ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان "ربيع القرآن" بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.
..........
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
سورة المائدة المباركة ﴿١٠٥﴾
الانتقال من عبادة الأنا إلى عبادة الله عزّوجل
الإسلام ينظر للإنسان من زاويتين، وهاتان الزاويتان تكمل إحداهما الأخرى. يمكن لهذا الأمر أن يشكّل ركيزة وأساساً لكافّة شؤون البلاد العامّة، كما أنّنا بالاستعانة به سوف نكتب وصفات لمستقبلنا المشرق. هاتان الزاويتان التي ينظر الإسلام من خلالهما إلى الإنسان، إحداهما النظرة إلى الإنسان كفرد، فهو ينظر إلى الإنسان كمخلوق لديه عقل وإرادة ويخاطبه؛ ويطالبه بمسؤولية تمنحه المكانة، وسوف أشرح ذلك. والنظرة الأخرى للإنسان هي نظرة كليّة شاملة ونظرة للبشر كمجموعة. هاتان النظرتان منسجمتان وتكمّل إحداهما الأخرى.
وفي النظرة الأولى التي هي نظرة الإسلام إلى الإنسان كفرد، يخاطب الإسلام فرداً واحداً. والإنسان هنا سائرٌ يخطو على المسار، فعندما يسير ضمن المسار الصحيح، سوف يسوقه هذا الطريق نحو ساحة الجمال والجلال الإلهي ويُدخله إياها؛ ويوصله إلى الله عزّوجل؛ ”يا أيّها الإنسانُ إنّكَ كادحٌ إلى ربّكَ كدحاً فملاقيه“(١). لو أردنا تعريف هذا المسار، يُمكننا اختصار ذلك بالقول أنّ هذا المسار هو عبارة عن أن ينقطع الإنسان عن مسار عبادة الأنا لكي يصل إلى عبادة الله عزّوجل. هذا هو المسار الصحيح والصراط المستقيم. مسؤولية الإنسان كفرد ضمن هذه الرؤية هي أن يطوي هذا المسار. وكلّ فرد منّا مخاطب بهذا الخطاب؛ ولا يختلف الأمر إذا شاركنا الآخرون السير على هذا المسار أم لم يفعلوا؛ أو عمّ الكفر والظلمات العالم أو تجلّى نور الإيمان. مسؤوليّة كلّ فردٍ كفرد هي أن يخطو على هذا المسار؛ ”عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم“. عليه أن يقوم بهذه الحركة؛ الحركة من الظّلمة نحو النّور، ومن ظلمة الأنانيّة نحو نور التوحيد. حسناً، ما هو الطريق الموصل إلى هذا المسار؟ علينا أن نخطو في مسارٍ في نهاية الأمر؛ ونحتاج إلى طريق يوصلنا إليه، هذا الطريق هو عبارة عن أداء الواجبات وترك المحرّمات. الإيمان القلبيّ هو المحرّك الذي يدفع الإنسان لقطع هذا المسار؛ والملكات الأخلاقيّة والفضائل الأخلاقيّة، تمثّل زاد هذا المسار، الذي يسهّل على الإنسان رحلته وحركته؛ ويزيدها سرعة.(٢)
كلّ الأعمال مقدّمة لإصلاح الذات، وإصلاح الذات هدفه رضا الله عزّوجل!
عندما يكون البشر جادّين في إصلاح الأخطاء والمفاسد، يتعبّد أمامهم الطريق إلى الله وتكون عاقبتهم عاقبة حسنة. المشكلة في عملنا نحن البشر تكمن في الغفلة عن أخطائنا، والغفلة عن ضرورة المبادرة إلى الإصلاح، والغفلة عن تطبيق الإصلاح على أنفسنا. عندما تزول هذه الغفلة ويحلّ مكانها هذا العزم، يصلح كلّ شيء. في المرحلة الأولى -التي هي مرحلة تمهيديّة ومن أعظم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا- نَصلُحُ نحن، وهذا هو الأمر الأساسي؛ أي أنّ الأعمال كلّها مقدّمة لإصلاح الذات؛ وكلّ الأعمال مقدّمة للفوز بالرضا الإلهي؛ ”عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم“(٣). (٤)
لا تنظر إلى مخالفة الآخرين للأوامر!
حياتنا كلّها كحرب أحد. عندما نتصرّف بشكل جيّد، ينهزم العدوّ؛ لكن بمجرّد أن تجذب عيوننا الغنائم ونرى بعض الأشخاص يجمعون الغنائم، ويغلبنا الحسد فنترك متاريسنا ونتّجه صوب جمع الغنائم، تتبدّل الأمور كلها. وقد رأيتم كيف أنّ كلّ مجريات الأمور تبدّلت في حرب أحد! وطوال التاريخ الإسلامي، تكرّرت حرب أحد مرات عديدة.
نداء الشهداء لنا هي أن لا تستسلموا لوساوس الغنائم. ونداؤهم موجّه إليّ وإليكم ولجميع الذين يحترمون هذه الدماء الطاهرة المسفوكة بغير حقّ. لا تنظر إلى مخالفة فلان للأوامر وانشغاله بجمع الغنائم. ”عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم“.
في ذلك اليوم الذي استشهد فيه شهداؤنا الأعزّاء في الجبهات؛ كان البعض منشغلين بكسب الأموال، والبعض منشغلين بالاستغلال وارتكاب الخيانة. هؤلاء الشهداء لم يكترثوا لهم وذهبوا وكانت النتيجة أنّهم استطاعوا الحفاظ على النظام الإسلامي؛ وكلّ واحدٍ منهم اليوم مشعّ كما الشمس والنجوم.(۵)
الهوامش:
1) سورة الانشقاق؛ الآية ٦
2) كلمته في لقاء الطلاب الجامعيّين في جامعة فردوسي في مشهد ١٥/٥/٢٠٠٧
3) سورة المائدة؛ الآية ١٠٥
4) كلمته في لقاء مع مسؤولي النظام ٣٠/١٠/٢٠٠٥
5) كلمته في لقاء مع عوائل الشهداء ٧/٥/١٩٩٧