وفيما يلي النص الكامل لخطاب الإمام السيد علي الخامنئي خلال اللقاء
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين (2).
إنها لأيام مهمة، أيام محرم. ومحرم ليس عشرة عاشوراء فحسب. وقعت في التاريخ وفي أيام محرم حادثة عظيمة لا تنتهي. لا بمعنى أن نظائر هذه الحادثة وأشباهها تستمر - وهذه الحالة محفوظة في محلها، وهي بحث آخر - لكن هذه الحادثة نفسها كالشمس التي لا تغرب. أحياناً تقع اليوم حادثة عظيمة وتزول غداً. الأمر بالنسبة لحادثة محرم ليس من هذا القبيل، فهي كالشمس التي لا تغرب، والتي كانت دوماً موجودة إلى اليوم، وستبقى موجودة بعد الآن أيضاً. إنها صورة حية حقيقية للصراع بين النور والظلام، والحرب بين الحق والباطل، وللحرب بين الشرف واللئامة والدناءة. طبعاً كانت ذروة ذلك في يوم عاشوراء، لكن المقدمات كانت في أيام بداية محرم قبل يوم عاشوراء. وبعد عاشوراء - في مثل هذه الأيام - استكملت واقعة عاشوراء بقيادة زينب الكبرى والإمام السجاد (عليهما السلام). وبهذا فالأيام أيام مهمة، وأنْ أحظى بهذا التوفيق والحظ الحسن - وهذا ما أعتبره بحق حظاً حسناً - للقاء بكم أيها الشباب الأعزاء في هذه الأيام، فهذا توفيق استثنائي بالنسبة لي، وأنا أتفاءل بهذا اللقاء خيراً.
عاشوراء كانت صورة حية للصراع بين النور والظلام، والحرب بين الحق والباطل وبين الشرف واللئامة والدناءة
أنا سعيد جداً للقاء بكم أيها الأعزاء النخبة. الكلام الذي نسمعه ونقوله حول موضوعات هذه الجلسة على طول السنة، كلام مستمر دائماً. إنني أسمع وأقرأ في التقارير المختلفة طوال السنة ما يشبه هذا الكلام الذي طرحه هؤلاء الشباب الأعزاء هنا، وإذا كان بمستطاعي القيام بشيء فيما يتعلق بهذه الأمور فإنني أقوم به. والكلام الذي نريد قوله الآن كلام أقوله في اللقاءات المختلفة طوال السنة، سواء في لقاءاتي بالجامعيين أو في مختلف الجلسات والاجتماعات الأخرى، بيد أن نفس هذا اللقاء والاجتماع شيء محبّب وجميل بالنسبة لي. شبابنا النخبة - وسوف أقول عدة أمور في توصيفكم - مجتمعون هنا، ونحن نتحدث لهم.
أولاً النخبة - الشباب، وخصوصاً الشباب النخبة - هدايا إلهية نفيسة ثمينة بالنسبة للشعب والبلاد. وليست جميع البلدان تحظى بمثل هذه الهدايا بهذا الحجم وهذه السعة وهذا العدد الكبير. هذه من خصوصيات بلادنا أن توجد فيها مواهب بشرية بكفاءة عالية وعدد كبير. هذه من الخصوصيات النادرة النظير في بلادنا. هذه هدية إلهية، وهي هدية نفيسة وقيّمة جداً. والنتيجة هي أن على مسؤولي البلاد أن يكرّموا هذه الأمانات ويحفظوها، فهذه الهدية أمانة بيد المسؤولين، ابتداءً من مؤسسة النخبة والسيد الدكتور ستاري والمجلس الأعلى للثورة الثقافية إلى وزارة التعليم العالي والصحة والعلاج ووزارة التربية والتعليم وباقي الأجهزة الحكومية التي يمكن أن يكون لها علاقة بالطاقات البشرية والمواهب الشابة. هؤلاء أمانة بيد المسؤولين. ينبغي رعاية الأمانة الثمينة بدرجة كبيرة من أجل حفظها وصيانتها، وحين يمكن إنماء هذه الأمانة ومضاعفتها فيجب الشعور بالمسؤولية تجاه إنمائها ومضاعفتها.
الشباب النخبة هدايا إلهية نفيسة ثمينة بالنسبة للشعب والبلاد
من ناحية، الإنسان كائن مختار. لقد منح الله تعالى الإنسان الحرية والاختيار: هل يفعل هذا أم لا يفعله. والاختيار يستلزم المسؤولية. إذا لم يكن لنا اختيار في عمل ما فلن تقع علينا مسؤولية، وحينما نتمتع بالاختيار والحرية فستقع علينا مسؤولية طبعاً. لقد خلقكم الله تعالى أنتم النخبة مختارين، يمكنكم أن تستخدموا هذه الهدية وهذه النعمة التي منحكم الله أياها - وهي موهبة حسنة وممتازة - ويمكنكم أن لا تستخدموها. كما يمكنكم استخدامها في الطريق الصحيح، ويمكنكم عدم استخدامها في الطريق الصحيح. الحالتان ممكنتان. إذن، أنتم أيضاً مسؤولون. وبالتالي فالمسؤولية لا تقع فقط على عاتق أصحاب الأمانة، فأنتم أصحاب الأمانة الأصليون والأكثر أولوية، وأنتم مسؤولون أيضاً. المسؤولية الأولى والأكبر هي شكر الله تعالى على أن منحكم نعمة الموهبة هذه. ما معنى الشكر؟ معناه أن تعلموا أولاً أن هذه النعمة من الله، وتعلموا أنكم مسؤولون حيالها، والمسؤولية هذه هي أن تستخدموا النعمة في محلها المناسب. هذه هي الأركان المكوِّنة للشكر. وسيكون هذا هو الشكر. ليس الشكر مجرد الشكر باللسان، بل هو مجموعة من جميع هذه الأمور التي أشرت لها.
أقولها لكم: لماذا نهتم كل هذا الاهتمام للشباب والعلم والنخبة والمواهب المتفوقة، ونفرح للقائهم ونخصص الوقت لهم - ونحن نخصّص الوقت لهم فعلاً، ولكم أن تعلموا ذلك - ونخصّص الهمم، وما إلى ذلك؟ لماذا؟ لأننا نمتلك سابقة تاريخية مريرة، فقد حقنونا لمدد طويلة بجينات العجز، وجينات «نحن غير قادرين»، وجينات التبعية للآخرين. خلال حقبة طويلة من الفترة القاجارية إلى الفترة البهلوية أوجدوا لدى شعبنا - نفس هذا الشعب الموهوب - هذا الشعور الداخلي بالعجز وعدم القدرة، ومأسسوه فينا، أي في مجمل المجتمع الإيراني. لدينا مثل هذه السابقة. وكانت النتيجة هو تعريف هويتنا كشعب على هامش الغرب وتبعاً للغرب. هناك الكثير من الكلام - الكلام التاريخي، والكلام الاجتماعي، والكلام التحليلي - في هذه المجالات مما لا يتسع له الوقت ولا المقام، كما أننا لم نجتمع الآن لأجل ذلك. يحمل الغربيون والأوربيون مثل هذه النظرة للشعوب الأخرى، وذلك بسبب العلم الذي حصلوا عليه أسرع من الآخرين ورفعوا به أنفسهم، ومن ذلك نظرتهم لشعبنا. لقد أهانوا شعوباً ذات ثقافات عريقة وعميقة وسوابق مشرقة إلى درجة أنهم عرّفوا تلك الشعوب تبعاً لأنفسهم.
الغربيون أهانوا شعوباً ذات ثقافات عريقة وعميقة وسوابق مشرقة إلى درجة أنهم عرّفوا تلك الشعوب تبعاً لأنفسهم
لقد أشرتُ مرة أو مرتين في كلماتي العامة (3) إلى تعبير «الشرق الأوسط» هذا، وقلت إن منطقة آسيا هذه - والتي تحتضن أكبر وأقدم الحضارات البشرية، حيث كانت مهد ومنبت هذه الحضارات، وقد ظهرت الأعراق البشرية القديمة من هذه المنطقة - آسيا بهذه العظمة تقسمت حسب منطق الأوربيين وأدبياتهم إلى ثلاثة أقسام فكانت الشرق، وكان الشرق الأقصى جزءاً من هذا الشرق. أقصى عن أيّ مكان؟ عن أوربا! وكان هناك الشرق الأوسط - والأوسط هنا بمعنى أنه ليس بعيداً جداً ولا قريباً - فهو أوسط بالنسبة إلى أيّ مكان؟ بالنسبة إلى أوربا! وهناك الشرق الأدنى، فهذا الأدنى أدنى إلى أيّ مكان؟ إلى أوربا! لاحظوا أن هذه الثقافة وهذه الأدبيات لها الكثير من اللواحق واللوازم. أي إنهم قسّموا كل هذا الماضي التاريخي البشري بهذا الشكل. كل هذه الحضارات وكل هذه الأعراق والثقافات وكل هذه العلوم التي أنتجت في منطقة آسيا هذه - في الهند بشكل، وفي الصين بشكل، وفي إيران بشكل، وفي ما بين النهرين بشكل، بابل وما شابه - هذه الحضارات القديمة أضحت كلها منطقة جرت تسميتها بما يتناسب وبعدها أو قربها من أوربا! وهم يسمّون منطقتنا هذه لحد الآن: الشرق الأوسط. وهناك منطقة أخرى هي الشرق الأقصى، لماذ هو أقصى؟ لأنه بعيد عن أوربا! لاحظوا أن الغربيين عرّفوا آسيا بهذا الشكل. الشعوب الغربية كالشخص الذي يصل من الفقر إلى الثراء ثم يضيّع نفسه، وصلوا إلى ثراء معين وحققوه على أرض الواقع - ولم يكن هذا الثراء ثراء مالياً، بل كان ثراء علمياً، فالعلم بالتالي يتنقل من يد ليد، وحصل أن توفروا على العلم وطوروا هذا العلم ونمّوه باستمرار، وجمعوه وراكموه طبقات بعضها فوق بعض وارتقوا إلى الأعالي - بمجرد أن ارتفعوا إلى الأعالى راحوا ينظرون بعين الامتهان لكل البشرية، حتى الذين أخذوا هذا العلم عنهم لأول مرة، وقد كان بلدنا من ضمن هؤلاء الذين شملتهم هذه النظرة. وللأسف فإن الحكام والساسة في بلادنا ساعدوا على هذه الوضعية المهينة، سواء القاجاريون أو البهلويون - الأب والأبن - وعرّفونا على هامش الغربيين. هذا شيء خطير ومهول ومهم جداً.
عندما يجري تعريف بلد على هامش قوة من القوى، فإن كل إمكانياته وطاقاته ستحال في الواقع إلى تلك القوة شئنا ذلك أم أبينا. ستأتي تلك القوة وتستفيد من تلك الطاقات، ومن النفط، ومن المصادر، ومن الموقع الاستراتيجي. في الحرب العالمية كانت القوى العالمية تتحارب فيما بينها ولم يكن للأمر علاقة بنا، ولكن لأن روسيا كان لها إمكانيات ومقرات على هذا الطرف من بلادنا، وكان لبريطانيا إمكانيات ومقرات على طرف آخر من بلادنا، فقد جعلوا إيران بإرادتهم وبدون استئذان أيّ شخص وسيلة لعبور الأسلحة من منطقة إلى منطقة. هذه السكك الحديدية العامة - وقد كان اسمها عامة لكنها ليست عامة أو شاملة - أنشئت في ذلك الحين من أجل أهدافهم. أي إنه كان هناك الخليج الفارسي في جانب والشمال ومنطقة الاتحاد السوفيتي في جانب، وكان يجب أن ترتبط بريطانيا والاتحاد السوفيتي مع بعضهما - وهناك الكثير من الكلام في هذا الباب - وتغدو مصادر البلاد وأسواقها لهم وملكهم، وينتظر البلد ليأتوا وينهبوا نحاسه وفولاذه وحديده ومختلف مصادره وطاقاته ونفطه وغازه بثمن بخس. ثم يبعثون كل ما يصنعونه ويجب أن يبيعوه ليوفر لهم العائدات والدخول، يبعثوه إلى هذا البلد من دون تعرفة وبدون جمارك وبلا أية موانع وروادع، ويجعلوا ذلك البلد سوقاً مربحاً لبضائعهم. هذا ما حصل في إيران ما قبل الثورة.
عندما يجري تعريف بلد ما على هامش قوة من القوى، فإن كل إمكانياته وطاقاته ستحال في الواقع إلى تلك القوة شئنا ذلك أم أبينا.
لقد أوجدت الثورة تحولاً، لقد أوجدت الثورة الإسلامية تحولاً عظيماً. الشيء الذي أعبّر عنه اليوم فأقول إن الثورة سارت إلى حرب التبعية بسلاح الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، وقد مدّ الله لها يد عونه. الحرب شيء مرير، ولقد كانت حرب الأعوام الثمانية شيئاً مريراً حقاً، وكانت خسارة، وخلقت لنا الكثير من المتاعب، وقد كنتُ حاضراً ومشاركاً في أصل الأمور ومتنها. لقد كانت مريرة جداً وصعبة جداً وفيها الكثير من الغصص، وكثيراً ما أبكتنا، وهي تتعب الإنسان، ولكن رغم كل هذه المتاعب والصعاب فقد امتازت بحسنة كبيرة هي أن الشاب الإيراني أثبت فيها أنه قدير وكفوء وإذا أراد شيئاً وخاض غمار الساحة فسوف يستطيع التفوق على منافسه وغريمه. وهذا ما حصل وتفوق الشاب الإيراني. لقد خاض الشاب الإيراني في ساحة الحرب، ولو لم تكن الحرب لما حدث هذا الشيء بهذا الشكل. الحرب شيء يشبه الحريق. عندما يحصل الحريق يترك الجميع كل أمورهم الأخرى ويهرعون لإطفاء الحريق. الكل ركّزوا على الحرب، فتفجرت المواهب وثبت أن الشاب الإيراني قادر. هذا التواجد في الحرب ومشاركة الشباب والتغلب على العدو - وهو ليس عدواً يتلخص ببلد واحد، بل هو عدو وقفت سنداً له كل القوى العالمية - أدى هذا كله إلى تطور الثقة بالذات. إذن، لقد عملت الثورة على ارتفاع قامة الثقة بالذات ووقوف الثقة بالذات كالدرع القوي مقابل روح التبعية والإفلاس السابقة. هذا ما حصل.
الثورة الإسلامية سارت إلى حرب التبعية بسلاح الثقة بالنفس والاعتماد على الذات
طيب، ثمة هنا نقطة ينبغي عدم الغفلة عنها. في الحروب العمقية التي تسمّى اليوم الحرب الناعمة، في الحروب العميقة - بما في ذلك الحروب الثقافية وهي من الحروب العمقية - وبخلاف الحروب العسكرية، لا تعتبر النتائج القصيرة الأمد نتائج حاسمة مهمة، فمثل هذه الحروب تستغرق مدداً طويلة. في الحرب العسكرية ينتصر أحد الطرفين على الآخر في النهاية ويقمعه وتنتهي القضية. لقد استطعنا طوال ثمانية أعوام من المقاومة أن نطرد قوات صدام المعتدية من البلاد، وانتهت القضية. لكن الأمر ليس على هذا النحو في الحرب الناعمة والحرب العميقة والحرب الثقافية. إنكم تنتصرون في مرحلة لكن هذا لا يعني انتصاراً دائماً، فيجب أن تتوقعوا أن يستعيد الطرف المقابل استعداده وجاهزيته ويعيد ترتيب وضعه ويعاود الهجوم. وهذا ما حصل. نفس آفة التبعية التي تحدثنا عنها تم إعادة إنتاجها بعد ذلك بأشكال أخرى. فللأعداء عملاؤهم بالتالي، وهذا مما لا يمكن إنكاره. الشعب شعب كبير وصالح، ولكن ثمة في داخل البلاد - ككل الشعوب الأخرى - أفراداً يبهرون بالغرباء، ورديئي المعدن، وماديين، ومن السهل خداعهم. بدأ هؤلاء بإعادة إنتاج نفس ثقافة التبعية تلك، ولكن بأدبيات منمّقة وملونة وبراقة ومعلبة وأنيقة وبأسماء أخرى: العولمة والالتحاق بالأسرة الدولية. هذه هي التوصيات التي يوصينا بها الغربيون والأمريكان اليوم في الاجتماعات: لتواكب إيران الأسرة الدولية وتتوافق معها وتصبح عالمية. قصدهم هو نفس تلك التبعية، فهذا نفس ذاك.
بدأ البعض بإعادة إنتاج نفس ثقافة التبعية تلك، ولكن بأدبيات منمّقة وملونة وبراقة ومعلبة وأنيقة وبأسماء أخرى
ولا يحصل خطأ هنا، فأنا لا أعارض التواصل والعلاقات أبداً - لقد كنتُ في زمن ما رئيساً للجمهورية، وكان من أهم الأعمال التي كنت أقوم بها في السياسة الخارجية منذ ذلك الحين هو تجسير العلاقات وإقامتها، سواء العلاقات الثنائية مع كل البلدان، أوربا وغيرهم وغيرهم، باستثناء حالة أو حالتين، أو العلاقات الجماعية بين أكثر من طرفين - لكن هاتين قضيتان مختلفتان، فللعولمة معنى آخر. العولمة تعني الخضوع لثقافة استطاعت عدة قوى كبرى فرضها على اقتصاد العالم وسياسة العالم وأمن العالم. الخضوع لهذه السياسة والدخول في هذا القالب، هذا هو معنى العولمة من وجهة نظرهم. عندما يقولون كونوا عالميين، وحين يقولون ادخلوا في الأسرة الدولية، فهذا هو ما يرمون إليه. إنها نفس تلك التبعية، ولا فرق بينهما.
العولمة تعني الخضوع لثقافة استطاعت عدة قوى كبرى فرضها على اقتصاد العالم وسياسة العالم وأمن العالم. الخضوع لهذه السياسة والدخول في هذا القالب، هذا هو معنى العولمة من وجهة نظرهم
ما يجعل النظرة للنخبة والاهتمام بهم كفريضة وكواجب لا يمكن اجتنابه على كل المسؤولين، هو هدف كبير. ثمة هنا هدف كبير. بهذا الهدف لا بدّ أن تكون النظرة للنخبة نظرة جدية وعملية ومخلصة ودؤوبة. فما هو هذا الهدف؟ الهدف هو عبارة عن تحويل بلد إيران إلى بلد متقدم وقوي وشريف - والشريف هنا مقابل اللئيم والقذر كما هو الحال بالنسبة لبعض البلدان والقوى - وصاحب كلام جديد في الشؤون الإنسانية والدولية. أن تكون إيران بلاداً لها آراء جديدة في القضايا الإنسانية وشؤون الحياة البشرية، وأن تعرض أفكاراً جديدة. ذلك أن وضع البشرية ليس وضعاً جيداً! أيّ المفكرين في العالم راض حالياً عن أوضاع البشرية؟ ولا فرق بين شرق وغرب. أنظروا إلى آراء المفكرين في العالم، كلهم يئنون ويشتكون من الحياة العسيرة التعيسة التي تعيشها الإنسانية اليوم. لا بدّ من ظهور كلام وآراء ومخرج من هذا الطريق المسدود. يجب أن تطرح إيران الإسلامية هذا الكلام الجديد.
والهدف كذلك أن يكون البلد عزيزاً. تبديل البلاد إلى بلاد ذات عزة وشعور بالعزة. أحياناً تكونون أعزاء لكنكم لا تشعرون بالعزة. من الأمور التي أتابعها كثيراً في الأعوام الأخيرة هو أن يكون لنا شعور بالعزة. أن نشعر بالعزة التي منحها لنا الله تعالى، لنشعر بالعزة. الشعور بالعزة نفسه عنصر مكوِّن للعزة الحقيقية.
وأن يكون البلد زاخراً بالمعنوية والإيمان. قلنا إنه يجب أن يكون البلد متطوراً مقتدراً وما إلى ذلك، ولكن ينبغي إلى جانب ذلك أن تكون هناك معنوية وإيمان. الآفة الكبيرة في العالم المقتدر الراهن هي أنه لا يوجد إيمان حيث توجد قوة. لاحظوا الوضع في انتخابات رئاسة الجمهورية في أمريكا، وقد وصلوا إلى شخصين. لاحظوا مناظراتهما ماذا يفعلان أحدهما بالآخر، وماذا يقول أحدهما للآخر! وسيكون أحدهما رئيساً للجمهورية، أين؟ في بلد كبير ذي عدد كبير من السكان وثري وفي قمة العلوم البشرية. أحد هذين الشخصين الموجودين الآن سيكون رئيس جمهورية هذا البلد، وسيكون تحت تصرفه وفي قبضته أكبر عدد من الأسلحة النووية وأضخم الثروات في العالم وأقوى وسائل الإعلام. رئيس ذلك البلد سيكون أحد هذين الشخصين الذين ترون ما هما ومن هما. هذا بسبب غياب المعنوية والإيمان.
الآفة الكبيرة في العالم المقتدر الراهن هي أنه لا يوجد إيمان حيث توجد قوة
كما ينبغي أن يكون البلد رافعاً لراية الحضارة الإسلامية الجديدة. إننا نروم مثل هذا البلد، وهذا هو الهدف. تنبهوا إلى أنني ذكرتُ تسعة مؤشرات. ما نرنو إلىه هو تبديل البلد إلى مثل هذا البلد الذي يتوفر على هذه الخصوصيات. طبعاً لم يكن الوضع سيئاً في بعض الجوانب في منتصف الطريق، فقد حققنا بعض التقدم، لكن هذه كلها محطات في منتصف الطريق وعلينا أن نتقدم أكثر ونصل إلى القمم، وهذا غير ميسور من دون جيل شاب من النخبة. يجب أن يكون هناك جيل يؤمّن هذا الهدف ويضمنه. لا أحد يستطيع أن يشكك في ضرورة هذا الهدف. من واجبنا كبشر وكمسؤولين وكمسلمين وكإيرانيين - وحتى الذي لا يؤمن بالإسلام فهو بالتالي إيراني، وكون الإنسان إيرانياً يحمّله مسؤوليات - إننا من منطلق هذه العناوين التي تفرض علينا المسؤوليات، مكلفون بأن نوصل البلاد إلى هذه الأهداف والمحطات.
طيب، ما الطريق إلى ذلك؟ الطريق إلى ذلك تربية وإعداد جيل بخصوصيات هي كالتالي: ينبغي إعداد جيل شجاع، ومتعلم، ومتدين، ومبدع، ورائد، وواثق من نفسه، وغيور - ولحسن الحظ فإن جيلنا الشاب اليوم يتحلى بالكثير من هذه الخصوصيات والسجايا ولكن ينبغي توسيع هذه الحالة وتطويرها - إننا بحاجة إلى مثل هذا الجيل. يجب أن يكون جيلاً مؤمناً ومتعلماً وغيوراً وشجاعاً وذا ثقة بنفسه، ويتوفر على الدوافع والمحفزات الكافية للتحرك والعمل، ويتحلى بالقدرات الجسمانية والفكرية، وينظر لأهدافه ويأخذها بنظر الاعتبار، يجب أن يسمّر عينيه على الأهداف البعيدة، وعلى حد تعبير الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «اَعِرِ اللهَ جُمجُمَتَك» (4)، ويوظف حياته وكيانه في سبيل هذا الهدف، ويسير ويتحرك بجد، ويكون بكلمة واحدة جيلاً ثورياً، هذا هو معنى الثورية. البعض، ومن منطلقات عدائية، يسيئون تفسير الحالة الثورية. يفترضون أن الثوري يعني الإنسان غير المتعلم، وغير المنضبط، والذي لا يهتم لشيء. لا، بل إن العكس هو الصحيح. الثوري يعني الإنسان المتعلم صاحب الثقافة والعلم وصاحب الانضباط والتدين والحراك والعقل والعاقل. إننا بحاجة إلى مثل هذا الجيل. هذا الجيل هو جيلنا الشاب. رصيد هذه المسيرة هو هذا الجيل والنخبة هم الداينمو المحرّك لهذه المسيرة. هكذا هم النخبة. أنتم الداينمو المحرّك. إذا عملتم بصورة جيدة فإن هذا الجيل الشاب سوف يتحرك بهذا الاتجاه الذي أشرتُ له. هذه هي أسباب اهتمامي بالنخبة وتقديري لوجودهم. النخبة لهم قيمتهم.
طيب، لقد انطلقت هذه النهضة. لاحظوا أنني بفهمي لهذه القضية، أي بفهم قضية أن البلاد بحاجة إلى مثل هذه الآليات ومثل هذه الحركة، أثرتُ منذ خمسة عشر عاماً أو أكثر من ذلك بقليل قضية النهضة العلمية والنهضة البرمجية والمسيرة العلمية العظيمة، وقد رحّب بذلك العلماء والشباب والأساتذة والجامعات والكثير من قطاعات الحكومات المختلفة التي تولّت الأمور، وتقدم المشروع إلى الأمام، غير أن هذه المسيرة ليست مسيرة على طريق معبّد مبلّط إسفلتي سهل، إنها ليست مسيرة على طريق سريع. إنها مسيرة ذات موانع وعقبات. يجب معرفة هذه العقبات والموانع ومعالجتها. كما أن لهذه المسيرة أعداؤها، فمن هم أعداؤها؟ سيقول البعض هنا إن الأمر معروف ومعلوم على كل حال، فما إنْ يتحدث فلانٌ عن العدو فإن قصده هو أمريكا والصهاينة وما شابه، وهذا هو توهّم المؤامرة، لا، ليس هذا توهّم مؤامرة، بل هو معرفة للمؤامرة ومشاهدة لها. عندما أرى المؤامرة وأشاهدها فلن أستطيع إخفاءها عنكم، بل يجب أن أقول ذلك لكم. ما إنْ نقول «العدو» حتى يقول البعض إن فلاناً يقول دائماً «العدو، العدو»! أفلا نقول «العدو»؟ الله يذكر اسم الشيطان كثيراً في القرآن الكريم. كان يمكنه أن يقول اسم الشيطان مرة واحدة وينتهي الأمر، فلماذا يكرر الأمر دائماً؟ من أجل أن لا ننسى أنا وأنتم هذا العدو. ينبغي أخذ العدو دائماً بعين الاعتبار. ذلك أن العدو لا يقعد عاطلاً، فهو يعمل وينشط باستمرار. لو استطاعوا لأوقفوا هذه المسيرة العلمية، وإذا استنتجوا أنهم لا يستطيعون إيقافها فسوف يعملون على تحريفها. وقد نساعد نحن على هذا التحريف بأعمالنا الخاطئة غير الناضجة. حين كررتُ مراراً (5) - وقد أشار الآن بعض شبابنا الأعزاء لذلك - أن الأعمال البحثية والدراسات والرسائل الجامعية وغير ذلك يجب أن تصب في خدمة احتياجات البلاد، وينبغي إنتاجها وإعدادها لهذا الهدف وبهذه النيّة وفي هذا الاتجاه، فالسبب هو أن لا تنحرف هذه المسيرة العلمية عن أهدافها. إذا لم يستطيعوا إيقافها أو تحريفها فسيسعون إلى تشويه سمعتها وتلويثها. يأتي شخص إلى هنا باعتباره عالماً، ويكون ضيفاً، ثم يذهب إلى الشارع مقابل الجامعة ويلتقط صوراً للوحات وإعلانات بيع الرسائل الجامعية وينشرها في العالم، هذا تلويث وتشويه. من الذي يدعو هؤلاء إلى إيران؟ هل هؤلاء علماء؟ لماذا لا نفهم؟ لماذا نقع في خطأ؟
طوال الأعوام الماضية استطاع شباب البلاد والمسؤولون عن هذه الأمور أن يفعلوا ما من شأنه أن يسجل النمو العلمي في البلاد رقماً قياسياً في المواقع والمراكز العالمية المعروفة. حين قلنا مراراً إن سرعة التقدم العلمي للبلاد كان في السنة الفلانية أكثر من المتوسط العالمي بثلاث عشرة مرة، فهذا ليس كلامي، فأنا لست خبيراً بهذه الشؤون، إنما هي أقوال وشهادات المواقع التوثيقية المعروفة في العالم، والتي تعرفونها أنتم. هل هي مزحة أن تكون سرعة المسيرة في بلد أكثر من المتوسط العالمي بثلاث عشرة مرة؟ حين أقول إننا يجب أن لا نسمح بانخفاض هذه السرعة فالسبب في ذلك هو أننا متأخرون جداً، ويجب أن تكون سرعتنا كبيرة جداً لنستطيع إيصال أنفسنا إلى الخطوط الأمامية، لقد قلت هذا مراراً (6). وقد يقول لي المسؤولون المحترمون إن مكانتنا العلمية لم تهبط عن الدرجة الفلانية مثلاً، وهل كان من المقرر أن تهبط؟ كان من المقرر والمفترض أن ترتقي هذه المكانة أكثر، وبسرعة، هذا هو الإشكال. يجب أن لا نسمح بالمساس بهذه المسيرة العلمية. هذه الحركة العلمية لها أعداؤها، إذا ابتليت هذه الحركة العلمية بالأعداء ولم ندرك ذلك ولم نحرسها، فستكون النتيجة جسيمة ومريرة للغاية. أتعلمون ما هي تلك النتيجة؟ تلك النتيجة عبارة عن تغلغل اليأس إلى نفوس القوى والطاقات الشابة في البلاد. إذا حصل هذا فإن تصحيحه وتعديله وترميمه لن يكون أمراً سهلاً بالمرة. لقد تكوّن أملٌ في نفوس الشباب الواعين المتعلمين طوال هذه الأعوام - ونحن نجتمع هنا بالشباب منذ سنوات، وهم يتحدثون لنا، وأنا أقارن الأحاديث والكلمات التي يطرحونها اليوم بكلامهم قبل عدة سنوات مثلاً، إنها تختلف كما بين الأرض والسماء، لقد تطور شبابنا وتقدموا إلى الأمام ونضجوا واكتسبوا عمقاً، واكتسبت نظراتهم مديات وآفاقاً واسعة، وهذه أمور لها قيمة كبيرة - إذا يئس هؤلاء الشباب وقنطوا فلن يمكن إعادة الأحوال إلى الوضع المطلوب بسهولة.
عندما ييأس البعض من هنا سيذهبون إلى أماكن أخرى، والفخاخ منصوبة. وأقول لكم أيضاً: إن لنا اجتماعات ومعارض لعرض إنجازاتنا وتطوراتنا العلمية وما شاكل. هذا شيء حسن جداً لكن إحذروا من أن تتحول هذه النشاطات إلى مراكز لتعريف مواهبنا للأجانب، أي أن تعرّفوا شبابكم هنا، ويأتون من الخارج فيشخّصوهم ويأخذوهم، لا، يجب أن تقوم أجهزتنا ومؤسساتنا بتشخيصهم قبل أن يشخّصهم الأجنبي. لا يمكن إخفاؤهم خلف الأستار، فهم يظهرون بالتالي، ولكن على أجهزتنا الداخلية أن تشخّصهم قبل الآخرين وتستقطبهم وتوفر لهم الأعمال والمشاريع. ما من شاب لا يفضل بيئته الحياتية وعائلته على الغربة. الأجانب يوفرون لهم إلى جانب تلك الغربة بعض الامتيازات، وبوسعكم أن توفروا لهم حتى أقل من تلك الامتيازات وتبقوهم لخدمة أوطانهم وبلادهم.
على أجهزتنا الداخلية أن تكتشف الشباب الموهوبين قبل الآخرين وتستقطبهم وتوفر لهم الأعمال والمشاريع
أقولها لكم: إنني لن أتنازل ذرة واحدة في الدفاع عن مجتمع النخبة والمسيرة العلمية للبلاد ما دام فيّ عرقٌ ينبض، وأعلمُ أن هذه المسيرة مسيرة مباركة وستكون عاقبتها على خير إن شاء الله. سوف نتقدم إن شاء الله. وأشير الآن إلى جملة من النقاط.
من الأمور التي بوسعها أن تحرك عجلة العلم والتقنية ودعم النخبة في البلاد بقوة هي هذه الشركات العلمية المحور التي أشار لها السيد الدكتور ستاري، وأشار لها عدد آخر من الأعزاء، وقد شهدتْ لحسن الحظ انتشاراً كمياً جيداً. توصيتي هي أن يستمر هذا الانتشار أولاً، وثانياً كما قال أحد شبابنا الأعزاء يجب أن يفسح لها مجال المشاركة في الجوانب والقطاعات المهمة والأصلية من تقنية البلاد وصناعاتها، إذ ينبغي أن ترتبط هذه الشركات بتلك القطاعات التي جرى التصريح بأهميتها في السياسات العامة. ثالثاً ينبغي الاهتمام بكيفية هذه الشركات وجودتها وكفاءتها، أي إن عدد هذه الشركات جيد ومهم، ولكن اهتموا بمعايير وموازين الجودة وحددوا الأولويات وخذوها بنظر الاعتبار، وتعاملوا مع هذه الشركات العلمية المحور على أساس هذه المعايير. إذا تطورت هذه الشركات وانتشرت وعملت وكانت جيدة، فلا شك في أننا لن نعود نعاني من مشكلة المساعدات المالية الحكومية للنخبة، بمعنى أن نفس هذه الشركات سوف تغني النخبة عن أن يحتاجوا لمساعدات الحكومة المالية، فتقول الحكومة يوماً ما إنني قادرة على تقديم هذه المساعدات وتقول في يوم آخر إنني لا أقدر على ذلك. هذه نقطة مهمة جداً.
من الأشياء والأمور التي بمقدورها الترويج لهذه الشركات العلمية المحور هو الترويج لمنتجاتها. لقد قلنا الكثير عن قضية الاستيراد واستيراد البضائع التي يتم إنتاج نظائرها في الداخل، وهناك أمور وأعمال تجري في هذا السياق، لكنني أروم التشديد على ضرورة الترويج لمنتجات شركاتنا العلمية المحور، ومن الأساليب الأساسية للترويج أن لا تستخدم الأجهزة والمؤسسات الحكومية سوى منتجات هذه الشركات ولا تستهلك سواها ولا تشتري سواها. بمعنى أن تستفيد الأجهزة الحكومية من هذه الشركات، لأن الحكومة نفسها من أكبر المستهلكين في البلاد، أي إنها أهم مستهلك في البلاد.
وأشير إلى نقطة حول تكوين «خلايا النخبة» داخل الجامعات، وهذا ما أوصيت به سابقاً بأن يجمع أستاذ جامعي أو أستاذان حولهما مجموعة من الشباب ويوجدان نواة أو خلية من النخبة. يمكن لهذه الخلايا أن تزداد وتتطور، فهي شيء مبارك جداً. لم يصلني أي تقرير يفيد حصول مثل هذا الشيء. لقد كررتُ هذه الفكرة في العام الماضي وفي اجتماعات وجلسات مختلفة (7)، وهو شيء يجب أن يتحقق. هذه العملية ليست من أعمال الأجهزة الحكومية وما شابه، بل هي من نشاطات المجاميع الجامعية نفسها.
وهناك نقطة أخرى، و مع أن وزير التربية والتعليم المحترم غير حاضر هنا، لكن ينبغي إيصال هذا الكلام لأسماعه، وهي إنني قلق من قضية "سمباد" هذه - المنظمة الوطنية لإعداد المواهب المتألقة - فالتقارير التي تصلني ليست مرضية ولا مريحة. قضية "سمباد" هذه على جانب كبير من الأهمية. أنه عمل مهم جداً، والنقطة التي أشاروا لها، وهي أنهم أنشأوا عدداً كبيراً من المدارس على أساس هذا المشروع، تتوقف على أن تدار هذه المنظمة بصورة جيدة، والتقارير التي تصلنا في هذا الخصوص ليست مريحة.
وقلق آخر ذكرته للسيد ستاري على نحو الإجمال، هو القلق من مؤسسة النخبة نفسها، فمؤسسة النخبة على جانب كبير من الأهمية، ومن الضروري أن تكون هذه المؤسسة حيوية ومتوثبة. أنا طبعاً أثق حقاً بالسيد الدكتور ستاري. أي إنني مطمئن حقاً لقدراته الذهنية والعلمية ولصحة عمله. السيد ستاري، إذا كنتم ترون فعلاً أن المعاونية العلمية ومؤسسة النخبة لا تنسجمان، بمعنى أن واجبات مؤسسة النخبة لا تنسجم مع النشاطات الواسعة للمعاونية العلمية، ففكّروا بحلّ لهذه القضية. إما أن تفصلوهما، أو أن تضعوا تبعاً لإطار المعاونية العلمية مديراً قوياً لمؤسسة النخبة. لا تتركوا أعمال مؤسسة النخبة للجامعات، فلو كانت الجامعات قادرة على أداء هذه النشاطات لما شكلنا مؤسسة النخبة أصلاً.
نقطة أخرى هي أن التقارير التي تصلني تفيد أن بعض المشاريع الكبيرة في خصوص شؤون بحثية مهمة من قبيل الفضاء والطيران والأقمار الصناعية وما شابه تعاني من تعثر وتلكؤ، وهذا شيء يقلقني، وأريد أن أقول هذا أيضاً هنا ليكون مطلباً عاماً: إنني أطالب المسؤولين بجدّ بأن يهتموا بهذه الأمور والمجالات. هذه المشاريع مشاريع مهمة جداً، وكذا الحال بالنسبة لبعض المشاريع البحثية المتعلقة بالطاقة النووية. يجب أن لا تتوقف هذه المشاريع على الإطلاق، يجب أن لا تعطل أو تكون نصف معطلة، ويقال إن بعضها نصف معطلة أو على وشك التعطيل. أخال أن المعاونية العلمية يمكنها أن تمارس هنا أيضاً دوراً مؤثراً، فإما أن تحال هذه الأمور بالكامل إلى المعاونية العلمية، أي أن تحيلها الجامعات إلى المعاونية العلمية، أو أن تمارس المعاونية العلمية على الأقل دوراً في هذا المجال، هذا مهم جداً. هذه خسارة علمية بالنسبة لنا، وكذلك فإن العالم الشاب الذي يعمل بتفاؤل في مجال الطاقة النووية أو في قطاع الطيران والفضاء أو في مجال النانو أو تقنيات الأحياء، سوف يصاب باليأس والإحباط عندما يواجه هذا القطاع بالإهمال ويغدو نصف عاطل. وسبق أن ذكرتُ أن يأس شبابنا وإحباطهم خطر كبير جداً. وقد سجلت هنا أن هذه المشاريع إما أن تحال إلى المعاونية العلمية أو لا أقل من أن يكون للمعاونية العلمية إشراف حقيقي عليها. ينبغي استقطاب المواهب إلى هذه المجالات.
نقطة أخرى أذكرها هي أنهم أنشأوا لحسن الحظ معاونية ثقافية داخل هذه المعاونية العلمية، وهذه خطوة جيدة، ولكن ليحاولوا أن يكون لهذا النشاط الثقافي مستواه الراقي. لحسن الحظ فإن مستوى الأفكار الدينية بين شريحة الشباب اليوم شهد رقياً وسمواً ملحوظاً. وانتهز الفرصة هنا وأتقدم بالشكر لهذه المجاميع التي تدير هيئات العزاء والمآتم في أيام عاشوراء، وقد اطلعتُ على بعضها بنفسي، ورفعوا تقارير عن بعضها الآخر. لقد ارتفع مستوى الهيئات الحسينية كثيراً، وارتفع مستوى الخطباء والخطابات والمحاضرات كثيراً، وكانت الأفكار المطروحة جيدة جداً. وقد سألتُ بعض الذين يترددون على هذه المجالس الحسينية عن مواضيع الخطب والمنابر - وهذه من أعمالنا، أي إننا خبراء في هذه الأمور - فوجدتُ أنها جيدة جداً والحق يقال، فالمستويات عالية والآراء والكلمات جيدة، والأفكار جيدة والشباب حاضرون بأعداد كبيرة. وقد كانت لنا هنا أيضاً مجالس عزاء، وكان تسعون بالمائة أو أكثر من الحاضرين من الشباب، وقد طرحتْ هنا بحوث جيدة، لكن في بعض المواطن كانت مجالس العشرة - الليالي العشرة الأولي من المحرم، والليالي الخمس عشرة، أو الأيام العشرة أو الخمسة عشر - كانت الكلمات جيدة وكانت المراثي أحياناً جيدة جداً والتعازي عميقة المعاني، هذه حالة قيمة جداً. لقد ارتفع مستوى أفكار الشباب في مجال القضايا الدينية، وعلى النشاطات الثقافية أن ترتفع بنفس المستوى.
من الأمور التي يمكنها أن تكون مفيدة جداً إقامة مخيمات جهادية للنخبة. هذه المخيمات الجهادية شيء له قيمته للغاية، فتواجد الشباب النخبة في مثل هذه المخيمات يطلعكم أولاً على أوضاع بلادكم ويعرّفكم على شرائح الشعب ويعرّفكم بالواجبات الجسيمة التي تقع على عواتقنا جميعاً، ويطلعكم على نواقص أعمالنا وقلة أعمالنا طوال هذه الأعمال التي أعقبت الثورة - فقد كانت لنا حقاً قلة عمل في بعض المواطن - ويحفزكم على العمل والتحرك، فالدماء تتحرك وتجري في عروق الإنسان بتواجده في مثل هذه الأماكن.
نريد ظهور مجتمع وبلد في الأجواء العلمية العالمية يستطيع إنقاذ العالم من الجهل والضلال الذي يعاني منه
ألخّص الكلام وأقول نقطة واحدة في ختام حديثي: إننا نريد ظهور مجتمع وبلد في الأجواء العلمية العالمية يستطيع إنقاذ العالم من الجهل والضلال الذي يعاني منه. أيها الشباب الأعزاء، هذا شيء ممكن. إذا استطعتم جعل بلادكم بلاداً متقدمة من النواحي العلمية، ومن حيث الثقة بالنفس، ومن حيث الابتكارات والإبداعات، ومن حيث السعي الدؤوب، فسوف يظهر في هذه العالم الطافح بالجهل والضلالة بلد يكون له مستوى عال من حيث المؤشرات المعترف بها عالمياً - مؤشرات العلم والتقدم التقني والثروة والماديات والمواصفات الإنسانية - ويتمتع كذلك بالمعنوية والشرف والتوجّه إلى الله والإيمان والثقة بالله. إذا حصل هذا فسيكون له أكبر التأثير في تحقيق الإيمان واستقطاب قلوب الناس. إنكم تستطيعون إنقاذ البشرية. أن نذهب ونجالس الأفراد واحداً واحداً ونسوق لهم الأدلة والبراهين لتوجيه أذهانهم نحو الإيمان بالله والإسلام، فإن تأثير ذلك قبال مثل هذه التحركات والإنجازات كمثل واحد بالمائة أو واحد بالألف وواحد بالمليون، أو كمثل قطرة إلى بحر. إننا نروم حصول مثل هذا الشيء. يجب أن تتخلص البشرية والناس في العالم من هذه الضلالة والجهالة. وهذا ما تستطيعون أنتم القيام به.
إن الأجهزة والقوى الشيطانية في العالم اليوم تعمل أكثر فأكثر على إغراق الناس في مستنقع الجهالة والضلالة، وهم يجابهون أي قطب يعمل على معارضة تحركاتهم الشيطانية. والسادة الأمريكان عندما يجتمعون مع مسؤولينا ينحون باللائمة عليّ أنْ لماذا هو سيئ الظن بنا إلى هذه الدرجة، طيب، هل أكون حسن الظن؟ هل يمكن إحسان الظن بكم مع هذا الوضع الذي أنتم عليه؟ قبل أيام قليلة، أعلن أحد هؤلاء الحضرات في برنامج بثه تلفزيون إيران أيضاً، عندما جرى الحديث عن الحظر ضد إيران، أعلن أنه طالما بقيت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نصيرة للمقاومة في المنطقة وتساعد المقاومة في المنطقة فليس من المعلوم أن يتغير الحظر تغيّراً مهماً! وهذا هو نفس الشيء الذي كنتُ أقوله مراراً وتكراراً، سواء للمسؤولين الإيرانيين في الجلسات الخاصة، أو في الجلسات والاجتماعات العامة هنا. قلتُ إنكم تتصورون لو أنكم تراجعتم في الملف النووي فسوف تنتهي مشكلتكم مع أمريكا؟ لا يا سيدي، سوف تطرح قضية الصواريخ وسيقولون لماذا تمتلكون صواريخ؟ وإذا يئسوا من قضية الصواريخ تطرح قضية المقاومة أنْ لماذا تدعمون حزب الله وحماس وفلسطين؟ وإذا عالجتم هذه القضية وتراجعتم ستطرح قضية أخرى كقضية حقوق الإنسان مثلاً، وإذا حللتم قضية حقوق الإنسان وقلتم: حسناً، سنعمل في مجال حقوق الإنسان طبقاً لمعاييركم ستطرح بعد ذلك قضية تدخل الدين في أجهزة الحكم. هل تراهم سيتركونكم لحالكم؟ إنهم لا يستطيعون تحمّل وجود نظام يمثل حالة استثنائية في بلد بهذه السعة والحجم والسكان، وبهذه الطاقات والإمكانيات.
الغرب لا يطيق قيام نظام إسلامي ديني إيماني مشيّد على الأركان والأفكار الإسلامية كنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية
و أقول هذا لكم: سعتنا وسكاننا وطاقاتنا البشرية ومصادرنا الجوفية من الأضخم في العالم. لا أريد التبجّح وإطلاق الأراجيز، في نفس هذا البيان الذي أصدره الاتحاد الأوربي مؤخراً - واطلعنا عليه بدورنا - عندما يتحدثون عن العلاقة مع إيران ويقدمون تحليلاتهم لإيران ترد كل هذه الأرقام والآراء التي أشرتُ إلى جانب منها كطاقات في البلاد. ورد هناك أن إيران مثل هذا البلد بمثل هذه الطاقات والإمكانيات والأدوات، وبمثل هذا الشعب، وبمثل هذه المواهب، وبمثل هذه المصادر الجوفية، وبمثل هذا الموقع الاستراتيجي الاستثنائي - هذا ما يقوله الآخرون - طيب، أن يقف بلد بهذه الخصوصيات وبهذه الدرجة من الأهمية مقابل تعسفاتهم فهذا صعب عليهم. وأن يقوم نظام إسلامي ديني إيماني مشيّد على الأركان والأفكار الإسلامية فهذا مما لا يطيقونه، لذلك يمارسون العداء والمعارضة. على شبابنا ونخبنا أن يعلموا هذا الشيء. لا أقول أرفعوا دوماً شعارات الموت لفلان ويحيى فلان ويموت فلان، لا أقول هذا، إننا لا نتوقع مثل هذا الشيء من أيّ من الشباب - وهو شيء جيد في مكانه - ولكن يجب أن تعلموا ويجب أن تستطيعوا تحليل الشؤون السياسية في المنطقة والعالم. إذن، نسأل الله تعالى أن يوفقكم ويحفظكم للبلاد. إنكم أبناء الشعب الإيراني وفلذات أكباده، حفظكم الله لهذا الشعب وهداكم جميعاً لما فيه رضاه.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1 - أقيم هذا اللقاء بمناسبة الملتقى الوطني العاشر لنخبة الغد، الذي انعقد في يومي الثامن عشر والتاسع عشر من تشرين الأول 2016 م بالعاصمة الإيرانية طهران. وتحدث في بداية اللقاء الدكتور سورنا ستاري (معاون رئيس الجمهورية الإسلامية للشؤون العلمية ورئيس المؤسسة الوطنية للنخبة)، كما تحدث فيه سبعة من الحضور النخبة عارضين آراءهم في شتى المواضيع العلمية.
2 - يقول الإمام الخامنئي هنا: أحياناً يكتب الشباب الأعزاء أشياء - مثل هذه الأوراق التي يرفعونها أو ما يكتبونه على راحات أيديهم بخط ناعم - وأنا أشكرهم كثيراً. أنا للأسف لا أستطيع أن أرى، أي إنني لا أستطيع حقاً أن أقرأ هذه الكتابات الآن، هذه الأوراق التي ترفعونها لو أعطيتمونيها لاحقاً لأراها عن قرب لكان ذلك حسناً جداً، ولكن الآن لا أستطيع أن أفهم ما كُتب فيها عن بعد.
3 - من ذلك كلمته في لقائه جماعة من أساتذة الجامعات في البلاد بتاريخ 12/08/2012 م .
4 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 11 .
5 - من ذلك كلمته في لقائه جماعة من رؤساء الجامعات والمراكز البحثية ومراكز «رشد» وواحات العلم والتقنية بتاريخ 11/11/2015 م .
6 - المصدر نفسه.
7 - من ذلك كلمته في لقائه حشداً من طلبة الجامعات والمواهب العلمية المتفوقة في البلاد ورؤساء الشركات العلمية المحور بتاريخ 14/10/2015 م .