جاء هذا الشاب إلى والده. بداية فقد نقلوا أن علي الأكبر كان يبلغ من العمر ما بين الثمانية عشر والخمس والعشرين عاماً كحد أقصى. يقول: "خرج علي بن الحسين"؛ خرج علي بن الحسين للمبارزة، خرج من مخيم الإمام الحسين. ثم يكمل الراوي: "وكان من أصبح الناس خلقاً"؛ كان هذا الشاب من أبهى شباب العالم وأشدّهم جمالاً؛ حسن الوجه، بصير وشجاع. "فاستأذن أباه في القتال". "فأذن له"؛ أذن له الإمام دون أدنى تردد. لم يكن الإمام عليه السلام يأذن للقاسم بن الحسن في بادئ الأمر، فتوسّله حتّى أذِنَ له؛ لكن "علي بن الحسين" عندما تقدّم، ولأنّه ابن الإمام عليه السلام، أذن له فور طلبه للإذن. "ثم نظر إليه نظر يائس منه"؛ "وأرخى عليه السلام عينه وبكى". واحدة من خصائص العالم الإسلامي العاطفية هي هذه؛ ذرف الدموع عند الأحداث العاطفية. ترون في عدة مواطن أن الإمام عليه السلام بكى. هذا البكاء ليس جزعاً؛ بل يدلّ على شدّة العواطف؛ لأن الإسلام يُنمّي هذه العواطف في داخل الإنسان. شرع الإمام الحسين عليه السلام بالبكاء. ثم قال هذه الجملة التي قد سمعتموها مراراً: "اللهم اشهد فقد برز إليهم غلام أشبه النّاس خُلقاً وخَلقاً ومنطقاً برسولك".
توجد هنا ملاحظة أود لفت نظركم إليها. التفتوا؛ الإمام الحسين خلال فترة طفولته، كان محبوب الرسول الأكرم، وقد كان هو يكنّ الكثير من الحب لرسول الله. كان الحسين عليه السلام يبلغ من العمر ست أو سبع سنوات عند رحيل الرسول الأكرم. نُقش وجه النبي الأكرم في مخيلة الإمام الحسين على شكل ذكرى خالدة وبقي عشقه للرسول الأكرم متوقّداً في قلبه. ثم رزق الله عزّوجل علي الأكبر للإمام الحسين عليه السلام. بعد أن يكبر هذا الشاب قليلاً، أو يصل إلى حد البلوغ، يرى الإمام عليه السلام وجه النبي في وجه هذا الشاب؛ نفس ذاك الوجه الذي كان متعلّقاً به ويحبّه كلّ هذا الحب، بات هذا الشاب شبيهاً بجدّه. يتكلّم، لحن كلامه شبيه بلحن كلام رسول الله.أخلاقه شبيهة بأخلاق رسول الله؛ نفس تلك العظمة وذاك الكرم وذاك الشرف. ثم يقول: "كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه"؛ لكن هذا الشاب قد برز للقتال أيضاً. "فصاح وقال يا ابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي". ثم ينقل الراوي أن علي الأكبر برز للقتال وقاتل بمنتهى الشجاعة وأردى عدداً كبيراً من الأعداء؛ ثم عاد وقال أنه عطشان. ثم عاد إلى ساحة النزال. عندما أظهر عطشه قال له الإمام عليه السلام: عزيزي! واصل القتال قليلاً؛ ولن يطول بك الأمر حتى تُسقى بشربة ماءٍ من يد جدك لا تظمأ بعدها أبداً. بعد أن قال الإمام الحسين هذه الجملة لعلي الأكبر، علا صوت علي الأكبر في تلك اللحظات الأخيرة وقال: "يا أبتاه عليك السلام، هذا جدي يقرؤك السلام، ويقول عجّل القدوم إلينا".
خطبة الإمام الخامنئي في صلاة الجمعة في 7 مايو 1998