عندما يستهدف الأمريكيّون شيئاً لدى حكومة ما أو بلد ما، يحاولون الوصول إلى هدفهم بالتعسّف والضغط. فالضغط هنا بالنسبة لهم وسيلة استراتيجية. لكن إلى جانب هذه الاستراتيجية لديهم أيضاً تكتيك وهو المفاوضات. يضغطون من أجل إتعاب الطرف المقابل وحينما يشعرون بأنّ التعب قد نال منه وأنّه ربّما يوافق الآن يقولون: لا بأس تعالوا نتفاوض. هذه المفاوضات استكمال لذلك الضغط. هذه المفاوضات من أجل قطف ثمار تلك الضغوط والحصول عليها فوراً وتكريسها. هذا هو هدف المفاوضات. إنّهم يمارسون الضغوط وحينما يتعب الطرف المقابل ويشعر، حقّاً، بأنّه لا مفرّ أمامه يقولون: جيد تعالوا الآن لنتفاوض، فيجلسون خلف طاولة المفاوضات ويكرّسون الشيء الذي مهّدوا له الأرضية بالضغوط ويحصلون عليه فوراً. هذه هي المفاوضات مع أمريكا. المفاوضات ليست وسيلة استراتيجية عندهم، استراتيجيّتهم هي الضغوط والمفاوضات تابعة وتتمّة للضغوط.
سبيل مواجهة هذه الحيلة شيء واحد لا أكثر، وهو أنّ الطرف المقابل إذا كانت لديه أدوات ضغط فيجب عليه أن يستخدمها. هذا هو السبيل فقط. إذا استخدم أدوات الضغط تلك فسوف يستطيع إيقاف الطرف الأول؛ سيمكنه إمّا تقليل الضغط أو إيقافه إذا استخدم أدواته. أما إذا انخدع بخدعة الدعوة إلى التفاوض وقال في نفسه «طالما يقول هذا تعال نتفاوض، إذاً فلست بحاجة لاستخدام أدوات الضغط التي أمتلكها، وما الداعي لذلك؟ فلنتفاوض». إذا انخدع بهذا وانزلق وذهب [إلى التفاوض] فمعنى ذلك الخسارة المحتّمة.
هذا هو السبيل الوحيد. نحن نمتلك أدوات الضغط مقابل ضغوط أمريكا. وأدوات الضغط هذه خلافاً لما يريدون الترويج له وقوله، ليست أدوات عسكرية وما شابه. وإذا اقتضت الضرورة فتلك أيضاً موجودة، لكن ما نقصده ليست هذه الأمور ولا هذه الأدوات، لا، لدينا أدوات ضغط. الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها المجلس الأعلى للأمن القومي وأُعلن عنها، هي إحدى أدوات الضغط. حيث قال طالما أنتم تتعاملون بهذا النحو، والأوروبيون لا يعملون بواجباتهم فلن نلتزم نحن أيضاً بتعهداتنا في هذا الجزء وفي هذا الإطار، أي سنخرج نحن أيضاً من التزاماتنا. كان [هذا] عملاً صحيحاً، والخطوة كانت خطوة صائبة. هذه إحدى السبل. إذا لم تستخدموا أدوات ضغطكم فسوف يرتاح باله ولن يستعجل، وسيماطل في الأمر لأنّه يعلم أنّ ضرراً لن يصيبه. أمّا إذا استطعتم استخدام أدوات ضغطكم، عندها سيفكّر بفعل شيء.
إنّ قدراتنا العلمية والتقنية في المجال النووي عالية، ولا نسعى لامتلاك سلاح نووي على الإطلاق، لا من أجل أمريكا، ولا بسبب الحظر، بل بدافع المبادئ. مبادئنا الفكرية لا تجيز تصنيع أسلحة الدمار الشامل من قبيل الأسلحة النووية والكيمياوية وما إلى ذلك، فهي حرام شرعاً. وقد قال لنا البعض: اطلبوا منهم أن ينتجوا [السلاح النووي] دون أن يستخدموه، لا، هذه أيضاً عملية خاطئة، لأنّنا إذا أنتجنا فمعنى ذلك أن نتحمّل إنفاقات وتكاليف باهظة من دون أن ننتفع منها أي انتفاع، وحينما يعلم الطرف المقابل أنّنا لا نعتزم استخدامها، فهذا سيكون كعدم امتلاكها تماماً، لا فرق بين الأمرين أبداً. وعليه، فالإنتاج في حال عدم عزمنا على الاستخدام لا يُعدّ شيئاً منطقياً وعقلائياً على الإطلاق. إذاً، نحن نعارض هذه القضية بنحو مبدئي، وهذه من مبادئنا الفقهية والدينية والشرعية. لا نسعى إلى امتلاك السلاح، لكنّنا نحتاج إلى التخصيب النووي. قد لا تكون هذه الحاجة ملموسة كثيراً في الوقت الحاضر لكنّها ستكون كذلك يقيناً بعد عشرة أعوام. إذا لم نستعدّ اليوم ونرفع من قدرات البلاد في هذا المضمار فعلينا بعد عشرة أعوام أن نبدأ من الصفر. هذا هو منطقنا. وعليه فنحن قادرون على الاستفادة من هذه القدرات وتعزيزها، هذه من أدوات ضغطنا التي توقف الطرف المقابل. وعليه، فهذا الكلام الذي يُطرح ويقول فلنتفاوض الآن ليس صائباً.
ومن حسن الحظّ الآن، أنّ مسؤولي البلاد جميعاً متفّقون على هذا الأمر، أي إنّ المسؤولين التنفيذيين، والمسؤولين الدبلوماسيين، والمسؤولين التنفيذيين السياسيين في البلاد متفقون كلّهم على عدم صوابيّة التفاوض مع الأمريكيّين. ليس فقط مع هذه الحكومة الأمريكية خاصّة، لا، فسلوك الحكومة الأمريكية السابقة أيضاً – حكومة أوباما – لا يختلف اختلافاً جوهرياً أساسياً عن سلوك هذه الحكومة، الظواهر كانت تختلف أما الباطن فواحدة. إذاً، الكلّ متّفقون اليوم على هذا الأمر. ليعلموا هذا، وهو أنّنا بلا شك لن ننخدع بحيل الأمريكيين في هذا المجال. قرار المجلس الأعلى للأمن القومي هو هذا حالياً، ثمّ، بعد ذلك سنفعل كلّ ما تقتضيه المصلحة والضرورة؛ أي إنّ التوقف عند هذا الحدّ دائماً لا معنى له، إنّما هذا هو الوضع الراهن، وإذا اقتضت الضرورة ولزم الأمر، فيمكن في المرحلة اللاحقة استخدام أدوات ضغط أخرى.
~الإمام الخامنئي ٢٠١٩/٥/٢٩