وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها الإمام الخامنئي خلال هذا اللقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الطاهرين المنتجبين لا سيّما بقيّة الله في الأرض.

السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليك منيّ سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم. السلام على الحسين وعلى عليّ بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام.

هذا اللقاء، هو لقاءٌ هامٌ جداً، التعبئة الشعبية هي مظهر عظمة الشعب والقوّة الذاتية الفعّالة لبلدنا. وهذا اللقاء هو لقاءٌ للقادة، عشرات الآلاف من قادة التعبئة الشعبية اجتمعوا هنا، من خلال هكذا اجتماع يمكن تخمين حجم قوات التعبئة الشعبية المفعم بالفخر، فأنتم مصدر رضا وأمل وثقة لأنصار النظام والثورة والبلاد وأنتم مصدر خوف ورعب للأشرار والأعداء الحاقدين.

إنّ تزامن أسبوع التعبئة (1) مع هذه الأيام، التي هي أيام الملحمة الكبرى في تاريخ الإسلام، هو تزامنٌ مناسب وفرصةٌ ينبغي اغتنامها. ونعني بالملحمة الكبرى التي ذكرناها، ملحمة السيدة زينب الكبرى) سلام الله عليها) والتي أكملت ملحمة عاشوراء، بل إن الملحمة التي سطّرتها السيدة زينب الكبرى (سلام الله عليها) قد أحيت وحفظت ملحمة عاشوراء. لا يمكن مقارنة عظمة عمل السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) مع غيرها من الأحداث التاريخيّة الكبرى، بل ينبغي مقارنتها مع واقعة عاشوراء نفسها، وللإنصاف فإنهما متساويتين .

هذه الإنسانة العظيمة، سيدة الإسلام الكبرى، بل سيدة البشرية، استطاعت أن تواجه جبل المصائب الثقيل بقامتها المنتصبة والشامخة، فلم يظهر حتى ارتجافٌ بسيطٌ في صوت هذه السيدة العظيمة من كل تلك الحوادث، لقد وقفت كالقمّةِ المرفوعةِ الهامة في مواجهة الأعداء وكذلك في مواجهة المصائب والحوادث المُرّة، وأصبحت عِبرةً وإِسوةً وقائدةً وهادية. في سوق الكوفة وهي في حالة الأسر والسّبي، ألقت تلك الخطبة المدهشة" :يا أهل الكوفةِ يا أهل الخَتلِ والغدرِ أتبكون، ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة، إنما مَثَلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً" إلى آخر الخطبة (2)، فاللفظ صلب كالفولاذ والمعنى سلسٌ كالماء يصل إلى أعماق الأرواح. في تلك الوضعيّة، تكلّمت زينب الكبرى كأمير المؤمنين نفسه، زلزلت القلوب والأرواح والتاريخ، هذا الكلام باقيٌ في التاريخ، وكان هذا أمام الناس في موكب السّبي. وكذلك بعدها، أمام ابن زياد في الكوفة، وبعد عدّة أسابيع أمام يزيد في الشام، خطبت بتلك القوّة، فحقّرت العدو واستهانت بالمصائب التي فرضها العدو. حيث قالت لهم أتريدون أن تغلبوا أهل بيت النبي بوهمكم الباطل، وأن تؤذوهم وتذلّونهم؟ "لله العزّة ولرسوله وللمؤمنين"(3) زينب الكبرى هي تَجسّد للعزّة كما كان الحسين بن علي عليه السلام في كربلاء تجسّد للعزّة في يوم عاشوراء. كانت نظرتها للحوادث تختلف عن نظرة الآخرين، وعلى رغم كل تلك المصائب، حين أراد العدو أن يشمت بها، قالت: "ما رأيت إلاّ جميلاً" (4)، ما رأيته كان جميلاً، كانت الشهادة، كان مؤلماً، ولكنه في سبيل الله، لحفظ الإسلام، لإيجاد حركة على امتداد التاريخ لكي تفهم شعوب الأمة الإسلاميّة ما ينبغي أن تفعل، كيف يجب أن تتحرك وكيف يجب أن تقف وتصمد، هذا العمل العظيم للملحمة الزينبيّة، هذه عزّة ولي الله .فزينب الكبرى من أولياء الله، عزّتها هي عزّة الإسلام، ولقد أعزّت الإسلام والقرآن. وبالطبع فنحن ليس لدينا ذلك الطموح العالي وتلك الهمّة نفسها كي نقول أن عمل تلك السيدة العظيمة هو نموذجٌ لنا، إنّنا أصغر من هذا الكلام، ولكن ينبغي أن تكون حركتنا دئماً باتجاه الحركة الزينبية، أن تكون همّتنا نحو عزّة الإسلام وعزّة المجتمع الإسلامي وعزّة الإنسان، كما فرض الله تعالى ذلك على الأنبياء من خلال الأحكام الدينية والشرائع.
 

السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) وقفت كالقمّةِ المرفوعة الهامة في مواجهة الأعداء والمصائب والحوادث المرّة، وأصبحت عِبرة وإِسوة وقائدة وهادية.

ما أودّ أن أعرضه عليكم بشكلٍ مختصر في القسم الأول من حديثي أيها الأعزاء التعبويون والشباب الغالي، بأنّ أحد العوامل المنتجة لهذه الروحيّة وهذا الصبر لدى زينب الكبرى (سلام الله عليها) ولدى سائر أولياء الله الذين تحرّكوا بهذه الطريقة هو الصدق والتعامل الصادق مع الوعد الإلهي، والتقديم الصادق للقلب في سبيل الله، هذا مهمّ جداً. ولقد اعتُبر هذا الصدق في القرآن الكريم أمراً لازماً لأنبياء الله العظام "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً * ليسأل الصادقين عن صدقهم" (5) وهذه اللام في ليسأل هي لام العاقبة كما نعبّر عنها نحن طلاب العلوم الدينية، ونتيجة هذا الميثاق، هي أنّ الأنبياء العظام سيُسألون عن صدقهم الذي أبدوه وقدموه تجاه هذا الميثاق، وينبغي على نبيّنا وأنبياء الله العظام أن يقدّموا في حضور الخالق ميزان صدقهم الذي قاموا به في مقام إعمال هذا الميثاق الإلهي، هذا بالنسبة للأنبياء، أيضاً بالنسبة للناس العاديين والمؤمنين يقول الله: "من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا * ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويُعذّب المنافقين إن شاء" (6).

بالنسبة للأنبياء العظام، النقطة المقابلة للصادق هي الكافر "وأعدّ للكافرين عذاباً أليماً" (7) وبالنسبة للمؤمنين النقطة المقابلة للصادقين هي المنافقين، وفي هذه المسألة أمورٌ ومعانٍ متعدّدة. سيَسألوننا أنا وأنتم حول الوعد والعهد الذي عاهدناه لله، لدينا معاهدة مع الله. في هذه الآية الشريفة "من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه" هذا العهد الذي يقول، بأنّ المؤمنين قد عاهدوه مع الله وبعضهم قد وفى به بأحسن الوفاء وبقوا ثابتين على عهدهم، هو نفسه ذلك العهد الذي ذُكر قبل عدّة آيات من تلك السورة المباركة حيث يقول "ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار" (8).
ينبغي علينا جميعاً أن ننتبه إلى هذه النقاط. كانوا قد عاهدوا الله بأن لا يفرّوا من العدو وأن لا يولوه الأدبار. التنازل عن المواقف والتراجع الانهزامي في مواجهة العدو، من جملة الأمور التي يؤكّد القرآن على عدم القيام بها، في الحرب العسكرية وفي الحرب السياسيّة وفي الحرب الاقتصادية، وفي كل مكان فيه اختبار للقوّة، يجب الوقوف في مواجهة العدو، يجب أن ينتصر عزمكم على عزم العدو، يجب أن تغلب إرادتكم إرادة العدو، وهذا يحصل وممكن. في ميدانِ أي نوعٍ من الجهاد والمواجهة، الانهزام وإدارة الظهر للعدو عملٌ ممنوع من وجهة نظر الإسلام والقرآن.

لقد استخدمنا تعبير الليونة البطولية، الأمر الذي فسّره البعض بمعنى التخلّي عن الآمال والأهداف الكبرى للنظام الإسلامي، كذلك فإن بعض الأعداء قد اتخذوا هذا التعبير مستمسكاً لاتهام النظام الإسلامي بالتراجع عن أصوله، وهذا كلامٌ باطل وفهمٌ منحرف. الليونة البطولية تعني المناورة الفنيّة (الذكية) للوصول إلى الهدف، أي أن السالك لطريق الله (في أي نوع من السلوك) حين يتحرّك نحو المُثُل والأهداف الإسلاميّة المتعدّدة والمتنوعّة، بأي شكل وطريقة، ينبغي عليه أن يستخدم أساليب متنوّعة للوصول إلى المقصد. "ومن يولهم يومئذٍ دُبُره إلاّ متحرّفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله" (9) كل حركة) سواء للأمام أو الخلف) مثل ميدان الحرب العسكرية، ينبغي أن تكون للوصول إلى الأهداف المحدّدة من قبل. هناك أهداف موجودة، النظام الإسلامي يتابع في كل مرحلة أحد تلك الأهداف للتقدّم والوصول إلى نقطة التسامي وإلى القمة ولبناء الحضارة الإسلاميّة العظيمة، يجب السعي للوصول إلى هذا الهدف في هذه المرحلة. بالطبع الأمر بالتدريج، قطعة بعد قطعة. المشرفون والهداة والمفكرون والمسؤولون المعنيون يحدّدون هذه القطع ويصنعون الأهداف ومن ثم يبدأ التحرك الجماعي، يجب أن يسعى الجميع لأن تصل كل حركة في كل مرحلة إلى هدفها. هذا هو النظام الصحيح للحركة المنطقيّة. وهذا ما يجب على جميع العاملين في الساحة السياسية والإدارة العامة للبلاد أن يتذكروه دائماً، كل الناس وأنتم أيها الأعزاء التعبويون (الفعالون في ميدان التعبئة الشعبية) أيضاً يجب أن تتذكروا هذا الأمر دائماً.

الليونة البطولية: تعني المناورة الفنيّة (الذكية) للوصول إلى الهدف

حسنٌ، أن نقول بأننا نريد أن نتحرّك، ونتقدّم ونسير للأمام، هل يعني ذلك بأن النظام الإسلامي من دعاة الحرب؟ وهل يعني بأنّ النظام الإسلامي لديه نيّة لتحدي جميع الشعوب، وكل دول العالم؟ حيث يُسمع هذا الكلام أحياناً من أعداء الشعب الإيراني ومن جملتهم ما يصدر من الفم النجس لكلب المنطقة المسعور في الكيان الصهيوني، حيث يزايدون بأنّ إيران هي تهديد لكل العالم، كلا، هذا كلام العدو وهو النقطة المقابلة تماماً للمنهج الإسلامي. فالتهديد لكل العالم إنما هو من قوى الشر والعدوانية والتي لم تُظهر إلاّ الشر، ومن جملتها هذا الكيان الإسرائيلي الزائف وبعض داعميه. الدرس الذي تعلّمه النظام الإسلامي من القرآن، وتعلّمه من نبي الإسلام ومن أمير المؤمنين، هو درسٌ آخر: "إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان" (10)، أي العدالة والإحسان وفعل الخير. وقال أمير المؤمنين بأنه يجب أن نحسن للجميع فهم "إمّا أخٌ لك في دينك أو شبيه لك في خلقك" (11)، أي إما أن يكون أخٌ إسلاميٌ لك أو بأي حال هو إنسان، هذا هو منطق الإسلام. نحن نريد أن نخدم جميع الناس وأن نمنحهم المحبة، ونريد إقامة علاقات صداقة ومحبة مع كل الناس وكل الشعوب، نحن لا عداء لنا أبداً حتى مع الشعب الأمريكي (مع أن الحكومة الأمريكية حكومة مستكبرة ومعادية وسيئة وحاقدة على الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية)، فهو مثل بقيّة الشعوب، وإنّ النقطة المقابلة لنظام الجمهورية الإسلامية هي الاستكبار.

 

نحن نريد أن نخدم جميع الناس وأن نمنحهم المحبة، ونريد إقامة علاقات صداقة ومحبة مع كل الناس و كل الشعوب، نحن لا عداء لنا أبداً حتى مع الشعب الأمريكي.
 

 

إن وجهة خصومة النظام الإسلامي هي مع النظام الاستكباري، فنحن نعارض الاستكبار، ونحن نحارب الاستكبار. الاستكبار هو مصطلح قرآني استخدم في القرآن لأمثال فرعون والمجموعات الشريرة والمعادية للحق والحقيقة. لقد كان الاستكبار موجوداً في جميع العصور وحتى اليوم، وإن هيكل الاستكبار واحد في كل العصور وحتى اليوم، بالطبع فإن الأساليب والخصوصيات والطرق تختلف من زمانٍ إلى آخر. فاليوم هناك نظام استكباري أيضاً، ورأس الاستكبار في العالم حكومة الولايات المتحدة. علينا أن نعرف الاستكبار وأن نعرف خصوصياته وأسلوب عمله وتوجهاته كي نحدد أسلوب عملنا في مقابله بشكلٍ حكيم.

نحن نخالف المواجهة غير الحكيمة في جميع المجالات، إننا نعتقد بأنّ علينا العمل بدراية وحكمة في جميع الميادين وجميع مجالات التخطيط والبرمجة والتوجهات الفردية والجماعية. إذا لم نعرف الميدان ولم نعرف الصديق ولا العدو، وإذا لم نعرف اليوم نظام الهيمنة والاستكبار، فكيف يمكننا أن نتحرك بحكمةٍ ودراية؟ كيف يمكننا أن نخطط بشكلٍ سليم؟ لذا فإن علينا أن نعرف كل ذلك.

ما سأطرحه حول الاستكبار، عدّة نماذج أو مؤشرات عن تصرفات النظام الاستكباري في العالم المعاصر، وهي أمورٌ مشتركة مع تصرفات الاستكبار في القرون الماضية والفترات السابقة في كثير من الأحيان.
إحدى خصوصيات النظام الاستكباري أنه يرى نفسه أفضل من الأخرين. المجموعات الإستكبارية (أولئك الأشخاص الذين هم إمّا على رأس بلدٍ ما أو على رأس نظام عالمي أو مجموعة من البلدان التي بيدها الأمور)عندما تعتبر نفسها أفضل من باقي الناس وباقي المجموعات، عندما تعتبر نفسها محوراً وأنّ كلّ ما سواها هو فرع لأصلها، تَظهر معادلة خاطئة وخطيرة في العلاقات العالمية، فعندما يرى أحدٌ أنه الأفضل وأنه هو المحور والأصل فإن النتيجة ستكون بأن يرى لنفسه الحقَّ في التدخل في شؤون باقي الناس وسائر الشعوب. فما يعتبره ذو قيمة، يجب على الجميع في العالم أن يسلّموا به ويقبلوه ويحنوا له الرقاب. وإذا اعتبر شيئاً ما ذو قيمة ولم يقبله الآخرون فإن هذا يعطيه حقّاً بالتدخل في شؤونهم، بأن يفرضه عليهم وأن يضغط عليهم ويلزمهم ما يريد بالقوة. "فرؤية النفس أفضل من الآخرين" تبعث على الإدعاء بتولّي أمور الشعوب وإدعاء إدارة العالم. فهو يرى بأنه رئيسٌ لكل العالم. إنكم تسمعون كلام المسؤولين الأمريكيين والذين يتحدثون عن الحكومة الأمريكية وكأنها مالكة لزمام جميع البلدان، يقولون لا يمكن أن نسمح بهذا العمل، لا يمكن أن نترك الشخص الفلاني ليكون أو لا يكون! ويتحدثون حول منطقتنا بشكل يوحي بأنهم أصحاب هذه المنطقة، يتحدثون عن الكيان الصهيوني وكأن شعوب هذه المنطقة مضطرة إلى القبول والاعتراف بهذا الكيان المزوّر والمفروض، يتعاملون مع الشعوب المستقلّة وكأنه لاحق لها بالحياة. إن رؤية النفس أفضل من الآخرين واعتبارها ذات مقامٍ خاص بين مجموعات بني البشر والشعوب والناس، هي أساس وأكبر مشكلة لدى الاستكبار.

 

المسؤولون الأمريكيون يتحدثون عن الكيان الصهيوني وكأن شعوب هذه المنطقة مضطرة إلى القبول والاعتراف بهذا الكيان المزوّر والمفروض

ونتيجة لهذا، تتفرّع خصوصيّة ومؤشر آخر للاستكبار وهو عدم القبول بالحق، لا يقبل كلام الحق ولا حق الشعوب، رفض مطلق للحق. في المفاوضات والمباحثات العالمية كثيراً ما يحدث أن يطرح كلامٌ حق، لكن أمريكا لم تكن تقبله لسبب من الأسباب، فكانت تواجهه بأساليب مختلفة ولا ترضخ للحق أبداً. أحد أمثلة هذا، المسائل المتعلقة بالأنشطة النوويّة والصناعات النووية، يوجد كلامٌ حق، فإذا كان الإنسان من أهل الحق وأصحاب الاستدلال والمنطق، فإن عليه التسليم مقابل الاستدلال، لكن الاستكبار لا يقبل، ويسمع الحق ولكنه لا يرضخ له، هذه هي إحدى خصوصياته، كذلك هو لا يقبل بأنّ للشعوب حقوق، وأن لها حق أن تختار وتنتخب من تريد وما تريد من حركة أو توجّه اقتصادي أو اتخاذ الموقف السياسي الذي تريده. الاستكبار لا يقر للشعوب بهذا بل يعتقد بالفرض عليها.

من مؤشرات الاستعمار والاستكبار الأخرى، هي اعتبار الجرائم ضد الشعوب والأفراد أمرٌ مجاز وغير مهم. وهذه إحدى المصائب الكبرى للاستكبار في العصر الجديد. العصر الجديد، أي عصر تطوّر العلم، واختراع الأسلحة الخطيرة والتي عندما امتلكها المستكبرون صارت سبباً للبلاء على أرواح الشعوب الأخرى في العالم .فهم لا يرون أي قيمة لأرواح الناس (أي إنسان ليس معهم ولا يتّبعهم ولا يسلّم لهم) والأمثلة على هذا كثيرة وإلى ما شاء الله. أحد الأمثلة هو تعامل المستكبرين مع السكان الأصليين لأمريكا، ذلك البلد الذي يسيطر فيه اليوم شعب غير شعبه الأصلي على موارده المالية وإمكاناته وموقعه الجغرافي وعلى كل ما فيه.
حسنّ، لقد كان هناك شعبٌ محلّيٌ أصيل، كان التعامل معه عنيفاً ووحشياً وباعثاً على الاشمئزاز بحيث أصبح أحد النقاط السوداء في تاريخ أمريكا الجديد، هم أنفسهم كتبوا أشياء حول هذه المسألة، حول المجازر التي ارتكبوها والضغوط التي مارسوها. والأمر نفسه حصل في أستراليا على يد الإنكليز، لقد كان الإنكليز في أستراليا يقومون بصيد السكان المحليين الأصليين تماماً كحيوانات الكانغر للتسلية والترفيه!، لا يوجد لديهم أي قيمة لحياة الإنسان. هذا نموذجٌ وحسب، ويوجد مئات الأمثلة التي ذُكرت في كتبهم وعند تدوين تاريخهم.

لقد تم استخدام القنابل النووية لمرتين في العالم حتى الآن. وفي المرتين على يد الأمريكيين الذين يعتبرون أنفسهم اليوم مسؤولي القضية النووية في العالم!

نموذج آخر هو قصف الأمريكيين لمدينتين يابانيتين بالقنابل النووية في العام 1945 م حيث دمروهما وأبادوهما بالكامل، قُتل مئات الآلاف، وأضعاف مضاعفة على طول الزمان وإلى اليوم أصيبوا بالتشوهات والإعاقات و بأمراض مختلفة ولا تزال معاناتهم مستمرة نتيجةً للإشعاعات النووية، لا يوجد أي استدلال صحيح لهذا العمل أبداً، وسأشير فيما بعد إلى هذه المسألة، ألقوا القنبلة النووية بكلّ سهولةٍ وبساطة! لقد تم استخدام القنابل النووية لمرتين في العالم حتى الآن. وفي المرتين على يد الأمريكيين الذين يعتبرون أنفسهم اليوم مسؤولي القضية النووية في العالم! يرغبون من أعماق قلوبهم بأن يتمّ نسيان هذه القضية، ولكنها غير قابلة للنسيان. كل هذه الضحايا التي فقدت أرواحها لا قيمة لها عندهم. روح الإنسان تصبح بلا قيمة، ويصبح ارتكاب الجريمة سهلاً عند الأجهزة الإستكبارية. ارتكبوا الجرائم في فيتنام، وفي العراق الأجهزة الأمنية والشركات الأمنية والعميلة لهم مثل بلاك ووتر ارتكبت الجرائم (والتي أشرت لها في ذلك العام((12).
وفي باكستان لا تزال الطائرات دون طيار ترتكب الجرائم، وفي أفغانستان يقصفون ويقتلون، أينما تصل أيديهم وتقتضي مصالحهم لا يأبون ارتكاب الجرائم، جرائم قتل، جرائم تعذيب، ومعتقل غوانتانامو الأمريكي لا يزال يعجّ بالمعتقلين منذ أكثر من عشر سنوات، ما زالوا يحتجزون عدداَ من الأشخاص الذين تمّ خطفهم لاتهامات مختلفة من أماكن متعددة في العالم وسجنهم هناك دون محاكمة وفي ظروف قاسية جداً وتعذيب مستمر! في العراق كان سجن أبو غريب واحداً من السجون الأمريكية، كانوا يطلقون الكلاب على المعتقلين ويقومون بتعذيبهم.
نهب الموارد الحيوية للشعوب بالنسبة لهم أمرٌ سهل. خطف وأسر البشر من ذوي البشرة السوداء، من الأحداث المبكية في التاريخ والتي لا يودّ نظام الهيمنة في أمريكا وأمثالها أن يتم أحياؤها وذكرها. ومنها على سبيل المثال مسألة خطف العبيد من الرجال والنساء من أفريقيا، كانوا يُحضرون السفن من المحيط الأطلسي ويرسلونها إلى سواحل بلدان غرب إفريقيا مثل غامبيا وغيرها، ثم ينزلون بنادقهم وأسلحتهم، التي لم يكن يمتلكها الناس هناك في تلك الأيام، يخطفون المئات والآلاف من الشيوخ والشباب والرجال والنساء وينقلونهم في هذه السفن تحت ظروف صعبة جداً للاستعباد في أمريكا. ذلك الإنسان الحر الذي كان يعيش في بيته ومدينته صار أسيراً لديهم، السود الذين يعيشون الآن في أمريكا هم من نسل أولئك. استمرت هذه الضغوط العجيبة من الأمريكيين لعدة قرون وهناك كُتب ألّفت في هذا المجال، ككتاب "الجذور" (13)، وهو كتابٌ جيد ومناسب لإظهار بعض جوانب هذه الفواجع. كيف يمكن للإنسان المعاصر أن ينسى هذه الأمور؟ وعلى الرغم من ذلك كله لا يزال هناك حتى الآن تميز بين البيض والسود في أمريكا.
 

ارتكبوا الجرائم في فيتنام والعراق، وفي باكستان لا تزال الطائرات دون طيار ترتكب الجرائم، وفي أفغانستان يقصفون ويقتلون أينما تصل أيديهم وتقتضي مصالحهم.

إحدى خصوصيات الاستكبار والتي هي من المؤشرات المميزة له. الخداع والسلوك المنافق، انتبهوا إلى هذا. تلك الجرائم التي ذُكرت يسعون في إعلامهم إلى تبريرها وأن يُلبسوها لباس الخدمة! هذا النظام الاستكباري الذي يريد السيطرة على الشعوب، يستخدم هذا الأسلوب بشكلٍ عاديٍ ومتعارف في جميع أبعاد حياته، وهو أسلوب تبرير الجريمة وإلباسها لباس الخدمة.

في ذلك الهجوم على اليابان، أي القنبلتين اللتين دمّرتا هيروشيما وناكازاكي عندما يعتذر الأمريكيون ويقولون صحيح أننا ألقينا القنبلتين على هاتين المدينتين وقُتل عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف على الفور، لكن هذا العمل هو ثمنٌ لإنهاء الحرب العالمية الثانية ولو لم نقم نحن الأمريكيون بإلقاء القنبلتين لكانت الحرب قد استمرت، فلئن قتل مئتي ألف إنسان، فهذا أفضل من قتل مليونين في حال استمرار الحرب، بناء على ذلك فإننا قد قمنا بخدمة عندما ألقينا القنابل النووية! انظروا إلى هذا الكلام الذين يقوله الأمريكيون في إعلامهم الرسمي. والآن بعد مضى حوالي 65 سنة لا زالوا يكررون هذا الكلام دائماً وهذا من الكلام المخادع والمنافق ومن الأكاذيب العجيبة والغريبة والتي لا تصدر إلا عن الأجهزة الإستكبارية. في صيف عام 1945م ألقيت هذه القنابل وانفجرت في هاتين المدينتين ووقعت هذه الجريمة، في حين أنه قبل أربعة أشهر(في أوائل ربيع (1945 كان هتلر وهو الركن الأصلي للحرب قد انتحر وتم اعتقال موسوليني (زعيم الحكومة الإيطالية) وهو الركن الثاني للحرب قبلها بيومين وكانت الحرب قد انتهت عملياً، أما اليابان وهي الركن الثالث للحرب فقد أعلنت قبل شهرين عن استعدادها للاستسلام. لم يكن هناك حرب ولكن تمّ تفجير هاتين القنبلتين، لماذا؟ لأن السلاح النووي كان قد صُنع وكان يجب أن يُجرّب في مكان ما، صنعوا أسلحة وعليهم اختبارها. أين يجرّبوها؟ الفرصة الأفضل هي التذرّع بالحرب وإلقاء هاتين القنبلتين على رؤوس الناس الأبرياء في هيروشيما وناكازاكي ليعرف الأمريكيون هل يعمل هذا السلاح النووي بشكل صحيح أو لا! هذا هو الوجه المخادع.

يدّعون بأنهم أنصار للإنسانية ويطلقون الصواريخ على طائرة ركاب مدنية إيرانية، يقتلون حوالي ثلاثمئة مسافر بريء. ولا يعتذرون، ليس هذا فحسب وإنما يقدّمون ميدالية لذلك الشخص الذي ارتكب تلك الجريمة! في الأسابيع الأخيرة سمعتم كيف أن الأمريكيين) من رئيسهم إلى باقي المسؤولين) أثاروا جدلاً حول استخدام السلاح الكيميائي في سوريا واتهموا الدولة السورية باستخدام السلاح الكيميائي. أنا لا أقوم بالحكم بمسألة الشخص الذي استخدمه، وإن كانت القرائن تشير إلى أن المجموعات الإرهابية قد استخدمت هذا السلاح. ولكنهم (الأمريكيون) قالوا بأن الحكومة السورية قد قامت بذلك، وأثاروا ضجيجاً وتهويلاً بأن استعمال السلاح الكيميائي هو خطٌ أحمر! لقد قال المسؤولون الأمريكيون هذا عشر مرات أو أكثر، صحيح! ولكن هذه الحكومة الأمريكية ونظام الولايات المتحدة نفسه، حين استخدم صدام السلاح الكيميائي في هجماته الإجرامية على إيران، ليس فقط أنهم لم يقوموا بأدنى اعتراض على ذلك، بل زوّدوه بخمسمائة طنٍ من المواد الكيميائية الجاهزة للتبديل إلى غاز الخردل (وحتى الآن لا يزال الكثير من شبابنا العزيز الذين أصيبوا في تلك الأيام يعانون من عوارضها ويتحمّلون الأمراض لسنوات متمادية) لقد استوردها صدام من أمريكا التي كانت تدعمه وتساعده، وبالطبع لقد اشترى هكذا أسلحة من أماكن أخرى، ولكن خمسمائة طن من المواد الكيميائية المنتجة لغاز الخردل قد استخدمها، وحين أرادوا إصدار قرار ضده في مجلس الأمن منعتهم أمريكا من ذلك. هذا هو السلوك المنافق، هنا يصبح السلاح الكيميائي خط أحمر، وهناك (حيث يستعمل ضد نظام إسلامي مستقلّ، ولأنه في مقابل شعب لا يرضى الخضوع لأمريكا) يُصبح أمراً جائزاً وينبغي المساعدة عليه! هذا قسم من الخصوصيات والمؤشرات، وبالطبع إن مؤشرات الاستكبار أكثر من هذا بكثير: فهو يثير الحروب، يزرع الفتن، ويصارع الدول المستقلة، بل إنه يصارع حتى شعبه إذا اقتضت ذلك مصالح فئة خاصة. في حرب صدّام ضد إيران ساعدوه بكل أنواع الدعم الممكنة، طرحت مثال الكيميائي، وكانوا أيضاً يُقدّمون له المعلومات، فقد صرح رئيس إدارة المخابرات في نظام صدّام فيما بعد خلال مقابلة، بأنه كان يذهب إلى السفارة الأمريكية في بغداد ثلاث مرات في الأسبوع حيث كانوا يعطونه ظرفاً مغلقاً يحتوي كل المعلومات الاستخبارية المصوّرة بالأقمار الاصطناعية والمتعلّقة بحركة وتنقلات القوات المسلحة الإيرانية للاطلاع على تموضعها، كانوا يقدّمون مساعدات كهذه.

 

النظام الإسلامي يقفُ في مواجهة استكبارٍ لديه هكذا خصوصيات، النظام الإسلامي ليس في مقابل الشعوب والناس بل في مقابل الاستكبار. وهكذا كان الوضع من زمان إبراهيم الخليل والنبي نوح والأنبياء العظام ونبي الإسلام وحتى يومنا هذا، جبهة الحق في مقابل الاستكبار. لماذا؟ ما هي طبيعة المواجهة اليوم بين النظام الإسلامي والاستكبار؟
إن الاستكبار بما لديه من الخصوصيات التي ذكرناها، غير قادر على تحمّل نظام إسلامي كنظام الجمهورية الإسلامية في إيران. لأن نظام الجمهورية الإسلاميّة قد وُجد في الأصل كاعتراضٍ على الاستكبار، انطلقت الثورة لتعارض الاستكبار وعملاء الاستكبار في إيران وتشكلت على هذا الأساس، نمت وترعرعت وقويت وتحدّت منطق الاستكبار. لا يمكن للاستكبار أن يتحمّل هذا، إلاّ عندما يُصيبه اليأس، على الشعب الإيراني والشباب الإيرانيين والنشطاء الإيرانيين ولأولئك الذين يؤمنون بوطنهم وترابه لأي سبب من الأسباب ولو كان توجههم غير إسلامي، عليهم أن يقوموا بما يخلق اليأس عند العدو، يجب أن يصاب العدو باليأس.

اليوم من الصعب جداً على الجهاز الاستكباري وعلى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أن ترى أنه في هذه المنطقة الحساسة من العالم، في غرب آسيا (والتي هي من أكثر المناطق حساسية في العالم سواء في البعد السياسي أو البعد الاقتصادي، فالأحداث هنا تؤثر على كل العالم) هناك بلد ونظام وشعب قد نهض ولا يعتبر نفسه مرتبطاً ولا تابعاً لهذه القوّة العظمى (حيث يعتبر الاستكبار نفسه قوّة خالدة) ويتحرك باستقلالية ويخالف الاستكبار بهذا الشكل.

 النظام الإسلامي تمكّن من تجاوز كل هذه المشكلات والصعوبات، وباعترافهم تحدّى النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة ووّسع نفوذه وظهر كنموذج وقدوة لشعوب المنطقة، إن تحمّل هذا الأمر صعب جداً عليهم.

إنهم يريدون أن يقولوا بأنّ حياة الشعوب تتوقف على كونها تعتمد على أمريكا، والآن قد نهض شعب ليس أنه لا يعتمد على أمريكا فقط، بل إن كل عداوات أمريكا له لم تستطيع أن تؤثر فيه، كل ما أقدمت عليه أمريكا ومنذ الأيام الأولى (لانتصار الثورة الإسلامية) لم يؤثر فيه، ونما يوماً بعد يوم وأصبح أقوى أكثر فأكثر.

العداوات التي قامت بها حكومة الولايات الأمريكية المتحدة ورؤساؤها المختلفون منذ بداية الثورة ضد النظام الإسلامي (لا يزعمنّ أحد بأن هذا العمل كان في عهد الرئيس الفلاني والآن لم يعد يحصل في العهد الحالي، كلا، جميعهم متشابهون (ومنذ الأيام الأولى للثورة كانت في عهود رؤساء أمريكيين مختلفين ولكنهم من ذات النوع. في البداية حرّضوا القوميات داخل البلاد، ومن ثمّ حضّروا انقلاباً على الثورة، وبعدها فرضوا على العراق أن يهاجمنا، ثمّ ساعدوا عدوّنا (الذي كان نظام صدام( في الحرب علينا ثم رفعوا راية العقوبات والحظر، ومن ثم أثاروا كل وسائل الإعلام العالمية للوقوف في مواجهة النظام الإسلامي، وقد حصل هذا في عهود رؤساء مختلفين ولا يزال يحصل حالياً. في عهد الرئيس الأمريكي الحالي، أثناء فتنة عام 1388هـ/ش 2009) م (كانت إحدى شبكات التواصل الاجتماعي (التي كان يمكنها أن تستخدم لمصلحة الفتنة والفتنويين) بحاجة إلى صيانة، طلبت الحكومة الأمريكية منها أن تؤجّل عملية الصيانة على أمل أن يستطيعوا، من خلال هذه الأعمال الإعلاميّة وشبكات الفيس بوك والتوتير وأمثالها، أن يُسقطوا النظام الإسلامي. إنها أوهام ساذجة، حمقاء! لذلك لم يسمحوا لهذه الشبكة بأن تقوم بأعمال الصيانة والتجديد خلال تلك الفترة، لقد جنّدوا كل الوسائل والأدوات للوقوف في مقابل نظام الجمهورية الإسلامية، فالعقوبات هي من هذا النوع أيضاً، والحظر أحد هذه الأدوات التي يعتقدون بأنها ستُلحق الهزيمة بنظام الجمهورية الإسلامية. إن خطأهم هو أنهم لم يعرفوا الشعب الإيراني، وخطأهم أنهم لم يتعرّفوا على عامل الإيمان والانسجام لدى شعبنا، وإن خطأهم هو أنهم لم يتعلّموا أي درس من أخطائهم السابقة، لذلك كانوا يأملون أن يُركعوا هذا الشعب بواسطة العقوبات والضغط وما شابه، بالطبع هم مخطئون.

ما هو موجود لدى الجمهورية الإسلامية بعنوان تجربة مستمرة طوال 35 سنة، هو أن اقتدار الشعب وصموده هو العامل الوحيد لإبعاد الإزعاج الذي يسببه العدو، هذا هو العامل الوحيد الذي يمكنه من أن يدفع العدو للتراجع. وبالطبع فإن العدو هو عدوّ، ويستخدم جميع الأدوات، كما ذكرت قد يستخدم الحظر وقد استخدمه سابقاً. نحن يجب أن نعرف ما هو ذلك الطريق الذي يوصلنا إلى الهدف؟

سأذكر بضع الكلمات حول التعبئة الشعبية، ثم سأشير باختصار إلى نقطة حول المسائل الحالية لسياستنا الخارجية. إن التعبئة (وكما قلت) هي مصدر عزٍ للبلاد والنظام. لماذا؟ لأن معنى التعبئة هو الحضور وسط الناس في مجالات النشاطات الأساسية للشعب والبلاد. إن كل حكومة وكل بلد يكون فيها الشعب حاضراٌ ويتحرك نحو جهة محددة، انتصارها سيكون حتمياً. هذا أمر مسلّم. تتعرض البلدان للضربات والهزائم حين لا يكون الشعب حاضراً في الميدان وحينما لا يكون الشعب متحداً في ميدان العمل. حيثما يتواجد الشعب في الميدان ويوجد اتحاد وانسجام بين أفراد الشعب فإن الانتصار والتقدّم حتميان. التعبئة هي نموذج كهذا، هي مظهر من هذا الحضور الشعبي في الميدان وتلاحم الشعوب فيما بينها، ينبغي النظر إلى التعبئة بهذه الرؤية. بالنسبة للصدق (الذي ذكرته في مطلع كلامي) فإنّ التعبئة قد أدّت امتحان الصدق، في الحرب المفروضة، وفي الدفاع المقدّس الذي كان من الأوقات الصعبة للبلاد. وقد نجحت في امتحان الصدق، في كل الأماكن أثبتت منظمة التعبئة ومجموعة التعبئة بأنها تتحلى بالصدق. وبالطبع فإن رأينا بأن التعبئة غير محصورة بهذا العدد المنتسب لمنظمة التعبئة، يوجد الكثير من الأشخاص ممن قلوبهم معكم، يشجعونكم ويؤيدونكم ويكنّون الاحترام والتقدير لكم وهم ليسوا داخل منظمة التعبئة، فهم من التعبئة أيضاً. أولئك الذين يعتقدون بقيمكم ويحترمونكم، يحترمون جهودكم وخدماتكم وجهادكم، هم برأينا من التعبئة أيضاً.

الحضور في الميدان هو من أهم الأعمال، قدرات التعبئة هي قدرات حلاّلة للمشاكل وللعُقد. اليوم ولحسن الحظ، يوجد داخل مجموعة التعبئة شخصيات علمية بارزة، شخصيات فنية بارزة، شخصيات اجتماعية، شخصيات سياسية، ناشطون اجتماعيون، أفراد مؤثّرون في أوساط الناس، هم كُثر وليسوا قلّة، لقد كانت التعبئة وحتى اليوم مجموعة إنسانية تتجه نحو الرشد والتسامي، وينبغي أن تستمر هكذا أيضاً.
 

التعبئة غير محصورة بهذا العدد المنتسب لها، يوجد الكثير من الأشخاص ممن قلوبهم معكم، ويؤيدونكم، وهم ليسوا داخل منظمة التعبئة، فهم من التعبئة أيضاً.

ما أوصي به أنا العبد لله بأنه يجب تقوية مجموعة التعبئة الشعبية ورفع مستواها، ولهذا متطلبات أخلاقية وسلوكية وعملية. المتطلبات الأخلاقية تعني أن ننمّي الأخلاق الإسلامية الحسنة في داخلنا، من جملة هذه الأخلاقيات الصبر، ومنه العفو وكذلك الحلم وسعة الصدر والتحمّل، من جملتها التواضع، فلنقوّي هذه الخصوصيات في داخلنا. والمتطلبات السلوكية هي أن نمارس هذه الأخلاقيات الحسنة عملياً مع الناس ومع المحيط والمجتمع والآخرين. كان الإمام الصادق (عليه السلام) يوصي أصحابه بأن يتصرّفوا مع الناس بحيث يقول كل من يراهم هؤلاء أنصار الإمام الصادق (عليه السلام) (14)، ويترحموا على الإمام فيكون الأصحاب سبباً للتعلق والإعجاب بالإمام.

إن سلوككم مع الناس، أيها الأعزاء التعبويين، فرداً فرداً، أنتم أيها الشباب أيها الطاهرون، أصحاب القلوب الصافية والمنيرة (وكما ذكرت لكم فإن الكثير منهم هم تعبئة بالمعنى الحقيقي للكلمة) ينبغي أن يكون بالشكل الذي يقول عنه الآخرون: هؤلاء هم الذين ربّاهم النظام الإسلامي، ويكون مصدر لجذب المحبّة والاحترام للنظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية. هذه المتطلبات العملية والجهادية والاجتماعية هي أعمال يجب أن تُنجز، أي تقوية الخصال الحسنة في أنفسنا، التعامل الحنون والخدوم المحبب مع المحيط، العمل الجدّي في جميع الجبهات (جبهة العلم وكذلك جبهة الأنشطة والخدمات للناس، وجبهة العمل وجبهة السياسة وجبهة الإنتاج) حيثما كان لكم حضور فلنعمل بشكل جدّي دون إحساس بالتعب ومع تجنّب الكسل.

هذا الجمع العظيم (عشرات آلاف القادة ممن اجتمعتم اليوم هنا) باستطاعته أن يحرّك البلاد بالمعنى الحقيقي للكلمة في جميع الجهات الإيجابية وأن يكون مصدراً للاستقرار والثبات وعاملاً لهيبة النظام، والحمد لله هو كذلك. إن التعبئة الشعبية اليوم هي مصدر لهيبة النظام وافتخاره.
 

ينبغي أن يكون سلوك كل واحد من التعبئة بالشكل الذي يقول عنه الآخرون: هؤلاء هم الذين ربّاهم النظام الإسلامي، ويكون مصدر لجذب المحبّة والاحترام للنظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية.

هناك نقطة أذكرها أيضاً فيما يتعلق بالمسائل الأخيرة وهذه المناقشات في ساحة السياسة الخارجية والمسائل النووية والحوار والمفاوضات وما شابه ذلك. أولاً أنا العبد لله أؤكد على دعم المسؤولين الملقى على عاتقهم الأعمال التنفيذية، لقد دعمت جميع الحكومات، إنني أدعم المسؤولين (المسؤولين في الداخل وفي الخارج) وهذا هو واجبنا. لقد كنت شخصياً مسؤولاً تنفيذياً، كنت في وسط الميدان، أحسست بثقل العمل وصعوبته بكل وجودي، وأعرف أن عمل إدارة البلاد هو عمل صعب لذلك فهم) المسؤولون التنفيذيون في الحكومة( بحاجة إلى المساعدة، وأنا كذلك أساعدهم وأدعمهم. هذا جانب من القضية وهو حتمي. من جانب آخر أؤكد على إحقاق حقوق الشعب الإيراني ومن جملتها الحقوق النووية، إننا نصرّ على أنه لا تراجع عن حقوق الشعب الإيراني ولو بمقدار خطوة واحدة، بالطبع فنحن لا نتدخّل في تفاصيل هذه المفاوضات، يوجد خطوط حمراء، هناك حدود ويجب أن تُراعى، لقد قلنا هذا للمسؤولين وواجبهم أن يُراعوا هذه الحدود، وأن لا يكون لديهم أي وهم ورهبة من تهويلات الأعداء والمخالفين ولا يسمحوا للخوف بأن يتسلل إلى أنفسهم.

 

أؤكد على إحقاق حقوق الشعب الإيراني ومن جملتها الحقوق النووية، إننا نصرّ على أنه لا تراجع عن حقوق الشعب الإيراني ولو بمقدار خطوة واحدة

على الجميع أن يعلموا بأن الحظر الذي فُرض على الشعب الإيراني، سببه الرئيسي هو الحقد الاستكباري لأمريكا، إن حقد أمريكا يشبه حقد الجمل. إنهم يفترضون بأن ضغوطهم قد تجعل الشعب الإيراني يستسلم، إنهم مخطئون، لن يستسلم الشعب الإيراني لأحد. أنتم لا تعرفون هذا الشعب، إنه شعب قادر بحول الله وقوته أن يتحمّل ضغوطكم وتهديداتكم وأن يبدلها إلى فرصة له، وهذا ما سيفعله الشعب الإيراني بتوفيقٍ من الله.

 كان لدينا في مجال التخطيط الاقتصادي والبرمجة الاقتصادية نقاط ضعف. وهذه النقاط سمحت للعدو بأن يشعر بأنه يستطيع النفوذ (التأثير) من خلال الحظر والعقوبات وما شابه ذلك، هذه فرصة لنا كي نتعرّف على نقاط ضعفنا ونزيلها وإن شاء الله سنزيل نقاط الضعف هذه.
ولذلك فإن العقوبات ليست بناءة (مفيدة) بالنسبة لأمريكا، وأنا أظن أنهم يعلمون هذا. والدليل على قولنا، بأنهم يعلمون بأن الحظر والعقوبات ليست فعالة، أنهم يلوّحون بالتهديد العسكري. حسنٌ، إن كان الحظر يحقق هدفكم، فلماذا تهددون عسكرياً؟ هذا يدل على أن العقوبات لا تحقق هدفهم ولا تفيدهم، وبالتالي فهم مضطرون لأن يطلقوا التهديدات العسكرية وبالطبع فإن تهديداتهم هي عمل باعث على الاشمئزاز والمزيد من الكراهية لهم، يهدّدون وبشكل متتالي، فليذهب رئيسهم، أو المسؤول الفلاني والناطق الفلاني، وليصلحوا اقتصادهم المنهار عوضاً عن إطلاق التهديد والوعيد، اذهبوا وقوموا بعمل لا تضطر حكومتكم معه إلى التوقف عن العمل لـ 15 أو 16 يوم، اذهبوا وسدّدوا ديونكم، فكّروا بطريقة لتنظيم عملكم الاقتصادي.

فليعلموا) كما قلنا سابقاً (أن الشعب الإيراني هو مع كل شعوب الدنيا" إمّا أخٌ لك في دينك أو شبيهٌ لك في خلقك "(15) ويحترم الآخرين، لكن تعامل الشعب الإيراني مع المعتدي سيجعله يندم، سيوجه للمعتدي صفعة لن ينساها أبداً. هم يعتبرون أنفسهم ملزمين، أمام الكيان الصهيوني والشبكات الرأسمالية الصهيونية، بأن يطلقوا بعض الكلمات بين الحين والآخر، أن ينطقوا بأمور هي مصدر وهنٍ وذِلّة لهم أيضاً. إن الكيان الصهيوني في الحقيقة كيانٌ أسسه متزلزلة جداً، الكيان الصهيوني محكومٌ بالزوال، الكيان الصهيوني هو كيانٌ تمّ فرضه وإيجاده بالقوّة، ولا يوجد ظاهرة أو موجود يمكن أن يستمر ويبقى إذا فُرض بالقوة وهذا الكيان غير قابل للبقاء.

الكيان الصهيوني محكومٌ بالزوال، الكيان الصهيوني هو كيانٌ تمّ فرضه وإيجاده بالقوّة، ولا يوجد ظاهرة أو موجود يمكن أن يستمر ويبقى إذا فُرض بالقوة
 

إنّ دفاع بعض الأشخاص، الذين هم مدينون بشكل أو بآخر للشبكات الرأسمالية الصهيونية، عن هذا النظام الصهيوني المشؤوم، إنما هو إراقةٌ لماء وجوهِهم. بعض الأوروبيين للأسف يتملّقون أيضاً، يذهبون ليتملّقوا أمام هذه الموجودات التي لا يليق بها حتى اسم الإنسان (زعماء الكيان الصهيوني في الحقيقة هم مثل الوحوش ولا يمكن اطلاق اسم الإنسان عليهم) إن هؤلاء يُصغّرون أنفسهم ويحقرون شعوبهم. في أوروبا وفي يوم من الأيام، كان لشعب فرنسا اعتبار لأن رئيس جمهوريتها في ذلك الزمن رفض انضمام إنكلترا إلى السوق الأوروبية المشتركة بسبب تبعية إنكلترا لأمريكا. أصبح هذا مصدر اعتبار لفرنسا. لقد زادت قيمة حكومة فرنسا حينها لأنها وقفت في مقابل أمريكا ولم تسمح لإنكلترا (التي كانت تابعة لأمريكا) بالانضمام للسوق الأوروبية المشتركة، إنّ قيمة واعتبار شعب ما يتحقّق من خلال هكذا مواقف. والآن فإن مسؤولي ذاك البلد لا يخضعون فقط لأمريكا بل إنهم يذهبون لتحقير أنفسهم وإهانتها أمام الصهاينة المشؤومين، الأنجاس. إنّ هذا مصدر عارٍ للشعب الفرنسي وبالطبع فإنّ عليهم أن يعالجوا الأمر.

هناك جملةٌ أقولها لكم أيها الشباب الأعزاء، أيها الشباب !اعلموا، دون أي تردّد بأن المستقبل المنير والمأمول لهذا البلد وهذا النظام متعلّق بكم، سوف تتمكنون من الوصول ببلدكم وشعبكم إلى ذروة الافتخار، وستبنون بتوفيقٍ من الله، نموذجاً ومثالاً كاملاً للحضارة الإسلاميّة الجديدة على مياه وأرض هذه البلاد، ولكي تُنجزوا هذه الواجبات الكبرى ينبغي أن تنشروا فيما بينكم الدين والتقوى والعفة والطهارة الروحيّة أكثر فأكثر وأن تقووا هذا التوجّه.
إنّ شباب اليوم يحتاج إلى الدين والتقوى والعلم والنشاط في العمل والأمانة والعفّة وكذلك إلى تقديم الخدمات الاجتماعيّة وممارسة الرياضة، هذه خصوصيات يحتاجها الشباب المعاصر وإن شاء الله ستوفّقون يا أعزائي التعبويين للقيام بهذا العمل.

اللهم بمحمدٍ وآل محمد أنزل بركاتك على هذا الجمع وعلى كل التعبويين في البلاد.
اللهم سدّد خطى الشعب الإيراني للوصول إلى قمم الشموخ يوماً بعد يوم.
اللهم بمحمدٍ وآل محمد أرضِ الروح المطهّرة للإمام الخميني عنا وعن هذا الجمع.
اللهم بمحمدٍ وآل محمد أرضِ القلب المقدّس لولي العصر عنا وعجّل في فرج ذلك العظيم واجعلنا من أنصاره والمجاهدين معه والمستشهدين بين يديه.

والسلام عليكم ورحمة وبركاته.

 

الهوامش:

  1. أسبوع التعبئة : هو إحدى المناسبات التي يتم إحياؤها سنوياً من خلال الأنشطة والأعمال المختلفة ومن ضمنها اللقاء السنوي بالقائد الأعلى، الإمام الخامنئي، حيث كان لقاء هذه السنة استثنائيا وأقيمت مراسم غير عادية؛ إذ احتشد أكثر من خمسين ألف قائد تعبوي في مصلى الإمام الخميني والمساحات المحيطة به، واستغرقت كلمة الإمام القائد ساعة وعشرين دقيقة. والتعبئة الشعبية هي أحد التشكيلات الكبيرة في الجمهورية الإسلامية والتي لها امتداداتها في كل الميادين والقطاعات ولا يقتصر نشاطها على العمل الدفاعي والعسكري (حيث كان بارزاً إبان الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية) إنما في مختلف الساحات التي تستدعي وجود العمل التطوعي والمبادرة الفردية وتقديم العون؛ الهدف من وجود التعبئة رفد مؤسسات المجتمع والدولة بالطاقات الواعية والمجاهدة في مختلف المجالات والاختصاصات العسكرية والعمرانية والتعليمية وتقديم العون والمساعدة للطبقات الفقيرة ومساعدة أجهزة الدولة عند الحوادث والحالات الطارئة (كالزلازل والكوارث والحروب و... )، ومن الساحات التي تنشط فيها التعبئة، الجامعات والثانويات والحوزات والمؤسسات الصناعية والحرفية والقطاعات الصحية والاجتماعية.
  2. اللهوف، ص 146، الاحتجاج، ج 2، ص 303.
  3. سورة المنافقون، قسم من الآية 8.
  4. اللهوف، ص 160.
  5. سورة الأحزاب، الآية 7 وقسم من الآية 8.
  6. سورة الأحزاب، الآية 23 وقسم من الآية 24.
  7. سورة الأحزاب، قسم من الآية 8.
  8. سورة الأحزاب، قسم من الآية 15.
  9. سورة الأنفال، قسم من الآية 16.
  10. سورة النحل، قسم من الآية 90.
  11.  من الرسالة 53 من نهج البلاغة.
  12.  24/06/2011.
  13.  للكاتب الأمريكي المعاصر "أليكس هالي".
  14.  من بينها، الكافي، 2، 233.
  15. من الرسالة 53 من نهج البلاغة.