وفي ما يلي مقتطفاتٌ من الكلمة التي ألقاها الإمام الخامنئي خلال هذا اللقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم

كنافذةٍ تنفتح على روضة غنَّاء رائقة أفرح حضوركم هنا أيها الأعزاء قلوبنا وأهدانا نسائم طلقة طيبة جديدة، وأجَّج وأشعل الآمالَ التي لم تنطفئ ولم تضعف أبداً في قلبي أكثر فأكثر. نشكر الله على وجودكم أيها الشباب الأخيار، الشباب الأعزاء، وأبناء هذا البلد المؤهلون الصالحون، والرجال والنساء المقتدرون لغد هذا البلد إن شاء الله.

... وهذا الشكر الذي أتحدث عنه لا يختصُّ بي، فعليكم أنتم أيضاً أن تكونوا شاكرين. لقد منحكم الله تعالى المواهب والفكر والقدرة على التفكير، وغرس في وجودكم نواة النخبوية التي نمت وأثمرت وازدهرت في ظروف معينة. اشكروا الله على نعمة الموهبة والقدرة الفكرية؛ هذه النعمة الكبيرة التي منّ بها عليكم...

... من النقاط التي أؤكد عليها قضية السعي العلمي. السعي العلمي يجب أن لا يتوقف في الجامعات. إنَّكم والحمد لله نُخبة وأصحاب ميداليات، وهذه الميداليات... أوسمةٌ وعلاماتٌ، إنها رموز؛ بمعنى أنَّ القيمة المعنوية لهذه الميداليات أكبر بكثير من قيمتها المادية. قيمتها المعنوية أنَّها تدلُّ على أنكم تتمتعون بموهبة واستيعاب داخلي، وتتميزون بهوية سامية. على مثل هذا الشيء تدلُّ هذه الميداليات. لذلك فهذه الميداليات لها -بسبب رمزيتها- قيمة معنوية فضلاً عن قيمتها المادية. لذلك فأنا الآن أتقبَّل هداياكم هذه بكل فخرٍ واعتزاز، لكنني سأعيدها بعد ذلك لكم، بمعنى أنني أتمنى أن تحتفظوا بهذه الرموز في بيوتكم وفي أماكن عملكم عندما تنطلقون إلى ميادين العمل. على كل حال قضية أنْ تحملوا مسألة العلم محمل الجد هي قضية [بالغة الأهمية].

وقضية مهمة أخرى... هي أنَّ الشيء الذي سيُحقق الفلاح والنظام لهذا البلد، بل إنَّ هذا الفلاح سوف يكون من نصيب المنطقة والعالم الإسلامي وربما العالم كله؛ عبارة عن الالتزام الديني والثوري. إذا لم يكن هذا الالتزام الديني والثوري فإنَّ التقدم العلمي لن يُحقق وحيداً السعادة [لأيِّ] بلدٍ وشعبٍ وجماعةٍ إنسانية. لو قال شخصٌ ما هذا الكلام قبل سبعين سنة مثلاً أو ثمانين سنة لما صدّقه كثيرون. ففي ذلك الحين لم تكن الثغرات والتصدّعات الموجودة في هيكلية الحضارة الغربية وفي جسد البلدان الغربية قد ظهرت بعد. وقد تجلَّت وظهرت اليوم هذه التصدعات والثغرات والاهتزازات في أسس الحضارة الغربية، في حياة الشباب، وفي حياة العوائل، وفي الانجرار وراء مختلف أشكال الانحرافات الفكرية والعملية والأخلاقية. هذا الذي أقوله ليس ادعاءٌ خصاميٌ من قِبَلي تجاه زعماء الحضارة الغربية ـ وأنا طبعاً خصمُهم؛ أي أنني عدوٌّ لهم، ولكنَّ هذا الكلام ليس ناجماً عن هذا [العداء والخصومة] بل هو ناتجٌ عن كلامهم هم أنفسهم. لقد وصل الوضع بالعنف اليوم وبالفساد الأخلاقي وبانهيار العائلة وبتعاسة الأبناء والجيل الصاعد في أمريكا ـ وأذكر أمريكا لكنَّ الأماكن الأخرى لها نسبٌ مختلفة ـ وصل [هذا الوضع] إلى حيث ظهر مفكرون ومخلصون في أمريكا يصرّون على أنْ تعالوا نعيد وضع الأفلام والإعلام والسينما وهوليوود وما شاكل، نعيده عن هذا السلوك الذي تبناه طيلة هذه المائة عام أو السبعين أو الثمانين سنة الأخيرة مثلاً نحو اتجاهات أكثر أخلاقاً وملائمة. هذا شيء موجود في مقالاتهم ودراساتهم، وهي معلوماتٌ أمتلكها؛ بمعنى أنَّ وضعهم بات يقلقهم هم أنفسهم.

لنفترض أنَّه خلال فترة قصيرة ـ وقد قرأتُ هذا قبل أيام ـ يُقتل مائة شخص في أمريكا على يد بعضهم من دون جريمة ومن دون أسباب ـ وليس على يد الشرطة، وقضية جرائم الشرطة في أمريكا قضية أخرى، لا، الأفراد أنفسهم يقتلون بعضهم البعض، خلال أسبوع مثلاً يُقتل مائة شخص أو عدة مئات من الأشخاص، وقد كانت الإحصائيات دقيقة لكنني لا أتذكرها الآن على نحو الدقة ـ هذه معضلة كبيرة لبلد من البلدان. أن تنتشر الأسلحة والقتل وتسبب مشكلات لبلد مثل أمريكا، وهو ما يعترف الجميع به ويخافون منه ويتألمون وينزعجون له، لكن أحداً لا يتجرّأ على معالجته العلاج الواضح. ما هو علاجه؟ علاجه أن يُعلن عدم قانونية حمل السلاح. لا يتجرأ الساسة الأمريكيون على القيام بهذا. أي إن شركات صناعة الأسلحة مهيمنة إلى درجة أنَّ السناتور والنائب في مجلس النواب الأمريكي لا يتجرآن على المصادقة على مثل هذا الشيء، والرئيس الأمريكي لا يتجرأ على طرح هذا الشيء كشعار أو أن يُصرَّ عليه ويدافع عنه. لاحظوا، هذا هو الفساد. أي تسلط جماعة مافيا سلطوية تعبد المال إلى درجة أنَّ أجهزة السلطة السياسية والعسكرية العظيمة في أمريكا لا تتجرأ على القيام بعملٍ واضحٌ صلاحه وحسنه جداً، وهو الحيلولة دون بيع الأسلحة. هذا هو الفساد. هذا ناجمٌ عن الافتقار للقيم المعنوية الذي أوصل المجتمعات الغربية إلى هذا الحال. وهناك حالات كآبة الشباب، والانتحار، وقتل الأبناء، والجرائم الأخلاقية والجنسية المختلفة وغير ذلك مما تُعدُّ كل واحدة منها قضية مستقلة في محلها ولها بحثها ونقاشها. إذا أردنا أن يصل البلد والشعب والمجتمع البشري إلى السعادة فالطريق إلى ذلك هو أن نجعل المبادئ والقيم الدينية والإلهية فوق كل القيم. هذا ما يجب أن يترك بصماته وتأثيراته في اقتصادنا، وما يجب أن يترك آثاره في عملنا العلمي، وما ينبغي أن يترك بصماته في إدارتنا للبلاد، وفي اختيارنا لمدراء البلاد، وفي حركتنا الفكرية.

إذا أردنا أن يصل البلد والشعب والمجتمع البشري إلى السعادة فالطريق إلى ذلك هو أن نجعل المبادئ والقيم الدينية والإلهية فوق كل القيم.

حسنٌ، لحسن الحظ فإنَّ هناك في الوقت الحاضر مجموعة كبيرة من شباب البلاد ـ التعبئة وتعبئة طلبة الجامعات والذين يتحركون اليوم تحت عنوان الفكر الإسلامي والفكر الثوري في البلاد وعددهم كبيرٌ جداً ـ يتابعون هذا الفكر، فحافظوا عليه. اعلموا أنَّ الأحداث المتنوعة المختلفة تُعرّض الإنسان لتغيرات فكرية، وأحياناً تبدأ الانحرافات من أمور صغيرة جداً وبزوايا ضئيلة جداً لكنها عندما تستمر فسوف يزداد الابتعاد عن الخط المستقيم الأصلي باستمرار. تنبّهوا إلى هذا الشيء. الذين استطاعوا القيام بأعمال كبيرة لهذا البلد ومنها قضية الثورة الإسلامية وقضية الدفاع المقدس وما شاكل ـ وأوصيكم أيها الشباب بقراءة مذكرات وخواطر الدفاع المقدس، فهذا الشيء قيّم جداً، إنني في محل [عمر] جدّكم وقد كنتُ في الحرب وشاهدتُ أحداثها [عن قرب]، عندما أقرأ أجد الكتابات جديدة بالنسبة لي ومهمة وبديعة وجديدة ومؤثرة بالنسبة لي ـ هذه النجاحات التي حققناها في الدفاع الذي استمر ثمانية أعوام، أو في الثورة نفسها، أو في التعارضات والصدامات الشديدة طوال ما يقارب أربعين سنة من عمر الثورة، ناجمة عن الثبات والصمود. أولئك الذين كانوا ذات يوم كذا وهم اليوم هكذا ويترنّحون ذات اليمين وذات الشمال، وعلى حد تعبير الإمام علي بن أبي طالب (ع): «إنَّك لَقَلِقُ الوَضينِ تُرسِلُ في غَيرِ سَدَد» أي إن الإمام علياً يُشَبِّهُ شخصاً بناقةٍ شدوا الأحمال عليها بطريقة هشة غير محكمة فراحت هذه الأحمال تترنّح وتتساقط من هذا الجانب ومن ذاك الجانب عندما تمشي الناقة، هؤلاء لا يستطيعون طبعاً السير بصورة مستقيمة. يجب الحذر من هذه الحالة وتجنبها. نقرأ في الدعاء «أسئَلُك الثَّباتَ على دينِك» الثبات والصمود في الدين وفي درب الثورة شيء مهم جداً يجب التنبه له والاهتمام به. إذن، الدراسة والتمسك الثوري والتواجد الدائم في كل الساحات المؤثرة في مستقبل البلاد [هي أمور في غاية الأهمية].

أشاروا إلى النهضة الطلابية، نهضة الطلبة الجامعيين، يمكن أن ننظر لمعنى نهضة الطلبة الجامعيين هذه بشكلين: أولاً بمعنى أن يتكلم الإنسان ضد كل المبادئ ويرفع الشعارات ويشد قبضته ويرفعها ضدها، والشكل الثاني أن يتحرك في خدمة المبادئ؛ [أي أن تكون النهضة الطلابية] حركة شبابية جهادية. يجب العمل بطريقة جهادية حتى في العلم، وفي طلب العلم أيضاً يجب العمل بأسلوب جهادي، وفي النشاط السياسي الميداني أيضاً يجب العمل بطريقة جهادية. ليس الجهاد كله بمعنى سلّ السيوف وضرب هذا وذاك يميناً ويساراً. الجهاد معناه عدم التعب، ومعناه اختيار الدرب بتفكير صحيح ومنطق صحيح، والإيمان بهذا الدرب والسير فيه رغم كل صعوباته وعثراته، والتقدم إلى الأمام. هذا هو معنى العمل بطريقة جهادية.

نسأله تعالى التوفيق لكم.