وفي التفاصيل وبمناسبة الذكرى السنوية الـ29 لرحيل مفجّر الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني (قدّس سرّه) زار قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي مرقد الإمام الراحل حيث توجّه سماحته من هناك إلى الشباب العربي بكلمة ألقاها باللغة العربية جاء فيها: أحب أن أخاطب الشباب الغيارى العرب وأقول لهم أن شعوبكم اليوم تعقد الأمل عليكم أنتم أيها الشباب أعدوا أنفسكم لغدٍ تنعم فيه بلدانكم بالحرية والتقدم والاستقلال.
الخضوع للهيمنة الأمريكية، عدم اتخاذ موقف حاسم وحازم من العدو الصهيوني الغاصب، المواقف العدائية تجاه الإخوة والتزلف للأعداء، كل ذلك قد جعل من بعض الحكومات العربية عدوة لشعوبها. وأنتم أيها الشباب تتحملون مسؤولية إلغاء هذه المعادلة الباطلة.
أدعوكم أيها الأعزة إلى أن تكونوا مفعمين بالأمل والابتكار والعمل وبناء شخصياتكم، اهتمّوا ببناء شخصياتكم.
المستقبل يكون لكم إن كنتم أنتم الذين يبنونه اليوم. إن بنيتم المستقبل فتنُّعمه سيعود عليكم. لا تهابوا هيمنة عالم الكفر، وثقوا بوعد الله عزَّ وجل وهذا قوله سبحانه وتعالى يقرر بكل صراحة ووضوح: "أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ" يوم الجمعة هو يوم القدس والدفاع فيه عن الشعب الفلسطيني المقاوم والمجاهد والمضحي هو خطوة رحبة على هذا الطريق. ادعوا الله تعالى لكم ولتوفيقكم ولبقاء صمودكم على هذا الطريق الواضح. والسلام عليكم ورحمة الله.
وخلال هذا اللقاء تحدّث الإمام الخامنئي حول المخطّط الذي ينفّذه الأعداء في مواجهتهم للجمهورية الإسلاميّة قائلاً: يمارس الأعداء ضغوطاً نفسيّة كي يظهروا نقاط قوّة الجمهوريّة الإسلاميّة والتي هي دليل قوّة البلاد على أنّها موضع اختلاف وهم يسعون لبثّ اليأس في أوساط الشعب الإيراني حيال هذه النقاط.
وضرب سماحته مثالاً على ذلك مسألة المنظومة الصاروخية قائلاً: إنّ إنتاج أنواع الصواريخ والقوّة الصاروخيّة سببٌ لإحلال الأمن داخل البلاد. لا يذكر شبابنا أنّ طهران هذه كانت [في يوم من الأيام] تحترق بنيران صواريخ الأعداء التي كانت تنهمر عليها ليلاً ونهاراً؛ كانت البيوت تُدمّر، وكان الناس يقتلون؛ لقد كانت تصل صواريخ الأعداء إلى طهران والمدن المحاذية للجبهة مثل دزفول، والأهواز، وشوش وسائر المدن وصولاً إلى المدن البعيدة. لم نكن نملك الصواريخ، لم نكن نملك وسيلة للدفاع، لقد كنا مجبرين على الوقوف والتفرّج. لقد استطاع شبابنا اليوم جعل البلاد القوّة الصاروخيّة الأولى في هذه المنطقة. يعلم العدوّ أنّه سيتلقّى عشر صواريخ في حال أطلق صاروخاً واحداً.
وتابع قائد الثورة الإسلاميّة حديثه قائلاً: فالصواريخ إذاً هي سببٌ لإرساء الأمن ونقطة قوّة. انظروا كيف يركّز العدو على هذه المسألة. يركّز على مسألة المنظومة الصاروخيّة. وللأسف يقوم البعض داخل البلاد بمجاراة العدو بقولهم: وما الفائدة منها.
وأردف سماحته: من يساهمون في الحرب النفسية التي يشنها العدو في الداخل يسعون اليوم لفرض شكل معيوب من الاتفاق النووي على البلاد. الحكومات الأجنبية تسعى للايهام بأنّه إذا لم يتم هذا الاتفاق فسوف تندلع الحرب والبعض في داخل البلاد يروِّجون لهذا الأمر. وهذا هو الشيء ذاته الذي يسعى إليه الأعداء.
وأشار قائد الثورة الإسلامية إلى مسعى بعض الحكومات الأوروبية إلى الابقاء على العقوبات الاقتصادية وإلى تقييد الجمهورية الإسلامية أنشطتها النووية في الوقت ذاته حيث قال سماحته: أقول جملة قصيرة حول الاتفاق النووي: يبدو أن بعض الحكومات الأوروبية تنتظر من الشعب الإيراني أن يتحمل العقوبات الاقتصادية ويعاني من تبعاتها ويتراجع عن أنشطته النووية في الوقت ذاته التي تعتبر حاجة أساسية لمستقبل البلاد وأن يستمر في تقييد هذه الأنشطة.
وتابع سماحته: أقول لهذه الحكومات لن تتحقق هذه الأحلام الواهية. الشعب الإيراني والحكومة الإيرانية لن يتحملا هذا الأمر؛ لن يتحملا آن يُفرض عليهم الحظر الاقتصادي وأن يُطبّق تقييد الأنشطة النووية والسجن النووي عليهم في ذات الوقت.
كما أعطى قائد الثورة الإسلامية في كلمته اليوم توجيهاته لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانيّة بأن تسارع وتعدّ العدة منذ الغد لبلوغ ١٩٠ ألف سو ضمن إطار الاتفاق النووي وأن تنجز بعض المقدمات الأخرى التي أصدر رئيس الجمهورية المحترم الأوامر المتعلقة بها.

وحذّر الإمام الخامنئي أبناء الشعب الإيراني من التمزّق والتفرّق ودعاهم إلى الثقة بنصر الله تعالى وأضاف سماحته: إننا لا نشكُّ في أنَّ الشعب الإيراني بهذه المحفزات وبهذا الشعور وبهذا الإيمان وبهذا الأمل بتوفيق الله، سيحقق النصر بحول الله وقوته.

وأردف سماحته: نحن نعرف خطة العدو بالكامل، وهي اليوم تتمثل في فرض الضغط الاقتصادي والضغط النفسي والضغط العملي. والهدف من وراء هذه الخطة هو أن يفرض العدو هيمنته على بلدنا العزيز، كما فرض هيمنته وسيطرته على بعض الدول البائسة والتعيسة في المنطقة.. إنهم يفرضون الضغوط والعقوبات الاقتصادية، ولا يهدفون من ذلك الضغط على الجهاز الحاكم وحسب، وإنما يريدون أن يطفح الكيل بالشعب الإيراني في سبيل أن يُرغم النظام الإسلامي على الاستسلام لغطرستهم.
وكان قائد الثورة الإسلاميّة قد استهلّ هذا اللقاء بقوله: مرّت ٣٠ عاماً ونحن نتحدّث حول الإمام الخميني العظيم في مثل هذا اليوم. وسوف يواصل الشعب بعد اليوم أيضاً الحديث حول الإمام وما يجدر فعله هو هذا؛ لأنّ الإمام الخميني أيقونة الثورة الإسلاميّة ولن يبلغ هذا البلد أهدافه وغاياته العظيمة بعيداً عن محرّك الثورة الإسلاميّة القوي والقدير.
وإثر تقارن ذكرى رحيل الإمام الخميني مع ذكرى استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام تحدّث قائد الثورة الإسلاميّة حول أوجه الشبه بين الإمام الراحل ومولى المتّقين الإمام علي عليه السلام قائلاً: إنّ تقارن [الذكرى السنوية لرحيل الإمام الخميني] هذا العام مع ذكرى استشهاد أميرالمؤمنين عليه السلام يجعلنا نستحضر بعض أوجه الشّبَه. فهناك أوجه شبَهٍ بين هذا المُتّبع الصّادق والحقيقي لأمير المؤمنين، وذاك الوليّ الفاضل والعظيم تدفع الشعب الإيراني والأمّة الإسلاميّة للتباهي والتفاخر.
وتابع سماحته قائلاً: إنّ الاهتمام بأوجه الشّبَه هذه هامّ ومفيد في العثور على النهج السليم وللتعرّف بشكلٍ أكبر على شخصيّة إمامنا العظيم.
وتطرّق الإمام الخامنئي إلى أوجه الشبه هذه قائلاً: الوجه الأول من أوجه الشبه بين الإمام الخميني وبين أمير المؤمنين، هو أنَّه قد جُمعت في أمير المؤمنين خصلتان متضادتان بحسب الظاهر: تمثّلت الأولى في «الصلابة والصمود والشدة»، والثانية في «اللطافة والصفاء والرقة».
وأردف سماحته قائلاً: لقد تجلّت هاتان الخصلتان في أمير المؤمنين وبلغتا ذروة كمالهما؛ فكانت الصلابة والشدة أمام كل حركة باطلة وأمام الظلم والظالمين وأمام الانحراف عن سبيل الله وأمام الطغيان والإغواء، واللطافة والرقة في مقام ذكر الله من جانب، وفي مواجهة المظلومين والمحرومين والضعفاء والمستضعفين من جانب آخر.
وربط قائد الثورة الإسلاميّة أوجه الشبه هذه بالإمام الخميني الراحل قائلاً: هاتان الخصلتان كانتا مشهودتين في الإمام الراحل أيضاً. فكان صلباً مقتدراً صامداً أمام الظالمين وأمام الانحرافات، حيث وقف كالصخرة الصمَّاء أمام النظام الطاغوتي البهلوي المنحط، ووقف كالجبل الأشم أمام أمريكا، ووقف كذلك أمام صدام المعتدي في الحرب التي فرضها على الجمهورية الإسلامية، وتصدّى للفتن الداخلية أيضاً، ووقف أمام تلميذه وصديقه القديم أيضاً بسبب تصرّفه غير السّليم ولم يجامله أبداً.
واستطرد الإمام الخامنئي كلامه في هذا المضمار قائلاً: نحمد الله على معاصرتنا لإنسانٍ عظيم تحلّى بأوجه الشّبه هذه مع مولى المتّقين وقائد الأحرار على مدى التاريخ - أمير المؤمنين (عليه السلام)- واستطاع أن يورّث الشعب الإيراني حاصلَ عظمته هذه.
وعدّد قائد الثورة الإسلامية في كلمته بعضاً من خصائص النموذج العملي للإمام الخميني الجليل حيث رأى سماحته أنّ المواجهة الباسلة والنشيطة والمقتدرة لحالات العِداء وعدم الضعف والانفعال، تجنّب الحالات الهياجية والانفعالية والاتكاء على الحسابات المنطقية، مراعاة الأولويات، الاتكاء على قدرات الناس ولاسيما الشباب، عدم الوثوق بالعدو، التأكيد على تآزر الشعب وتعاضده والابتعاد عن إيجاد قطبية ثنائية والإيمان الراسخ بالنصر الإلهي والوعد الإلهي أهم هذه الخصائص التي تمتع بها نموذج الإمام الراحل العملي.