بسم الله الرحمن الرحيم
بدايةً أرحب بجميع الحضور المحترمين عوائل الشهداء الكريمة. أتمنى أن يشمل الله تعالى بألطافه و رحمته الخاصة جميع القلوب العامرة بالإيمان و أنتم عوائل الشهداء الكريمة و ذوي شهدائنا الأبرار ببركة أيام و ليالي شهر رجب.
هذه الأيام و الليالي مغتنمة جداً.. إنها أيام شهر الله المبارك.. شهر رجب فرصة مغتنمة لجميع القلوب المؤمنة كي تمتّن علاقتها بالله. الإنسان بحاجة لهذه العلاقة المعنوية و الروحية. يتعرض القلب الغافل لهجمات الشيطان و حينما يتسلط الشيطان على قلب الإنسان و روحه يظهر الشر و الفساد في العالم. سبيل العلاج العميق و الحقيقي لكل صنوف الشر و الفساد في العالم هو الارتباط بالله و صيانة القلب و الروح من توغل الشيطان و هيمنته. لو لا هيمنة الشيطان على قلوب البشر و هي مصدر الآثار الكبيرة في المجتمعات العالمية لعاشت البشرية بهدوء و لتمتع الناس بالأمن و السلام. كل مآسي الإنسانية وليدة البعد عن الله. لذلك رُسمت في الإسلام فرص للارتباط الخاص بالله تعالى، و من هذه الفرص شهر رجب. اعرفوا قدر شهر رجب. كل الأدعية الواردة في هذا الشهر إينما هي دروس و ليست مجرد لقلقة لسان. اقرأوا هذه الأدعية بحضور قلب و وعي بعمق معانيها، و اجعلوها تجري على قلوبكم و ألسنتكم. إذا متّن الإنسان المسلم - شاباً كان أو شيخاً، رجلاً كان أو امرأة - علاقته بالله تعالى في شهر رجب ثم في شهر شعبان فسينتقل إلى شهر رمضان و هو في أتم الاستعداد، و عندئذ سيغدو شهر رمضان ضيافة إلهية حقيقية. على الإنسان أن يستعد ثم يدخل الضيافة. و كما يقول الشاعر:
» اغتسل ثم تبختر في الحانات «
على الإنسان أن يغتسل هذا الغسل في شهري رجب و شعبان كي يستطيع الجلوس في شهر رمضان على المائدة الإلهية و التنعم منها. إذا استفضنا و انتهلنا من شهر رمضان فسوف تدل على ذلك أعمالنا و أخلاقنا و نظرتنا و أفكارنا. سنكون نحن أنفسنا من يقيس أنفسنا و يشاهد تقدمها المعنوي. نحن لا ندخل هذه الامتحانات و النتيجة هي المآسي و المعضلات التي نلمسها في وجودنا و في فضاء المجتمع. على الجميع - لا سيما عوائل الشهداء - اغتنام شهر رجب.
الشهادة و الشيهد من أبرز الموضوعات في الإسلام. شهداؤنا ليسوا أشخاصاً قتلوا في معركة توسعية. إنهم يختلفون عن قتلى الحروب العادية التي تقع في الكثير من مناطق العالم لأجل الاعتداء على أراضي الآخرين و حريمهم. أين أؤلئك من شهدائنا؟! لقد هاجموا هذا البلد و استقلاله و سمعة شعبه و عربدوا علينا و تعاضدت كل القوى الكبرى ضدنا. هؤلاء الذين يتشدقون بالسلام دوماً و يتحدثون اليوم أكثر من أي وقت آخر عن السلام و الأمن، أمدّوا و جهّزوا إحدى أكثر الحكومات غطرسة ضدنا هاجموا بيوتنا، و مدننا، و قرانا، و طرقنا، و صناعاتنا، و اخترقوا حدودنا. لو لم تقف القوات المسلحة أمام العدو و لم يصنعوا من صدورهم دروعاً واقية، و لو لم يتوجه أبناء الشعب الإيراني على شكل قوات التعبئة إلى الساحة بجانب القوات المسلحة و لم يستعدوا للتضحية، فهل تعلمون ما الذي كان سينـزل بهذا البلد؟ هل تعلمون كيف كان الأعداء سيسحقون سمعة هذا الشعب الكبير و عرضه و شخصيته و كبريائه؟ لجنودنا و خصوصاً شهدائنا الأعزاء حق الحياة في أعناق هذا الشعب و في أعناقنا جميعاً. الشهداء هم من أبدوا عن أنفسهم شجاعة و بسالة أكبر من الآخرين، و جعلوا من صدورهم دروعاً و لم يفزعوا من الخطر و استشهدوا. البعض حلّق في جنان الإله، و البعض تعوّقوا، و الواقع أنهم شهداء أحياء كما يقال و هو قول صحيح.
في هذه الأيام و السنوات حيث تتمتع بلادنا بالأمن و الاستقرار بفضل دماء الشهداء و اختلال سلامة المعاقين و ببركة جهاد المقاتلين، ليعلم الذين يتحدثون ضد القوات المسلحة و التعبئة أنهم لا يقدمون أية خدمة لمصالح البلاد و مستقبلها. القوات المسلحة - سواء القوات المسلحة النظامية أو أفراد التعبئة المستعدون للتواجد في سوح الخطر و الدفاع عن الشعب و حدود الوطن - من أعز شرائح المجتمع. الكل بحاجة لهؤلاء، و سيتضح ذلك في أيام الخطر.
يحاول العدو في هجومه الثقافي إسقاط سمعة المقاومة و قيمتها بين الناس. إنه يريد في الواقع تحطيم المقاومة و تهديم الخنادق. الخندق الأهم لكل إنسان هو إيمانه و محفزاته و حبه. يجب أن لا تسمحوا لهم بهدم هذه الخنادق في القلوب.
الشهادة وردة عاطرة لا تصلها من بين الناس سوى أيدي من يختارهم الله، و لا يشمّها سواهم. لتفخر عوائل الشهداء بشهدائها. تحملت زوجات الشهداء الملوعات، و آباؤهم و أمهاتهم المفجوعون، و أبناؤهم الذين لم يروا ظلال الأبوة فوق رؤوسهم.. تحملوا هذه المحن لكنهم يشعرون اليوم بالفخر و الشموخ. آباؤكم و أزواجكم و أبناؤكم هم الذين استطاعوا تحقيق هذه العزة للبلاد، و هي بلاد عزيزة اليوم و الحمد لله. لو لا هؤلاء لكان وضعنا بشكل آخر.
تطرح اليوم في العالم بعض الأمور في ضوء أحداث وقعت في بعض المدن الأمريكية. أمواج الإعلام العالمي و التحركات السياسية في العالم تصب دوماً لصالح الإعلام الأحادي الموجّه. وسائل الاتصال العامة في يد جماعة معينة. الصحف، و الإذاعات، و التلفزيونات في العالم بيد الرأسماليين و أصحاب الأموال و القوة، و ليست في يد الناس و الأفراد المتنورين، و الصالحين، و الحكماء. يبثون عبر إذاعاتهم و تلفزتهم و وكالات أنبائهم و صحفهم كل ما يحلو لهم و يتطابق و مصالحهم، و ينشرونه في كل أنحاء العالم. و البعض يؤخذون هذا عن غير فطنة، و البعض للأسف يساعدون هذه الأمواج الأحادية النامّة عن الأنانية و الاستكبار، و الحال أن ذلك لا ينفعهم إطلاقاً.
طبعاً في هذين الأسبوعين أو الثلاثة التي طرحت خلالها قضايا الانفجارات الأمريكية على مستوى العالم، صرح مسؤولو البلاد - لحسن الحظ - تصريحات جيدة و اتخذوا مواقف جيدة. و مع ذلك أرى من الضروري لتنوير أذهان الشعب - و هي نيّرة و الحمد لله - أن أذكر بعض النقاط:
النقطة الأولى هي أن سلوك الحكومة الأمريكية و المسؤولين الأمريكان و تصريحاتهم في هذه القضية كانت متكبرة و مغرورة جداً و نابعة من روح الاستكبار. يصرحون تصريحات لا تنسجم مع أي منطق. طبعاً تم توجيه ضربة قوية لحيثيتهم و تعرضت سمعتهم الأمنية في العالم لتحديات شديدة، لكن هذا لا يبرر أن يتخذوا مواقف استكبارية غاضبة للتعويض عن إهانة، و كأنهم يقولون: يا أهل العالم نحن غاضبون، فلا تقولوا خلاف قولنا! أي يجب أن لا يتجرأ أحد لقول شيء خلاف قولهم ظناً منهم أن بالمستطاع عبر هذه الأساليب إبعاد الشعوب و الناس و الحكومات المستقلة عن الساحة. من جملة هذه الأقوال أن كل من لم يكن معنا - أي مع الأمريكان - فهو مع الإرهابيين! هذا كلام خاطئ جداً. كلا، ليس الأمر كذلك. الكثيرون إلى جانب أمريكا لكنهم أخطر من كل إرهابي العالم. تضم الحكومة الإسرائيلية اليوم أخطر الإرهابيين. الذين يترأسون تلك الحكومة هم أشخاص أصدروا الأوامر و شاركوا شخصياً في أفظع و أفجع الأحداث الإرهابية. و الآن أيضاً يغتالون و يرهبون كل يوم و هم في صف أمريكا. إذن، ليس كل من كان معكم فهو ضد الإرهاب، كلا، أشد الإرهابيين و أخبثهم هم اليوم معكم. و كذا الحال بالنسبة للجانب المقابل: كل من لم يكن معنا فهو مع الإرهابيين، كلا، نحن لسنا معكم و لسنا مع الإرهابيين؟
النقطة الثانية هي أنهم و منذ الساعات الأولى للحدث ملأوا الأجواء العامة لبلادهم بمعاداة الإسلام! كيف استطعتم أن تحرزوا منذ الساعات الأولى أن هذا الحدث من فعل المسلمين؟! إذا كانت أجهزتكم الاستخبارية قوية إلى هذا الحد - منذ الساعات الأولى تحدثت الإذاعات و التلفزة الأمريكية بشكل صدّق معه الجميع أن القضية من فعل المسلمين - فلم لم تستطيعوا اكتشاف عمليات بهذا الحجم تحتاج يقيناً إلى أشهر - و البعض يقول سنوات - من العمل التمهيدي؟! كيف علمتم أنها من فعل المسلمين؟ أثرتم الأجواء العامة بشكل جعل الناس في أمريكا و بعض البلدان الأوربية يهاجمون بعض المساجد، و بعض المسلمين ذوي المظهر الإسلامي، و يطلقون النار عليهم، أو يهاجمونهم بالسكاكين. قال رئيس الجمهورية الأمريكي في أول تصريح له إن هذه حرب صليبية! الحروب الصليبية هي الحروب التي سار فيها المسيحيون من أوربا للاستيلاء على بيت المقدس و جاءوا و استمرت هذه الحروب مائتي عام. طبعاً هزم المسيحيون - الأوربيون - و انتصر المسلمون و طردوهم من هناك.. حرب صليبية، أي حرب بين الإسلام و المسيحية! لماذا يتحدث مسؤول رفيع المستوى - لو لم يكن في القضية غرض معين - هكذا دون سيطرة على نفسه و دون ملاحظة الاعتبارات؟! لماذا اتهمتم مسلمي العالم بعمل إرهابي مفجع؟ يثيرون الرأي العام ضد الإسلام، ثم يقولون رسمياً: أيها الناس لا تهاجموا المسلمين! هل هذا ممكن؟! لقد خلقتم الأجواء بحيث يتهم الجميع المسلمين و العرب.. نشرتم أسماءً إسلامية و عربية باستمرار، و نشرتم في صحفكم دوماً وجوهاً ترتدي الكوفيات و العقال. ألم يكن بين كل هؤلاء المتهمين شخص واحد من أمريكا أو الغرب و له اسم أجنبي؟! لماذا لم تنشروا عن أولئك؟ هذا تصرف قبيح جداً و عمل سيئ جداً له آثار طويلة الأمد لا يمكن تلافيها بسرعة و سهولة.
النقطة الثالثة هي أن الأمريكيين أبدوا في هذه المسألة توقعات في غير محلها. تعرضوا للهجوم و إذا بهم يتوقعون من العالم كله أن يتعاون معهم؛ لماذا؟ لأن مصالحهم تعرضت للخطر. و هل راعيتهم يوماً مصالح الآخرين حتى تتوقعون من الجميع الآن أن يراعوا مصالحكم؟! هل مجرد امتلاك المدافع و البنادق و الصواريخ اليوم يمكن أن يعد إذناً لحكومة معينة كي تعلن أنه يجب العمل بكل ما أقوله أنا ليس إلا؟ هذه الحالة هي التي جعلت أمريكا ممقوتة. لاحظوا في أية البلدان يحرقون العلم الأمريكي. في كل مكان و ليس في إيران فقط. المؤتمر الذي عقد مؤخراً في أفريقيا الجنوبية عبّر عن مشاعر الناس و المنظمات و الحكومات في العالم. لقد جعلت أمريكا نفسها مبغوضةً بهذا التعسف و التوقعات الكبرى. إذا تعرضت المصالح الأمريكية في الخليج الفارسي للخطر فعلى الجميع مواكبة أمريكا و مماشاتها، أما إذا تعرضت مصالح بلدان الخليج الفارسي للخطر فلتتعرض! سحقوا كل تلك المصالح لمختلف البلدان - و منها بلادنا - و يقولون الآن على العالم كله أن يتعاون معنا لأن مصالحنا تعرضت للهجوم! هذا توقع زائد.
النقطة التالية هي أن مفهوم الإرهاب في ذهنية المسؤولين الأمريكيين مفهوم مغلوط. إنهم يفسرون الإرهاب تفسيراً سيئاً. يفسرونه بحيث لا تعد المذبحة الكبرى لأهالي صبرا و شاتيلا - و هما مخيمان فلسطينيان - في ليلة واحدة بأمر من الشخص الذي يترأس الحكومة الصهيونية الغاصبة حالياً، لا تعد عملاً إرهابياً!
قبل سنوات عدة، تجمع عدد كبير من أهالي قانا اللبنانية أمام مكتب ممثلية الأمم المتحدة في هذا البلد ليقدموا شكوى، فجاءت المروحيات الإسرائيلية و أطلقت النيران على المئات منهم - بما في ذلك النساء و الرجال و الأطفال و قد كانوا جياعاً و عطاشى - و قتلتهم جميعاً! أمريكا لا تعتبر هذا إرهاباً! دخلوا لبنان مرات عديدة و أختطفوا البعض أو قتلوهم، لكن أياً من هذه الأعمال ليست مصداقاً للإرهاب! قبل شهر أو شهرين صادقت الحكومة الصهيونية الغاصبة رسمياً على ضرورة اغتيال بعض الشخصيات الفلسطينية - و قد ذكروا اسم الاغتيال - و نفذوا الاغتيالات و فجّروا سياراتهم و قتلوا العديد من الأفراد، لكن أياً من هذه الأحداث لا يعد مصداقاً للإرهاب! أما أهالي فلسطين الذين يثورون للدفاع عن أرضهم و إنقاذ حقهم المنتهك، فيهتفون و يحملون الأحجار في أيديهم، و ليس لديهم أسلحة، فهم إرهابيون! هذا هو منطق الأمريكيين و هو منطق خاطئ لا يقبله العالم.
النقطة الأخرى أنهم يقولون: ليس لدينا إرهاب حسن و إرهاب سيئ. كل الإرهابيين سيئون، لكنهم عملياً يصنفون الإرهاب إلى إرهاب حسن و إرهاب سيئ! يفجرون الطائرة الإيرانية التي تحمل مئات المسافرين بلا أي سبب أو ذريعة في سماء الخليج الفارسي، و يقطعون الناس إرباً و يغرقونهم في البحر، ثم لا يحجمون عن محاكمة قائد تلك الفرقاطة و توبيخه و حسب، و لا يمتنعون عن الاعتذار لإيران و حسب، إنما يمنحون قائد تلك الفرقاطة جائزة! هذا هو الإرهاب الحسن! المنطق منطق مغلوط. المفهوم مفهوم خاطئ و يتوقعون أن يتعبّأ العالم كله لصالح هذا المفهوم الخاطئ و يسير خلفهم و يفعل كل ما يريدون؛ فيجب أن لا يعترض الآخرون، بل و يساعدونهم!
تشير مجموعة القرائن و الشواهد إلى وجود شيء آخر وراء هذه المسرحية التي تجري فصولها اليوم في أفغانستان. أفغانستان تقف اليوم أمامهم مظلومة دون مُدافع، بسبب أن شخصاً واحداً، أو عشرة أشخاص، أو مائة شخص، أو ألف شخص في داخل هذا البلد متهمون بتدبير تفجيرات نيويورك و واشنطن. لكن شيئاً آخر يكمن وراء هذه المسرحية. أولاً تشير القرائن إلى أن الحكومة الأمريكية تروم تكرار ما فعلته في الخليج الفارسي في هذه المنطقة، أي إنها تريد المجئ و الاستقرار في آسيا الوسطى و إفساح المجال لنفسها هناك بذريعة انعدام الأمن فيها. ثانياً يرومون تسوية حساباتهم مع الذين دافعوا عن الشعب الفلسطيني المظلوم، و سائر الأمور ما هي إلا الوجه الظاهري للقضية، أما باطن القضية فتلك.
النقطة الأخرى هي أنهم كرروا في تصريحاتهم أن على إيران مساعدتنا في هذه القضية بأنحاء مختلفة! إني أتعجب كيف تتمادى بهم الصلافة إلى طلب المساعدة من حكومة الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني؟! ثلاثة و عشرون عاماً و أنتم توجهون كل ما تستطيعونه من الضربات لهذا الشعب و هذا البلد، و تتوقعون منا الآن مساعدتكم؟! أية مساعدة؟! حتى لو لم يكن الشعب الأفغاني مسلماً، و لم يكن مظلوماً، و لم يكن جاراً لكان طلب المساعدة هذا في غير محله، ناهيك عن أن يكون هذا الشعب مظلوماً و محروماً. الحق أن قلب الإنسان ليتحرّق على الشعب الأفغاني. تتوقعون المساعدة من الجمهورية الإسلامية؟! كلا، لن نساعد أمريكا و حلفاءها في هجومهم على أفغانستان إطلاقاً.
حصيلة الكلام أننا لا نرى الحكومة الأمريكية صادقة في حربها ضد الإرهاب. إنهم غير صادقين و لا يقولون الحقيقة. لديهم أهداف أخرى. إننا لا نرى أمريكا صالحة لقيادة التحرك العالمي ضد الإرهاب. الأيدي الأمريكية ملوّثة بكل الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني في هذه الأعوام، و هي اليوم تواصل جرائمها بكل قساوة و وحشية.
ليعلم الجميع - قال هذا مسؤولو بلادنا في لقاءاتهم و المجالس و الاجتماعات الخاصة، و أعيده الآن للرأي العام الإيراني و العالمي - أن إيران الإسلامية لن تشارك أي تحرك بقيادة أمريكا. طبعاً الكفاح ضد الإرهاب و انعدام الأمن في مناخ الحياة الإنسانية كفاح واجب و ضروري و هو جهاد. كل من يستطيع المشاركة في هذا الكفاح فعليه القيام بذلك، بيد أن هذا تحرك عالمي لا بد له من قيادة صالحة.
كرّر مسؤولونا في الأيام القليلة الماضية أننا مستعدون لتقديم المساعدة لهذا التحرك و مواكبته في إطار منظمة الأمم المتحدة. و أقول هنا: نعم، الأمم المتحدة جيدة و لكن لهذا شرطه و هو أن لا تخضع منظمة الأمم المتحدة لنفوذ أمريكا و سائر القوى الكبرى، و إلا لو تقرر أن تخضع منظمة الأمم المتحدة - سواء مجلس الأمن أو المؤسسات الأخرى - لنفوذهم فلن يمكن الثقة بها. لم تكن لنا تجارب جيدة سابقاً في هذا المجال.
تتحمل الحكومات الإسلامية واجباً كبيراً في هذا الخصوص. عليها الدخول إلى الساحة في إطار تحرك إنساني و عالمي كبير ضد الإرهاب و الاعتداء على أرواح البشر و ممارسة العنف ضد الحياة اليومية العادية للمواطنين - و هذا بحد ذاته واجب كبير، و تقع على منظمة المؤتمر الإسلامي في هذا الخصوص واجبات معينة، و نحن بدورنا و كعضو في منظمة المؤتمر الإسلامي نرى أن من الواجبات الأكيدة لهذه المنظمة هي المشاركة المستقلة في هذا الميدان - و كذلك ينبغي لها أن تنشط في هذا الحيّز لأن الشعب الأفغاني شعب مسلم و هو جزء من الأمة الإسلامية. لم يرتكب الشعب الأفغاني المظلوم أية جريرة. و هل دماء الذين قتلوا في بناية مركز التجارة العالمية في نيويورك أغلى من دماء الشعب الأفغاني؟! لماذا و ما هو السبب؟ لأن ياقاتهم وسخة؟ لأنهم محرومون من الصحة و الطعام و الراحة و الأمن، و ذلك بسبب هيمنة أشخاص كانوا طوال أعوام خريجي مدراس القوى الكبرى؟ قبل الانقلاب الذي حدث قبل أكثر من عشرين عاماً كان الرؤساء و رجال السلطة تابعين للقوى العظمى. و حين استلم الشيوعيون زمام السلطة بعد ذلك كانوا تابعين للاتحاد السوفيتي. و بعد ذلك يعلم الناس و يرون ماذا حصل. في الفترة الأخيرة كان مصير الشعب الأفغاني يتقرر دوماً بتدخل القوى. و هذا هو سبب فقر الشعب الأفغاني و تخلفه. و إلا فالشعب الأفغاني شعب حر شجاع و موهوب جداً يتمتع بثقافة جد عميقة و قديمة. نحن نعرف الشعب الأفغاني و عشنا سوية طوال قرون. نعرف أنه شعب موهوب جداً. ليسوا أقل من سائر شعوب العالم في أي شيء. بل هم أكثر منهم في كثير من الأشياء. أي ذنب ارتكبه هؤلاء الناس حتى يكونوا ضحية هذه الأهداف و تلك السياسات؟ هناك في هذا الخصوص واجبات على عاتق منظمة المؤتمر الإسلامي و الحكومات الإسلامية. عليها النـزول إلى الساحة بعقل و تدبير و عدم السماح بمحنة هذا الشعب. لنفترض أن بعض الإرهابيين اتخذوا أوكارهم هناك - نحن لا نعلم صدق هذا الأمر من كذبه إنما هو أدعاء الأمريكيين - فلماذا يسحب ذنبهم على الشعب الأفغاني؟ لماذا يجب سحق أبناء هذا البلد؟
نسأل الله تعالى أن يزيد من عزة الإسلام و المسلمين يوماً بعد يوم و يحفظهم من شرور أعدائهم. من حسن الحظ أن شعبنا و حكومتنا تسير في دربها بكل رزانة و عقل و هدوء و سكينة. و سيبقى هذا الشعب و هذه الحكومة بعد الآن أيضاً يسيران في هذا الطريق الصواب القويم و سيشملهم اللطف و البركات الإلهية و أدعية سيدنا بقية الله أرواحنا فداه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.