لقد أضحت فعلاً شهادة الشهيد سليماني حدثاً تاريخيًا وعجيباً؛ لم يكن ليتوقّع أحدٌ أن يكتسب هذا الحدث مثل هذه العظمة. جرى تشييعه في مختلف مدن إيران، إضافة إلى ذاك التشييع المهيب في العراق، ولو تقرّر أن يأخذوا جثمان الشهيد إلى سوريا ولبنان وباكستان، لتكرّر هذا الحدث أيضاً. لقد حوّلت غيرة الأمّة الإسلامية هذا الحدث إلى فرصة.
خلال حكم نظام الطاغوت (البهلوي) جرى تهديد المئات من كبار الشخصيّات في مختلف التيّارات السياسيّة والذين كانوا من أهل الكفاح والنّضال، من اليسار، اليمين، الماركسيّين وآخرين وتعرّضوا للتعذيب، أو جرى إعدامهم، لكن لم يترك ذلك أيّ تأثير في البيئة الاجتماعيّة للنّاس. لكنّهم حين كتبوا أربعة أسطرٍ في إحدى الصّحف ضدّ الإمام الخميني، أطلق أهالي مدينة قم هذه النّهضة العظيمة؛ لم يكن هذا الحدث ليقع لو لم يكن محور هذا الحدث أحد المراجع، بصفته عالم دين قياديّ ومناضل.
نظام الجمهوريّة الإسلاميّة مظهر الاعتقاد الدينيّ للناس وهو نابعٌ من الرؤية الثوريّة المنبثقة عن الدّين تجاه القضايا الحاليّة في البلاد والعالم؛ ومن هذه الناحية تعارض أمريكا التي هي رأس الاستكبار الجمهوريّة الإسلاميّة. وعندما يقول البعض لماذا تهتفون "الموت لأمريكا"، فهذه نظرة سطحيّة للأمور. عمق القضيّة هو أنّ طبيعة الاستكبار تعارض ظاهرة مثل الجمهوريّة الإسلاميّة التي يشكّل الدين كلّ شيء فيها وهي مرتبطة بتفسير علماء الدين وهي حركة دينيّة.
لا زالت الحسابات الخاطئة لأمريكا في جهاز حساباتها مستمرّة؛ والنموذج على ذلك قضيّة استشهاد شهيدنا العزيز، الشهيد سليماني؛ ما الذي كانوا يتوقّعونه، وما الذي حصل! كانوا يظنّون أنّه بالقضاء على الشهيد سليماني، ستنطفئ نهضة الحركة العظيمة التي مثّلها وكان رمزها. لكنّكم تلاحظون أنّها تعاظمت؛ وهذه الحركة العظيمة في الذكرى السنويّة الثانية لاستشهاد الشهيد سليماني لم تكن سوى قوّة إلهيّة، هي يد القوّة الإلهيّة.
واحدة من المخططات التي يتابعها أعداء الثورة ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة بقوّة هي عبارة عن إزالة الحساسيّة تجاه مبادئ وبيّنات وأسس الثورة الإسلاميّة. فإذا تعرّض أحدهم لأسس الثورة، سوف يتّخذ الناس موقفاً. يريدون أن يقلّلوا هذه الحساسيّة تدريجيّاً. هذا الأمر يحدث عن طريق الممارسات الإعلامية الضخمة التي تتمّ هذه الأيام في الفضاء المجازي ووسائل الإعلام الأجنبيّة بمختلف الأساليب.
حركة الشعب المهيبة، تحريك وإطلاق الأمواج لهذا المحيط الهائل، هذا ما يقدر عليه العالم الديني فقط، هذا عمل المرجع الدينيّ فقط، ومن هنا يمكن فهم سرّ معاداة القوى المستكبرة حول العالم لعلماء الدين، العلماء السياسيّين، الدين السياسيّ والفقه السياسيّ. لأنّ حضور هؤلاء حضور مناهضٌ للاستكبار والاستعمار.