يشير الدكتور ولايتي إلى تجربة مشاركته في اللقاءات الخارجيّة لقائد الثورة الإسلامية طوال أعوام مديدة بعد انتصار الثورة الإسلامية، فيعتبر أنّ هذا اللقاء واحد من اللقاءات الاستثنائية للإمام الخامنئي ويتابع قائلاً: بعد تفشّي فيروس كورونا، لم يعقد الإمام الخامنئي أيّ لقاء خارجي ونظراً لضرورة التقيّد بالتعليمات والحدود، إضافة لاهتمام سماحة قائد الثورة الإسلامية بضرورة التزام جميع الناس في المجتمع بالتعاليم الطبيّة، فإنّ هذا بالتالي ينبغي أن يسري على سلوك وكلام الإمام الخامنئي لكونه قدوة، عليه، لم يجرِ قائد الثورة الإسلامية أي لقاء مباشر. لكن نظراً لأهميّة هذه الزيارة ورغم بعض المخاطر التي ترافق تفشي هذا الفيروس، تمّ اللقاء بشكل مباشر وهذا إنّما يدلّ على الاهتمام الخاصّ للجمهورية الإسلامية بعلاقتها مع العراق، حيث أنّ قائد الثورة الإسلامية الذي يعتبر قائد التحرّكات الاستراتيجيّة المهمّة في مجال السياسة الخارجيّة، يجري هذا اللقاء لكي يذكّر الشعبين الإيراني والعراقي وشعوب المنطقة والعالم بمدى الأهميّة التي تحوزها العلاقة بين كلا البلدين.
ثمّ تطرّق مستشار قائد الثورة الإسلامية للحديث حول النقطة التالية لأهميّة هذا اللقاء، نظراً إلى أنّ تعيين السيّد مصطفى الكاظمي جاء نتيجة لتوافق القوى الداخليّة في العراق، فيضيف قائلاً: لا يستطيع أحدٌ في العراق أن يستلم أهمّ مسؤولية ومكانة حكومية دون أن يحظى بتوافق وطني، وهذه نقطة بالغة الأهميّة. كان اللقاء مهمّاً في الشكل، والتوقيت، والمكان والمضمون.
وأشار الدكتور ولايتي أيضاً إلى بعض الأمور في كلام قائد الثورة الإسلامية، وأردف قائلاً: لقد صرّح الإمام الخامنئي بأنّ أعدى أعداء إيران وبلدان المنطقة هي أمريكا وينبغي أن نحدّد موقفنا مع أكبر عدوّ لبلدان المنطقة، وإيران والعراق. الأمريكيّون اغتالوا على أرض العراق الضيف الرّسمي لحكومة وشعب هذا البلد، الشهيد الجليل الفريق الحاج قاسم سليماني ومعه مضيفه أي الشهيد أبومهدي المهندس، وهذه تُعدّ أعظم جريمة للأمريكيّين ضدّ إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية. لا شكّ طبعاً بأنّ الأمريكيّين ارتكبوا قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران جرائم عديدة ضدّ شعبنا وأهمّها كان انقلاب ٢٨ [شهر] مرداد ضدّ الحكومة الوطنيّة في إيران (حكومة مصدّق)، حيث أسقطوا الحكومة الوطنيّة وجاؤوا بحكومة عميلة ارتكبت أعظم الجرائم قبل انتصار الثورة كالمجزرة التي ارتكبت في ٢٨ مرداد ولاحقاً في ١٥ خرداد (هجري شمسي) وكان الأمريكيّون المحرّك الأساسي في الكواليس وبشكل مباشر. لكن، تمّ أيضاً ارتكاب جرائم متعدّدة بعد انتصار الثورة الإسلامية ولا شكّ في أنّ أهمّها هو اغتيال لواء الإسلام وإيران العظيم الشهيد الحاج قاسم سليماني. لذلك فإنّ الجمهورية الإسلامية في إيران لن تغفر هذه الجريمة وستنتقم من الأمريكيّين. النقطة المهمّة الأخرى هي أنّه من الطبيعي أن لا يتغاضى العراق عن هذه الجريمة، لأنّها كانت إهانة كبيرة بحقّ العراقيّين أيضاً، وكانت الحكومة العراقيّة المستقلّة والقويّة تستضيف أحد ضيوفها عندما تمّ اغتياله بواسطة المحتلّين الأمريكيّين، ومن الطبيعي أن لا تتغاضى الحكومة العراقيّة عن هذا الأمر، لذلك كانت ردّة الفعل الأولى الجديرة بالثناء والتقدير اتّخاذ البرلمان العراقي قراراً بناء على إرادة الشعب بطرد الأمريكيّين من هذا البلد.
وأكّد الدكتور ولايتي: هذا لا يعني تدخّل إيران بشؤون العراق الداخليّة ولا تتدخّل الجمهوريّة الإسلامية في إيران إطلاقاً في الشؤون الداخليّة لأيّ بلد، والعراق من بين هذه البلدان، بل إنّ الشعب العراقيّ نفسه وبأكثريّة يُعتنى بها في البرلمان العراقي صوّتت على قرار طرد الأمريكيّين وهذا ما سيتحقّق إن شاء الله. ولا شكّ في أنّنا نتوقّع من العراق كبلد صديق وشقيق ومن شعبه أن يردّوا على قتل الأمريكيّين لضيفهم ومضيفهم، فقد كان المضيف قياديّاً مهمّاً في الحشد الشعبي كالشهيد أبومهدي المهندس وكان ضيفه الحاج قاسم سليماني، تلك الشخصية العظيمة في التاريخ المعاصر وفي تاريخ إيران النضالي؛ ولا شكّ في أنّ الشعب الإيراني لا يغفر إراقة دماء الشهيد الحاج قاسم سليماني.
ثمّ صرّح الدكتور ولايتي قائلاً: الأمريكيّون أعظم أعدائنا اتّخذوا من الأراضي العراقيّة عشّاً لهم، وهذا خطيرٌ للغاية، ومن الطبيعي أن يكون توقّعنا طرد هذا العدوّ اللدود من الأراضي المحاذية لحدودنا، وسوف يُنجز ذلك الأمر ويكون ما قرّره الشعب العراقي، كما ينبغي التأكيد على أنّ تواجدهم في العراق يضرّ بالشعبين العراقي والإيراني.
ثمّ تطرّق مستشار الإمام الخامنئي في الشؤون الدوليّة للحديث حول عمق العلاقة التي تجمع بين إيران والعراق، وتابع حديثه قائلاً: قلّما تجدون شعبين كشعبي إيران والعراق يمتلكان كلّ نقاط الاشتراك التاريخيّة، والعقائديّة، والثقافيّة والشعبيّة هذه، فهناك تردّد بين البلدين لأكثر من خمسة ملايين زائر بشكل سنوي، وهذا ما قلّ نظيره حول العالم وإنّما يدلّ على عمق هذه العلاقة. فرض صدّام حرباً استمرّت حوالي الثمان سنوات على كلا الشعبين العراقي والإيراني، لكن بعد أن أزيل هذا العائق وذهب صدّام حسين إلى الجحيم وبات قرار الشعب العراقي بيده، بدأ التواصل بين البلدين وتطوّرت الأمور بحيث أنّ العراقي لا يشعر في إيران كما أنّ الإيراني لا يشعر في العراق بأنّهما خاضاً حرباً استمرّت ثمانية أعوام، والحقيقة هي أنّ هؤلاء لم يكونا من الأساس يخوضان حرباً ضدّ بعضهما البعض. والشعب العراقي ناضل إلى جانب الشعب الإيراني بتأسيس فيلق بدر وسائر التنظيمات ضدّ حكم صدّام حسين الدكتاتوري وقدّم الشعب الإيراني أعظم التضحيات من أجل الشعب العراقي، فمن الطبيعي أن يتّحد كلا الشعبين العراقي والإيراني ويتكاتفوا ضدّ تنظيم تكفيري كداعش تسبب بالعديد من المشاكل وارتكب العديد من الجرائم ضدّ الشعب العراقي، كما أنّه من صنع الأجانب في الإقليم وعلى المستوى الدولي. لقد تكاتف كلا الشعبين العراقي والإيراني وحاربوا داعش حتّى قضوا على هذا التنظيم التكفيري الذي صدّرته أمريكا والسعوديّة.
أضاف الدكتور ولايتي: إيران بصفتها بلداً جاراً وبناء على دعوة شعب وحكومة العراق، أرسلت شبابها لكي يقاتلوا إلى جانب الشباب العراقيّين ضدّ الحكم التكفيريّ وقد امتزجت دماء الشباب الإيرانيّين والعراقيّين، ولا توجد علاقة أقوى من علاقة الدّم بين الشعبين.
وأشار الدكتور ولايتي إلى الخطوات التي اتخذتها سائر البلدان الجارة للعراق، وأردف قائلاً: من جهة أخرى صدّر بعض جيران العراق على مدى ١٥ أو ١٦ عاماً الإرهاب إلى العراق، والأمريكيّون يكذبون في ادعائهم محاربة داعش، حيث وصل الأمر بترامب في مناظراته الانتخابية بأن يقول للسيدة كلينتون بأنّك أوجدت داعش عندما كنت وزيرة للخارجيّة ودعمت نشوء داعش في العراق، وأنّ الأمريكيّين هم من صنعوا داعش ولقوا دعماً من بعض بلدان المنطقة كالسعوديّة، وهذا في حقيقة الأمر تدخّل في شؤون العراق. إيران لم تتدخّل أبداً، وإنّ الشعب الإيراني والقوى الثوريّة سارعوا إلى نصرة الشعب العراقي عندما تلقّوا دعوة من حكومة العراق الوطنيّة وشعب هذا البلد.
وشدّد مستشار قائد الثورة الإسلامية على أنّه من الطبيعي أن تكون العلاقة بين البلدين مميّزة واستثنائية، وأضاف قائلاً: النقطة التي صرّح بها الإمام الخامنئي فيما يخصّ أساس الانتقام من المتسبّبين باستشهاد الحاج قاسم سليماني هي كلام استراتيجي ومصيري في المنطقة والمشهد الدولي، حيث ذكّر سماحته بأنّنا لا نزال مصمّمين على الانتقام وهذه بداية تذكير استراتيجي بوقوع تطوّرات إيجابيّة في المستقبل على المستوى الإقليمي سيؤول إلى أن يكون مصير المنطقة بيد بلدان هذه المنطقة. وواقع الأمر هو أنّ إيران، والعراق، وسوريا، ولبنان وفلسطين ومحور المقاومة سيحدّدوا مستقبل ومصير المنطقة إن شاء الله دون أيّ تواجد للأمريكيّين وسوف يلقون نتيجة وجزاء الجرائم التي ارتكبوها، وكما أنّ الشعب الإيراني لا يسامحهم، فإنّ الشعب العراقي لن يغفر لهم أيضاً.
ولفت الدكتور ولايتي إلى قضيّة المرجعيّة في العراق وشدّد قائلاً: النقطة بالغة الأهميّة التي تكرّرت في كلام الإمام الخامنئي في لقاءاته السابقة والحالية بالمسؤولين العراقيّين هي تأكيد سماحته المستمرّ على أنّ وجود سماحة آية الله العظمى السيّد السيستاني في العراق نعمة عظيمة ينبغي أن نعرف قدرها ونعرف حجم الدور الكبير الذي يلعبه سماحته في بقاء الشعب العراقي متّحداً، ومنسجماً وعزيزاً يخطو في كلّ يوم خطوة نحو التقدّم. فسياسة قائد الثورة الإسلامية الدائمة هي التأكيد على اتباع تعليمات المرجعية العظمى في النجف الأشرف، أي سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني.
وفي معرض آخر من كلامه أشار مستشار الإمام الخامنئي في الشؤون الدوليّة إلى نقطة مهمّة وردت في كلام قائد الثورة الإسلامية، قد لا تسعف ذاكرة البعض التاريخيّة على تذكّرها وعليهم أن يستوعبوا هذا التحليل ويدركوا مدى عمقه: مع بدء احتلال العراق عام ٢٠٠٣ من قبل الأمريكيّين، اختاروا ممثّلاً للحكومة الأمريكيّة من أجل أن يحكم العراق، وكانوا يتصوّرون أنّ الأمور شبيهة بالقرن التاسع عشر حيث شهدت الهند استعماراً بريطانيّاً وكانت بريطانيا حينها تعيّن نائباً لسلطنته وكان بريمر أشبه بنائب للسلطة الأمريكيّة في العراق، غافلين عن أنّ الشعب العراقي شعبٌ مختلف، وشجاع يمتلك جذوراً حضاريّة عميقة، ومقاوم وثابت في الحفاظ عن استقلال بلده، وكان من الواضح أنّه يرفض ممثّل الحكومة الأمريكيّة المعتدية ”بريمر“ كحاكم له، ولذلك هرب سريعاً واستطاع الشعب العراقي إسقاطه، ولم يدعوا له حكماً بل سلّموا حكم العراق لممثّلي الشعب العراقي. لقد كان بريمر في الحقيقة رمزاً لما حصل في القرن التاسع عشر، حيث كان الأمريكيّون يحاولون تطبيق سياسة بريطانيا في القرن التاسع عشر في الهند، ولم يسمح الشعب العراقي الشجاع والمناضل لهم بهذا الأمر.
وختم الدكتور ولايتي كلامه بالإشارة إلى مكانة الحشد الشعبي قائلاً: الحشد الشعبي نعمة عظيمة في الحقيقة للشعب العراقي، حيث بادر الشباب المتديّنون، والثوريّون والوطنيّون للدفاع عن البلد، والعزّة، والوحدة والتلاحم وإن كلّف ذلك دمائهم، وهذا إنّما هو نتيجة لفكر العراقيّين ويدلّ على أنّ العراق هو نفس ذلك العراق الذي لطالما كان له دورٌ مهمّ في تاريخ الإسلام، فبغداد في التاريخ الإسلامي كانت مركز الجغرافيا السياسيّة للعالم الإسلامي وكانت واحدة من أقوى الدول العربيّة وهم يملكون كلّ المقوّمات المؤثّرة في تكوين شعبٍ قويّ ومتجذّر، كما أنّهم شعبٌ استثنائي في الجوانب المعنويّة والثقافية ويملكون نعماً وقدرات كبيرة.