بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الطيبّين الطاهرين المعصومين، سيّما بقيّة الله في الأرضين. 

أولاً عيدكم مبارك! ثانياً قُرّت عيوننا بكلّ هؤلاء المداحين والذاكرين وقارئي العزاء الحسيني. منذ 37 أو 38 عاماً وهذه الجلسة تقام في هذا اليوم، والحمد لله أنّها تتطور وتزدهر يوماً بعد يوم كمّاً وكيفاً، وهذا ذخر ورصيد. أيها الشباب الأعزاء، إنّني أتكلّم معكم، هذا ذخر، إنّه رصيد إنساني قيّم، إن بقي مهملاً عديم الأثر، كان في ذلك ظلم. وإذا ما استهلك هذا الرصيد واستخدم في الاتجاه الخطأ لا سمح الله، لشكّل ذلك ظلماً كبيراً. ولو لم نكن نمتلك هذا الرصيد لما كنّا تحملنا مسؤولية بهذه الجسامة والحجم. لكن هذا الرصيد موجود، وهو رصيد للثورة وللإسلام ولسيد الشهداء ولفاطمة الزهراء، فيجب استخدامه في سبيل الأهداف الحسينية والفاطمية. 
معظم الأشعار التي قرئت كانت أشعاراً جيدة وقد استفدت منها بالمعنى الحقيقي للكلمة، واستمتعت أيضاً بالألحان، لكن ما هو ماثل اليوم أمام شعبنا عبارة عن تبيين معارف الثورة الإسلامية، وهذا ما تستطيعونه أنتم. وقد ذكرت هنا في هذه الجلسة مراراً، أنّكم قد تستطيعون أحياناً، بقصيدة من قصائدكم، أو ببيت من الغزل، أو بأبيات من الشعر المثنوي، أو أحياناً ببيت شعر خاصّ بكم، التأثير في مخاطبيكم ومتلقيكم بمقدار ما يفعل مجلس وعظ كامل، فلا تخسروا هذا الشيء. ينبغي للأشعار أن تكون ذات مضامين قرآنية وإسلامية وبحسب التعبير الشائع بينكم الآن، أن تكون أشعاراً فاطمية وحسينية. أدرجوا أهداف الثورة في الشعر برؤية واضحة، وفكر منفتح وعميق، وألقوها في المجالس والمحافل بأصوات حسنة وألحان جميلة وبأساليب فنية، وسيكون لهذا تأثيره العميق جداً في حركة الشعب الإيراني العظيمة بل في مجمل الحركة الإسلامية والأمة الإسلامية. 
أحياناً أسمع في جلسة لمداح من أهل الفنّ، أنّه لا الشعر ولا المضمون كانا يصبّان في اتّجاه زيادة المعرفة ومضاعفتها، وهذا ذنب، وظلم. إنّكم تمتلكون فنّاً، ولديكم القدرة، والفرصة الآن متاحة أمامكم في المجتمع الإسلامي، ولم تكن هذه الفرصة متاحة دائماً، وهي فرصة مغتنمة في أيّ ساعة وفي أيّ لحظة من لحظات العمر «التاريخي» تتوفر فيها، لذلك ينبغي عدم تفويتها. بمقدورنا اليوم الترويج للإسلام ونشره. ذات يوم كانت هذه العملية ممكنة عن طريق الكتاب فقط وعن طريق المنبر والمحاضرات والخطابات. [أمّا] اليوم فمضافاً إلى ما كان موجوداً في السابق، توجد المدائح والأناشيد الخاصّة بأهل البيت. في السابق ـ أي في زمن الطاغوت ـ لم يكن لدينا كلّ هؤلاء المداحين وكل هؤلاء المنشدين الجيّدين في خدمة أهل البيت. أما اليوم فالعدد كبير والحمد لله، والكمية جيدة جداً والنوعية أيضاً جيدة جيداً، فارفعوا من مستوى هذه النوعية يوماً بعد يوم. 
الأعداء اليوم ينظرون بدقة في زوايا حياتنا أنا وأنتم الشعب الثوري، عسى أن يجدوا نقطة ضعف فينفذوا منها، فشخّصوا مكامن نفوذ العدوّ وقنوات هذا النفوذ واصطفوا في مقابلها. ولا نهدرنّ الوقت، وكلّنا اليوم مسؤولون والواجب ملقىً على عواتقنا جميعاً، وجماعة مداحي أهل البيت أيضاً، من الجماعات المسؤولة في البلاد. فبيّنوا المعارف الإسلامية. 
بالطبع، لغة المدح والمدائح تختلف عن لغة الخطابة والمنبر والمحاضرات. فهنا يوجد الشعر، والخيال، وإظهار الفنّ، والأعمال الفنيّة، لا ضير في ذلك، لكن ينبغي للاتجاه والمضمون أن يكونا الاتجاه والمضمون نفسيهما اللذين نتوقع أن يتجليّا في محاضرة جيّدة، وفي كتاب جيّد، وفي فيلم جيّد. الاتجاه يجب أن يكون الاتجاه نفسه. أعداء الإسلام لم يظهروا حديثاً، أعداء الحقيقة ودين الله قد اصطفّوا وشكّلوا جبهة منذ بداية ظهور دين الله، واليوم أيضاً لا تزال هذه الصفوف قائمة. يقول الشاعر:
مجاری متفرّقة هذه المياه العذبة والمالحة
تجري على الناس إلى يوم النفخ في الصور (2)

وستبقي قائمة موجودة بعد الآن أيضاً. هذه الاصطفافات هي اصطفافات إبراهيم وموسى وعيسى والرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسها. وأنتم اليوم تتموضعون في هذا الصف نفسه الذي كان يتموضع فيه النبي موسى ذات يوم، والنبي إبراهيم في يوم آخر، ورسول الإسلام في يوم، وعمار بن ياسر في يوم، والإمام أمير المؤمنين في يوم. وإذا لم نشخّص صفنا فسنقع في الخطأ. إذا لم نعرف صفّ العدو سنقع في خطأ. لقد لاحظ سيّدنا عمار بن ياسر في حرب صفين وكأنّ بعض أفراد الجيش كانوا مضطربين متحيّرين لا يشخصّون اتّجاه العمل [وجهة المعركة] والهدف منه جيّداً، فشعر بالمسؤوليّة والواجب. وكان عمار اللسان الناطق للإمام أمير المؤمنين، فجاء ووقف أمام تلك الجماعة وقال: أترون هذه الراية ـ راية بني أميّة ـ  في الجبهة المقابلة؟ إنّها الراية نفسها التي كنّا نواجهها في معركة بدر وفي معركة أحد؛ إنها الراية نفسها. 
وأقول اليوم أيضاً، إنّ الراية التي رُفعت بوجه الثورة في منطقة آسيا وفي مناطق أوروبا وأمريكا وفي كلّ منطقة من مناطق العالم، هي تلك الراية نفسها، إنّها الراية ذاتها التي رفعت بوجه إبراهيم وموسى وعيسى. وقد هلك أولئك بينما بقي موسى وعيسى وإبراهيم أحياء. والسبب في بقائهم أحياء أنّ الله تعالى قال للنبي موسى: «إِنَّني مَعَكما اأسمَعُ وَأرى» (3). لا تخافوا، لا تخشوا أحداً، لا تتوّهموا، لا تخطئوا في حساباتكم، فالله معكم. قال: اِنَّني مَعَكما. رجلان أعزلان في مقابل الحشود الهائلة من القوات الفرعونية، وهما بحسب الظاهر لا يمّثلان شيئاً على الإطلاق، ولكنّهما في الواقع يمتلكان كلّ أسباب القوة، لأنّ القوة لله والله يقول إنّني معكما: "إِنَّني مَعَكما أسمَعُ وَأرى". نرى ونسمع ونعلم ما الذي يحدث. هذه هي قضيتنا. ومن لا يصدّق فلينظر في هذه الأعوام الأربعين. فطوال هذه الأربعين عاماً عمل أعداؤنا، وهم قطب القوة المادية في العالم، بكل طاقاتهم وقدراتهم مقابل هذه الثورة، ووقفوا ضدّ هذه المسيرة ووجّهوا الضربات إليها وبذلوا كلّ مساعيهم. والحقّ أنهم بذلوا كلّ جهدهم وفعلوا كل ما أمكنهم فعله. والآن بعد أربعين سنة هم اليوم أضعف من اليوم الأول، ونحن أقوى من اليوم الأول. وهذا دليل على «إنَّني مَعَكما». الله تعالى معنا، «أسمَعُ وأرى»، لكن بشرط واحد: أن تكونوا أنتم مع الله. «إن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم وَ يثَبِّت أقدامَكم» (4). هذا هو الدرس الذي علّمنا إيّاه الإمام الخميني الجليل، ولم نكن نفهمه بدقة، فنحن أيضاً لم نكن نفهم يومذاك عمق القضية جيّداً. لكن ذلك الإنسان الجليل كان يفهمها جيداً ويقول كونوا مع الله، وقد كان هو مع الله. وأن تكونوا أنتم مع الله هو ما أشرت إليه في البداية حيث قلت: انهضوا أنتم بواجبكم. أنتم مداحون لأهل البيت وهذا بحدّ ذاته مفخرة. إنّكم إذ تمدحون الإمام الحسين وفاطمة الزهراء (سلام الله عليها) فإنّكم في الحقيقة تمدحون أنفسكم. يقول الشاعر: 
مادح الشمس مادح لنفسه
ويقول: عيناي بصيرتان غير مُرمَدتين (5)

أي إنّني أبصر وأرى تماماً وأفهم تماماً، أنتم في الواقع تمدحون أنفسكم، وهذه مفخرة كبيرة، فانتفعوا من هذه المفخرة وهذا الموقع وهذه المكانة على أفضل نحو، وأرشدوا الناس إلى أهداف الثورة وإلى ما قامت الثورة من أجله، وهو إيجاد العالم المؤمن، العالم النظيف النزيه الآمن للبشر، العالم الذي يكون بالمعنى الحقيقي للكلمة مزرعة للآخرة. وتحقيق مثل هذا العالم هو هدف الثورة الإسلامية وهو ما يتوفر فيه الرّفاه المادي والهيبة بين الدول، وأيضاً السعادة المعنوية، ويتوفّر كلّ شيء في هذه الحركة العظيمة، هذا ما نطمح إليه. وعلى كلّ واحد منّا مسؤوليّاته، وكلّكم تتحمّلون المسؤوليّة وسوف تنهضون بهذه المسؤوليّة إن شاء الله. 
وما أؤكّد عليه بنحو خاصّ في هذه المرحلة هو أن تركّزوا وتهتمّوا بقضية العائلة والأسرة. لقد عزم العدوّ ـ لا عدوّ إيران أو عدوّ الثورة، بل عدوّ الإنسانية ـ القضاء على نظام الأسرة بين البشر. الأسرة سنّة إلهية. لقد صمّم أعداء الإنسانية أي تيار الرأسمالية العالميّة والصهيونية منذ قرابة المائة عام على القضاء على الأسرة بين البشر، وقد نجحوا في بعض الأماكن. فنجحوا في الأماكن التي كان فيها الناس بعيدين عن الله، وأخفقوا في بعض الأماكن ومنها إيراننا الإسلامية، لكنّهم لا يزالون يسعون. هذه الزيجات الصعبة المكلفة، وهذه الزيجات المتأخرة، وهذا الحدّ والتقليل من إنجاب الأولاد، وهذا الذي يسمّونه بحسب تعبيرهم الخاطئ القبيح «الزواج الأبيض» [المساكنة] ـ وهو من أحطّ أنواع الحياة الزوجية وأخسّها ـ هذه كلّها من أجل القضاء على الأسرة. الترويج للشهوات والقضاء على الحياء والعفّة هي اليوم من مخطّطات العدوّ وبرامجه. فاجعلوا محاربة هذه القضايا ضمن برامجكم، وصبّوا هممكم على جعل شباب هذا البلد طاهراً عفيفاً نقيّ الجيب، واعقدوا العزم على ذلك، فهذا من أفضل الأعمال، ومن أشدّ الأساليب مؤثّريّة في حفظ الثورة وتطوّرها ونموّها، وفي صيانة النظام الإسلامي. 
سررت جدّاً بلقائكم، وأسأل الله أن يشملكم جميعاً اللطف الإلهي، ودعاء الإمام المهديّ المنتظر، وأن تكونوا محطّ عناية السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها). 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

الهوامش:
1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى عدد من المدّاحين والشعراء  أشعاراً وقصائد في فضائل السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ومحامدها. 
2 ـ جلال الدين المولوي، مثنوي معنوي، الكتاب الأوّل.
3 ـ سورة طه، شطر من الآية 46 .
4 ـ سورة محمد، شطر من الآية 7 . 
5 ـ جلال الدين المولوي، مثنوي معنوي، الكتاب الخامس.