وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية خلال هذا اللقاء:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أبارك عيد مبعث الرسول الأكرم (ص) الكبير ومنقطع النظير لكل الحضور المحترمين، والضيوف الأعزاء الموجودين في الجمهورية الإسلامية، ولسفراء البلدان الإسلامية المحترمين، ولكل الشعب الإيراني، ولكل المسلمين والأحرار في العالم.

البعثة حدثٌ فريدٌ لا نظير له، والحقيقة أنه لا يوجد أيُّ حدث آخر في تاريخ البشر يرقى إلى أهمية بعثة الرسول وعظمتها. حيث تجسدت في مبعث الرسول (ص) ذروة الرحمة الإلهية ببني البشر وبالإنسانية. إنَّ إرسال الرسل والأنبياء لهداية الإنسان ولإيصاله إلى الذروة [القمة] هو أكبر رحمة من الربّ الخالق بالبشر، وقد تمثلت ذروة هذه الحركة في بعثة الرسول الأكرم. فُتِحَ أمامَ البشرية طريقٌ له القدرة والطاقة على أن يتقدم بالبشرية إلى الأمام حتى آخر [الحياة] الدنيا، وقد تقدمت الإنسانية منذ ذلك اليوم وإلى يومنا الراهن، وتقدمت أفكار البشر وعقولهم، وتحولت الكثير من الحقائق التي تكفلت الأديان ببيانها إلى جزء من عُرف المجتمع البشري، والحمد لله على أن قلوب كل أبناء البشر مالت وجنحت نحو المعنويات.

إنَّ جوهر قضية البعثة بتمثل بالتوحيد، والتوحيد يعني عبودية الله تعالى بشكل حصري؛ بمعنى أن لا تسيطر الأهواء والنزوات والشهوات والغضب على حياة الإنسان، وأن لا يكون الاستبداد والدكتاتورية والأنانية هي التي تدير حياة الإنسان.

إنَّ جوهر قضية البعثة بتمثل بالتوحيد، والتوحيد يعني عبودية الله تعالى بشكل حصري؛ بمعنى أن لا تسيطر الأهواء والنزوات والشهوات والغضب على حياة الإنسان، وأن لا يكون الاستبداد والدكتاتورية والأنانية هي التي تدير حياة الإنسان، ويكون مصدر إدارة حياة الإنسان العلم الإلهي والقدرة الإلهية والرحمة الإلهية والفيض الإلهي والهداية الإلهية. هذا هو معنى التوحيد. بالدرجة الأولى، كل أولئك الذين يريدون بأنانياتهم وتكبّرهم واستبدادهم وظلمهم أن يسيطروا على شؤون المجتمعات البشرية، سوف يزاحون [يُزالون] بشعار التوحيد، ولذلك يعادون هذا الشعار. «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا» (2). واجه كل الأنبياء والرسل أصحابَ المال والتعسف ومستبدي العالم وعتاته وفراعنته وجابهوهم وكافحوهم. من دون الكفاح الذي يخوضه الحق لن يضطر الباطل إلى التراجع. تقدُم البشرية يوماً بعد يوم منذ فجر التاريخ الإنساني وإلى اليوم واقترابها نحو المعارف الإلهية أكثر فأكثر إنما كان بفعل الكفاح، فالحق يجب أن يكافِح. «الَّذينَ آمَنوا يقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ وَالَّذينَ كفَروا يقاتِلونَ في سَبيلِ الطّاغوتِ» (3). من دون الكفاح ضد المستبدين والعتاة والمسيئين للبشرية والظالمين والجائرين لا يمكن التقدم بالحق، لا بدّ من كفاح وهذا ما قام به الأنبياء، والتوحيد يتضمن المعالم العامة والأصول والخطوط الأصلية لهذا الكفاح.

«لا إله إلا الله» ليست مجرد قضية عقائدية وذهنية. «لا إله إلا الله» لها تأثيرها وهي مصدر تأثيرٍ ومنشأ عملٍ وممارسة. الحكومة الإسلامية هذه التي أشار لها السيد رئيس الجمهورية والتي تأسست في المدينة ناجمة عن «لا إله إلا الله»؛ أي إن الحكومة في الأديان الإلهية لا معنى لها إلّا على يد الله تعالى ويد مبعوثي الله. ولهذا بمجرد أن قال الرسول: «قولوا لا إلٰهَ‌ إلَّا ‌اللهُ تُفلِحوا» (4)، اصطفَّ ضده أصحاب المال والجور في تلك البيئة المحدودة الصغيرة، أي مكة. وبعد ذلك في المدينة عندما تأسس الحكم الإسلامي عادت الحكومات والامبراطوريات والقوى العالمية للاصطفاف بوجه الإسلام، وقد كان هذا الاصطفاف موجوداً منذ اليوم الأول ولحد اليوم، ومنذ اليوم الأول ولحد الآن كان مصير الباطل في هذه المواجهة هو التراجع إلى الوراء، وكان مصير الحق التقدم إلى الأمام. تلك الجماعة القليلة التي عاشت في مكة تحت كل تلك الضغوط التي تمارس ضدها صارت اليوم مجتمعاً إنسانياً عظيماً له الكثير من المفاخر والأمجاد والكثير من الإمكانيات والكثير من الأمل والمستقبل المشرق. يجب فهم هذا الشيء: على الأمة الإسلامية أن تعود إلى التوحيد من النخاع.

إذا كنا نؤمن بالتوحيد فلن يمكننا الخضوع للجور ولن نستطيع الخنوع للظلم وليس بمقدورنا عدم الوقوف بوجه الظالم، هذه هي طبيعة التوحيد. ولهذا تعلن الجمهورية الإسلامية أننا حاضرون أينما كان هناك مجتمعٌ مظلومٌ ولا بدّ من نصرته. ولهذا نُصرُّ كل هذا الإصرار على قضية فلسطين. لأن مقتضى التوحيد أن يقف الإنسان مقابل جور الظالم وتعسفه الذي يمارسه ضد المظلوم. هذه هي حقيقة التوحيد والبعثة تذكرنا بهذا. ولا شكَّ في أنَّ لهذا تقدمه وتطوره. طبعاً كانت الضغوط على الشعب الفلسطيني في هذه الأيام والأيام الماضية ـ طوال هذه الأعوام السبعين ـ كثيرة، ولكن لاحظوا أنَّ هذه الجماعة المحدودة المظلومة التي استطاع الصهاينة أن يتغلبواعليهم بسهولة وأن يشردوا شعباً من بلده ويسلبوه بلاده ويسيطروا هم على تلك البلاد، هذا الشعب الضعيف نفسه تحول اليوم إلى فلسطين مقتدرة تُهدد الدولة الصهيونية، وتشعر الدولة الصهيونية بالضعف والعجز في مواجهته [الشعب الفلسطيني]، ولا شكَّ في أن الفلسطينيين سوف ينتصرون على الصهاينة، وسوف تعود فلسطين للفلسطينيين.

لا شكَّ في أن الفلسطينيين سوف ينتصرون على الصهاينة، وسوف تعود فلسطين للفلسطينيين.

هذاهو سبب وقوفنا إلى جانب جماعات المقاومة في منطقة غرب آسيا. وهذا هو سبب تواجدنا في سوريا لمواجهة ومجابهة الإرهابيين الذين أوجدتهم أمريكا وعملاء أمريكا في المنطقة. أن يُقال «إنَّ الجمهورية الإسلامية في إيران [دولة] توسعية وتريد احتلال المكان الفلاني» فهذا كلامٌ فارغٌ لا معنى له وهو كذبٌ وبخلاف الواقع، لا، إننا لا ننوي التوسّع وليست لدينا نظرة توسعية نحو أي مكان في العالم، ولا نحتاج لذلك، فالحمد لله يمتلك الشعب الإيراني بلداً كبيراً عامراً زاخراً بالطاقات والإمكانيات. هذا التواجد سببه وجود مقاومة ضد الظلم في سوريا وفي منطقة غرب آسيا، ونحن متواجدون هناك لهذا السبب. ولهذا تلاحظون أنَّ جبهة المقاومة وبتوفيق من الله وبفضل المساعدات التي قُدمت وببركة الشجاعة التي أبدتها القوات السورية استطاعت الانتصار على الإرهابيين المدعومين بل المصنوعين من قِبَل أمريكا والغربيين ومرتزقتهم في المنطقة ـ مثل السعوديين وأشباههم ـ وفرض الهزيمة والانكسار عليهم.

الأطراف نفسها التي كانت بالأمس تدعم داعش سراً وعلانية يزعمون اليوم أنهم كانوا متواجدين لمجابهتهم وأنهم هزموهم، [مجرد] كذب! لا صحة لهذا، فلم يكن لهم أيُّ دور. في هذه الكلمة التي ألقاها الرئيس الأمريكي (5) قبل ساعات من الآن، يقول «إننا استطعنا هزيمة داعش في سوريا»، كذبةٌ واضحةٌ فاضحة! لقد تدخلوا في المواطن التي اعتبروها ضرورية وقدموا المساعدة؛ في المواقع التي كان عناصر داعش الأصليون محاصرين تدخلوا وأنقذوهم. وكان لهم دورهم قبل هذا في إيجاد داعش، وقد استطاعوا بأموال السعودية وأمثال السعودية أن يصنعوا هذه الموجودات الخبيثة ويطلقوها على الشعبين العراقي والسوري، بيد أنَّ المقاومة مقابل أمريكا ومقابل عملاء أمريكا استطاعت إنقاذ هذين البلدين، وكذا سيكون الحال بعد الآن أيضاً.

إنَّ الهجوم [الذي شُنَّ] وقت السحر من ليلة أمس على سوريا جريمة! (6) إنني أعلن بصراحة أنَّ الرئيس الأمريكي والرئيس الفرنسي (7) ورئيسة وزراء بريطانيا (8) مجرمون وقد ارتكبوا جريمة! وبالطبع لن يستفيدوا شيئاً، ولن يجنوا شيئاً، كما أنهم تواجدوا في السنين الماضية في العراق وسوريا وأفعانستان وارتكبوا مثل هذه الجرائم ولم يجنوا أي شيء. قال الرئيس الأمريكي قبل أيام من الآن: "إننا أنفقنا سبعة ترليون [دولار] في منطقة غرب آسيا ـ وعلى حد تعبيره الشرق الأوسط ـ ولم نربح أي شيء"، وهذا صحيح، لم يربحوا ولم يستفيدوا شيئاً. ولتعلم أمريكا بعد الآن أيضاً أنَّ أيَّ مالٍ تُنفقه وأيَّ مسعى تسعاه  في هذه المنطقة فإنها لن تكسب منه أيَّ شيء.

إنني أعلن بصراحة أنَّ الرئيس الأمريكي والرئيس الفرنسي ورئيسة وزراء بريطانيا مجرمون وقد ارتكبوا جريمة! وبالطبع لن يستفيدوا شيئاً، ولن يربحوا شيئاً.

في مواجهة هذه الأحداث علينا أن نصحو وأن نكون يقظين حذرين. على الشعوب الإسلامية والبلدان الإسلامية والحكومات المسلمة أن تُخزِّن التجارب وتُدرك ما الذي يفعلونه [أعداء الأمة الإسلامية]. إنهم يريدون توجيه ضربة للأمة الإسلامية، وليس الهدف سوريا أو العراق أو أفغانستان فقط، الهدف هو وجود الإسلام في هذه المنطقة. يريدون الإضرار بهذا الشيء. على البلدان الإسلامية أن تعي هذا الشيء، يجب أن لا تجعل الحكومات الإسلامية نفسها في خدمة أهداف أمريكا وبعض البلدان الغربية المعتدية. ليس من الفخر لبلدٍ مسلمٍ أن يقول عنه الرئيس الأمريكي علناً «إننا ننظر إلى البقرة الحلوب»! ينظرون إليهم على أنهم بقرة حلوب، هل هذه مفخرة؟ في الدعاية الانتخابية الأخيرة في العام الماضي قال الرئيس الأمريكي الحالي هذا الكلام، قال إننا ننظر للسعوديين باعتبارهم بقرةً حلوباً! فهل هناك ذُلٌ أكثر من هذا؟ هل هناك ذلٌ أسوء من هذا بالنسبة لدولةٍ ولشعبٍ ما؟ يأخذون أموالها ثم يخاطبونها بأنها بقرة حلوب، ويهينوننها، ليس هناك ذلةٌ لبلد ولحكومة أسوء من هذا، والإسلام يعارض هذه الذلة. «وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلمُؤمِنينَ» (9).

إذا كانوا مؤمنين فيجب أن يكونوا أعزة. هذه الذِّلة علامةٌ على أنهم لا إيمان لهم، وليسوا مؤمنين، ويكذبون كما يكذب سادتهم. يقول الرئيس الأمريكي «إننا هجمنا على سوريا لمكافحة استخدام السلاح الكيميائي»! هذا الكلام كذب، إنهم لا يعارضون استخدام السلاح الكيميائي، لا السلاح الكيميائي ولا أية جريمة أخرى ضد الإنسانية. اليمن يُقصف الآن يومياً وهم يدعمون هذا القصف. وفي مناطق مختلفة من العالم يتعرض المسلمون للضغوط فيدعمون ذلك الظالم ويساعدونه. إنهم لا ينزعجون ولا يتألمون لأن أناساً يتعرضون للمحن والآلام. هؤلاء أنفسهم دعموا صداماً المجرم وساندوه، وقد قُتل وأصيب آلاف الناس من الشعب الإيراني والعراقي بواسطة الأسلحة الكيميائية التي استخدمها صدام، ولا يزال بين أبناء شعبنا الذين كانوا يومذاك شباباً أصيبوا وقتها، وهم موجودون ويعانون. هؤلاء لا يعارضون الأسلحة الكيميائية، بل يتدخلون لتحقيق أهدافهم الاستعمارية والاستبدادية الدولية ويتهمون هذا وذاك بالاستبداد، والحال أنهم هم المستبدون الدوليون. وبالطبع فإن الدكتاتوريين والمستبدين لن يفلحوا ولن يربحوا في أي مكان في العالم، وهؤلاء أيضاً لن يربحوا ومن المؤكد أن أمريكا سوف تنهزم في أهدافها في هذه المنطقة وفي أية منطقة تمارس الظلم فيها، ولا شكَّ في أن الشعوب سوف تنتصر، وهذا ما سيكون في هذه المنطقة أيضاً إن شاء الله.

شعبنا صامد والحمد لله، الشعب الإيراني بتجربته التي ترقى لأربعين سنة، صامدٌ على مقاومته وثباته. لقد اختبرنا هذا الشيء: التراجع مقابل العدو يُشجع العدو أكثر. والصمود مقابل العدو يفرض عليه التراجع. «وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا» (10). هذه سنة الله: إذا صمدتم بوجه الظلم والاستبداد والتعسف ومنطق القوة والخبث وجرائم مجرمي العالم فإنهم سيضطرون للتراجع يقيناً. هذا ما يذكره القرآن الكريم كسنة تاريخية وإلهية أكيدة، وهذه السنة سوف تتحقق إن شاء الله. ونتمنى أن يوفق الله في القريب العاجل الشعب الإيراني، والشعب السوري، والشعب العراقي، وشعب فلسطين المظلوم، وشعب كشمير، وشعب بورما، والمسلمين في كل المناطق التي يتعرضون فيها للضغوط في العالم؛ أن يوفقهم إن شاء الله ليستطيعوا فرض التراجع على الأعداء. اللهم بمحمد وآل محمد اغمر أرواح الشهداء الطيبة ـ شهداء طريق الحق والحقيقة ـ والروح الطاهرة للإمام الخميني الجليل بلطفك وفيضك.

والسّلام عليكم ورحمة ‌الله وبركاته.

 

 

الهوامش:

1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى حجة الإسلام والمسلمين حسن روحاني (رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران) كلمة بالمناسبة.

2 ـ سورة الأنعام، شطر من الآية 112.

3 ـ سورة النساء، شطر من الآية 76.

4 ـ بحار الأنوار، ج 18، ص 202.

5 ـ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

6 ـ إشارة إلى العدوان الأمريكي البريطاني الفرنسي على سوريا.

7 ـ الرئيس الفرنسي إيمانوئيل مكرون.

8 ـ رئيسة الوزراء البريطانية تريزا مي.

9 ـ سورة المنافقون، شطر من الآية 8.

10 ـ سورة الفتح، الآيتان 22 و 23.