في ما يلى الترجمة العربية للنص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.
عيدكم مبارك، ومبروك عليكم يوم الجيش، ومبروك عليكم العام الجديد، وكذلك مبروك عليكم عيد المبعث في السابع والعشرين من رجب، وعيد ولادة مولانا الإمام علي بن أبي طالب في الثالث عشر من رجب، وكذلك على عوائلكم المحترمة وأبنائكم وزوجاتكم. والواقع أن عوائلكم وزوجاتكم هم رفاق قتالكم وجهادكم. في ساحات الحياة الصعبة، حيث تكون حياة الجندي طافحة بالصعوبات والضغوط والمجاهدات وما شاكل بالمعنى الحقيقي للكلمة، فإن زوجاتكم وأبنائكم الذين يرافقونكم ويتعاطفون معكم بقلوبهم هم حقاً رفاق خنادقكم وقتالكم.
من أفضل وأذكى الأعمال الكبرى التي قام بها إمامنا الخميني العزيز تحديد يوم للجيش، فكما عزّز هذا القرار أساس الجيش وقوّى جذوره في هذه الأرض والبلاد، فإنه فرض اليأس على كثير من المتآمرين والواهمين، إذ كانوا قد فكروا بأشياء أخرى. تحديد يوم للجيش من قبل الإمام الخميني كان بمعنى أن الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية يقبل الجيش ويتبناه ويؤيده بنفس هويته وبنفس مجموعته هذه. طيب، لقد كانت تلك الهوية موضع تأمل من حيث الأفراد والتشكيلات والتنظيمات، أي إنه كان ذا هيكلية مسلمة متدينة مؤمنة مثل باقي الناس، ولكن برأس غير موثوق، مما يشكل ثغرات ومسارب في داخل تنظيمه، هكذا كان الجيش. ولكن من أجل أن يحبط الإمام الخميني أية مؤامرة بخصوص القوات المسلحة وجيش الجمهورية الإسلامية حدد يوماً للجيش، أي كأنه يقول إنني أوافق هذا الجيش بنفس خصوصياته هذه، والنظام الإسلامي يوافقه ويقبله أيضاً. وقد كانت لي عشرات الجلسات والاجتماعات مع الإمام الخميني (رضوان الله عليه) تحدثنا فيها أحاديث خصوصية حول قضايا الجيش - وكانت إمّا اجتماعات ثنائية أو بحضور أشخاص آخرين - لذلك فأنا أعلم أن الإمام الخميني كان يعتقد اعتقاداً قلبياً عميقاً بضرورة حماية الجيش ودعمه والحفاظ عليه وتقويته، وقد كانت هذه فكرة صائبة والحق يقال.
لقد تألق نفس هذا الجيش في كل القضايا التي أعقبت الثورة. ومن الصعب على الإنسان أن يعدد بعض القضايا والأحداث واحدة واحدة. مثلاً، وقف الجيش نفسه أكثر من أي طرف آخر بوجه المؤامرات الداخلية في الجيش. وهذه قضية على جانب كبير من الأهمية. كان هناك كثيرون - ولا زالوا - يريدون خلق حالات خلل وإرباك من الداخل المنظمات التابعة لنظام الجمهورية الإسلامية، وقد كانت مثل هذه الحالات أكثر في ذلك الحين، فقد كانت الدوافع أكثر والمساعي أكبر. كانوا يريدون خلق مشكلة للجيش من داخل الجيش نفسه. أراد البعض أن يخلقوا للجيش هوية لا تنسجم مع النظام الإسلامي. أراد البعض فعل هذا. وقد كان الجيش نفسه أكثر من وقف بوجه هذه الدوافع والإخلالات وتصدى لها. ما كان بوسع أي قوة من خارج الجيش - سواء القوى الأمنية أو القوات المسلحة - أن تواجه مثل هذه المؤامرة حيال القوات المسلحة، إنما كان بوسع الجيش نفسه فعل ذلك، وقد فعل ذلك وتصدى للمؤامرات التي استهدفته. وهذا نموذج واحد فقط والنماذج من هذا القبيل كثيرة.
ولقد كانت تجربة الجيش خلال فترة الدفاع المقدس تجربة مجيدة باعثة على الفخر والاعتزاز حقاً. وهذا ما أقوله لكم باعتباري كنتُ شاهداً على الأحداث عن كثب. الكثيرون منكم شباب ولم تدركوا تلك الفترة - أو لم تكونوا في الجيش، بل إن بعضكم لم تكونوا قد ولدتم بعد - لكننا كنا نشاهد الأمور والأحداث عن قرب بالتالي، وقد مارس الجيش أدواراً حسنة وأبدى عن نفسه تجليات حسنة. وما عدا ممارسة دوره في ساحات الحرب والشؤون الحربية أبدى الجيش عن نفسه أموراً وأشياء حلوة طيبة. فعلى سبيل المثال أيضاً أثبت أفراد من الجيش أنهم على مستويات معنوية وأخلاقية عالية جداً، هذا ما أثبتوه عملياً. على مستوى الكلام نتكلم جميعنا، وحتى أنا الذي أتحدث كل هذا الحديث عن الله والقيامة والجنة والجحيم، ينبغي اختباري في أوقات الحوادث لنرى كم أخاف الله حقاً، وكم ألاحظ وآخذ الأمور بنظر الاعتبار، وكم أخاف من جهنم. هكذا هو الأمر، ينبغي مشاهدة الأفراد على الصعيد العملي.
كان ولا يزال لدينا أفراد في الجيش أثبتوا عملياً أنهم في مستويات معنوية عالية. وأحدهم الشهيد صياد شيرازي وأحدهم أيضاً الشهيد بابائي. وليس أمثال هؤلاء بقلائل في الجيش. وقد ذكرت هنا الأشخاص المعروفين المشهورين، لكن لدينا الكثير من هذا القبيل. وقد شاهدت نماذج لهذه الحالة في منطقة أهواز نفسها حيث كنتُ لفترة من الزمن وشاهدتها عن كثب. وقد قلتُ مراراً إنني حين كنت أتفقد لواء في أهواز - ولم يكن له من القدرات حتى بمقدار فوج - لاحظت في منتصف الليل أن العسكري المسؤول عن إحدى الدبابات يقف ويصلي صلاة الليل إلى جانب الدبابة. من الذي يخطر بباله في تلك الصحراء وفي ذلك الجوّ البارد أن يقف في منتصف الليل وسط الشتاء ويصلي صلاة الليل. ولم تكن هذه الأمور التي شاعت الآن من قبيل الحالة التعبوية والبكاء والتضرع وما شاكل قد شاعت كثيراً يومذاك، لكننا شاهدنا مثل هذه الحالات عن قرب. أو ذلك الرائد أو العقيد ثاني، على ما أتخطر، الذي جاءني بحالة من التأثر قريبة من البكاء، وتصورت أنه يريد أن أمنحه إجازة، كأنْ يكون قلقاً من شيء ما ويريد أن يحصل على إجازة ويغادر أهواز. جاء وكان طلبه أن أفعل شيئاً ليمكنه أن يلتحق بالشباب المتطوعين الذين كانوا يذهبون في الليالي مع الشهيد مصطفى چمران في مأموريات كانوا يسمونها اصطياد الدبابات، قال أريد أن أذهب معهم. هل يمكن أن تتصوروا هذا؟ ضابط كبير - ولا أتذكر رتبته العسكرية على وجه الدقة، ولكم أن تفترضوا أنه عقيد ثاني، في هذه الحدود - يأتي ويطلب متطوعاً أن يذهب مع شباب تعبويين جاءوا من طهران يريدون أن يذهبوا في الليل أو تحت جنح الليل وبأستار الليل ليوجهوا ضربات نقطية للعدو - هكذا كان الوضع آنذاك في بداية الحرب - ويتعاون معهم، أو شيء من هذا القبيل.
طيب، لقد أثبت الجيش هويته وأعلنها. وأريد أن أقول لكم إن جيشنا اليوم جيش فكري، جيش معنوي، وجيش له دوافعه ومحفزاته الطاهرة المقدسة، وهذا على جانب كبير من القيمة والأهمية. لو نظرتم للقوات العسكرية في كثير من البلدان تجدون وكأن الافتراس والوحشية والعنف جزء من ذواتهم. أنْ تستطيع القوات العسكرية التي يتوقع منها مثل هذه الأعمال أن تربّي في أوساطها وفي الأقسام المختلفة للجيش مثل هؤلاء الأفراد الأخلاقيين الطاهرين المتسامين والشباب المؤمنين أصحاب الدوافع الطاهرة فهذا شيء له قيمة كبيرة جداً. وهو ما نشاهده ونشهده اليوم. هذا في رأيي من أهم آثار العمل الذي قام به إمامنا الخميني الجليل بتعيين يوم للجيش.
طيب، رسالتي لكل واحد من أفراد الجيش هي أن يعرف قدر هذا الموقع وقدر هذه الخدمة التي يقدمها. تقدمون خدمة قتالية في منظمة قتالية ولكم تواجدكم الفاعل فيكتب الله تعالى هذه الأعمال لكم في سجل حسناتكم وثوابكم. هذا شيء له قيمة كبيرة جداً فاعرفوا قدر ذلك. وحافظوا على هذه الحالة. وزيدوا يوماً بعد يوم من جاهزيتكم المعنوية والروحية وعززوا دوافعكم ودوافع الذين تحت إمرتكم وقيادتكم.
الأمن مهم جداً بالنسبة لأي بلد. أحياناً قد لا يتوفر الخبز في بلد من البلدان، وتكون هناك مجاعة ومشكلات وانعدام أمن. لو قيل للناس هناك هل تريدون الخبز أو الأمن لفضلوا الأمن بالتأكيد. وهو الشيء الذي أضعفته تدخلات القوى الكبرى في منطقتنا وفي كثير من المناطق الأخرى. افترضوا مثلاً حافلة تسير من مكان إلى آخر فلا يكون ركابها مطمئنين بأنهم سيصلون بسلام إلى المكان الذي يقصدونه ولا يتعرضون لهجمات الأعداء، ونفس هذا الوضع يكون في الشوارع وفي البيوت. هذه أمور مهمة. الأمن مهم للغاية. ودور القوات المسلحة في توفير الأمن دور مهم. لقد لا يكون للجيش أي حراك من الناحية الأمنية، ولكن بمقدار اقتداركم وقوتكم فإن مجرد اقتدار الجيش يوفر الأمن في البلاد. ما يوفر الأمن في البلاد هو القوات المسلحة واقتدارها وقدراتها ودوافعها. هذا من جملة المسائل والأمور المهمة.
رسالتي لكل المنتسبين للجيش هي أن تزيدوا من هذه القدرات ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، كل فرد في أي موقع كان. حتى الحارس البسيط الذي يتولى موقعاً لحراسته يمكنه أن يكون مؤثراً في تقوية الجيش. أي إنه عندما يقوم بحراسته على نحو جيد ولا يكسل ولا يخمل ويركز عينيه بقوة على الأماكن التي ينبغي أن يمرّر نظراته عليها فإنه يساهم بنفس هذا المقدار في تقوية المنظمة المسلحة التي ينتمي لها، سواء كانت الجيش أو الحرس الثوري أو أية منظمة أخرى، إلى أن نصل إلى القادة والآمرين، وإلى أن نصل للصناعيين، وإلى الذين يحافظون على الصناعات، وإلى المسؤولين عن المخازن، وإلى المنتجين، وإلى المصممين والمخططين وواضعي الاستراتيجيات وغيرهم. كل هؤلاء يمكنهم أن يؤثروا في تقوية المنظمة العسكرية. إذن، اعرفوا قدر هذا الشيء وهو أن أي عمل يقوم به أيّ واحد منكم إنما هو عمل يرضي الله ويكتب له به حسنة.
وزيدوا في أوساطكم من الأفراد المميزين الذين يستطيعون أن يكونوا نماذج يقتدى بها، أي ليحاول الجميع هذا الشيء. فلقد كان الشهيد بابائي نموذجياً بحق، لقد كان نموذجاً أخلاقياً وليس مجرد نموذجاً عسكرياً. لقد كان إنساناً مقدساً. وكذا الحال بالنسبة للشهيد صياد شيرازي، والكثيرين غيرهم ممن لا يتذكر الإنسان أسماء بعضهم بل إننا لا نعرف بعضهم أساساً، أمثال هؤلاء كانوا موجودين بكثرة في الجيش. فزيدوا من هذه النماذج باستمرار في هذه المنظمة العظيمة المحترمة صاحبة الشوكة المادية والمعنوية.
طيب، قيل إن الجنود هم سور الأمن «حُصونُ الرَّعية». إنها لنقطة مهمة أن نعلم أن حصن الرعية وسور الرعية ليس القوات المسلحة فقط، فالقوات المسلحة من جملة أهم أسوار أمن الرعية وحصونه. وهذا المعنى يتحقق بإذن الله «فَالجُنودُ بِاِذنِ اللهِ حُصونُ الرَّعية» (2). وبوسع الأجهزة والمؤسسات الأخرى أيضاً أن تواكب الجيش وترافقه في هذا الطريق، الأجهزة الاقتصادية، والأجهزة الثقافية، والأجهزة التعليمية، والأجهزة البحثية، وكل أجهزة البلاد. هذا هو ما نتوقعه من الأجهزة المختلفة، ليحاول الجميع أن يعملوا كحصن وسور وحاجب يحجب هجمات الأعداء ضد بلادهم وشعبهم، ليعملوا ويجدوا ويجتهدوا في هذا السبيل، سواء المجاميع الاقتصادية، أو المجاميع الثقافية، أو المجاميع العلمية، أو البحثية، أو المجاميع العسكرية، ليكن هذا هدف الجميع. الأعمال مختلفة لكن الهدف واحد. وعليه إذا كان الهدف حفظ وحراسة الأمن الوطني والعزة الوطنية وتنمية البلاد وتطويرها وحمايتها من شرور الأعداء، عندها ستكون المنظمات العسكرية والمنظمات الجامعية والمنظمات البحثية والمنظمات الثقافية والمنظمات الاقتصادية والكل والكل في الواقع قوات عظيمة تعمل وتتعاون فيما بينها، ويساعد أحدها الآخر، ويكمل أحدها الآخر، ولا ينظر بعضها إلى بعض بعين التنافس والحسد. في مثل هذه الحالة سيتحقق مثل هذا الانسجام في البلاد. وهذا ما نشدد ونركز عليه.
لقد ركزتُ في هذه السنتين أو الثلاث الأخيرة على الشعارات الاقتصادية، لأنني شعرت أن العدو يريد توجيه ضرباته لهذه المجموعة الوطنية العظيمة من هذه الزاوية. عندما نعيش مشاكل اقتصادية فلن تستطيع القطاعات المختلفة أداء أعمالها بصورة صحيحة، لذلك ينبغي أن ننظر ما هي تلك النقطة الحساسة المفتاحية اليوم بين مجموعة الوظائف والواجبات الملقاة على عاتق مسؤولي البلاد والحكومة والسلطات الثلاث والمنظمات والمؤسسات المختلفة؟ قد تكون هناك اليوم نقطة مفتاحية أما في الغد فقد تكون النقطة المفتاحية الأساسية شيئاً آخر. تقوية اقتصاد البلاد هو اليوم تلك النقطة المفتاحية التي تتميز بالأولوية، لذلك فأنا أشدد على هذا الجانب وعلى معيشة الناس وعلى معيشة العاملين في الأجهزة المختلفة وعلى معيشة العاملين والمنتسبين للقوات المسلحة. هذه أمور ينبغي متابعتها، ينبغي متابعتها بكل جد، وهذا واجب يقع على عاتق المسؤولين. لو نظر المسؤولون إلى دوافع العدو لتصاعدت في أنفسهم محفزات أكثر على هذا العمل. إننا عندما نطالع كلام أعدائنا أو نسمعه نجد أنهم يشددون على نفس هذه النقطة عسى أن يستطيعوا استغلال نقطة الضعف الاقتصادية والنواقص الاقتصادية لغرض التخريب والإخلال. طيب، عندما يدرك الإنسان هذا الشيء فسوف تتضاعف دوافعه وحوافزه وسيأخذ القضية مأخذ الجد.
الاقتصاد المقاوم الذي تحدثنا عنه - وهو مجموعة عمل ومجموعة حراك ومبادرات - فيه عدة نقاط مفتاحية لحاضرنا ومستقبلنا القريب، تتمثل في فرص العمل والإنتاج. وقد ذكرت هذا الشيء للمسؤولين أيضاً عن قرب وبشكل خاص وعلى نحو التفصيل والشرح. وهذا ليس بكلامي، فأنا لستُ عالم اقتصاد، إنما هو كلام الخبراء الاقتصاديين والشخصيات المرموقة والمبرزة الناشطة في هذا المجال والتي تقدم الاستشارات لنا. وأنا بدوري أنظر على مستوى البلاد فأجد أنها أولوية. العدو يجد طرق طمعه، وعلينا أن ننظر لنرى ما هي دوافع العدو، وأين تكمن نقطة الضعف التي يمكن للعدو أن يتغلغل من خلالها لتوجيه ضربة لنا فنسد هذه الثغرة. هذا هو توقعي من مختلف المسؤولين في شتى القطاعات. لهذا السبب فالقضية الاقتصادية من القضايا ذات الأولوية والتي تمثل قضايا الدرجة الأولى.
إننا بالطبع نتمتع بكثير من نقاط القوة. نقاط قوة نظام الجمهورية الإسلامية وشعب إيران من حيث الكم والكيف أكثر بكثير من نقاط الإشكال والضعف. هناك في بلادنا نقاط قوة كثيرة وعجيبة وهي التي جعلت البلاد والنظام الإسلامي يستطيعان الوقوف بشموخ وعزة ولا يستسلمان أمام الأعداء رغم حالات العداء العجيبة الغريبة التي واجهاها ويواجهانها وسوف يواجهانها في المستقبل أيضاً.
لاحظوا أن أسلوب القوى الكبرى والقوى القوية المعتدية هو التعنيف والتقطيب والتهديد، وهذا ما قلناه مراراً. القوى المعتدية التي تريد التطاول والنهب في كل مكان والتدخل في كل مكان وفي شؤون كل البلدان وتقرر لنفسها مصالح في كل البلدان، وإذا ما واجهت تلك المصالح مشاكل أو عقبات قالوا إن الحكومة الفلانية أو البلد الفلاني أو النظام الفلاني يهدد مصالحنا - أي إنهم يرسمون لأنفسهم مصالح في كل بلد وفي كل منطقة من دون أي حق أو منطق أو دليل أو برهان صحيح، هكذا هي القوى الكبرى - من أجل أن تستطيع تأمين هذه المصالح ولكي يستطيعوا فرض الطاعة على حكومات أي منطقة، فإنهم يضخمون أنفسهم ويمارسون التعنيف والتقطيب والتهديد. هل تتذكرون التقطيبات والتجهمات التي مارستها بعض الحكومات الأمريكية السابقة؟ إنهم الآن أيضاً يمارسون هذه الأساليب بشكل آخر.
أسوء وضعية بالنسبة لبلد من البلدان أن يخاف مسؤولوه من تقطيب وتهديد وتعنيف العدو. فإذا خافوا يكونوا في الواقع قد فتحوا الأبواب لدخول العدو واعتدائه وتطاوله. ينبغي إنجاز الأعمال وأدائها بعقل ومنطق وحكمة، هذا مما لا شك فيه، ولكن يجب القيام بها بشجاعة. الخوف والفزع والذعر من تعنيف الأقوياء في العالم وسوء أخلاقهم وتقطيبهم، والتأثر بهم هو بداية التعاسة. طيب، إذا أراد شخص أن يخاف فليخف، ولكن لا يخف بالنيابة عن الشعب، ولا يسجّل خوفه في حساب الشعب، فالشعب صامد ثابت. لو لم يكن الشعب صامداً فمنذ سنة 1357 [1979 م] وإلى الآن مضت نحو أربعين سنة، واستخدمت ضدنا شتى صنوف المؤامرات، وأنفقت الأموال، وأنتجت الأسلحة، وكانت هناك تهديدات وسياسات وما إلى ذلك، لو تقرر أن تخاف الجمهورية الإسلامية من هذه الأشياء وتتراجع لما بقي لإيران والإيرانيين من أثر. العدو - سواء كانت أمريكا أو أكبر من أمريكا - لا يستطيع ارتكاب أية حماقة مقابل النظام المرتبط بشعبه والذي يحبّ شعبه وأمته ويحبّه شعبُه، لا يستطيع العدو ارتكاب أية حماقة أو سخافة مقابل مثل هذا النظام ومثل هذا الشعب.
طبعاً لا شك أبداً في عدائهم، ولا شك في أنهم يدبرون ويفكرون ويعادون ويستخدمون أجهزتهم ومؤسساتهم المختلفة، وقد كانت حالات العداء والخصام هذه طوال كل هذه الفترة الممتدة لنحو أربعين سنة، وقد مارسوا هذا العداء حيال أية حكومة تولت زمام الأمور هنا. أن نقول إنهم يرتضون الشخص الفلاني ويعارضون الشخص الفلاني ويدارون الشخص الفلاني، فلا. لقد كانت حالات العداء والخصام هذه في زمن الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، وبعد رحيل الإمام الخميني حيث توليت أنا مسؤولية، كانت نفس حالات العداء هذه وإلى اليوم. جاءت حكومات مختلفة بمشارب وأذواق متنوعة وذهبت، وقد بقيت تلك الحالات من العداء طوال كل هذه الفترات. الشيء الذي استطاع الوقوف بوجه هذا العداء والخصام هو اقتدار الشعب الإيراني وصموده وعدم تأثره وخوفه من تعنيف أمريكا وأمثال أمريكا وبعض البلدان الأوربية كقوى كبرى. هذا ما ينبغي أن يستمر، وإذا أريد لهذه الحالة أن تستمر - وينبغي لهذه الحالة وهذه الروحية وهذا الاقتدار أن يستمر - فجزء مهم منه يقع على عواتقكم باعتباركم جيش الجمهورية الإسلامية، وجزء مهم منه يتعلق بالاقتصاديين، وجزء مهم منه يرتبط بالعناصر العاملة في الشأن الثقافي والتعليمي وما إلى ذلك، وجانب مهم جداً منه يتعلق بالأشخاص العاملين في المجالات العلمية والبحثية والعلم والتقدم العلمي وما شاكل في البلاد. على الجميع أن يتعاضدوا ويضعوا يداً بيد وسوف يمد الله تعالى يد عونه كما مدها لحد الآن.
رحمة الله على شهدائنا الأبرار، وعوائل بعض شهداء الجيش الأبرار حاضرون اليوم هنا، سوف لن ننسى هؤلاء الشهداء أبداً، الشهداء لا يفارقوا ذاكرة الشعب الإيراني، وسوف يواصل شعب إيران العزيز، شعب إيران الكبير نشاطه وفعالياته بروح محبة الشهداء ومودتهم.
طيب، والحمد لله على أن عجلة الانتخابات هي الأخرى قد تحركت بشكل من الأشكال. ومع أننا لم نصل إلى الجزء الأساسي من الانتخابات بيد أن مقدمات الانتخابات قد بدأت. الانتخابات من مفاخر شعب إيران. هذه الانتخابات مبعث عزة وشموخ وسمعة حسنة لشعب إيران أمام الشعوب في العالم. كل أعداء الإسلام وخصومه حاولوا أن يقولوا ويروجوا لفكرة أن الدين والإسلام والمعنوية نقطة معاكسة للديمقراطية، لكن الجمهورية الإسلامية أثبتت أنْ كلا، فلدينا شيء اسمه «الديمقراطية الإسلامية»، إنها ديمقراطية وهي في الوقت نفسه إسلامية، ولا يمكن الفصل بين هذين. هذا ما تدل عليه هذه الانتخابات وتثبته: الديمقراطية الإسلامية. وهي مبعث فخر وسمعة حسنة وعزة واقتدار. الشعب يشعر في هذه الانتخابات أن مفاتيح شؤون البلاد بيده، ويشعر أنه هو الذي يستطيع أن يعين وينصب العناصر الرئيسية في البلاد، وهذا على جانب كبير من الأهمية.
طبعاً ثمة مجال حتى يوم الانتخابات، وإذا بقيت لنا من العمر بقية فسأعاود الكلام حول هذا الشأن في مناسبات أخرى، لكن ما أروم قوله اليوم هو أن على الجميع معرفة قدر الانتخابات، على المنتسبين للحكومة أن يعرفوا قدر الانتخابات، وعلى المرشحين أن يعرفوا قدرها، وعلى الناس أن يعرفوا قدرها، وعلى القائمين على الانتخابات أنفسهم أن يعرفوا قدرها. فلنكرّم الانتخابات ولنثمّنها. ينبغي إقامة الانتخابات بنزاهة وأمن وسلامة وبمديات واسعة. إذا حدث هذا، وهو ما سيحدث إن شاء الله وبتوفيقه، على الرغم من الأعداء الذين لا يكفون عن وساوسهم وزمازمهم - الذين يتابعون هذه الإذاعات ووسائل الإعلام الأجنبية، وقد عادت الإذاعات والراديوات اليوم شيئاً صغيراً مقابل سعة الإعلام وتنوّعه، يعلمون كيف أن الأعداء يمارسون وساوسهم من أجل تخريب وإفشال الانتخابات بنحو من الأنحاء - إذا تقدم الشعب الإيراني وسار إن شاء الله بنفس هذه الصحوة واليقظة، وبنفس هذا الوعي الذي أبداه دائماً مقابل هذه التحركات العدائية، إذا تقدم إن شاء الله باستمرار وأقيمت انتخابات واسعة ضخمة حيوية حماسية بشوق ونزاهة وأمن إن شاء الله، فسيكون هذا ذخراً للبلاد وسوف يصون البلاد ويحميها، ونتمنى أن يكون هذا ما يحصل بإذن الله.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الهوامش:
1 - في بداية هذا اللقاء ألقى الأمير اللواء عطاء الله صالحي قائد جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية كلمة بالمناسبة.
2 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 53 .