فيما يلي النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في حفل تخريج دفعة من الطلبة الجامعيين الضباط في جامعة الإمام الحسين عليه السلام:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد.
مبارك عليكم جميعاً أيها الإخوة الأعزاء إن شاء الله، سواء على المتخرجين من هذه الجامعة أو على الملتحقين بها ومن نالوا رتبهم العسكرية، والذين سيصلون إلى رتبة الحرس بعد طيّهم المراحل الدراسية والتدريبية إن شاء الله.
إنه شهر شعبان شهر هطول الرحمة الإلهية. لو نظر الإنسان في فقرات المناجاة الشعبانية وأدعية شهر شعبان في منتصف الليل وباقي الأدعية والأعمال، لشعر أن شهر شعبان ظرف زمني قيّم جداً للانتهال من الرحمة الإلهية. أنتم الشباب الأعزاء بقلوبكم الطاهرة وأرواحكم المستعدة تستطيعون الاغتراف كثيراً، وأتمنى إن شاء الله أن تنتفعوا من بركات هذا الشهر، ومن الرحمة الإلهية فيه.
من أبرز خصوصيات شهر شعبان الولادة السعيدة لقطب عالم الإمكان سيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) في هذا الشهر. لقد ازداد وتضاعف ألق هذا اليوم والليلة بهذه الولادة العظيمة. طبعاً ليلة النصف من الشعبان ليلة مباركة وهي ليلة دعاء ومناجاة وقيل إنها من احتمالات ليلة القدر، بيد أن كل هذا يتضاعف بهذه الولادة المباركة. لنتوجّه إلى الوجود المقدس لبقية الله (أرواحنا فداه) بعدة نقاط قصيرة حول ذلك الإنسان العظيم. طبعاً ينبغي أولاً أن نبارك لكم جميعاً هذه الولادة وحلاوة هذه الولادة السعيدة لذلك الإنسان العظيم. شهر شعبان من أوله إلى آخره شهر الألطاف الإلهية والحلاوات وقرر العيون. طبعاً لقد أصبنا هذه السنة بفاجعة بهذه الحادثة التي وقعت في المنجم (2)، وقبل ذلك كانت هناك الحادثة التي وقعت لحرس الحدود في جنوب البلاد (3) وهما حادثتان لوّعتا القلوب وأحزنتاها، غير أن الشهر شهر فرح وحبّ لأهل البيت (عليهم السلام).
النقطة الأولى حول الإمام المهدي المنتظر (عجل الله له الفرج وسلام الله عليه) هي أنه داعي الله. النظر إلى ذلك الإنسان الجليل وسيلة لإبداء المحبة والعبودية أمام ساحة الحق تعالى. «اَلسَّلامُ عَلَيك يا داعي اللهِ ورَبّاني آياتِه» (4)، كل شيء وكل الأنبياء وكل الأولياء وكل المقدسات وكل الأرواح الطيبة التي تنير وتشع بالأنوار على حياتنا وعلى عالمنا وعلى كل عالم الوجود هي آيات الحق وتجليات الرب العظيم. هذه نقطة يجب التنبه لها. نتوجه للإمام المهدي المنتظر ونتوسل به ونتواضع أمام ذلك الإنسان العظيم من أجل أن يصل ذلك التواضع إلى ذات الأحدية الإلهية، ولكي نبدي العبودية أمام الله تعالى.
والنقطة الثانية هي أن اسم هذا الإنسان العظيم وذكراه تذكرنا دائماً بأن بزوغ شمس الحق والعدل حتمي في نهاية هذه الليلة الظلماء. عندما يشاهد البشر أمواج الظلمات والظلم المتراكمة فإنهم يصابون باليأس أحياناً. وذكرى الإمام المهدي المنتظر تدل على أن الشمس سوف تشرق والنهار سوف يطلع. نعم، هناك ظلمات وهناك ظالمون وظلمانيون في العالم، وقد كانوا منذ قرون طويلة، غير أن نهاية هذه الليلة السوداء الظلماء هي بلا شك إشراق الشمس. هذا هو الشيء الذي يعلمنا أياه الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر، وهذا هو الوعد الإلهي المضمون: «اَلسَّلامُ عَلَيك اَيهَا العَلَمُ المَنصوبُ والعِلمُ المَصبوبُ والغَوثُ والرَّحمَةُ الواسِعَةُ وَعداً غَيرَ مَكذوب« (5)، الوعد الذي لا يخلف ولا يبدل. يقول في بداية الزيارة «اَلسَّلامُ عَلَيك يا وَعدَ اللهِ الَّذي ضَمِنَه» (6) الوعد المضمون من قبل الله هو ظهور هذا الإنسان العظيم. إذن، هذه هي النقطة الثانية. المؤمنون بظهور الإمام المهدي المنتظر ووجود الإمام صاحب العصر والزمان (أرواحنا فداه) لا يصابون باليأس والقنوط أبداً، ويعلمون أن هذه الشمس سوف تبزغ قطعاً وسوف تمحو هذه الظلمات والسواد.
النقطة الثالثة هي أننا مكلفون ومأمورون بالانتظار، فما معنى الانتظار؟ الانتظار بمعنى الترصّد. لدينا في الأدبيات العسكرية شيء اسمه «التأهّب»، والانتظار معناه «التأهّب»، يجب أن نكون متأهّبين. الإنسان المؤمن والمنتظر هو ذلك الإنسان الذي يعيش حالة «التأهّب». لو ظهر إمامكم المكلف بتحقيق العدالة وتكريسها في كل العالم، لو ظهر اليوم فيجب أن نكون أنا وأنتم متأهّبين. وهذا التأهّب على جانب كبير من الأهمية. هذا هو معنى الانتظار. ليس الانتظار بمعنى عدم الصبر وضرب الأرض بالأقدام وقول لماذا تأخر ولماذا لم يحصل وما إلى ذلك. الانتظار بمعنى أن تكونوا متأهّبين دائماً.
النقطة الرابعة والأخيرة هي أن هذا الانتظار يستلزم الصلاح والعمل. يجب أن نصلح أنفسنا، ويجب أن نكون من أهل العمل بالشيء الذي يفرح قلب ذلك الإنسان العظيم. إذا أردنا أن نعمل بهذه الطريقة ونوفر لأنفسنا هذا الصلاح والإصلاح، فلا نستطيع طبعاً أن نكتفي بالعمل الفردي. فهناك واجبات في البيئة الاجتماعية ومحيط البلاد والبيئة العالمية يجب أن نضطلع بها، فما هي هذه الواجبات؟ إنه ذلك الشيء الذي يحتاج إلى البصيرة ويحتاج إلى المعرفة ويحتاج إلى الرؤية العالمية ويحتاج إلى النظرة النيّرة، وهذا هو الشيء الذي تكلفون به اليوم أيها الشباب الأعزاء الناشطون.
حسناً، حول جامعة الإمام الحسين (ع) للضباط أولاً مبارك عليكم وجودكم في هذه الجامعة. لقد درستم أو ستدرسون، وهذه فرصة ثمينة ومغتنمة جداً. ثانياً هذه الجامعة مكان لنماء غرسات غرست في أرض طيبة خصبة. هذه الجامعة هي مكان يستطيع إيصال الأفراد الموهوبين ذوي الاستعداد إلى محطة يغبطها كل إنسان مميز وصاحب معرفة عندما ينظر إليها. شخص مثل إمامنا الخميني الجليل، تلك الشخصية العظيمة، تلك الشخصية المعنوية، وذلك العالم بالدين، وذلك الفقيه، وذلك الحكيم - لم يكن الإمام الخميني شخصاً قليلاً - عندما ينظر إلى مكانة جنود الإسلام وشهداء هذا الدرب ينظر لهم بغبطة. وهذا ما سمعناه مراراً في كلماته. هذه الجامعة توصل الأفراد إلى تلك المرتبة. هذه الجامعة مصداق للآية الكريمة التي تقول: «كزَرعٍ اَخرَجَ شَطئَهُ فَئازَرَهُ فَاستَغلَظَ فَاستَوىٰ عَلىٰ سُوقِهٖ يعجِبُ الزُّرّاعَ لِيغيظَ بِهِمُ الكفّار» (7). الذين أعدوا هذه المزرعة وعملوا فيها يدهشون أحياناً من محاصيلها وثمراتها! إنها مزرعة مباركة وتستطيع إنبات مثل هذه الغرسات المثمرة الطيبة وتقديمها للمجتمع. «لِيغيظَ بِهِمُ الْكفّار» والكفار يغيظهم ويغضبهم وجود هؤلاء الأفراد الذين يتربون ويعدون هنا.
لو نظرنا اليوم إلى شرائح مجتمعنا لوجدنا عدة شرائح تركز عليهم الدعاية الاستكبارية الدولية ويستهدفون في تصريحات ساسة الاستكبار وفي السلوكيات التآمرية للاستكبار، وتتجلى علامات بغض الاستكبار لهذه الشرائح، وعلى رأس هذه الشرائح حرس الثورة الإسلامية. لماذا؟ لماذا يخاصمون حرس الثورة الإسلامية إلى هذه الدرجة؟ لماذا يعادون هذا الشاب البار الذي يتربّى ويرشد ويكبر في أجواء المعنويات إلى هذا الحد؟ لأنه مبعث اقتدار البلاد. هذه النقطة مهمة جداً. سبب عدائهم لهذه الجماعة هي أن هذه الجماعة سبب اقتدار البلاد. يبغضون كل ما يسبب اقتدار إيران الإسلامية ويحقدون عليه ويكون موضع غيظهم.
وهناك نموذجان أو ثلاثة نماذج أخرى أشير لها. العلم أيضاً مبعث اقتدار، لذلك فإن تقدمنا العلمي أيضاً موضع غيظهم وغضبهم. رأيتم كيف بعثوا أشخاصاً يغتالون علماءنا النوويين، أي إنهم شخّصوهم شخصاً شخصاً، وشخصوا طرقهم التي يسيرون فيها، ومنحوا الأموال للمرتزقة ليغتالوهم. العلم والعلماء من جملة الأشياء التي تغيظهم وتغضبهم.
اقتصاد البلاد القوي والمستقل أيضاً مبعث اقتدارنا لذلك يعارضه الأعداء. يفرضون الحظر من أجل توجيه ضربة للاقتصاد. ويتخذون تدابير متنوعة، وليت علماء اقتصادنا المتدينيين يشرحون للناس التدابير والتخطيطات التي يتخذها أعداؤنا في الخارج لكي لا نستطيع في الداخل تحقيق اقتصاد قوي متين مستقل لأنفسنا. لماذا؟ لأن الاقتصاد مبعث اقتدار، والبلد الذي يتوفر فيه اقتصاد قوي تتوفر لديه إحدى وسائل الاقتدار.
القوة العسكرية مبعث اقتدار. تلاحظون أية ضجة يثيرونها في العالم حول قضايا الصواريخ، وأن إيران لديها صواريخ، وأن إيران لديها صواريخ دقيقة. نعم، إن لدينا صواريخ ولدينا صواريخ دقيقة. صواريخنا قادرة على إصابة الهدف عن بعد عدة آلاف من الكيلومترات بخطأ لا يزيد عن عدة أمتار. هذا ما اكتسبناه باقتدار ونحافظ عليه باقتدار وسوف نزيده باقتدار إن شاء الله. يعارضون هذا الشيء أيضاً لأنه مبعث وسبب اقتدار. لديهم مشكلة مع هذا الشيء فهو يغيظهم ويغضبهم. وترون ما الذي يفعلونه في العالم.
الكوادر العسكرية المضحية هي الأخرى مبعث اقتدار. بالإضافة إلى المؤسسات العسكرية فإن الكادر أو العنصر العسكري المضحي مثل صياد شيرازي ومثل الشهيد شوشتري والإنسان المضحي الذي يكون عنصراً عسكرياً مضحياً صادقاً هو موضع غيظهم وغضبهم. هؤلاء لم يستشهدوا في الحرب إنما تم اغتيالهم، أي تم تشخيصهم وملاحقتهم ومن ثم تم اغتيالهم، والسبب هو أنهم كانوا عقبات بوجه تطاول العدو ومبعث اقتدار للبلاد، إذن تراهم يعادونهم.
إيمان الشباب وحياؤهم وأخلاقهم أيضاً مبعث اقتدار، لذلك فهم يعاودون هذه الظواهر. ينشطون كل هذا النشاط في الفضاء الافتراضي ووسائل الإعلام، وينفقون المليارات لكي يستطيعوا سلب الأخلاق والإيمان والالتزام بالشريعة والحياء من الشاب الإيراني، لماذا؟ لأن هذه الأمور مبعث اقتدار البلاد. إنهم أعداء الشاب المؤمن المتدين المتشرع ذي الحياء والإيمان الذي لا ينزلق مقابل هذه الوسائل الشهوانية ويستطيع صيانة نفسه والحفاظ عليها ويكون بذلك مبعث اقتدار للبلاد.
روح الجهاد والمقاومة لدى الشعب هي الأخرى من أسباب الاقتدار لذلك يعادون روح الجهاد والمقاومة. يوجّهون تهمة العنف والتطرف لروح المقاومة والجهاد في الأدبيات الاستعمارية العالمية - وفي بعض الأحيان نتعلم ذلك منهم للأسف ونكرر ما يقولونه - والسبب في ذلك هو أن روح الجهاد والشهادة مبعث اقتدار لبلد من البلدان.
حسناً، هذه كلها مباعث وأسباب اقتدار وكلها مبغوضة من قبل الأعداء، بيد أن الشيء الذي يحفظ الأمن ويقف في مرتبة عالية جداً من الناحية الأمنية هو المجموعة التي تستطيع الحفاظ على أمن البلاد، وهي مجموعة لها أهمية أكبر. لذلك يعادون ويعارضون المجاميع التي تحافظ على الأمن، والقوات المسلحة من جملة أهم هذه المجاميع. ومردّ ذلك إلى أنه لو لم يتوفر الأمن فلن يكون هناك علم، ولن يكون هناك اقتصاد، ولن يكون هناك إبداع. الشيء الذي يوفر الفرصة والمجال لكي يستطيع البلد إعداد العلماء وتطويرهم في القطاعات المختلفة هو وجود الأمن. أرضية الأمن أهم وأكثر ضرورة من كل شيء بالنسبة لبلد ما. الذي يصون أمن البلاد يبعث على انزعاج الأعداء، لذلك يحاولون القضاء على هذا الأمن الذي تتمتع به البلاد. هذه من النقاط البالغة الأهمية.
حسناً، إخوتي الأعزاء، أبنائي الأعزاء، أيها الشباب الأعزاء، نحن اليوم «حكومة مقاومة»، والحكومة المقاومة على جانب كبير من الأهمية. الحكومة المقاومة تختلف عن المنظمة المقاومة الفلانية، أو التيار المقاوم الفلاني في البلد الفلاني، وتختلف عن الشخصية المقاومة الفلانية. وهم طبعاً يعادون أولئك أيضاً، فالاستكبار العالمي يتمادى ويستزيد ويعتدي ويتطاول على كل الثروات المادية والمعنوية لشعوب العالم، ويعارض أي عنصر مقاومة، لذلك تراهم يعادون منظمات المقاومة، ويعادون الأفراد المقاومين، ولكن أين هذا من حكومة مقاومة تتأسس على أساس المقاومة؟! الجمهورية الإسلامية حكومة مقاومة. حكومة مقاومة لها سياستها واقتصادها وقواتها المسلحة وتحركاتها الدولية ولها منطقة نفوذها الواسعة داخل البلاد وخارج البلاد. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية، ولا يمكن مقارنته بأي عنصر مقاومة آخر. لذلك فإن حالات العداء توجه ضد الجمهورية الإسلامية من كل مكان في العالم، سواء من قبل السلطويين أو من قبل خدم السلطويين.
حسناً، ما معنى «الحكومة المقاومة»؟ معناها عدم الاستسلام لمنطق القوة والعسف وعدم الاستسلام للجشع والاستزادة والوقوف في موضع الاقتدار. الحكومة المقاومة تقف في موضع الاقتدار. لاحظوا، إن الحكومة المقاومة ليست من أهل الاعتداء ولا التعطش للسلطة ولا التطاول على الشعوب والبلدان، ولا من أهل الانكفاء إلى زوايا الدفاع والمواقف المنفعلة. ليست الحكومة المقاومة أياً من هذه. يتصور البعض أننا إذا أردنا تخليص أنفسنا من تهم السلطوية والتعطش للاقتدار الدولي والإقليمي فيجب أن ننكفئ إلى قوقعتنا الدفاعية. ليس الأمر كذلك. لا ننكفئ إلى قوقعة الدفاع ولا نتراجع إلى المواقف المنفعلة، بل نتخذ موقف «اَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبونَ بِهٖ عَدُوَّ اللهِ وعَدُوَّكم» (8). نقف الموقف الذي عبرت عنه هذه الآية الكريمة بـ «تُرهِبونَ بِهٖ عَدُوَّ اللهِ وعَدُوَّكم». ما معنى «تُرهِبونَ بِه» ؟ «تُرهِبونَ بِه» هو نفس الشيء الذي يسمى في الأدبيات السياسية المعاصر «القدرة على الردع». تقف الجمهورية الإسلامية في موقف يكون لها فيه قدرة على الردع، أي يكون لها قدرة ردع. والأعداء يريدون أن لا يكون لها مثل هذه القوة والقدرة.
ما تمتلكه الجمهورية الإسلامية وما حصلت عليه لحد الآن - وقد حصلت عليه بإبداعاتها وهممها، ولا يعود لمنّة أية حكومة أو قوة أخرى - حصلت عليه من أجل الردع والتوفر على الاقتدار الرادع. وبعد الآن أيضاً ستواصل التقدم في هذا الطريق. بعد الآن أيضاً سوف نتقدم في طريق زيادة القدرة على الردع ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً وبكل هممنا وبكل جهودنا وبكل مواهب وطاقات قوانا البشرية وهي ليست بالقليلة، وسوف نستخدم هذه الطاقات ونفعلها من أجل أن لا يفكر العدو بالاعتداء والتطاول، ولكي يعلم أنه إذا اعتدى فسوف يتلقى ضربة قوية ورد فعل شديد. قلتُ قبل مدة من الزمان (9) إن زمان «توجيه الضربة والفرار» حيال الجمهورية الإسلامية قد ولّى. أن يأتي ويوجّه ضربة ويفرّ سالماً فالأمر لم يعد كذلك. فإذا وجهوا ضربة فسوف يقعون في الفخ، وقد يكون البدء من قبلهم ولكن لن يكون الإنهاء بأيديهم وحسب إرادتهم. وهذه هي القدرة التي يخافها العدو. هذا هو الاقتدار الذي لا يرغب العدو في أن تتوفر عليه الجمهورية الإسلامية.
حسناً، ما الذي يستهدفه العدو؟ أقولها لكم: أنتم إخوتي الأعزاء وأبنائي وشبابي الأعزاء. والتقرير الذي رفعه القادة الأعزاء هنا يدل على أنه فضلاً عن التدريبات العسكرية لديكم تدريبات على البصيرة والمعنوية والرؤية السياسية وما شاكل. ما الذي يسعى له العدو؟ ما هو هدف العدو في الجمهورية الإسلامية؟ ما الذي يستهدفه العدو؟ أقولها لكم إن للعدو هدفاً قصير الأمد وهدفاً متوسط الأمد وهدفاً طويل الأمد. هدف العدو القصير الأمد هو إفساد أمن البلاد وخلق اضطرابات وفتنة في البلاد، والقضاء على هذه المفخرة الكبيرة التي تتمتع بها الجمهورية الإسلامية والحمد لله. لقد استطعنا في منطقة مليئة بالتوتر والاضطرابات بل وفي عالم ملئ بالتوتر والاضطرابات استطعنا توفير بيئة آمنة لبلادنا. هذا شيء فعله الشعب وهو ما قام به المسؤولون المخلصون، وهو ما فعله الوعي واليقظة والرؤية العصرية المواكبة للتطورات، وهم يريدون أن يسلبوا شعب إيران الكبير هذا الشيء. من أهم أهداف العدو أو ربما كان أهم أهداف العدو أن يسلب البلاد أمنها. وسوف أعود لأشير إلى نقطة في هذا الخصوص.
هدفهم المتوسط الأمد هو قضية اقتصاد البلاد ومعيشة الناس. يريدون للاقتصاد أن لا يتحرك ويريدون أن تبقى معيشة الناس متعثرة، ويريدون أن يبقى العمل والإنتاج في البلاد بمستويات منخفضة، ويريدون أن تعم البطالة في البلاد كبلاء عام، ويريدون أن يفقد الناس أملهم في الجمهورية الإسلامية وفي النظام الإسلامي بسبب المشكلات المعيشية، وييأسوا منه. هذا هو هدف العدو، وهذا ما يسعون إليه وهم يعملون ويجدون ويخططون ويرسمون البرامج، ويشكلون غرف عمليات على حد تعبيرهم، من أجل أن يستطيعوا القيام بهذا الشيء في بلادنا. هذا هو الهدف القصير الأمد الذي يتابعونه. عندما نطلع على هذا الهدف ونعلم به فيجب علينا معالجته، ونحن قادرون على معالجته لو انتبهنا على أنفسنا وتفطنا وتابعنا الأمور بمقدار معين. لو تابعنا هذا الشعار الذي رفعناه في بداية العام «الاقتصاد المقاوم، الإنتاج الوطني وفرص العمل» فسوف نحبط مخطط العدو بلا شك. كما أننا لو تنبهنا وكنا مستعدين لمواجهة ذلك الهدف القصير الأمد والقريب وهو زعزعة الأمن وخلق فتنة واضطراب فسوف نستطيع يقيناً إحباطه والانتصار عليه.
والهدف الطويل الأمد للعدو هو أساس النظام الإسلامي. ذات يوم كانوا يقولون بصراحة إن النظام الإسلامي يجب أن يزول. ثم وجدوا إن هذا الكلام ينتهي بضررهم، فأولاً: لا يستطيعون تحقيقه وسيتورطون فيه وتتضعضع سمعتهم بذلك بين أنصارهم والحكومات التابعة لهم ومرتزقتهم في العالم، فعمدوا إلى تعديل هذه الفكرة وقالوا: تغيير سلوك الجمهورية الإسلامية. وقد قلتُ في حينها لمسؤولي البلاد الأعزاء: أيها السادة تفطنوا إلى أن تغيير السلوك لا يختلف شيئاً عن تغيير النظام. ليس معنى تغيير السلوك أننا إذا كنا نأتي صباحاً في الساعة السابعة فنغيّر ذلك ونأتي في الساعة السابعة والنصف أو السادسة والنصف. تغيير السلوك معناه الانحراف عن طريق الإسلام الذي كنا نسير فيه، وعن طريق الثورة الذي كنا نسير فيه، وعن خط الإمام الخميني الذي كنا ننتهجه. ننحرف في البداية عشرين درجة، وبعد ذلك يصبح الانحراف 45 درجة، ثم تسعين درجة، ويصير بعدها مائة وثمانين درجة، أي بالاتجاه المعاكس. هذا هو معنى تغيير السلوك، وهذا هو نفسه القضاء على النظام الإسلامي. هذا هو هدفهم الطويل الأمد. إذن، هذه هي أهداف العدو. العدو عدو، وسوف يستخدم كل ما يستطيعه لممارسة عدائه.
وأقول كلمة حول الانتخابات. الانتخابات من الأرضيات التي يمكن لها أن تبعث على رفعة البلاد وسمعتها الحسنة، ويمكنها أن تتسبب في ضعف البلاد وحلحلتها وخلق مشكلات. هكذا هي الانتخابات. إذا شارك أبناء الشعب بنظام وأخلاق وراعوا الحدود الإسلامية، ويجب على الجميع العمل بالقانون ومراعاته، فسيكون هذا مبعث سمعة حسنة وعزة لنظام الجمهورية الإسلامية. أما إذا خرقوا القانون وأساءوا الأخلاق وبعثوا الأمل في نفوس الأعداء بكلامهم فستنتهي الانتخابات بضررنا. إننا لسنا جديدين على الانتخابات ولسنا حديثي عهد بالانتخابات، فنحن نتعامل مع الانتخابات منذ 37 أو 38 سنة - وفي السابق كانت هناك انتخابات في كل سنة تقريباً، والآن منذ سنين تقام انتخابات كبيرة في البلاد مرة كل سنتين - فلدينا تجربتنا في قضية الانتخابات ونعلم ما هي الانتخابات ونعلم ما هي الأجواء الفكرية التي يقف فيها أطراف القضية ومن لهم دورهم فيها، وما هي حالات العداء التي تمارس ضدهم وما هي الوساوس التي تهجم عليهم. هذه أشياء وأمور جربناها ولدينا فيها تجارب وهي واضحة بالنسبة لنا.
إنني أوصي كل السادة المحترمين المرشحين للانتخابات وأقول لهم - وقد قلنا ما يجب أن نقوله للناس - أقول لهم ليتنبهوا في وعودهم وفي تصريحاتهم وفي خططهم التي يعرضونها على الناس ويراعوا فيها أمرين أو ثلاثة أمور: من هذه الأمور الشؤون الاقتصادية. ليلاحظوا الأمور الاقتصادية حتماً وليقولوا بحسم وقطع إنهم يريدون السعي والجدّ والعمل لأجل اقتصاد البلاد. هذه من الأمور المهمة. ليقولوا إن معيشة الناس تحتل الدرجة الأولى من الأهمية لديهم.
النقطة الثانية التي ينبغي أن تتجلى في تخطيطاتهم وتصريحاتهم ووعودهم للناس هي قضية العزة الوطنية واستقلال الشعب الإيراني. أيها السادة، إن شعب إيران شعب ثوري شامخ، شعب استطاع أن يرتقي بنفسه من منتهى الضعف والتبعية إلى ذروة الاقتدار والعزة الدولية. ينبغي عدم إضعاف هذا الشعب وكسره وتحطيمه وفرض التسليم عليه مقابل الشعوب الأخرى ومقابل القوى الكبرى. إن هذا الشعب حيّ بالاقتدار، ولو لم يكن هذا الاقتدار الذي يبديه هذا الشعب لما اكتفى العدو بأن يأمر رئيس الجمهورية الفلاني أو المأمور الفلاني بشيء ما، بل لجاء وسيطر على هذا البلد. إنهم يريدون أن يفعلوا بالجمهورية الإسلامية نفس الشيء الذي يفعلونه بهذه البلدان التابعة المرتزقة العديمة السمعة في بعض مناطق العالم ومنها منطقتنا، يريدون أن سلكوا مع شعبنا نفس ذلك السلوك. ينبغي الحفاظ على العزة الوطنية وشموخ الشعب وعظمته مقابل الاستكبار. ليدلل المرشحون الانتخابيون على أنهم صامدون مقابل جشع أمريكا وخبث الصهاينة.
النقطة الثالثة التي ينبغي أن يجري الاهتمام بها كثيراً في الخطط والتصريحات والوعود التي يطرحها المرشحون المحترمون هي هذا الأمن الوطني وهذا الاستقرار والهدوء الوطني. ليحاولوا عدم تحفيز الاختلافات العقيدية أو الجغرافية أو اللغوية أو القومية، ليكونوا حذرين! منذ سنين طويلة وأعداؤنا يحاولون العمل على هذه الاختلافات والتباينات. لقد عمل أعداء الجمهورية الإسلامية على كردستان، لكن الأهالي الكرد المؤمنين ضربوهم على أفواههم بقبضاتهم. وجاءوا وعملوا على أهالي آذربيجان الغيارى ذوي الحمية لكن أهالي آذربيجان الغيارى رفعوا الرؤوس كأصحاب الثورة الأصليين ووقفوا بوجه الأعداء ورفضوهم. وكذا الحال بالنسبة للأهالي العرب في خوزستان، والأهالي البلوش والأهالي التركمن. إنهم يعملون ويستثمرون وينفقون الأموال ويستقطبون المرتزقة ويختلقون الأقاويل والكلام من أجل أن يستطيعوا تنشيط هذه التباينات، لكن الأقوام الإيرانيين واقفون صامدون بكل اقتدار وبكل صميمية وبكل إخلاص وبكل إيمان. ليحذر المرشحون لرئاسة الجمهورية من أن يكملوا لصالح العدو، وبسبب خطئهم في التشخيص، الأعمال التي قام بها العدو ولم يفرغ منها ولم يستطع أن يتقدم فيها، فلا يثيروا هذه التباينات.
قضية الأمن والاستقرار مهمة جداً لهذا البلد. في الانتخابات ينبغي على مسؤولي الأمن والاستقرار من السلطة القضائية إلى قوات الشرطة إلى وزارة الداخلية وباقي الجهات والمسؤولين، ينبغي عليهم جميعاً أن يسهروا على حفظ الأمن. إذا أراد شخص زعزعة أمن هذا البلد فسوف يواجه بالتأكيد رد فعل شديد، ليعلموا هذا. ذلك الصهيوني الثري الأمريكي الخبيث الذي قال إنني استطعت قلب جورجيا رأساً على عقب بعشرة ملايين دولار، خطر بباله سنة 88 [2009 م] أن يكرر نفس الشيء مع الجمهورية الإسلامية. لاحظوا إلى أين يصل هذا الخطأ في التطبيق والحماقة في التشخيص بحيث يقارنون الجمهورية الإسلامية بهذه العظمة والشعب الإيراني بهذه العظمة مع بلدان من الدرجات الأخيرة، ويريدون التأثير والعمل، وقد اصطدموا بجدار الإرادة والعزيمة الوطنية القوي. وكذا الحال اليوم أيضاً. ليعلموا أن الأمن مهم جداً بالنسبة لهذا البلد، فالناس يهتمون للأمن، وأنا أيضاً تبعاً للشعب أهتم بأمن هذا البلد. وينبغي صيانة الأمن بشكل كامل في الانتخابات، وكل من يتجاوز هذا الطريق فليعلم أنه سوف يتلقى صفعة بالتأكيد.
القوة والقوى لله، والقلوب مملوكة لله، فالقلوب «بَينَ اِصبَعَي الرَّحمٰن» (10). إنها طوع الإرادة الإلهية. القلوب بيد الله. لقد سار الشعب الإيراني في هذا الدرب باقتدار بالاعتماد على اللطف الإلهي، وسوف يواصل مسيرته بعد الآن أيضاً إن شاء الله. وللشباب بين الشعب الإيراني دور أبرز، ومن بين الشباب لكم أيها الشباب الأعزاء خصوصية فاعرفوا قدروا ذلك واشكروا الله تعالى.
اللهم نقسم عليك بالمهدي الموعود وبمن «بِيمنِهِ رُزِقَ الوَرىٰ وبِوُجودِهِ ثَبَتَتِ الاَرضُ والسَّماء» (11) أن تحفظ هؤلاء الشباب وكل شباب البلاد وكل الشعب الإيراني الكبير في ظل لطفك وعنايتك، وأن تنصر شعب إيران على أعدائه. اللهم إنا نقسم عليك بمحمد وآل محمد أن تحشر أرواح الشهداء الطيبة والروح الطاهرة لإمام الشهداء مع الأرواح الطيبة لمحمد وآل محمد.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1 - في بداية هذه المراسم التي أقيمت في جامعة الإمام الحسين (ع) ألقى اللواء حرس ثوري محمد علي جعفري القائد العام لحرس الثورة الإسلامية وأمير البحر حرس ثوري مرتضى صفاري قائد جامعة الإمام الحسين (ع) كلمتيهما بالمناسبة.
2 - إشارة إلى حادثة الانفجار في منجم «زمستان يورت» بمدينة آزادشهر في محافظة گلستان (شمال شرق البلاد) الذي أودى بحياة عدد من عمّال المنجم.
3 - إشارة إلى استشهاد عدد من حرس الحدود التابعين لقوات الشرطة في الجمهورية الإسلامية بعمليات قامت بها زمرة إرهابية في منطقة ميرجاوه الحدودية.
4 - الاحتجاج، ج 2 ، ص 493 .
5 - م ن .
6 - م ن .
7 - سورة الفتح، شطر من الآية 29 .
8 - سورة الأنفال، شطر من الآية 60 .
9 - كلمته في لقائه بمسؤولي ومدراء النظام الإسلامي بتاريخ 22 أيلول 2007 م .
10 - عوالي اللئالي، ج 1 ، ص 48 (بقليل من الاختلاف).
11 - زاد المعاد (دعاء عديلة)، ص 423 .