذه القيادة بخناق يلتسين و أبعدته عن الساحة عندما شعرت بأنه دخل الساحة ليتحرك نحو المستقبل بحركة مسرعة جنونية و مستعجلة و لكانت الجماهير تدعمها، و هذا ما لم يكن موجوداً.إنني أعتقد بأن الإصلاحات حقيقة حتمیة يجب تحقیقها في بلدنا. إن الإصلاحات عندنا لا تأتي اضطراراً حتى يجبر الحاكم الفلاني على القيام بإصلاحات فرعية تحت ضغوط المطالبات العنيفة، كلا، إن الإصلاحات تتعلق بذات الهوية الثورية و الدينية لنظامنا. و إذا لم تتحقق الإصلاحات بشكل تجديدي، فإن النظام سيفسد و يضل طريقه. إن الإصلاحات فريضة. فما هي ميادين الإصلاحات؟ هذا موضوع آخر. الإصلاحات أمر ضروري من حيث المبدأ و يجب تحقيقها. و عندما لا تتحقق الإصلاحات، فسنبتلى ببعض النتائج التي نعاني منها اليوم: كعدم التعادل في توزيع الثروات، و تسلط الجشعين الظالمين على مختلف قطاعات النظام الاقتصادي في المجتمع، و انتشار الفقر، و المعيشة الصعبة، و عدم الاستفادة من مصادر البلاد بشكل صحيح، و هجرة العقول و الأدمغة، و عدم الاستفادة من العقول الباقية كما ينبغي. و عندما تكون هناك إصلاحات فإننا لن نتعرض لمثل هذه الآفات و الأضرار و حدوث العشرات من الأحداث من هذا القبيل. فالنقطة الأولى هي أن الإصلاحات أمر ضروري و لازم. القضية الثانية هي وجوب تعريف الإصلاحات. أولاً بالنسبة لنا نحن الذين نريد أن نقوم بالإصلاحات حيث يجب أن نمیّز ما نريد أن نفعله . ثانياً يجب أن يُوضِّح للجماهير ما هو هدفنا من الإصلاحات، حتی لا یعرِّف أي شخص الإصلاحات كما يحلو له. و هذه من الأمور التي يمكن لمسؤولي الدولة و السلطة القضائية و مجلس الشورى و غيرها القيام بها. لا بد أن يكون هناك تعريف واضح للإصلاحات حتى تتضح للجميع - سواء للمسؤولين أو الجماهير - الصورة و الوضع الذي نريد أن نصل إليه في نهاية طريق الإصلاحات و يعرفوا غاية المسير. كانت إشكالية السيد غورباتشوف هي أنه كان يعرف المشاكل و العيوب، لكنه لم يكن عنده تصور واضح لما يجب القيام به و حتى لو كان عنده هذا التصور، فإن شعبه لم يكن يتمتع به. لذلك لو لم تعرَّف الإصلاحات بشكل واضح، لتغلبت النماذج المفروضة، و هذا ما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق، لأنهم لم يكونوا يدرون ما يفعلون، لذلك اتجهوا نحو التقليد الأعمى للإصلاحات في النماذج و المثل الغربية و لجأوا إليها. و قد میّز إمامنا العظيم نقطة الضعف هذه فيهم بكل وعي، لذلك ذكرهم بها في رسالة وجهها إلى غورباتشوف. لقد كتب إلى غورباتشوف: إنكم لو أردتم حل العقد المحيرة في الاقتصاد الاشتراكي و الشيوعي بالاعتماد على الرأسمالية الغربية، فإنه لا بد للآخرين أن يشمّروا عن سواعدهم لإصلاح أخطائكم فضلاً عن فشلكم في معالجة آلام مجتمعكم، و ذلك لأنه إذا كانت الشيوعية قد وصلت إلى طريق مغلق في الاساليب الاقتصادية و الاجتماعية، فإن العالم الغربي أيضاً يعاني من نفس هذه المشكلة و غيرها بشكل آخر. و هذا هو ما يجعلني أردد باستمرار بأن الإمام كان حكيماً حقيقياً. إن الإمام هو الذي میّز النقطة الرئيسية في الضجة الدعائية و الإعلامية العالمية.و لحسن الحظ فإن البعض من المسؤولين و في مقدمتهم رئيس جمهوريتنا العزيز، قالوا مراراً بأن إصلاحاتنا هي إصلاحات إسلامية و ثورية، و الهدف هو الوصول إلى مدينة النبي. هذه تصريحات جيدة، لكن بحاجة إلى تعاريف أكثر دقة و صوراً أكثر وضوحاً. فإنها جيدة لأنها تصیب محاولات الغربيين و الأجانب بخیبة الأمل، و توضّح أن ما يقولونه ليس هو الهدف. فالجميع يدركون هذا الأمر، لكن يجب توضيح الصورة أكثر.الموضوع الثالث هو أن الإصلاحات يجب أن تتحقق وفق توجیهات مركز قوي و حكيم حتی لا یکون عرضة للانحراف. فلو أردتم إنجاز ما يمكن إنجازه في عشرة أعوام بشكل جيد و صحیح في عامين، فسيؤدي ذلک إلى أضرار لا يمكن تعويضها، كالسيارة التي تتحرك بسرعة بالغة على طريق شاق و خطر، فإن العجيب هو عدم تعرضها لحادثة اصطدام أو عدم إصابتها بضرر و عطل. يجب أن يكون هناك مركز قوي واعي حكيم لكي لا يسمح أن تتقدم هذه الحركة بسرعة فائقة عن الحد اللازم و المفيد، حتى يتم القيام بالعمل بصورة متعادلة و صحيحة.عندما بدأوا بهذا العمل في الاتحاد السوفيتي السابق، أتیحت الفرصة أمام الأفلام و الكتب و الصحف و الملابس و النماذج الغربية، أي إن تلك المزاعم كانت تجسد في الواقع نماذج غربية بارزة. إن هذه الحالة كانت حالة خطيرة للغاية. عليكم هنا ملاحظة دور وسائل الإعلام. على وسائل الإعلام مسؤولية و الصحف تمتاز بالحساسية. و هنا یتجسّد الجزء الأكبر من حساسيتي إزاء الصحف. إن الحديث حول الصحف و الصحافة، ليس حديثاً عن الحرية. و إذا حاول البعض أن يعرف لنا الحرية فلا مانع لدينا، لكننا نعلم معنى الحرية، و إن قلوبنا تنبض من أجل الحرية. إن الهدف من الحرية هو حرية التعبير و حرية الفكر، لكن إذا أغلقتم محل أحد تجار التهريب وفقاً لواجبكم، فإن ذلك الشخص لا يستطيع أن يقول لكم: إنكم ضد حرية العمل و الكسب، كلّا، ليس الموضوع حرية الكسب و العمل - فالكسب و العمل مشروعان - و لكن تجارة التهريب هي الممنوعة. و الحديث ليس حول حرية التعبير، إذ لا مانع من التعبير و التفكير، الممنوع هو الإثارة و التضليل، و ذلك في الظروف الحساسة التي تمر بها بلادنا اليوم.لقد قلت لبعض المسؤولين الإعلاميين للبلد مراراً إذا أتى اليوم الذي تملكون فيه القدرة على مواجهة الهجمة الدعائية للعدو، فإنني سأكون في مقدمة الذين يعتقدون بتعدد الصحافة و الصحف و الكتاب و الفيلم و غيرها، لكن عليكم أن تقولوا كم فيلماً أنتجتم أنتم إزاء عشرات الأفلام التي تعمل على زعزعة أركان الثقافة و العقيدة و الدين و الروح الثورية و التضحية و الشهادة في نفوس الشعب؟! و هذا ما يجعلني أشعر بالخطر. طبعاً العمل الأساسي هو أن نفكر في إنتاج ما هو جيد، لكنني حتی ينزل هذا الجيد إلى الساحة لا أستطيع أن أوافق بأن يأتي هذا السیل العارم و يغرق الشباب و الأطفال و شرائح الشعب المختلفة. أو أن يستخدم الأساليب التي تسرّ الأعداء و تعلمهم، فإذا ما وقف معارضاً لها، فإنه يتهم على الفور! هذه ليست الحرية، و ليس هذا تعقلاً أو حكمة، و ليس هذا أسلوب إدارة البلد. أنتم مسؤولون عن الاهتمام بدور وسائل الإعلام. هذا الأمر مهم للغاية. إن الحساسية على دور وسائل الإعلام المكتوبة و الصحف - لا سيما في ظروفنا الحالية - قضية مهمة جداً. بهذه الصورة التي رسمتها لكم، سيتضح الدور الذي يمكن لهؤلاء أن يلعبوه لصالح العدو. و يجب أن تكون الأجهزة المختلفة و جميع الجبهات المتآلفة الموالية للنظام و مسؤولو السلطات المختلفة و مسؤولو المؤسسات المتوسطة المتنوعة خصماً لهم. إن هذا الخصم ليس السلطة القضائية أو رجل دين فلاني فحسب. فالجميع يجب أن يكونوا خصماً لهم في هذه القضية.الموضوع الرابع، هو الحفاظ على هيكلية الدستور في مجال الإصلاحات. إن دور الإسلام و كونه منبعاً و منشأ للقوانين و الأبنية و الصلاحيات هو الذي يتجلي في الدستور أكثر من أي شي آخر. فينبغي الحفاظ على هيكلية الدستور بدقة. أنظروا أنتم و لاحظوا كيف يتعامل العدو مع دستورنا: إنه ينفي بعضه و يثبت البعض الآخر، أو يتمسك به أحياناً و أحيانا يتحدث ضده! إن الدستور هو ميثاقنا الوطني و الديني و الثوري العظيم. إن الإسلام - الذي يمثل كل شيء بالنسبة لنا - تجسد في الدستور. إن المادة الرابعة للدستور توضح كل شيء. و إذا كان في القوانين العادية - حتى في نفس الدستور - مبدأ أو قانون يتعارض مع الإسلام في مجال التنفيذ أو التشريع، فإن هذه المادة تكون حاكمة عليه، أي الحكومة بمعنى المصطلح الأصولي و العلمي للحوزات العلمية. و هذا هو ما لا حاجة للتصريح به، حتى و لو لم يصرحوا به كانت حكومته واضحة لكنهم صرحوا بهذه الحاكمية. و لهذا لا بد من الحفاظ بشكل كامل على هيكلية الدستور في حركة الإصلاحات.الموضوع الخامس هو مواجهة أی إفراط و تفریط یمهد الطریق للعدو، أعني النموذج اليلتسيني! على جميع الأجهزة مواجهة النموذج اليلتسيني بشدة و ألّا يسمحوا لكل شخص انتهازي و مخدوع و متجاهل بتحریف الحركة عن مسيرها الصحيح و إيجاد حالة التنافس و المعارضة.الموضوع السادس، هو المواجهة الجادة لتدخل الأجانب و الغربيين و عدم الاهتمام بإيحاءاتهم و عدم حسن الظن بهم. و الموضوع الدبلوماسي و العلاقات الخارجية هو بحث آخر طبعاً. ففي المجال الدبلوماسي يعطي المرء و يأخذ و يعقد الاتفاقيات و يقوم بكل شيء، لكن في القضايا الأساسية للنظام، يجب ألّا تنظر بحسن ظن إلى إيحاءاتهم، على عكس ما نشاهده في ظروف غورباتشوف. هؤلاء يفتقرون تماماً إلى حسن الظن. إننا لاحظنا في الحرب المفروضة التي استغرقت ثمانية أعوام أن كافة أوربا من فرنسا إلى ألمانيا إلى انجلترا إلى يوغسلافيا السابقة إلى الكتلة الشرقية في تلك الأيام قد قامت بدعم صدام. طبعاً نحن في العمل الدبلوماسي لا نقول لهم: إننا سنقطع علاقاتنا معكم لأنكم قمتم بدعم صدام، كلا، فعالم الدبلوماسية عالم آخر. نحن موافقون على إزالة حالة التوتر المطروحة اليوم في سياساتنا الخارجية. فينبغي إزالة التوتر، لكن إزالة التوتر شيء و الثقة بالغرب شيء آخر. فالغرب لا يثق بنا و نحن أيضاً لا نثق به. و إن الذين يعملون في المجال الدبلوماسي يدركون تماماً ما أقول. و إن الساحة الدبلوماسية ساحة قتال حقيقي، لكنها حرب على شكل ابتسامات و تحية الصباح و المساء! فلا يجب أبداً أن تفهم العلاقات الدبلوماسية على أنها ثقة بالعدو، بل یجب سوء الظن به.الموضوع السابع، هو تناغم الإصلاحات في القطاعات المختلفة. هذه نقطة مهمة. أنظروا يا أعزائي! إن الإصلاحات أمر معقد و صعب و بطيء في بعض المجالات. على سبيل المثال الأمور في المجال الاقتصادي تسير بأناة شديدة، كما في التوزيع العادل للعائدات، إنه عمل صعب، و ليس سهلاً. إن اجتثاث جذور الفقر و معالجة مشاكل المناطق المحرومة، تعتبر جميعها جزءاً من الإصلاحات. إن إصلاح النظام الإداري، عمل في غاية الصعوبة و التعقيد و الضخامة، فإن هذه الأمور تسير بأناة. و أما في المجال المشابه لغلاسنوست للسيد غورباتشوف فالأمر يختلف تماماً، لأنه يمكن إعطاء الرخصة لصدور عشرين صحيفة في يوم واحد. و هذا مما لا تناغم فيه، و لا يمكن أن يتم العمل هكذا، فينبغي أن نتحرك بانسجام، و علينا أن نتحرك بما يتناسب مع المجالات الصعبة خطوة بعد خطوة. و لهذا السبب فأنا أشدد دوماً على أولوية قضية المعيشة، لأن مجال المعيشة مجال صعب. إذا استفدتم من جميع ما تملكونه من طاقات و عملتم بكل صدق و إخلاص و حب، فيمكن لكم أن تتحركوا بسرعة معينة، فينبغي عليكم أن تتحركوا في سائر المجالات بنفس السرعة. إذا لم تتحركوا بسرعة متناسقة، فسيحدث العديد من المشاكل الأساسية جداً، بعضها يمكن حسابه و البعض الآخر لا يمكن، و الذي يمكن حسبانه فبعضه يمكن الحيلولة دونه و البعض الآخر لا يمكن.الموضوع الثامن هو المواجهة الجادة لعناصر التجزئة القومية في البلد. و إنني أخاطب الذين تقع علی عاتقهم المسؤولية فی هذا المجال، سواء في وزارة الداخلية أو في الأماكن الأخرى. اعلموا أن إثارة النعرات القومية قضية جادة اليوم. و هذا ما يشعر به المسؤولون المعنيون الذين يريدون متابعة القضية. إن جميع القوميات الإيرانية تحب إيران و الجمهورية الإسلامية و تعتبر إيران وطناً لها. فانتمائي لأقالیم التركية أمر واضح كما عشت مدة طويلة في منطقة بلوشستان و كان لي علاقات صميمية مع أهلها، كما كانت لي علاقة قريبة و بعيدة مع البعض من المناطق الأخرى، و لدي معلومات غير قليلة عن الذين لم أتصل بهم. إنني أعرف روحهم المعنوية. لقد قمت بزيارات كثيرة إلى تلك المناطق طوال فترة مسؤولياتي المختلفة. إن القوميات الإيرانية قوميات مسلمة و تنبض قلوبها لماء هذا الوطن و ترابه، إنها تجد عزتها و رفاهيتها في إيران الشموخ و الحریة، لكن العدو يقوم بإثارة النعرات. فلا يجب التقليل من خطورة هذه الإثارات. عليكم أن تراقبوا. هذه من القضايا المهمة للغاية و يبدو أن بعض الأيادي تخطط لتفقد الحكومة سيطرتها على الأمور. فلو حدث مثل هذا الوضع لا سمح الله، فسنواجه المشكلات، مما يقتضي بذل الأموال و العزم و الوقت و عندئذ لا يمكن للمسؤولين القيام بواجباتهم.لقد انتهى حديثي. و لكنني أريد أن أقول بأنني أدعم بشدة كافة المؤسسات القانونية في البلد. و ما يهمني بالنسبة للأفراد و الشخصيات و المؤسسات، هو الدفاع عن مواقعهم و مسؤولياتهم و دعمهم ليؤدوا واجباتهم كما ينبغي. و إن رئيس الجمهورية و رئيس السلطة القضائية و رئيس مجلس الشورى الإسلامي و المؤسسات التي يديرها هؤلاء و الأجهزة القانونية المختلفة كلهم سواء بالنسبة لي من هذه الجهة، و إنني أدعم و أدافع عن مسؤولياتهم جميعاً. السبب في هذا الدفاع طبعاً يعود إلى معرفتي بكافة المسؤولين رفيعي المستوى عن قرب و ملاحظة إخلاصهم و تدینهم و التزامهم. طبعاً هذا الدعم ليس دعماً مطلقاً. فعهدي مع كافة هؤلاء الإخوة هو عهد الدين و الثورة.و كما قلت، فإن الغاية و الهوية و المسؤولية الأساسية للقائد، هي الدفاع عن مجموع النظام و الحفاظ عليه. و أنا لا أملک شيئاً، و النفس و ماء الوجه متاع قليل يبذل في هذا الطريق، و إنني على استعداد كامل لبذل هذين العنصرين. إن مرحلة شبابنا - و التي هي فترة الاستمتاع بالحياة - مضت في هذا السبيل. و نحن الآن في مرحلة الشيخوخة. و إن الحياة لا تمثل لذة لي في مثل هذا السن. فلذة الحياة لم تعد لذة لي اليوم. و ليس هناك حب للحياة في نهاية العمر و في موسم انحطاطه و في فصل ضعف القوى البدنية و سائر القوى البشرية الأخرى. فكل ما أملكه أنا - أي الحياة و ماء الوجه - رهن هذا السبيل، و لا أملك المال و الحمد لله.و بالنسبة لهذه المسؤولية الحالیة فلا رغبة لي فیها أبداً. و ربما لا یعلم الکثیر منکم ذلک، لكن الكثيرين من الحاضرین يعرفون هذا الأمر. فلا رغبة لي في هذه المسؤولیة أبداً إلاّ أداء للواجب. و استمراري في تحمل هذه المسؤولیة الآن ما هو إلا أداءًً للواجب، كما كان هكذا منذ اليوم الأول. و لقد واجه السادة في مجلس خبراء القيادة مقاومتي و امتناعي الجادین و المتواصلین، منذ اليوم الأول لاختياري، لكن حينما جاءت المسؤولية فإنني قلت: خذها بقوة . فلست ممن يبدي ضعفاً إزاء ما يلقي على عاتقه من مسؤوليات، كلّا، هذا هو واجبي و لسوف أقوم بأداء هذا الواجب بفضل الله و هدايته و توفيقه.أعزائي! إن الآية التي تلوتها في بداية كلمتي، تتعلق بأحدى غزوات الرسول: ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ). (4) كانوا يخبرون أن هناك الكثير من الأعداء بانتظاركم؛ فاخشوهم! و كان جوابهم إزاء هذا التحذیر و الإنذار - و هو أن العدو قد أعد لکم العدة بکل ما یملک لتوجیه ضرباته إليكم - ( حسبنا الله و نعم الوكيل ). طبعاً ( حسبنا الله و نعم الوكيل ) لا تأتي بالركون في الغرفة و الراحة. فليس من المعقول أن لا نفعل شيئاً أو نبذل جهداً و نخطو خطوة و لا نحمل أرواحنا على أكفنا و لا نريق ماء وجهنا، ثم نقول: ( حسبنا الله و نعم الوكيل )! كلّا، ليس الله بكاف عبده إلا أن يجاهد في سبيله. إن هذه الكفاية تتعلق بساحة القتال. نحن اليوم في ساحة قتال، حتى لو لم تكن هناك معركة عسكرية و لا حرب حياة أو موت. بسبب العداوة الشديدة لمستكبري العالم ضد الإسلام و النظام الإسلامي، فكل إجراء جيد نقوم به و كل قانون نشرعه و كل حکم جيد نصدره و كل حركة جيدة تصدر منا و كل عمل يؤدي إلى تقوية هذا النظام و تقوية الإسلام، فإننا في الحقیقة نکون قد وجهنا من خلاله ضربة للعدو. و عندئذ يقول المرء ( حسبنا الله و نعم الوكيل ). و هذا هو الجواب الإلهي ( فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم ).(6) و لحسن الحظ لدينا تعايش الأديان في بلدنا، فاليهود و المسيح و الزرادشت، يعيشون جمیعهم معاً بجوار الإسلام و في ظل النظام الإسلامي، و هم متعاونون و متعايشون معنا و يقومون بدورهم. و عليهم واجبات طبعاً كما على الحكومة الإسلامية أيضاً واجبات إزاءهم كمواطنين إيرانيين، فعلى الحكومة القيام بهذه الواجبات. و لا توجد لدينا أية شكوى من الأقليات المذهبية من مواطنینا. إنكم تلاحظون أن اليهود الإيرانيين يصدرون البيانيات عندما تأخذ دعايات الأعداء شكلاً حاداً ضد الجمهورية الإسلامية. كما أصدر الأرامنة و المسيحيون بياناً أعلنوا فيه عن دعمهم للجمهورية الإسلامية و هذا يعد من مفاخر الجمهورية الإسلامية.أتصور بأن الاعتذار الذي قدمه السيد الخاتمي في نهاية حديثه، يجب علي أيضاً أن أقدمه مضاعفاً، حيث طال حديث بشكل كبير. هذه هي الأحاديث التي كان يجب عليكم أيها المسؤولون الأعزاء الاستماع إليها. فأنتم المخاطب الأول في هذه القضايا و إذا لم نقل هذه الأحاديث إليكم، فمع من نتحدث؟ أسأل الله سبحانه أن يتقبل ما قلناه و سمعناه و أن يقرب هذا الاجتماع بين قلوبنا - كما قلت في بداية حدیثي - و أن يزيد من التآلف بين الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين هم المسؤولون جميعاً أكثر من ذي قبل و أن يجعل جبهة الموظفين و المسؤولين في نظام الجمهورية الإسلامية أكثر اتحاداً و أسأل الله أن يشملكم جميعاً بالبركات الإلهية و عناية الإمام المهدي المنتظر أرواحنا فداه.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) سورة آل عمران: الآية 1742) سورة غافر: الآية 603) من كلمات الإمام سجاد عليه السلام4) سورة آل عمران: الآية 1735) سورة آل عمران: الآية 174
2000/07/08

كلمة الإمام الخامنئي في مسؤولي النظام

بسم الله الرحمن الرحيمأبارك ذكرى ولادة النبي الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و الميلاد السعيد للإمام جعفر الصادق عليه الصلاة و السلام لجميع مسلمي العالم و لكل طلاب الحق و الأحرار، خاصة للشعب الإيراني الشريف العظيم، كما أبارك لكم أيها الحضور المحترمون و مسؤولو البلد المحترمون و الضيوف الأعزاء القادمين من البلدان الإسلامية في كافة أنحاء العالم و سفراء الدول الإسلامية المحترمون.یبلغ النبي الكریم من حیث الشخصیة الذروة في عالم الخلقة؛ سواء في الأبعاد التي یمكن للبشرية فهمها، كنفس هذه المعايير الإنسانية السامية - أعني العقل، و التدبير، و التحلي بالوعي، و الكرم، و الرحمة، و العفو، و الحزم و غيرها - أو في الأبعاد التي لا يبلغها الفکر البشري - أعني الأبعاد التي تشير إلى تجلي الاسم الأعظم للحق تعالى في وجود النبي الأكرم و منزلة قربه من الله تعالى - التي نسمع باسمها و ندري رسمها فقط و لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى و أولياؤه العظام، كما أن رسالة ذلك العظيم، هي من أسمى و أفضل الرسالات التي تحقق سعادة الإنسان، أعني رسالة التوحيد، رسالة سمو المنزلة الإنسانية و رسالة تكامل الوجود البشري.هذا صحيح أن البشرية لم تستطع حتى الآن العمل بهذه الرسالة بشتى أبعادها في حياتها، لكن حركة سمو الإنسان و رقيه ستصل إلى هذه المرحلة في يوم من الأيام بلا ریب. و هذه هي نقطة الذروة و التعالي لدى الإنسان. و إذا افترضنا أن أفكار البشرية و فهمها و إدراكاتها السامية و علمها في حالة تقدم دائمية و أن رسالة الإسلام حية أيضاً، فلا شك أن هذه الرسالة ستجد مكانتها يوماً ما في حياة المجتمع البشري. إن أحقية الرسالة النبوية و التوحيد الإسلامي، و درس الإسلام للحياة و طريق الإسلام من أجل سعادة الإنسان و تقدمه، هو الذي سیبلغ بالبشرية إلى تلك المرحلة التي يمكن لها أن تجد هذا الطريق الواضح الممهّد و أن تسير عليه و تتقدم و تحقق تعاليها و تكاملها.المهم بالنسبة لنا نحن المسلمين، هو أن نزيد من معرفتنا بالإسلام و برسوله الأكرم. و إحدى الآلآم الكبيرة في العالم الإسلامي اليوم هي التفرقة و التمزق. إن محور وحدة العالم الإسلامي، يمكن أن يكون وجود النبي المقدس الذي يؤمن به الجميع و الذي ترتكز عليه كافة المشاعر الإنسانية. و نحن المسلمين ليس لدينا نقطة أوضح و أشمل من هذه النقطة - كوجود النبي المقدس - حيث يؤمن به جميع المسلمين، و فضلا عن ذلك الاعتقاد هناك علاقة عاطفية و معنوية تربط قلوب المسلمين و مشاعرهم بذلك الوجود المقدس. و هذا أفضل محور للوحدة.إن ما نلاحظه في هذه السنوات الأخيرة من توجیه إهانات لشخصية النبي الأكرم كعهود القرون الوسطى و عهود تحليلات المستشرقين المغرضة لیست بصدفة. و في القرون الوسطى كان القساوسة المسيحيين يوجهون الإهانات لشخصية النبي الأكرم في كتبهم و أقوالهم و آثارهم الفنية و عندما ظهرت كتابة التاريخ على يد المستشرقين، كان القسّیسون يوجهون الإهانات للنبي الأكرم. كما لاحظنا ثانية في هذا القرن المنصرم أن شخصية النبي الأكرم المقدسة المباركة كانت إحدى النقاط التي تعرضت لسهام الشّک و الشبهة و حملات الإهانة من قبل المستشرقين غير المسلمين في الغرب!لقد مضى زمن طویل على هذه الواقعة، لكنهم أثاروها من جديد. في هذه السنوات الأخيرة، يلاحظ الإنسان هجمة صحفية و ثقافية دنيئة و مشؤومة قد تشن على شخصية النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم في كافة أنحاء العالم. إن هذا الأمر يمكن أن يكون أمراً مدروساً، حيث وصلت إلی هذه النقطة و هي أن المسلمين يستطيعون أن يلتفوا حول محور وجود النبي الأكرم و تهفوا له قلوبهم بالإيمان و الحب و العشق. لهذا أخذوا يناقشون هذا المحور.على علماء الإسلام و ذوي العقول المشرقة من المسلمين و الكتاب و الشعراء و الفنانين في العالم الإسلامي، أن يرسموا شخصية النبي الأكرم و أبعاد عظمة ذلك الوجود العظيم للمسلمين و غير المسلمين مهما استطاعوا. و هذا الأمر يساعد أجیال الأمة الإسلامیة الشابة على تحقيق وحدة الأمة الإسلامية و علی تصعید الحركة نحو الإسلام. أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء! إن العالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى الدنو و الاقتراب من مباني و حقائق الإسلام و الأنس بها أكثر مما مضى. و اليوم تمهّدت المقوّمات للحركة الإسلامية في كافة أنحاء العالم الإسلامي. و اليوم فإن إدراك حقيقة التوحيد الإسلامي ليس أمراً صعباً على الشعوب المسلمة مقابل الفساد الذي يعاني منه العالم الغربي المادي. و إن اليوم هو اليوم الذي يجب على علماء الإسلام و مفكريه، التحرك و بذل المساعي لتعریف القلوب علی حقيقة الإسلام؛ و أن يوجهوا الأمة الإسلامية نحو مجالات تجديد الحياة الإسلامية التي بات طريقها ممهداً و الحمد لله و برزت نماذج من ذلك في أنحاء العالم و ظهر مثلها البازر في هذا البلد و بين الشعب الإيراني العظيم محققة في إقامة نظام الجمهورية الإسلامية على أيديهم. إننا كلما تعاملنا بصدق مع الإسلام و حقائقه و الواجب الذي فرضه علينا، كلما حالفنا النجاح و النصر الإلهي. نحن جربنا هذا الأمر سواء في قضايا بلدنا الداخلية أو في قضايا العالم الإسلامي. إن ما تلاحظونه من النصر الذي استطاع الشباب المؤمن في لبنان تحقيقه لأنفسهم و للأمة الإسلامية و العربية، لم يحقق إلا في ظل الإسلام و التعرف عليه و العمل بالأحكام الإسلامية في هذا الصدد.و هذا هو الحال دائماً. و هذا هو علاج آلآم الأمة الإسلامية و علاج الألم الكبير للأمة الإسلامية و جرح العالم الإسلامي العميق أعني قضية فلسطين. فلا يظن أحد أن قضية فلسطين انتهت و الشعب الفلسطيني قد انتهى أمره و أن القضية الفلسطينية قد دفنت تحت أنقاض هذه الضجة و الصخب! هذا خطأ، و وهم باطل. فمرور الزمان ليس بوسعه إزالة حقٍ كقضية فلسطين من صحیفة الوجود. إن الشعب الفلسطيني حي و فلسطين قائمة و مستقبلها مشرق. لاحظوا أن هناك عدداً من البلدان - سواء في آسيا الوسطى أو في منطقة البلقان - كانت خاضعة للنفوذ السوفيتي على مدى خمسين عاماً و بعضها علی مدی سبعين عاماً و لم يكن يظن أحد بأن تلك البلدان ستسترد هويتها يوماً ما، لكن هذا ما حدث! لقد كان یبدو الاتحاد السوفيتي کقوة لا يمكن هزيمتها و لا مجال لاضمحلالها يوماً ما و کان المخدوعون بالظاهر يعتقدون بأن قضية البلدان التي انضمت إلى الاتحاد السوفيتي قد انتهت إلى الأبد، لكن الواقع كان عکس ذلك. هكذا هو الحال بالنسبة لفلسطين. فلسطين لا تزول، و لن تمحى من الساحة العالمیة، كما أن جنوب لبنان لم يزل. الصهاينة لم يأتوا إلى لبنان لكي ينسحبوا منها في يوم من الأيام. جاءوا لكي يبقوا هناك دوماً! و قد لاحظتم أن الجهاد و الصبر و الاستقامة التي بذلها الجماهير و الشباب المسلم في لبنان على مدى عشرين عاماً، ضيّق الخناق على العدو و أجبره على الانسحاب، و هذه الحقیقة هي نفسها قائمة بالنسبة لقضية فلسطين. إن مقاومة الشعب المسلم و الملتزم بالإسلام قادرة علی تمزیق هذه الخريطة المزيفة و الكاذبة المرسومة اليوم و إعادة الخريطة الحقيقية - أعني خريطة فلسطين - و الشعب الفلسطيني مرة أخرى إلى هذه الأرض. و هذا يمكن تحقيقه بفضل الله.إن العديد من الأمور التي تبدو عسيرة و غير ممكنة الیوم في عیون البعض، ستكون ممكنةًً في ظل المعرفة بالإسلام و العمل بها، و عند تحقيق ذلك على الصعيد العملي، سيلاحظ أنها لم تكن صعبة و عسيرة كما كنا نعتقد.نسأل الله تعالى أن يجعل الأمة الإسلامية يقظة، و یجعلنا عارفين بقدر الإسلام و القرآن و وجود النبي المقدس. و أن تتبدل الخلافات و الثنائيات بين المسلمين إلى وحدة و تآلف بين المسلمين. و أن نبلغ جميعاً و كافة الأمة الإسلامية إلى النقطة التي رسمها الإسلام لأمته و للبشرية برمتها و ذلك في ظل الألطاف الإلهية و الأدعية الزاكية للإمام المهدي المنتظر ( أرواحنا فداه ).و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2000/06/20

كلمة الإمام الخامنئي لدى استقباله نواب المجلس السادس

بسم الله الرحمن الرحيمأرحّب بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء أعضاء و ممثلو الشعب المحترمون و زملاؤنا الأعزاء الجدد في إدارة هذا البلد الكبير و هذه الثورة العظيمة و في بلوغ الأهداف و المبادئ التي وعدها الله تعالى الأمة الإسلامية و المجاهدين في سبيله! إن أول شيء ينبغي على كل مسؤول في النظام الإسلامي - أعني أنتم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء - بأن لا ینساه هو أن يشكر الله تعالى لهذه المسؤولية الكبيرة. لیس متی ما شاء المرء أن یکون في خدمة الناس و الدین و الأهداف السامیة فسيكون هذا الأمر ميسراً له. فالزمان و الظروف تختلف من وقت لآخر و الإمكانيات غیر متوفرة دائماً. إنه لشرف عظيم للإنسان المؤمن و الملتزم بأن يشعر أنه یتمتع بمکانة تمكنه من السعى و الجد و أن یخطو خطوة في خدمة الناس و الوطن و الإسلام و الأهداف السامية التي لا ریب فيها. أعزائي! لا يمكن للمرء أن يخطو خطوة واحدة دون عون الله تعالى. إن العون الإلهي لا يأتي صدفة أو من غیر منطق أو تقدير، بل يترتب على رجاء الإنسان من الله و سعيه و استغاثته و طلب العون منه.إن نبينا الأعظم - الذي تزينت هذه الأيام باسم ذلك العظيم و هذه الأيام هي ذكرى ميلاده السعيد و هو أسوة لجميع المؤمنين و المسلمين - لم يكن يلاحظ بأن تضرعه إلى الله تعالى و استمداده منه في الظروف الصعبة يمكن أن يوحي إلى أذهان المخاطبين و الحضور و النظار، بأنه ضعیف ذاتیاً. كان يقول بصراحة إنني ضعيف و لا أتمكن من القيام بأمر دون مساعدة الله. و في غزوة الأحزاب، بينما كان الأعداء قد حاصروا المدينة و النبي و جماعة المؤمنين من کل جانب و کانوا ینوون استئصال جذور الإسلام و القرآن و الرسالة الجديدة، فإن النبي إلى جانب إعداد الصف العسكري و التدابير الصارمة جداً، و حث الناس على المقاومة، سجد أمام أعين الناس! و كثيرا ما كرر هذا العمل و هو مذکور في كتب السيرة. كان الرسول يرفع يديه، و كان يتضرع و يبكي قائلاً: اللهم اعنّا و انصرنا و وفّقنا. لا نستطيع أن نقوم بعمل دون العون الإلهي، و لا يمكن الحصول على العون و الرحمة الإلهيين إلاّ بالتوجه إلى الله و التضرّع إلیه و تطهير القلوب و خلوص النية و اجتناب الأهداف الشخصية التافهة و الوضيعة. و کان انتصار هذه الثورة بسبب هذه الروح و الحالة المعنوية، و هکذا تشکّل مجلس الشورى الإسلامي هذا و الذي هو فخر لنظام الجمهورية الإسلامية و هو صفحة مشرقة في هوية ثورتنا و نظامنا.لقد جرّبنا في هذه البلاد قبل انتصار الثورة مجلساً باسم مجلس الشورى. و كل من لاحظ ذلك المجلس و تلك الظروف و ذلك التاريخ أو لمسه أو قرأ عنه في الكتب، فإنه سيعرف قدر هذا المجلس و هذه الثورة، و قدر الجهود التي لم تسمح أن يغلق باب مجلس الشورى الإسلامي حتى ليوم واحد على مدی واحد و عشرين عاماً. طبعاً ذلك المجلس كان من نتاج الإسلام. إن لم تكن تلک الکفاحات الإسلامية للمؤمنين بالإسلام و كبار العلماء، لما بدأ ذلك المجلس أعماله أساساً. لكن ذلك المجلس انحرف عن مسيره. لقد عانى ذلك المجلس من آفتين: إحداهما التعطيل و التوقف و الآخر الانحراف. إن انحراف المجلس هو أن النواب تخلّوا عن العمل بواجباتهم كممثلين للشعب. فبعد الدورة الثالثة و الرابعة، تشكلت أربع أو خمس دورات من مجلس الشورى و استغرقت كل واحدة منها سنتين و كان على أساس اختيار الشعب تقريباً، لكن لم تکن هناک انتخابات و اختیار بعدها و لم يكن هناک تواجد شعبي! و ليس هناك من يعرف قدر مجلس الشورى الإسلامي و هذه الأجواء التشريعية الحرة و هذا الانتخاب الشعبي الحقيقی بقدر أولئک الذین شاهدوا تلك الظروف و لمسوها و عاشوها أو سمعوها و أدرکوها. عليكم أن تشكروا الله بأن جعلكم من زمرة الذين تمكّنوا من التواجد في مثل هذه المکانة المهمة و السامية، و لتکن أفکارکم و قراراتکم لله و لإداء واجبکم، و علیکم أن تعملوا و تسعوا و تکابدوا. و هذه البلاد في أمسّ الحاجة إلى السعي و الجهاد.هذه الثورة هي تجربة جديدة و خطاب جديد في العالم. و النظام الإسلامي هو کلام جديد في مجال عالم السیاسة. و لن تتمکن تلک الأنظمة التي اعتادت العمل علی إيداع المصلحة العامة في حساب القوی العظمی و المهیمنة علی العالم، لن تتمکن من ترک هذا الأمر بسهولة. و لذلک يعترضون و يهددون و يعرقلون الأمور، حتی یؤدوا بهذه التجربة الجديدة إلی الفشل. و هذه مشاکل مفروضة. فضلاً عما فرضوه على شعبنا و بلدنا من ضعف و فتور و جهل و تخلف على مر الزمان فإن العدو يزيد من ضغوطه. و علی المسؤولين في هذا المحيط الذي يهدّده الصراع الحزبي أن يبذلوا قصاری جهدهم، لیتمکّنوا من التقدم و أن یخطوا خطوة إلی الأمام و أن يقوموا بالعمل و يعالجوا إحدى المشاكل و يحلوا العقد، و هذا لن يكون ممكناً إلّا بالإخلاص و الصدق و التعاون و المحفاظة على المبادئ التي قامت هذه الثورة على أساسها. إن العمل بالدستور، هو العلاج الوحيد لحل مشاكل هذا البلد. و يتوقف هذا بدوره على أن العناصر الناشطة، سواء الذين يعينون أسلوب تنفيذ الدستور - كالأجهزة التشريعية - أو أولئک الذين ينفذون الدستور - كالسلطة التنفيذية - أو الذين يراعون العدالة و يتابعون الجرائم - كالسلطة القضائية - و جميع منتسبي هذا البلد عليهم أن يضعوا الإخلاص و الصدق و الشعور بالمسؤولية و العمل بها معياراً لهم. هذا هو أساس القضية.إن هذا المجلس و الحمد لله و کما تشیر الإحصائیات، مجلس اجتمع فيه الكثير من المضحين و المقاتلين و مجربي میادین الثورة المختلفة، الذين بذلوا مساعيهم و ضحّوا بأنفسهم في سبيل أهداف الثورة. و الحمد لله هناك الكثير من ذوي التجارب و عشاق الثورة في هذا المجلس. و المجلس کان و لا یزال نقطة الأمل الأساسية للجميع، سواء الجماهير أو المسؤولون. و واجبكم المهم هو أن لا تسمحوا بإضعاف هذا الأمل. طبعاً كما أشار السيد كروبي، يجب عليكم أن تأخذوا كليات الدستور بنظر الاعتبار. و عليكم أن تبذلوا جهودكم لمعالجة مشاكل تنفيذ القانون بقدر استطاعتكم و بقدر ما تتيحه الفرص، و ذلك في برنامج طويل الأمد و متوسط الأمد. إن تقبل المسؤولين للنقد - و الذي يعد من برامج هذه الدورة - من الأمور الرئيسية. عليكم أن تأخذوا بالاعتبار مرارة الحقيقة سواء في تعيين و محاسبة المسؤولين أو ديوان المحاسبات أو إعداد الميزانية أو في التخطيط و وضع القوانين. هذا هو أساس القضية. إن أكثر قوانينا هي قوانين جيدة، لكنها فقدت فاعليتها بسبب ما تعانيه من مشاكل في التنفيذ. لو لاحظ المجلس العناصر التنفيذية بعين بصيرة - طبعاً مع مراعاة الإنصاف و العدالة و مراعاة الحدود الإلهية - فستُحَلّ هذه المشاكل أو ستصبح أخفُ وطأة علی الأقل. و هذا من الأمور المهمة للغاية.عليكم طبعاً أن تأخذوا الأولويات بعین الاعتبار. و ضمن کلمة کنت قد وجهتها لكم أيها الأعزاء بمناسبة افتتاح مجلس الشورى الإسلامي قلت لكم إنه لا يمكن تنفيذ جميع الأمور دفعة واحدة، فعليكم أن تهتموا بالأولويات. و هناك حديث مثار الآن في الأقوال و الخطابات حول شخصية الإنسان و شأنه و شرفه و عزته في المجتمع. و هو بلا ریب من المبادئ الإسلامية، و لكن أيّ انتهاک لکرامة الإنسان أکبر من أن یکون الإنسان أو ربّ الأسرة أو أب العائلة في بلاد یتوفر فيها کل شيء، أن یکون غیر قادرٍ علی تأمین متطلبات أولاده؟! و هل هناک إهانة أکبر من هذه؟! هل يوجد هناك انتهاك للشخصية و الشرف و الكرامة الإنسانية أسوأ من هذا؟! و هل من الإنصاف أن يعمل أحد من الصباح حتى الليل، ثم يكتب لي أو لكم أو لمسؤول آخر، إنني لم استطع شراء اللحم لعائلتي! عندما لا يوجد في المجتمع اللحم و الفواكه، فأنا و أنتم أيضاً لا نتناول، أو عندما لا یکون المجتمع في رفاهية، فأنا و أنتم أيضاً لا نتمتع بالرفاه، أو عندما تصل أيام العيد، فإن أولادي و أولادكم لا يرتدون ملابس جديدة. في هذه الحالة لن يشعر أحد بالخزي - البلية إذا عمّت طابت - لكن عندما يكون كل شي متوفراً و عندما یستطیع البعض توفیر الثروات العظیمة أو طرق الحياة المرفهة لأنفسهم و ذلک عن طريق استغلال الفرص اللامشروعة، أو عندما تكون في المجتمع طبقات تنفق المال بغير حساب، بينما يوجد بيننا حشد كثير من الناس من المقاتلين و العناصر العسكرية و موظفي الحكومة، و المعلمين و القرويين و أبناء المناطق المحرومة و النائية و أبناء جنوب البلاد، ممن لا يتمكنون من توفير الخبز و الجبن لأولادهم، هل هناك انتهاك للشخصية و الشرف الإنساني أكبر من هذا؟! فماذا تقولون لهؤلاء؟ و على قلب من تريدون إدخال السرور؟! و من هم أولئك الذين تريدونهم أن يرضوا عنكم؟طبعاً، قضية المعيشة تقع على رأس الأولويات. فلو لم تكن المعيشة، فلن يكون هناك دين و أخلاق و حفاظ على العصمة و العفاف، و الأمل. و لا يلوم أحد من وصل إلى مكانة و سعى لإزالة الفقر و الحرمان و قضى أيامه و لياليه في سبيل ذلك. عليكم أن تجدوا الأولويات. فهذه من القضايا الرئيسية للمجتمع.أعزائي! اعلموا أن الفقر و المشاكل الاقتصادية هي أشدّ حربة في أيدي أعدائكم و أعداء هذه الثورة و النظام. فينبغي التفكير بهذه القضية. إن مشاكل الناس الاقتصادية هي مثلاً البطالة التي تكررونها في حديثكم و هي قائمة حقاً، و هي تلک النواقص و المشاكل الكبيرة. طبعاً هناک العديد من أنواع الفساد، أنواع الاستغلال و مختلف الفوارق و المشاكل الإدارية إلى جانب المشاكل القضائية. إن ما يقع على رأس أولوياتكم هو المحافظة على روح الأمل في نفوس الشعب. و كذلك إشباع بطون الشعب و هو علی رأس الأولويات. من الممكن الجلوس و إطلاق الكلمات التنويرية: إذا لم يحدث كذا، فلن يحدث كذا، و إذا لم يكن الأمر هكذا. فلن تكون النتيجة هكذا، لكن ينبغي أن نرى ما هي الحقيقة.هذه المسؤوليات قائمة ٌاليوم و ستزول غداً. و جميعنا راحلون عن هذه الدنيا. لقد كان مجلس الشورى الإسلامي قائماً بفضل الله و سيظل ثابتاً، لكننا لسنا ثابتین، و نحن هنا لأربعة أیام ثم نرحل، و ليس لدينا سوی القليل من الوقت و علينا واجبات لا بد من أدائها بشکل صحيح. علينا أن نكسب رضا الله بالدرجة الأولى. طبعاً يجب إرضاء الناس و إدخال السرور إلى قلوبهم، لكن علينا أن نفكر بالحساب الإلهي قبل کل شيء.أعزائي! إن الله تعالى سيسأل عن كل ساعة من أعماركم قضيتموها في المجلس، و عن كل قرار اتخذتموه، و عن كل ما يصدر عنكم من حركات و سكنات أصبحت اليوم مهمة. قبل هذا، كنتم تقعدون و تقومون و لم يكن لحركاتكم و أقوالكم أدنى تأثير، لكن الآن كل كلمة تنطقونها، أو كل حركة تبدونها أو كل موقف تتخذونه، بات أمراً مؤثراً. فهذه إمكانية، و هذه الإمكانية تجلب معها المسؤوليات الجسيمة. و الذي سيسألنا و يحاسبنا بالدرجة الأولى هو الله.إجعلو الله نصب أعينكم في تمییز الأمور و تعيين المسؤولين. إن تعيين المسؤولين يجب أن يكون على أساس الوعي و العلم و الدقة. هذه من الواجبات المؤكدة. إن كل من تولونه عملاً، أو كل من تعترضون عليه، أو كل من تسألونه أو كل من تستوضحونه، هو مسؤول في النظام الإسلامي الذي يستمد منكم قدرته و إمكانياته. لذلك ينبغي توخي الدقة و الوعي و عدم المحاباة في خصوص من تمنحونه هذه القدرات و الإمكانيات و بخصوص اتخاذكم القرارات و تشخيصكم للأمور.إن تقسيم التيارات إلى يسار و يمين و حديث و تقليدي و غيرها، مجرد كلام. هذه ليست حقائق. الحقيقة هي ذلك الواجب و تلك المسؤولية التي تقع على عاتقكم. و هذا هو المهم. أي ذلك الشيء الذي يشغلنا و ما يجبرنا على الإجابة أمام الله تعالى.أيها الإخوة الأعزاء! إن بعض هذه الأعمال يمكن للإنسان أن يکفّ عنها، كما أن بعضها لا يمكن التوبه منها، لأن إصلاحها لا يمكن. أنظروا إلى القرآن الكريم فهناك بعد (إلا الذين تابوا) (1) تأتي في أحيان كثيرة كلمة: (و اصلحوا). (2). أحياناً تختص التوبة بأمورنا الشخصية. و في القضايا الفردية نرتكب خطأ، ثم نخاطب الله تعالى: اللهم! أخطئنا. و هذا ينتهي و يزول. و أحياناً تترتب على هذا العمل آثاراً في مستوى المجتمع، فيأتي معه واقع أو يزيل واقعاً في المجتمع، فإن التوبة من هذا العمل هو إعادة إصلاحه. هل يمكن الإصلاح دوماً، هل يمكن إعادة المياة إلى مجاريها دوماً؟ لهذا يجب التحلي بالدقة التامة.أری من الواجب علي تقدیم التهاني لکم لهذه المسؤولیة العظیمة التي تقع على عاتقكم، کما یجب علي أن أحذركم: عليكم أن تكونوا على حذر، هذه مسؤولية جسيمة للغاية و عمل كبير جداً. هي مسؤولية جسيمة على قدر تلك المسؤولية التي تحملها من كانوا قبلكم أو تلك التي سيتحملها من سيأتي بعدكم. فيجب عليكم أن تطلبوا العون و المساعدة من الله تعالى.يجب أن لا تكونوا مدينين لأحد، بل ينبغي عليكم أن تكون مدينين للیمین الذي أدّيتموه. و ذلك الیمین هو یمین حقيقي، أي إنه يمين شرعي، لو نقض ذلك القسم، لحدث عمل خلاف الشريعة بالتأكيد و ستقع مسؤوليات كبيرة على عاتق الإنسان أمام الله تعالى.واجبنا هو الدفاع عن هوية الثورة و أساس هذه الثورة و أساس هذا النظام، و لن يتحقق ذلک إلا إذا أدركنا ما هي مسؤوليتنا في هذا الدستور الذي هو دستور شامل و راق و الحمد لله. نحن لا ندّعي أنّه خالٍٍ من العيوب و النواقص، لكنه يعتبر من أشمل و أكمل الدساتير في عالم اليوم. إن هذا الدستور هو الذي جعل المجلس من الأركان المهمة لهذا النظام. إن أساس القضية هو أن هذا الركن يتعلق بهذا النظام الإلهي. هناك أشخاص كثيرو لنشاط و العمل و يبذلون جهدهم رغبة في عدم بقاء هذا النظام محافظاً على جامعيته و روحه الإسلامية. إن واجبنا هو أن نقف أمام هيمنة معارضي هذه الثورة و هذا النظام بكل اقتدار. و إذا ما منّ الله تعالى علي بالتوفيق - كخادم یحمل على عاتقه مسؤولية - فإن هذا هو واجبي أيضاً كواجبكم. على الجميع أن يقفوا أمام الذين يريدون تضعیف أركان هذا النظام سواء أركانه العقائدية أو الفكرية أو التنفيذية. و هذا هو الواجب الرئيسي على جميع مسؤولي النظام سواء السلطة التنفيذية و في رأسها رئيس الجمهورية أو السلطة التشريعية التي تمثلونها أنتم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، أو السلطة القضائية أو سائر المسؤولين و من جملتهم هذا العبد الحقير. و سعادتنا هي السير في هذا الطريق. نحن عاهدنا الله تعالى على أن نصمد، و سنلتزم بهذا العهد إن شاء الله. نحن لن نسمح لمعارضي الثورة و الذين كانوا منذ البداية من معارضي هذه الثورة، أن يحققوا أهدافهم في المراكز المؤثرة على الرأي العام و على إيمان الجماهير. و هذا ما يطالبكم به الشعب و يسألكم الله تعالى عنه.نسأل الله تعالى أن يساعدكم و يوفقكم لقضاء هذه السنوات الأربع و نسأله أن یمنحکم سلامة الدین و الدنيا مع رضاه عنكم سبحانه و أن تنهوا هذه المسؤولية في حالة تشعرون معها بالرضا عن العمل الذي قمتم به من أجل البلد و هذا الشعب.نسأل الله تعالى أن يوفقكم أيها الأعزاء و أن يديم عليكم و على هذا الشعب بركاته. و نسأل الله تعالى أن يشملكم و نحن جميعاً ببركات بقية الله الأعظم أرواحنا له الفداء و دعائه المستجاب.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) سورة البقره: الآية 160 2) سورة البقره: الآية 160 
2000/06/18

كلمة الإمام الخامنئي لدى استقباله لمسؤولي السلطة القضائية

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بكم أيها الحضور المحترمون، و المسؤولون الأعزاء في السلطة القضائية و العوائل المحترمة لشهداء السابع من تير العظام.أريد أن أتحدث قليلاً حول السابع من تير. إن أهم شيء یلفت الأنظار و یؤثر في القلوب في هذه الحادثة، هو أنه كلما كانت ضربات العدو البغيضة الموجهة إلى بنیة الثورة أشد ضراوة، كلما ازداد إيمان و صلابة و صبر و استقامة الجماهير. سلب العدو من النظام الإسلامي أكثر من سبعين شخصاً من مدرائه البارزين و من بينهم شخصية كالشهيد بهشتي دفعة واحدة، بهذا الشكل المفجع و المؤلم. فماذا كان رد فعل هذه الثورة و هذا الشعب؟ استطاع الشعب بفضل إيمانه و صلابته و صبره و استقامته و عوائل الشهداء الكريمة بحلمهم و صبرهم الراسخ، أن يردوا على العدو بما لا یمكن تصوره في المحاسبات المادية و لا في أي ظرف. فقد حققوا الضمان للثورة، و طردوا العدو و رفعوا اسم الشعب الإيراني عالياً في الآفاق. هكذا هو الحال دوماً. فما دام إيمان الشعب و صبره و يقظته و حلمه ذخيرة ثمينة لهذه الثورة و هذا النظام، فإن العدو سيعجز عن توجيه ضرباته لهما و لن يجني ثماراً و ستظل الثورة أشد قوة و رسوخاً. إن شهيدنا العظيم - أعني المرحوم آية الله بهشتي - كان شخصية نموذجية و ممتازة في النظام الإسلامي و قد سلبوه منّا في هذه الحادثة، لكن ذكراه لا تزال حية كما أن دمه و دماء أصحابه خلدت الثورة و بات درساً عظیماً للثورة.إن تسمية هذا الأسبوع باسم السلطة القضائية هو بادرة مناسبة، لأن المؤسسات القضائية الجديدة و النظام القضائي الإسلامي الجديد تكوّن و تشكل بفضل أفكار و إبداعات الشهيد المظلوم بهشتي و بفضل مساعیه. طبعاً لو كان حياً، لتحرك هذا النظام نحو الكمال و التخلص من العيوب و استقطاب العناصر القوية و الراجحة، بشكل أسرع. لقد بذلت من بعده أيضاً العديد من المساعي المشكورة، و نسأل الله تعالى أن يقبل جهود الأعزاء الذين بذلوا مساعيهم في هذه السنوات الأخيرة في كل مستوى من مستويات السلطة القضائية سواء على الصعيد الإداري أو الأصعدة الأخرى.إن الذي يهمنا اليوم، هو أن السلطة القضائية في بلدنا تحتل مكاناً بارزاً و ممتازاً و تقوم بدور لا مثیل له. كما أوضح سماحة السيد هاشمي شاهرودي، أن السلطة القضائية من الأركان التي إذا سلم و استقام و صلح لغابت كافة العيوب التي توجد في الأجهزة التنفيذية و في القطاعات المختلفة لإدارة و تنظيم أمور البلد و في مستوى المجتمع على مر الزمان. هذا هو الدور الذي حدده الدستور للسلطة القضائية. إشراف السلطة القضائية، و الحد من الجرائم، و توفير العدالة، و استتباب الأمن، و كلها من العناوين الضخمة جداً التي تعتبر من المقومات المهمة لإدارة البلد المطلوبة. إن السلطة القضائية بوسعها أن تكون مظهر العدالة في النظام الإسلامي. إن السلطة القضائية، لو اتصفت بالصلابة و الاقتدار و اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، فإنها ستستطيع الحدّ من ظهور و نمو الجرائم و من اتساع دائرة الخلاف في الأجهزة المختلفة، و بإمكانها إزالة الظلم عن المظلومين و المستضعفين، و الوقوف بوجه من يستعرضون قوتهم بفضل المال و السلاح.إن آفة المجتمع البشري هو أن هناك من يتجاهل الحقوق العامة بفضل ما يمتلكه من الثروات أو ما يتمتع به من مساندة، و دعم قومي أو قبلي - سواء القوم و القبيلة بأشكالها القديمة أو بصورتها الجديدة و المعاصرة المتمثلة في لعبة الأحزاب و الجماعات - و يضيع حقوق الجماهير و يستغل الفرص لصالحه و يقف في وجه العدالة. إن السلطة القضائية القوية و المقتدرة و الواعية و العالمة تستطيع صدّ هؤلاء.إنني أحمد الله تعالى على أن هذه السلطة التي تأسست على يد عالم بصير فاضل، تدور أمورها الآن أيضاً على يد عالم بصير، فاضل، واع و مجدد. إن ما يجعلني أشكر الله من أعماقي هو أن رئيس السلطة القضائية اليوم يدير السلطة بعلم و نظرة علمية للقضايا و استناد إلى معلومات فقهية واسعة، و رغبة في استخدام الأساليب الجديدة و العلمية لتقدم الأمور، إضافة إلى النظرة الشاملة إلى قضايا السلطة القضائية العامة - و هذا أمر مهم للغاية أن ننظر إلى السلطة القضائية كركن و عنصر أساسي في مجموعة النظام و علینا أن نأخذ تأثيرها على إدارة النظام الشاملة بنظر الاعتبار - كما أنه يدير السلطة بشجاعة و حزم و إنني أری بعيني آثار هذا التنصيب الحكيم المناسب المبارك رغم مضي أقل من سنة واحدة على هذا التنصيب. و هذا لا یعني طبعاً بأننا نرى اليوم في السلطة القضائية كل ما نتوقعه من القضاء الإسلامي، كلّا، فإن ما نتوقعه کثیر جداً. و ما أطالب به طبعاً كطالب علم بسيط یشعر بمسؤولیة عظیمة على عاتقه مقابل کل حکم و بادرة و حرکة و أمام الله تعالى هو أن لا یکون هناک خطأ أمام متطلبات التیارات و الجماعات و العناصر السیاسیة، فالتيارات السیاسیة تتابع مسیرتها. بعض التيارات السياسية تستهدف سلب قدرة السلطة القضائية و صلابتها لتصبح هذه السلطة عاجزة عن العمل. إن البعض يسعون لإرعاب مسؤولي السلطة القضائية لتحقيق أهداف تلك التيارات. و إنهم إذا أثاروا ضجة أو وجهوا انتقاداً فإن الإنسان قليلاً ما يلاحظ آثار الخير في هذه الممارسات. طبعاً هذه المسؤولية الجسيمة و هذا العمل الكبير و هذه المهمة الإلهية التي تقع على عاتق مسؤولي السلطة القضائية، و يجب أن تجعلهم مستعدين لمثل هذه المعارضات و إثارة الضجيج و إطلاق شتى التوقعات. و هذا ليس خلاف المتوقع. على كل حال هناك البعض يعانون من العقد النفسیة و من الحسد، و هناك البعض يهدفون إلى تحقيق الأهداف السياسية و يقومون عبر أساليبهم السياسية بأعمال أو یجرون علی ألسنتهم الأحادیث المختلفة و يخلطون بين الانتقادات الصحيحة و غير الصحيحة. و هذه المطالبات بحث آخر. ما أتوقعه من السلطة القضائية كطالب حوزوي مسؤول، هو ما نشاهد صورته الجميلة المشرقة في التاریخ من قضاء أمير المؤمنين سلام الله الملك الحق المبين علیه: أعني تلك العدالة الصارمة، تلك العدالة غیر المتحیّزة، تلك العدالة الشاملة، تلك العدالة الباعثة على الأمل، العدالة التي یکون فیها الضعیف و العامة من أبناء المجتمع سواسیة أمام القانون و القضاء مع الأقوياء و المقتدرين. هذا هو شأن الإسلام، و شأن ما عندنا في الدستور. في الدستور ليس هناك فرق بين القائد و رئيس الجمهورية و رئيس السلطة القضائية و سائر مسؤولي البلد و بين أفراد الشعب أمام القانون. لیس هناک من هو فوق القانون. إن الدستور يمنح صلاحيات للبعض. الدستور هو الذي يأمر القاضي بأن يدين هذا أو يبرئه، أو أن يصدر حكماً قضائياً. و یقول الدستور للقیادة أن تعفو أيضاً مع ملاحظة هذه الجوانب. و هذا لا يعني التحرك فوق القانون، بل إنه نص القانون و روحه. فالقانون واحد للجميع. هناك مسؤوليات تقع على عاتق أولئك القادرین علی الحل و العقد و تمهيد السبل و معالجة المشاكل. و لكن الجميع سواسیة أمام القانون. و هذا أمر مهم في الإسلام. هناك آخرون أيضاً يدعون مثل هذا الشيء، لكن الإسلام أثبت ذلك على الصعيد العملي. و هو ما نبحث عنه، لأن هذه الصورة الجميلة تتجسد في أذهاننا.لقد قلت للإخوة الأعزاء في السلطة القضائية ذات يوم إن شأن السلطة القضائية هو أن يبعث نور الأمل في قلب المظلوم في أي مكان في هذا البلد لكي يراجع السلطة القضائية و يأخذ حقه. و اليوم الذي نصل فيه لهذه النقطة، هو يوم تحقق القضاء الإسلامي. على الجميع أن يشعروا بأن إحقاق الحق و إبطال الباطل يتحقق بلا تحیّز. إن الشرط الأول هو صلابة و استقلال السلطة القضائية و استقلال القاضي و عدم تغلغل التيارات السياسية و عدم تدخل الأجهزة الأخرى في عمل السلطة القضائية. لقد تحقق اليوم هذا المعنى و الحمد لله و نحن نلاحظ أن رئيس السلطة القضائية يتعامل مع قضايا السلطة القضائية بمعرفته في على الفقه و المضامين الدينية و النظرة العلمية مع مراعاة الأطر الشرعية. فالأجهزة القضائية في الإسلام من أكثر الأجهزة کفاءة. و نحن لسنا بحاجة إلی استعارة المواد القضائية أو القوانين الضرورية لإدارة الأجهزة القضائية أو أسلوب تطبيق العدالة من أي نظام أو بلد أو حضارة أخرى. لقد أخذ الإسلام كل شي بنظر الاعتبار. فلا بد أن تسن القوانين وفقاً للأحكام الإسلامية و التعامل مع الجرائم بالشكل المطلوب. من الخطأ أن نغض النظر عن المجرم إذا كان ينتمي لمنظمة سياسية معينة، و نبرر ذلك تبريراً غير مقبول قضائياً فنقول إن السلطة القضائية إذا أثبتت جريمته و أكدتها، فسوف يثير الضجيج! يقول القرآن الكريم (و إن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين)(2) الحكم الذي يصدر لو كان ضدهم، فإنهم يثيرون الضجيج، و لو كان الحق معهم، فإنهم يقبلونه. ثم يقول: (أفي قلوبهم مرض)(3) هذا هو القضاء القرآني.إن الجهاز القضائي يجب أن يكسب ثقة عامة الجماهير. لا أن يكون هناك ما يمس صلاحيته أو اقتداره و صلابته. طبعاً بلوغ هذا الهدف بحاجة إلى المتابعة، و السعي المتواصل إضافة إلى الشجاعة و التوكل على الله، و هو ما يلاحظ الإنسان آثاره و الحمد لله.إن السلطة القضائية لا تعاني من قلة العناصر الصالحة فيها لإدارة أمورها. و الحمد لله هناك عناصر مؤمنة و سليمة و كفوءة و نشطة و شابة في السلطة القضائية لا سيما في السنوات العشرين الماضية حيث بوسعها إدارة هذه السلطة بشكل جيد، و بإمكانها أن تكون أياد و سواعد و أنامل كفوءة لإدارة السلطة و تنظيم الأمور. ينبغي الاستفادة من العناصر الشابة و المؤمنة و الفعالة و المتوثبة و الملتزمة بالإسلام إن شاء الله.إنني أرى مستقبل السلطة القضائية مشرقاً. طبعاً أسأل الله تعالى دوماً أن يمنح الصبر و القوة لرئيس السلطة القضائية المحترم و المسؤولين الكبار، و القضاة المحترمين و مسؤولي القطاعات المختلفة الذين تقع على عاتقهم مسؤوليات جسيمة و نراهم أحياناً يتعرضون للحملات الدعائية غير العادلة و غير المنصفة و أن يساعدهم ليتسنی لهم حمل هذا العبء الثقيل و كسب رضا الله.إن أساس القضية هو أن نكسب الرضا الإلهي. لو تابعنا الرضا الإلهي، لكان من السهل تحقيق مصالح الجماهير و توفير الخير لهم و إقرار العدالة. لكن إذا لم نكن نتطلع إلى كسب الرضا الإلهي - أعني إذا كان هدفنا نيل رضا الآخرين - فإن الأمور ستتعقد و لا تتحقق معالجة الأمور.نسأل الله تعالى أن تشملكم جميعاً الأدعية الزاكية للإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) و أن يشملكم العون و التوفيق الإلهي و أن نلاحظ يوماً بعد يوم المزيد من التقدم و التحسن في جميع مجالات السلطة القضائية. بهذا الشكل ستحل الكثير من المشاكل و ستصلح المفاسد.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) يشير إلى آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي رئيس السلطة القضائية.2) سورة نور: الآية 49.3) سورة نور: الآية 50.
2000/06/07

كلمة الإمام الخامنئي في المرقد الطاهر للإمام الخميني (ره)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السّلام على سيّدنا و نبينا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المعصومين. سيما بقية الله في الأرضين. قال الله الحكيم في كتابه: ( و لو قاتلكم الذين كفروا لولوّا الأدبار ثم لا يجدون وليّاً و لا نصيراً سنة الله التي قد خلت من قبل و لن تجد لسنة الله تبديلا ). (1)هذه الأیام التي تحمل ذكريات أحداث عظیمة و ذکریات مؤلمة للمسلمین و لا سیما الشیعة، هي أیام مهمة و ذكريات أحداث مفجعة و أليمة - أعني رحيل خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله و سلّم، و شهادة سبطه الأكبر الإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة و السلام و شهادة الإمام علي بن موسى الرضا عليه آلاف التحية و الثناء - تصادف ذكرى مرّة و مفجعة أخری إلا و هي رحيل الإمام الخميني العظيم.إنني أطرح اليوم موضوعاً لإيضاح شخصية إمامنا العظيم و هي بُعدٌ مهم من الأبعاد المتنوعة لشخصيته و في الآية التي تلوتها لكم - و هي إحدى آيات سورة الفتح - يوضح القرآن الكريم للمسلمين المؤمنين في تلك الأيام حقيقة مهمة. و هذه الحقيقة بعيدة عن الأذهان من حيث الأسباب الظاهرية، لكنها حقيقة بديهية من حيث التصور الإلهي. الموضوع هو أن جماعة من المسلمین في السنة السادسة للهجرة کانوا مجردین من الأسلحة و من عدّة الحرب، وجدوا أنفسهم فی مواجهة الکفار الذین کانوا قد أعدّوا العدّة، و كان يجب علیهم أن لا یستخدموا أسلحتهم. حدث ذلك في قضية الحديبية. عُرفت هذه القضية بـ غزوة الحديبية و بصلح الحديبية أیضاً. بالرغم من عدم نشوب الحرب بين الطرفين، فقد کانت نتائج هذه الحادثة أعظم من نتائج حرب عظیمة و آثارها، و کانت لها بركات استثنائية من حيث كيفية المواجهة، فلقد جاء كفار قريش بكل ما لديهم من معدات و سلاح و رجال و إمكانيات ضرورية، لقتال المسلمين الذين جاءوا مجردين من السلاح قاصدين العمرة و زيارة بيت الله الحرام. لكن لم تحدث حرب و ترتبت بركات عظيمة على هذه المواجهة السلمية. يخاطب الله سبحانه و تعالى المسلمين: لو نشب القتال بينكم و بين الكفار و المشركين لانتصرتم عليهم. هذه سنة إلهية، هذا هو قانون إلهي ثابت لا يتغير في عالم الخلقة. ( و لو قاتلكم الذين كفروا لولّوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً و لا نصيراً سنة الله التي قد خلت من قبل و لن تجد لسنة الله تبديلا ). يظهر هنا أصل مهم و هو أصل قد تكرر في صدر الإسلام أكثر من مرة كما تكرر في الثورة الإسلامية، و في الأحداث المتنوعة أيضاً ، فالاهتمام بهذا الأصل يمثل أهمية بالغة لشعوب مثل شعبنا، و إن كان يبدو بعيداً عن الأنظار على الغالب. دور إمامنا العظيم - سماحة الإمام الخميني الكبير - هو أنه ثبت هذه الحقيقة. فما هي هذه الحقيقة؟ هذه الحقيقة هي أن القوى المؤثرة في التحولات الاجتماعية و السياسية تتعلق بالإنسان و طاقاته و إرادته و إيمانه. من هذا المنطلق، فإن مظهر القدرات و الطاقات المؤثرة في التحولات الاجتماعية ليس الشي ء الذي یرید أصحاب السلطة و مستكبرو العالم بیانه دائماً. أراد مستكبرو العالم و أصحاب الهيمنة على العالم أرادوا أن يثبتوا أن التحولات الكبرى و نتائجها تتعلق بأموالهم و قوتهم و سلاحهم و هيمنتهم المطلقة و دعاياتهم، و أن أيديهم هي التي تسیطر علی العالم و تتحكم فيه، و أن التحولات البشرية تحدث بأيديهم، لكن هذا الأصل الإلهي يثبت عكس ذلك و هو أن تحولات العالم و القضايا العالمية و الإنسانية الكبيرة، و الثورات العظيمة و التطورات العظمى، لا تحدث بيد القوى الكبرى و متغطرسي العالم العظماء - و لو أنهم أدّعوا ذلك - بل إنها مرهونة بأمور أخرى. كل هذه العناصر تتعلق بإرادة الإنسان و إيمانه و تضحيته و حركته و تجمعاته حيث تستطيع التحكم في مصير البلد و إيجاد الأحداث الكبيرة. هذا ما بينه و ثبته القرآن و الأحداث التاريخية مراراً، لكن الكثير من الشعوب تجاهلت هذه الحقيقة و بسبب هذا التجاهل ستكزن متأخرة و ستكون مقهورة أمام القوی المستكبرة. لا يستخدمون طاقاتهم و لا قواهم بشکل صحیح؛ لذلک یستغلهم ذوی القدرة في العالم و یفرضون علیهم أوامرهم و یستمرون في أهدافهم الحیوانیة و الشهوانیة و الشخصیة.علينا أن نلقي نظرة إلى ما حدث في العالم و ما يحدث في العالم، لأن الشعب الإيراني بحاجة إلى إعادة تعريف هذه الحقيقة. على الشعب الإيراني أن يعیر أهتماماً أکبر لهذه الحقيقة الإلهية نظراً للرسالة العظیمة التي تقع علی عاتقه و العمل العظیم الذي یواجهه. إخوتي و أخواتي الأعزاء! إن القرن العشرين الميلادي - أعني القرن المنصرم منذ عدة شهور - هو قرن التحولات الاجتماعية و السياسية العظيمة. لقد أنجزت جميع الشعوب تحولات كبرى في هذا القرن حسب مکانتها و ظروفها و وعيها عاجلاً أو آجلاً. طبعاً علي أن أقول بأن الشعب الإيراني كان في طليعة هذه الشعوب التي أنجزت تحولاً سياسياً و اجتماعياً عظيماً أي في عام 1905 أو 1906 م حيث اقترب الشعب الإيراني أکثر من باقي الشعوب إلی هذا التحول السياسي و اجتماعي، و هو ذلك التحول الذي حدث في الثورة الدستورية. أثبت الشعب الإيراني وعيه و تقدمه و جهوده و ظروفه المناسبة و ذلك بفضل عمله هذا. علماء الدين و مخلصو المجتمع كانوا رواد تلك النهضة. الغفلة من قبل الساسة المنتمين للبريطانيين آنذاك تسبّبت في استغلال القوى الغربية و الأجنبية لحركة الشعب المسلم، و تدوين صرخة عدالة الشعب الإيراني على أساس خطة أعدت سابقاً وفقاً لآرائها و تحريف حركة الشعب الإيراني، ثم جاءت تلك القوى بعائلة بهلوي و منحتها ولایة الحكم. و في الحقیقة کانت السبب في تخلف الشعب الإيراني عن حركته على مدى ستين عاماً. حدث ذلك کله على يد البريطانيين. و الحقيقة أن ما أبدوه من عداء تجاه الشعب الإيراني مدی أو سبعين سنة، هو عداء لا يمكن غض النظر عنه و هو مهم للغاية، و إلّا فإننا دخلنا ساحة التحول الاجتماعي قبل الهند و روسيا و الجزائر و سائر الثورات الكبرى في القرن العشرين، نحن جئنا لتطوير البلد و الحكومة و نظامنا الاجتماعي. لقد بذل شعبنا الكثير من التضحيات في طهران و تبريز و خراسان و فارس و في الكثير من مناطق هذا البلد، لكن الأجانب لم يسمحوا بذلك، و سببه هو وجود رجال السلطة المنتمين للغرب و الذين كانت لهم علاقات حميمة بالغربيين و الحكومة البريطانية، حرفوا حركة الشعب الإيراني عن مسيرها، ثم جاءوا برضاخان و نصبوه على کرسي الحكم، لهذا تخلفت حركة الشعب الإيراني لمدة ستين عاماً. دخلت الشعوب الأخرى هذه الساحة أيضاً في هذا القرن و كان لكل منها طريقته. ففي الهند حدث هذا التحول بشكل، و في روسيا بشكل آخر، و في الجزائر بشكل آخر و كذلك في العشرات من البلدان في آسيا و أفريقيا و المناطق المختلفة في العالم بشکل آخر. هناك قواسم مشتركة بين هذه التحولات و هو أن الطاقات البشرية في جميع هذه التحولات انتصرت على القوى الاستكبارية، إلّا أن هذا الانتصار كان واضحاً و ساحقاً في بعض المناطق و خلف آثاراً خالدة، لكنه لم یکن هكذا في المناطق الأخرى، و كان أثره ضعيفاً و تلاشى بسبب الغفلة. هذه حقيقة واضحة أن الشعوب متی ما ارتكزت على قواها الإنسانية المؤثرة، تمكنت من التغلّب على الضغوط التي تمارسها القوى الغاصبة و الجائرة و الغاشمة و المتغطرسة و المعتدية.مشكلة الشعوب اليوم هي الشعور بالعجز مقابل عداء القوى الاستكبارية. أنظروا أنتم الآن إلى المشهد الجغرافي للعالم في تقسيماته و ممارساته السياسية، لاحظوا أن الذين يتصورون بأن كل شيء في العالم عائد لهم و يحتقرون الشعوب و يسيطرون على الإمكانيات البشرية عن طريق الظلم أعني القوى الاستكبارية، على ماذا يستندون؟ أن أهم ما يستندون عليه هو الإيحاء للشعوب بأن قوتهم مما لا يمكن التغلب عليه. إنكم إذا ذهبتم إلى مثقفي البلدان المتخلفة - لا سيما البلدان الإسلامية - أو إلى الساسة و الجماهير و سألتموهم عن السبب في عدم اتخاذهم خطوة لتحقيق حركتهم الوطنية، فإنهم يجيبون نحن لا نستطيع و لا نتمتع بالقدرة، و القوى الكبرى سلبتنا كل شيء و ليس بإمكاننا التعبير عن وجودنا أمام القوى الجائرة! هذا منطق الذين يقفون في موقع الضعف بين بلدان العالم. الحقيقة القرآنية تثبت عكس هذا. فالحقيقة القرآنية تقول: إن البشرية إذا ارتكزت على قواها الذاتية - أعني على الإيمان و الإرادة و وحدة الكلمة و تضحياتها - فلا يمكن لأي قوة الوقوف أمامها. ففي عهد الطاغوت نحن الشعب الإيراني ارتكبنا هذا الخطأ أيضاً. و لو كنا قد سألنا أحد لماذا لا تقفون صامدین إزاء هذه الحكومة الطاغوتية التي سلبت نفط بلدكم و طاقاته و هيمنت أمريكا عليه و سلبت دينكم و أخلاقكم و ثقافتكم الوطنية و الإسلامية و المحلية، و شوّهت تاريخ هذا الشعب، فإن جواب المثقفين و السياسيين هو أننا ليس بإمكاننا أن نقوم بشيء و لا نستطيع أن نتحرك! حركة الإمام و درسه العظيم و خدمته الكبيرة التي أسداها لهذا الشعب و الشعوب الأخرى أثبتت عكس هذا. قال الإمام الخميني للناس إنكم تستطيعون و تتمتعون بالقوة و هي تتعلق بكم و ما عليكم سوى التحلي بالإرادة و العزم و من ثم استخدام هذه القوة، و على النخبة و من يتمكن من التأثير على أذهان الجماهير الدخول في الساحة و على الجماهير أن تستعد للتضحية، فعندئذ يتحقق كل شيء و سیتحقق النجاح. كان الإمام أول من دخل الساحة. و منذ دخوله الساحة جاء النخبة و العلماء و المثقفون و طلبة الحوزات العلمیة و الطلبة الجامعيون، و شرائح الشعب المختلفة، و بمضي عدة سنوات انضمت كل الشرائح إلى هذه النهضة العظيمة و عندئذ لم تتمكن تلك القوة السياسية و العسكرية و الإعلامية من الوقوف أمام هذه الطاقات الشعبية الهائلة. قوة الإيمان و العزیمة و قوة القيادة الحكيمة و قوة المقاومة و الصبر و الصمود لم تنتصر على قوة حكومة الطاغوت فحسب بل إنها تغلبت أيضاً على قوة أمريكا التي كانت تدعمها.أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء! القضية لم تنته بانتصار الثورة. بعد انتصار الثورة، ساعد ذلك الدرس القرآني العظيم الذي لا ينسى - الذي جسده إمامنا العظيم و العزيز و أعاده علينا - الشعب الإيراني في الخبرات المتنوعة و الساحات المختلفة و الهجمات السياسية و العسكرية و الاقتصادية المختلفة. و استفاد شعبنا من هذا الدرس الكبير في الحرب المفروضة في مواجهته مع القوى الاستكبارية و كافة القضايا السياسية. لاحظوا أن نفس هذا الدرس تكرر اليوم في لبنان. عندما اجتاح الكيان الصهيوني جنوب لبنان و احتل هذه المنطقة، لم يكن يقصد الانسحاب منها يوماً ما. من أجل أن یحتاطوا تقدموا حتی وصلوا إلى بيروت، لكنهم لم يكونوا يريدون الحفاظ على تلك المناطق. كان عزم الكيان الصهيوني الراسخ هو الحفاظ على جنوب لبنان و ضم تلك المنطقة إلى الأراضي التي احتلها. كما أنهم احتلوا ذات يوم جزءاً صغيراً من فلسطين، ثم ما لبثوا أن ضمّوا إليها مناطق أخرى، و احتلوا كافة أنحاء فلسطين تدريجياً، ثم احتلوا جزءاً من الأردن و جزءاً من لبنان، لهذا فهم لم يكونوا يقصدون الانسحاب من هذه المناطق، بل إن خطتهم الأساسية كانت البقاء فيها. فمن الذي واجههم و وقف بوجههم؟ کانت الطاقة الشعبية الفقيرة و الناس العزل في لبنان، أعني قوات حزب الله و قوات المقاومة الإسلامية و قوة الجماهير الذين تحمّلوا قصف القوات الصهيونية اليومية. لقد استمرت هذه الحالة سنوات مديدة، لكنها انتهت بانتصار القوة الإنسانية المرتكزة على الإيمان و العزم و التي أفشلت مرة أخرى تلك الصورة التي كانت تريد القوى الاستكبارية إيحائها إلى الأذهان حول عناصر التأثير و اتضح أن الأمر ليس كذلك، ليس كل من يمتلك العتاد و القوة العسكرية و الإعلام الدولي و العالمي، سينجح حتماً. لو كان قد قيل لأفراد الشعب و نفس الصهاينة و حماتهم قبل عام أو قبل عامين، بأن هذا الشباب المؤمن من حزب الله في لبنان سينتصر عليكم، و سيخرجكم من هنا، و سيسترد أرضه منكم بالقوة، لما صدق أحد، لكن الأمر الذي لم يكن يصدقه أحد، تحقق! لم تشن حرب خاطفة، لكن حدث نضال و مقاومة استمرت على مدى سنوات طويلة. انتصرت قوة العزم و قوة الإيمان على الأشياء التي كانت تبهر العيون بمظاهرها. إنني أخاطبكم أيها الشعب الإيراني الأعزاء! هذا الشعب الشجاع و المؤمن و صاحب الإرادة و الخبرة! كما أخاطب الشعوب الأخرى و أقول بأن تلك الحادثة و تلك الواقعة و تلك التجربة القرآنية العظيمة و المتكررة يمكن أن تتكرر ثانية. أين؟ في فلسطين نفسها. المحللون السياسيون اليوم يعتبرون هذا الموضوع أمراً بعيداً جداً. إذا قال أحد بأنه من الممكن أن تتغلب قوة الإيمان و قوة العزم الشعبية على الكيان الصهيوني الغاصب و المستكبر و الجائر، فمن الممكن أن يعتبره بعض الأشخاص أمراً بعيداً جداً، بل يعتبره البعض أمراً مستحيلاً، لكن ليس الأمر هكذا، و هو أمر ممكن الوقوع. و التجربة التي حدثت في صدر الإسلام تعید نفسها مراراً، كما حدثت في انتصار الثورة الإسلامية و الحرب المفروضة، و في الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي لنظام الجمهورية الإسلامية على مدی واحد و عشرين عاماً، كما حدثت هذه التجربة أخيراً في لبنان. هذا هو تكرار لنفس تلك التجربة. و ليس لها سوى سبب واحد، و هو أن يعتمد الشعب الفلسطيني على قوته الذاتية و أن لا يرضخ للکسل. و أن لا يسلب منه إيمانه و إرادته و أهدافه و آماله. كما تحرر جنوب لبنان بعد مضي اثنين و عشرين عاماً، فمن الممكن أن تتحرر أراضي فلسطين المحتلة ثم كافة أنحائها بعد مضي عدة سنوات. إن البعض يعتبرون ذلك اليوم أمراً مستبعداً جداً، كما كان يعتبر البعض بالأمس تحرير جنوب لبنان أمراً مستبعداً و محالاً، لكنه حدث!لو قال أحد قبل ثلاثين عاماً في إيران، بأنه من الممكن أن يسقط النظام البهلوي على يد هذا الشعب و يزول، لما صدقهم أحد. لو قالوا بأن حكومة إسلامية ستحل محل النظام البهلوي الطاغوتي، لما صدقه أحد، لكن هذا الشيء الذي لا یُصَدّق حسب الظاهر تحقق و اتضح أن المظهر الحقيقي للقوى المؤثرة في التحول البشري سياسياً و اجتماعياً، ليس ذلك الشيء الذي تتطلع إليه عيون السطحيين و ما تحاول الدعايات الاستكبارية إظهاره على تلك الصورة. القوى المؤثرة هي الإرادة الإنسانية، الإيمان الإنساني، و اتخاذ القرار، و تضحية الطليعيين و القادة و عدم استسلامهم للفتور و الملل. نعم، إن الشعب الفلسطيني لو رضخ لهيمنة الذين أثبتوا أنهم ليسوا أهلاً للساحة الفلسطينية، و أنهم أحقر من أن يحملوا على عاتقهم قضية عظيمة كقضية فلسطين و ذهبوا للاستسلام و ليكونوا عملاء للكيان الصهيوني و أمريكا، طبعاً لن تتحقق نتائج. لكن لو دخل الساحة أناس مؤمنون، و شباب مؤمنون، و قادة مؤمنون و عناصر لا تعرف الملل و الذين تشع قلوبهم بنور الإيمان - الإيمان بالقرآن و الإيمان بالإسلام - كما نشهد اليوم في الساحة و إذا اجتمع حولهم الشباب و اقتبسوا منهم إيمانهم - كما يقومون بهذا الأمر الآن - فإن هذه الحركة ستتقدم، و اعلموا أن الناس سيشهدون بأن فلسطين ستعود في يوم من الأيام إلى أصحابها الأصليين سواء المسلمون أو النصارى أو اليهود.علي أن أقول لشعبنا العزير: أيها الشعب الإيراني العزيز! أيها الشعب العظيم! أيها الشعب الذي كرر و حقق بوجوده و تواجده و عزمه و تضحياته تلك التجربة القرآنية المذكورة عن صدر الإسلام! أيها الشعب الذي تمكن باعتماده عليك أيها الخميني الكبير أن يبدل مفاهيم العالم السياسية و استطاع أن يقلب الموازين، و استطاع أن يشق و يفتح طريقاً جديداً أمام الإنسانية! أيها الشعب الكبير! إنكم لا تزالون اليوم بحاجة إلى نفس العزم و الإيمان حتی تتمكنوا من ترسيخ ما حققتموه. إن النظام الإيراني استقر اليوم و الحمد لله، لكن الذين وجهت إليهم الضربات بفضل ثورتكم، و السياسات التي قطعت أيديها بأيديكم القوية عن ساحة سلب إمكانيات هذا البلد، لم یقعدوا مکتوفي الأيدي، بل لا يزالون عداوتهم، و لهم خططهم. نحمد الله على ما بیّنه لشعبنا من كثير من النوايا السيئة لأعدائنا و انكشاف القناع عن وجه العناصر الأمنية و الاستخباراتية و السياسية لأمريكا و الصهاينة. طبعاً هناك أبعاد أخرى ستتضح لشعبنا و بفضل من الله سأوضح للشعب الصورة العامة لخطة العدو التي رسمها لنظامنا و ذلك في فرصة أخرى.الخطر الذي يهدد هذا الشعب في مواصلته لهذه الحركة السامیة هو اليأس بالدرجة الأولى. لو استطاع العدو أن يبث في نفوس شعبنا و شبابنا و شرائحنا اليأس من مستقبل حركتهم هذه، فإنه سیکون قد ضرب ضربته. هذا هو الخطر الأساسي. لهذا أنتم تلاحظون أنهم يحاولون بكل ما لديهم من أساليب و خطابات و لغات أن یجعلوا القلوب تشعر بالشك و اليأس إزاء استمرار هذه الحركة الإسلامية الشامخة و تفقد أملها. فهذا خطر عظيم. ثمة أخطار عظيمة تهدد أولئك الذين يمكن لهم التأثير على الشعب - الذين تؤثر أحاديثهم، و أعمالهم، و أساليبهم و كتاباتهم على الشعب - لذلك عليهم أن يراقبوا. أحد هذه الأخطار هو الاستسلام للتعب، و منها الركون إلى الراحة، و منها الرغبة في الاستسلام، و منها ترجيح المصالح الحالية العابرة، و هي تلك المصيبة التي حلت بأولئك الذين حرفوا مسير الثورة الفلسطينية، و هو نفس الخطر الذي مني به أولئك القادة الذين حرفوا شعوبهم عن طريقها الصحيح الذي كانت قد بدأته و منعوها من مواصلة مسيرها. ثمة مسؤوليات ثقيلة تقع على عاتق القوى المؤثرة على أذهان الجماهير، فعليهم تقوية إيمانهم و زهدهم، و أن يزيدوا من توكلهم على لطف الله و فضله، و ألا يحسنوا الظن متفائلين بالعدو حتى للحظة واحدة، فإن العدو يرسم الخطة لتوجيه ضربته. إن النخبة في أي بلد - أعني القوى المؤثرة في حركة الشعوب بأقوالها، و أقلامها، و تصرفاتها و توقيعاتها و امضاءاتها- لو رغبت في الاستسلام و الركون إلى الراحة و العيش الرغيد و حياة البطر و شعرت بالتعب من التواجد في ساحة الأخطار، فعندها سیکون الخطر محدّقاً. لهذا أنتم تلاحظون أن أمير المؤمنين عليه السلام في فترة خلافته القصيرة يوجه أكثر خطاباته و عتابه و توصياته و وصاياه إلى الذين ولّاهم على إدارة المناطق المختلفة من أقطار البلد الكبير التابع لحكومته. كما أن إمامنا العظيم كان كثيراً ما يوجه تحذيراته إلى مسؤولي البلد و إلينا و إلى تلاميذه و إلى من تربّوا في كنفه. و خلاصة هذه التحذيرات هي أن لا يعوّدوا أنفسهم على حلاوة العيش الرغيد و أن لا يتركوا الجهاد في سبيل الله.اللهم إن هذا الشعب العظيم قد آمن بك و جاهد في سبيلك. و أنت القائل ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ).(2) اللهم دافع عن هذا الشعب العظيم في سبيل مبادئه الكبيرة و أهدافه الشامخة و دافع عنه إزاء أعدائه اللدودین و تفضل عليه بالنصر. اللهم و اجعل اسم الإمام، و سبيله و ذكره و دروسه الخالدة حيّة دائمة في أذهاننا و قلوبنا و أعمالنا. اللهم و أرض عنا الروح الطاهرة للنبي الأكرم و أوليائه و الأرواح الطيبة للشهداء و الروح الطاهرة لإمامنا العظيم. اللهم فجر عيون الأمل في قلوبنا. اللهم و أهلك أعداءنا، اللهم رسخ في نفوسنا وحدة كلمتنا و إيماننا و عزمنا و اعتقاداتنا يوماً بعد يوم. اللهم قرّبنا بفضلك و عونك و لطفك مما وعدت به المؤمنين و المحسنين و الصالحين يوماً بعد يوم. اللهم و اجعلنا من عبادك الصالحين، و اجعل موتنا و حياتنا في سبيلك، و اجعلنا من جنود الدين و الإسلام، اللهم و انصر جميع الشعوب المسلمة، و امنن بنصرك المبين على شعبي فلسطين و لبنان.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالهوامش:1) سورة فتح: الآية 22 و 232) سورة حج: الآية 38
2000/06/02

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين. نحمده و نستعينه. و نستغفره و نؤمن به. و نتوكّل عليه و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه. حافظ سرّه و مبلّغ رسالاته. بشير رحمته و نذير نقمته. سيّدنا و نبيّنا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين و صحبه المخلصين المجاهدين. و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين. و صلّ على بقية الله في الأرضين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.( يا أيها الذين آمنوا اتّقوا الله و قولوا قولاً سديداً). (1)أوصيكم أيها الإخوة و الأخوات جميعاً و نفسي بتقوى الله و مراعاة أعمالكم و أقوالكم و نياتكم و الاستعانة بالله في السير على طريقه.مع أن اليوم هو يوم ذكرى ميلاد الإمام موسى بن جعفر عليه الصلاة و السلام و كان من المناسب في الخطبة الأولى أن نعبر عن حبنا و إخلاصنا لذلك الكريم، إلّا إنني وجدت أن ذكر الاسم المقدس للنبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلّم و شرح جوانب من حياة ذلك الإنسان العظيم قليل في خطبنا و أحاديثنا و أن الوجه المشرق لدرة تاج الخلقة و جوهر وحدانية عالم الوجود لم يتضح للكثيرين كما ينبغي له - سواء سيرة ذلك الكريم، أو أخلاقه أو سلوكه الفردي أو السياسي - لذلك كنت أريد أن أذكر في إحدى الخطب في الأيام الأخيرة من شهر صفر مواضيع و نقاطاً حول ذلك العظيم بقدر ما یتاح لنا من الوقت و ما یعیننا به الله؛ لكنني خشيت من أن تؤدي كثرة المواضيع و تراكمها مرة أخرى إلى ضياع التعبير عن الإخلاص و هو أمر لازم و ضروري؛ لهذا أريد اليوم أن أتحدث في هذه الخطبة حول ذلك الوجود المقدس. إن نبي الإسلام الأكرم إضافة إلى ميزاته المعنوية و نورانيته و اتصاله بالغيب و درجاته التي يعجز أمثالي عن إدراكها، فإنه من ناحية الشخصية الإنسانية، يعتبر من الطراز الأول و لا نظير له. لقد سمعتم أموراً كثيرة عن الإمام علي. و يكفي القول بأن ميزة أمير المؤمنين هو أنه كان تلميذاً و تابعاً للرسول. فشخصيته العظيمة جعلته سيد الرسل و الأولياء و ذلک بفضل استيعابه اللامتناهي و سلوكه الفريد مما يوجب علينا أن نقتدي بذلك الكريم؛ حيث يقول: ( و لكم في رسول الله أسوة حسنة ). (2) علينا الاقتداء بالنبي. و هذا الاقتداء لا يتمثل في عدة ركعات من الصلاة بل يجب علينا أن نقتدي به في سلوكنا و أقوالنا و معاشرتنا و تصرفاتنا أيضاً. لذلك ينبغي علينا التعرف عليه.لقد ربى الله تعالى شخصيته الروحية و الأخلاقية في وعاء خاص بحيث جعله قادراً على حمل تلك الأمانة العظيمة على عاتقه. لننظر نظرة عابرة إلى حياة النبي الأكرم في مرحلة طفولته. لقد مات أبوه قبل ولادته علی أساس إحدى الروايات أو بعد ميلاده ببضعة أشهر علی أساس رواية أخرى. و كان من عادات و تقالید العوائل النبيلة العريقة في الحجاز آنذاك أن تتخير لأبنائها من السيدات العفيفات و الأصيلات و الشريفات من يقمن بتربيتهم في البادية و بين القبائل العربية، لقد اختير لهذا الفتی العزيز سيدة أصيلة عريقة شريفة تسمى حليمة السعدية من قبيلة بني سعد. فأخذته إلى قبيلتها و أرضعته و تکفلت برعایته نحو ستة أعوام. و هکذا نشأ النبي في البادية. و كانت حليمة في بعض الأحيان تأخذ الصبي إلى أمه - السيدة آمنة - و بعد أن تراه أمه کانت تعود به. و بعد ستة أعوام و حينما تمتع هذا الصبي بحالة ممتازة جداً من ناحية النمو الجسمي و الروحي - أصبح قوياً و جميلاً و نشطاً و كفوءاً من الناحية الجسمية؛ برزت فيه صفات الصبر و حسن الأخلاق و السلوك و الأفق الواسع، و التي هي متطلبات الحیاة في تلك الظروف - قد أعيد إلى أمه و أسرته. و عندئذ أخذته أمه و ذهبت به إلى يثرب؛ لتزور قبر أبيه عبد الله - حيث مات و دفن هناك. و عندما مرّ النبي علی ذلک المکان و هو في طریقه قال، هنا قبر والدي و أنا أتذكر أنني كنت قد جئت مع أمي إلى هنا لزيارة قبر أبي. توفيت أمه في طريق العودة في منطقة كانت تسمى الأبواء و أصبح هذا الصبي يتيم الأبوین. و بهذا الشكل ازداد استيعاب هذا الصبي الروحي الذي يجب عليه في المستقبل أن يربّي عالماً في استيعابه الوجودي و الأخلاقي و أن یعمل علی تقدمه. و في تلك الأثناء عادت به أم أيمن إلى المدينة و أودعته عند عبد المطلب. كان عبد المطلب يرعی هذا الصبي واعتنى به کعنایته بنفسه العزيزة حتى آخر حیاته . يقول عبد المطلب في شعر له ما یدل علی أنه کان بمثابة الأم له. فهذا الشیخ البالغ من العمر نحو مائة عام - و كان رئيساً لقريش مع ما له من شرف و عزة - عطف على هذا الصبي بكل ما لديه من محبة، حيث شب هذا الصبي دون أن يعاني فقدان المحبة أبداً. و الغریب في الأمر هو أن هذا الصبي، تحمل صعوبة البعد عن والديه، لكي يزداد فيه هذا الاستيعاب و الاستعداد و الموهبة؛ لكنه لم يشعر بأدنى قدر من الذل الذي يمكن أن يعاني منه بعض الأطفال من هذا القبيل. لقد كان عبد المطلب شديد الحب له مما أثار دهشة الجميع. لقد جاء في كتب الحديث و التاريخ أنه كان يبسط له فراش و توضع له وسادة بجوار الكعبة و إنه كان يجلس على الفراش و كان يجتمع حوله أبناء بني هاشم و شبابهم بكل عزة و احترام. و عندما لم يكن عبد المطلب هناك أو كان داخل الكعبة، كان يجلس هذا الصبي على فراش جده. حينما كان يأتي عبد المطلب، کان شباب بني هاشم يقولون لهذا الصبي: انهض، هذا مكان أبينا. لكن عبد المطلب كان يقول لهم لا، هذا المكان له و يجب أن يجلس هنا. ثم كان يجلس إلی جواره دون أن يبعده عن ذلك المكان. مات عبد المطلب لما كان الصبي في الثامنة من عمره. و جاء في الروايات أن عبد المطلب أخذ البيعة من أبي طالب - و هو من أعز أبنائه و أرفعهم درجة عنده - و قال استودعك هذا الصبي؛ عليك أن تحميه كما أحميه. فقبل أبوطالب ذلك و ذهب به إلى بيته و احتضنه كنفسه العزيزة. و ظل أبو طالب و زوجته - إمرأة العرب الباسلة؛ أعني فاطمة بنت أسد؛ أم أمير المؤمنين - يحميان هذا الإنسان السامي نحو أربعين سنة كوالديه. في مثل هذه الظروف قضی النبي الأكرم طفولته و شبابه.فالميزات الأخلاقية السامية، و الشخصية الإنسانية الكريمة، و الصبر و التحمل الشديد، و معرفة الآلام و المحن التي يمكن أن تحدث للإنسان في مرحلة الطفولة، مهدت لتشكيل شخصية عظيمة ذا صلابة و قوة في هذا الطفل. و اختار بنفسه أن یکون راعیاًً لماشیة عمه أبی طالب أیام صباه. و کانت هذه من العوامل التي ساعدت علی استكمال شخصيته. كما اختار هو بنفسه في تلك المرحلة أن يسافر مع أبي طالب للتجارة. و قد تكررت رحلاته التجاریة شيئاً فشيئاً، إلى أن وصل إلى مرحلة الشباب و الزواج مع السيدة خديجة و وصل إلى سن الأربعين و هي مرحلة النبوة.لقد اجتمعت فيه كافة ميزات الإنسان الراقي؛ و سأتحدث باختصار حول جانب من مميزاته الأخلاقية. لكن في الحقيقة يحتاج المرء إلى ساعات كثيرة لكي يتحدث حول ميزات النبي الأخلاقية. اقتصر في الدقائق التالية على الحديث حول هذه المواضيع بغية التعبير عن حبي و حتى أكون قد عرضت على الخطباء و الكتاب بشكل عملي ضرورة بذل المزيد من الجهود لتبيين أبعاد شخصية النبي التي تمثل بحراً عميقاً. إن العديد من الكتب تحتوي على القدر الوافر من المواضيع حول أخلاق النبي الأكرم. و الذي أذكره هنا، اقتباس من بحث لأحد العلماء المعاصرين - المرحوم آية الله الحاج السيد أبوالفضل الموسوي الزنجاني - الذي كتب بحثاًً حول هذا الموضوع و أنا استفدت من بحثه المختصر المفيد.نقسّم أخلاق النبي باختصار إلى الأخلاق الشخصية و الأخلاق الحكومية . أي أخلاقه كإنسان و أخلاقه و ميزاته و سلوكه كحاكم. و هذا بالطبع جزء من الأمور التي كانت في وجود ذلك الإنسان العظيم. و هناک الأضعاف المضاعفة لهذه الأخلاق السامیة التي برزت في شخصيته و سأذكر لکم مقتطفات منها. إن هذا الإنسان العظيم كان إنساناً أميناً و صادقاً و صبوراً و حليماً. كما كان شجاعاً؛ و كان يدافع عن المظلومين في كافة الظروف. كان صادقاً؛ و كان سلوكه مع الناس قائماً على أساس الصدق و الإخلاص. كما كان طيّب القول؛ ما كان لسانه لاذعاً. و كان عفيفاً؛ و کان هذا العظیم في أیام شبابه معروفاً لدى الجميع بالعفة و الحياء و النجابة في تلك الأجواء المنحطة أخلاقياً و المسیطرة على الحجاز قبل الإسلام، و قد أقرّ الجميع بنجابته و بعده عن الخبائث. و كان يهتم بنظافة ظاهره، فكان نظيف الملبس؛ و الرأس و الوجه، و كان مميزاً بحسن السلوك. و كان شجاعاً لا تهزه العواصف و لا يخشی كثرة الأعداء. و كان صريح القول؛ و يتحدث بكل صراحة و صدق. و كان زاهداً و حكيماً في حياته. كان رجلاً رؤوفاً متسامحاً، ينفق ماله و يتجنب الثأر، و من صفاته العفو و التجاوز. كما كان مؤدباًً جداً؛ لم يمد رجله أبداً أمام الآخرين؛ و لم يهن أحداً أبداً. كما كان ذا حياء شديد. و كان عندما يعاتبه أحد على ما یراه هو مناسباً - و هناك نماذج كثيرة من هذه المواقف في التاريخ - فإنه كان يستحي و يطرق برأسه خجلاً و حياءاً. و کان رحيماً متسامحاً للغاية و كان رجل عبادة. كل هذه الميزات تمثلت في شخصية الرسول الأكرم (ص) و في جميع مراحل حياة ذلك الإنسان العظيم، منذ صباه و حتى وفاته في الثالثة و الستين من العمر.و سأختصر الحديث عن بعض هذه الخصال:لقد كان يهتم بالأمانة إلى درجة لقبه الناس معها في الجاهلية بلقب الأمين فكان الناس يودعون لديه أماناتهم المهمة للغاية، و كانوا يثقون برد هذه الأمانات سالمة إلیهم. حتى بعد بداية دعوة الإسلام و إشعال نار العداء و البغضاء مع قريش، حينما كان الأعداء يريدون أن يودعوا أماناتهم، فإنهم كانوا يحفظونها عند الرسول! لذا فقد سمعتم ربما بأن الرسول حينما هاجر إلى المدينة، ترك أمير المؤمنين في مكة لكي يؤدي للناس أماناتهم. و هنا يتضح أن هناك أموالاً كان ذلک العظيم قد أؤتمن علیها؛ و لم تکن من جانب المسلمين، بل كانت من جانب الكفار و الذين نصبوا له العداء!لقد كان الرسول شديد الصبر لدرجة لا يغضب عند سماعه شيئاًً مثیراً للغضب. و أحياناً كان الأعداء يؤذونه في مكة لدرجة أن أبي طالب حينما سمع ببعض ذلك جرد سيفه غضباً و ذهب إليهم مع خادمه و فعل بهم ما فعلوه بالرسول و قال: إذا اعترض أيّ واحد منكم، فسأقطع عنقه؛ في حين تحمل النبي كل ذلك بحلم. ذات يوم وجه إليه أبوجهل إهانة شديدة إثر نقاش بينهما؛ لكن الرسول (ص) قابله بالصمت و الصبر. و عندما أخبر أحد الأشخاص حمزة عن إساءة أبي جهل لابن أخيه؛ غضب حمزة و ذهب إلى أبي جهل و ضربه بالقوس على رأسه حتى جری دمه. ثم جاء و أسلم إثر هذه الحادثة. و أما بعد الإسلام فإن بعض المسلمين كانوا يوجهون للنبي أحياناً كلمات تؤذيه غفلة أو جهلاً عن بعض الأمور؛ حتى إن إحدى زوجاته - و هي زينب بنت جحش التي كانت من أمهات المؤمنين - قالت للرسول (ص) أنت نبي و لكنك لا تعدل! فابتسم الرسول و سكت. كانت تتوقع منه أمراً في الحياة الزوجية و لم یستجب إلیها، و ربما أشرت إليه لاحقاً. كان البعض يأتون أحياناً إلى المسجد فيمدّون أرجلهم و قالوا للرسول (ص): قلّم لنا أظفارنا! - حيث جاء الحث على تقليم الأظافر - و كان الرسول (ص) يتحمل كل هذه الإهانات و سوء الأدب بصبر شديد. و قد بلغت به شهامته إلی العفو عن أعدائه. كما كان يسرع إلى مساعدة المظلوم أينما وجد.و قد اشترک النبی أیام الجاهلیة بمعاهدة تسمى حلف الفضول و هي لیست تلک التي کانت بين أهل مكة. جاء رجل غريب إلى مكه و باع بضاعته. و الذي اشترى منه بضاعته كان يسمى العاص بن وائل الذي كان من أشراف مكة المتغطرسين فلم يعطه ثمن ما اشتراه. و كلما قصد الرجل واحداً من أهل مكة، لم يتمكن من أن يأخذ حقه منه. فوقف على جبل قبيس و صاح: يا أبناء فهر! لقد ظلمت. فسمع الرسول و عمه الزبير بن عبد المطلب تلك الاستغاثة؛ فاجتمعا معاً و قررا الدفاع عن حقه. فذهبوا إلى العاص بن وائل و قالوا عليك أن تدفع ماله؛ فخاف العاص بن وائل و أجبر أن يعطي مال الرجل. و ظل هذا الحلف قائماً بينهم و قرروا الدفاع عن كل غريب يدخل مكة و يظلم حيث کان الغریب يظلم و کذلک أهل مكة في أكثر الأوقات. بعد مضي أعوام من مجيء الإسلام كان الرسول يقول: إنني مازلت اعتبر نفسي ملتزماً بذلك الحلف. و كم كان يعامل أعداءه المقهورين بسلوك لم يكونوا قادرين على فهمه. في السنة الثامنة للهجرة، و عند فتح النبي مکة بكل عظمة و اقتدار: قال اليوم يوم المرحمة لذا لم يثأر. هذه هي شهامة ذلك الإنسان العظيم.و كان رجلاً صالحاً. سبق أن قلنا إنه كان يعمل بالتجارة أیام الجاهلية؛ و كان يسافر إلى الشام و اليمن، و یرافق القوافل التجارية و كان له شركاء. يقول أحد شركائه في الجاهلية إنه كان أفضل شريك لي؛ فلم يكن يعاند و لا يجادل و لا يلقي بأعبائه على عاتق شريكه، و لا يتعامل مع الزبائن بسوء، و لا يبيع لهم بثمن باهظ، و لا يكذب عليهم، كان صادقاً. و لهذا الصدق أعجبت به خديجة. كانت خديجة سیدة النساء في مكة و كانت شخصية بارزة في الحسب و النسب و الثراء.و کان الرسول إنساناً نظیفاًً منظماً في طفولته على عكس أطفال مكة و القبائل العربية. كان يسرّح شعره أیام صباه؛ و كان يمشط رأسه و لحيته في شبابه؛ و حتى بعد مجيء الإسلام و بعد أن ودّع مرحلة الشباب و بلغ مرحلة الشيخوخة - كان عمره حوالي خمسين أو ستين سنة - كان مستمراً على التزام بالنظافة. شعره المبارک الذي كان يغطی أذنيه، كان نظيفاً و لحيته الجميلة أيضاً نظيفة و معطّرة. قرأت في إحدى الروايات إنه كان له إناء ماء في بيته حيث كان ينظر فيه إلى وجهه المبارك فلم تكن المرآة متوفرة آنذاک. و كان يسوّي عمامته و لحيته إذا أراد أن يخرج إلى أصحابه (3) أي إنه كان يرتب و ينظف عمامته و لحيته عندما كان يريد أن يخرج إلى المسلمين و أصدقائه. و كان يعطر نفسه دوماً. في أسفاره و مع إنه كان زاهداً في حياته كان يحمل معه العطر و المشط، و سأبيّن لاحقاً إنه كان شديد الزهد في حياته. كما كان يحمل الكحل، حتى يكحّل عينيه؛ و كان هذا متعارفاًً بين الرجال في ذلك العهد. كان ينظف أسنانه مرات عديدة كل يوم. و كان يوصي الآخرين بهذه النظافة و حسن الظاهر و تنظيف الأسنان. البعض يخطئون حينما يتصورون أن حسن الظاهر يجب أن يكون مقترناً بالإسراف و الارستقراطية؛ كلا. يمكن أن يلبس الإنسان لباساً بالياً مرقعاً مع الحفاظ على النظم و النظافة. كان لباس الرسول لباساً مرقعاً بالياً؛ لكن لباسه و وجهه كان نظيفاً. لمثل هذه الأمور تأثير كبير في المعاشرة و السلوك و الشكل الظاهري و الحالة الصحية. هذه الأمور الصغيرة في الظاهر لها تأثير كبير في الباطن.كان يعامل الناس بحسن سلوك. كان طلق الوجه دائماً بين الناس. حينما كان يخلو مع نفسه، فإن همومه و أحزانه كانت تظهر في ذلك المكان. لم يكن يبدي للناس ما يعانيه من حزن و أشجان و محن. كان طلق الوجه. كان يسلم على الجميع. و عندما كان يؤذيه أحد، كانت آثار تلک المأساة تظهر في وجه؛ لكنه لم يكن يشتكي بلسانه. لم يكن يسمح لأحد أن يسب الآخرين أو يتحدث بما يسيء للآخرين في مجلسه. و لم يكن هو نفسه يسب الآخرين أو يتحدث بما يسيئهم. كان يعطف على الأطفال و النساء؛ و كان يعامل الضعفاء معاملة حسنة؛ و كان يلاطف أصحابه و یسابقهم في رکوب الخيل. و كان فراشه و وسادته جلداً من ألياف النخيل. و كان أغلب طعامه خبز الشعير أو التمر. و لقد كتبوا بأنه لم يشبع بطنه أبداً من خبز القمح - و لا من الأطعمة المنوعة - لثلاثة أيام متوالية. تقول عائشة أم المؤمنين ربما كان يمر شهر و لا يرتفع الدخان من المطبخ. و كان الرسول يركب الدابة بلا سرج و بلا ركاب. في حین كانوا يركبون الخيول المسرجة و باهضة الثمن و يتفاخرون بها فإنه كان يمتطي الحمار. و كان متواضعاً. كان يرقع نعله بيده.(4) و هذا ما كان يفعله دائماًًً تلميذه المشهور في هذه المدرسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كما نقل عنه في الروايات كثيراً. و مع أنه كان لا يرى عيباً في كسب المال عن طريق الحلال و كان يقول: نعم العون على تقوى الله الغنى (5) و عليكم كسب المال عن طريق الحلال لا عن طريق الحرام و الزيف و الكذب، إلا أنه كان يتصدق على الفقراء بكل ما يكسبه من المال. عبادته كانت لدرجة أن قدميه كانت تتورمان من طول الوقوف في محراب العبادة. كان يقضي القسم الأعظم من الليالي في العبادة و التهجد و التضرع و البكاء و العبادة و الاستغفار و الدعاء. كان يناجي ربه و يستغفره. و كان يصوم شهري رجب و شعبان إضافة إلى الكثير من أيام السنة - كما سمعت - و في ذلك الجو الحار. و عندما قال له أصحابه: يا رسول الله! ليس لك ذنب؛ غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر - حيث جاء في سورة فتح ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر )(6)، فلماذا كل هذا الدعاء و العبادة و الاستغفار؟! كان يقول: ( أفلا أكون عبداً شكوراً )،(7) أفلا أكون عبداً شکوراً لله الذي أعطاني كل هذه النعم؟!كانت استقامته إلى درجة لا يمكن أن يتصور لها نظير في تاريخ البشرية. استقام إلى أن تمكن من ترسيخ هذا الكيان الإلهي الخالد و المتين. هل يمكن ذلك دون استقامة؟ و بفضل استقامته هذه رفع عماد خيمة البشرية الخالدة وسط صحراء الحجاز المقفرة؛ ( فلذلك فادع و استقم كما أمرت ). (8) هذه هي أخلاق الرسول الشخصية. و لنقف الآن علی أخلاق الرسول الحكومية. كان صلوات الله عليه و آله عادلاً و مدبراً. من يقرأ تاريخ هجرة النبي إلى المدينة - و تلك الحروب بين القبائل، تلك الهجمات، و إخراج العدو من مكة إلى وسط الصحارى، و تلك الضربات المتوالية، و ذلك الصراع مع العدو المعاند - فإنه سيلاحظ تدبيراً قوياً و حكيماً و شاملاً جداً خلال هذا التاريخ الذي يدهش العقول و لا مجال لدي الآن لإيضاحه. كان يحافظ على القانون و النظام و ما كان يسمح لأحد - سواء نفسه أو الآخرين - أن ينقض القوانين. کان هو نفسه خاضعاً للقوانين أيضاً. و هذا ما تؤكد عليه آيات القرآن. كان يعمل بشكل دقيق جداً وفقاً للقوانين التي كان يجب على الناس أن يعملوا علی أساسها و لم يكن يسمح بأدنى حدٍ من حدود تجاوز القانون. عند ما غزا المسلمون بني قريضة و أسروا رجالهم و قاتلوا خائنيهم و غنموا أموالهم و ثروتهم، فإن بعض أمهات المؤمنين و منهن زينب بنت جحش، و عائشة، و حفصة، قلن للنبي: يا رسول الله! لقد غنمنا كل هذه المجوهرات و الثروات من اليهود، فاجعل لنا نصيباً منها. لكن الرسول لم يخضع لطلباتهن مع أنه كان يحب هؤلاء النساء، و كان يعاملهن معاملة حسنة. لو كان يريد الرسول أن يجعل من هذه الثروات نصيباً لزوجاته، فإن المسلمين لم يكونوا ليعترضوا إليه؛ لكنه لم يخضع لذلك. فلما زاد إلحاحهن، اعتزلهن الرسول شهراً كاملاً بسبب توقعاتهن. ثم نزلت آيات سورة الأحزاب الشريفة (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء)(9)، و (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها فتعالين امتعكنّ و اسّرحكن سراحاً جميلاً).(10) و ( إن كنتن تردن الله و رسوله و الدار الآخرة فإن الله أعدّ للمحسنات منكنّ أجراً عظيماً) (11). قال لهن الرسول: إن كنتن تردن العيش معي، فإن حیاتي حیاة الزاهدين و لا يمكن تعدي القانون.و من سجایاه الحكومية أيضاً مراعاته للعهود. لم ينقض عهداً له على الإطلاق. و عندما نقضت قريش عهده، وفّى هو بعهده. و كذلك نقض اليهود عهده، ظل هو وفياً لعهده.كما كان النبي حافظاً للسر. عندما خرج لفتح مكة، لم يعلم أحد إلى أين يريد أن يذهب. عبأ الجيش برمته و أمرهم بالخروج. قالوا: إلى أين، قال: سيتضح ذلك فيما بعد. لم يسمح لأحد أن يعلم بأنه قصد الذهاب إلى مكة. تصرف بطريقة لم تعلم معها قريش بقدومه حتى اقترابه منها. و لم يساو بين الأعداء. و هذه من الميزات المهمة في حياة النبي. فبعض الأعداء كانوا أعداء ألدّاء؛ لكنه لم يتعرض لهم ما لم يلمس خطرهم و كان متسامحاً معهم. و كان هناك بعض الأعداء الذين كان النبي يشعر بخطرهم، و كان يراقبهم و يقف تجاههم بکل حذر؛ كعبد الله بن أبي. لقد كان عبد الله بن أبي - منافقاً من الدرجة الأولی - يتآمر على الرسول؛ لكن الرسول كان يراقبه فقط، و لم يكن يهتم به حتى آخر حياته. و قد مات عبد الله بن أبي قبيل رحيل الرسول، لكن الرسول كان يتحمله. لقد كان أولئك من الأعداء الذين لا يشكلون خطراً شديداً على الحكومة و النظام الإسلامي و المجتمع الإسلامي. و لكنه كان شديداً على أولئک الذین يشكلون خطراً. ذلك الرجل الرحيم و المتسامح الكبير، أمر بقتل خائني بني قريظة - و كانوا عدة مئات - في يوم واحد، و أخرج بني النضير و بني قينقاع. و فتح خيبر؛ لأنه کان یعتبر سكان خبير عدواً خطراً. لقد عاملهم الرسول برفق عند قدومه إلى مكة؛ لكنهم خانوه و طعنوه بظهره و تآمروا علیه و هددوه. إن الرسول كان يتحمل عبد الله بن أبي؛ و يهود المدينة؛ أو من استجار به و من لم يؤذه من قريش. عندما فتح مكة، عفا عن أمثال أبي سفيان و عدد من الكبار الآخرين؛ لأنهم لا يمثلون خطراً، لكنه قام بالقضاء على هذا العدو اللدود الخطر الذي لا يمكن الثقة به. تعتبر هذه الأمور من سجایا ذلك الإنسان العظيم الحكومية. كان واعياً لوساوس العدو؛ و كان متواضعاً أمام المؤمنين، و كان مطيعاً لأمر الله و كان عبداً له بالمعنى الحقيقي للكلمة، كان حريصاً على توفير مصالح المسلمين. و هذه هي نبذة مختصرة من أوصاف شخصية ذلك العظيم.اللهم! نسألك أن تجعلنا من أمة محمد. أنت تعلم بأن قلوبنا ناضحة بحب النبي؛ فأحينا بهذه المحبة النورانية و السماوية و أمتنا علی هذا الحب اللامتناهي. اللهم! و ارزقنا زيارة وجه النبي يوم القيامة. و ارزقنا العمل بأحكام النبي و التشبه بخلقه. و اجعله أسوة حقيقة لنا و اجعل المسلمين عارفين حقيقيين لشأن ذلك العظيم.بسم الله الرحمن الرحيمقل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد. (12)بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين. سيّما على أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين. و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و علي بن الحسين زين العابدين، و محمّد بن علي الباقر، و جعفر بن محمد الصادق، و موسى بن جعفر الكاظم، و علي بن موسى الرضا، و محمد بن علي الجواد، و علي بن محمّد الهادي، و الحسن بن علي الزكي العسكري، و الحجة الخلف القائم المهدي. حججك على عبادك و أمنائك في بلادك و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. في الخطبة الثانية أريد أن أتحدث عن الوحدة الوطنية التي هي شعارنا في هذا العام و التي تواجه تهديداً خطيراً من جانب الأعداء و المغرضين، فكيف تتحقق الوحدة الوطنية؟ إنني أرجو كل من يعتقد من أعماقه بالنظام الإسلامي و بالدستور أن يستمع إلى حديثنا. و أما الذين لا يعتقدون بذلك - و هم قليلون في بلادنا لحسن الحظ - إذا انتبهوا لما أقول، فقد یکون ذلك وسيلة لهم لیکتسبوا الهداية الإلهية لأنفسهم. طبعاً اجتماع اليوم اجتماع عظيم. و هناك فضلاً عن أهالي طهران الأعزاء الذين يشاركون في صلاة الجمعة، جمع من شباب قم المؤمنين الصالحين و جمع من علماء و أئمة الجماعة المحترمين في مدينة طهران.إن الثورة عبارة عن تحول أساسي قائم على سلسلة من القيم، و تعتبر حركة تقدمية. و ما حدث في بلدنا هو ثورة إسلامية، حيث كان تحولاً أساسياً في الأركان السياسية و الاقتصادية و الثقافية للمجتمع و حركة إلى الأمام و خطوة نحو تقدم البلد و الشعب. طبعاً نحن لم نحذ حذو الشرق و الغرب في هذا النظام المنبثق عن الثورة. و هذه نقطة مهمة للغاية. لم يكن بإمكاننا أن نحذو حذو هؤلاء الذين كنا نعد أنظمتهم خاطئة و معاكسة للمصالح البشرية. و لم يكن الأمر متعلقاً بتعصب مذهبي أو ديني أو جغرافي؛ بل كان الموضوع هو أن الأسس التي تقوم عليها الأنظمة الشرقية الشيوعية - و لم تعد في العالم اليوم مثل هذه الهوية - و كذلك الأنظمة الغربية، هي أسس خاطئة؛ و لهذا فلم نستطع و لم نرغب بأن نحذو حذوهم. و أسوتنا في ذلک هي القيم الأخرى التي أشرت إلى بعضها.أما السبب في عدم اقتدائنا بهذين النظامين العالميين - الشرقي الشيوعي و الغربي الرأسمالي - فهو لأنهما نظامان باطلان. لقد كانت الأنظمة الشيوعية أنظمة مستبدة ترفع شعار الحكومات الشعبية؛ و في الوقت ذاته كانت ارستقراطية. و مع أنها كانت تدعي معارضة الارستقراطية، فإنها كانت ارستقراطية و طبقية على الصعيد العملي. فلقد كانت في غاية الاستبداد، و كانت الحكومة تهيمن تماماً على الاقتصاد و الثقافة و السياسة و سائر النشاطات الاجتماعية المنوعة و ما سوى ذلك! و ما كان للشعوب دور في الحكومات الشرقية. و قد شاهدت ذلك عن کثب عند زيارتي لتلك البلدان التي كانت على وشك الاضمحلال. و مع أنه كانت توجد على رأس بعض البلدان المتخلفة و الفقيرة حكومة عمّالية في الظاهر حسب ظنهم؛ إلّا أنها كانت تكرر نفس ما كانت تقوم به البلاطات الملكية البائدة من أخطاء! فلم تكن هناك انتخابات في تلك البلدان، و لم يكن هناك صوت للشعب، لكنهم كانوا يسمون أنفسهم ديمقراطيين و كانوا يدعون الديمقراطية! و لم يکن للجماهير أدنى دور: كان الشعب تابعاً للحكومة مائة بالمائة من الناحية الاقتصادية، و من ناحية النشاطات الاقتصادية! و من الواضح أن مثل هذه الحكومات مهددة بالزوال. لكنها استطاعت أن تجذب إليها جموعاً من الشباب في كل أنحاء العالم و أن تقيم بعض الحكومات بسبب ما كانت ترفعه من شعارات برّاقة و جذّابة؛ إلّا أنها لم تتمكن أن تستمر. حيث شاهدتم مصيرها؛ و زالت تماماً بعد عدة عقود. و كان من الطبيعي بالنسبة لنا ألّا نحذو حذو تلك الحكومات. في اليوم الذي انتصرت فيه ثورتنا - يعني منذ واحد و عشرين عاماً - لم تكن هناك ثورة في العالم لا تنتمي إلى هذه المدرسة الشرقية - سواء ما تسمى بالماركسية أو بالاشتراكية في أحسن أحوالها - لكن الإسلام و الشعب الإيراني و قائده رفض ذلك و لم يقبله و لم يبالوا به.لم نرغب و لم يكن بإمكاننا أن نرى في الغرب أسوة لنا؛ فقد كان الغرب يتمتع بأشياء، و لكنها كانت على حساب أشياء أخرى تفوقها من حيث الأهمية. فالغرب کان یملک العلم، و لم يكن يملک الأخلاق؛ كان يملک الثروة، و لم یحقق العدالة؛ و كان يملک التقنية المتقدمة، و لكنه كان يسير باتجاه دمار الطبيعة و أسر الإنسان؛ كان الغرب يدعي الديمقراطية و الحكومة الشعبية، لكنه كان في الحقیقة رأسمالياً و لیس شعبياًً، هذا هو الوضع اليوم. و إنني لا أزعم هذا من عند نفسي، و لا أقوله نقلاً عن كاتب مسلم متعصب فلاني، بل أقوله نقلاً عن الغربيين أنفسهم. و ما يوجد الآن في البلدان الغربية و في أمريكا ممّا يسمى بالديمقراطية و الانتخابات هو أمر ظاهري، و ليس في الباطن سوى حكم الرأسمالية. إنني لا أرغب في التصريح بأسماء كتابهم أو كتبهم، و لكن الكتاب الأمريكيين يوضحون و يكتبون حول كيفية إقامة انتخابات البلديات و مجلس النواب و رئاسة الجمهورية. إن من يلقي نظرة على ذلك فإنه سيجد أن صوت الشعب ليس له أدنى دور تقريباً، و من يتخذ القرار النهائي ما هو إلا المال و رؤوس الأموال و وسائل الدعاية الحديثة إلى جانب الخداع و استقطاب مشاعر البسطاء من جماهير الشعب! فهناك اسم الديمقراطية فقط، لكنها ليست من الديمقراطية بشيء أبداًً. لقد حدثت حالات التقدم العلمية في الغرب، لكنها أصبحت وسيلة لاستثمار الشعوب الأخرى. فبمجرد أن يحقق الغربيون أي تقدم علمي، فإنهم لا يلبثون أن يحولوه إلى سيطرة سياسية و اقتصادية، فذهبوا إلى شرق العالم و غربه بحثاً عن البلدان التي يمكن لهم استثمارها، و لقد فعلوا ذلك بلا هوادة. باستثناء ما لم يمكنهم استثماره! كانت هناک حرية في الغرب، لكنها كانت مصحوبة بالظلم و الفساد و الانحلال. الصحف في الغرب تتمتع بالحرية و تكتب حول كل شيء، لكن إلى من تنتمي؟ هل تنتمي إلى الشعب؟ هذا أمر واضح عندهم فليذهبوا و ليشاهدوا الحقيقة. هل يمكنكم أن تذكروا اسم صحيفة واحدة في كل أوربا و أمريكا ليست ملكاً للرأسماليين! إن حرية الصحافة لديهم تعني حرية أصحاب رؤوس الأموال ليقولوا ما يريدون، و تخريب ما يرغبون في تخريبه و تكبير من يريدون؛ و توجيه الرأي العام حسب ما يرغبون فيه! و هذه ليست من الحرية في شيء. و لو برز فيهم من يتحدث ضد الصهيونية - كالكاتب الفرنسي (13) الذي ألّف عدة كتب ضد الصهيونية و قال: إن ما زعموه من إحراق اليهود في أفران إحراق البشر، ليس حقیقياً - فسيعاملونه بشكل آخر! و لو كان هناك من لا ينتمي لأصحاب رؤوس الأموال و مراكز السلطة الرأسمالية، لما وجد فرصة للإفصاح عما یرید قوله، و لن يصل ما يقوله إلى الأسماع و لن يتمتع بحرية التعبير! أجل؛ إن أصحاب رؤوس الأموال يتمتعون بالحرية في قول ما يريدون عن طريق ما يمتلكونه من صحف و إذاعات و تلفزة! هذه الحرية لا قيمة لها؛ إنها ضد القيم. فالحرية لديهم تعني جر الجماهير نحو الانحراف و عدم الإيمان؛ و إشعال الحروب أينما شاءوا، و فرض السلام أينما يريدون، و تسويق الأسلحة أينما يرغبون. و هل هذه من الحرية في شيء؟و كان من الطبيعي بأن لا يمكن للأنظمة الغربية أن تكون قدوة لشعب ضحّى بنفسه و أعزائه من أجل الثورة و كان بقیادة عالم رباني ينوب عن الأنبياء. فإذن نحن لم نخط خطی الأنظمة الغربية و لا الشرقية؛ بل اقتدينا بالإسلام و جماهيرنا اختاروا النظام الإسلامي علی أساس معرفتهم للإسلام. كان شعبنا قد قرأ كتباً إسلامية و كان على علم بالروايات و القرآن، و كان قد جلس تحت المنابر. إن المثقفين المتدينين - سواء العلماء أو الحوزويون أو العلماء أو الجامعيون - قد حققوا أموراًً كبيرة في العقود الأخيرة. و كان الشعب قد اعتاد على عددٍ من هذه القيم التي يتبعها. و مهما بحثعن هذه القيم في النظام البائد فلن یجد لها أثراًً. كانت الثور ة هي الوسیلة للحصول على تلك القيم. و لكن ما هي هذه القيم؟ إنني أذكر هنا بعضاً من هذه القيم. طبعاً لو أردنا التعبير عن هذه القيم في كلمة واحدة، فإنني سأقول: الإسلام، لكن هذا الإسلام مجمل، و له تفاصيل متنوعة. كان يتطلع شعبنا إلى قيم جمعها الإسلام و أنا أشير إلى بعض منها: القيمة الأولى هو الإيمان. فقد كان الناس غير راضين عمّا جرى من مظاهر الانحطاط الأخلاقي و التسيّب و ضعف الإيمان و كانوا يرغبون في تقوية قلوبهم بالإيمان. و القيمة الأخرى هي العدالة. كان الناس يلاحظون بأن المجتمع، يعاني من فقدان العدالة. و كان الظلم يستغرقهم من أم رأسهم إلی أخمص قدمیهم؛ حتى إن بعضهم يظلم البعض الآخر. و كذلك داخل النظام الطاغوتي كان الظلم سائداً بين عناصره، و كانوا يمارسون الظلم ضد الجماهير. كذلك كان الظلم سائداً في القضاء، و في تقسيم الثروات و في مجال العمل، و كانوا يمارسون الظلم على المدن النائية و على الضعفاء. فكان الظلم شائعاً في كل مكان و كان ممکناً للمرء أن يلمس هذا الظلم و يشعر به. كان الناس يتطلعون إلى العدالة و إزالة الفوارق الطبقية و کانوا يتطلعون إلی القضاء على الفقر. و هذه قيمة أخرى كان الناس يتطلعون إليها. و هذا موضوع آخر غير العدالة. يكون بعض الأفراد في المجتمع في ذروة الثراء و الترف، لكن البعض الآخر يكون محروماً حتى من ضروريات الحياة. و هذا ما يشمئز منه الجميع و لا يقبله أحد. كان الناس يتطلعون إلى إزالة الفوارق الطبقية أو تقريب المسافة بين هذه الطبقات. إننا لم نكن ندعي كالشيوعيين بأن على الحكومة منح لقمة العيش للجميع أو أن تمنحهم رواتب مساوية. كلا. لكن الفوارق الطبقية كانت مذهلة بحيث لا يرضى بها الشعب و لا الثوار المسلمون و لا قائدهم. إن النظام الطاغوتي و الأنظمة التي تولت الحكومة في إيران لم تكن أنظمة شعبية. و لم يكن للشعب أدنى دور في الحكومة. جاء شخص بمساعدة البريطانيين و قام بانقلاب في طهران ثم سمى نفسه ملكاً. و عندما أراد مغادرة إيران - أعني عندما أرادوا منه مغادرة إيران بسبب كهولته و عدم جدارته - نصب ابنه ملكاً من بعده! فمن كان هذا الابن و ما شأنه؟ و ما هو دور الشعب و ما هو رأيهم؟! هذا ما لم يطرح على الإطلاق. و كان القاجاريون قبلهم. فكان يموت حاكم فاسد ليحل مكانه فاسد آخر. لم يكن للجماهير أدنى دور في إدارة الحكومة و انتخابها. هذا ما يرفضه الشعب. كان الناس يريدون أن تكون الحكومة جزءاً منهم، و منبثقة عنهم، و أن تترک آراؤهم أثراًً علی الحكومة.و القيمة الأخرى هو الالتزام بالدین. كان الناس يريدون أن يكونوا متدينين. ذلك النظام البائد كان يحاول في کل مکان - سواء في المجتمع أو في المعسكر أو في الجامعة أو في المدرسة - أن يجرّ الجماهير نحو اللادينية، لكن الناس رفضوا ذلك. كان الناس متدينين. لقد أثبت الناس أن الإيمان و الاعتقاد بالإسلام، متغلغل في أعماق نفوسهم.القيمة الأخرى، هي الابتعاد عن الإسراف و الكماليات بين رجال الدولة. طبعاً الإسراف و الكماليات أمر سيئ في کل مکان، و لكن الذي كان يجبر الناس أن يثیروا حساسية تجاه هذه القضية، هو ظاهرة الإسراف و الاهتمام بالكماليات و تبذير أموال الناس من قبل الطبقة الحاكمة. كانت هذه من الأمور التي لم يقبلها الناس. و جاء النظام الإسلامي على أساس هذه القيم لكي لا تكون هناك مثل هذه الظاهرة.القيمة الأخرى هي أن يتصف رجال الحكومة بسلامة الدين و الأخلاق. كان الناس يريدون أن يكون رجال الحكومة متدينين، و لا يكونوا فاسدين، و لا تكون أخلاقهم و معاملتهم فاسدة، و لا يكونوا هم و من حولهم فاسدين، كما كانوا هكذا في ذلك العهد!من القيم الأخرى أيضاً انتشار الأخلاق الفاضلة. كان الناس يرغبون في أن تسود بينهم الأخلاق الحسنة و الإسلامية و روح الأخوة و المحبة و التعاون، و الصبر، و التسامح و الغفران، و مد يد العون للضعفاء و قول الحق.و حرية الفكر و التعبير أيضاً كانت من قيم الثورة. كان الناس يريدون أن يفكروا بحرية. لم تکن هناک حرية تعبير و لا حرية اتخاذ القرارات. لم يكن الناس يقبلون هذا الأمر و كانوا يتطلعون إلى تحقق هذه الحريات.و الاستقلال السياسي و الاقتصادي و الثقافي هو أيضاً من قيم الثورة. كان الناس يتطلعون إلى ألّا تكون بلادهم خاضعة للهيمنة السياسية لنظام أوروبي أو أمريكي، أو خاضعة للهيمنة الاقتصادية للشركات العالمية التي تتعامل مع هذا البلد كما تشاء. و من الناحية الثقافية، و لتمتع الشعب بثقافة عميقة و غنية ينبغي ألاّ تكون الحكومة تابعة للثقافات الأجنبية و تمشي على خطاها معصوبة العينين.القيم التي نذكرها، هي الدين، و الإيمان، و الاستقلال السياسي، و الاستقلال الاقتصادي، و الاستقلال الثقافي، و حرية الفكر و إشاعة الأخلاق الفاضلة، و الحكومة الشعبية الصالحة، و الأشخاص الذين يتمتعون بالدين و التقوى على رأس کل هذه الأمور؟ فهي روح الإيمان و الجهاد و التضحية و الإيثار لهؤلاء الناس المؤمنين. فما هو الشيء الذي تمكن من تأسيس هذا الصرح العظيم و البناء الإسلامي في هذا البلد بعد قرون طويلة؟ إنه عبارة عن أن تكون تلك القيم التي سبقت الإشارة إليها أساس صرح هذا النظام الجديد و إيجاد حياة جديدة في هذه المنطقة من العالم على أساس تلك القيم. فهذه هي القیم التي ضحى الناس بأنفسهم من أجلها و عرضوا أنفسهم و أولادهم للشهادة من أجلها في سبيل الله. إن الشعب كان يعرف ماذا يريد؛ كان الناس يتطلعون إلى هذه القيم. إنني سوف أبين فيما بعد أن كل تلك القيم يمكن تحقيقها في المجتمع و ما حققه النظام الإسلامي، هو ما لم يكن يحلم به و لا يتصوره أحد. لكننا اليوم نبدوا متخلفين جداً لأننا نقارن بين وضعنا الحالي و الوضع النموذجي؛ و لكن إذا قارنا بين حالنا الآن و بين ما کنا علیه في الزمن الماضي أو بينه و بين الأوضاع الراهنة في البلدان الأخرى، لوجدنا أن هذا النظام الناجح جداً استطاع أن يتحرك في هذا المضمار و أن هذه الثورة تمكنت من إثبات كفاءتها و هذا ما كان الناس يتطلعون إلیه. و مع ذلك ليجلس البعض و يقولوا بأن الشعب لم يكن يدري ماذا يريد! كلّا؛ لقد كان الشعب يدري ماذا يريد. كان الشعب يريد الإسلام. إن الإسلام ليس مجرد الصلاة و السجود - فهذا أيضاً جزء من الإسلام - الإسلام يعني إقامة نظام اجتماعي و حياة عامة للشعب قائمة على أسس راسخة فيکون قادراًً علی توفير سعادة الدنيا و الآخرة. و بإمكانه توفير العلم و التقدم و الصناعة و الثراء و الرفاهية و العزة الوطنية. هذا ما كان يتطلع إليه الشعب.إن الذين لم يعرفوا الإسلام و لم يرغبوا في قرارة نفوسهم بمثل ذلك الإسلام؛ أقل شيء عندهم هو أنهم لم يكونوا يتجرأون على الإعراض عن الأنظمة الغربية أو أن يتجاهلوها؛ و لكنهم يجلسون اليوم و يشيعون الإثارات هنا و هناك قائلين بأن الشعب لم يكن يدري ماذا يريد لدى استفتائه حول الجمهورية الإسلامية! كيف لم يكن الشعب يعلم ما يريد؟! إن کان جاهلاًً بما يريده فكيف استطاع أن يدير الحرب المفروضة و ينتصر بفضل تلک التضحيات؟! و إذا لم يكن يدري ما يريد فكيف بذل كل هذه التضحيات؟! لقد كان الشعب و مازال يدري ماذا يريد. هذه القيم السائدة في المجتمع و التي تعتبر القاعدة للنظام الإسلامي، يجب أن تقبل جميعاً. لو قبلنا بعض هذه القيم و لم نقبل بعضها الآخر، لكان الأمر ناقصاً. و لو أعطينا لبعضها الأهمية و لم نهتم للبعض الآخر، لما تحقق الهدف. ثانياً: الثورة نفسها، حركة و تحول و تقدم إلى الأمام. و المجتمع يجب أن يتحرك و يتحول و يتقدم إلى الأمام على أساس هذه القيم. فيجب عليه إصلاح الأساليب الخاطئة يوماً بعد آخر و اتخاذ خطوة جديدة حتی يصل غايته المنشودة.أعزائي! إن الثورة ليست أمراً دفعياً، بل أمر تدريجي. هناك مرحلة واحدة في الثورة دفعية و هي مرحلة تغيير النظام السياسي؛ لكن الثورة تتحقق بمرور الزمن. و كيف يتحقق هذا؟ إن هذا التحقق يعني أن المجالات التي تخلفت و لم تتحول بعد، تتحول و تشكل في المجتمع طرقاً جديدة و أعمالاً جديدة و أفكاراً جديدة و أساليب جديدة في إطار تلك القيم و تتقدم إلى الأمام، لكي يستطيع الشعب بذلك أن يتحرك نحو هدفه بكل نشاط و قوة. إن التراجع خطأ و التخلف خسارة؛ کما أن التوقف خطأ أيضاً؛ فلا بد من الحركة و التقدم إلى الأمام.فأين يكون هذا التقدم؟ و أين ينبغي أن يكون هذا التحول الذي نتحدث عنه و أين يجب أن يكون هذا التقدم إلى الأمام؟ إنه في كافة مجالات الحياة في المجتمع. إن القوانين تتحول و يجب أن تتحرك نحو الأكمل و الأفضل يوماً بعد يوم. و في مجال الثقافة و أخلاق الشعب العامة يجب العمل على تقدمها و تطويرها يوماً بعد آخر. و في نظام البلد العلمي و التعليمي و في النشاطات الاقتصادية و في الفنون و في أمور الحكومة و إدارة البلد، و حتى في الحوزات العلمية، ينبغي على الطاقات الفكرية و الشجاعة و المستنیرة أن تتابع الأساليب و الأعمال و الأفكار و المبادئ الجديدة يوماً بعد آخر. إن الأساس هو تلك القيم. و يجب عليهم التحرك في نطاق تلک القيم و أن يحققوا ذلك التحول. عندها تتكامل الثورة يوماً بعد يوم و تصبح أمراً لا نهاية له، أعني إذا ألقى الإنسان النظرة على البلد كل عشر سنوات أو عشرين سنة فسيلاحظ كل هذا التقدم و الرقي في المجالات المختلفة.إذن هناک حاجة إلى توفير ثلاثة عناصر. و إنني أحب أن يهتم الشباب بهذه النقاط بشكل جيد و لا سيما تلك العناصر المؤثرة في الأنشطة السياسية. هناك عناصر ثلاثة أساسية: أولها الاهتمام بالقيم التي قامت الثورة على أساسها و الحفاظ عليها. و ثانيها أن ينظروا إلى هذه القيم کوحدة متکاملة و غیر قابلة للتجزئة. فيجب أن لا يهتم أحد بالاستقلال السياسي و الثقافي و الاقتصادي من دون أن يهتم بالتدين، أو أن يهتم بالتدين دون أن يهتم بحرية الأفكار، أو أن يهتم بحرية الأفكار و التعبير عن الرأي، دون أن يهتم بالحفاظ على الدين و الإيمان لدى الجماهير. إذا كان الأمر هكذا، فسيكون عملاً ناقصاً. ينبغي الاهتمام بالقيم جميعها. فوق هذا كله، هناك الأجهزة الحكومية حيث يجب عليها الاهتمام بكل هذه القيم و الحفاظ عليها. و العنصر الثالث، هو الحركة إلى الأمام. إن الركود و السكون و الصمت يؤدي إلى الجمود و التحجر و الركون إلى القديم، و ستفقد القيم فاعليتها. و الإبقاء على القديم يؤدي إلى الدمار. و لو أردنا أن لا يظهر هذا الركون إلى القديم فلا سبيل لذلك إلا التقدم و الحركة إلى الأمام. هذه الحركة إلى الأمام، هي ما عبّرت عنه يوم تاسوعاء بالإصلاحات الثورية . فالإصلاحات و التقدم و الإبداع إذا لم تقم على أساس قيم الثورة، فسيصاب المجتمع بالفشل. هذه هي الأصول الأساسية. أعني أن نهتم بالقيم، و أن لا نفرق بين القيم، و أن نواصل التحول و الحركة إلى الأمام بكل جد في إطار القيم. طبعاً من الطبيعي أن يكون هناك بعض الأشخاص في المجتمع يهتمون ببعض هذه الأركان دون بعضها الآخر. و هناك بعض الأشخاص يهتمون بالقيم و لكنهم لا يهتمون بالتقدم و التطور. و بالعكس فثمة من يهتمون بالتحول و التقدم و يتحدثون عن التغيير و الإبداع دون أن يعيروا الاهتمام اللازم للحفاظ على القيم. و لا يعني هذا أنه يرفضها، بل يقبلها، لكن همه الأول هو قضية التقدم و التغيير و التحول و ليس القيم. و بالعكس هناك البعض، همهم الأول هو قضية الحفاظ على القيم و هذا لا يعني أنهم لا يؤمنون بالتحول. أما فيما يتعلق بالقيم، فهناك من يهتم أكثر بتدين و إيمان الجماهير، و من يهتم أكثر باستقلال البلد من هيمنة القوى الكبرى، و من يهتم أكثر بقضية الحرية، و من يهتم أكثر بقضية الأخلاق. طبعاً هذا أمر طبيعي و لا ريب فیه. و لكن من الأفضل أن يهتم الجميع بجميع الأجزاء، لكن إذا اهتم البعض بجزء واحد، و البعض الآخر بجزء آخر، فهذا أمر جيد جداً، حيث يمكن لأحدهما أن يكمل الآخر. و الذين يهتمون بالقيم في المجتمع يكملون سواهم ممن يهتمون بالتحول و التقدم. و الذين يهتمون بالتحول و التقدم، يكملون أولئك الذين يهتمون بالقيم.و من الممكن طبعاً أن ينشأ خلاف، و هذا غیر مهم. من الممكن أن يتهم الذين يهتمون بالقيم أكثر أولئك الذين يهتمون بالتحول أكثر و يقولون لهم لماذا لا تهتمون بالقيم؟ أو الذين يهتمون بالتحول أكثر، يقولوا للذين لا يهتمون بالتحول كثيراً لكن يهتمون بالقيم أكثر، يقولون لهم أنتم لا تعتقدون بالتقدم و الرقي و الحركة إلى الأمام و تدعون إلی الجمود و المراوحة. فهذه ظاهرة توجد في المجتمع أو يمكن أن تحدث، لكن لا ضیر في ذلك و لا أهمية له. عليهم أن يتحملوا و يقبلوا بعضهم البعض. و عندما يقبل الجميع بالقاعدة الأساسية - أعني القيم و الحركة في إطارها - بشكل عام، فلا أهمية حينئذ لأن يولي البعض أهمية ضئيلة لقسم و أهمية كبيرة لقسم آخر. يجب عدم النزاع؟الحد الفاصل بينهم ليس حداً واقعياً أو مصيرياً. يمكن لهم أن يحققوا وحدة عامة فيما بينهم، و أن يجسدوا الهوية العامة للمجتمع الإسلامي و الثوري و أن يعملوا كجناحين في الحقيقة. أي جناحين لطائر واحد. فلو تحرك جناحا الطائر بشكل جيد، لحلّق الطائر و تقدم إلى الأمام. إن الذين يلتزمون بالقيم، لو حافظوا عليها جيداً - طبعاً عليهم أن يهتموا بالتحول أيضاً - و الذين يلتزمون بالتحول و التقدم و الحركة إلى الأمام و التغيير و الإبداع، لو حافظوا على هذا - طبعاً عليهم أن يهتموا بالقيم أيضاً - فإن المجتمع سيستفيد من كل واحد منهما و كل واحد من الجناحين[التیارین] سيعود بالنفع على المجتمع و سيكملون الثورة في الحقيقة و سيحققوا التقدم في ظل القيم و يمكن أن يكون الوضع على ما يرام.و الشيء الذي يمكن أن يأخذ كل هذه القيم بنظر الاعتبار و يحقق لهم التطور في جميع المجالات، وهو ما جاء في دستورنا و فقهنا، هو وجود الفقيه العادل العارف بأمور زمانه في المجتمع ليتمكن من هدايته و إرشاده ومن تقدم الأمور.لماذا يجب أن يكون فقيهاً؟ حتى يعرف القيم الدينية و الإسلامية. فمن الممكن أن يكون البعض صالحين، لكنهم لا يعرفون الدين و لا يدركون بشكل جيد مضامين القرآن و السنة و الحديث و المفاهيم الدينية. و يمكن أن يخطئوا علی غیر علم. فإذن يجب أن يكون فقيهاً.لماذا يجب أن يكون عادلاً؟ لأنه لو تخلف عن واجبه، فلن يكون هناك ضمان للتنفيذ. و لو كان لا يفكّر إلا في نفسه و دنياه و سعادته و حب السلطة، و الحفاظ على منصبه، فلن يبقى الضمان الضروري لسلامة هذا النظام. فإذن، لو فقد العدالة، لكان معزولاً بذاته دون أن يعزله أحد آخر.لماذا يجب أن يكون عارفاً بزمانه. لأنه لو لم يكون عارفاً بزمانه، لصار ضحية للخداع. يجب أن يكون عارفاً بزمانه، حتى يعرف العدو و الحيل و المؤامرات، و يتخذ بشأنها الإجراءات اللازمة حسبما يقتضيه واجبه. و هذا ما قد تم أخذه بنظر الاعتبار في الدستور. و هذا هو المطلوب.و لكن هذه الأجنحة التي تحدثت عنها و الموجودة في نظامنا الاجتماعي اليوم - أي من يهتمون بالقيم أكثر من غيرها، و من يهتمون بالتحول و التقدم أكثر - لا يتحمل اليوم أحدهما الآخر كما ينبغي! فلو تحمل أحدهما الآخر أكثر مما هو عليه الآن، لكان وجود هذين الجناحين مفيداً فضلاً عن كونه ليس ضاراً. يمكن لكل منهما أن يمد للآخر يد العون و أن يكمل الآخر. و المطلوب هو أن يهتم الجميع بكافة الأجزاء الضرورية و يعمل على تحقيقها. و حتى إذا لم يحدث ذلك و اهتم البعض بهذا الجزء و البعض الآخر بجزء آخر، يجب عليهم آنذاک إلّاّ يعادي أحدهما الآخر. و ثمة مخاطر تكمن هنا. المهم هو أن نأخذ هذه المخاطر بعین الاعتبار. هناك أخطار تهدد كلا الطرفين بهذه القضية. الذين يهتمون بالقيم و ينسون التحول و التغيير و التقدم يهددهم خطر التحجر، لذلك عليهم أن يراقبوا أنفسهم. و الذين يهتمون بالتحول و التغيير و لا يهتمون بالقيم في الدرجة الأولى، يهددهم خطر الانحراف، فليكونوا هم أيضاً على حذر. على كلا الطرفين الحذر. يجب أن لا يصاب الجناح الأول بالجمود و التحجر، و لا يصاب الجناح الثاني بالإنحراف و التمهيد للأعداء و المعارضين للقيم. كل واحد من هذين الجناحين إذا أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، و بذلك سيستطيع المجتمع أن يشق سبيله نحو التكامل و الرفعة في ظل الوحدة التي أرادها الإسلام له.فإذن الخطر الأول هو غفلة الجناحين [ التیارین ] و تعرضهما للخطر. لكن هناك خطر أكبر من هذا. فما هو ذلك الخطر؟ إنه خطر الندساس. يمكن أن يندس بعض الأشخاص في كلا التيارين. أحياناً يندس العدو ينبثق في كلا التيارين: فهو يأتي من ذلك التيار للدفاع عن القيم و يعارض أي تحول، و يکون معارضاً حتى للطرق المسلوكة و يريد أن يرجع بالحركة الثورية إلى الوراء و أخطر من هذا هو الجانب الآخر من القضية، يعني أن يأتي بعض الأشخاص باسم التغيير و التحول و التقدم و يعارضوا أصول القيم و أصل الإسلام و تدين الجماهير و العدالة الاجتماعية، إنهم يعانون من الرأسمالية الغربية، و هدفهم هو جمع الأموال، فهم يعارضون مبدأ رفع الفوارق الطبقية، و يعارضون حتى اسم الدين، حتى لو لم يصرحوا بذلك! يعني أن يصل هؤلاء إلى الحكم و يخوضوا غمار الساحة باسم التحول و التغيير و التقدم و الإصلاح. و من الممكن أن يتغلغل هؤلاء في الهيكل الاقتصادي في المجتمع. لو تغلغل هؤلاء الأجانب في الهيكل الاقتصادي للمجتمع، فإنهم سيشكلون خطراً عظيماً، لأن الاقتصاد و الأموال و الثروة من الأمور المهمة في المجتمع و يجب أن تكون في أيد أمينة. لكن الأخطر من ذلك هو أن يهيمنوا على المراكز الثقافية، و يسلبوا أذهان الناس و إيمانهم و اعتقاداتهم و مسيرتهم الصحيحة. و يحدث ما هو واقع الآن في ساحة الصحافة و الإذاعة و التلفزيون في العالم الغربي، أعني سيادة الرأسمالية. كما أن الإذاعات و التلفزة الدولية و الامبراطورية الخبرية للعالم يهيمن عليها أصحاب رؤوس الأموال، كذلك يريد أن يأتي هؤلاء إلى بلادنا و يهيمنوا على مراكزنا الثقافية و يطمعوا في التأثير على حياتنا عن طريق الثقافة. و هذا ما شاهدنا بوادره منذ عدة أعوام هنا و هناك و أطلقت عليه عنوان الغزو الثقافي . فوافق البعض ذلک و رفضه البعض الآخر قائلين لا وجود للغزو الثقافي في الأصل!و أن يأتي البعض و يدعي التحول دون الاعتقاد بأصل القيم فواضح أي تحول يريدونه! التحول في نظرهم يعني تحول النظام الإسلامي إلى نظام غير إسلامي! و التطور في نظرهم يعني إزالة اسم الإسلام، و إلغاء حقيقة الإسلام و الفقه الإسلامي! و بالطبع فإننا نعرف بعض هؤلاء. فبعضهم من بقایا النظام البائد و مخلفاته الذين أكلوا و علفوا و اتخموا على حساب ذلك النظام، ثم استطاعوا أن يجدوا لهم مكانة بين الناس لكي يستعيدوا أنفاسهم الآن و يشمخوا برؤوسهم و يدعوا الحرية و الديمقراطية، و هم الذين كانوا عملاء ظلم و جور البلاط الذي كان يتحكم في هذا البلاد أكثر من خمسين سنة دون وجود أدنى حالة من الديمقراطية خلال تلك المدة، ثم ليأتي هؤلاء الذين كانوا يعملون بكل كيانهم في خدمة ذلك النظام و يطلقوا شعار الإصلاحات! ما معنى هذه الإصلاحات؟! هذه الإصلاحات تعني إصلاحات أميركية! أي إنكم أيها الشعب الإيراني الذين قطعتم يد أمريكا، عليكم أن تعودوا لإصلاح أسلوبكم هذا، و تأذنوا للسادة الأمريكيين بالتفضل لدخول بلدكم و ليأخذوا من جديد بزمام الاقتصاد و الثقافة و إدارة شؤون البلاد!و هناك البعض الآخر ممن لا ينتمون لذلك النظام، لكنهم منذ بداية الثورة و حتى قبل الثورة بالنسبة للبعض، أظهروا أنهم لا يرغبون في قرارة أنفسهم في إدارة البلد علی أساس الأحكام الإسلامية. إنهم يريدون اسم الإسلام و يحبون هذا الاسم. فهم ليسوا أعداء للإسلام بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكنهم لا يعتقدون بالفقه الإسلامي و الأحكام الإسلامية و الحاكمية الإسلامية. إنهم يعتقدون بنفس الأساليب الفردية. و قد استطاع بعض هؤلاء في بداية الثورة أن يهيمنوا على الأمور و يأخذوا بزمامها. و لولا مساندة الإمام و دعمه لهذه الثورة، لأعاد هؤلاء الرجال هذه الثورة و البلاد إلی الهيمنة الأمريكية من جديد بسهولة! هؤلاء أيضاً يدّعون الإصلاحات، و يدعون الإسلام أحياناً، لكنهم ينضمون للذين يطلقون بكل صراحة شعارات ضد النظام و يعربون عن تضامنهم معهم! فإنهم أحياناً يدعون الإسلام و ينضمون للذين يطلقون شعار معارضة الحكومة الإسلامية و شعار العلمانية و شعار الفصل بين الدين و الحكومة و شعار الحكومة اللادينية و الحكومة المضادة للدين و شعار المادية! و من الواضح أن هؤلاء هم انتهازيون. و ليس هؤلاء ممن يقبلون بالقيم و يؤمنون بالتحول، كلا. هؤلاء هم انتهازيون و غرباء. و قد طرحت قبل عدة شهور من علی منبر صلاة يوم الجمعة موضوع الأصدقاء و غير الأصدقاء ، و لكن ارتفعت أصوات البعض بالاعتراض لماذا تقولون أصدقاء و غير أصدقاء ! نعم هؤلاء ليسوا منا، و إنهم لا يقبلون الثورة و الإسلام و القيم، فعلى التيارات الداخلية أن يكونوا على حذر من هؤلاء. إنني أريد أن أتحدث هنا حول ثلاث نقاط أخرى: النقطة الأولى هو أن يعلم هؤلاء الغرباء و من يساندونهم من خارج البلد، و وكالات التجسس و الذين يدعمونهم دعائياً في الإذاعات، و الذين يدعمونهم على الأرجح دعماً مالياً في السر و العلن، أن يعلموا أن هذه الثورة لن تسمح لهم و أنا لن أسمح لهم أن يتلاعبوا بمصالح هذه البلاد ما دمت مسؤولاً و مادام فيّ عرق ينبض. و ليعلموا أنه لست أنا فحسب، و إن لم أكن أنا فإن كل شخص آخر يتولى هذه المسؤولية، سيكون هكذا. و لا يمكن غير ذلک. إن اليد الملكوتية و الإلهية التي وضعت أصل ولاية الفقية في الدستور كانت على علم بما تصنع. و من يتولى هذه المسؤولية، ستسلب منه صلاحياته إذا لم يقم بالدفاع عن مصالح الثورة و مصالح البلد و مصالح الإسلام السامية و مصالح الشعب، و إذا لم يمتلك هذه الروح المعنوية. لذلك أنتم تلاحظون إنهم يعارضون هذا الأصل، لأنهم يعلمون أن القضية ليست قضية أشخاص. إن شخصاً بهذا الاسم تولى هذه المسؤولية، طبعاً هم من أعداء هذا الشخص، لكنهم يعلمون أن القضية لا تنتهي به، لأنه لو لم يكن هذا الشخص و كان هناك شخص آخر، فإن القضية لا تتغير، لذلك يعارضون هذا المبدأ. فعليهم أن يعلموا أن مؤامراتهم يمكن أن تخلق مشاكل للناس و لكن لن تستطيع أن تزعزع هذا الصرح الشامخ ما دام هناک هذا المبدأ النوراني الموجود في الدستور.و كلمتي الموجهة إلى هذه الأجنحة و التيارات هي أيها الإخوة الأعزاء! و يا أيها الأقارب! تعالوا لنضع و نرسم حدوداً جديدة. إن النظام الإسلامي قائم على إيمان هذه الجماهير العظيمة. يمكن أن يعتقد بعض الناس من الناحية السياسية بتيار واحد و البعض الآخر بتيار آخر - فليعتقدوا - لكنهم يؤمنون بالإسلام. عليهم أن لا يتصوروا أن الظروف ستتغير إذا ما فاز هذا التيار في الانتخابات أو ذاك، كلّا. فإنها ليست سوى أذواق و مسالك و رؤیً سياسية. إن الاعتقاد بالإسلام أمر يخص بهذا الشعب. إن الشعب يدلي بصوته، أو يعطي السلطة - سواء السلطة التشريعية أو رئاسة الجمهورية، أو غيرها - للشخص الذي يعتقدون بأنه يريد أن ينقذ البلد من الفقر و التمييز و فقدان العدالة و غيرها من حالات الضعف و ذلك وفقاً للقيم الإسلامية. على هذين التيارين داخل البلد أن يرسموا حدوداً جديدة. و عليهم أولاً أن يزيحوا قليلاً هذا الحاجز القائم فيما بينهما و ليقترب أحدهما من الآخر، و ثانياً لا بد لكل منهما أن يرسم حدوده جيداً مع الغرباء و غير الأصدقاء.موقف الحكومة و الدولة من معارضي النظام و كيف ستتصرف معهم موضوع، و أن يحدد التيار السياسي الفلاني داخل النظام مواقفه من المعارضين موضوع آخر. نحن كحكومة، نعتبر كل معارض داخل المجتمع - حتى و إن كان معارضاً للنظام - فإن حياته و ماله و عرضه و شرفه أمانة في أيدينا فينبغي أن ندافع عنه ما دام لم يقم بمؤامرة أو معارضة و سندافع عنه. فلو ارتكب شخص جريمة السرقة في الشارع، فإننا لا نسأل هل إنه سرق من بيت مؤيد النظام أو معارض له، سنعاقبه دون النظر في الشخص الذي سرق منه. و لو ارتكب شخص جريمة قتل بصورة غير قانونية، نحن لا نسأل عن الشخص الذي قتل، لو قتل بشكل غير قانوني، فعليه أن يلقى الجزاء، بلا أي فرق. و لو جنّدنا الشرطة لاستتباب الأمن لا نخص تلك المنطقة و البيت و المدينة التي يکون أهلها أکثر اعتقاداً بالنظام، فالحكومة عليها واجب تقوم به إزاء كل أبناء الشعب، سواء المسلمين منهم أو غير المسلمين، مؤيدين للنظام أو معارضين و ما لم يصبح أحدهم معارضاً أو متآمراً أو مثيراً للشغب أو عميلاً للأعداء، فإن الحكومة ستتعامل معه كما تتعامل مع المؤمنين و سائر الشعب دون فرق. هذا موضوع، لكن تصرف التيارات السياسية يختلف عن الحكومة. فعلى التيارات السياسية إيضاح مواقفها. عليها أن توضح موقفها و حدودها بصراحة من المعارضين للإسلام و الثورة و خط الإمام أو المعارضين لكون الإسلام أساساً لهذا النظام. كما عليها أن توضح حدودها تجاه أولئک المتظاهرين بالتدين، دون أن يكون لهم أدنى إيمان بالتحول الثوري و بمبدأ الثورة و هم المتحجرون و الجامدون. نحن لا نحثهم على الصراع و النزاع و الحرب، لكن عليهم إيضاح مواقفهم. هذه هي كلمتنا للتيارات السياسية. طبعاً الشعب موقفه واضح. و إنني لا أخاطب الجماهير، فهم على علم بما أقول. و لقد قلت سابقاً أيضاً بأنني لا أشكو مطلقاً من هذا الشعب العظيم و الشجاع و المؤمن و البطل و الثوري و الوفي و المخلص و المتسامح. و ما هو متوقع، هو أن لا یسمح ذوو النفوذ السياسي، من الكتاب و الخطباء، أن لا يسمحوا للعدو أن بتحقيق أهدافه. إن أساس حركة العدو ضد النظام اليوم، لا تزال حركة ثقافية و نفسية. يريدون أن يجعلوا أبناء الشعب يائسين و متشائمين إزاء مستقبل هذا البلد. يريدون أن يسيء الناس ظنهم بالثورة و رجال الدولة. يريدون أن يسيء الناس ظنهم بالمسؤولين المتدينين في المجالات المختلفة سواء السلطة التنفيذية، أو السلطة القضائية أو السلطة التشريعية. إنهم يريدون أن يفصلوا بين المسؤولين و يثيروا النزاع بينهم و يرسموا صورة مظلمة للمستقبل. و هذا هو الذي جعلني أشكو من الصحافة و ألقي عليها اللوم. تلك الصحافة الفاسدة كانت تقوم بهذه الأمور بدقة، فتعطي صورة منحرفة و معوّجة عن المستقبل، صورة باعثة على اليأس. و تصوير الواقع على غير ما هو عليه، بث الاضطراب في المجتمع و جعل الشرائح تسيء إحداها الظن بالأخرى. لدرجة أن البعض كان يسعى لنشر فكرة عدم كفاءة المسؤولين! هذا أيضاً خطأ من الأخطاء. كلّا. فالحكومة تتمتع بالخبرة و الإمكانيات و ستستطيع أن تحقق إنجازات و هي عاكفة على العمل و تقوم بواجباتها بفضل الله. و هدف العدو هو ما تحدثت عنه. و يجب ألاّ يساعده أحد على ذلک.على جميع المتواجدين في ساحة البلد السياسية، أن يعتمدوا على قيم هذه الثورة و دعائمها الرئيسية. و عليكم أن تعلموا أن ما يتمكن من إنقاذ هذا البلد، هو الإسلام بما فيه من مضامين. و لحسن الحظ فإن مسؤولي البلد اليوم يتمتعون بالكفاءة و الإيمان. و إنني أقول من جديد إن مسؤولي البلد، رؤساء السلطات، رئيس الجمهورية، و الكثير من مؤسسات الحكومة - وأنا غیر راضٍٍ عن بعضهم طبعاً و أعتقد أنهم لا يعرفون واجباتهم جيداً أو لا يلتزمون بها كما ينبغي - و أعضاء مجلس الشورى و المجلس القادم إن شاء الله، هؤلاء هم الذين بإمكانهم بث الأمل في نفوس الشعب بأن هناك مستقبلاً جيداً في انتظار البلد و أن قوى هذا الشعب ستنهض إن شاء الله في خدمة الإعمار و البناء المادي و المعنوي لهذا البلد، و بعون الله فإن العدو سوف لا يستطيع أن يمنع الشعب من مواصلة هذا الطريق و إن الشعب لن يسمح بعودة الهيمنة الشيطانية و الجهنمية للأجانب المعتدين و الطامعین بهذه البلاد.بسم الله الرحمن الرحيمو العصر. إن الإنسان لفي خسر. إلّا الذين آمنوا و عملوا الصالحات. و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر. (14)أرى من الضروري أن أرفع یدي بالدعاء ببعض العبارات : نسألك اللهم و ندعوك. باسمك العظيم الأعظم و بالقرآن المستحكم و بالنبي الأعظم يا الله، يا الله، يا الله.اللهم! انصر الإسلام و المسلمين و هذا الشعب المؤمن الشجاع. اللهم اقطع أيدي الأعداء عن هذا الشعب. اللهم و احلل العقد الصغيرة و الكبيرة في أمور هذا الشعب بيد قدرتك و حكمتك. اللهم ألّف بين القلوب. اللهم انزل بركاتك و غيث رحمتك على هذا الشعب. تحدثنا اليوم عن الرسول الأكرم و خصصنا وقتاً لتبجيل شخصيته النورانية و الملكوتية. يقول أبوطالب في شعر له في مناقب النبي:و ابيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل(15)لقد تذكرنا اليوم اسم تلك الشخصية العظيمة، اللهم! نسألك بحق النبي، أن تنزل غیث رحمتك و بركتك على مناطق من هذه البلاد التي تعاني من الجفاف بل و على كافة مناطق البلاد و ذلك ببركة ذلك الوجود المقدس. اللهم ندعوك بحق محمد و آل محمد أن تشملنا برحمتک و بركاتک.الهوامش:1) الأحزاب:702) الأحزاب: 213) و جاء نظير هذا الموضوع في بحار الأنوار، ج8،ص307، فوقف يسوي لحيته و ينظر إليها.4) نهج البلاغة، 765) الكافي: ج5، 716) الفتح: 27) بحار الأنوار، ج 10، 408) الشورى: 159) الأحزاب: 3210) الأحزاب: 2811) الأحزاب 2912)التوحيد: 1-413) رجاء جارودي ( كاتب فرنسي مسلم)14) العصر: 315) بحار الأنوار، ج 20، ص 300
2000/05/19

كلمة الإمام الخامنئي في حشود الشباب الإيراني بمصلى طهران الكبير

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين. سيّما بقية الله في الأرضين.إن هذا الاجتماع لهو اجتماع عظيم و استثنائي. حيث اجتمعت هنا الحشود الغفیرة و كلها من الشباب. و هذا المكان هو مصلى حيث أضفت معنوية الصلاة و محل العبادة على الأجواء معنوية خاصة و نوراً. و من جانب آخر فقد جاء هذا الاجتماع بعد أيام العزاء و إن شبابنا بفضل تواجدهم في مراسم العزاء و أداء مراسم التعزیة بشکل جید جداً في يومي تاسوعاء و عاشوراء و ما قبلهما و ما بعدهما، يتمتعون الآن بروح و معنویات حسينية. إن هذا الاجتماع اجتماع لا مثیل له سواء من حيث الزمان، أو المكان، أو التركيب، أو الكمية، و أريد أن أتحدث في هذا الاجتماع حول قضايا الشباب بالدرجة الأولى. و السبب في اهتمامي بهذا الموضوع إلی هذا الحد، هو أن قضية الشباب في بلدنا يجب أن تتحول إلى قضية وطنية حقيقة. و على الجميع أن يشعروا بالمسؤولية حيال هذه القضية؛ سواء الحكومة، أو علماء الدين، أو التعبئة، أو المؤسسات الرياضية أو الإذاعة و التلفزيون. على جميع الأجهزة التي تستطيع أن تمارس دوراً في المجالات المتعلقة بالشباب عليها أن تشعر بالمسؤولية إزاء قضية الشباب في هذا البلد. و إنني أريد اليوم و بالتواجد في هذا الاجتماع و طرح قضية الشباب و الحديث معهم وجهاً لوجه، أريد أن أوجه هذا النداء إلى جميع المسؤولين، و هو أن عليهم أن يعتبروا متطلبات الشباب و مستقبلهم و البرمجة لهم قضية جدية و من الدرجة الأولى. و هذا الأمر لا مفرّ منه. و تطرح مواضيع كثيرة بنحو متكرر حول الشباب، باعتبارهم أمل الشعب و مستقبل البلاد . كل هذه المواضيع مواضيع صحيحة، لكنها تكرارية، و أنا لا أريد أن أضیع الوقت فيها؛ بل أريد أن أتطرق بشکل مباشر إلی أصل القضية. إن مرحلة الشباب ظاهرة متألقة و مرحلة فريدة لا نظير لها في حياة كل إنسان. أي بلد يجري فيه الاهتمام بقضية الشباب كما ينبغي لها، فإنه سيحقق النجاح الكبير في طريق التقدم. و تزداد هذه القضية أهمية حينما يكون البلد كبلدنا حيث يشكل الشباب الغالبية العظمى و النسبة العالية من مجموع السكان. إنني أرغب اليوم أن يحظى الجزء الأول من كلمتي باهتمام الكبار سواء منهم المسؤولون، أو الآباء و الأمهات، أو المعلمون، أو سائر المعنيين بقضايا الشباب. أما القسم الثاني من كلمتي فيتعلق بكم أيها الشباب و هناك مواضيع سأتحدث معكم حولها.بالنسبة للقسم الأول الذي يختص بالمسؤوليات التي تتعلق بالشباب، أرى لزاماً عليّ بأن أقول أن مرحلة الشباب - هذه المرحلة المضيئة و النضرة - هي رغم قصرها مرحلة نتائجها خالدة و طويلة الأمد في حياة الإنسان کلها. تبدأ مرحلة الشباب من البلوغ، و أريد أن أنظر إلى القضية هنا من منظار الشباب لكي يذكر الكبار، الوالدان و المسؤولون، أجواء مرحلة الشباب التي كانوا يعيشونها ذات يوم.إن للشاب - خاصة في بداية مرحلة الشباب - ميول و حوافز. أولاً، بما أنه یمرَّ في مرحلة تکوین الشخصیة، فهو یرغب أن یعترف الآخرون بشخصیته؛ و غالباً ما لا یتحقق هذا الأمر و کأن الوالدین لا یعترفان بهذه الشخصیة الجديدة. ثانياً للشباب مشاعر و حوافز. و يتميز الشاب بالنمو الجسمي و الروحي فقد وضع قدمیه في عالم جديد غالباً ما يجهله أو لا يهتمون به من هم حوله من أفراد الأسرة و الأقارب و الأشخاص في المجتمع؛ لذلك فهو يشعر بالوحدة و الغربة. إنني أحب أن يسمع الكبار هذه المواضيع و يهتموا بها و يتذكروا فترة شبابهم. ثالثاً: الشاب - سواء في بداية مرحلة البلوغ أو ما بعدها - يرى أمامه الکثیر من الأمور المجهولة. تطرح له قضايا جديدة تثير التساؤلات المتنوعة لدیه. كما تختلجه شبهات و استفهامات یرغب في معرفة أجوبتها؛ و قد يأتي هذا الجواب في الكثير من الحالات غير ملائم و غير مناسب له؛ لذلك فهو يشعر في كثير من الأحيان بالغموض و الفراغ. رابعاً يشعر الشاب بالطاقات المتراکمة تكمن في وجوده و يشعر أیضاً ًبطاقات في وجوده سواء الجسمية منها أو الفكرية أو الذهنية. و هذه الطاقات الشبابية بوسعها أن تصنع المعجزات و تحرك الجبال، و لكن الشاب يشعر بعدم الاستفادة من هذه الطاقة المتدفقة؛ لذلك يشعر بالإهمال و عدم الجدوى. خامساً: يواجه الشاب لأول مرة عالماً كبيراً في فترة شبابه لم يكن قد يجربه أو عرفه من قبل. تطرأ عليه الكثير من أحداث الحياة و هو لا يدري ماذا يفعل أمامها. لذلك يشعر بالحاجة إلى الهداية و المساعدة الفكرية، و بسبب انشغال غالبية الآباء و الأمهات بشؤونهم، لذلك لا يهتمون بالشباب و بالتالي لا يُمنح للشاب الدعم الفكري اللازم. إن المؤسسات التي تقع عليها المسؤولية في هذا المجال، غالباً ًما تکون غیر متواجدة عند الحاجة و عندما يكون حضورها أمراً ضرورياً؛ لذا لا يمنح للشاب هذا العون فيشعر بالوحدة و أنه دون الملجأ. هذه هي المشاعر التي تسيطر عموماً على شبابنا؛ فهناك الشعور بالوحدة من ناحية، و من ناحية أخرى الشعور بعدم وجود سند، و من ناحية أخرى هناك الشعور بالطاقات الحاشدة التي تذهب هدراً. مسؤولیة إدراك هذه المشاعر و تفهّمها تقع على عاتق الجميع. و خاصة الحكومة و علماء الدين و الإذاعة و التلفزيون و التعبئة و منظمة الرياضة و المؤسسات و المراكز الثقافية، فهؤلاء جميعاً على عواتقهم مسؤوليات كبيرة إزاء جيل الشباب؛ لا سيما في بلد كبلدنا الذي يمثل فيه جيل الشباب الغالبية العظمى من عدد السكان، و يتمتع بالإيمان من الناحية الروحية؛ و يمتاز بالاستعداد للقيام بالأعمال الكبيرة و بأنه منظومة موهوبة جداً. إن ما ذكرته مراراً من أن متوسط الموهبة لدى الشباب الإيرانيين يفوق متوسط الموهبة لدى شباب العالم، هو نتيجة بحث و دراسة علمية و هو أمر مسلّم به. هذه المواهب، و هذا العدد الهائل و هذه القدرات، بوسعها مساعدة بلد كإيران في دروب التكامل و الرفعة و الرقي.البعض يطلقون أحكاماً خاطئة و مضلّلة بشكل كبير على جيل الشباب في إيران من الناحية العقائدية و من الناحية الإيمانية. الذي اعتقده و ما أثبتته الدراسات هو أن الشاب الإيراني شاب مؤمن، عفيف، شريف و لديه الكثير من المؤهلات الدينية، و يرغب في الاتجاهات المعنوية. طبعاً ما نتوقعه من الشباب، يختلف تماماً عن توقعنا من الكبار الناضجين الذين فقدوا طاقاتهم. إن الشباب الإيرانيين - سواء الفتيات أو الفتیان - يتمتعون بمستوى عال من حیث المقومات الروحية و المعنوية و الذهنية و كذلك من ناحية الإمكانيات الإيمانية. و هذا ما یلقي مسؤولیة كبيرة على عاتق المسؤولين. و من الواجب عليّ طبعاً بأن أعترف بأن هناك اهتماماً بالغاً اليوم و لحسن الحظ بقضايا الشباب. المراكز الخاصة بشؤون الشباب - كمنظمة الشباب الوطنية - و المراكز التي استطاعت أن تنظم الشباب في المجالات العظيمة منذ بداية الثورة - كالتعبئة - و كذلك المراكز الحكومية للتربية و التعليم تهتم لقضايا الشباب؛ لكنني أتوقع أكثر من هذا. أتوقع أن تتبدل قضية الشباب و الاهتمام بشؤون الشباب و البرمجة لإرشادهم الصحيح نحو الرقي و التكامل، إلى قضية وطنية حقيقية، و على الجميع أن يشعروا بالمسؤولية تجاهها.لنعد إلى رؤية الإسلام. إن الرؤية الإسلامية حول الشباب تنطبق تماماً مع ما تم اقتراحه اليوم و مع توقعنا من الشباب و جيلهم. لقد أوصى الرسول بالشباب، و تآلف معهم و استفاد من طاقاتهم للأعمال الكبرى. و هذا العام أطلق عليه عام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. عليكم أن لا تنظروا إلى أمير المؤمنين كشخصية في الأربعينيات و الخمسينيات و الستينيات من العمر. إن شخصيته المتألقة، هي ذلك النموذج الخالد الذي يمكن للشباب أن يجعلوه أسوة لهم. إن الإمام علي عليه السلام كان عنصراً مضحّياً، ذكياً و نشطاً و رائداً في مرحلة شبابه في مكة. و كان يزيل جميع العقبات الكبيرة من أمام الرسول. كان يلبس قلبه على الدروع في الساحات الخطرة و كان يتولى أشق الأعمال. و قد وفّر إمكانية هجرة النبي إلى المدينة و كان قائداً للجيش بعد الهجرة و زعيماً للجماعات الفعالة و العالمة و الواعية و الشهمة و المتسامحة. و كان جندياً شجاعاً و قائداً رائداً في ساحة القتال. و كان شخصاً كفوءاً في مجال أمور الحكومة. و في ساحة القضايا الاجتماعية كان شاباً متقدماً بالمعنى الحقيقي للكلمة. و لم یستفد الرسول من شخصیةٍ کعلي فحسب، بل كان يستفيد بقدر استطاعته من الشباب و طاقاتهم في فترة حكومته التي دامت عشرة أعوام.لقد ألقى الرسول الأكرم بإحدى المسؤوليات الكبيرة على عاتق شاب في الثامنة عشرة من عمره. كان النبي يتولى زمام القيادة بنفسه؛ لكنه خلال الأسابيع الأخیرة من عمره شعر بقرب رحيله عن هذا العالم و أنه غیر قادر علی قیادة الجيش الذي وجهه إلى الامبراطورية الرومانية - لأنه كان عملاً شاقاً للغاية؛ كان من الضروري اختيار طاقة لهذه المهمة لا تستطیع أي قوة أن تقف أمامها - لذلك ألقى هذه المسؤولية على عاتق شاب في الثامنة عشرة من عمره. كان يستطيع النبي أن يُلقي هذه المسؤولية على عاتق رجل في الخمسين و الستين من عمره و له تجربة في الحرب و جبهات القتال؛ لكنه ألقی المسؤولية على عاتق شاب في الثامنة عشر من عمره و كان اسمه اسامة بن زيد . و من دوافع ذلك أيضاً هو إيمان زيد و أن والد أسامة كان من الشهداء. و المكان الذي أرسل إليه أسامة، كان المكان الذي استشهد فيه والد أسامة بن زيد - أعني زيد بن حارثة - حيث استشهد في تلك المنطقة قبل سنتين. و ألقى النبي مسؤولية قيادة جيش عظيم و جرار كان يضم كبار الصحابة من الشيوخ و القادة ذوي التجارب على ذلك الشاب في الثامنة عشر من عمره. قال له النبي: عليك أن تذهب إلى المكان الذي استشهد فيه أبوك - أي إلى مؤتة ذلك المكان الذي كان تحت سیطرة الامبراطورية الرومانية آنذاك و الذي يقع الآن في الشام - لتعسكر هناك. ثم أصدر إليه توجيهات القتال. كانت الطاقات الشبابية مهمة عند الرسول إلی هذا الحد .لدينا اليوم في بلدنا الكثيرين من أمثال أسامة بن زيد؛ و لنا هذا الحشد الكبير من الشباب؛ لدينا جموع كبيرة من الفتيان و الفتيات و العديد من هذه المجموعات المؤهلة للمشاركة في الميادين الناشطة و في میادین طلب العلم، و القتال، و السياسة، و النشاطات الاجتماعية، و المشاركات المتنوعة لمكافحة الفقر، و للإعمار و في أية ساحة أخرى يبرمج لهم و يمكن لهم الخوض فيها. هذه مكانة مهمة للغاية لبلدنا. و هذا الجيل هو شبيه بالجيل الذي تكلّل بالنجاح في نهاية المطاف عندما خاضت بلادنا أکبر تجربة، و هي تجربة الحرب المفروضة و قد حقق الشباب النصر بكل قوة و نجاح. و من المناسب أن تعلموا أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء؛ في اليوم الذي تأسّس الحرس الثوري، كانت غالبیة أعضائه من الشباب و الطلائع. و هؤلاء الأشخاص يعدون اليوم قادة الحرس و يتمتعون بأرفع الأوسمة، كانوا في ذلك اليوم إما طلبة في الجامعات و إما من المتخرجين حديثاً أو حتى من الذين لم يدخلوا الجامعات بعد. إن القائد الذي كان يدير ساحات القتال لأعوام متمادية كان عمره ستاً و عشرين سنة عندما نصبه الإمام قائداً للحرس الثوري. لقد استفادت الثورة من هذه التجربة مرة أخرى و قد تمكّنت من إثبات الدور البنّاء الكبير للشباب. هذا ما كنت أحب أن يهتم به الكبار و المسؤولون؛ أعني النظرة إلى قضية مرحلة الشباب من منظار الشباب؛ و رؤية أمنيات الشباب و توقعاتهم و مشاعرهم؛ و فهم واجباتهم الحقيقية إزاء هذه التوقعات و هذه المتطلبات. على كافة الأجهزة المعنية، سواء الحكومية أو غير الحكومية، أو الإذاعة و التلفزيون أو الوزارات المختصة بالشباب - كالتربية و التعليم العالي - أو القطاعات المختصة بالرياضة، أو القطاعات الخاصة بالشباب، أو التعبئة أو علماء الدين، أو مؤسسات تبليغ الدين و نشره، عليها جميعاً أن تشعر بالمسؤولية إزاء هذا الحشد الكبير، و هذا الكم الهائل من المواهب و الطاقات الحاشدة.أما القسم الثاني من حديثي فهو جملة واحدة أخاطبكم بها: أعزائي! إن ما يتمتع به اليوم هذا البلد من إمكانيات، سوف يؤدي إلى نتيجة منطقية تبشّر بمستقبل مشرق يبعث على الفخر و الرضا. إن الشباب يمثلون الغالبية العظمى من سكاننا. و هناك في العالم اليوم بلدان تعاني من قلة الشباب. مستواهم السني كبير و عليهم توفیر الطاقات الشابة من البلدان الأخرى. و تتمتع بلادنا بأکبر عدد من هذه الطاقات الشابة. و ببركة الثورة فإن روح الشباب و روح غالبية الجماهير، ترغب في العمل و الإبداع و الابتكار. قبل انتصار الثورة لم يُـمنح الشباب الفرص للإبداع و الابتکار، سواء في المجالات العلمية أو الصناعية أو الإبداعات المتنوعة و لم یکن هناك اهتمام بالإبداعات. لكن الثورة الإسلامية قامت بإحياء روح الاستقلال و الاعتماد على النفس و الثقة بالنفس؛ هذا أيضاً يعد من الفرص الثمينة. لدينا هذا العدد الهائل من الشباب الذين يتمتعون بهذه الروح. و من ناحية أخرى فإن هذه الجموع الشابة و كافة أبناء الشعب يشعرون بأن لهم دور في القضایا المصيریة للبلاد. إنهم يختارون الحكومات و المسؤولين و الحقيقة أن حركة البلاد و إدارتها تقع على عاتق أولئك الذين لعب الشعب دوره في انتخابهم. إن شعوب بعض البلدان القريبة منا في هذه المنطقة ليس لديهم أدنى دور في اختيار مسؤوليهم و لا علم لهم بأي شيء و ليس لهم أي إشراف على إياب و ذهاب المسؤولين الذين يحكمونهم و لا على فترة حكومتهم و لا على ثرواتهم و لا على فسادهم الأخلاقي و لهوهم. كما أن بعض البلدان تدعي الديمقراطية على الظاهر؛ و في الحقیقة لیس هناک فيها أي دور للشعوب. و الواقع أن هيمنة مراكز القوى الأجنبية و الداخلية على تلك البلدان لا تسمح لهم بممارسة أي دور في إدارة البلاد.إن واقع بلادنا اليوم هو واقع استثنائي؛ أو إنه استثنائي في هذه المنطقة على الأقل. يختار شعبنا الحكومات و نواب مجلس الشورى بإرادته و رغبته و تمیزه و يضعهم رهن الاختبار. فإن رضوا عنهم اختاروهم مرة أخرى و إن لم يرغبوا أختاروا شخصاً آخر. هذه أيضاً من الفرص الثمينة جداً.النقطة الرابعة من فرصنا تتمثل في الإرشادات الإسلامية و أصول و مبادئ الإسلام التي حصلت على طابعها الرسمي في بلدنا. من الممكن أن يكون هناك في العديد من البلدان ديمقراطية و نشاط اقتصادي؛ و لكن العدالة الإجتماعیة أو محق الفوارق الطبقیة غير مطروحة هناك. إن ما حصل اليوم على الطابع الرسمي في البلدان الرأسمالية اليوم و بين طبقاتها المختلفة هو الصراع الشخصي للحفاظ على مصالحهم، أما العدالة الاجتماعية بصفتها واجباً أو قيمة أو تكليفاً فلا يهتم بها مخططو تلك البلدان. إن العدالة الاجتماعية تقع على رأس وصايا الإسلام الذي يشكل دستورنا و يرشد قوانينا. و إن لم يعمل المسؤولون لتحقيق العدالة الاجتماعية و الفقر و تقليل الفوارق بين الطبقات الفقيرة و الغنية، فإنهم سوف يسقطون من أعين الجماهير و لا يقبلهم الشعب كمسؤولين يحبهم.إن شعبية هذه الحکومة هي من القيم الأخرى التي أهدتها السيادة الإسلامية لهذه البلاد. فالشعبية، هي قیمة أرفع درجة من الانتخاب بواسطة الشعب. فبعض الأشخاص يمكن أن ينتخبوا في حكومة ديمقراطية بشكل ديمقراطي، و لكن لا علاقة لهم بالشعب. فهم ليسوا شعبيين. إن الشعبية في بلدنا الإسلامي تعد من القيم. إن رئيس الجمهورية يتمتع بالشعبية؛ و إن المسؤولين يتمتعون بالشعبية و يريدون أن يتمعوا بها. فأي شخص يكون أقرب إلى الشعب و يدرك أكثر مشاعر الشعب و يتعاطف أكثر مع الجماهير في آلامهم، فإن الجماهير يحبونه أكثر. هذه أيضاً من الميزات الكبيرة التي نتمتع بها في الوقت الحاضر.و إضافة إلى هذا هناك ميزات مادية؛ أعني مصادر الطاقة في البلاد و وجود المواهب الإيرانية - و كما سبق أن قلت فإنها تفوق متوسط النسبة العالمية للمواهب - أو التنوع الإقليمي في البلد و تنوع المناخ و سائر الإمكانيات الموجودة في البلد. لو تم التخطيط الصحيح لهذه الطاقات الشابة العظيمة و هذه الطاقة الهائلة على أساس المنطق و الاستدلال و لو تفجرت هذه الطاقة؛ و لو تم استخدام جيل الشباب لإعمار البلاد و لو جرى العمل في المجال الدراسي و لو رُفع مستوى معلومات الشباب، فإن مستقبل البلاد سيكون مستقبلاً مشرقاً بلا شك. هذا ليس مجرد شعار؛ بل هو أمر منطقي و استدلالي و متقن.و أي بلد يتمتع بمثل هذه الطاقات الشابة، و هذه المواهب المفعمة بالحیویة و الإمكانيات الطبيعية و الإقليمية و بمؤهلات المعرفة و الدین هذه، إذا عمل مسؤولوه كما ينبغي - و إن مسؤولي بلدنا قرروا دائماً أن يعملوا - فإن مستقبله سیکون مستقبلاً زاهراً جداً؛ و يمكن لهذا المستقبل أن يكون نموذجاً للعالم الإسلامي بالدرجة الأولى و للآخرين بالدرجة الثانية. لكن هناك تهديدات يجب التعرف عليها. و السبب في إصراري على التذكير في كل خطاباتي - سواء التي أخاطب بها جيل الشباب أو غالبية الجماهير - بهذه التهديدات الموجهة إلى البلد و الشعب و خاصة جيل الشباب هو أن أهمية هذه التهديدات كبيرة للغاية. أعزائي! القليل من الغفلة أحیاناًً، و عدم الاهتمام و التكاسل أو التساهل يمكن أن یکون سبباًً في ضیاع إنجازٍ عظيمٍ من يد شعب. يجب علینا أن لا نسمح بذلك. لقد أثبت شعبنا أن بوسعه تحقيق إنجازات عظيمة في مجالات العمل و التحرك و السعي، عندما يشرف عليه قادة و مسؤولون صالحون. و سيستطيع ذلك بعد الآن أيضاً، شريطة أن نتعرف على التهديدات. أنا لا أخاطب الأجيال غير الشابة فقط؛ بل أخاطبكم خاصة أيها الشباب و أرغب في أن تعرفوا بدقة هذه التهديدات الموجودة و عليكم أيضاً أن تساهموا في مواجهة هذه التهديدات.إن ما يهدد مستقبلنا المشرق، ينقسم إلى قسمين: التهديدات الخارجية؛ و التهديدات الداخلية. علي أن أقول في البداية: إذا لم يكن لهذا الشعب عدو داخلي أو إذا لم يكن هناك المتغلغون و لم یفسد المنافقون قضايا البلاد؛ فلیس بوسع العدو الخارجي أن یحقق إنجازات كثيرة. طبعاً عليكم أن تعلموا أن بعض التهديدات تنبع من داخلنا و أنفسنا. أنا أقول إن أي شيء يوجه ضربة للصحة و الإيمان و العزم و النشاط و يحد من عمل الشباب و دراستهم، يعتبر تهديداً. فاللامبالاة تهديد؛ و المخدرات تهديد؛ و إهمال الدرس و طلب العلم و العمل هو تهديد أیضاًً؛ و الانشغال بالجدل الاجتماعي التافه تهديد و النزاعات الداخلية تهديد، و عدم الثقة بالنظام و المسؤولين تهديد؛ و طبعاً غفلة المسؤولين تهديد أيضاً؛ و تخطيط العدو الخارجي تهديد أيضاً. و إن شعباً يقظاً و واعياً، و حياً و شاباً و ثورياً كشعبنا، يجب عليه أن يزيل كل هذه التهديدات من طريقه.أنا حينما أشير إلى التهديد الخارجي، فإنني أقصد به مراكز القوى العالمية. أيها الإخوة و الأخوات؛ و يا أبنائي الأعزاء! إن هناك اليوم تهديداً مضاعفاً يستهدف ليس إيران فحسب، بل كافة البلدان التي ليست علی نمط البلدان الأوربية و الأمريكية المتقدمة. فما هو هذا التهديد المضاعف؟ إنه النفوذ المباشر من جانب القوى الكبرى و على رأسها أمريكا، و هو من جانب آخر تيار العولمة؛ التيار الذي ينظم بعض الأمريكيين مظاهرات ضدّه داخل أمريكا نفسها. ما معنى العولمة؟ معناها أن تبادر مجموعة من القوى العالمية؛ و هم غالباً الذين يتمتعون بالنفوذ في الأمم المتحدة؛ و الذين كانوا يستعمرون العالم بالأمس؛ و عدد من البلدان التي تسعى إلى فرض ثقافتها و اقتصادها و عاداتها و تقاليدها على كافة أنحاء العالم؛ و يبادروا لتأسيس شركة تساهمية بحيث تكون خمس و تسعون بالمائة من أسهمها لهم بينما تكون خمسة بالمائة لسائر البلدان. لذلك فهم بذلك يتمتعون بالخيار و القرار! هذا هو معنى العولمة التي تعارضها الکثیر من البلدان و الكثير من ساسة العالم الثالث و الكثير من مثقفي العالم و يخشونها. و قد نقل بعض مسؤولينا إن الكثير من البلدان المشاركة في مؤتمر 77 و دول عدم الانحياز تخشی العولمة؛ لأنها تعرف أن العولمة تعني هيمنة أمريكا على اقتصاد البلدان الأخرى و على ثقافتها و جيشها و سياستها و حكومتها و على كل ما لديها تقريباً. هذا فضلاً عن النفوذ المباشر. ما تلاحظونه من الضغوط الموجّهة ضد تجاهل إيران لأمريكا - يستخدم الأمريكان كافة الوسائل لكسر هذا الوجه المتجاهل و العابس الذي اتخذه الشعب الإيراني تجاه أمريكا - فلأنهم بذلوا قصارى جهدهم في كافة أنحاء العالم للتمكن من إرغام الساسة الشرفاء على المساومة و الخضوع و التسليم لهم. لقد عمل الأمریکان علی تفهیم رؤساء البلدان الأفريقية و الآسيوية و بلدان أمريكا اللاتينية أنه من أجل أن یعیشوا لا بد لهم من الخضوع لأمریکا و سیاستها. و قد خضعت لها الکثیر من البلدان. هناك بلد واحد و شعب واحد و حكومة واحدة في العالم لم يخضع لأمريكا و يقول لا شأن لنا بأمريكا؛ لكننا لسنا على استعداد للاستسلام لضغوط أمريكا و فرض سياساتها و علاقاتها. و ذلك البلد هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.و تجري بعض التصریحات المرائیة أحياناً على لسان المسؤولين الأمريكان. و أحياناً أخری يمتدحون الشعب الإيراني مدحاً جزئياً أو يمتدحون بعض المسؤولين في إيران. و ليس لهم هدف سوى إخضاع إيران لهيمنتهم السياسية و الاقتصادية و حتى العسكرية إن استطاعوا. إنهم یطمعون بأسواق إيران و ثرواتها؛ و فوق ذلك كله، لأن الشعب الإيراني و النظام الإسلامي و الثوري في إيران استطاع خلق نهضة عظيمة في العالم الإسلامي - و هي صحوة لا يمكن القضاء عليها - لذلك يريدون القضاء على هذه النهضة العالمية عن طريق إخضاع إيران، أي إنهم يريدون أن يقولوا للعالم بأن الذين بدأوا بمناهضتهم جاءوا و استسلموا لأمريكا و خضعوا لها. لذلك، ليس الهدف إقامة العلاقات السليمة. إنهم يطلقون هذه التصريحات في دعاياتهم؛ و للأسف هناك البعض في صحف البلاد و غيرها، يكررون تلك الأحاديث و كأن حل کافة المشاکل الاقتصادیة للبلاد قائم علی إقامة العلاقات مع أمريكا. و هذا غیر صحیح.إن الأمريكان ليس لديهم سوى وجهة نظر واحدة حول علاقاتهم و نشاطاتهم في العالم - و هم يصرحون بها و لا يخفونها - و هي مصالح أمريكا. إذا أقاموا علاقات مع أحد، و سألوهم عن السبب، يقولون بأن مصالحنا تقتضي ذلك؛ لأن مصالحهم تمتاز بالأهمية لديهم! إن أمريكا لا توزع أرباحاً على أي بلد أبداً. فلو منحت بلداً ما قرضاً قيمته عدة ملايين من الدولارات، فإنها تأخذ من ذلك البلد عدة أضعاف من الإمكانيات! إذا نظرتم أنتم إلى هذه المنطقة، فتلاحظون أن هذه البلدان المجاورة لنا تعاني من الفقر و الضعف و الاستبداد و الفساد و الكثير من المشاكل. أوليست لديهم علاقات مع أمريكا؟! لدى جميعها علاقات مع أمريكا. إن الأمريكان يستفيدون منها، لكنهم لا يسمحون لهذه البلدان بالاستفادة منهم.لقد أعلن الأمريكان مراراً أن هدفهم من إقامة العلاقات مع البلدان، هو توفير مصالح حكومة أمريكا! فما معنى ذلك؟ إنه يعني من وجهة نظر الأمريكان إن مصالح المواطن أمريكي، تفوق مصالح المواطن الإيراني - أياً كان - و أن الشاب الأمريكي يفضل على الشاب الإيراني؛ و أن العنصر الأمريكي - أياً كان - هو أفضل من العنصر الإيراني و غير الإيراني. هذا ما تقوم عليه سياسات أمريكا الدولية. و هذا هو هدفهم الرئيسي.طبعاً هم يدعون حقوق الإنسان كذباً و بهتاناً! هناك بلدان تستفيد أمريكا من نفطها؛ و لم يشكل فيها و لو لمرة واحدة برلمان منتخب من قبل الشعب؛ ليس في تلك البلدان حاكم و لا رئيس جمهورية منتخب من قبل الشعب؛ لكن أمريكا لا تطلق اسم حقوق الإنسان و الديمقراطية في تلك البلدان! لماذا؟ لأنها توفر مصالح أمريكا. تعاونوا مع نظام صدام - أیام الحرب المفروضة علی إيران؛ لأنه كان ینسجم مع مصالحهم - على نطاق واسع؛ لكن حينما هاجم صدام الكويت و هدّد مصالحهم، فإنهم قاموا بمواجهته؛ فصار صدام ظالماً و مجرماً و عنصراً لا يمكن الثقة به! أولم يكن هكذا سابقاً؟! و اليوم هناك الكثير من المؤسسات في داخل أمريكا و في أوربا تقوم بنشاطات من جانب الأمريكان من أجل ممارسة الضغط على حكومة إيران و الرأي العام في إيران أو على الأجواء الفكرية فيها. و لدي تقریر عن هذه المؤسسات التي تدعي البحث العلمي تشیر إلى أن عمل هذه المؤسسات في الحقیقة هو ممارسة الضغوط السیاسیة و الدعائیة و تعبئة الرأي العام ضد النظام الإسلامي. و لدي أسماء هذه المؤسسات أيضاً؛ و أعرف ما هي نشاطاتها و ما الذي تقوم به. إنها تتظاهر بالصداقة في الكلام؛ لكن عناصرهم السياسية و العسكرية و وزير دفاعهم و قادة قواتهم في الخليج الفارسي، يتحدثون بكل غطرسة! و أجهزتهم التجسسية تتآمر في السر، و لن أتحدث أكثر من هذا في هذا الأمر لعدم وجود الفرصة الكافة. للأسف فإن بعض هؤلاء استطاع استغلال بعض الأوضاع المتوترة؛ و المجيء إلى إيران و الاتصال بهذا و ذاك! و قال أحدهم في تقرير له؛ إن أمر إيران قد انتهى تماماً و ما علينا إلّا أن نعرّف سفيرنا لإيران! و سمع شخص بهذا فقال: إنها ليست إلا رؤيا! ما الذي قالوه له هنا حتى ظن أن كل شيء قد انتهى في إيران؟! و من الذي تحدّث معه؟! هذه أمورٌ تشکل تهدیدات داخلية.أعزائي! لو تحلينا بالاتحاد و الانسجام في الداخل و لو أخلص الشعب حبه للحكومة و المسؤولين و كانت لهم علاقاتهم فيما بينهم، فإن العدو الخارجي لا يستطيع أن یکون له تأثير سلبي أبداً و لا يستطيع أن يقوم بشيء؛ لكن للأسف هناك أيادي للأعداء في الداخل. و اليوم هناك داخل البلد الكثيرون من أمثال عبد الله بن أبي أعني المنافقين؛ الذين لم يقبلوا من الأعماق حتى ليوم واحد حكومة الإمام و حكومة النظام الإسلامي! كان عبد الله بن أبي واحداً من المنافقين الناشطين جداً في عهد الرسول و كانت له علاقات مع اليهود و كفار قريش و جواسيس الامبراطورية الرومانية و كان يستغل كافة الإمكانيات عله يستطيع القضاء على حكومة النبي؛ لماذا؟ لأنه كان يتصور قبل أن يأتي الرسول إلى المدينة كان يتصور بأنه سيصبح رئيساً و حاكماً و ملكاً للمدينة! و كان النبي في الحقيقة قد أخذ منصبه. و الیوم أیضاًً نجد في بلادنا من أمثال عبد الله بن أبي ؛ ممن كانوا يتصورون أنه لو قامت ثورة في هذا البلد، فإن الحكومة ستكون وقفاً لهم و تتعلق بهم. الذين لم يكونوا يقبلون لا الفقاهة و لا الإمام و لا الجماهير، و لا المشاعر الدينية. لقد تعامل النبي مع عبد الله بن أبي بحسن السلوك و لم يعاقبه. و هكذا فعل النظام الإسلامي مع هؤلاء و لم يعاقبهم. و هم الآن ينظرون إلى بعض الظواهر التي يتحكم فيها الأعداء؛ و يتصورون بأن الفرصة قد سنحت لهم للمساس بالنظام الإسلامي. إنهم يمارسون حرکاتهم النفاقیة علی أمل بث الخلاف بين المسؤولين و الناس و على أمل أن يقطع الشباب علاقاتهم مع النظام الإسلامي و يبدوا خصامهم مع الدين!عليكم أن تعلموا أيها الشباب الأعزاء، كلما نظمتم مظاهرات إسلامية أو ثورية أو دينية - كلما شاركتم في مجالس الدعاء، أو في مراسم الاعتكاف، أو في مظاهرات يوم الثاني و العشرين من بهمن و مسيرات يوم القدس، و كلما قمتم بتکریم مسؤولي البلد كرئيس الجمهورية و الآخرين - و كلما قمتم بحركة تعبر عن تمسككم بالدين و حبكم للثورة، فإن المنافقين يرتعدون و يشعرون بعدم الراحة! هؤلاء هم الذين يبعثون الأمل في قلوب العدو الخارجي عن طريق أحاديثهم و تصريحاتهم و مواقفهم و دعاياتهم و أحياناً بتدخلهم في بعض الاضطرابات و لذلك يتصور العدو الخارجي أنه قد آن الأوان للهيمنة على إيران و على الشعب الإيراني و كسر مقاومته الثورية التي دامت عشرين عاماً. و في الحقيقة هؤلاء هم المقصرون؛ و يبعثون روح الأمل في العدو.أعزائي! إن هدف الأعداء الرئيسي - سواء العدو الخارجي أو العدو الداخلي و المنافقون - هو إنكار الحكومة الدينية و الحكومة الإسلامية. و هذه هي قضيتهم الرئيسية و لا يقنعون بأقل من ذلك. هؤلاء يعلمون بأنه ما دامت السلطة بيد الدين و الأحكام الدينية و ما دامت قوانين مجلس الشورى الإسلامي وفقاً للدين، فإنهم لا يتمكنون من القيام بشيء. و مادام المسؤولون ملتزمين بالأسس الدينية و الإسلامية و الفقهیة، فإنهم لا يستطيعون تحقيق أهدافهم. إنهم يريدون القضاء على هذا الالتزام؛ هذا هو الهدف. إنهم يريدون أن يكرروا تلك التجربة التي حدثت في صدر الإسلام. إني أوصيكم حقيقة أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء بدراسة التاريخ. إن التاريخ دروس؛ و يمكن تعلم الكثير من الدروس من التاريخ و يمكن الحصول على تجارب كثيرة منه. يحاول البعض أن يوحوا بأن حوادث زماننا حوادث استثنائية لا يمكن استنتاجها من التاريخ أبداً. هذا خطأ. إن ألوان الحياة و أساليب الحياة تتغير؛ لكن الأسس الرئيسية للحياة و المواقف الأساسية للبشرية لا تتغير.إن أكبر و أقسى ضربة وجهت للإسلام في بدایة عهده، هي أن الحكومة الإسلامية تحوّلت من الإمامة إلى الملكية. تحوّلت حكومة الإمام الحسن و الإمام علي بن أبي طالب إلى ملكية الشام الوراثية! طبعاً الإمام الحسن المجتبى ( عليه آلاف التحية و الثناء ) اضطر إلى قبول هذا الفرض من أجل مصلحة أكبر و هي الحفاظ على أصل الإسلام. لقد سلبوا الإمام الحسن حكومته. حينما خرجت الحكومة عن مركزها الديني و جعلت في قبضة طلاب الدنيا و أهلها، فمن الواضح عندئذ أن تقع حادثة كربلاء. و عندئذ فإن حادثة كربلاء ستكون حادثة لا يمكن الحيلولة دون وقوعها، و لا يمكن اجتنابها. فبعد عشرين عاماً من سلب الحكومة الإسلامية من محورها الرئيسي - و هي الإمامة - فإن الإمام الحسين سبط النبي وصل به الحال إلى ذلك الوضع المأساوي و الدموي. فالهدف الرئيسي من هجوم العدو و خطته هو أن يخرج الحكومة الإسلامية عن محورها الرئيسي أعني محور الإمامة و محور الدين، آملاً بذلك تحقيق جميع أهدافه!أنا أقول لكم بأن العدو ليس بوسعه القيام بشيء. و اليوم و بفضل شعب واع كالشعب الإيراني و ببركة أفكار مثيرة كأفكار الشعب الإيراني و بفضل ثورة كبيرة كالثورة الإسلامية، ليس باستطاعة أمريكا و لا أعظم من أمريكا - إن كانت مثل هذه القوة بين القوى المادية - فرض حادثة كحادثة صلح الإمام الحسن على العالم الإسلامي. فهنا إذا شدّد العدو من ضغوطه، فستحدث واقعة مثل كربلاء. و إنني أحمد الله على أن شعبنا يقظ و أن مسؤولينا و الحمد لله متفقون على محور الدين و الإسلام. يحاول الكثيرون أن ينقلوا کلاماًً عن لسان مسؤولي البلاد و رئيس الجمهورية و غیرهم. و جهودهم هذه لا تفيدهم. إن رئيس الجمهورية هو أحد علماء الدين و يتمتع بالإيمان و محب للإمام و متكفّل بنشر الدين و يشعر بالمسؤولية في هذا المجال. و هذا هو الحال بالنسبة لمسؤولينا الكبار الآخرين و الحمد لله. طبعاً هناك بين المسؤولين المتوسطين من ننحو عليه باللائمة. لقد أخطأ العدو في حساباته عن الشعب الإيراني و شبابه. إن الشعب الإيراني شعب مقاوم و واع و يقظ و مستعد للعمل و الحمد لله. و هذا هو الحال بالنسبة للشباب في كافة أنحاء البلد. و المسؤولين مؤمنون و ملتزمون بالدين و يشعرون بالمسؤولية.طبعاً لقد قلت في صلاة الجمعة إني أعاني عن أعماقي من بعض الظواهر الموجودة في البلد. لا أريد أن أطرح ما أعانيه على الرأي العام؛ لكن هذه النقطة التي قلتها في ذلك اليوم هي قصة طويلة مؤلمة. و هذه هي الحقيقة. لقد قلت في إحدى خطب صلاة الجمعة قبل عامين بأن أجهزة العالم الاستكبارية - و على رأسها أمريكا - تستغل الدعايات لإسقاط الدول و إحداث الشغب فيها. ثم خاطبت تلك المراكز الإعلامية و قلت: اعلموا أن هذه المؤامرات التي تريدون تنفيذها في إيران الإسلامية عن طريق إذاعاتكم كما فعلتم في أوربا الشرقية و في بعض البلدان الأخرى هي مستحيلة؛ و ما هي إلا خيال ساذج. و للأسف نلاحظ اليوم أن العدو الذي كان يبذل هممه لحرف الرأي العام في بلد ما، أقام داخل بلدنا قاعدة له بدلاً من الإذاعات! إن بعض هذه الصحف الموجودة اليوم، ما هي إلا قواعد للعدو؛ و تقوم بنفس العمل الذي تريد أن تقوم به إذاعة و تلفزيون بي بي سي و أمريكا و الكيان الصهيوني!أنا لا أعارض حرية الصحافة، و لا تنوع الصحافة. و لو صدرت في هذا البلد مائتي صحيفة بدلاً من عشرين صحيفة، فإنني سأكون أشد سروراً و لا أشعر بالاستياء من ازدياد الصحف في بلدنا. إذا كانت الصحافة، مصدراً للاستنارة في إطار الدستور، و تراعي مصالح البلد و تكتب ما ينفع الناس و الدين، فإنها كلما تكثرت كان ذلك أفضل. لكن تصدر اليوم صحافة ليس لها همّ سوى تشويش الرأي العام و بث الخلاف و التشاؤم بين الناس و مخاطبيها إزاء النظام! هناك عشر أو خمس عشرة صحيفة كأنها تُوجَّه من مركز واحد؛ بعناوين متشابهة واحدة حول القضايا المختلفة. إنهم يعیرون أهمية كبيرة لقضايا صغيرة و يختارون عناوين تجعل المتطلع إلیها يظن أن كل شيء قد ذهب أدراج الرياح في البلد! إنهم يقتلون الأمل في نفوس الشباب؛ و يضعفون روح الثقة بالمسؤولين في نفوس كل أبناء البلد و يوجهون الإهانات إلى المؤسسات الكبرى في البلاد و يسخرون منها.و أنا لا أعرف من هو و أين هو نموذجهم؟ حتى الصحف الغربية ليست هكذا! هذا نوع من البلطجة الصحفية تمارسه بعض الصحف اليوم! في العالم الذي توجد فيه نماذج صحفية لبعض صحفنا، إذا ارتكب مسؤول أو وزير أو حتى رئيس جمهورية سرقة، أو إذا ارتكب جريمة؛ أو تعاطى رشوة، تكتب الصحف ذلك و تكشف النقاب عنه و تتحدث عنه؛ لكنها لا تهاجم دستور البلد؛ و المجلس التشريعي. يمكن أن تنتقد بعض القوانين المصادق عليها، و تقوم بتحليلها؛ لكنها لا تثير الضجيج حول قانون. و هؤلاء قد تفوقوا حتى على الأصحاب الأصليين لهذه المناهج! فأصبح الدستور و سياسات البلاد الرئيسية عرضة للخطر لإهاناتهم، و راحوا يضخمون القضايا الصغيرة.الاتهامات تملأ الأجواء في كل حادثة تقع! يحدث اغتيال. و قبل الحصول على أية معلومات؛ و قبل أن يحصل أحد على أي مؤشرٍ لمعرفة هوية من ارتكب الذي حدث، تلاحظون أنهم يختارون عناوين لصحفهم و يوجهون الاتهامات إلى الحرس الثوري و التعبئة و علماء الدين! ما هو الهدف من هذه الأعمال؟! لماذا يبغضون التعبئة هكذا؟! قلت في الجزء الأول من کلمتي بأن الشاب ینضح بالطاقة؛ و إنه يبحث عن الإثارة. حينما یخوض البلد الحرب العسكرية فإن الشباب يسارعون إلى الساحة بكل شوق و رغبة. و حينما يعيش البلد أجواء الهدوء و السلم، هل هناك شيء أفضل من التعبئة للإشباع السليم لميول الشباب نحو الهياج و الحماس؟ و هذا ما أبدعه الإمام. لو أريد أن تستخدم ميول الشباب للهياج في الطريق البنّاء و في طريق الإيمان و في الطريق السليم و في الطريق الذي يمكن أن يكون مفيداً للبلد، فما هو أکثر أهمیة و وثوقاً ًمن مؤسسة التعبئة؟ ما سبب کل هذا العداء للتعبئة؟! و من يعادون؟! ما سبب إثارة کل هذه التساؤلات و علامات الاستفهام حول التعبئة؟! هذه الأمور هي التي تكشف النقاب عن تلك الحوافز الباطنية.و أعلم أن هناك أشخاصاً صالحين و مؤمنين يعملون في الكثير من هذه الصحف - سواء الذين يكتبون أو المدراء - لكنني ألاحظ بينهم آثاراًً لأمثال عبد الله بن أبي : أعني حالات بث التفرقة، و زرع الخلاف، و إثارة التوتر، و تشويش الرأي العام، و بث اليأس، و تمجيد العناصر العميلة و المودة للأعداء، و تسقيط العناصر المفيدة و المؤمنة و المخلصة! طبعاً هذه الأعمال لن تحقق شيئاً؛ و سيفضحهم الله.أنني لم أكن أرغب في الحديث عن بعض هذه الصحف بكل هذه الصراحة و هذا التفصيل طبعاً، و لكنني اضطررت لذلك. إنني تحدثت مع المسؤولين. و إن رئيس جمهوريتنا المحترم هو مثلي غير مرتاح لهذه الصحف. و قد تحدثت معه. و سمعت أن سماحته اجتمع مع بعضهم، و قام بتوصيتهم و تحدّث معهم. أنا لا أدري هل سيعالج الأمر بالنصيحة أم لا؟ و أنا أستبعد ذلك! حينما يخطط الأعداء للتأثير على الأذهان العامة و إيجاد قضية الساعة، فإنهم لا يمنحون للناس فرصة لاستعادة أنفاسهم. و إذا وجد الناس في مكان ما فرصة للبهجة و السرور، فإنهم يرفعون قضية على الفور و يثيرون النزاعات دوماً!لقد أوصيت مسؤولي الحكومة عدة مرات و طالبتهم بكل جد أن يحولوا دون هذا الوضع. هذا لا يسمى تضييق على الصحافة. هذا لا يسمى الحيلولة دون نقل المعلومات بحرية، النقل السليم للمعلومات هو ما نؤيده. هذا معناه الحيلولة دون نفوذ العدو و الحيلولة دون تنفيذ المؤامرات الدعائية للعدو. إنني أعتبر وجود هذا التيار الدعائي و الصحفي مضراً بالبلد و الشباب و المستقبل و الثورة و إيمان الجماهير. إن هذا التيار يعمل دوماً على انتهاك قداسة قضايا الإسلام الرئيسية. إنهم يضعون علامات استفهام أمام المباحث الإسلامية و الثورة؛ لا عن طريق الاستدلال المنطقي، بل بالأساليب الخاطئة للغاية التي لا يمكن للإنسان ملاحظة نظير لها سوى في الصحافة غير السليمة في الفترات الماضية! بعد أن تحدثت حول هذه القضية مع المسؤولين و رئيس الجمهورية، خطر لي التحدث معكم حول هذه القضية كأب يتحدث مع أبنائه و يشكو لهم.و أرى لزاماً علي طبعاً بأن أقول لكم إن أحد أهداف العدو هو إثارة المشاعر بغية بث الاضطراب في البلد. إنني أوصيكم بشدة بعدم القيام بعمل خلاف للقانون بدافع المشاعر و من أجل دعم هذا و ذاك. إنني لا أسمح بذلك أبداً. عندما يريد العدو إثارة الشغب و النزاع، فليس من الصعب علیه إرسال عدداً من أعوانه للنفوذ بین الشباب المؤمنين و أنصار حزب الله و الشباب الصادقين؛ بهدف مناصرة القيادة و بسبب مظلوميتها، ثم يثيرون الشغب ! فاحذروا المندسين. أنا أريد منكم أن تعلموا الأمور فقط و لا أرید أن يبقی الرأي العام في غفلة عما يقوم به العدو في مجال القضايا الثقافية و ما هي أهدافه. إن أهداف العدو من هذه الأعمال هي سلب الإيمان، و إيجاد هوة بين الجيل الحالي و الجيل الماضي و تصغير مفاخر العشرين عاماًً الماضية. إن كل الشعوب المتحضرة تحاول الإشادة بمفاخرها الماضية. كانت هذه الحرب لمدة ثمانية أعوام و هذا الدفاع المقدس من أكبر مفاخر الشعب الإيراني. لقد تعاون العالم برمته - أعني حلف الناتو، و بلدان الكتلة الشرقية، و أمريكا نفسها، و الحكومات الرجعية في المنطقة - لقد تعاونوا جميعاً لدعم العراق و الضغط على إيران؛ لكنهم ما استطاعوا أن يحتلوا حتى شبراً واحداً من أرض هذا البلد.أعزائي! خلال المائتي عام الماضية و قبل هذه الحرب المفروضة كلما خاض هذا البلد نزاعاً عسكرياً مع بلد آخر، ضاع جزء من أراضي هذا البلد؛ لكن بعد مائتي عام فإن الحرب لمدة ثمانية أعوام هي تلك الحرب التي ما استطاع العدو فيها احتلال شبر واحد من أرض هذا البلد مع كل ما كان يتلقى من دعم دولي و مساندة جميع القوى العسكرية و السياسية في العالم. تعتبر هذه الحرب أحد مفاخر تاريخ إيران؛ ثم يأتون لوضع علامات استفهام على الحرب و المقاتلين و الشهداء و الجيش و التعبئة! هل هناك من يقوم بالفصل بين الجيل الحالي و الجيل الماضي و المفاخر الماضية، و الفصل بين الجماهير و المسؤولين و بين الشعب و اعتقاداتهم الدينية، سوى العدو؟ لكننا نلاحظ أن الصحيفة الفلانية تقوم بهذه الأعمال! طبعاً هناك البعض ممن ليسوا أعداء - أنا أعلم ذلک - لكنهم غافلون. و هذا ما أشکوه إليكم. عليكم أن تعلموا و على الأجهزة المعنية أن تعلم أن هذا خطر عظيم. إن لم يحولوا دون هذا الخطر، فلا شك إن العدو سيتقدم إلى الأمام و يكتسب معنويات و دوافع جديدة. طبعاً النقطة التي لن يتمكن العدو من النفوذ إليها معنوياً و روحياً هي النقطة التي يتواجد فيها الشعب و خادمه هذا. اللهم! انصر الشعب الإيراني و اهلك أعداءه. اللهم! أهد شبابنا إلى الصراط الذي ترضاه. اللهم! وفق شبابنا و انصرهم. اللهم! نسألك بحق محمد و آل محمد، أن تشمل بناتنا و أبناءنا المؤمنين في هذا البلد بفضلك و عنايتك. اللهم! نسألك بحق محمد و آل محمد، أن تملأ القلوب بالحب و تعرفنا بالإسلام و تقربنا منه أكثر فأكثر. اللهم! نسألك بحق محمد و آل محمد، أن تزيد مسؤولي البلد نجاحاًً و توفیقاًً - سواء مسؤولو الحكومة، أو مسؤولو السلطة القضائية أو السلطة التشريعية أو سائر المسؤولين - أكثر فأكثر. اللهم! اجعل القلب المقدس للإمام المهدي المنتظر راضياً عنا؛ و اجعلنا من جنود ذلك الكريم؛ و أرضِ عنا أرواح الشهداء الطيبة و الروح الطاهرة للإمام؛ و انزل فضلك على المضحين و علی المعوقين و أحرار الثورة و الذين بذلوا عمرهم و شبابهم في هذا الطريق.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
2000/04/19

كلمة الإمام الخامنئي في الروضة الرضوية المطهرة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين. الحمدلله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين و الأئمة المعصومين عليهم السلام. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، الأئمة الهداة المهديين، سيما بقية الله في الأرضين. قال الله الحكيم في كتابه: ( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً ). (1)أبارك عيد الغدير السعيد - الذي تم العبیرعنه في روایاتنا ( بعيد الله الأكبر) (2)-أبارکه لجميع الشيعة في العالم و الشعب الإيراني العظيم، و لكم أيها الحضور المحترمون و للذين يعرفون منزلة المعارف الإلهية العريقة.هذه هي الأيام الأولى من السنة و أيام فرحة عامة الجماهير: أعني عيد النيروز، و من قبله عيد الأضحى و اليوم عيد الغدير. إن أول ما أريد أن أقوله في اجتماعكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، في هذه الأجواء السعيدة و أمام المرقد الطاهر للإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام يتعلق بقضية الغدير.إن الغدير قضية إسلامية؛ و ليست قضية شيعية فحسب. ذات يوم قام النبي الأعظم بعمل و أطلق كلمة، و لهذا العمل و لهذه الكلمة دروس و معان من النواحي المختلفة. هذا غير صحيح أن نقول إن أهل الشيعة هم الذين يمكنهم الاستفادة من الغدير و أحاديثه؛ و لا يستفيد سائر المسلمين من المعاني الغنية للغاية لهذا الحديث النبوي الشريف الذي لا تختص بفترة معينة. إن سبب حب الشيعة لهذا اليوم و هذا الحديث هو أن تنصيب أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام بالولاية جاء في قضية الغدير؛ لكن مضمون حديث الغدير ليس مجرد قضية إعلان خلافة الإمام علي عليه السلام؛ بل له مضامين أخرى يمكن لجميع المسلمين الاستفادة منها.بالنسبة لقضية الغدير، ينبغي على جميع هؤلاء الذين يحبون الأحداث التاريخية الإسلامية أن يعلموا بأن قضية الغدير هي أمر بديهي لا ریب فیه؛ ليس الشيعة هم الذين رووها فحسب؛ بل إن المحدثين من أهل السنة أيضاً رووا هذا الحدث - سواء في الماضي أو في الفترة الوسطی أو الفترات اللاحقة - أعني هذا الحدث الذي حدث للنبي الأعظم في حجة الوداع و في غدير خم. البعض من قافلة المسلمين الكبيرة الذين رافقوا النبي (ص) في الحج، كانوا قد تقدموا إلى الأمام. أرسل النبي إلیهم الرسل ليعودوا و قد وقف بنفسه ینتظر من تخلف، و عقد اجتماعاًً عظيماًً هناك. فهناك من يقول إن عدد الحاضرین كان تسعين ألفاً و ثمة من يقول إن عددهم کان مائة ألف و قال البعض الآخر إنهم كانوا مائة و عشرين ألفاً حضروا ذلك الاجتماع. في ذلك الجو الحار، لم يكن باستطاعة سكان جزيرة العرب - الذين كان الكثير منهم من البادية و القرى و كان الحر عندهم شيء طبیعي - أن يضعوا أقدامهم على الأرض. لذلك كانوا يجعلون عباءاتهم تحت أقدامهم لكي يساعدهم هذا على أن یقاوموا حرارة الأرض و یتمکنوا من الوقوف عليها. هذه هي النقطة التي وردت في أحاديث أهل السنة. في مثل هذه الظروف قام النبي الأعظم من مكانه، و رفع أمير المؤمنين من الأرض و جعله أمام أعين الناس و قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه (3) و لهذه الکلمة ما قبلها و ما بعدها طبعاً؛ لكن الجزء الأهم منها هو أن يطرح النبي هنا قضية الولاية - أعني الحكومة الإسلامية - بشكل رسمي و صريح و يعين أمير المؤمنين كشخص. و كما سبق أن أشرت إليه و لا بد أنكم قد سمعتم، فإن الإخوة من أهل السنة رووا هذا الحديث في الكتب المعتبرة و لیس فی كتاب أو كتابين فحسب، بل في العشرات من الكتب المعتبرة، و قد جمعها المرحوم العلامه الأميني، و صنف الكثيرون غيره الكتب الكثيرة في هذا المجال. لذلك، فإن هذا اليوم هو يوم الولايه أولاً؛ و يوم ولاية أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام ثانياً.فما هو معنى الولاية في هذه الجملة التي ذكرها الرسول؟ إن معناها باختصار هو أن الإسلام لا ينحصر في الصلاة و الصيام و الزكوة و الأعمال الفردية و العبادات فحسب، بل يتمتع أیضاًً بنظام سياسي و فيه نظام حكم قائم على القوانين الإسلامية. فالحكومة هي الولاية في العرف و الاصطلاح الإسلامي. فما هي كيفية حكومة الولاية؟ إن الولاية هي الحكومة التي يرتبط فيها الحاكم مع الجماهير بأواصر الحب و العاطفة و الفكر و العقيدة. إن الحكومة التي تقوم على أساس العسف و فرض الهيمنة و التي تأتي عن طريق الانقلاب و التي لا يؤمن فيها الحاكم باعتقادات شعبه و لا يهتم بأفكارهم و شعورهم؛ و التي يحظى فيها الحاكم بإمكانيات خاصة و مزايا معينة حتى في عرف الجماهير - كحكومات العالم اليوم - و يكون له منطقة خاصة للذاته الدنيوية، فمثل هذه الحكومات لا تمثل الولاية لأن الولاية تعني تلك الحكومة التي تکون علاقة الحاكم مع الجماهير فيها علاقة فكرية و عقائدية و عاطفية و إنسانية و قلبية؛ و تتصل به الجماهير و يحبونه، وأن یَعتَبـِرَ النظام و واجباته عملاً إلهياً و يعتبر نفسه عبداً لله. فلا استكبار في الولاية. فشعبیة الحکومة فی الإسلام أکبر من جميع الديمقراطيات المعروفة في العالم؛ و تتعلق بقلوب الجماهير و أفكارهم و احساساتهم و اعتقاداتهم و متطلباتهم الفكرية؛ و هذه هي الحكومة التي تكون في خدمة الشعب.و من الناحية المادية، يجب أن لا تعتبر الحكومة مطمعاً مادياً للحاكم أو للوالي أو للتنظيمات الحكومية؛ و إلا، فإنها لا تعتبر ولاية. و الشخص الذي يترأس الحكومة الإسلامية، إذا جعل منصبه وسيلة لتحقيق أهدافه المادية و الوصول إلى مسند الحكم و السیطرة، فإنه ليس بوال؛ و لا یمکن تسمیة تلك الحكومة بالولاية. إن الشخص الذي يكون ولياً للأمر في الحكومة الإسلامية - أعني ذلك الشخص الذي يوكل إليه أمر إدارة النظام الإسلامي يكون متساوياً مع الآخرين على الصعيد القانوني. إنه يمتلك حق تنفيذ الأعمال الكبيرة للناس و للبلاد و الإسلام و المسلمين؛ لكنه هو نفسه يكون خاضعا للقانون.لقد حرّفوا معنى الولاية منذ اليوم الأول و إلى يومنا هذا - خصوصاً بعد تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية - فقد أتوا بتعريف كاذب و مغاير للولاية. قالوا: إن الولاية تعني أن عقول الجماهير محجورة و هم بحاجة إلى راعٍ و والٍ و قد أقر بذلك شخصيات معروفة و بارزة في كتبهم و صحفهم! و ليس هذا إلا كذباً محضاً و اتهاماً للإسلام و الولاية!لقد طرح الرسول قضية الولاية بصورة رسمية في الغدير و عين أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام كمصداق لها؛ و كما تعرفون فإن هناك تفاصيل كثيرة لهذه القضية. و إذا كان هناك أشخاص لم يطلعوا على هذه القضية - خاصة الشباب - فينبغي عليهم متابعتها في المؤلفات و الكتب الاستدلالية و العلمية. و قد تم تصنيف الكثير من الكتب في هذا المجال، و هي مفيدة.لقد أطلقت في بداية العام الجاري، شعار الاتحاد الوطني و الأمن القومي . و اليوم أحب أن أتحدث لكم أيها الأعزاء الحاضرون في هذا المكان و لجميع الشعب الإيراني باختصار حول هذين الشعارين. إن قضية الغدير بوسعها أن تكون عاملاً للوحدة و قد كتب المرحوم آية الله الشهيد مطهري مقالاً حول ذلك بعنوان الغدير و الوحدة الإسلامية. إنه یعتبر كتاب الغدير - الذي يتعلق بقضايا الغدير -محوراً من محاور الوحدة الإسلامية و هذا صحيح. و ربما يبدو هذا الأمر عجيباً، و لكن هذه هي الحقيقة. كما طرح أصل قضية الغدير، و بغض النظر عن الجانب العقیدي لدى الشيعة - أعني أن قضية تنصيب أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام كولي و حاكم، هي واضحة في حديث الغدير - طرح أيضاً أصل قضية الولاية. و لا يختلف في ذلك شيعي و سني. و لو رفع مسلمو العالم و شعوب البلدان الإسلامية اليوم شعار الولاية الإسلامية، لانفتحت الكثير من السبل الجديدة و لتفتحت الأبواب المغلقة و لاقتربت مشاكل البلدان الإسلامية من الحل.إن قضية الحكومة و النظام السياسي و السيادة السياسية تعتبر من أصعب قضايا البلدان. إن بعض البلاد تعاني من الاستبداد و الدكتاتورية؛ و بعضها يعاني من الحكومات الضعيفة و الحكومات العميلة. لو أطلقت الحكومة الإسلامية - أعني الولاية - كشعار حقيقي للمسلمين فإنها ستكون حلاً للضعف و الاقتصاد و العمالة و كذلك الدكتاتورية. لذلك، فإن راية الولاية هي الراية الإسلامية.إنني أدعو كافة الإخوة في بلدنا من الشيعة و السنة - أقصد مستوى حدود بلادنا في الوقت الراهن - لأن ينظروا إلى قضية الغدير بهذه الرؤية و أن يأخذوا هذا الجزء من حديث الغدير بنظر الاعتبار. ينبغي على إخوتنا من أهل السنة أن يحتفلوا بعيد الغدير كما نحتفل نحن؛ أقصد عيد الولاية. لأن أساس ولادة الولاية أمر مهم للغاية؛ - كأهمية ولاية أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام - و هذا من القواسم المشتركة بيننا و بين إخوتنا من أهل السنة.و إنني كنت و لا أزال اعتقد، سواء قبل انتصار الثورة الإسلامية أو بعدها، أن على الشيعة و السنة أن يكفوا اليوم عن اختلافاتهم القديمة في معاملاتهم اليومية. كما عليهم اجتناب الحرب و النزاعات و أن يجتمعوا حول قواسمهم المشتركة؛ التي يمكن للولاية أن تكون واحدة منها. و هذا هو رأيي اليوم أيضاً.ثمة محاولات حثيثة في العالم اليوم لبث الخلاف بين الشيعة و السنة. و ذوي الأفكار و التحليلات یعلمون طبعاً ما يجني الاستكبار من الفوائد و المصالح من هذا العمل. إن هدفهم هو أن يبعدوا إيران عن أسرة البلدان الإسلامية؛ و أن يحصروا الثورة الإسلامية داخل الحدود الإيرانية؛ و أن يمهّدوا الأرضيات أمام الدول الإسلامية لممارسة الضغوط على إيران و یصدّوا الشعوب الأخری من استلهام التعالیم من الشعب الإيراني. علينا أن نتحرك في الاتجاه المعاكس لعملهم. و علی کل واحد - سواء في الأوساط السنية أو الأوساط الشيعية - أن یسعی إلی إقامة علاقات الودّ و الصداقة بين الشيعة و السنة، فإن عمله هذا يصب في صالح أهداف الثورة الإسلامية و الأمة الإسلامية. و من يعمل لبث الفرقة، فسيكون في الاتجاه المعاكس لهذه النقطة.إنني على علم أكيد بأنهم ينفقون في بعض البلدان الإسلامية - التي لا أرغب أن أذكر أسماءها - ينفقون من الصناديق المخصصة لخدمة أهداف الأجانب و ميولهم؛ أموالاً لتأليف الكتب ضد الشيعة و اعتقاداتهم و تاريخهم، و نشرها في العالم الإسلامي! فهل هم يحبون السنة؟ كلّا؛ إنهم يريدون أن لا يكون هناک شيعة أو سنة. و لا يحبون الشيعة و لا السنة؛ لكنهم حينما يلاحظون اليوم أن هناك مجموعة شيعية رفعت بيدها راية الإسلام و الحكومة الإسلامية و يلاحظون التزام جميع أبناء الشعب الإيراني بالتشيع، فإنهم يصبّون ما في قلوبهم من عداوة على رؤوس الشيعة! إنهم يحاربون الشيعة لیصدوا انتشار السيادة الإسلامية و اهتزاز لواء الفخر و العزة في الأماکن الأخرى و استقطاب شباب سائر البلدان إلیها. ينبغي على الجميع عدم مساعدة الأعداء في ممارساتهم الخيانية. على الجميع سواء في بلدنا أو في المحافل الإسلامية أو في التجمعات الشيعية أو إخوتنا من أهل السنة في بلدنا أن لا يعملوا على دعم طموحات الاستكبار التي هي بث التخاصم و العداوة.طبعاً نحن لا نقصد بذلك أن يتحول الشيعة إلى سنة و لا أن يتحول السنة إلى شيعة و لا نريد أن ندفع الشيعة و السنة إلى عدم البحث العلمي لترسيخ عقائدهم و عدم استخدام إمكانياتهم و طاقاتهم لبلوغ ذلك. بل إن النشاط العلمي أمر ممدوح و غیر مذموم. عليهم تأليف الكتب العلمية في الأوساط العلمية، لا في الأوساط غير العلمية و بشكل خاطيء ومسيء. علینا أن لا نمنع من یعمل علی تثبیت دعائم الاستقرار فی مکان ما. و لكن من يريد أن یتخذ من کلامه و فعله و طریقته و من الأسالیب الأخری وسیلة لبث الفرقة، فهو في رأینا یعمل لصالح الأعداء. فعلى الشيعة و السنة أن یکونوا حذرین. و هذا أيضاً مما تشتمل عليه الوحدة الوطنية التي ذكرناها.و أری من الواجب علي طبعاًً أن أقول إن هناك من يعتبر شعار الوحدة الوطنية شعاراًً سياسياًً و غير ديني و ذلك للمساس به. و لقد وصينا هؤلاء و لا نزال نوصيهم اليوم أيضاً بأن لا يسمحوا بالمساس بوحدة هذا الشعب الكبير و تمزیقه. فتمزيق نسيج هذا الشعب الكبير هو خدمة تصب في صالح أعدائه. لو حافظ هذا الشعب الكبير و العظيم على الوحدة الوطنية في هذا البلد، فإن هذه الوحدة ستمهّد الأرضيات لوحدة سائر الشعوب. إن الأمة الإسلامية التي فيها مليار و نصف مليار مسلم، لو اتحدت في قضاياها الأساسية، لرأيتم أية قوة عظيمة ستظهر. إذا ما وقع المساس بالوحدة الوطنية، فسيكون الحديث عن وحدة العالم الإسلامي حديثاً أسطورياً و يستهزئ به الجميع. وهذا ما يريد البعض تحقيقه.كيف يكمن توفير الوحدة الوطنية؟ من العوامل التي توفر الوحدة الوطنية أن لا يعمل من يكون له تأثير في الناس من المسؤولین أو الشخصیات الدینیة أو السیاسیة، علیه ألا يعمل بشكل يؤدي إلى تكدير قلوب جماعة أو تيار شعبي من آخر. و علیه أن لا يثير الفتن. و إثارة الفتن و بث العداوة والبغضاء بین أبناء الشعب، تعتبر إحدی مشاريع الأعداء ضد هذا الشعب. من الممكن القول بأن نصف ما تبثه هذه الإذاعات الأجنبية و وكالات الأنباء قد أعد سلفاً لبث الفتنة و البغضاء بین الناس. فإنهم بانتظار تحقق هذه الأهداف. فعلى رواد الإعلام و حملة الأقلام أن يراقبوا في الدرجة الأولى من أن تسي ء أقوالهم الظنون. على الناس أن لا يسيئوا الظن ببعضهم أو بالمسؤولين؛ هذه من أنواع إشعال الفتن و هی من الذنوب. إن البعض لا هم لهم إلا ترويج الإشاعات و تزييف الأخبار و تحريفها - و لربما كان أصل الخبر صحيحاً، لكنهم يحاولون تدوينه بشكل يوحي بالكذب و الأمور غير الحقيقية في أذهان المخاطبين - بغية إساءة ظن الجماهير و الشباب و المستمعين بمسؤولي الحكومة و طمعاً في إلقاء الشك في نفوسهم. فما الفائدة من هذا العمل؟ لا فائدة له إلّا إبطاء حركة تقدم الشعب و البلد. لا فائدة له إلّا إیحاء الشك في أذهان المسؤولين بالنسبة للعمل، و إطفاء شعلة الأمل بالمستقبل في النفوس و سلب طاقات الجماهير العظيمة. يحاول البعض أن يسيئوا ظن الجماهير بالنظام برمته أو البعض من المسؤولين؛ و الحال أنه إذا كان هناك حديث حق فإن هذا الحديث يمكن أن يصل إلى آذان المسؤولين على اختلاف درجاتهم و يمكن أن تكون النتائج أفضل. لو وقعت حادثة أو حدث اغتيال أو ارتكبت جريمة في مكان ما؛ لوجدنا أن الذين لا يشعرون بأدنى قدر من المسؤولية يطلقون الكثير من الأحاديث الكاذبة و الواهمة و المحيرة للمخاطب! إن الذين على علم بحقائق القضايا، يلاحظون مدى بعد هؤلاء عن القضايا أو تجاهلهم للحقيقة عن عمد. هذه من القضايا التي تشوش الوحدة الوطنية. لذلك، فإن الوحدة الوطنية هي من متطلبات الشعب الرئيسية. أي شعب يدخل الساحة الاقتصادية متحلياً بوحدة الكلمة فإنه يتقدم. من الممكن أن نصون کیان الشعب بالوحدة الوطنية. يمكن للشعب بلوغ مبادئه العظيمة في ظل الوحدة الوطنية. أما الخلافات و تفرق الكلمة و تشتت القلوب عن بعضها البعض، و بث الخلاف في التيارات و الجماعات و الأشخاص و الشخصيات، فلا جدوی فیه. لذلك فالوحدة الوطنية مبدأ نأمل من الجميع مراعاتها. و هذا ما نطلبه من المسؤولين الذين يتعاملون مع الرأي العام للشعب.القضية الثانية هي موضوع الأمن القومي. الأمن القومي قضية مهمة للغاية. طبعاً الأمن القومي يشتمل على الأمن الداخلي و الأمن الخارجي. الأمن الخارجي يعني تلك المنطقة التي يمكن تهديدها بوسيلة القوى الأجنبية خارج حدود البلد؛ أو هجوم القوات العسكرية - كسائر الحروب التي تحدث - على حدود أحد البلدان؛ أو شن الهجوم السياسي أو الإعلامي على بلد ما؛ و الذي يؤدي بين الحين و الآخر إلى تهديد الأمن و الاضطرابات؛ و هو ما یلاحظ كثيراً في البلدان و یخلق مشاكل كثيرة. الأمن القومي هو عبارة عن حركة واسعة من الجهود التي لو بذل جميع المعنيين قصارى جهدهم فيها، فإنهم سوف يحققون هذا الطموح العظيم. لذلك فأن الأمن القومي ليس بالأمر اليسير.كما قلت في بداية السنة، إذا لم يكن هناك أمن، فإن النشاط الاقتصادي سيتوقف. و لو لم يكن الأمن لفقدت العدالة الاجتماعية. و لو لم يكن الأمن، لما تحقق العلم و التقدم العلمي. و لو لم يكن الأمن، لتمزقت كافة أجزاء البلد تدريجياً. لهذا فإن الأمن، هو القاعدة و الأساس.طبعاً هناك أمثلة للإمن تختلف من حيث الأهمية. نموذج تهديد الأمن الذي يمكن أن يعاني منه الناس في حياتهم اليومية، أو يسمعونه من الآخرين، من الأمور التي لا تعتبر کمصدر کبیر للتهدید بالرغم من خطورتها - كالسرقات - التي يجب على الأجهزة أن تعمل علی صدها، فإن السرقة من التهديدات التي يجب على الأجهزة الأمنية الوقوف بوجهها بكل جد. إن البعض يهددون أمن العوائل من أجل بلوغ أهدافهم القذرة و الوضيعة. هذا هو مثال واحد لتهديد الأمن؛ لكنه ليس نموذجاً من الدرجة الأولى. كما أن المساس بالأمن من قبل الأشرار و الأراذل الذين يهددون أمن العوائل. هو أيضاً من نماذج تهديد الأمن. لدينا تقارير من كل حدب و صوب و ربما سمعها أو شاهدها البعض منكم هنا و هناک؛ فهناك من لا يلتزم بأي قانون و نظام؛ أعني الأشرار الذين يتعرضون لأمن و أعراض الشعب في الأزقة و الأحياء. مواجهة هؤلاء الأشرار و العاملين على تهديد أمن بيئة حياة الناس و عملهم تقع على عاتق أجهزة الأمن و السلطة القضائية، حتی لا يظن أولئك المسلحون بأن لهم الحق في ارتكاب ما يحلو لهم من حماقات و أخطاء. عليهم أن يعرفوا بأن جزاء عملهم لن يكون مجرد النوم في السجن الفلاني. لقد وضع الإسلام أقسى العقوبات لأولئك المثيرين للمخاوف و الباعثين على الرعب في أجواء المجتمع. فلو طبق الحكم الإلهي على مثل هؤلاء و سواهم من السارقين - خاصة الذين اختاروا هذه الممارسات مهنةً لهم - لكان لذلك تأثير كبير بالطبع. فعليهم أن لا يهتموا ببعض المجاملات الدولية و الموجات الدعائية؛ عليهم أن يعرفوا ما هو الحكم الإلهي. لقد وضع الحكم الإلهي كل الأشياء في مكانها و بالميزان الصحيح.تهديد الأمن الاقتصادي جزء آخر من الانفلات. أعني الذين يسببون انعدام الأمن في الأوساط الاقتصادية؛ أو يعملون للقضاء على رؤوس الأموال و إمكانيات الجماهير القليلة و مصادرتها لصالحهم. أسوأ من هؤلاء، هم الذين يصادرون الإمكانيات الحكومية و العامة لصالحهم و ذلك بواسطة أعمال الاحتيال أو خرق القوانين و التهرّب منها، و هم لا يتورعون عن الاستغلال الشخصي؛ هؤلاء هم الذين يقفون وراء تهديد الأمن الاقتصادي. إنكم تلاحظون أن التهرّب من القانون هو أحد السبل حيث يستغله البعض بغية الحصول على الأموال و مصادرة إمكانيات الشعب و الحكومة لصالحهم.أخطر من هذا، ههو انعدام الامن الاجتماعي و انعدام الأمن القومي يراد به غالباً هذا الجانب. أي إنهم يهددون أمن أجواء العمل و الأوساط العلمية و الأوساط الجامعية. كما سبق أن أشرت فإن أحد المسؤولين الأمريكان صرح منذ شهر، بأن حالة الاضطراب ستعم أجواء إيران، هذا هو تهديد الأمن. لديهم برامج. ينبغي على الشعب و على الذين يتعرضون أكثر لمؤامراتهم أن يتنبهوا. لقد حاول الأعداء مراراً منذ بداية الثورة الإسلامية إلى يومنا هذا أن يأزّموا أجواء العمل و یشعلوا الاضرابات بغية منع القوى العاملة في البلد عن أداء دورها البناء. إنهم لم یفلحوا بعد؛ و لكنهم يخططون.كما يثيرون الاضطرابات في الجامعات. جرّبوا هذا العمل مرة أو مرتين، لكن لم يسمح لهم الطلبة الجامعيون و وجهوا إليهم الضربات؛ و ربما يكون العدو قد نجح في بعض الأحيان. إنهم يبذلون جهودهم تحت اسم الشعارات و المظاهرات و سواها لتأزيم أجواء الأوساط الجامعية و الجامعات و للحد من أنشطة الصفوف الدراسية و جعل الأساتذة و الطلبة الجامعيين عاطلين عن العمل. يلاحظ الجميع أن طلبتنا اليوم يكشفون عن مواهبهم المتألقة. نحن نجد في النشاطات الطلابية، أموراً تبعث الأمل و تبشّر بمستقبل مشرق جيد. فإذن إحدى خطط الأعداء في الأوساط الجامعيية هي إثارة الاضطرابات؛ أعني إنهم يعملون بشكل يجعل من الدراسة و التواجد في الصفوف الدراسية و التدريس و الامتحانات أموراً صعبة و غير ممكنة. أو يثيرون الاضطرابات المدنية؛ كما فعلوها في طهران في يومي الحادي و العشرين و الثاني و العشرين من شهر تير سنة 78؛ لماذا يهددون حياة الأشخاص و الشباب و الأطفال و النساء و المارة و من جلس خلف شباك غرفته ؟ لأن البعض فضلوا أن ينزلوا إلى الشوارع في حركة عنيفة و يقوموا بأعمال الشغب؛ و يحرقوا السيارات أو يكسروا زجاج المباني؛ و سينحتون الذرائع لأفعالهم هذه على كل حال! أي ذريعة تسمح لجماعة أن تبث الشغب و الاضطراب في البلد و في بيتهم - فهنا ليس بيت الأجانب - فمن الواضح حينما تحدث مثل هذه الحالة، أن لا تسكت قوات الأمن و قوات الشرطة و قوات التعبئة و لا تجلس عاطلة عن العمل. فمن الذي يجب عليه التحلي باليقظة إزاء هذه الاضطرابات؟ هؤلاء هم الناس و الشباب و العمال و الطلبة الجامعيون أنفسهم و الأوساط التي تتعرض لهذه المؤمرات و النوايا السيئة. عليهم أن ينتبهوا و متی ما لاحظوا أن هناک من يسارع في التحريض و إثارة الأجواء هذا فعليهم إيقافه عند حده؛ و ليعلموا إنه لسان العدو و صوت العدو يخرج من حنجرة هذا الشخص. و قد وجدوا مثل هذه المؤشرات حيثما حققوا و تابعوا الموضوع. بعد توخي الشعب الحذر فإن مسؤولية اقرار الأمن تقع على الأجهزة المعنية؛ كوزارة الأمن، و وزارة الداخلية، و قوات الشرطة، و الأجهزة القضائية و غيرها. هذه هي أهم ما يريده الشعب من الحكومة كما أن هذا هو أهم ما أريده من الأجهزة المعنية. فعلى الجميع أن ينتبهوا و يتوخوا الحذر. فعليهم التعامل بوعي مع الأحداث. علينا أن لا نسمح للعدو أن يفعل ما يحلو له.في بعض الأحيان قد یتسلل الخلل من الأمن الداخلي إلى الأمن الخارجي؛ كممارسة الإثارات على أيدي الأعداء. لاحظوا؛ منذ بضعة أيام ألقى أحد الوزراء الأمريكان كلمة. اعترف الأمريكان اليوم بعد مضي نحو نصف قرن، إنهم دبّروا انقلاب الثامن و العشرين من شهر مرداد! اعترفوا أنهم دعموا الحكومة البهلوية الديكتاتورية المقموعة الفاسدة! فالآن و بعد مضي سبع و اربعين عاماً على انقلاب الثامن و العشرين من شهر مرداد، يعترفون أنهم دبروا ذلك الانقلاب و دعموا حكومة الشاه الديكتاتورية الفاسدة و اعترفوا أيضاً إنهم ساندوا صدام حسين في الحرب على إيران! برأيكم ما الذي يشعر به الشعب الإيراني إزاء هذه المواقف و الاعترافات؟ فرض علينا النظام العراقي الحرب لمدة ثماني سنوات؛ فقُصفت المدن، و قضى على مصادرنا الحيوية؛ و استُشهد الشباب؛ و بدّد آلاف المليارات من ثرواتنا الوطنية؛ أضاع الكثير من الفرص علينا؛ و عموماً حدثت جريمة تاريخية عظيمة. لقد كنا نكرر دوماً في تلك الأيام إن الأمريكان يدعمون صدام حسين. لقد كررت ذلك في أيام الحرب؛ لكنهم كانوا ينكرون و كانوا يقولون بأنهم على الحياد! فالآن و بعد مضي اثني عشر عاماً على نهاية الحرب، جاء هذا الوزير الأمريكي ليعترف بصراحة و بصورة رسمية في إحدى المراكز أننا دعمنا صدام حسين! و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما جدوى اعترافاتكم هذه لنا؟ فبعد أن فرضتم محمد رضا البهلوي الظالم و الفاسد و عدو الشعب الإيراني على هذا الشعب لمدة خمسة و عشرين عاماً، تعترفون الآن أنكم قمتم بهذا العمل! فما هي جدوى كلامكم هذا اليوم؟! يأتي شخص و يقتل ولد إنسان آخر ثم يقول: عفواً! إنهم لا يقولون حتى: عفواً! لا يقولون اليوم إننا نعتذر. إنهم يعترفون فقط! لقد دبرتم بأنفسکم انقلاب الثامن و العشرين من شهر مرداد؛ ثم جعلتم هذا البلد عرضة للنهب والظلم و الفساد على مدی سنوات متمادية؛ و الآن تقولون إنكم فعلتم ذلك! فاعترافكم هذا بما فعلتموه تلك الأيام لا جدوی فیه لهذه الأيام؟! و أقول الآن إن من الممكن أن يأتي وزير أمريكي آخر بعد عشرين أو بعد خمسة و عشرين عاماً و يعترف و يقول: نعم، نحن دبرنا هذه المؤامرة في الفترة الفلانية - أعني هذه السنوات التي نعيش فيها الآن - ضد إيران؛ و نحن قمنا بهذه الحركة و ارتكبنا هذه الجريمة؛ و دعمنا أعداءكم بهذا الشكل؛ و نظمنا في داخل البلد صفوف المعارضين بهذه الصورة و... و ماذا ستجدي هذا الاعترافات للشعب الإيراني بعد مضي أعوام من ارتكابكم تلك الجرائم و التي ما زلتم ترتكبونها حتى الآن؟! إنكم تقولون في تصريحاتكم إن إيران لديها شعب عظيم و حضارة عریقة؛ فهل هذا يكفي لكي ينسى الشعب كل تلك الممارسات الخيانية العدائية؟! أتظنون أنكم تخدعون طفلاً؟! إن هذا الشعب شعب عريق. إن هذا الشعب يعلم أكثر منكم بأنه شعب عريق و يتمتع بتراث حضاري عظيم. نحن نعلم قبلكم إن موقعنا الجغرافي، موقع مهم و استراتيجي جداً؛ لكنكم الآن أتعبتم أنفسكم و فهمتم للتو؟! إنه الموقف الذي لا يريد أن يتعامل مع الشعوب إلا من موقع الاستكبار و القدرة و السيادة.إن عيب أمريكا الكبير - التي هي البلاء الكبير للبشرية في هذا العصر - هو أنها تريد معاملة شعوب العالم و الناس من موقع التعالي و الغطرسة و السيادة و التملك! تتعامل مع أوبك و الشعوب و السياسة الخارجية للبلد الفلاني من موضع العنجهية! لماذا كل هذه العنجهية؟ هل هي من أجل تحقيق مبادئ ما؟ كلا؛ إن هذه العنجهية تصب في صالحهم! إنهم يتبخترون من أجل تأمين مصالحهم. من الممكن أن يخضع بلد أو شعب لمثل هذه العنجهية لأسباب مختلفة، لكن الشعب الإيراني لا يخضع مسؤولوه لإرادتكم؛ و لا يقعون تحت سكّينكم؛ ليس لهم نقطة ضعف عندكم؛ و ما ارتكبوا شيئاً يخافون من أن تفضحوه. و هناك ما یربطهم بالشعب؛ إن الشعب الإيراني شعب قد جرّب العزة و الإسلام و الصمود على العقيدة و الحياة بالإيمان الراسخ و الاستقلال. فإذا لم يرد مثل هذا الشعب الخضوع لعنجهيتكم، هل يعني ذلك إنه ارتكب ذنباً؟ و إذا رفض شعب ما غطرستكم و قال: نحن نرفض عسفكم و عنجهيتكم؛ و وقف صامداً في مثل هذا الموقف الصريح؛ فما هي حيلتكم للقضاء على هذا الشعب؟ كيف تستطيعون ذلك؟إن القوى الكبرى تصر على التظاهر بأنها تستطيع فعل ما يحلو لها. و هذا ما يحدث في بعض الأمكنة؛ فما هو السبب؟ لأن حكام تلك البلدان عملاء و ضعفاء. إن القوى الكبرى تزعم كاذبة أنه یمکنها أن تفعل ما تشاء. لقد أثبتت الحكومة الإسلامية و الشعب الإيراني، علی مدی عشرين عاماًً صموده و تقدمه - رغم معارضة أمريكا لهذا الشعب و أهدافه - لقد أثبت بأن أمريكا أو أية قوة كبرى و کذلک جميع القوى العظمى غیر قادرة علی إرتکاب أي خطأ ضد هذا الشعب الواعي و الشجاع الذی يعرف حقه و يدافع عنه! إننا نقول بأن الإدارة الأمريكية التي تعترف اليوم بأنها دعمت الدكتاتورية على مدى خمسة و عشرين عاماً، ما زالت تدعم الدكتاتورية؛ و لكن هذه المساندة مساندة إعلامية و إزعاجية! أولئك غير موجودين اليوم و قد ذهبوا إلى الجحيم؛ إلا أن أذنابهم و أذيالهم يعيشون تحت مظلة حماية الحكومة الأمريكية و هم يتمتعون بدعم الإدارة الأمريكية أینما حلّوا، حتى لو كانوا هنا و هناك في بلدنا. و اليوم هذه الوزيرة الأمريكية (4) تطري و تشيد كاذبة بنظام الشاه في أحاديثها. إنها تقول: إن نظام الشاه كان نظاماً دكتاتورياً و سيئاً لكنه جعل اقتصاد إيران مزدهراً! هذه أكبر كذبة مثیرة للسخریة نسمعها من وزيرة خارجية في الظروف الراهنة! هل جعلوا اقتصاد إيران مزدهراً؟! فليعلم الشباب خاصة - الذين كانوا في ذلك الزمن لمسوا الحقائق عن قرب - إن النظام البهلوي ارتكب أكبر الخيانات لا بحق الاقتصاد الإيراني فحسب بل في حق الدعائم الاقتصادية أيضاً، و هو ما ظل أثره باقياً على مدى السنوات الآتية! لقد حوّلوا إيران إلى مخزن للسلع الاستيرادية التافهة و عديمة الفائدة؛ و اشتروا بضائع وفيرة و أشياء كثيرة و غير الضرورية بأموال هائلة! قضوا على الثروة الزراعية لهذه البلاد التي قد بلغت الاكتفاء الذاتي تماماً، و رغم مرور أعوام متمادية لم تعد زراعتنا بعد إلى ما كانت عليه، لأن تيار الهجرة الذي تدفّق على المدن بتشجيع منهم لم يمكن إيقافه بسهولة. إنهم جعلوا الشعب يعتمد على الأجنبي في زراعته. كان يشترون قمح إيران من أمريكا في تلك الأيام؛ و كان الاتحاد السوفيتي يقوم ببناء مخازن الغلال! يعني أنهم كانوا یعتمدون علی الأجانب سواء في شراء القمح أو من حيث تخزينه. لقد خربوا القرى في ذلك العهد، و أوقفوا صناعة البلاد في الوقت الذي كان قد حان أوان تطويرها. أي لم يحصل ذلك التقدم الذي كان يجب تحقيقه في الصناعة بحيث يتمكن من الحد من الاستيراد. قضوا على الصناعة الناشطة في البلاد و روجت الصناعة التي كانت تابعة للخارج بقدر تبعية المنتوجات المستوردة أو أكثر من ذلك. أوقفوا عجلة العلم. فمع كل تلك الدعايات التي أثاروها حول الجامعات و الطلبة الجامعيين، لكن كانت النشاطات العلمية لجامعات البلد على الصعيد العملي نشاطات ضعيفة! و من كان مفكّراً و له مواهب مشرقة، إذا كان يريد أن يعمل، كانوا يقمعونه في داخل البلد و يضطر إلى العمل في خارج البلد، فهنا لا يمكن له العمل. سلطوا الشركات الأجنبية على أغلب المصادر الاقتصادية للبلد و خسروا أغلب الاحتياطات النفطية دون مقابل. طبعاً سعر النفط رخيص اليوم. و ربما يمكن أن يقال إن ما تحصل عليه الدول المصدرة للنفط من المال، هو عشر ما ينبغي الحصول عليه. علي أن أقول لكم، إن ما تحصل عليه الدول المستوردة للنفط من الضرائب، هو أكثر مما تحصل عليه الدول المصدرة للنفط من أرباح. و هذه هي الحالة اليوم؛ لكن لا يمكن مقارنة ذلك اليوم مع يومنا هذا. إن قيمة برميل النفط كان أقل من دولار واحد في بداية الخمسينيات لأعوام متمادية. ثم من أجل أن يستطيع الأوروبيون بيع سلعهم للبلدان النفطية بأسعار غالية فإنهم عمدوا إلى رفع أسعار النفط و وصلت قيمة النفط إلى نحو ثمانية أو تسعة دولارات؛ لكي تحصل هذه الدول على أموال لشراء بضائع المصانع الغربية. و هذا ما حدث. لقد كانت الأموال الطائلة تودع في الصناديق المتعلقة بالأمريكان في إيران خلال عهد نظام الشاه، حتى تستورد بها قطع غيار الطائرات و المتطلبات الأخرى، و لم یتطرق أحد هناک للحدیث عن الصناعة. إن اقتصاد إيران في ذلك الزمان أسوأ اقتصاد بالنسبة للشعب الإيراني. و كان اقتصاداً رائعاً للناهبين و الأمريكان طبعاًً. ثم تأتي تلك الوزيرة اليوم بعد مضي أعوام متمادية يعرفها جميع علماء الاقتصاد و المحللين - و كانوا يعرفون في ذلك اليوم أيضاَ و ما كان الأمر بعيداً عن أنظارهم - يعلمون كم من الويلات جرها نظام الشاه على اقتصاد البلد، و تقول إن ذلك النظام جعل الاقتصاد الإيراني اقتصاداً مزدهراً! لماذا تصرح بذلك؟ حتی تجعل الشاب الذي يعيش في هذا البلد و يعاني في بعض الأحيان من الظروف الاقتصادية الراهنة، يتصور بأن الظروف الاقتصادية في عهد النظام السابق كانت جيدة! فسيادة تلك الوزيرة تطلق هذا التصريح الشيطاني هكذا بكل بساطة لتوحي إلى الأذهان بأن الاقتصاد الإيراني في العهد السابق كان مزدهراً! إن تلك المراحل كانت من أسوأ المراحل للطبقات المحرومة، و كانت أقسى فترة من حيث سلب و نهب المصادر الطبيعية على أيدي الأجانب - خاصة أمريكا - في هذا البلد؛ لكنها تقول اليوم إن الاقتصاد الإيراني كان منتعشاً.إن هدف الأعداء الأجانب هو تهديد الأمن و بث الخلاف و الشكوك و التزلزل. فحين ينظر الشعب الإيراني إلى أمريكا بعين العداء، فهذا هو السبب. قالوا لنا تعالوا لندمر جدار عدم الثقة. هذا ما قالته تلك المسؤولة هناك، و كان تحديداً ما تطمح إليه بعض الأقلام هنا! هؤلاء الذين من الممكن أن يكون بعضهم على علاقة مع تلك المراكز و يدعمون من قبلها؛ و قاموا فوراً بمتابعة القضية! ليست القضية مجرد قضية الثقة و انعدام الثقة؛ القضية هي أن الشعب الإيراني حينما ينظر إلى ماضيه، يلاحظ العداوة من قبل أمريكا حتى بداية الثورة. و هكذا هو الحال بعد انتصار الثورة حتى الآن، حيث يلاحظ الشعب الإيراني العداء من جانب الإدارة الأمريكية ضده و ضد مصالحه الوطنية و حكومته التي يحبها. إنهم طبعا لا یزالون يتجاهلون بعض هذه العداوات؛ و لكنهم يعترفون بالبعض الآخر. اعترفوا بدعم الصدام من قبلهم و سيعترفون في المستقبل القريب بالتأكيد بالطريقة التي وضعوا بها القنابل الكيميائية في متناول يد الحكومة العراقية! و بسبب هذه الأحداث نعانی الیوم من کل هذا العدد الهائل من جرحى الحرب الكيميائية و من المعوقين؛ و لحقت بنا كل هذه الأضرار. كلما نظر الشعب الإيراني وجد أشياء و أموراً من هذا القبيل. و الآن أيضا فإن وسائلهم الإعلامية هي ضد إيران؛ كما أنهم وظفوا طاقاتهم السياسية ضد إيران؛ و خصصوا بشكل رسمي أموالاً للعداء الأمني ضد إيران؛ و يبذلون مساعيهم الخارجية ضد إيران دائماً. فحيثما نظر الشعب الإيراني وجد عدواً يترصده هناك. و لهذا لا ينظر الشعب الإيراني إلى الحكومة الأمريكية من زاوية أنه لا يثق بها، بل ينظر إليها كعدو. حينما يقولون نحن نرغب في المحادثات مع إيران، فهذه لیست إلا أموراً تمهيدية، حتی يزيدوا من عداوتهم. هذه ليست سوى خدعة. و لا ينبغي للبعض أن يقولوا فلنذهب و نتحدث مع أمريكا. كلّا فالعداء الأمريكي لا يزول بالحوار. إن أمريكا تبحث عن مصالحها في إيران. و لو كانت هنا حكومة عميلة كحكومة الشاه، لوجهوا لإيران الأضرار و الضربات كما فعلوا في ذلك العهد. و إذا كانت الحكومة هنا حكومة مستقلة، فإنهم يمارسون عداوتهم بهذا الشكل. لو قمنا بالمقارنة لوجدنا أن الضرر الذي يلحق بنا من جانب أمريكا و نحن مستقلون أقل بكثير من الضرر الذي نلاقیه في حالة استسلامنا للغطرسة الأمريكية. إذن الشعب الإيراني بفضل شجاعته و تضحيته يعتمد على طاقاته الذاتية و عقله و عقل مسؤولي البلاد و صموده في مواجهة المؤامرات و الخدع و العداء و يثق بأنه سيکون قادراً دوماً على أن يجعل جميع أعدائه خاصة الحكومة الأمريكية نادمين على عدائهم له؛ كما كان هناك في الماضي بعض الأعداء الذين عملوا اليوم علی تطبیع علاقاتهم مع الشعب الإيراني.أللهم نسألك بحق محمد و آل محمد أن تنزل فضلك على الشعب الإيراني دوماً. اللهم وفق هذا الشعب في بلوغ أهدافه التي رسمها لنفسه. اللهم أهلك أعداء هذا الشعب. اللهم نسألك بحق محمد و آل محمد أن تنزل بلاءك على كل من يتأمر ضد هذا الشعب. اللهم! و اجعل دفاع هذا الشعب المستميت عن كرامته و استقلاله و دينه و هويته و دينه جهاداً يقربه إليك. اللهم و احفظ شبابنا و عرّف قلوبهم المضيئة بنورك. اللهم! و عجّل بإزالة المحن عن هذا الشعب. و أعن القائمین علی خدمة هذا الشعب؛ و اقهر بغضبك الخائنين لهذا الشعب. و اجعل القلب المقدس للإمام المهدي المنتظر راضياً عنا. اجعل الروح المطهرة لإمامنا راضية و مسرورة عنا. و اجعل الأرواح الطاهرة للشهداء راضية و مسرورة عنا.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1- سورة المائدة، الآية3.2- بحار الأنوار، ج 98، ص3.3.3- كتاب سليم بن قيس، ص644.4- مادليت أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية في الولاية الرئاسية لبيل كلينتون 1996- 2000م. 
2000/03/24

كلمة الإمام الخامنئي لدى استقباله حشداً كبيراً من أهالي قم

بسم الله الرحمن الرحيمأرحب بكم جيمعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء و أشكركم لما تحملتم من متاعب و جئتم إلى هنا من مدينة قم المقدسة حيث عطرتم أجواء حسينيتنا بأنفاسكم الحمیمة النابعة من الإيمان و من مودتکم. أسأل الله تعالى أن يشمل شهداءنا الأبرار و روّاد يوم التاسع عشر من شهر دي - و هؤلاء هم السابقون و الأوّلون في هذا الطريق - بعنايته و مغفرته الخاصة.يوم التاسع عشر من شهر دي نقطة مشرقة، ليس في تاريخ مدينة قم فحسب، بل في تاريخ بلدنا و تاريخ الثورة. في هذا اليوم لبّى شباب قم، و رجالها و نساؤها، و طلاب العلوم الدينية و غيرهم، بكل إيمان و بسالة ما كان يقتضيه العصر. المهم هو أن يستطيع كل شعب أو شخص أو منظمة تلبية ما يقتضيه العصر. طبعاً لم يكن يوم التاسع عشر من شهر دي أول حدث یبدي فیه أبناء مدينة قم هذا الوعي و اليقظة و البسالة، فمدينة قم هي قاعدة لنشر الأفكار النيّرة لأهل البيت عليهم السلام منذ ألف و مائتي عام. في الوقت الذي كانت الحكومات معارضة لأهل البيت، حافظ أبناء مدينة قم على هذا الموقف، و إذا كانت هناك صعوبات، فهؤلاء هم من تحمل أعباءها. مدينة قم تمثل مركزاً و مهداً فكرياً و علمياً في العالم الإسلامي منذ سبعين عاماً. فهذه المدينة تحوّلت إلى مركز علمي رئيس في العالم الإسلامي و عالم التشيع منذ أن حلّ فيها المرحوم آية الله الحائري سنة 1340 هـ.ق و بلغت ذروتها في عهد المرحوم آية الله البروجردي، و كانت ثمرة تلك المراحل ظهور شخصية عظيمة و فريدة كإمامنا العظيم. فمدينة قم تتمتع بهذا الماضي المشرق حيث لبّت دائماً ما يتطلبه العصر. و من هذا القبيل يوم التاسع عشر من شهر دي.مشكلة الشعوب و الأشخاص الذين يخضعون لضغوط العصر و يُقهرون أمام أحداث زمانهم، هي أنهم لا يعرفون زمانهم و ما يجري حولهم، كما لا يدركون ما يتطلبه العصر و إن أدركوا، فليس لديهم الشجاعة للتعبير عن ذلك. لذلك يقهرهم الزمان و العناصر المعارضة و المعاندة.لو لم يثر أهالي قم في التاسع عشر من شهر دي عام 1356 هـ. ش و لم يصنعوا تلك الأحداث العظيمة المتوالية لكان من المحتمل أن تتخذ الأحداث مساراً و منحى آخر، لكنهم تميّزوا بالإبداع فتظافروا جميعاً في هذه الحركة رجالاً و نساءاً، و شيوخاً و شباباً و من علماء الدين و غيرهم؛ و إن وقع العبء الأعظم على عاتق الشباب، فلأن صفاء الفطرة و عدم التعلق بالماديات هي التي تسوق الشباب للنزول إلى وسط ساحة التكليف بكل يسر. لقد عبّر كافة أبناء الشعب الإيراني عن تلك الروح أثناء مرحلة الثورة، و إن تقدم البعض و تأخر آخرون فإن مدينة قم كانت في الطليعة. فكانت النتيجة أن خرج ذلك الحصن المستعصي - الحكومة الإيرانية - التي كانت في قبضة أعداء الشعب الإيراني و الناهبين و السلطويين و القراصنة الدوليين، خرج من قبضتهم على أيدي أبناء الشعب.ربما يفتح البعض قلعة، لكنهم سرعان ما يفقدونها، و قد يكون من بين الحاضرین هنا الكثير ممن شاركوا في الحرب المفروضة و لاحظوا أن المرء يستولي أحياناً على حصن أو منطقة أو مدينة أو قرية، لكنه يصاب بالغفلة عند حراسته لها، أي إنه يتحلى بالحافز في المرحلة الأولى، ثم يفقده فيما بعد، فإن العدو يهاجمه ثانية - و كما يصطلح عليه العسكريون، الهجوم المضاد - و يسترد ما كان أخذه منه بمشقة و إيثار و تحفّز و إيمان. همّ الشعب الإيراني حتى الآن هو إجهاض الهجمات المضادة التي شنّها الأعداء في کل مکان. و لا يعني ذلك أن العدو قد كفّ عن هجماته المضادة، بل إنه يروم دوماً توجيه ضرباته لنا.فمن هو العدو؟ إنه كل من يناهض سيادة النظام الجماهيري الديني المستقل، أي كل الطامعين و الناهبين و الانتهازيين و مكتنزي الثروات و السلطويين و العملاء و مروّجي الفساد و الذين يشعرون بالضرر الشخصي من سيادة الثقافة الدينية. طبعاً في مقدمة هؤلاء الأجانب الذين لحقتهم الهزيمة أكثر من غيرهم. أمريكا هي التي لحقها الضرر أكثر من غيرها من إقامة الحكومة الإسلامية و لم تزل كذلك - هؤلاء في مقدمة الجميع - و هكذا هو الحال بالنسبة للصهاينة و الشركات العالمية الضخمة، و المنحرفين في المجالات المختلفة و من يكتنزون الثروات الوطنية. هؤلاء هم الأعداء جميعاً.مراتب العداء تختلف عن بعضها، لكن هناك جبهة معادية ظهرت. إن هذه الجبهة حاولت منذ انطلاق الثورة استرداد هذه القلعة. الهدف هو أن تتحول الحكومة الجماهيرية الدينية القائمة على الإيمان و الجماهير و حبهم و إرادتهم - القائمة في إيران حالياً - إلى حكومة عميلة احتكارية يسهل على أمريكا أن تفاوض معها، فتمنحها امتيازاً شخصياً و تسلبها امتيازاً. لكنهم یعجزون الآن عن هذا.من أين تأتي الغفلة إلى تلك السرية، و الكتيبة أو الفرقة في ساحة الحرب بعد ما يفتحون قلعة أو حصناً منيعاً؟ هناك عدة عناصر تساعد على ظهور هذه الغفلة. العامل الأول هو فقدان الدافع و ضعف الحوافز و الغيرة و ضعف الإيمان و الاتحاد و الشجاعة. إن هذه العوامل تروّج و تشاع من قبل الأعداء لإثارة حالة من الانفعال بين الجبهة الجماهيرية العظيمة في الثورة و النظام الإسلامي. إنهم يعلمون أن الحرب العسكرية لا تعالج معضلة إيران، لأنها تزيد من وحدة الشعب، لذا يدخلون من طريق آخر. هذا هو السبب في تأكيدي و تركيزي على قضية الثقافة و الأجواء الثقافية للبلاد، و سبق أن تطرقت لهذه القضية أمامكم يا أبناء قم الأعزاء أثناء زيارتي لمدينتكم قبل بضعة أشهر، و أتطرق إليها الآن، لأن هذا هو أساس القضية. فإذا ما تلوثت البيئة، فإن الجميع يشعرون بهذا الخطر و يطلقون تحذيراتهم - فيقال على سبيل المثال: لقد ازداد معدل التلوث في أجواء طهران أو المدينة الفلانية - طبعاً هذه العناصر الملوّثة لها خطورتها و عملية التنفس في هذه الأجواء ستؤدي إلى إصابة الناس بأمراض في الرئة و الدم و الأعصاب، فكل ذلك صحيح، لكن كيف الحال مع البيئة الثقافية؟ أو ليس للبيئة الثقافية أهميتها؟ أو ليس من الخطورة بمكان أن ينمو الشاب المسلم وسط أجواء مليئة بعناصر الإثارة التي تدفع نحو الشهوة و الفساد و تشجع على البطالة و اللامبالاة و الإدمان على المخدرات و مختلف أنواع الإنحراف و تشجيع التبعية للأجانب سياسياً و ثقافياً و يستنشق الناس هذه الأمور في الأجواء الثقافية للبلاد؟أية حالة أفضل للعدو - و هو الجبهة التي ذكرتها، أياً كانت - من أن يصل الأمر بأبناء المجتمع الإسلامي و الشباب إلى أن يقولوا: لماذا عليهم أن يعارضوا الأجانب الذين ينهبون ثروات إيران؟! فليأتوا و يقيموا الحكومة بأنفسهم و يأخذوا بزمام إدارة الأمور و ليأخذوا ما يحلو لهم من ثروات، لكن عليهم أن يتفضلوا علينا بما يسد جوعنا؟ كما كان الوضع قبل انتصار الثورة الإسلامية. طبعاً لم تكن هناك هذه الحالة الأخيرة نعطيهم و ليأكلوا كي لا يبقوا جائعين. كلّا، لقد كان الجوع و الفقر و عدم التمكن و فقر الدم العم لدى الجماهير يلوح بالأفق. هل هناك خطر أكبر من أن يروّجوا هذه الفكرة بين الجماهير و يجعلوا منها ثقافة و قناعة؟!لقد أيقظ الإسلام شعبنا و شبابنا. فأثبت أولاً أن الشعب إذا ما أراد الوقوف على قدميه و إصلاح شؤونه، فإنه يستطيع، ثانياً وعي الناس و فهمهم بأن الذين يحتكمون في مصير البلد، معزولون عن الجماهير. فهذا ما لمسه الشعب و لاحظوه. الذي يريد أن يحكم، يجب أن يستند على الجماهير أو يستند على الأجانب أو يستند على عسفه و ممارسة ضغطه. هؤلاء لم يكونوا مستندين على الشعب بل كانوا مستندين على الدعم الأجنبي، لقد دعمهم الأجنبي حتی یلجأوا إلی القوة و السيف. فجاء النظام الإسلامي ليسحب البساط من تحت أقدامهم. فاليوم يعتمد النظام الإسلامي و الحكومة الإسلامية على الشعب و علی الأسس الإسلامية بالمعنی الحقيقي للكلمة. نحن لا ندعي تنفيذ الأحكام الإسلامية، كلّا، هناك الكثير من الأحكام الإسلامية لم تطبّق بعد. لكن من الذي يستطيع تطبيقها؟ إنه الإنسان المؤمن بالإسلام و المعتمد على الشعب. لذا فإن هذا التحرك هو التحرك الصحيح.إن العدو يسعى من خلال إعلامه لبث السموم في الأجواء السياسية للبلد. الحكومة الأمريكية تجلس اليوم بسهولة مع أكثر الحكومات في العالم رجعية و فساداً للحوار فيما بينها، دون وجود أي شكوى بينهم - من قبيل الحكومة البهلوية الفاسدة السابقة و الحكومات الأخرى في الوقت الراهن - لكن هؤلاء أنفسهم يتهمون الشعب و الحكومة الإيرانية - و هي السباقة من بين دول المنطقة و العام إلى الاعتماد على أصوات الشعب - بنقض موازين الديمقراطية! فما هي الديمقراطية؟ هل تعني الديمقراطية الاستناد إلى أصوات الشعب؟ كلّا، لقد أثبتت الانتخابات الأمريكية الأخيرة عکس ذلك. في حین أن إيران تعيش الديمقراطية الحقيقية. على مدى السنوات الإحدى و العشرين أو الاثنين و العشرين التي تلت انتصار الثورة الإسلامية شهدت البلاد - كمعدل متوسط - عملية انتخابات واحدة في كل سنة، و كان لأبناء الشعب مشاركتهم في جميع أمور البلد. و في الوقت ذاته يتهمون إيران بنقض حقوق الإنسان! في حین تحدث اليوم أفظع حالات نقض حقوق الإنسان في العالم على أيدي هذه القوى الاستكبارية العالمية و أذنابها و حلفائها دون أن يمنعهم وازع عن ارتكاب نقض حقوق الإنسان في أمورهم التي تحدث لهم! فما هو هدفهم من توجيه التهم و الإساءة إلينا؟ الهدف هو بث السموم في الأجواء الفكرية و الثقافية و السياسية في البلد لكي يتلوث كل من يتنفس في هذه الأجواء عقلياً و فكرياً. ما يقع اليوم على عاتق كافة أبناء الشعب - و بالدرجة الأولى على عاتق المسؤولين و نواب المجلس و العلماء و الخطباء و كبار المسؤولين الحكوميين - هو أن يعرفوا بأن النظام الإسلامي كما واجه في بداية ظهوره ألدّ الأعداء و أكثرهم وحشية، لا يزال يواجه نفس أولئك الأعداء. و على مسؤولي البلد سواء الحكومة أو السلطة القضائية أو نواب المجلس - أن لا يصدر عنهم قول أو فعل يستشف منه الرغبة في هذا العدو الغادر، عليهم أن ينتبهوا. لا يجب أن يتفوه مسؤول - سواء أكان في القطاع الثقافي أو الاقتصادي أو السياسي، أو في السلطة التشريعية أو في السلطة القضائية - أو يتخذ موقفاً و يقوم بعمل يصب في صالح العدو. فالعدو متيقظ، فعليكم أيضاً التحلي باليقظة.على أبناء الشعب أن يراقبوا سلوك المسؤولين و رجال الدولة و النخبة و الذين يمكنهم التأثير في المجتمع. فمن الخطأ أن نتصور أننا سلّمنا المسؤولية بأيدي أشخاص و هؤلاء هم المسؤولون، و علينا أن ننشغل بأمورنا و حياتنا و لا شأن لنا بهم. كلّا، فإذا ما حدث ذلك فعندئذ ستضرر الشعب، و لو وقعت الغفلة فستتغلب الأحداث. إن العمل المناسب و الصحيح هو تلبية ما يتطلبه العصر. ما يقتضيه عصرنا اليوم بالدرجة الأولى هو الوعي و اليقظة و الحفاظ على روح الإقدام و القدرة على المبادرة في الحالات التي هي بحاجة إلى المبادرة. على المسؤولين أن لا يخافوا من القيام بالأعمال الكبيرة التي هي ضرورية للبلاد. فبوسعهم إنجاز هذه الأعمال الضخمة و ذلك بدعم من الشعب و إسناد الرأي العام و العلاقات القائمة بين الشعب و المسؤولين. حيثما اقترنت هذه الجرأة مع الإيمان، فسوف نتقدم إلى الأمام. هكذا كان الوضع في المؤسسات الثورية. فالمؤسسات الثورية أفلحت في إنجاز أعمال جيدة في أي ساحة دخلتها و ذلك نتيجة ما تمتعت به من ثقة بالنفس و جرأة على المبادرة و التوكل على الله سبحانه و بالإعتماد على قدراتها الذاتية. القوى المؤمنة التي أبدت براعة فائقة في ميادين الدفاع المقدس - سواء حرس الثورة الإسلامية أو قوى الجيش المؤمنة أو قوات التعبئة الشعبية - أنجزت أعمالاً أشبه بالمعجزة. و هذا هو الحال بالنسبة لجهاد البناء. طبعاً تم دمج وزارة جهاد البناء مع وزارة الزراعة، لكن من المتوقع أن تمثل هذه الوزراة الجديدة - التي تسمى بوزراة الجهاد الزراعي - نفس تلك الخصال البناءة الراسخة، و الاعتماد على القدرات الذاتية - و من المسلم به ترحيب العناصر المؤمنة الملتزمة في وزارة الزراعة سابقاً بذلك - و تلك التي شكلت جهاد البناء لتتمكن من معالجة مشاكل القطاع الزراعي و القرى و المشاكل التي تعاني منها الصناعات الجانبية في القرى و كذلك معالجة مشكلة الهجرة. إن ما يمكنه حل العقد في كافة القطاعات - سواء الاقتصادية أو الثقافية - هو وجود العناصر التي تتحلى بالإيمان، و العزم و الثقة بالنفس و التوكل على الله و إيمان بالشعب على رأس الأمور و الأعمال. فهؤلاء بإمكانهم أيضاً حل المشكلات التي یعاني منها القطاع الاقتصادي. و أينما بقيت مشكلة لنا، فذلك ناجم عن ضعف الثقة بالنفس و التوكل على الله و محبة الشعب. فعلى المسؤولين سواء في مجلس الشورى أو الحكومة - أن لا يسمحوا بأن تضعف هذه الاعتقادات في القطاعات الثقافية و الاقتصادية.أعزائي! يا أهالي قم الشجعان الواعين! و يا شباب قم الرائدين! أقول لكم: إن زمام الأمور قد خرج اليوم من أيدي القوى الكبرى بالرغم من مساعيهم الدؤوبة ضد الإسلام و ضد الصحوة الإسلامية - سواء في آسيا أو أفريقيا - فتيار الصحوة الإسلامية هذا يشهد اتساعاً مطّرداً يوماً بعد یوم و لا يمكن لهؤلاء فعل أي شيء، و قد حدث ذلك ببركة ثورتكم و نهضتكم البطولية الإيمانية الباسلة، و الانتفاضة الفلسطينية تمثل نموذجاً لذلك حيث خرجت زمام الأمور من أيدي القوى الكبرى. فالشعب الفلسطيني المحاصر في شوارعه و مدنه يواجه أكثر الأعداء همجية. كل جندي هناك بمثابة العدو للمواطن الفلسطيني. فليس الجندي هناك منهم كي يمكن لهم معالجة المشكلة بالعواطف و المودة أو تبادل الورود، بل الجندي نفسه عدو لكل شاب فلسطيني منتفض. مثل هذا الشعب الذي يعيش أجواء الکبت و یعاني من المشاكل الاقتصادية المتنوعة و يقدم الخسائر و الشهداء لم يزل صامداً و لم يتراجع، فعلى أي شيء یدل ذلك؟ إنه يثبت بأن زمام الأمور قد خرج من أيدي القوى المتغطرسة الكبرى. أنتم أيها الشعب الإيراني العزيز محور هذا التحرك العالمي العظيم. هؤلاء ينظرون إليكم و يقلدون أقوالكم و شعاراتكم و أعمالكم و يتعلمون منكم. فعليكم ملازمة التوكل على الله و اليقظة و الشجاعة و القدرة على المبادرة، كما عليكم المحافظة على اليقظة و عدم الغفلة - التي يتميز بها الیوم الشعب الإيراني و الحمد لله - و أواصر العلاقة بينكم و بين الشعب و المسؤولين. و اعلموا أن الله سيؤیدکم بنصره و سيرغم أنف العدو المعتدي الطامع في أرضکم.و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2000/01/07

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين. نحمده و نستعينه و نتوكل عليه و نستغفره و نؤمن به و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه. سيّدنا و نبيّنا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين. الهداة المهديين المعصومين. سيّما بقية الله في الأرضين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.أوصي جميع الإخوة و الأخوات المصلين الأعزاء و نفسي بالتقوى و الورع و اجتناب الانزلاق في فخ هوى النفس و الوقوع في أسر مخالب الشيطان. أتمنى أن يساعدنا اجتماع اليوم و هذه الصلاة و ما يقال و يسمع، في بلوغ هذا الهدف السامي.اليوم هو اليوم الثاني لاستشهاد أمير المؤمنين و إمام المتقين عليه الصلاة و السلام و هو يوم عظيم و مهم للغاية لجميع المسلمين بل لجميع أحرار العالم، و من ناحية أخرى، فهو يوم القدس الذي يعتبر قضية المسلمين الأولى في العالم الإسلامي. سأتحدث في الخطبة الأولى حول أمير المؤمنين باختصار و في الخطبة الثانية اتحدث حول قضية فلسطين و الأوضاع الحالية للمسلمين و واجبنا الإسلامي و الإنساني. إن أمير المؤمنين (عليه السلام) من الوجوه الجذابة في التاريخ. ربّما قلّما يجد الإنسان شخصية تاريخية عشقتها البشرية و ليس الأمة الإسلامية وحدها؛ كشخصية أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام). فهناك الكثير من غير المسلمين الذين لا يقبلون الإسلام و حتى نبي الإسلام، لكنهم يحبون علياً (عليه السلام) و يكرّمونه و يثنون عليه. و المسلمون و خاصة الشيعة يكرّمونه و يعظمونه في قلوبهم و أنفسهم و أذهانهم! يوجد بيننا نحن الشيعة و جميع المسلمين، من لا يعملون بالأحكام الإسلامية، لكنهم ينظرون إلى أمير المؤمين بعين الإجلال. فما هو سببه؟ سببه هو أن الخصائص الإنسانية السامية في ذلك الرجل العظيم كانت كثيرة إلى حد جعل كل من سمع شيئاً عن علي (عليه السلام)، يخضع لها، باستثناء جماعة تعرف علياً و لكنها تناصبه العداء. هؤلاء هم الذين يناهضون بشدّة المبادئ التي جاهد من أجلها هذا الإنسان العظيم و انفق عمره من أجلها. طبعاً هم يناصبون جنديها الأول العداء أيضاً. أو أولئك الذين نالهم في تلك الأدوار الأولى سيفه البتار و صلابة ذلك الإنسان الذي لم يكن يتقبل التساوم مع كل ما هو سيئ و قبيح كانوا يناصبونه العداء، و إلّا فإن الناس المنصفين و المجبولين على فطرتهم الإنسانية، يحبّون هذه الشخصية العظيمة و مغرمون بها. هذا ينطبق طبعاَ على الذين سمعوا شيئاً عنه، و أما الذين لم يسمعوا شيئاً و لا يعلمون شيئاً، فخارجون عن هذه القاعدة. توجد هنا نقطة، و هي حينما ننظر عادة من بعيد إلى الشخصيات أو الخصال بصورة عامّة، فإننا غالباَ ما نثني عليها، لكننا عندما نقترب منها و عندما يصل الدور للعمل و الإتباع، تحدث لنا المشكلات. هنا يكمن عيب أبناء البشرية. لو أن أهل الدنيا كانوا يقتربون عملياً و لو خطوة واحدة نحو تلك الخصال بقدر ما يميلون إلى العدالة و الإنصاف و الشجاعة التي كانت في شخصية أمير المؤمنين، و مناصرة المظلوم التي كانت فيه، و مناصرة الحق التي تمثلت فيه، و مقارعة الظلم التي كانت في شخصيته، لأصبح العالم روضة. لكننا نحن بني الإنسان - أي إننا أنفسنا، من أمثالي، و نحن الذين نثني على أمير المؤمنين هكذا من بعيد - ليس من الواضح أننا نثني في حياتنا اليومية و في أحكامنا العادية على أحد الأعمال التي نثني عليها في شخصية أمير المؤمنين، أو عند ملاحظة الشخص الذي يريد أن يسير على نهج أمير المؤمنين، و إنما نضطرم في قلوبنا و ننهض لمواجهته. و إذا غلبتنا الشقاوة لا سمح الله، نشهر بوجه السيف أيضاً! هذا هو موطن الخلل. لهذا فمن المناسب أن نطّلع أيضاً على تفاصيل خصائصه بقدر ما نتحدث عن الجوانب المستخلصة من خصاله. أمير المؤمنين الذي كان العادل، كيف كان عدله؟ هذا العدل الذي نال كل هذا الثناء، كيف كان على الصعيد العملي؟ ثم نسعى كخطوة لاحقة للاقتراب منه على الصعيد العملي. هذا أمر صحيح و يؤدي إلى الكمال. إنكم سمعتم ما ورد في بعض الروايات (1) من أن أشخاصاً كانوا يقولون للأئمة عليهم السلام إننا شيعة لكم - كما ورد في رواية أن بعضهم جاءوا إلى أمير المؤمنين نفسه و قالوا له ذلك - لكن الأئمة حسب ما جاء في هذه الروايات كانوا يستنكرون ذلك منهم و يقولون لهم أين وجه الشبه بينكم و بين شيعتنا و موالينا؟ فأنتم تتصفون بهذه الخصلة و هذه الميزة و هذا القول و هذه الأعمال. بعبارة أخرى إنهم يطالبوننا بالعمل، و العمل تابع للاعتقاد أيضاً. يجب على الإنسان أن يعتقد بشيء.طبعاً على الشعب الإيراني أن يشكر الله اليوم كثيراً على توفّر أرضية الاقتداء بأمير المؤمنين و التمسّك بالإسلام في هذا البلد. فالغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب يتمتعون بهذه الميزة. و إن كان يوجد بينهم حالياً أشخاص لا يعملون ببعض الفروع، إلّا أن القلوب و الأرواح و العقائد و الإيمان متوجهة نحو ذلك الصوب الذي يشير إليه أصبع أمير المؤمنين لهداية الناس. إنني اخترت اليوم رواية أقرأها. وردت هذه الرواية في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد. طبعاً أنقل نصها من كتاب الأربعون حديثاً لإمامنا العظيم - و هو كتاب جيد للغاية - لكنني طابقتها مع ما ورد في كتاب الإرشاد. ينقل الشيخ المفيد أنّ الراوي يقول: كنا عند الإمام الصادق عليه الصلاة و السلام. فجرى الحديث عن أمير المؤمنين. فأثنى الإمام الصادق على أمير المؤنين و مدحه بما هو أهله. و من جملة ما قال - حيث بقى في ذهن الراوي و كتبه في نفس المجلس أو خارج ذلك المجلس - هذه الأمور. إنني نظرت إلى الرواية، فوجدت أن كل فقرة جرى التركيز عليها في هذا الحديث، تشير إلى بعد من أبعاد حياة أمير المؤمنين، كزهد ذلك العظيم و عبادته و الأبعاد الأخرى التي سأقرؤها الآن. يمتدح الإمام الصادق - طبقاً للرواية - أمير المؤمنين. الجملة الأولى التي ذكرها هي: و الله ما أكل علي بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا حراماً قط حتى مضى لسبيله(2). أي إنه كان يتجنب الحرام و كان يتجنب المال الحرام و يتجنب المنال الحرام. طبعاً المراد هو الحرام الحقيقي، و ليس ذلك الحرام المنجز حكمه بالنسبة له؛ أي إنه لم يقترب بنفسه حتى مما كان فيه شبهة. لاحظوا، لقد وضعوا أمامنا هذه الأمور كتعاليم و مثال عملي لنا، و الأعلى من ذلك كمثال فكري. و أقر الإمام الصادق و الإمام الباقر و الإمام السجاد بأنهم لا يستطيعون أن يعيشوا هكذا! فما بالك إذا وصل الدور لأناس من أمثالي! البحث لا يدور حول كيفية الحياة التي علينا أن نعيشها أنا أو أنتم، كلّا، فتلك الحياة هي قمّة الحياة، و الإمام يشير إلى تلك القمّة، معنى هذه القمة هو الحركة نحو هذه القمة حيث على الجميع أن يسيروا في هذا الاتجاه. و من الذي بوسعه بلوغ تلك القمة؟! نقرأ في هذا الحديث أن الإمام السجاد قال: إنني لا أستطيع أن أعيش هكذا. و ما عرض له أمران قطهما لله رضاً إلا أخذ بأشدهما عليه في بدنه فإذا عرض له نوعان من الطعام الحلال كان يختار أدناهما، و إذا عرض له نوعان من الثياب كان يختار أدناهما، و إذا عرض له عملان كلاهما حلال، كان يختار أصعبهما عليه. لاحظوا أن هذا الكلام غير صادر من متحدث عادي. و إنما من يتحدث هو الإمام الصادق، أي إنه كلام في غاية الدقة. لاحظوا مدى أهمية التشدد على النفس في الحياة الدنيا و المتع الدنيوية! و ما نزلت برسول الله صلى الله عليه و آله نازلة قط إلّا دعاه فقدّمه ثقة به أي إنّ الرسول متى ما حدثت قضية مهم‍ة له، كان يستدعيه و ینتدبه لها و يقدّمه فيها، و ذلك أولاً لعلمه بأنه يتمكن من أدائها على أحسن وجه؛ و ثانياً لأنّه لم يكن يتمرد على الأعمال الصعبة؛ و ثالثاً لأن‍ه مستعد للجهاد و البذل في سبيل الله. ففي ليلة المبيت على سبيل المثال، حين هاجر النبي سرّاً من مكة إلى المدينة، كان يجب أن يبات أحد في ذلك السرير، فقدّم الرسول عليّاً. و في الحروب كان الرسول يقدم أمير المؤمنين أيضاً. كما كان يقدم علياً في الأعمال المهمة و في أية قضية رئيسية و مهمة كانت تعرض للرسول: ثقة به لأنه كان يثق به، و كان يعلم أنه لا يرجع و لا يتزعزع و يعمل على أفضل نحو. لاحظوا، القضية ليست مجرد ادعاء يطلقه أشخاص صغار و ضعفاء من أمثالي، حيث نزعم أننا نريد أن نعيش هكذا؛ كلّا. و إنما القضية هي أننا يجب أن نسير في هذا الاتجاه. و على الإنسان المسلم السائر على نهج الإمام علي أن يسير على هذا الخط و أن يتقدم إلى الأمام كلما أمكن له. ثم قال: و ما أطاق أحد عمل رسول الله صلى الله عليه و آله من هذه الأمة غيره إنه كان يذهب إلى جميع المناطق كالرسول. لم يكن بوسع أي شخص آخر، أن يحتذي حذو الرسول و يضع قدميه مكان الرسول. و إن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة و النار؛ على الرغم من كل هذه الأعمال الإيمانية العظيمة التي كان يتقبلها الله، كان سلوكه سلوك إنسان يعيش بين الخوف و الرجاء؛ فقد يخشى الله، و كأنّه متأرجح بين الجنّة و النار؛ يرى الجنة من جانب و يرى الجحيم من جانب آخر. يرجو ثواب هذه و يخاف عقاب هذه. خلاصة هذا الكلام هي أنه على الرغم من كثرة جهاده و إنفاقه و عبادته، إلّا أنه لم يغتر بشيء. في حين إذا صلّى واحد منا ركعتي نافلة و قرأ بضع جمل من الأدعية، و أراق دمعتين، سرعان ما يغتر بنفسه و يتصوّر نفسه و كأنّه أصبح (طاووس العليين)! لكن أمير المؤمنين لم يكن يغتر بنفسه على الرغم من كثرة عمله. أما لماذا يخاف أشخاص كالرسول و أمير المؤمنين و الإمام السجاد - و هم الذين خلق الله الجنة من أجلهم - نار جهنم و يستعيذون بالله منها، فهو بحث آخر. نحن أناس صغار و قصيرو النظر و لا ندرك عظمة الله، و مثلنا كمثل طفل صغير يلعب أمام شخصية علمية كبرى و يجيء و يذهب و لا يهتم أبداً بهذا الشخص، لأنه لا يعرف هذه الشخصية؛ فی حین تجد أن والد ذلك الطفل الذي يفوق عقله عقل طفله مائة مرّة يتواضع لتلك الشخصية. هكذا حالنا أمام الله تعالى. فنحن كالأطفال و الجهلاء و الوضعاء، لا ندرك عظمة الله. أما أولئك الذين وصلوا من مرحلة العلم إلى مرحلة الإيمان، و من مرحلة الإيمان إلى مرحلة الشهود و من مرحلة الشهود إلى مرحلة الفناء في الله، هم الذين تتجلى عظمة الله أمام أبصارهم بشكل تتضاءل أمامهم قيمة كل عمل صالح يعملونه، و يقولون إننا ما قمنا بعمل، و يشعرون دوما إنهم مدينون لله. و لقد أعتق من ماله ألف مملوك، في طلب وجه الله و النجاة من النار، مما كد بيديه و رشح منه جبينه أي إن الأموال التي كان ينفقها، لم يحصل عليها بالمجّان. يقول الإمام الصادق وفقاً لهذه الرواية: مما كد بيديه؛ أي حصل عليها بتعب يده و عرق جبينه و بالعمل الشاق. إنه كان يعمل سواء في عهد الرسول أو في فترة الخمسة و عشرين سنة، أو في فترة خلافته - إذ يُفهم من بعض الآثار أنه كان يعمل أيضاً في زمن خلافته - فقد كان يعمل و يحفر القنوات و يحيي الأراضي و يزرعها و يحصل على المال، و كان ينفق هذه الأموال في سبيل الله. كان يشتري العبيد دوماَ و يعتقهم؛ لقد اشترى و أعتق على هذا المنوال ألف عبد. إن كان ليقوت أهله بالزيت و الخل و العجوة، أي إنّ طعامه العادي الذي كان في داره هو الزيتون و الخل و التمر من الدرجة المتوسطة أو الرديئة، و كان طعامه يشبه الخبز و اللبن أو الخبز و الجبن في مجتمعنا في الوقت الحاضر. و ما كان لباسه إلّا كرابيس؛ إذا فضل شيء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه أي إنّه لم يكن يرتضي لنفسه حتى الزيادة في الأكمام. كان يقول هذا زائد، يمكن أن يستخدم هذا القماش في خياطة شيء آخر! لأن القماش كان قليلاً جداً في ذلك العصر، و كان يعاني الناس من مشاكل على صعيد الألبسة، لذلك كان يمكن لقطعة من قماش الكرباس معالجة مشكلة.ثم يتحدث عن عبادته. فقد كان (عليه السلام) ذروة الإسلام و أسوة للمسلمين. و قال في نفس هذه الراواية: و ما أشبهه من ولده و لا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه و فقهه من علي بن الحسين عليهما السلام. ذكر الإمام الصادق عليه السلام فصلاً في باب عبادة الإمام السجاد، و قال من جملة ما قال: و لقد دخل أبو جعفر ابنه عليهما السلام عليه؛ فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، و يشرح: قد شحب وجهه من السهر، و أختالت عيناه من البكاء، و ورمت رجلاه و غيرها من هذه الأمور. شاهد الإمام الباقر هذه الحالات في أبيه و تألّم: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء؛ فبكيت رحمة له. كان الإمام السجاد متفكّراً - و التفكرّ عبادة أيضاً - و أدرك بالفراسة سبب بكاء ولده الباقر، فأراد أن يقدم له درساً عملياً، فرفع رأسه: قال يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام؛ و يبدو أن هناك كتابات و مدوّنات في باب قضائه و حياته و أحاديثه كانت لدى الأئمة. و يفهم المرء من مجموع الروايات الأخرى، إنهم كان يستفيدون منها في مواقف مختلفة. و هناك أيضاً طلب الإمام السجاد من ابنه الإمام الباقر أن يأتي له بما يتعلق بعبادة علي بن أبي طالب. فيقول الإمام الباقر: فاعطيته؛ فقرأ فيها شيئاً يسيراً ثم تركها من يده تضجّراً؛ فالإمام السجاد يقدم هنا درساً للإمام الباقر و الإمام الصادق و يقدّم درساً لي و لكم أيضاً. قال من يقوي على عبادة علي بن ابي طالب عليه السلام؟ فالإمام السجاد الذي كان يكثر من عبادة الله إلى الحد الذي جعل الإمام الباقر يرق لحاله - و ليس مثلي و مثلكم، فنحن نستعظم ما هو أقل من ذلك - و الإمام الباقر الذي هو إمام و له مقامات رفيعة أيضاً، يتألم لكثرة عبادة علي بن الحسين و لا يطيق الصبر على البكاء فيبكي لا إرادياً، و مع كل هذا نجد علي بن الحسين مع كل عباداته يقول: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب؛ أي إنه يرى بوناً شاسعاً بينه و بين علي.علي الذي نعشقه أنا و أنت، و تعشقه الدنيا و يكتب المسيحي كتاباً عنه لحبّه له، و يثني عليه حتى من لا يلتزم كثيراً بالمبادئ الدينية، لماذا تنظرون إلى علي هذا عن بعد؟ اقتربوا منه. كل من ينظر إلى قمة (دماوند)، عن بعد ينبهر بها! اصعد من هذه المنعطفات قليلاً لنرى من أنت! يجب الاقتراب منه، و يجب الانطلاق، و يجب التحرك. و اليوم فإنّ البشرية تحتاج إلى هذه الخصال التي كان أمير المؤمنين حامل لوائها. هذه الخصال لا تندرس بتقدم العلم و التقنية و ظهور أنماط الحياة الجديدة في الدنيا. فالعدالة لا تندرس، و الإنصاف و الدعوة إلى الحق لا يبلى، و مقارعة المتغطرس لا تبلى، و اتصال القلب بالله لا يبلى. لأن هذه الخصال ثابتة في فطرة الإنسان على مدى التاريخ. فقد كان أمير المؤمين رافعاً لواء هذه الخصال. البشرية اليوم متعطشة لهذه الأحاديث و هذه الحقايق. فما هو السبيل؟ السبيل هو الاقتراب. علينا أن لا نستكثر كلمة حق قلناها أنا و أنت في أي مكان؛ كلّا. هذا هو الإمام علي. علينا أن لا نستعظم ساعة من الليل و النهار تمكنّا فيها من عبادة الله و يداخلنا العجب بأنفسنا، كلّا. هذا هو نهج الإمام علي. علينا أن لا نستعظم أنفسنا إذا ما استطعنا الخوض في ساحة خطر؛ كلّا. هذا هو نهج الإمام علي. عليكم الاقتراب من الإمام علي بمقدار ما يمكنكم. يا أيها الصائمون، و يا أيها المصلون، و يا من تصلّون النوافل، و يا أيها المجاهدون في سبيل الله، و يا أيها المقتحمون ساحات المخاطر، و يا أيها الزهاد في العالم، و يا أسود النهار و يا أيها العباد في الليل! هنيئاً لكم؛ فأنتم أقرب إلى الإمام علي، و يمكنكم أيضاً أن تكونوا أقرب فأقرب.إن العالم الإسلامي بل العالم كلّه يخضع لعظمة الإمام علي عليه السلام. هذه الأمور هي التي تبقى في التاريخ. أي زهده و عبادته و شجاعته و عزمه الراسخ في سبيل الله. متى ما اقتضت الحاجة كان يهوي بسيفه على أعداء الحقيقة و أعداء الدين و أعداء الله و لم يكن يخاف من أي شيء: لا تأخذه في الله لومة لائم(3). فإذا ما كان هناك شخص منحرف و مضر و مخل في طريق السير إلى الله، فإن سيفه كان القول الفصل. و متى ما كان هناك مظلوم، أو مسلوب حق، كان أمير المؤمنين يتحوّل إلى أرق إنسان و أعطف إنسان. جاء في رواية كان أمير المؤمنين يكثر من إطعام الأيتام بيده إلى حد جعل أحد الأشخاص - لعله كان شابّاً على سبيل المثال - يقول: يا ليتنا كنا أيتاماً حتى يكون أمير المؤمنين رؤوفاً بنا إلى هذا الحد! كان يذهب إلى الفقراء و البؤساء و المحتاجين مجهولاً، و من الواضح أنهم عرفوه بعد ما ضرب بأنه هو ذلك الشخص الرؤوف الذي كان يأتي إليهم و هم لا يعرفونه!كلامه هو نهج البلاغة، أي أفصح كلام إنسان عند العرب. نهج البلاغة ذروة الفن و الجمال، و جمال اللفظ و جمال المعنى. و يبهر الإنسان! لم يستطع أي شاعر عربي كبير، أو كاتب عربي فنان، أن يقول بأنني غني عن الرجوع إلى نهج البلاغة.على أي حال، لقد فجع أهل الكوفة بالأمس لعزاء هذا الرجل العظيم. لم يشيع جثمان ذلك العظيم في الكوفة. و لم يجتمع الناس حول جثمان أمير المؤمنين. لعل أمير المؤمنين كان يرى فترة هيمنة الأعداء على الكوفة. فما الذي جرى في الكوفة بعد مضي عشرة أعوام أو عشرين عاماً على استشهاد أمير المؤمنين؟ الذين داروا ببنات أمير المؤمنين في أسواق الكوفة، و رفعوا رأس فلذات كبده على رؤوس الرماح، لم يكونوا يتورعون عن نبش قبر علي بن أبي طالب و توجيه الإهانة إليه؟! لذلك كان قبر ذلك العظيم مخفياً و لم يعثر عليه إلّا بعد مضي مدة طويلة.بسم الله الرحمن الرحيمقل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد و لم يولد. و لم يكن له كفواً أحد.(4)نسألك اللهم و ندعوك باسمك العظيم الأعظم الأعزّ الأجل الأكرم، و بعلي و أولاده الطيبين الطاهرين، يا الله يا الله يا الله يا رحمن يا رحيم. اللهم نسألك بحق محمد و آل محمد أن لا تفرق بيننا و بين علي بن أبي طالب في الدنيا و الآخرة، و وفّقنا للاقتداء بهذا الرجل الذي يمثل قمة في العظمة و الجمال و المجد. اللهم! و انصر الإسلام و المسلمين، و انصر المسلمين المجاهدين في سبيلك في أي بقعة من العالم كانوا. اللهم قرّب قلوب المسلمين إلى بعضها، و قرّب الشعوب الإسلامية إلى بعضها. اللهم! و انصر الشعب الإيراني الكبير العظيم في جميع الساحات؛ و أهلك أعداءه. اللهم و احلل عقد هذا الشعب المؤمن العظيم و جميع المسلمين؛ و انصر خدمة هذا الشعب و هذا البلد. اللهم وفّقنا جميعاً للخدمة في سبيلك و لخدمة هذا الشعب. اللهمّ! و أحينا مسلمين و أمتنا أفضل ميتة يمكن أن تكون لأي مسلم.بسم الله الرحمن الرحيمالحمد الله رب العالمين. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين المنتجبين. و على علي أمير المؤمنين، و على الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين، و على الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنة، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و الخلف القائم المهدي. حججك على عبادك و أمنائك في بلادك. و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. و أوصيكم عباد الله بتقوى الله و استغفر الله لي و لكم.الیوم هو يوم القدس، و قد نزل شعبنا إلى الشوارع ككل عام استجابة لدعوة الإسلام و الإمام الراحل و تلبية لاستغاثة مظلومة من شعب مظلوم و مغصوب الحق. حسب ما أخبروني فإنّ مشاركة الشعب في هذه المسيرات كانت حتى الآن مشاركة حاشدة و ملفتة للنظر في جميع المناطق، و لا بد أن أخباراً لاحقة ستصل أيضاً و ستنعكس في وسائل الإعلام. و من المؤكد أن جماعات من المسلمين في سائر مناطق العالم كرّمت هذا اليوم، و لا شك ستصلنا تفاصيل ذلك في ما بعد. إنني أريد اليوم أن أتحدث عن هذه القضية.أولاً علي أن أقول إن القضية الفلسطينية واحدة من وصمات العار الكبرى في هذا القرن الذي يوشك على نهايته. طبعاً وصمات العار على جبين هذا القرن أكثر من هذا: وقعت حربتان كبيرتان في هذا القرن. و كم من الحكومات نصبت على أيدي مستعمري الأمس، و من جملتها بلدنا. في هذا القرن نفسه ظهرت الحكومة البهلوية العميلة و الفاسدة و الظالمة و المستكبرة و المتغطرسة و غير الإنسانية؛ لكن بين القبائح التي وقعت في هذا القرن - طبعا وقعت فيه محاسن أيضاً و لكن ليس هذا موضع بحثنا الآن - من أشدها قبحاً أو ربما يمكن القول إن أقبحها، هي القضية الفلسطينية. لماذا؟ لأنهم طردوا شعباً من بلده. إنني أرجو من الشباب الذين ليس لديهم اطلاع مسبق بالقضية الفلسطينية أن يتأملوا و يتعمّقوا في هذه الكلمات. إنهم طردوا شعباً من بلده و جمعوا جماعة من الناس من أكناف العالم و أحلوهم محل هؤلاء الأشخاص. لماذا؟ لأن الجماعة التي جمعوها من أرجاء العالم تعود إلى عنصر واحد، و هو العنصر الإسرائيلي أو العنصر اليهودي! أي إنهم مارسوا حركة عنصرية قبيحة لو كان مارسها أحد على نطاق أضيق لكان مدعاة للعار. مارسوها على نطاق بلد كامل. فمن قام بهذا العمل؟ إنها في الحقيقة بريطانيا و من بعدها أمريكا.طبعاً هناك اليوم بعض من يريدون أن يتوجهوا باللائمة علينا، لماذا تتحدثون عن القضية الفلسطينية، فهذه قضية انتهت! إنني أقول بأن القضية الفلسطينية لم تنته قط. ليس الأمر بحيث تظنون أن على الفلسطينيين - أعني أصحاب أرض فلسطين - أن يبقوا هم أنفسهم أو أولادهم خارج أرضهم أو أن يعيشوا في أرضهم كأقلية مقهورة إلى الأبد، و يبقى أولئك الغاصبون الأجانب فيها. كلّا، هذا غير ممكن. البلدان التي خضعت مائة سنة لهيمنة إحدى القوى - كما هو الحال بالنسبة لكازخستان و جورجيا التي تلاحظونها، هذه البلدان في آسيا الوسطى التي استقلت حديثاً - كان بعضها خاضعاً للاتحاد السوفيتي و بعضها الآخر كان خاضعاً لروسيا قبل ظهور الاتحاد السوفيتي، فهذه البلدان نالت استقلالها من جديد و عادت إلى أهاليها؛ لذلك لا يستبعد و من المحتم أن يحدث هذا الأمر و سيحدث إن شاء الله و ستعود فلسطين إلى الشعب الفلسطيني. لذلك لم تنته القضية بعد، هذا خطأ.طبعاً الأسلوب الذي ينتهجه الصهاينة و حلفاؤهم اليوم - حيث تعدّ الحكومة الأمريكية من أهم حلفائهم - هو الاستفادة من مصطلح السلام الجميل: فهم يدعون إلى الصلح و ترك الخصام!! أجل إن الصلح أمر جيد للغاية، لكن أين هو السلام و مع من؟! شخص دخل داركم بالعنف و كسر الباب بالعسف و ضربكم، و وجه الإهانة إلى زوجتكم و أولادكم، و احتل غرفتين و نصف من الغرف الثلاثة التي في داركم، ثم يقول لكم: لماذا تشكون مني دوماً إلى هذا و ذاك؛ و تعارضون و تتنازعون دوماً؛ تعالوا لنتصالح معاً. هل هذا سلام؟! السلام هو أن تخرج أنت من البيت؛ و إذا وقعت حرب بيننا، فليأتوا ليصالحوا بيننا. إنكم جلستم في دارنا، و ارتكبتم كل هذه الجرائم هنا؛ و لو كان بوسعكم، لما تورعتم عن ارتكاب أي جريمة. فها هو الكيان الصهيوني الآن يهاجم في كل يوم جنوب لبنان؛ و هو لا يهاجم المقاتلين اللبنانيين، بل يهاجم مدارس جنوب لبنان. كما هاجم قبل عدة أيام مدرسة و قتل عدداً من الأطفال! و هؤلاء لم يحملوا السلاح و لم يعتدوا. لكن هذه هي طبائع المتعدي. في ذلك اليوم الذي دخل الصهاينة لبنان، و ارتكبوا المجازر، و هكذا فعلوا أيضاً في دير ياسين و سائر المناطق، لم يقم أي شخص بعمل ضدهم. أو على الأقل، لم يقم هؤلاء الناس بعمل ضدهم؛ طبعاً جماعة من الشباب العربي الغيارى كانوا يحاربون. و كانوا يقولوا في ذلك اليوم أيضاً، لماذا دخلتم دارنا و تقومون بهذه الأعمال، لكن الناس الذين لقوا كل هذا الاضطهاد منهم، و أخرجوهم من مزارعهم و قراهم عن طريق المجازر، لم يقوموا بعمل. لذا فإنّ طبيعة هذا الكيان طبيعة عدوانية. لقد أقيم الكيان الصهيوني أساساً على العنف و القهر و القسوة و يستمرّ على هذا الأساس. بدون هذه الأعمال لم و لن يكون قادراً على التقدم إلى الأمام. يقولون: تصالحوا مع هذا الكيان؟! فأي سلام هذا؟! هؤلاء إذا اقتنعوا بحقهم و أعادوا فلسطين إلى أصحابها و ذهبوا لحالهم، أو استأذنوا الحكومة الفلسطينية بالعيش على هذه الأرض كلهم أو بعضهم فلن يحاربهم أحد. الحرب سببها أنهم اقتحموا دار الآخرين بالعنف و أخرجوهم منها، و الآن يمارسون الظلم ضدهم. كما يمارسون الظلم ضد بلدان المنطقة برمتها و يشكلون تهديداً للجميع. فهم إنهم يريدون السلم من أجل اتخاذه مقدمة ليتمكنوا من القيام بأعمالهم العدوانية على نحو آخر.من جملة القضايا المطروحة في الوقت الحاضر من أجل أن يعلو القضية الفلسطينية غبار النسيان و حيلولة دون طرحها على صعيد الرأي العام للأمة الإسلامية، هي المفاوضات المسماة بمفاوضات السلام الجارية حالياً بين فئة من الفلسطينيين - أعني بين عرفات و جماعته - و بين الإسرائيليين، أي موضوع المساومة و ما يسمى بإدارة الحكم الذاتي الفلسطيني و غيرها من هذه الأحاديث. هذه أيضاً واحدة من أقبح ألوان الخداع و التضليل الإسرائيلي التي وقع في فخها و للأسف عدد من المسلمين و عدد من الفلسطينيين أنفسهم. واحدة من الأحاديث التي يطرحونها اليوم هي المفاوضات الجارية بين هذه الجماعة و قادة إسرائيل، و هي من أقبح تلك الأساليب. لماذا؟ لأنه وفقاً لأفضل الفرضيات في آخر مباحثات لهم - حسب تعبيرهم واي ريور 2 - لو تحققت الالتزامات و العهود الإسرائيلية بأجمعها فلن تنال هذه الجماعة الفلسطينية المسكينة سوى أكثر قليلاً من أربعة بالمائة من مجموع الأرض الفلسطينية! أي إن الأرض الفلسطينية التي هي للفلسطينيين، و الشعب الفلسطيني هو مالكها كلّها و هي حقّ من حقوقه سيقدمون له أربعة بالمائة منها. و هذه الأربعة بالمائة منها ليست مجتمعة كلها في مكان واحد، بل هي قطع متفرقة و موزّعة ربّما على عشرة أماكن! و لم يسمحوا أبداً لأولئك الذين دعوهم لتشكيل حكومة هنا - و هم هذه الجماعة المخزية - بأن يعملوا كحكومة. طلبوا منهم أن يذهبوا إلى هناك و يراقبوا الفلسطينيين في هذه المنطقة لكي لا يقوموا بعمل مضاد لإسرائيل! أي قدموا لهم مساحة صغيرة و محدودة و متفرقة و غير قابلة للإدارة و بشكل ناقص ليقيموا بلداً فيها! و ما يجب عليهم أن يقوموا به مقابل هذا، هو أن يقوموا إضافة على الدور الذي تمارسه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هناك بأعمال ضد الفلسطينيين المقاتلين في الأراضي المحتلة! هل هناك خيانة أسوأ من هذه؟!إن الخيانة التي يرتكبها الذين يمارسون هذا العمل باسم الفلسطينيين، أسوأ و أبشع و أجسم من جميع الخيانات التي ارتكبت ضد فلسطين إلى يومنا هذا! و لم يقدموا للشعب الفلسطيني شيئاً و لن يستطيعوا أن يقدموا له شيء. كتب كاتب فلسطيني عربي مقيم في أمريكا أن جماعة عرفات لم تستطع بعد أن تجمع قمامات مدينة غزة من الشوارع؛ لكنهم استطاعوا خلال هذه المدة إيجاد خمسة أجهزة أمنية و مخابراتية تمارس نشاطها في التجسس على أبناء الشعب! فهل هذه هي الحكومة الفلسطينية؟! هل هذا يعني عودة الشعب الفلسطيني؟! هل هذا يعني إحقاق حقوق الفلسطينيين؟! إنهم عديمو الحياء إلى هذا الحد! لقد قلت عندما دخل هذا الشخص في أول مفاوضات له مع الإسرائيليين، إنه شخص خائن و أحمق! و لو كان خائناً و لكنه عاقل، كان يعمل أفضل من هذا! طبعاً لا أدري على وجه الدقة، لكنني أظن بأن الأمريكيين و الأجهزة الاستخبارية لإسرائيل استغلوا نقاط ضعفهم. فهم يعانون من نقاط ضعف كثيرة، لأنهم يحبون الدنيا. حينما لا يكون للدين دور ستجري الأمور على هذه الشاكلة. و الله وحده يعلم بمدى المشكلات التي تورّطوا فيها مالياً و أخلاقياً طول هذه السنوات التي كانوا فيها منهمكين بإدارة منظمة تحرير فلسطين، و يبدوا أن أولئك قد ركّزوا على تلك النقاط. من جانب آخر، التعب و التوقف و التراجع عن المبادئ أدى بهم إلى الوقوع في هذه الورطة الرهيبة و هذا المستنقع المهلك و هذا الشقاء و اللعنة الأبدية. هل تظنون أنّ هناك شخصاً فلسطينياً لا يلعنهم من أعماق قلبه، إلّا أن يكون من عملائهم و شريكاً لهم في المصالح. يوجد ما بين أربعة إلى خمسة ملايين فلسطيني مشرد خارج أرضه، و حوالي ثلاثة ملايين يعيشون داخل فلسطين. يجب أن تؤخذ وجهة نظر هؤلاء حول فلسطين بنظر الاعتبار. هؤلاء قبضاتهم مشدودة و قلوبهم مليئة غيضاً.هذه التحديات كنت قد عرضتها على بعض البلدان العربية منذ عهد رئاستي للجمهورية. طرحت في أحاديثي، لكن حكومات تلك البلدان كانت تقول نحن لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين! يجب أن يتم تنفيذ ما يريدونه هم. طبعاً لم تكن مفاوضات السلام مطروحة حينها بهذا الشكل؛ إلّا أن ملامحها كانت واضحة. أوّلاً القضية الفلسطينية هي قضية العالم الإسلامي. و فضلاً عما فيها من أبعاد سياسية و أمنية و اقتصادية، فهي قضية واجب إلهي و إسلامي. و الأهم من كل ذلك هو أنها قضية إلهية؛ لكن حتّى إذا كان الشخص لا يؤمن بالله و يريد أن يعمل للشعب الفلسطيني فحسب، فعليه أن يأخذ بنظر الاعتبار إرادة أبناء الشعب الفلسطيني. الشعب الفلسطيني اليوم هم أولئك المعتقلون في سجون الكيان الغاصب و عشرات الأضعاف منهم يطلقون الشعارات في الشوارع و في المسجد الأقصى و كافة أنحاء الأرض المغصوبة. و إذا كانت هناك أقلية صغيرة دفعتها الأطماع إلى الدخول في مفاوضات السلام، فهي لا تمثل الشعب الفلسطيني حتّى نقول إننا لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين. إنني أتذكر منذ ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة أن واحدة من الحكومات العربية - و لا أريد أن أذكر اسمها الآن- لم يكن يبدو أنها آيلة إلى الفساد، لأنها كانت صاحبة ماض ثوري، طرحت هذا الرأي. و قد شعرت منذ ذلك الوقت إن هذه البلدان ستنحرف، ثم أخذ انحرافها يتجلى أكثر فأكثر. طبعاً لا أريد أن أذكر بعض الأمور و الخصائص الأخرى.ما هو أساس القضية الفلسطينية؟ أساسها هو أن حفنة من اليهود المتنفذين في العالم فكّروا في تأسيس بلد مستقل لليهود. و قد استغلت الحكومة البريطانية هذه الفكرة من أجل معالجة مشكلتها. طبعاً كان اليهود يفكرون قبل ذلك في الذهاب إلى أوغندا و جعلها بلداً لهم. ثم فكّروا في التوجه إلى طرابلس عاصمة ليبيا؛ لذلك تحدثوا مع الإيطاليين - الذين كانت طرابلس في أيديهم حينذاك - لكن الإيطاليين رفضوا طلبهم، و في نهاية المطاف اتفقوا مع الإنجليز. و كانت للإنجليز آنذاك أغراض استعمارية مهمة للغاية؛ و رأي الإنجليز حينذاك أن من المناسب أن ياتي هؤلاء إلى هذه المنطقة، فيدخلوا كأقلية في البداية، ثم يزدادوا تدريجياً و يتخذوا لهم بقعة من الأرض في موقع حساس - لأن فلسطين تقع في منطقة حساسة - و يقيموا لهم دولة و يكونوا حلفاء للإنجليز و يحولوا دون اتحاد دول الإسلام و خاصة دول العالم العربي. صحيح أن الآخرين إذا كانوا واعين سيصبح العدو سبباً لاتحادهم، لكن العدو الذي يتمتع بكل هذا الدعم من الخارج، يستطيع بث بذور الاختلاف عن طريق أساليبه الجاسوسية و الأساليب المختلفة، و قد قام بهذا العمل فعلاً، فهو يقترب من جهة، و يضرب جهة أخرى و يقمع جهة أخرى و يشدد على جهة أخرى. لذلك كانت هناك مساعدة الحكومة البريطانية و بعض البلدان الغربية الأخرى بالدرجة الأولى. ثم انفصلوا تدريجياً عن بريطانيا و ارتبطوا بأمريكا. و قد احتضنتهم أمريكا حتى يومنا هذا. بهذا المعنى أوجدوا بلداً و احتلوا فلسطين. كان الأسلوب الذي اتبعوه لاحتلال فلسطين بهذا الشكل: لم يأتوا في بداية الأمر عن طريق الحرب؛ بل جاءوا عن طريق الحيلة و قاموا بشراء الأراضي الفلسطينية الواسعة التي كان يعمل فيها الفلاحون و المزارعون العرب، و كانت تلك الأراضي خصبة للغاية. اشتروها بأسعار مضاعفة على السعر الحقيقي من أصحابها الأصليين الذين كانوا يعيشون في أمريكا و أوربا. و قد كان أصحابها الأصليون يتمنون ذلك فباعوا أراضيهم لليهود. طبعاً كان لهم سماسرة حيث يُنقل أن أحد سماسرتهم هو السيد ضياء شريك رضا خان في انقلاب عام 1299هـ.ش، حيث ذهب من هنا إلى فلسطين، و عمل هناك كسمسار لشراء الأراضي من المسلمين و بيعها لليهود و الإسرائيليين! اشتروا الأراضي، و حينما أصبحت هذه الأراضي ملكاً لهم، أخذوا تدريجياً بإخراج المزارعين منها مستخدمين في ذلك أساليب وحشية و قاسية للغاية. كل مكان ذهبوا إليه، كانو يضربون و يقتلون أهاليه، ثم كانوا يعملون على استمالة الرأي العام العالمي إلى جانبهم بأساليب الكذب و الخدعة. لقد كانت لهيمنة الصهاينة الغاصبة على فلسطين ثلاثة أركان: أولاً استخدام أسلوب القسوة مع العرب. حيث كان يتصف تعاملهم مع أصحاب الأرض الرئيسيين بالعنف و الهمجية الشديدة. و لم يكونوا رؤوفين على هؤلاء أبداً. الركن الثاني هو الكذب على الرأي العام العالمي. و أسلوب الكذب هذا من الأمور العجيبة للغاية. و لقد كذّبوا عن طريق وسائل الإعلام الصهيونية التي كان يديرها اليهود - سواء قبل اغتصابهم أرض فلسطين أو بعد ذلك - إلى درجة أن بعض الرأسماليين اليهود اعتقلوا بسبب هذه الاكاذيب! و الكثيرون منهم صدّقوا تلك الأكاذيب. حتى إنهم خدعوا بها أشخاصاً كالكاتب و الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي جان بول سارتر الذي كنا في فترة شبابنا ولهين به و بأمثاله. فهذا الشخص جان بول سارتر ألف كتاباً قرأته قبل ثلاثين سنة. كتب یقول: شعب بلا أرض و أرض بلا شعب! أي إن اليهود كانوا شعباً بلا أرض و جاءوا إلى فلسطين التي كانت أرضاً بلا شعب! ما معنى لا شعب لها؟ كان فيها شعب و كان يعمل. و هناك شواهد كثيرة أيضاً. يقول كاتب أجنبي: كانت في كافة أنحاء أرض فلسطين مزارع الحنطة كبحر أخضر على امتداد البصر، فما معنى أرض بلا شعب؟! لقد صوّروا للعالم و كأن فلسطين أرض بائرة و بائسة و مهجورة و هم جاءوا و عمّروها! هذا هو الكذب على الرأي العام! كانوا يحاولون دوماً أن يصوّروا أنفسهم كأنهم مظلومون، و هذا هو الحال اليوم أيضاً! في هذه المجلات الأمريكية - كالتايم و النيوزويك - اللتين أراجعهما أحياناً، إذا وقعت أدنى حادثة لعائلة يهودية، يضخّمون صور و تفاصيل و عمر القتيل و مظلومية أطفاله، لكنهم لا يشيرون حتى أدنى إشارة إلى المئات و الآلاف من الممارسات القاسية التي ترتكب ضدّ الشباب الفلسطينيين و العوائل الفلسطينية و الأطفال الفلسطينيين و النساء الفلسطينيات في داخل فلسطين المحتلة و في لبنان!الركن الثالث هو أسلوب الاتصالات و المفاوضات و حسب تعبيرهم اللوبي. يقوم هذا الأسلوب على مبدأ الاتصال بهذه الحكومة أو تلك الشخصية أو أحد الساسة أو ذلك المثقف أو ذلك الكاتب أو ذلك الشاعر! عملهم كان يقوم على ثلاثة أركان تمكّنوا بواسطتها من احتلال هذا البلد عن طريق هذه الخدعة. و قد وقفت القوى الأجنبية إلى جانبهم أيضاً في تلك الفترة، و أهم تلك القوى كانت بريطانيا و الأمم المتحدة، و قبل الأمم المتحدة عصبة الأمم التي أنشئت بعد الحرب لإقرار ما يسمى بقضايا السلام، كانت تدعمهم إلا في حالات معدودة. في عام 1948 م أصدرت عصبة الأمم قراراً و قسّمت فلسطين بدون أي سبب. و قالت إن سبعة و خمسين بالمائة من أرض فلسطين هي ملك لليهود، في حين لم يكن لهم قبل ذلك التاريخ سوى خمسة بالمائة من الأراضي الفلسطينية! و قد أقاموا دولة هناك، ثم حدث قضايا متنوعة و شنّت الهجمات على القرى و المدن و البيوت و المواطنين العزل الأبرياء. طبعاً الحكومات العربية أيضاً قصّرت في القيام بواجبها. وقعت عدة حروب. في حرب 1967م تمكّن الإسرائيليون أن يحتلّوا بمساعدة أمريكا و الحكومات الأخرى مساحات من أراضي مصر و سوريا و الأردن. ثم في حرب 1973 التي بدأها هؤلاء استطاعوا بمساعدة تلك القوى أن يكسبوا نتيجة الحرب لصالحهم و يحتلّوا أراض أخرى.هدف إسرائيل هو التوسّع. الكيان الصهيوني لا يقنع بأرض فلسطين الحالية. في بداية الأمر كانوا يريدون شبراً واحداً، ثم احتلوا نصف فلسطين، ثم احتلوا فلسطين كلها، ثم اعتدوا على البلدان المجاورة لفلسلطين - كالأردن و سوريا و مصر - و احتلوا أراضيها. و الهدف الأساسي للصهيونية هو إنشاء إسرائيل الكبرى. طبعاً قلّما يذكرون هذه التسمية في هذه الأيام، و يسعون للتكتم عليها. إنهم يكذّبون على الرأي العام من جديد. لماذا؟ لأنهم يحتاجون في هذه المرحلة التي نحن فيها الآن، إلى التستّر على أهدافهم التوسّعية! المشكلة التي يعاني منها الصهاينة اليوم هي أنهم بحاجة ماسة للسلام. لماذا؟ لأنه بعد عام 1947 إلى 1967 م لم يكن هناك كفاح و نضال و لم تمض تلك الأعوام على ما يرام. ثم بدأ بعد ذلك الكفاح المسلح خارج أرض فلسطين، كان مركز منظمة التحرير الفلسطينية و سائر الفصائل في الأردن أو سوريا أو في أماكن أخرى. كانوا يرسلون فصائل و كانوا يهاجمون و كانوا يوجهون الضربات ثمّ ينسحبون. لم تشكّل آنذاك أي منظمة عسكرية في الأراضي الفلسطينية. أن الناس كانوا يعيشون في حالة من الرعب و لم يكن بوسعهم القيام بأي عمل؛ لكن وقعت حادثتين مهمتين بعد انتصار الثورة الإسلامية. الحادثة الأولى هي أن نهضة فلسطين - التي كانت نهضة غير الدينية - تحوّلت إلى نهضة إسلامية و ظهرت المقاومة الإسلامية و اتخذت طابعاً إسلامياً. أولئك الذين كانوا يقاتلون من الخارج - كالأشخاص الذين كانوا يهاجمون إسرائيل و يوجّهون الضربات لها من لبنان أو سائر المناطق الأخرى - خاضوا غمار الساحة بالدافع الإسلامي و هو دافع قوي جدّاً. ثانياً انبثقت الانتفاضة في داخل الأرض و الوطن المغصوب. إنهم يخافون من هذه الانتفاضة لأنها تحظي بأهمّية فائقة. طبعاً يسعون للتعتيم على القضية كما هي في الواقع، لكن كفاح الشعب الفلسطيني في داخل أرض فلسطين مؤثّر و فاعل و قاضم لظهر الكيان الصهيوني. لماذا؟ لأنهم قدموا الوعود لليهود الذين جمعوهم من كافة أنحاء العالم في هذه المنطقة بأن هناك حياة رغيدة و آمنة تنتظرهم، و قالوا لهم تعالوا لتكونوا أسياداً هنا و الآن لا طاقة لهم على مواجهة الجيل الجديد الناهض و أصحاب هذه الأرض الرئيسيين الذين استيقظوا اليوم. إن قواعد الكيان الصهيوني متزعزعة، لذلك فهم يجبرون الآن على إقرار السلام مع بلدان المنطقة بأي نحو كان، لكي يمكن لهم متابعة قضاياهم الداخلية. القضية المسمّاة بالتصالح مع منظمة التحرير الفلسطينية و قضية عرفات هي امتداد لهذا الاتجاه. إنهم أرادوا أن يجيئوا بعنصر فلسطيني إلى مشروع التساوم، لعلهم يستطيعوا من خلال ذلك إخماد صوت المقاتلين الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، لكنهم لم يتمكّنوا من ذلك. و في ضوء هذه التفاصيل، لا يتجرأ الكيان الصهيوني الغاصب اليوم على أن يطرح قضيته الرئيسية و هي التوسع من النيل إلى الفرات. فأرض الميعاد للصهاينة تمتد حسب مزاعمهم الباطلة من النيل إلى الفرات. و كل ما لم يحتلّوه منها، يجب عليهم احتلاله في ما بعد؛ هذه هي خطتهم! فهم لا يتجرأون الآن أن يطلقوا هذا الكلام.حديثنا و قضيتنا اليوم هي أن القضية الفلسطينية تعتبر من وجهة النظر الإسلامية قضية رئيسية و فريضة على جميع المسلمين و من جملتهم نحن. فجميع علماء الدين الشيعة و السنة، الماضين منهم و الحاضرين، يصرحون إذا وقع أي جزء من أرض الإسلام تحت سيطرة أعداء الإسلام، يجب هنا على الجميع أن يدافعوا لكي يتمّكنوا من استعادة الأراضي المغتصبة. يقع على كل شخص متمكّن واجب إزاء القضية الفلسطينية. أوّلاً من وجهة النظر الإسلامية الأرض أرض إسلامية، و هي تحت احتلال أعداء الإسلام و يجب استعادتها. ثانياً، هناك ثمانية ملايين مسلم، بعضهم مشردون و بعضهم الآخر يعيشون في الأراضي المحتلة و أوضاعاً أسوأ من المشردين. إنهم لا يتجرأون أن يمارسوا حياتهم اليومية، و لا يتجرأون أن يقولوا كلامهم، و لا يسمح لهم بانتخاب ممثل عنهم لإدارة شؤون بلدهم؛ و في الكثير من الحالات يُمنعون من أداء صلاتهم. لقد هدّدوا مسجد الأقصى و هو أول قبلة للمسلمين، و أحرقوه ذات يوم في الأعوام الماضية، ثم أخذوا لاحقاً يحفرون أرضه و يرتكبون أعمالاً غير قانونية و يريدون أساساً أن يخرجوا المسجد الأقصى من طابعه الإسلامي. هذا ما يلقي واجباً على عاتق المسلمين. لا يمكن لأي مسلم أن يتنصّل من هذا الواجب، بل يجب عليه العمل بواجبه بما يستطيع.إن ما يمكن للشعب الإيراني القيام به في الوقت الحاضر - هو أهم من كل الأعمال الأخرى - هو الخروج في تظاهرات كتظاهرات اليوم. هذا عمل مهم للغاية. من جملة أهدافهم أن يضعوا اسم فلسطين على رفوف النسيان، و يقوموا بأعمال ينسى الناس معها أساساً أن مثل هذه القضية كان لها وجود، لكنكم لا تسمحون لهم بتحقيق هذا الهدف، و يوم القدس لا يسمح لهم بذلك، و لم يسمح لهم بذلك إمامنا العظيم بحكمته و تدبيره. هذا عمل عظيم. من وجهة النظر الإنسانية فإن مظلومية العوائل الفلسطينية تلقي على عاتق كل إنسان واجب، أعني مظلومية الناس الذين يعيشون في فلسطين، حيث لاحظتم بعض الأفلام و الأشرطة في هذه الأيام، مدى سلوكهم الظالم ضد الشعب الفلسطيني، و من العجيب أن منظمات حقوق الإنسان، ميتة أيضاً! إن الأمريكيين و بعض هؤلاء الغربيين، و هؤلاء الذين يزعمون أن رسالتهم هي نشر الديمقراطية في العالم، أراقوا ماء وجهم في هذه القضية؛ ذلك لأن هناك اليوم شعباً ليس له أدنى دور في أي شأن من شؤون بلده، و لا يُسمع رأيه في أي مكان، و هو شعب فلسطين. فمن الوجهة الإنسانية هناك شعب مظلوم و مقابله حكومة عنصرية تمارس كل هذا الظلم؛ و هذه كذبة كبيرة تطلقها أمريكا و المنظمات العالمية و المفكّرون الغربوين الذين يدعون الديمقراطية!و من الجانب الأمني، قضية إسرائيل تشكّل خطراً أمنياً لا فقط لشعبهم بل لكافة أنحاء المنطقة؛ إذ لديهم في الوقت الحاضر ترسانة نووية و هم لا يزالون يقومون بإنتاجها! و قد وجّهت منظمة الأمم المتحدة تحذيرات عديدة، لكنهم لم يهتموا بها. طبعاً السبب الأساسي وراء هذا التمادي هو الدعم الأمريكي، أي إن قسماً كبيراً من آثام الصهاينة يقع على عاتق أمريكا. عليكم أن تعلموا أن مجلس الأمن أصدر على مدى الأعوام الخمسين التي ظهر فيها الكيان الصهيوني، أصدر تسعة و عشرين قراراً ضد إسرائيل و قد استخدمت أمريكا حق الفيتو إزاء كل القرارات! و الآن مضت عشرة أعوام - بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق إلى يومنا هذا - لا تسمح فيها أمريكا أساساً أن يُصدر مجلس الأمن أي قرار ضد إسرائيل! إذن إثم كل هذه الجرائم يقع على عاتق أمريكا. إن أمريكا التي تتظاهر بحب السلام، و قد تبدي لجميع الشعوب - من جملتها شعبنا العزيز المظلوم - ابتسامات مسمومة، هي المجرم الأول في القضية الفلسطينية؛ إحدى جرائمها هي أن يديها ملطختان حتى المرفق بدماء الفلسطينيين. هؤلاء يهدّدون بلدان المنطقة. طبعاً الحكومات السورية واللبنانية و سائر البلدان التي تقع هناك، تعاني بعض الصعوبات و المشكلات. أمر الحكومات بمعزل عن أمر الشعوب. فالشعوب في كل مكان قلوبها مليئة غيظاً، أما الحكومات فهي مضطرة تحت وطأة بعض الضغوط لأن تطلق أحاديث أو تقوم بمفاوضات و تتخذ مواقف. من الجانب الاقتصادي أيضاً، تشكّل إسرائيل تهديداً للمنطقة. الصهاينة المسلّطون على فلسطين طرحوا منذ مدة مشروعاً تحت عنوان مشروع الشرق الأوسط الجديد. فما معنى الشرق الأوسط الجديد؟ معناه أن يتشكل الشرق الأوسط على محور إسرائيل و يمكن لإسرائيل أن تمارس تسلّطها الاقتصادي تدريجياً على البلدان العربية و بلدان المنطقة و المناطق النفطية في الخليج الفارسي. هذا هو هدف الإسرائيليين. بعض البلدان غافلة. و عندما تواجه احتجاجات، تقول بأننا لم نقم علاقات، بل سمحنا لتجّارهم أن يأتوا! و الحقيقة هي أن هذا هو هدفهم. إنهم يريدون أن تستغل إسرائيل بإسناد أمريكا و ترسانتهم النووية الخطيرة، غفلة و ضعف بعض الحكومات و تتغلغل فيها و تتحكم في المراكز الاقتصادية و المصادر المالية. هذا يمثل خطر عظيم جداً للمنطقة. هذا من أكبر المخاطر. عسى أن لا يأتي الله بذلك اليوم و لن يأتي و لن تسمح الشعوب المسلمة أن يقع هذا الحدث؛ لكن خطتهم هي أن يستطيعوا عن طريق الاقتصاد التحكّم في جميع مراكز السلطة في هذه البلدان. لذلك، وجود إسرائيل يمثل خطر كبير للشعوب و بلدان المنطقة، إسلامياً و إنسانياً و اقتصادياً و أمنياً و سياسياً.ليس هناك سوى سبيل واحد لقضية الشرق الأوسط و هو انحلال الكيان الصهيوني و زواله. ينبغي عودة المشردين الفلسطينيين إلى بلدهم. هؤلاء الملايين الثمانية هم أصحاب فلسطين الرئيسيين. طبعاً غالبية الشعب الفلسطيني مسلمون، و يوجد بينهم عدد قليل من الفلسطينيين اليهود و المسيحيين. على أصحاب فلسطين و شعبها أن يشكّلوا حكومة و أن تتخذ تلك الحكومة قراراً بشأن بقاء المهاجرين الذين جاءوا إلى فلسطين من سائر البلدان، و يعيشون فيها حالياً، أو حول الظروف التي تريد أن يبقوا وفقها، أو حول خروجهم من فلسطين. الاتجاه المعاكس لهذه القضية هي وجوب إقامة حكومة فلسطينية في كافة أنحاء أرض فلسطين. و ألاعيب من قبيل الحكم الذاتي و غيرها من هذه الأحاديث لا تستطيع اليوم خداع أحد؛ إلّا الناس السذج جدّاً! هذه الأمور لا تحظي بأهمّية، هو هذا العمل الرئيسي الذي يجب القيام به. لقد استيقظت الأجيال الفلسطينية الشابة اليوم و هي تدرك فاعلية كفاحهم. و هم عاكفون على الكفاح في فلسطين و خارجها و في لبنان و الأردن و سوريا و في المناطق الأخرى، و يدركون أن لكفاحهم فاعليته و أن الشعوب قلوبها معهم؛ خاصة المواقف الجيدة الشامخة جداً التي اتخذها الشعب الإيراني و الحكومة الإيرانية و نظام الجمهورية الإسلامية كانت مواقف باعثة على الأمل. هؤلاء يواصلون المكافحة و سيصلون لنتائجهم الرئيسية المطلوبة. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1) بحار الأنوار، ج 68، ص 192، كنز الفوائد، ج 1، ص 89.2) الإرشاد، ج 2، ص 142. 3) الإقبال سيد بن طاووس، ج 1، ص 507.4) سورة الإخلاص، الآيات 1-4.
1999/12/31

لو كان طريق كربلاء مفتوحاً لعُرف مدى استيلاء محبة الإمام الحسين على القلوب

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي للمرة الأولى، مقطعاً من كلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 14/11/1999 لدى لقاء مع جمع من زائري كربلاء. هذا اللقاء حدث في السنوات الأولى لفتح طريق كربلاء أمام الزائرين الإيرانيين بعد عشرين سنة من إغلاقه، وقبل الإطاحة بنظام صدّام حسين.
1999/11/14

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين. و الصّلاة و السّلام على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه. حافظ سرّه و مبلّغ رسالاته بشير رحمته و نذير نقمته. سيّدنا و نبيّنا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيّما بقية الله في الأرضين. قال الله الحكيم في كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم: إنا أعطيناك الكوثر. فصلّ لربّك و انحر. إن شانئك هو الأبتر.(1). أوصيكم أيها الإخوة و الأخوات المصلّين الأعزاء جميعاً و نفسي بتقوى الله و العناية بالرضا و الإرادة الإلهية و اجتناب منهيات الشريعة المقدسة و عدم الخروج من دائرة التقوى و الورع.اليوم يوم عظيم، فهو يوم ولادة سيّدة نساء العالمين، و بنت الرسول الأكرم (ص) العظيمة و قدوة النساء و الرجال على مدى تاريخ الإسلام.. ولادة فاطمة الزهراء و الصديقة الكبرى المجاهدة في سبيل الله و الشهيدة المظلومة، اقترن هذا اليوم مع ذكرى ولادة إحدى أبرز و ألمع الشخصيات التي ظهرت في تاريخ الإسلام من تلك الذرية الطاهرة. فهو يوم ولادة كوثر الزهراء روح الله.بعد أن توفي أبناء الرسول في مكة الواحد تلو الآخر شمت الأعداء الشامتون بالإسلام و النبي - الذين انحصرت القيم عندهم في المال و الثروة و الأولاد و الجاه و الجلال الدنيوي - برسول الله و قالوا إنك أبتر- أي الذي لا خلف له و لا ذرية - و ستندثر بموتك كل معالمك و آثارك! فأنزل الله هذه السورة على النبي، مواساة لقلب الرسول، و لتوضيح حقيقة كبرى لذلك العظيم و للمسلمين. فقال سبحانه: (إنا أعطيناك الكوثر)، أي تلك الحقيقة العظيمة و الكثيرة و المتزايدة.مصداق الكوثر بالنسبة للنبي الأكرم أشياء مختلفة. أحد أبرز مصاديق الكوثر، هو الوجود المقدس لفاطمة الزهراء التي جعلها الله تعالى خلفاً مادياً و معنوياَ للرسول. خلافاً لأوهام الأعداء الشامتين، أصبحت هذه البنت المباركة و الوجود السخي سبباً لتخليد اسم الرسول و ذكره و نهجه و معارفه بشكل لا نظير له في أي ولد بارز و عظيم. أوّلاً كان من ذريتها أحد عشر إماماً و كوكباً شعّوا بالمعارف الإسلامية على قلوب أبناء البشرية و أحيوا الإسلام و قاموا بتبيين القرآن و نشر المعارف الإلهية، و أزالوا التحريف عنها و أغلقوا سبل استغلالها. أحد هؤلاء الأئمة الأحد عشر هو الإمام الحسين بن علي الذي قال عنه رسول الله: حسين مني وأنا من حسين (2)، و حسين سفينة النجاة و مصباح الهدى (3). و الذي ترتبت على شخصيته و ثورته و شهادته آثار و بركات جمة في تاريخ الإسلام. هو أحد ذراري فاطمة الزهراء. و من جملة تلك الشموس المتألقة، الإمام الباقر (ع) و الإمام الصادق عليهما السلام و المعارف الإسلامية هي رهن جهودهم. لا المعارف الشيعية فحسب، بل حتى أن مشاهير أئمة أهل السنة قد اقتبسوا من فيض علومهم بشكل مباشر أو غير مباشر أخذ هذا الكوثر المتدفّق الذي يزداد تألقاً يملأ أقطار العالم الإسلامي بنسل الرسول العظيم، حيث توجد اليوم آلاف بل آلاف الآلاف من الأسر البارزة المعروفة في العالم الإسلامي كله، تعكس بقاء ذرية ذلك العظيم، كما أن وجود الآلاف من مشاعل الهداية في العالم يجسّد البقاء المعنوي لذلك النهج و ذلك الوجود المقدس. هذا الكوثر هو فاطمة الزهراء. فسلام الله و أنبيائه و أوليائه و ملائكته و خلقه عليها إلى قيام يوم الدين.كما أن هذا الولد العزيز الجليل أصبح هو الآخر كوثر الروح اللهي . إذ أنه نزل إلى الساحة وحده، و استطاع أن يجلب إليه القلوب بفضل الجاذبيات الكبرى التي منّ الله بها عليه انطلاقاً مما كان يتمتع به من خصال ذاتية و مكتسبة. و أجبر الأيدي و الأرجل على الحركة. و دفع العقول إلى التفكير و أحدث هذه الحركة العظيمة في هذا البلد إضافة إلى النهضة العالمية العظيمة و الصحوة الإسلامية. إن نهج الإمام و حكمته و مدرسته و فكره سيكون له من بعد هذا دور فاعل في العالم و ستجربه الأجيال.أريد اليوم في الخطبة الأولى أبحث من زاوية أخرى في أبعاد و بواطن هذه الشخصية العظيمة و أن أذكر لكم بعض المواضيع باختصار. لقد قيل الكثير من الكلام في هذا المجال و من زوايا مختلفة و أنا أيضاً ذكرت مواضيعاً، و أريد اليوم أيضاً أن أتحدث من زاوية أخرى حول هذه الشخصية التي قلّما تجد لها نظيراً في العالم الإسلامي، أعني إمامنا العظيم.فضلاً عن جميع الخصال التي كانت في ذلك العظيم، تميّزت شخصيته بثلاث خصال ممتازة مترابطة فيما بينها و متداخلة للغاية، حيث جعلت من هذا الرجل العظيم شخصية جذابة و ذات تأثير عجيب. الميزة الأولى هي عبارة عن الحكمة و المعرفة، فقد كان رجلاً عارفاً و حكيماً و عاقلاً و عميقاً، إذ كانت تتوفر فيه جواهر المعرفة بالمعنى الحقيقي للكلمة. لهذا السبب حيثما برز شيء عنه، لوحظت معالم هذه الحكمة و المعرفة. فقد برزت هذه المعرفة و العمق و هذا الجوهر الساطع من الحكمة في حقل اختصاصاته العلمية، أي الفلسفة و الفقه و العرفان و الأصول و الأخلاق و لم يكتف بتكرار كلمات القدماء، بل طرح آراءً جديدة في هذه المجالات . الميزة الثانية هي التدين و الإيمان و الوعي. فقد كان رجلاً متعبداً، إلّا أن تعبّده كان بعيداً عن الجمود و التحجّر. كان واعياً و متنوراً و مبدعاً في المباحث الدينية، لكن تجديده كان بعيداً عن الانفلات الذي يتميز به المجددون. هناك الكثيرون يطرحون آراء جديدة في الساحة، لكن هذه الآراء الجديدة دليل على انفلات و عدم تقيّد و لاأبالية في تمسّكهم بالنصوص الإسلامية. فكلامهم تعبير عن آرائهم الشخصية، لا عن رأي الدين! لكن بصيرة الإمام و تجديداته كانت مرتكزة على الدين و الأسس الدينية. لذلك جاءت آراؤه التجديدية في العقائد و الأخلاق و الفقه الإسلامي بشكل أذعن له أكثر الناس معرفة و تبحّراً في هذه العلوم و تقبلوها آراءً قائمة على أسس رصينة، و ليس كلاماً مجرداً عن الأسس و الأصول. لذلك فقد كان متديناً و متعبّداً و لكنه في نفس الوقت، كان يتمتع بالبصيرة و الوعي و التعقل و نظرة واسعة الآفاق في القضايا العقيدية و العلمية. تدينه يعيد إلى الأذهان أنماط التدين التي كانت موجودة في عصر الرسول أو كانت تجليات من عهد المعصومين عليهم السّلام.الميزة الثالثة هي شجاعته و تضحيته. فقد كان مستعدّاً لمواجهة العالم حيثما يقول هو كلمة الحق و الدنيا تقول كلمة الباطل. كلمته المعروفة التي قال فيها إن الاستكبار لو أراد الوقوف أمام ديننا فإننا سوف نقف بوجه دنياه، كلمة صحيحة. كان بإمكانه الوقوف بوجه العالم كله، كما أنه عندما نادى بتلك الصرخة في قم عام 1341هـ ش في البداية لم يكن معه أحد، ثم التحقت الجماهير المؤمنة و القلوب الطاهرة به بعد ذلك أفواجاً أفواجاً من كل مكان، لكنه حينما نزل إلى الساحة لأوّل مرّة كان وحيداً و كان يشعر بالوحدة، لكنه مع ذلك كان يملك شجاعة النزول إلى الساحة. أن يدخل المرء ساحة تكون في طرفه المقابل القوى الكبرى و القوات العسكرية و الأمنية و شرطة مدجّجة بالسّلاح و هي لا تحمل شيئاً من معاني الضمير و الدين و التسامح من جهة، و تحظي بدعم السياسات العالمية و الاستكبارية من جهة أخرى، فالشرط الأول للدخول في هذه الساحة هو الاستعداد للتضحية. كان الإمام مستعدّاً للتضحية و كان مستعداً لتحمّل جميع المخاطر. أي إن نفسه و ميزاته الأخرى لم تكن تحظى بالأهمية بالنسبة له. قد يدّعي البعض أنه مستعد للتضحية بنفسه، لكن تراه عند العمل يتنازل حتى عن الجاه و الاحترام الفارغ، فكيف يبذل نفسه؟ لا يضحى حتى بشيء من المال أو اللذّات، فكيف يفدي بنفسه،! لكن الإمام الخميني كان صادقاً، فقدّمَ نفسه و كان مستعدّاً و نزل الساحة.دخل الإمام الساحة بهذه الميزات الثلاثة المنسوجة في كيانه. طبعاً النقاط الإيجابية التي كان يحملها الإمام تشكّل قائمة طويلة. لكنني اخترت هذه الميزات الثلاث بسبب تأثيرها البارز و المتّسق و ترابطها فيما بينها. اجتاز الإمام هذه الساحة إلى أن بلغ نقطة قريبة من الانتصار أي عام 1357هـ.ِش و هناك واجه الإمام حادثة عجيبة هي انتصار الثورة الإسلامية بفضل مساندة الشعب له بكل وجوده. لم يكن ذلك الانتصار مجرّد انتصار على نظام رجعي و فاسد، فبما أن ذلك النظام الفاسد كان يتمتع آنذاك بدعم جميع القوى الاستكبارية تقريباً، لذلك كان ذلك الانتصار بمثابة انتصار على جميع تلك القوى الاستكبارية. إنه كان يريد أن يدير هذا البلد وفق رؤية و نظريات و تعاليم الإسلام. فماذا كان أمامه؟ بلد مارسوا ضدّه الضغوط على مدى مائتي عام من مختلف الجوانب لتحطيم جميع الخصال البارزة في شعب عظيم و تضعيفه و قمعه. لو راجعتم تاريخ الأعوام المائتين الأخيرة لأدركتم بشكل أفضل عظمة ما قام به الإمام. إنني أؤكّد للشباب على قراءة هذه المرحلة التاريخية. على الأجهزة الإعلامية أن تبيّن للشعب حقيقة ما جرى عليه على مدى هذه المدة.برأيي ما أنجز في هذا المجال قليل جداً.منذ أوائل القرن التاسع عشر للميلاد، حيث عبر الضابط البريطاني السرجون ملكوم الحدود الهندية إلى إيران، أي في عهد حكومة فتح علي شاه القاجاري، حاملاً معه الكثير من الهدايا المغرية و النفيسة إلى رجال البلاط و دخل الساسة الفاسدون إلى إيران، منذ ذلك الحين سيطر الاستعمار البريطاني أو بتعبير آخر النفوذ البريطاني المدمّر - لأن الاستعمار بالمعنى المتداول للكلمة لم يحصل في إيران، لكن حصل ما هو أسوأ منه - على الحكومات الإيرانية بشدة و نفّذ عن طريقها ما شاء تنفيذه، منذ ذلك اليوم و إلى حين انتصار الثروة الإسلامية استغرق الأمر ما يقارب مائة و سبعين أو مائة و ثمانين سنة. فقد عملت على مدى تلك الفترة جميع عناصر السلطة - القوى العظمى العالمية و القوى العسكرية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الأخلاقية في العالم - لتضعف و تحطّم هذا الشعب العريق الأصيل الشجاع العظيم، و لتبث اليأس فيه لكي لا يكون مصدر خطر على القوى الكبرى بأي شكل من الأشكال. وجد الإمام نفسه حيال مثل هذه الحقيقة. طبعاً على مدى مائة و سبعين أو مائة و ثمانين سنة كان الدور في أغلب تلك الفترة للإنجليز، ثم انتقل إلى الحكومة الأمريكية منذ عام 1332هـ.ش و في أواسط تلك الحقبة كان النفوذ للحكومة الروسية و للصراع بين الروس و الإنجليز في عهد القاجار بشكل و بشكل أصعب و أكثر خطورة في العهد البهلوي.لقد فعلوا بهذا الشعب كل ما استطاعوا. هكذا وجد الإمام نفسه أمام بلد تابع من الناحية السياسية. كل ما أرادت فعله الحكومة الأمريكية كان يتم تنفيذه في إيران. كان بوسعهم أن يفعلوا كل ما كانوا يريدون فعله، سواء في المجال الاقتصادي أو في مجال النفط أو في مجال التنصيب أو في مجال الحكومات - لتذهب الحكومة الفلانية و لتأتي الحكومة الفلانية - و في مجال العلاقات الدولية و في مجال العادات و التقاليد التي كانوا يفرضونها على أبناء الشعب و في مجال الجامعات. لذا كان بإمكانهم فعل كل ما كانوا يريدون في إيران. و كنا قد أصبحنا تابعين. فعلى الصعيد الاقتصادي كنا بلداً مستهلكاً و فقيراً، و كان علينا أن نستورد كل شيء من الخارج. لقد ذكرت ذات مرة، لكن البعض لم يكن يصدق هذا، و لكن صدّقوا أنتم، كانوا يستوردون لبلدنا المسحاة و الإبرة و أنواع الأطعمة و أنواع المنتجات الصناعية! كان كل شيء يذهب للاستهلاك. أي إن هذا الشعب بكل ما لديه من قدرات و خيرات و طاقات و هؤلاء الشباب و الأدمغة، لم تكن لديها القدرة أو الفرصة لإنتاج بعض احتياجاتهم الرئيسية، حتّى يقولوا إنّنا في غنى عن الخارج. و حينما كانوا ينقلون بعض الصناعات إلى الداخل - كصناعة السيارات أو صهر الحديد و ما شابه ذلك من الصناعات التي كانت تنقل إلى البلاد بشكل ناقص للغاية - كانت تلك الصناعة مرتبطة من أولها إلى آخرها بالخارج. في الأجهزة و المعدّات المتطوّرة التي كانوا يبيعونها لإيران - كالطائرات الحربية مثلاً - لم يسمحوا حتى بتصليحها في الداخل و إنما يجب تصليحها في الخارج! إن بلدنا كان في حالة تبعية اقتصادية تامة و كان بلداً مستهلكاً، أما على الصعيد العلمي فقد كنا في مستوى الصفر تقريباً، و لم يكن لهذا الشعب أي شيء جديد يقدمه للعالم في مجال العلوم العالمية الحديثة. أما بالنسبة إلى الجامعات - التي كانت قليلة من حيث العدد و كان عدد طلبة الجامعات في السنوات الأخيرة من العهد البهلوي لا يتجاوز عشر العدد الحالي - فالدروس التي كانت تدرّس فيها - سواء على صعيد العلوم الإنسانية أو العلوم الفنية و الصناعية أو العلوم الطبيعة - كانت نفس منتوجات الآخرين و لم يكن هناك شيء جديد في المجال العلمي! في مجال الثروة الوطنية كان بلدنا عرضة للنهب، حيث كانوا ينهبون النفط و المعادن و كل شيء و بالأسعار التي كانوا يريدونها ! و على الصعيد الاجتماعي كانت حالة الفقر و الغني، و كان البلد بائساً جدّاً، أي كان هناك الآلاف بل عشرات الآلاف من القرى في هذا البلد لم تر الكهرباء و لا الماء الصالح للشرب و لم تكن تأمل بذلك! كانوا يهتمون بطهران و عدد من المدن الكبرى فحسب. و مع ذلك كانت طهران تعتبر واحدة من أقذر و أسوأ العواصم في العالم! كانوا يهتمون بأنفسهم فحسب، فحيثما كان لهم موطئ قدم تجد هناك مطاراً و وسائل راحة، أما الأماكن التي لم تكن ترتبط بهم كانت مهملة تماماً، فكانت الفوارق الطبقية على أشدها. و على الصعيد الأخلاقي كانت هناك إشاعة الفساد. في فترة قبل انتصار الثورة - أي في عقدي الأربعينات و الخمسينات - كثيراً ما كنت أقول في الاجتماعات التي كانت تعقد للشباب و استناداً إلى الشواهد و الأدلة، إن حالة الفساد و السفور و الفحشاء الموجود في بلدنا، لا توجد حتى في البلدان الأوربية! و كان هذا هو الحال حقّاً و قد كنت على علم بذلك. طبعاً من الممكن أن يكون هناك مركز فلاني للفساد في البلدان الأوربية لكن أعراف الناس هناك - على سبيل المثال وضع و سلوك و حجاب النساء - كانت أفضل مما كان يلاحظه المرء في بعض مدننا! فقد كان الناس مصابين بأنواع الأوبئة الأخلاقية و ليس ما يتعلق بالشهوات فحسب. لقد عملوا على تخريب علاقات الناس فيما بينهم و سلب الثقة المتبادلة بينهم و كان كل ذلك يجري عن عمد. كانوا يريدون أن يكون الشعب يائساً و خاملاً و قانطاً. الخصال التي تعمل على تقدم الشعب هي الأمل و النشاط و الجد. الشعب الذي يشعر باليأس من مستقبله و يحقّر نفسه، لا يتقدم. و أيما سلعة يقال أنها أنتجت محلياً فهذا يعني أن لا قيمه لها بسبب إنتاجها في الداخل! مختلف الأشخاص من متعلمين أو سواهم، كان أحدهم يقول للآخر إن الإيراني لا يستطيع أن يصنع إبريقاً من خزف! أي حتى الجيل المتطوّر علمياً كان يائساً من المستقبل العلمي لهذا البلد. هذه هي المشكلة الأخلاقية.كنا متخلفين عن قافلة التقدم العلمي و الحضارة العالمية. من حيث النظام الحكومي و الحكام الذين كانوا يسيطرون على هذا البلد، كانت الحكومة في إيران أكثر الحكومات رجعية. كان الحكم وراثياً، فإذا مات شخص، كان الشعب مرغماً على قبول ابنه كملك مطلق لهم، بغض النظر عن سنه و مؤهلاته و خصاله، فلم يكن هناك معيار و لا علم و لا تقوى و لا عقل أو أي شيء آخر! اقرّوا هذا النظام حتى في الدستور، ذلك الدستور الذي تمت المصادقة عليه في طهران تحت وطأة أقدام رضاخان و تحت إشراف جلاوزته. كانت إيران ذليلة في العالم. في الأوساط الدولية، لم يكن هناك ذكر لإيران ككيان مستقل و شخصية مستقلة، إنما كان ينظر إليه كبلد يتلقى الصدقات و كموضع اختبار الآخرين! حيث كانوا يطبقّون فيها بعض الآراء و النظريات الاقتصادية ليروا مدى فاعليتها! كانت إيران بلداً فقيراً مادياً و شخصياً و سياسياً! وجد الإمام نفسه مقابل مثل هذا المجتمع و البلد. طبعاً النقطة المهمة للغاية التي يجب الإشارة إليها هنا، هي أن الشعب الإيراني شعب عظيم و ذو مواهب. الوضع الذي أوجدوه كان عارضاً. لذا حينما ارتفعت صرخة الإمام، تحرّك الشعب نفسه. طبعاً منذ أن تحرك الإمام إلى أن انطلق هذا المحيط المتلاطم العظيم استغرق الأمر مدة خمس عشرة سنة كانت زاخرة بالآلام. لكن الشعب كان شعباً عريقاً و كفوءاً و أصيلاً و مثقفاً و غيوراً و متديناً و استطاع أن ينهض و ينقذ نفسه من حالة الخدر و السبات، و تمكّن من إبراز شخصيته خلال عهد النهضة لا سيما في العامين الأخيرين قبل انتصار الثورة. هذه هي نقطة قوته، لكن الحقائق التي فرضت على هذا البلد على مدى الأعوام المتمادية و تركت آثارها على حياته كانت مقابل الأمام. و الآن يريد الإمام أن يبني هذا المجتمع على النحو المطلوب و المثالي! ماذا كان ينبغي عليه؟ لاحظوا كم يحظي هذا الأمر بالأهمية،فالأمر ليس مزاحاً. على سبيل المثال تذهبون إلى المكان الذي توجد فيه مواد إنشائية و إمكانيات و مساحة وافية و تريدون أن تشيّدوا بناءاً عظيماً و راسخاً و خالداً من هذه المواد، ليس بوسع أي مهندس القيام بهذا العمل. هنا تبرز تلك الهوية و الشخصية العظيمة. لقد نظر الإمام إلى هذا الشعب و هذه الساحة و هذه الإمكانيات. كان يعرف الإسلام و المبادئ الإسلامية و الأحكام الإسلامية و كان يريد أن يبني بلبنات إسلامية و بأيدي هذا الشعب بناء شامخاً لحكومة عظيمة، مستقلة، شامخة، تجلب السعادة و التقدم و تعوض نقاط الضعف التي كانت موجودة في الماضي. فما الذي يجب عليه متابعته في هذا الشعب أكثر من غيره؟ و ما هي الأولويات؟لقد حدّد الإمام الأولويات و أختارها و تابعها. و أعتقد أن تلك الأولويات تلخّصت في شيئين بالدرجة الأولى. إننا نستطيع أن نفهم الأمر بشكل صحيح لأننا كنا نلاحظ عن كثب منذ اليوم الأول الكثير من توجيهاته و أفكاره و أحكامه و كيفية تعامله مع القضايا. و لو نظرتم اليوم إلى كلمات الإمام و سلوكه و وضعتم أمامكم ما تعرفونه عنه فستلاحظون أيضاً هذين الأمرين بشكل بارز.الأمر الأول، هو إحياء روح الاستقلال و الثقة بالنفس في نفوس أبناء الشعب. على مدى أعوام متمادية ألهموا الشعب و لقّنوه بأنكم لا تستطيعون، و لا فائدة من أي عمل تقومون به. كان يجب تغيير هذه الروحية. مثل هذه الخصال الاجتماعية ليست كالخصال الفردية. صحيح أن الخصال الفردية لا تتغيّر بسهولة، إلّا أن الصفات الاجتماعية أصعب منها بكثير. كان يجب على الإمام أن يستبدل هذه الحالة بالثقة بالنفس و روح الاستقلال و الاعتماد على الذات و النهج المستقل. و من أجل هذه الميزة كان يجب على الإمام عدم تحمّل أي تدخّل أو نفوذ من غير هذا الشعب في هذا الشعب، و لم يتحمّل. و هذا هو سبب وقوف الإمام بهذا الشكل بوجه أمريكا و بوجه الاتحاد السوفيتي آنذاك. فالأمريكيون جاءوا إلى هنا و تكالبوا على مائدة ممدودة أمامهم مدة خمسة و عشرين سنة، حيث قام هؤلاء و شرذمة من العملاء بكل ما يحلو لهم، و لم ينقطع أملهم حتّى الأشهر الأولى بعد انتصار الثورة! لا زلت أتذكر قضايا كثيرة حول هذا الموضوع و لكن الوقت لا يسمح بالتحدث حولها، فالإمام قد كسر مخالب جميع المتبجّحين! و لو صدرت أدنى غفلة عن الإمام لعاد نفس أولئك الأشخاص الذين أخرجوا من البلاد من نوافذ متعددة و طرق مختلفة. لكنّ الإمام وقف بصلابة أمام أي نفوذ و هيمنة للأجنبي على أي نحو كان. هذه هي النقطة الأولى.القضية الثانية التي أهتم بها الإمام غاية الاهتمام، هي احياء الروح الدينية و تقوية إيمان أبناء الشعب، أي ذلك الإيمان الذي كان لديه. لذا كان يبذل كل جهده لقضايا الدين - التعبد و كل ما كان يتعلق بالدين - و كان يركّز عليه و لم يكن مستعدّاً للتساهل في هذا المجال، لأن الدين هو المعالج. عندما تكون الروح الدينية في نفوس شعب، فأثرها لا ينحصر في أن يكون أبناء الشعب متمتعين بالطهارة و التقوى و الصلاح الشخصي فحسب، بل ينعكس أثر الروح الدينية على الحياة الاجتماعية، إذا كان الدين صحيحاً. لهذا السبب أخذ جميع الأعداء الألداء في العالم و أذنابهم في الداخل يعارضون الدين الذي كان يروجه الإمام و الإسلام الذي كان يسميه الإمام الإسلام الأصيل، بصفته ديناً للسياسة و للحكم. أحياناً كانوا يصبحون ملكيين أكثر من الملك - و الآن أيضاً يصبحون هكذا أحياناً - فيقولون: سيدي إنكم حينما تطرحون الدين السياسي و الدين الحكومي فسيضعف الدين في أعين الشعب و سيضعف إيمان الناس الديني! و هذا على العكس من الواقع. حينما يكون الدين في المجتمع ففيه أيضاً روح التضحية. و حينما يكون الدين في المجتمع، ففيه أيضاً الوعي و اليقظة و الشعور بالمسؤولية. ما تلاحظونه اليوم في مجتمعنا و بلدنا من شعور بالمسؤولية و غيرة إزاء القضايا الدينية - إلى الحد الذي يطلّع الشعب عليه -يعود كلّه إلى الروح الدينية. يريد العدو إضعاف هذه الروح. كان الإمام يعزّز بشدّة هذه الروح في جميع أركان المجتمع - سواء الأركان الحكومية أو لدى كافة أبناء الشعب - أي في الحكومة، و في مجلس الشورى الإسلامي، و في السلطة القضائية و في القوانين، و في مجلس صيانة الدستور، و في الانتخابات و في كل شيء، و كان يركّز على الإيمان الديني و التعبد الديني و التقيّد الديني. جعل الإمام هاتين الميزتين في الأولوية الأولى. غالبية ما وجّهه الإمام لهذا الشعب من تعليمات و أوامر يتعلق بهذين الأمرين.طرح الإمام الجمهورية الإسلامية. الجمهورية الإسلامية تعني نظام حكومي جديد لا يشبه أيّاً من الأنظمة الدارجة في العالم، لكنه يحمل كافة الخصال الإيجابية الموجودة في أي نظام، ففيه الإسلام و فيه أصوات الشعب و إيمانه، و التعبّد، و الشعور بالعزة، و أحكام الإسلام و القوانين الإسلامية التي تحيى حياة الإنسان. أجل، لو أننا طبّقنا الإسلام بالمعنى الذي فهمه الإمام - أي بالمعنى الصحيح و الأصيل و المستند إلى الأصول و المبادئ - فستكون النتائج إيجابية في كل مكان، كما أنه آتى مثل هذه النتائج الإيجابية حيثما دخلنا الساحة و دافعنا و أبدينا الصبر و الإصرار. لقد لبى الإسلام المتطلبات على صعيد النظام الحكومي. لا يوجد ا الآن مجال لأقول لكم إن هيكلية النظام الحكومي الموجودة في إيران اليوم أنسب لحرّية الشعب و تقدّمه أكثر من أي نظام حكومي موجود في العالم، سواء الأنظمة الديمقراطية الغربية أو أنواع النظم الحكومية الأخرى، فما بالك، بالنظم الاستبدادية المنغلقة التي لا كلام عنها على الإطلاق. حيثما تمّ العمل بتعليمات النظام الإسلامي و اقتراحاته - مهما كانت - جاءت النتائج إيجابية طيّبة. سواء في مجال التمسّك بالقضايا الثقافية أو مواجهة العدو. إلى ذلك اليوم كان شعبنا و بلدنا يتلقّى الثقافة من الغرب. لكن ببركة حركة الإمام، أصبح التيار الثقافي متبادلاً، و بدأ تيار ثقافي يتحرك من مركزنا - أي من المجتمع الإسلامي - إلى خارج هذا المجتمع، بشكل بعث الرعب مرّات عديدة في قلوب قادة الاستكبار، و لا يزالون يعبرون عن رعبهم إلى يومنا هذا، طبعاً اليوم أقل من الماضي. كانوا يصرخون إنكم تريدون أن تصدروا ثورتكم، في الوقت الذي لم نكن نعلّب ثورتنا لنصدّرها إلى مكان ما! و معنى تصدير الثورة هو هذا التيار الثقافي المتبادل الذي كان يذهب إلى البلدان الإسلامية و حتى البلدان غير الإسلامية، و يثير الوعي و اليقظة في نفوس الناس.علي أن أذكر نقطة واحدة في المجال الاقتصادي. لو أننا طبّقنا تعاليم الإسلام بشكل دقيق في المجال الاقتصادي و التنظيمات الإدارية، لكان وضعنا أفضل مما نحن عليه الآن حتماً. للأسف ما فعلنا في المجالات الاقتصادية كان وصفة مخلوطة، فيها أشياء من الإسلام، لكن فيها أشياء أخرى مختلطة. و ذلك القسم الخليط لم يعد علينا بأي خير أو فائدة و اليوم فإنّ النظريات الاقتصادية الغربية التي كانت تعتبر إلى ما قبل فترة وجيزة من المسلمات، أصبحت موضع نقاش بينهم. ما هو ذنب الشعوب حقيقة؟ ما هو ذنب الشعوب حتّى يرغمها زعماؤها على اتباع تلك الأساليب الاقتصادية؟ لقد أسسنا في أواخر حياة الإمام مصرفاً إسلامياً لاربوياً، و لكن بشكل ناقص! هذه واحدة من مساعي الحكومة الحالية و نسأل الله أن ينجحوا في تطبيق المصرف الإسلامي اللاربوي بشكل كامل. طبعاً تم تنفيذ الكثير من الأعمال لكن ينبغي المضي في الخطوات اللاحقة.هذا هو الأساس الذي يدفعنا اليوم إلى أن ننادي بنهج الإمام و وصية الإمام و توصية الإمام. القضية ليست أننا تمسّكنا بشيء ما عن جمود و تحجّر و بعيداً عن التعقّل، كلّا، ذلك الرجل الحكيم و العالم و الخبير بالإسلام و المطّلع على شؤون الدنيا، أختار لهذا الشعب طريقاً يتناسب مع متطلبات الشعب و وضع له معالم و أصدر توصيات آتت أكلها الطيّب حيثما جرى العمل بها. و اليوم أيضاً بلدنا بحاجة إلى نفس الطريق و نفس تلك المعالم و الخطوط. و الحمد لله انعقد عزم الشعب و المسؤولين الراسخ على متابعة هذا الطريق. بفضل الله سنواصل هذا الطريق - و هو طريق الله و النبي (ص) و طريق تحقيق الكوثر و طريق الإنقاذ و العزة و الرفعة و معالجة مشاكل البلد - بكل قوة، و بالرغم من إرادة الأعداء و عدائهم، و على الرغم من كلام قصار النظر . بسم الله الرحمن الرحيمو العصر. إن الإنسان لفي خسر. إلّا الذين آمنوا و عملوا الصّالحات. و تواصوا بالحقّ و تواصوا بالصّبر (4).بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين. و الصّلاة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين. سيّما بقية الله في الأرضين و على أئمة المسلمين علي أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة و الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنة و علي بن الحسين و محمّد بن علي و جعفر بن محمّد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمّد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و الخلف القائم المهدي، حججك على عبادك و امنائك في بلادك. و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداه المعصوميين. أوصيكم بتقوى الله و استغفر الله لي و لكم.هناك مواضيع متعددة في الخطبة الثانية من المناسب أن أحدثكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء المصلّين عنها، و لكن بسبب ضيق الوقت، فإنني أتحدث عن هذه القضية التي وقعت أخيراً في بلدنا و هي قضية مؤلمة طبعاً - أي الاستهانة بولي العصر ( أرواحنا فداه)، و أذكر بعض النقاط الضرورية و المهمة عنها. و إذا بقي لدينا وقت، سنتحدّث فيه عن سائر المواضيع.الموضوع الأول هو أن أصل القضية كانت قضية مرة حقيقة. علي أن أقول بأنني شعرت بالخجل أمام ولي العصر أرواحنا فداه، بسبب استهانة إحدى الصحف به. لقد شعرت بالخجل. لقد توجّهت إلى الله تعالى و قلت له: ربّاه، إذا كان القلب المقدّس للإمام المهدي قد تألّم و تأذّى منّا بسبب هذه القضية، فإنني أتضرّع إليك و أسألك أن ترضي قلبه المبارك عنا من جديد. في بلد إمام الزمان و بين الناس الذين هم محبو و عشّاق ولي العصر (أرواحنا فداه) فإن مثل هذا العمل يعتبر أمراً قبيحاً و مؤلماً للغاية. طبعاً اتخذ الشعب و العلماء الأعلام و مسؤولوا البلد، موقفاً مناسباً إزاءها كل واحد من موقعه و حسب مسؤوليته، و أعلنوا عن براءتهم منها. في الكثير من الأوقات، الأشخاص الذين يريدون أن يحطوا من مكانة المقدسات في أعين الناس و إبعادها عن أذهانهم، يبدأون من الأعمال الصغيرة على الظاهر، لكي يقيّموا ردة فعل الجماهير، فإن لم يتخذ العلماء و مسؤولوا البلد مواقفهم و لم يعبّر الناس عن غضبهم و استنكارهم، فمن المحتمل أن تستتبع الخطوة الأولى خطوة ثانية تكون أسوأ منها، و هكذا يتطوّر الأمر و يتفاقم. هنا أبدت الغيرة الدينية عند الناس ردة الفعل في الوقت المناسب و بشكل مناسب حقّاً. و الكثير من الأشخاص يضيقون ذرعاً لمثل هذه الأمور و يعبّرون عن مشاعرهم الدينية على نحو بارز، مثلما لاحظتم ذلك في كافة أنحاء البلد. إنني بدوري أعلن هنا عن تقديري لكل من اتخذ موقفه - سواء من أبناء الشعب أو العلماء الأعلام، أو العظماء و مسؤولي البلد، و رئيس الجمهورية المحترم و رئيس مجلس الشورى المحترم و رئيس السلطة القضائية المحترم، إن هذا العمل كان ضرورياً و جيداً. هؤلاء الأشخاص الذين يريدون إبعاد هذا البلد عن عقائده و عواطفه الطاهرة و المنطقية و المعبّرة عن عمق إيمانه، ليعلموا أنهم لن ينالوا مآربهم. إن أبناء الشعب واعون و متمسّكون بالإسلام و متمسكون بمحبة أهل البيت. هؤلاء الجماهير الذين قدّموا كل هذه التضحيات في سبيل الإسلام، لن يفسحوا المجال لبعض الأشخاص الذين يريدون محاربة الإسلام بكل علانية في هذا البلد مستخدمين في ذلك الأساليب الثقافية و في الساحات الثقافية.النقطة الثانية هي إنني شاهدت في بعض البيانات و في بعض التصريحات أن صحيفة طلابية نشرت هذا الموضوع. لماذا تقحمون اسم الطلبة الجامعيين في هذا الموضوع؟! و كم طالب جامعي تدخّل في الموضوع حتّى يبيح البعض لأنفسهم أن يحشروا اسم الطلبة الجامعيين فيه؟! من جملة الشرائح التي عبّرت عن براءتها من هذه القضية بشكل صريح و قاطع، هم طلبتنا الجامعيون. لنفترض أن هناك بضعة طلاب جامعيين قاموا بعمل في مكان ما، فلا يمكن إلقاء تبعات ذلك العمل على الطلبة الجامعيين. عليكم أن تكونوا حذرين، لأن العدو حساس جداً تجاه هذه الأمور. يركّزون على اسم الطلبة الجامعيين دوماً لكي يجعلوا الأذهان سيئة الظن بشريحة الطلبة الجامعيين. هذه هي نفس الحالة التي كانت سائدة قبل انتصار الثورة. في فترة ما قبل الثورة، كانوا يذهبون إلى العلماء و كبار الحوزات الدينية و يسمون الجامعة بالمركز اللا ديني. و يطرحون أمام الجامعيين اسم الحوزة العلمية كمركز للتحجّر و الجهل، و كانوا يقومون بإبعاد هاتين الشريحتين عن بعضهم! كلّا، إن الطالب الجامعي شأنه شأن طالب العلوم الدينية و الكاسب و العامل و القروي و المدني، فالكل هم أبناء الشعب الإيراني. ما نقوله عن الشعب الإيراني يتعلّق بالجميع. شريحة طلبتنا الجامعيين، شريحة متميزة و بارزة و متدينة كسائر أبناء الشعب. لاحظوا مدى كم‍ّية معالم الدين في الجامعات و الحمد لله.النقطة الأخرى هي أن البعض جرّوا القضية إلى مواضع أخرى و أثاروا فيها أسماء بعض مسؤولي البلد و بعض الكبار، هذا غير صحيح. لم نقوم بإثارة سوء الظن بالمسؤولين و رؤساء البلد، في حين أنه لا صحة لهذا على أرض الواقع؟ إن مسؤولي البلد اليوم متدينون و الحمد لله و يكرّسون حياتهم في خدمة الشعب و الإسلام. فرئيس الجمهورية رجل دين متمسّك بالدين و محب لأهل البيت و يعمل في سبيل الله. رئيس المجلس و رئيس السلطة القضائية و نواب الشعب و سائر المسؤولين يعملون من أجل تقدم البلد و إعلاء كلمة الإسلام و إحياء اسم الإمام. لا ينبغي أبداً ربط مثل هذه القضايا بهذه التصريحات البعيدة تماماً عن المنطق و عن حد القبول و اللياقة. وقعت حادثة و على المسؤولين تقييمها و محاسبة الأشخاص المرتبطين بهذه القضية. طبعاً كان يجب على الشعب التعبير عن موقفه و قد عبّر عن ذلك الموقف و كان موقفاً جيداً للغاية و كان موقف العلماء و المسؤولين في محلّه تماماً.النقطة الأخرى التي أرى لزاماً علي الإشارة إليها، هي أن التيارات السياسية يجب أن لا تطرح هذه القضايا في وسط ساحة الأعمال السياسية حيث تصبح ذريعة للصراع فيما بينهم. و اليوم فإن مصلحة البلد و مصلحة الشعب و مصلحة الثورة هي وحدة الكلمة و اتحاد الأفئدة. بعد الكلمة التي ألقيتها في خطبة صلاة يوم الجمعة قبل حوالي شهرين كتوصية بالوحدة، كتب بعض الشخصيات السياسية رسائل و بعثوا برقيات يعلنوا فيها عن استعدادهم. إنني أيضاً طلبت من السادة، ثمّ جاءوا شيئاً فشيئاً و تحدثنا مع بعض هؤلاء المسؤولين و الشخصيات البارزة في بعض الفصائل و التيارات السياسية - الذين توجد بينهم شخصيات محترمة و علماء كبار و أشخاص سياسيون عريقون - و أعلن الجميع عن موافقتهم، كما قاموا بأعمال على الصعيد العملي و خرج المناخ السياسي في المجتمع من حدة التوتر الذي كان يحبّه الأعداء، و اقتربت القلوب من بعضها، و إنني أقدّم وافر شكري. و الآن لو تحدث البعض عن هذه القضية و قال البعض شيئاً آخر في الجواب عنه - ضجيج أمام ضجيج - و لو أثاروا ضجيجاً، أكرر من جديد و أرجو الذين يعملون في التيارات و الفئات السياسية في مجتمعنا أن ينظروا إلى عامة الشعب و إلى إخلاصه و نقائه و إلى طبيعته. يجب عدم القيام بعمل يبعث في الناس الحزن و الألم و يزلزل قلوبهم على أساس التصوّر بأن التيارات السياسية في المركز في حالة صراع فيما بينها. يجب عليها التعاطف فيما بينها.إنني قلت حينها، يمكن أن تكون هناك بعض نقاط الاختلاف في وجهات النظر بين الأشخاص حول القضايا السياسية و غيرها - فليكن - فاختلاف الرأي حتى في القضايا الدينية قد لا يؤدي أحياناً إلى الصراع. أنظروا إلى سيرة فقهاء الإسلام، تجدون أن لأحدهم رأياً في قضية ما و للآخر رأي مخالف مائة بالمائة، لكن أحدهم يقتدي بالآخر في الصلاة، و يعتبر كل واحد منهما الآخر عادلاً. يجب التحرك هكذا في القضايا. إذا لم یكن هناك هوى النفس و لم تکن هناك أنانية و مصالح فئوية، و أخذت مصلحة البلاد و النظام و النظرة المستقبلية البعيدة المدى بنظر الاعتبار، فإن هذا الضجیج و النقاش لا يمكنه بث النزاع و الصراع بين جماعتين أو شخصين أو شخصين ثوريين. إنني أقول الآن، على الفصائل الصديقة أن تعمل على تقليل الهوة الموجودة بينها. الفصائل الصديقة كما عرّفتها في صلاة الجمعة السابقة، تعني جميع الذين يؤيدون الإسلام و الحكومة الإسلامية و هذا الرجل العظيم - الذي تلاحظ معالمه بكثرة بيننا - و يؤيدون طريقه و خطه. بهذا المعنى، لو كانت هذه الفصائل تمثّل أبناء الشعب، فهي تمثّل الغالبية الساحقة منهم، و إذا لم تكن تمثّل أبناء الشعب، فعليها أن تعلم أن الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب يسيرون في هذا الطريق. يمكن أن توجد هنا و هناك زمرة ممّن تضرّروا من هذه الثورة و من التابعين للعدو و من ضعاف النفوس الذين غيّرهم الزمن، لا تؤيد هذه الأمور. لكن على هذه الفئات الصديقة تقليل و خفض الخطوط الفاصلة بينهم. و عندئذ ستتضح الفاصلة بينها و بين الغرباء، هؤلاء الأشخاص الذين قال الإمام في وصيته و بيانه عنهم: لا تسمحوا لأن يؤثر الغرباء في مصير هذا البلد. تأثير الغرباء لا ينحصر في تسلّم مسؤولية و منصب، بل قد يتغلغل الغرباء عن طريق أساليب أخرى. على الأصدقاء أن لا يسمحوا بذلك. عليهم التقرّب من بعضهم لتتضح الفاصلة بينهم و بين الغرباء. هؤلاء الأشخاص الذين لا يقبلون الإسلام و الحكومة الإسلامية - طبعاً ليس المقصود بأصل الإسلام و المذهب، فهناك الكثير من الأقليات الدينية في بلدنا لا تقبل الإسلام، لكنها تؤيد طريق الشعب الإيراني و تسايره - و لا يؤيدون معايير الثورة و لا معايير منهج الإمام و ينكرون و يترقبون أن يأتي أحد من خارج الحدود و يمسك بزمام أمور البلد، و أن يأتي الأجانب و تتكرر أوضاع ما قبل الثورة، هؤلاء هم الغرباء. كلما ازداد التكاتف و التآلف بينكم أيها الأصدقاء، ازداد الغرباء عنكم بعداً.لدينا قضايا أخرى في المستقبل. ستكون هناك انتخابات خلال الأشهر القادمة، و تأتي من بعدها انتخابات أخرى. ينبغي عدم النظر للمستقبل بمداه القريب جدّاً. فهذا البلد بحاجة إلى عمل كثير. عليكم أن تبذلوا جهودکم لتتمكنوا من التعويض عن التخلف الذي فرضوه عليه سواء في المجال العلمي أو في المجال الاقتصادي أو في المجالات الأخرى. يجب منح الفرصة للمسؤولين و الذين يريدون أن يعملوا.أرى لزاماً علي أن أقول نقطة أخرى: سُمع هنا و هناك حول هذا الموضوع الذي كتب، أن البعض قالوا إننا نبادر و نعاقب، كلّا أبداً. في النظام الإسلامي يرتبط هذا الأمر بالمسؤولين. طبعاً أحياناً قد يكون هناك نظام طاغوتي و نظام كفر و يوجد على رأس البلد أشخاص مناهضون للإسلام كما في العهد البهلوي لا يفهمون أي شيء عن الدين، و يكون على رأس السلطة القضائية أناس فاسقون و فاجرون، و يكون في المجلس - كالمجلس الشورى الوطني آنذاك - تابعون و ضعفاء النفوس أو فاسقون و فاجرون، إذا شعر الإنسان بالتكليف في مثل تلك الظروف فهذا موضوع آخر. أمّا في النظام الإسلامي فإن مسؤولية متابعة هذه الأعمال تقع على عاتق الحكومة. أوّلاً يجب على السلطة القضائية تشخيص الحالة، فأحياناً هناك شخص يكتب من الغفلة، أو لا يعلم أحياناً إن كتابته تعتبر إهانة، أو قد يكون تسامح و تساهل، أو قد يكون تعمّد. لكل واحدة من هذه الحالات أحكامها. إن الأشخاص المسؤولين عن العمل القضائي، لا ریب أنّ حبّهم للإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) و للإسلام و لهذه القضايا ليس بأقل من الذين يطلقون هذه التصريحات. كما أن هناك غيرة دينية لدى أولئك فلدى هؤلاء أيضاً غيرة دينية. إضافة إلى هذا، فإن هؤلاء عليهم مسؤولية أمام الله و أمام الشعب. لذلك ينبغي النظر في كيفية القضية، فإن لها حكمها بأي شكل كان. الشيء الذي كان مهماً تمّ القيام به، و هو ردّة فعل الشعب الإيراني. لقد أثبت الشعب الإيراني أنه يغضب لمثل هذه الأمور، هذا صحيح. أثبت كبار العلماء و الشخصيات البارزة جميعاً، أن مشاعرهم و إيمانهم و عقلهم تغلي إزاء مثل هذه القضايا و هذا أمر جيد. لكن من الذي يجب معاقبته، و ما هي عقوبته، و كيف يجب معاقبته، و من الذي عليه أن يعاقب؟ فهذه أمور لا ترتبط بكل واحد من أبناء الشعب، و إنّما هي أمور تتعلّق بالمسؤولين. طبعاً نحن أيضاً نراقب الأمور لكي لا يقع تقاعس في جانب أو تشدد في جانب آخر. و عليكم أن تعلموا إن التهاون و التشدد خطأ في الإسلام. هناك خط صحيح و هو خط الإسلام الذي يجب تطبيقه بلا زيادة و لا نقصان. هذا هو ما يريده الله. فالذي يجب معاقبته بعشر جلدات لا يجوز أن يضرب تسعاً و لا إحدى عشرة. على الجميع أن لا يتشددوا على الإطلاق كما عليهم أن يسيطروا على مشاعرهم. لو كانت لدى شخص مشاعر معيّنة، فإنها أمر جيد للغاية، و لهذه المشاعر أجرها عند الله تعالى قطعاً، لكن إذا صدر عن أبناء الشعب عمل أو حركة بخلاف الموازين فلا أجر له عند الله يقيناً. و بما أنني نهيت الآن عن ذلك فإضافة إلى المخالفة القانونية، ستكون لهذا العمل حرمة شرعية أيضاً. عليكم أن تكونوا حذرين. و حتّى لو افترضنا أن شخصاً كان مقلّداً لمجتهد آخر، فطالما نهيتُ الآن يحرم عليه القيام بأي عمل في هذا الصدد. و هذه فتوى جميع العلماء. لا يحق لأي شخص القيام بأي عمل غير مدروس.النقطة الأخيرة في هذه القضية هي أن توقعي من مدراء القطاع الثقافي في البلد أكبر من هذا. آمل أن يكون المناخ الثقافي بشكل لا يمكن معه لأحد ارتكاب مثل هذا العمل الوقح أو الغفلة بخصوص ما يتعلّق بإمام الزمان. لاحظوا أن هناك مئات الآلاف أو الملايين من الذين يقرأون دعاء الندبة، و يذرف الشباب الدموع في كل يوم جمعة في كافة أنحاء البلد. لاحظوا ماذا يفعل الناس في النصف من شعبان! فلابد أن هناك خللاً في الجو الثقافي للبلد حتى يتجرأ أحد أو يغفل و يوجّه مثل هذه الإهانة للإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) و لعقيدة بمثل هذه الأهمية. و توقّعي من مسؤولي الشؤون الثقافية الرسميين أن يعيدوا النظر بشكل جاد و يلاحظوا مواضع الخلل في أعمالهم.أسأل الله أن يشملنا جميعاً و المسلمين المؤمنين الأعزاء في هذا البلد - الذين أحيوا الإسلام و جعلوه عزيزاً على مدى هذه العشرين سنة - بلطفه و يوفقنا جميعاً للتحلّي بالتقوى. أوصيكم أيها الإخوة و الأخوات المصلين جميعاً بالتقوى في أعمالكم و أقوالكم.بسم الله الرحمن الرحيمإنّا أعطيناك الكوثر. فصلّ لربّك و انحر. إن شانئك هو الأبتر (5).و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.الهوامش:1- سورة الكوثر، الآيات 1-3.2- كامل الزيارات، ص 53.3- ورد في بحار الأنوار، ج 36، ص205، هذا التعبير: إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض. فإنه مكتوب عن يمين عرش الله: مصباح الهدى و سفينة النجاة و إمام غير وهن و..4- سورة العصر، الآيات 1-4.5- سورة الكوثر، الآيات 1-3.
1999/10/01
  • « الأولى
  • ‹ السابقة
  • …
  • 22
  • 23
  • 24
  • 25
  • 26
  • 27
  • 28
  • 29
  • 30
  • التالية ›
  • الأخيرة »

المستقبل للإسلام وللشباب المؤمن

2017/05/27
خطابات
  • الخطابات
  • القرارات
  • رسائل وندائات
مرئيات
  • الفيديو
  • الصور
  • تصاميم
  • موشن غراف
السيرة
  • السيرة الذاتية
  • قصص وخواطر
قضايا وآراء
  • تقارير
  • مقالات
  • حوارات
مؤلفات
  • مؤلفات الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الإمام الخامنئي
  • مؤلفات حول الثورة الإسلامية
المزيد
  • الأخبار
  • أفكار ورؤی
  • الإمام الخميني
  • إستفتاءات
إنّ كلّ المحتويات الموجودة على KHAMENEI.IR مرخّصة بموجب ترخيص Creative Commons Attribution 4.0 International License.