وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية خلال هذا اللقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم

تُذكرنا أنفاسُكم الدافئة أيها الشباب الأعزاء في هذه الحسينية اليوم بتلك الملحمة والحماس نفسه الذي كان طوال الأعوام المتمادية منذ بداية الثورة الإسلامية وإلى الوقت الحاضر، دعامةً وضمانةً للمسيرة الثورية لشعب إيران. إن وجود الشباب ذوي الدوافع الواضحة والراسخة والمرتكزة على المنطق، وذوي القلوب الطاهرة والنوايا الخالصة الصافية، لهو نعمة إلهية كبرى لهذا البلد ولنظام الجمهورية الإسلامية.

إن اجتماعنا اليوم هو بمناسبة ذكرى أحداث 13 آبان (4 شرين الثاني) التي وقعت في البلاد على مدى أعوام مختلفة (منذ ما قبل الثورة وإلى ما بعد انتصارها).

 ثلاث حوادث: حادثة نفي الإمام الخميني في العام 1964 م، وحادثة المذبحة الوحشية ضد تلامذة المدارس في طهران في العام 1978 م، وحادثة التحرك الشجاع للطلبة الجامعيين باقتحامهم وكر التجسس في العام 1979 م. كل واحدة من هذه الأحداث مرتبطة بنحو ما بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية. في سنة 1964 م نفي الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) بسبب اعتراضه على الحصانة القضائية (التي تصون أمن رجال الأمن الأمريكيين في إيران وتمنحهم حصانة قضائية)، لذلك كانت تلك القضية ذات صلة بأمريكا. وفي العام1978 ، قام النظام التابع لأمريكا بمذبحة ضد طلبة المدارس في شوارع طهران، وصبغ إسفلت شوارع طهران بدماء شبابنا وفتياننا دفاعاً عن النظام العميل لأمريكا، وهذا الحدث أيضاً له صلة بأمريكا. وفي العام 1979 كانت هناك ضربة مقابلة، أي أن الشباب الشجعان المتديّنين من الطلبة الجامعيين الإيرانيين هاجموا السفارة الأمريكية، وكشفوا حقيقة هذه السفارة وهويتها، فهي كانت عبارة عن وكرٍ للتجسّس، وعرضوا هذه الحقيقة على العالم. في ذلك اليوم أطلق الشباب الإيرانيون على السفارة الأمريكية اسم وكر التجسس، واليوم، بعد مضي ثلاثين ونيّف من الأعوام على ذلك العهد صار اسم السفارات الأمريكية في أقرب البلدان إلى أمريكا (أعني البلدان الأوربية) وكر التجسس. أي أن الشباب الإيرانيين كانوا متقدمين ثلاثين سنة على تقويم التاريخ العالمي. وهذه الحادثة أيضاً لها صلتها بأمريكا. ثلاثُ أحداثٍ كل واحدة لها صلتها بشكل من الأشكال بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقاتها بإيران. لذلك أطلق على يوم13 آبان ( 4تشرين الثاني) (والموافق ليوم غد)، اسم" يوم مناهضة الاستكبار".

ما معنى الاستكبار؟ الاستكبار تعبير قرآني. وردت كلمة الاستكبار في القرآن الكريم. الشخص المستكبر والحكومة المستكبرة والجماعة المستكبرة هي الجماعة أو الحكومة التي تتقصّد التدخّل في شؤون البشر والشعوب الأخرى. تتدخل في كل شؤونهم وأمورهم من أجل صيانة مصالحها. ترى نفسها حرّة لها حق فرض ما تريد فرضه على الشعوب. تقرّر لنفسها حق التدخّل في شؤون البلدان، ولا تتحمّل مسؤولية ذلك أمام أي أحد. هذا هو معنى الاستكبار. النقطة المقابلة لهذه الجبهة الظالمة الجائرة هي الجماعة التي تناهض الاستكبار، فما معنى مناهضة الاستكبار؟ إنها تعني بالدرجة الأولى عدم الرضوخ لهذا التعسف والجور. ومعنى مناهضة الاستكبار ليس أمراً معقداً وملتوياً. مقارعة الاستكبار تعني أن لا يخضع الشعب لتدخلات القوى المستكبرة ولا الشخص المستكبر ولا الحكومة المستكبرة، وما تريد أن تفرضه عليه. هذا هو معنى مقارعة الاستكبار. وسوف يكون لي إن شاء الله في المستقبل فرصة أتحدث فيها لكم بالتفصيل أيها الشباب والطلبة الجامعيين وطلبة المدارس حول الاستكبار ومناهضة الاستكبار، ولا مجال لهذا الحديث المفصّل الآن. لكن باختصار هذا معنى الاستكبار ومناهضة الاستكبار .

 

مقارعة الاستكبار تعني أن لا يخضع الشعب لتدخلات القوى المستكبرة ولا الشخص المستكبر ولا الحكومة المستكبرة وما تريد أن تفرضه عليه.
 

يَعتبر الشعبُ الإيراني نفسَه مقارعاً للاستكبار لأنه لم يرضخ لما تريد فرضَه الحكومة الأمريكية عليه. الحكومة الأمريكية حكومة مستكبرة ترى لنفسها حق التدخل في شؤون البلدان وإشعال الحروب. وترون اليوم أن هذه الحالة قد تجاوزت حدود بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ووصلت إلى أوروبا، فراحوا يتدخلون في أمور الأوربيين أيضاً. وقف الشعبُ الإيراني ضد الاستكبار الذي كانت تمارسه حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وتدخلاتها وتعسفها وهيمنتها على بلدنا العزيز طوال أعوام متمادية. كانت الحكومة الطاغوتية الملكية حكومة تابعة ومرتهنة لأمريكا ومن دون أن يكون لها دعم داخلي، بل كانت بالاعتماد على أمريكا تفعل في إيران كل ما تريد، فكانت تظلم الناس وتغتصب حقوقهم وتمارس التمييز بينهم، وتمنع البلد من النمو والرقي والتنمية التي تعدّ حقه الطبيعي والتاريخي، وكل ذلك من أجل تأمين مصالح أمريكا في إيران. وقف الشعب الإيراني وفجّر الثورة ومن ثمّ اجتث جذور المستكبرين في البلاد، ولم يكن كبعض البلدان الأخرى التي جابهت أمريكا، ولكنها تركت عملها غير مكتمل، ونتيجة ذلك تلقّوا الضربات.

لقد شاهدتُ في أحد البلدان (لن أذكر اسمه) وهو بلد قارع بريطانيا وكافح ضدها، وأنهى بكفاحه سنين من ظلم البريطانيين وجورهم ضده، وحصل على استقلاله، شاهدتُ أنهم نصبوا في أحد مراكزهم الترفيهية المهمة تمثالاً لقائد بريطاني! فقلنا لهم مستنكرين: ما هذا؟ وقد أطلقوا على اسم المركز الترفيهي اسم ذلك المستعمر المستكبر الذي ارتكب هناك آلاف الجرائم! وطبعاً لم يجنوا شيئاً من هذه المداراة والمماشاة، أي إن الضغوط على ذلك البلد استمرت، ولا تزال مستمرة. فالتماشي مع المستكبر لا تحقق أية مكاسب ومنافع لأي بلد من البلدان. واجهت الجمهورية الإسلامية في إيران والثورة العظيمة لهذا الشعب الاستكبار العالمي ولم تترك الأمر ناقصاً غير مكتمل، لأن الشعب شعر بضربات وسياط أمريكا على جلده ولحمه طوال الأعوام المتمادية، وكان يعلم من هم هؤلاء وما هم.

أدى هذا المنحى الاستكباري الذي انتهجه الأمريكيون والذي استمروا عليه منذ عشرات الأعوام وإلى اليوم، إلى بروز شعور بالامتعاض وعدم الثقة لدى الشعوب تجاه الحكومة الأمريكية. وهذا الأمر لا يختص ببلادنا. أي بلد اعتمد على أمريكا ووثق بها تلقى الضربات وخسر، حتى الذين كانوا أصدقاء لأمريكا. وفي بلادنا وَثق الدكتور مُصدّق بالأمريكيين واعتمد عليهم واستعان بهم ليستطيع إنقاذ نفسه من ضغوط البريطانيين، وبدلاً من مساعدة الأمريكيين للدكتور مُصدّق (الذي أحسن الظن بهم) تحالفوا مع البريطانيين وأرسلوا مبعوثهم إلى هنا فدبّر انقلاب الثامن والعشرين من مرداد. وثق مُصدّق بهم وتلقى الضربات نتيجة ذلك. حتى الذين كانت لهم علاقات جيدة بأمريكا ووثقوا بها تلقوا الضربات منها. وقد كانت العلاقات بين النظام الطاغوتي السابق في إيران وأمريكا علاقات قوية جداً، لكن في نفس الوقت جشع الأمريكيين جعلهم (قادة النظام الطاغوتي) يضيقون به ذرعاً، حيث فرض الأمريكيون عليهم الحصانة القضائية هذه التي تحدثنا عنها (الحصانة القضائية للأمنيين الأمريكيين) فاضطروا للقبول، لأنهم لم يكن لديهم سند ودعامة سوى الأمريكيين.

معنى الحصانة القضائية أنه إذا صفع عريف أمريكي وجه ضابط إيراني كبير، لن يكون من حق أحد ملاحقته. وإذا اعتدى رجل أمن أمريكي صغير في طهران على رجل إيراني شريف أو امرأة إيرانية شريفة، فلن يكون من حق أحد أن يلاحقه. يقول الأمريكيون للإيرانيين ليس من حقكم ملاحقته ومحاسبته، ونحن نتدبّر الأمر بأنفسنا. لا يمكن أن تصل ذلة شعب من الشعوب إلى أسوء من هذا. فرضوا هذا الشيء، وقد كانوا أصدقاءهم، فلم يرحموا حتى أصدقاءهم. لقد طردوا محمد رضا بهلوي هذا (نفسه) بعد أن هرب من إيران وذهب لمدة قصيرة إلى أمريكا، طردوه من هناك ولم يبقوه. أي إنهم لم يفوا له حتى بهذا المقدار، هم هكذا.
 

المنحى الاستكباري لأمريكا أدى إلى بروز شعور بالامتعاض وعدم الثقة لدى الشعوب تجاه الحكومة الأمريكية

لا تثق الشعوب وحتى الحكومات بأمريكا بسبب هذا السلوك والمنحى المشهود في سياسات الأمريكيين.كل من وثق بأمريكا نال جزاءه وتلقى الضربات جزاءً لثقته. لذلك يمكن القول إن أمريكا اليوم هي أكثر القوى كُرهاً وبُغضاً لدى الشعوب من أية قوة أخرى في العالم. لو تم إجراء استبيان عادل ونزيه لشعوب العالم فلا أظن أن الدرجة السلبية لأية حكومة يمكنها أن تضاهي الدرجة السلبية للحكومة الأمريكية. هكذا هو وضعهم في العالم اليوم. تسمعون الكلام الذي يقوله الأوربيون اليوم ضد الأمريكيين. إذن، قضية مناهضة الاستكبار واليوم الوطني لمناهضة الاستكبار قضية أساسية نابعة من تحليل صحيح وكلام صائب. وأنتم أيها الشباب الأعزاء وملايين الشباب من أمثالكم في كل أنحاء البلاد، يجب أن يكون لكم تحليلكم الصحيح لهذه القضايا والأمور. لم يكن الشباب في مطلع الثورة بحاجة لتحليلات ولم يكونوا يريدون تحليلات، فقد كان كل شيء واضحاً بالنسبة لهم، لأنهم كانوا قد شاهدوا كل شيء واطلعوا عن كثب على تواجد الأمريكيين وقسوتهم وعلى السافاك (جهاز المخابرات) الذي تدرّب على يد الأمريكيين. أما أنتم اليوم فيجب أن تفكروا وتحللوا وتدققوا، ولا يكون الأمر مجرد حديث على الألسن، بل ينبغي أن يتبيّن لماذا يواجه الشعبُ الإيراني الاستكبار، ولماذا يعارض توجّهات الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أين ينبع هذا الامتعاض والانزعاج. هذا ما يجب أن يدركه ويفهمه الشباب اليوم بصورة صحيحة وبالاعتماد على البحث.

حسنٌ، سأذكر عدة نقاط حول قضايانا الحالية مع أمريكا (والتي يكثر البحث والكلام حولها هذه الأيام)، وتمثل أسئلة في الأذهان. أولاً لألفت الأنظار إلى نقطة مهمة وضرورية: لا ينبغي لأحد أن يعتبر مجموعة مفاوضينا الإيرانيين مع مجموعة الدول التي تضمّ أمريكا (وهي ست دول تسمى اصطلاحاً " ("5+1 مجموعة استسلامية. هذا خطأ. هؤلاء مبعوثو حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران، إنهم أبناؤنا، أبناء الثورة، ويقومون بمهمّة معينة. وإن مهمتهم الملقاة على عواتقهم مهمةٌ صعبة، وهم يجدّون ويسعون بالغ السعي للنهوض بالعمل الملقى على عواتقهم. إذن، يجب عدم إضعاف وإهانة المفاوض الذي يعكف على عمله والمسؤول عن عملية معينة، أو وصفه ببعض التعابير التي قد تُسمع أحياناً (من قبيل أنهم استسلاميون وما إلى ذلك)، لا، ليس الأمر كذلك. وتنبّهوا أيضاً إلى أن هذه المفاوضات التي تجري حالياً مع البلدان الستة (وأمريكا جزء من هذه الدول الستة) تختص بالقضايا النووية ليس إلّا. وقد قلت في كلمتي في مدينة مشهد المقدسة بداية هذا العام أنه لا إشكال في المفاوضات حول موضوعات خاصة، لكنني قلت إنني لا أثق ولست متفائلاً بالمفاوضات، ولكن إذا كانوا يريدون التفاوض فليتفاوضوا، ونحن لن يصيبنا ضرر من هذا بإذن الله.

 

إنني لا أثق ولست متفائلاً بالمفاوضات، ولكن إذا كانوا يريدون التفاوض فليتفاوضوا، ونحن لن يصيبنا ضرر من هذا بإذن الله

 

هي تجربة في متناول أيادي الشعب الإيراني (وسوف أتطرّق لهذا الموضوع باختصار) وسوف ترفع هذه التجربة الإمكانيات الفكرية لشعبنا. مثلاً تجربة عامي 2003 و2004 بخصوص تعليق التخصيب، حيث وافقت الجمهورية الإسلامية في ذلك الحين على تعليق التخصيب لمدة معينة في مفاوضاتها مع الأوربيين. وقد تأخّرنا بسبب ذلك لمدة سنتين، لكن الأمر انتهى لصالحنا. لماذا؟ لأننا أدركنا أنه مع تعليق التخصيب، ليس هناك أمل للتعاون من جانب الشركاء الغربيين على الإطلاق. لو لم نكن قد قبلنا في ذلك الحين بهذا التعليق الطوعي) والذي بالطبع كان مفروضاً بنحو ما، لكننا وافقنا عليه، ووافق عليه المسؤولون (فلربما كان سيقول البعض :لو كنتم قد تراجعتم بمقدار قليل لتمّ حل كل المشكلات ولصار الملف النووي الإيراني ملفاً عادياً. كان لنا في تعليق التخصيب في ذلك الحين فائدة وهي إثبات أنه بالتراجع وتعليق التخصيب وتأخير العمل وتعطيل بعض المشاريع لا يمكن معالجة المشكلة، فالطرف الآخر يسعى وراء أشياء وأمور أخرى. هذا ما أدركناه، لذلك عاودنا بعد ذلك عمليات التخصيب. ووضع الجمهورية الإسلامية اليوم يختلف عن سنة 2003 من الأرض إلى السماء. كنا نتفاوض في ذلك الحين على جهازين أو ثلاثة أجهزة للطرد المركزي، واليوم تعمل الآلاف من أجهزة الطرد المركزي. عقد شباب إيران وعلماؤها وباحثوها ومسؤولوها الهمم وتقدموا بالأمور والأعمال إلى الأمام. وعليه، فلن نتضرر أو نخسر شيئاً من المفاوضات الجارية في الوقت الحاضر. وبالطبع فإنني كما سبق أن ذكرت لستُ متفائلاً، ولا أظن أن هذه المفاوضات ستثمر النتائج التي يتوقعها شعب إيران، لكنها تجربة ستزيد من خبرة الشعب الإيراني وتعزّزه. لا إشكال فيها ولكن من الضروري أن يكون الشعب يقظاً. إننا ندعم بكل قوة وإصرار مسؤولينا الذين يعملون وينشطون في الجبهة الدبلوماسية، لكن على الشعب أن يكون يقظاً ويعلم ما الذي يحدث كي لا يتمكن بعض الإعلاميين الذين يقبضون رواتبهم من العدو وبعض الإعلاميين الذين لا يقبضون أجورهم من العدو (لكنهم سُذّج وبسطاء) من أن يضللوا الرأي العام.
 

لستُ متفائلاً، ولا أظن أن المفاوضات الجارية ستثمر النتائج التي يتوقعها شعب إيران، لكنها ستزيد من خبرة الشعب الإيراني

 

إن من خدعهم وأكاذيبهم أن يوحوا للرأي العام ويلقنوه بأننا إذا استسلمنا في الملف النووي للطرف المقابل فسوف تُحلّ كلّ المشكلات الاقتصادية والمعيشية و... الخ. هذا ما يُروّجون له في إعلامهم. طبعاً يرسم الإعلاميون الأجانب لهؤلاء الخطوط والاتجاهات بأساليب إعلامية ماهرة جداً. وفي الداخل يعمل البعض من منطلق السذاجة وبدون نوايا سيئة، ويعمل البعض أيضاً بدافع أغراض معينة على الإعلان والترويج بأننا لو تراجعنا في هذه القضية واستسلمنا مقابل الطرف الآخر فسوف تُعَالج كل المشكلات الاقتصادية وغير الاقتصادية. هذا خطأ. لماذا هو خطأ؟ هناك عدة أسباب لذلك. أرغب في أن تفكروا أيها الشباب الأعزاء في هذه القضايا والمسائل) سواء أنتم الحاضرون في هذا الاجتماع أو الشريحة الشبابية الواعية المثقفة والشباب الإيراني المتحفز والطلبة الجامعيون وتلامذة المدارس في كل أنحاء البلاد، وقد قلت ذات مرّةً بأنكم ضبّاط الحرب الناعمة).

من هذه القضايا، أن عداء أمريكا للشعب الإيراني وللجمهورية الإسلامية في إيران لا يدور أساساً حول محور الملف النووي. من الخطأ أن نتصور أن معركة أمريكا ضدنا هي بسبب الملف النووي، لا، الملف النووي مجرد ذريعة. قبل أن تطرح القضية النووية كانت هذه العداوات وهذه المعارضات والخلافات موجودة منذ بداية الثورة. وإذا ما عولجت القضية النووية في يوم من الأيام (لنفترض أن الجمهورية الإسلامية تراجعت ونفذت ما يريدونه) فلا تظنوا بأن القضية كلّها سوف تعالج وتنتهي، لا، سوف يطرحون تدريجياً عشرات الذرائع الأخرى: لماذا تمتلكون صواريخ؟ لماذا تمتلكون طائرات من دون طيّار؟ لماذا علاقاتكم سيئة مع الكيان الصهيوني؟ لماذا لا تعترفون بالكيان الصهيوني؟ لماذا تدعمون المقاومة في المنطقة التي يسمّونها هم منطقة الشرق الأوسط؟ ولماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ ليست القضية أنهم على خلاف مع الجمهورية الإسلامية بشأن الملف النووي، لا، بدأ الحظر الأمريكي على إيران منذ بداية الثورة، وازداد يوماً بعد يوم، ووصل في الوقت الراهن إلى أقصى درجاته. ومارسوا صنوفاً أخرى من العداء: لقد أسقطوا طائرة الجمهورية الإسلامية وقتلوا 290 مسافراً. في بدايات الثورة وحينما كان الشعب لا يزال يعيش حالات هيجان الثورة دبّروا انقلاب "معسكر الشهيد نوجه" ضد الثورة الإسلامية. ودعموا أعداء الثورة في كل منطقة تواجدوا فيها داخل البلاد، وأمدّوهم بالسلاح وغير ذلك. وهو العمل نفسه الذي قاموا به بعد ذلك في بلدان أخرى. لقد فعلوا هذه الأفعال هنا.
ليست القضية قضية الملف النووي .هذا ما ينبغي للجميع أن يفطن إليه. ليس الأمر أن نظن بأن عداء أمريكا للجمهورية الإسلامية في إيران بسبب الملف النووي، لا، القضية قضية أخرى. القضية هي أن الشعب الإيراني قال لا للمطاليب الأمريكية، وقال إن أمريكا لا تستطيع ارتكاب أي حماقة. إنهم يعارضون وجود الجمهورية الإسلامية، ويعارضون نفوذها واقتدارها. في الآونة الأخيرة قال أحد السياسيين والشخصيات الفكرية الأمريكية (وقد أذيع قوله وليس الأمر سرياً) قال: إن إيران خطرة سواء أكانت نووية أو غير نووية. قال هذا الشخص بصراحة إن نفوذ إيران واقتدارها (وعلى حد تعبيرهم التفوق الإيراني) في المنطقة أمر خطير. إيران التي تحظى حالياً بالمكانة والاحترام والاقتدار. إنهم يعادون ويعارضون هذا الأمر. سوف يُسَرّون يوم تكون إيران شعباً ضعيفاً ومروّضاً وراضخاً ومعزولاً وبدون اعتبار ولا احترام. القضية ليست قضية الملف النووي. هذه نقطة.

ليست القضية قضية الملف النووي، القضية هي أن الشعب الإيراني قال لا للمطاليب الأمريكية، وقال إن أمريكا لا تستطيع ارتكاب أي حماقة
 

 

النقطة الأخرى هي: أننا يجب أن نركز كل جهودنا في الشأن الاقتصادي على الأمور الداخلية. التقدم والحل الذي يحظى بالقيمة والأهمية هو الذي يعتمد على القدرات الداخلية للشعب. إذا كان الشعب معتمداً على قدراته ومواهبه فلن يعتريه الاضطراب لغضب هذا البلد أو حظر ذاك البلد. هذا ما يجب أن نركّز عليه ونعالجه. كل كلامنا مع المسؤولين (سواء المسؤولون في الماضي أو المسؤولون في الوقت الحاضر) هو أنه ينبغي أن تتركز النظرة إلى الداخل من أجل حل قضايا البلاد ومشاكلها، بما في ذلك المشاكل الاقتصادية. لدينا في داخل البلاد الكثير من الإمكانيات والطاقات، ويجب الاستفادة من إمكانيات هذا الشعب التي تتمثل في طاقاته البشرية ومصادره الطبيعية والجغرافية وموقعه الإقليمي. وطبعاً نحن ندعم التحرك الدبلوماسي. حين نقول إن الأمور يجب أن تعالج من الداخل فهذا لا يعني أن نغلق أعيننا ولا يكون لنا تحركنا الدبلوماسي ولا نتعامل مع العالم، بلى، التحرك الدبلوماسي والتواجد الدبلوماسي عملية ضرورية جداً (والمسؤولون الذين يقومون بهذه الأعمال هم جزء من العمل والأمر) بيد أن الاعتماد والتركيز يجب أن ينصبَّ على الشؤون الداخلية. البلد الناجح على الصعيد الدبلوماسي هو الذي يعتمد على طاقاته الذاتية، والحكومة التي تستطيع تثمير كلامها خلف طاولة المفاوضات الدبلوماسية وتصل إلى النتائج المرجوّة هي تلك التي تعتمد على اقتدار داخلي وإمكانيات ذاتية، فالأطراف الأخرى تحسب لمثل هذه الحكومة حسابها.

النقطة المهمة التي يجب أن تحظى هنا بالتدقيق هي أننا في مواجهتنا لأعدائنا طوال هذه الأعوام لم نُصَب باليأس في أي وقت من الأوقات، وسوف لن نصاب باليأس بعد الآن أيضاً. في العقد الأول من الثورة لم تكن تتوفر لدينا غالبية الأدوات والوسائل المادية، إذ لم يكن عندنا المال ولم يكن عندنا السلاح ولا الخبرة ولا التنظيم، ولم يكن لدينا قوات مسلحة كفوءة ولا معدات حربية، وكان عدونا) سواء عدونا الذي يقاتلنا في ساحة الحرب، أي النظام البعثي الصدامي، أو العدو الذي كان يقف وراءه أي أمريكا والناتو والاتحاد السوفيتي يومذاك ( في ذروة قوته وقدرته. كانت أمريكا هذه نفسها يومذاك في عهد ريغان من الدول القوية القديرة في الميادين السياسية والعسكرية في العالم، وكنا نحن نعيش العوز والفقر والضيق، لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء لنا.

ولقد تغيّر الوضع اليوم، فالجمهورية الإسلامية في الوقت الراهن لديها السلاح والمال والعلم والتقنية والقدرة على الصناعة، وتتمتع كذلك بالاعتبار الدولي، وتمتلك الملايين من الشباب المستعدين للعمل، وملايين المواهب. هكذا هو وضعنا اليوم. لا يمكن مقارنة وضعنا الآن إطلاقاً بما كنا عليه قبل ثلاثين سنة. لكن في الجبهة المقابلة، فالوضع على العكس تماماً. كان الأمريكيون في ذلك الحين في ذروة قوّتهم، وهم ليسوا كذلك اليوم. أحد المسؤولين الأمريكيين الحاليين وهو شخصية معروفة، قال قبل فترة (وهذا قوله هو وليس قولنا نحن) لقد وصل الحال بأمريكا اليوم إلى حيث لا يحترمها أصدقاؤها ولا يخافها أعداؤها. لقد عانوا في الفترة الأخيرة من مشكلات سياسية، ولاحظتم الخلافات بين رجال السياسة في أمريكا بخصوص القضايا المتعلقة بميزانية حكومتهم ما أدّى إلى تعطيل الحكومة الأمريكية لمدة ستة عشر أو سبعة عشر يوماً. ذهب ثمانمائة ألف موظف في إجازة إجبارية. هذا ضعف وعجز. يعانون اليوم من أكبر المشكلات على الصعيد الاقتصادي والمالي. ومشاكلنا تساوي صفراً مقارنة مع مشاكلهم.
 

 يجب أن نركز كل جهودنا في الشأن الاقتصادي على الأمور الداخلية، فالتقدم والحل الذي يحظى بالقيمة والأهمية هو الذي يعتمد على القدرات الداخلية للشعب

 

سأقول لكم، في العام 2001 أو 2002 م (أي قبل عشرة أعوام أو أحد عشر عاماً) قدّر المسؤولون الماليون الأمريكيون وقالوا: إننا (أي أمريكا) في سنة 2011 أو 2012 سيكون لدينا فائض في الإيرادات بمقدار 14000 مليار دولار. أصغوا جيداً. في العام 2001 كان تقديرهم لعام 2011 و2012 هو أنهم قالوا سيكون لنا في ذلك العام14000  مليار دولار إضافية من الإيرادات. والآن نحن في العام 2013 ولديهم نقص بمقدار 17000 مليار دولار، فلم يحصل لديهم إضافة وفائض في الإيرادات أبداً. معنى ذلك أنهم أخطأوا في حساباتهم بحدود 30000 مليار دولار! هذا هو وضعهم الاقتصادي ووضع حساباتهم. مثل هذا الوضع يوجد اليوم في الجبهة المقابلة لنا. والاختلافات كثيرة كما تلاحظون. ثمة مصالح مشتركة موجودة تربط فيما بينهم (بين الأوربيين والأمريكيين (وإلّا فهم في أعماقهم على علاقات سيئة فيما بينهم. الشعب الفرنسي يكره الأمريكيين ويمتعض منهم. وفي قضايا متعددة من قبيل القضية السورية حينما أراد الأمريكيون الهجوم فلم يستطيعوا إشراك أقرب الدول إليهم في هذا الأمر، أعني بريطانيا التي قالت إننا لن نشارك في الهجوم. هذا في حين عندما هاجموا العراق تعاونت معهم نحو أربعين دولة، وحين هاجموا أفغانستان تعاونت معهم أكثر من ثلاثين دولة.

هكذا هو وضع الأمريكيين الآن، لكن وضعنا جيد جداً. لقد تقدمنا وزاد اقتدارنا وزاد وعي شعبنا. وهم طبعاً يمارسون ضغوطهم. يجب أن نصبر على هذه الضغوط ونتحمّلها ونتجاوزها بالاعتماد على قدراتنا الذاتية. هذا طريق عقلاني يجب أن نسير فيه. طبعاً قلنا ونكرّر: نحن نؤيّد الجهود التي تبذلها الحكومة المحترمة والمسؤولون في البلاد، فهي عملية وتجربة من الممكن أن تكون مفيدة. إنهم يقومون بهذه العملية فإذا آتت نتائجها فنعمّا ذلك، وإذا لم يحصلوا على النتيجة المطلوبة فليكن معنى ذلك أنهم يجب أن يعتمدوا على أنفسهم من أجل حل مشاكل البلاد. ونكرّر مرة أخرى توصيتنا السابقة: لا تثقوا بالعدو الذي يبتسم لكم. هذا ما نوصي به مسؤولينا وأبناءنا الذين يعملون في السلك الدبلوماسي، فهم أبناؤنا وشبابنا. توصيتنا لهم: احذروا من أن توقعكم الابتسامات المخادعة في الخطأ. وانظروا إلى أدق تفاصيل عمل العدو.
 

يعيش الأمريكيون اليوم أشد حالات المجاملة والإحراج مع الكيان الصهيوني المنحط، ويتحرّجون أشدّ الحرج من الأوساط الصهيونية، فيدارونهم ويحاولون إرضاءهم، ونحن نرى هذا الوضع. فقبضة المتنفذين مالياً والشركات الصهيونية تضغط على الحكومة الأمريكية والكونغرس والمسؤولين الأمريكيين بشكل يجبرهم على مراعاة الصهاينة، لكننا نحن غير مجبرين على مراعاتهم. لقد قلنا منذ اليوم الأول ونقولها اليوم أيضاً وسنقولها في المستقبل أيضاً: إننا نعتبر الكيان الصهيوني كياناً غير شرعي ولقيط. نظام تكوّن بفعل المؤامرات، ويُحفظ اليوم بفعل المؤامرات والسياسات التآمرية. هم يراعونهم. أما لماذا يراعونهم فهذا بحث آخر. المال والقوة ورؤوس الأموال الصهيونية تفعل فعلها، وبالتالي تفرض نفسها على هؤلاء المساكين، فيضطرون لمراعاة الصهاينة. والأمر لا يختص فقط بالأمريكيين فالكثير من الساسة الغربيين الآخرين هم أيضاً مساكين يعانون من نفس المشكلة. لذلك، على مسؤولينا أن يدققوا ويلاحظوا الكلام، فالطرف المقابل يبتسم ويبدي الودّ والرغبة في التفاوض؛ لكنه من ناحية أخرى وبدون تأخير يقول: كل الخيارات على الطاولة! حسنٌ، ثمّ ماذا؟ أي خطوة أو سخافة يمكن أن يرتكبونها ضد الجمهورية الإسلامية؟ إذا كانوا جادّين في العملية فيجب عليهم ضبط أنفسهم وإسكات الذين يفتحون أفواههم بمثل هذا الكلام الفارغ. أحد السياسيين الأمريكيين الأثرياء يخطئ قائلاً: نعم، نحن يجب أن نقصف الصحراء الإيرانية الفلانية بقنبلة ذرية ونهدّدهم وكذا وكذا. يجب أن يصفعوا مثل هذا الشخص ويحطموا فمه. فالحكومة التي تتوّهم أنها مسؤولة حيال قضايا العالم وتعتبر نفسها مسؤولة عن التصدي للملف النووي للبلد الفلاني والبلد الفلاني، سيكون من السخافة أن تهدد بلداً في مثل هذا الوضع وفي مثل هذا الزمن تهديداً نووياً. يجب أن يمنعوا مثل هذا السخافة.

 

قلنا منذ اليوم الأول ونقولها اليوم أيضاً وسنقولها في المستقبل أيضاً: إننا نعتبر الكيان الصهيوني كياناً غير شرعيٍ ولقيط.

 

على كل حال، شعبنا والحمد لله شعبٌ يقظ، والمسؤولون هم من هذا الشعب، وهم أيضاً واعون ويقظون. أي عمل يكون في مصلحة البلاد ويقوم به المسؤولون، نحن ندعمه ونساعدهم وندعو لهم، ولكن نوصي كل أبناء الشعب ونوصي المسؤولين أيضاً ونوصيكم خصوصاً أيها الشباب الأعزاء بأن تفتحوا أعينكم وآذانكم. فأي شعب من الشعوب يمكنه بفضل الوعي واليقظة وعدم الغفلة أن يحقق أهدافه السامية.

ونتمنى أن تكون أدعية سيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) داعمةٌ لكم إن شاء الله. وأن تدعو لكم روح الإمام الخميني الطاهرة. وتدعو لكم أرواح الشهداء الطيبة إن شاء الله. وستستلمون أيها الشباب بإذن الله البلاد بروحيّتكم البهيجة، وستوصلون البلاد بإبداعاتكم، إلى القمم، حين يحين دوركم إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.