بسم الله الرحمن الرحيم،

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.

أرحّب بالحضور الكرام والضيوف الأعزاء جميعاً. للحق والإنصاف هذا الاجتماع ممتاز ومتميز. يمكن للمرء أن يرى مظهراً من مظاهر الانسجام والتآزر الدولي لجمع محدد من المسلمين في هذا المجمع.

المجمع العالمي لأهل البيت (ع)[1] مركز مهم ومركز عظيم. هذا المركز تابع لأهل البيت (ع)، وأهل البيت (ع) يتمتعون بعظمة ومحبوبية لا نظير لهما في العالم الإسلامي، إذ لا يمكن العثور على أي من شخصيات العالم الإسلامي يتمتعون بمحبوبية كالتي لدى أهل بيت النبي - عليهم الصلاة والسلام - في العالم الإسلامي. من الطبيعي أن تنتقل هذه المحبوبية وهذه العظمة وهذا الجلال والبهاء الرّوحي إلى مجمعكم هذا الذي تم تشكيله باسم أهل البيت (ع). إذاً، من هنا ينال الأهمية والعظمة. فتجب الاستفادة من هذه العظمة. الألقاب والأسماء وسيلة وسبب، ولا بد من الوصول إلى نتيجة. ما النتيجة؟ هي أنّ هذا المركز يجب أنْ يكون محط اهتمام واستلهام من المسلمين كافة. إنّ إنجازكم هو أنْ تتمكنوا من جعل هذا المركز المهم، أي المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، مركزاً لمنح الإلهام للعالم الإسلامي وقلوب الأشخاص المريدين والمشتاقين وأرواحهم، في أنحاء العالم الإسلامي شتّى.

أودّ أن أطرح بعض النقاط في هذا الاتجاه. النقطة الأولى أن هناك حِملاً ثقيلاً على أكتاف أعضاء هذا المجمع. هذه الجملة المشهورة للأئمة (ع)، حين قالوا: «كونوا لنا زيناً»[2]، موجّهة إلينا جميعاً، فينبغي أن نكون حريصين كلنا، والأمر أكثر توكيداً لكم. تتطلب أهمية عملكم أخذ هذه الجملة، «كونوا لنا زيناً»، بالاعتبار أكثر لدى هذا المجمع ومجموعة الأشخاص والأفراد في هذا المجمع نفسه. حسناً، إذا أردنا أن يتحقق ذلك، يجب أن نجعل هذا المجمع مقراً لنشر معارف أهل البيت (ع). إن معارفهم – هذه النقطة هي المهمة - لا تختص بجزء من قضايا الحياة، فكلّ مَن يرجع إلى كلمات أهل البيت (ع)، يقرّ بأن معارفهم هي مجموعة عظيمة من القضايا العامة والمعارف الإلهية والتوحيد والعرفان والروحانية والأخلاق والواجبات الشخصية والفردية والأسرية والاجتماعية إلى واجبات إدارة الدولة وبناء الحضارة، أي تشمل مجموعة معارف أهل البيت (ع) هذه الأمور كلها.

المجتمعات الإسلامية بحاجة إلى هذه الأمور كلها اليوم. في أي دولة إسلامية تنظرون إليها، سترون أنها بحاجة إلى كل من القضايا المعرفية وكذلك العملية، فهم بحاجة إلى هذه المعارف سواء في البيئة الفردية والنطاق الفردي، أو نطاق المجتمعات الصغيرة، أو المجموعة الحضارية والسياسية الكبيرة. العالم الإسلامي بحاجة اليوم إلى هذه المعارف، فهذه فجوة [يجب ملؤها]. يمكنكم بالتخطيط الدقيق والصحيح وبالجهود الجادة على مستوى العالم الإسلامي وبأساليب معقولة - الأدوات المؤثرة كثيرة اليوم - أن تنشروا معارف أهل البيت (ع) في مختلف المجتمعات وكذلك النخب وأفراد الناس. هذه نقطة، وفي اعتقادي أنها مسؤولية ثقيلة على عاتق هذا المجمع.

النقطة التالية أن أتباع أهل البيت (ع) يفتخرون بأن الخطوة الأهم في مواجهة النظام الاستكباري ونظام الهيمنة كانت من قِبلهم. ثمة شعارات كثيرة تُطلق [لكن] ما حدث على أرض الواقع شيء واضح ومحدد، هو راية الجمهورية الإسلامية. يفتخر التشيّع بأنّه تصدّى بصدره لنظام الهيمنة وأوقف هذا التنين ذي الرؤوس السبعة الذي كان يتدخّل في شؤون حياة الدول والحكومات والشعوب كلها بأسلوب ظالم ومتجبّر. هم أنفسهم اليوم يقرّون بأنّ كثيراً من رغباتهم أوقفتها الجمهوريّة الإسلاميّة وعطّلتها. هذه واحدة من مفاخر نظام الجمهوريّة الإسلاميّة والشيعة، وهي لم تكن إلا بسبب الاستلهام من كلمات أئمّة الهدى (ع) وأهل بيت النبي (ص). هؤلاء هم الذين شجّعونا وحثّونا على التدبّر في القرآن والاستلهام منه، فهم الذين بيّنوا لنا المعارف القرآنيّة وأفهمونا بسيَرهم العمليّة كيفيّة العمل، بدءاً من أمير المؤمنين (ع) نفسه وصولاً إلى الإمام العسكريّ (ع).

حسناً، راية الجمهورية الإسلامية هذه هي راية العدالة والروحانية. هذا يعني أنه لا شيء مبهم هنا. راية الجمهورية الإسلامية هي تلك الراية عينها التي رفعها الأنبياء (ع) والأئمة (ع). أنتم تصرّحون في زيارات كثيرة سواء زيارة الإمام الحسين أو زيارة الإمام الرضا - سلام الله عليهما - بوراثة هؤلاء الأجلاء للأنبياء (ع): «السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله»[3]. إنها تلك الراية نفسها. إنها راية الأئمة (ع) والأنبياء (ع)، وشعار هذه الراية هاتان الكلمتان: العدالة والروحانية. لاحظوا! عندما ترفعون راية العدالة والروحانية، يكون أمراً طبيعياً في عالم يرتكز في سلوكه على التجبر وفي فكره على المادية – تماماً النقطة المقابلة للعدالة والنقطة المقابلة للروحانية - أن يحدث رد فعل. بعض الأشخاص يقولون لنا: «لقد صنعتم أعداءً بسبب الكلام الفلاني والحركة الفلانية والقرار الفلاني»، كلّا، لقد صنعنا أعداء برفع راية الجمهورية الإسلامية. لقد صنعنا أعداء بطرح الأحكام الإلهية. عندما تطرحون العدالة، سوف تعارضكم الحضارة والعالم القائمان على الهيمنة والاستكبار حُكماً. عندما تطرحون الروحانية، سيعارضكم العالم المادي الذي يرتكز كل شيء فيه على المادية ويُرجع مفاهيم العالم كافة إلى المال. إنه شيء طبيعي. لذلك إن المعارضة والمواجهة لعالم الاستكبار وعالم الهيمنة ضد حركة الجمهورية الإسلامية أمر طبيعي وبديهي. وأمريكا على رأس عالم الهيمنة اليوم. لا شيء غير ذلك. بهذه الكلمة، يتضح واجب كل فرد تجاه أمريكا. اليوم أمريكا هي العدو النشط وعلى رأس جبهة العدو. هذه نقطة أيضاً.

هناك نقطة تكميلية تابعة للنقطة الثانية التي ذكرناها، هي أن الإمام [الخميني] الراحل (رض) علّم الجميع أن يضعوا جانباً الخطوط الفاصلة بين أفراد المجتمعات الإسلامية. هناك خط فاصل واحد فقط هو الفاصل بين الإيمان والإسلام، وبين الكفر والاستكبار. الإمام علّم هذا للجميع. تلك الخطوط الفاصلة التي علّمنا الإمام أننا يجب أن نضعها جانباً هي الخطوط الفاصلة الطائفية، والخطوط القومية، والخطوط العرقية، والخطوط الحزبية، وأمثالها. قال: اتركوا هذه الأمور جانباً. هناك خط فاصل هو الفاصل بين تحقق الإسلام والنظام الإسلامي والتجسيد السياسي للإسلام مقابل نظام الهيمنة الذي على رأسه أمريكا. هذا هو الخط الفاصل الذي يجب أن يكون بارزاً، وقد برّزه الإمام منذ اليوم الأول. ليس من اليوم الأول للثورة الإسلامية [بل] من اليوم الأول للنهضة، أي منذ بدأ الإمام هذه النهضة... خمسة عشر عاماً قبل انتصار الثورة الإسلامية. ينبثق عمل للإمام هذا من آيات القرآن. إنه يستند إلى هذه الآية: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (الممتحنة، 4). هذا لا يعني أن كل مَن يخالفنا في العقيدة نعاديه ونبغضه. كلا! [فيقول الله] في آية أخرى، وهي أيضاً من سورة الممتحنة: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} (8). فالله المتعالي قد قال: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ...} إلى {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} (9). لذلك إن مستند توصية الإمام وعمله هو آيات القرآن ونصوص قرآنية. ليس هناك أيّ شك في هذا. خط آخر فاصل، وهو الخط الفاصل البارز، هو المواجهة بين العالم الإسلامي وبين عالم الكفر والاستكبار. يجب أن تكون بقية الخطوط الفاصلة باهتة ولا ينبغي الاكتراث لها: سنة، شيعة، إيران، البلد الفلاني، عرب، عجم، لون البشرة، عرق كذا وكذا... وأمثال هذه الأمور لا ينبغي الاكتراث لها.

لهذا، لاحظتم أنّ منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة برزت قضية فلسطين في بلدنا. تم تسليط الضوء على قضية فلسطين. لا أريد المقارنة لكننا رأينا في العالم الإسلامي الأشخاص الذين تحركوا باسم الإسلام وانتفضوا. ليس حصراً لم أنهم يعارضوا الصهاينة الخبثاء لكنهم عبّروا عن صداقتهم، ولاقوا جزاء ذلك فوراً. الجمهورية الإسلامية لم ترتكب هذا الخطأ، والإمام الجليل لم يرتكبه. في تلك الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية، سيطروا هنا على المقر الذي كان سفارة غير رسمية للكيان الصهيوني وأعطوها للفلسطينيين، ووقف الإمام مع قضية فلسطين بوجوده كله. بالنسبة إلى الإمام، لم يكن حزب الله [الحزب] المجاهد الشيعي في لبنان يختلف عن الفصيل الفلسطيني الفلاني المجاهد والمناضل أيضاً. لقد كان ينظر إلى كليهما أنهما مجاهدان في سبيل الله ومناضلان من أجل الإسلام. كلّ مَن هو أقرب إلى الجمهورية الإسلامية وعملنا وسلوكنا ومواقفنا، من الطبيعي أن يكون أقرب [إلينا]. هذا مهم جداً. هذا أدى إلى تعاطف فريد بين الشعب الإيراني والشعوب الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي كافة. إنه موجود الآن. لدى الشعوب الآن ارتياح تجاه الشعب الإيراني، في شرقي العالم الإسلامي وغربيّه، ومن أقصى آسيا إلى أعماق أفريقيا. لا شأن لنا بالحكومات؛ وضع الحكومات مختلف، [إنما شأننا] الشعوب. هذا بسبب إعلان الإمام الجليل أن هذه الخطوط الفاصلة غير معترف بها رسمياً. إلى اليوم أيضاً الجمهورية الإسلامية متأثرة بهذه الهندسة السياسية للإمام الجليل. لقد رسّمَ الإمام هذه الهندسة السياسية للنظام الإسلامي، ولا نزال نتابعها اليوم، وإن شاء الله، فسيكون الأمر نفسه في المستقبل أيضاً. إنّ مراد الإمام هو: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح، 29). نحن لم نطلب من الدول أبداً أن يتّبعوا النموذج والشكل السياسي لنظامنا. كلّا! لم نقل هذا إطلاقاً لأي دولة ولن نقوله. كلامنا: يجب أن تعملوا وفق أصول الشريعة الإسلامية، وهذا [يتطابق مع] الآية التي قرأتها، {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، في سورة الفتح، فهي من هذا القبيل. هذه أصول إسلامية. وإن شاء الله، فسوف نقف ضد التفرقة في المستقبل أيضاً، ولا نزال واقفين اليوم.

النقطة الأخرى أننا عندما نرسم هذا الخط، نسلط الضوء على هذا الخط الفاصل بين العالم الإسلامي العظيم – سأقدم الآن شرحاً موجزاً ​​في هذا الصدد - وبين عالم الهيمنة والاستكبار والاستعمار، وهذا له رد فعل حُكماً؛ إنه ثقيل جداً بالنسبة إليهم. لقد اعتاد عالم الاستكبار أن يتجبّر وألا يبديَ أحد رداً قاطعاً أمام تجبّره. هذا العالم الذي لربّما مرّ أكثر من قرن على اعتياده الغطرسةَ والإملاء والاعتداء على الشعوب يرى الآن شعباً في مثل هذه النّقطة الحسّاسة من العالم وهذه الرّقعة الجغرافيّة المهمّة قد تصدّى بصدره، وها هو يشجّع بسلوكه وكلامه المسلمين على الصّمود في وجهه، في وجه الاستكبار. من الطّبيعي أن يكون هذا الأمر مرفوضاً بالنّسبة إليهم، فينصبون العداء، وهذا الأمر ثقيلٌ عليهم. أن يجري إحباط المخطّطات الإجراميّة لأمريكا في مختلف الدّول على يد الجمهوريّة الإسلاميّة هذا الأمر يُغضبهم، ونموذجٌ على ذلك «داعش»؛ «داعش» كان صنيعة أمريكا، وهم أقرّوا بهذا المعنى. حسناً، حين تدخل الجمهوريّة الإسلاميّة الميدان وتقف في وجه هذه المؤامرة وهذا المخطّط بكلّ وجودها لا يمكنهم تحمّل هذا الأمر. لذلك، يبدؤون رد الفعل. إنّ المنشأ والمبدأ لكلّ دعايات رُهاب إيران ورُهاب الشيعة واتّهام إيران بالتدخّل في هذا البلد وذاك هما غضب أمريكا وسخطها نتيجة إبطال مخطّطاتها. لذا، ترون أنّهم يحاولون بإمكاناتهم كلها والأساليب الدعائيّة شتّى بثّ رُهاب إيران ورُهاب الشيعة، كلّ على حدة. من تصريحاتهم قولُهم: «لماذا تتدخّل إيران في البلد الفلاني والبلد الفلاني»! لا يوجد تدخّل!

سياستنا هي الوقوف ضد جرائم نظام الهيمنة، وهذا يغضبهم فيتّهمون الجمهورية الإسلامية. على الجميع أن يحذروا من الانسياق مع هذه السياسة الاستكبارية لأمريكا. ما يفعلونه كله، في رأينا - وفقاً لتحليلي - يرجع إلى عجزهم وإخفاقهم. هذه الاغتيالات التي تحدث، وبثّهم الدعايات بأسلوب غريب وعجيب، سبب ذلك كله أنهم عاجزون ولا يستطيعون فعل أي شيء. حقيقة الأمر هي تقدم الجمهورية الإسلامية. حقيقة الأمر هي النجاح الجليّ واللافت لشعارات النظام الإسلامي. هذه هي حقيقة الأمر وقد كانت وستظل حتى النهاية، وعليهم أن يتراجعوا خطوة تلو أخرى. إذاً، هذه هي حقيقة الأمر، وهذا ما سيحدث. إنهم مجبرون على حركة ما حيال ذلك، فيلجؤون إلى الإرهاب وتلك الدعايات وما شابه. حتى إنهم في يوم من الأيام يشجعون أمثال صدام على الهجوم - كان الأمر كذلك منذ بداية الثورة – ويجبرون أشخاصاً تافهين على إهانة الشخصيات النورانية في العالم الإسلامي.

من الجهود التي يجب الاهتمام بها كثيراً أنّ الاستكبار يريد أن يعكس هذه الحدود التي رسّمها الإمام [الخميني] الراحل، أي تسليط الضوء على الخطوط الفاصلة في العالم الإسلامي عبر الحرب الشيعية-السنية، وحرب العرب والعجم، وأحياناً الحرب الشيعية-الشيعية والحرب السنية-السنية، التي ترونها الآن أمام أعينكم في بلدان مختلفة. [حرب] فصيل سني مع فصيل سني، وفصيل شيعي مع فصيل شيعي! هذه أعمال الاستكبار، وهذه أعمال أمريكا. إن ذلك بسبب تحريضهم وتخطيطهم، وهو موجود، للأسف. لا بدّ من الحذر، فهذه رغبة الشيطان. قال الإمام إنّ أمريكا هي الشيطان الأكبر،[4] والقرآن يقول: {إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (المائدة، 91). لا خصوصية للخمر والميسر هذا، فالشيطان يريد أن يوقع بينكما عداوة وبغضاء، ومن أدواته الخمر والميسر، وإذا استطاع أن يوقع العداوة والبغضاء بوسائل أخرى، فإنه سيفعلها بالطبع. لذلك: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}، فأينما ترون العداوة والبغضاء، ينبغي أن تروا يد الشيطان. أما كيفية المعالجة، فهذا موضوع آخر. في كل مكان، يمكن العلاج بطريقة ما، ولا بدّ من التفكير والبحث عن طريقة العلاج. يجب أن نكون حذرين من السياسات الشيطانية للعدو.

نحن أتباع أهل البيت (ع) يجب أن نرفع راية التضامن والتآزر. قلنا منذ اليوم الأول إن تشكيل المجمع العالمي لأهل البيت (ع) لا يعني المواجهة والعداوة مع غير الشيعة. يجب أن يكون هذا واضحاً للجميع. الجمهوريّة الإسلاميّة آزرت منذ اليوم الأول مَن هم مِن غير الشيعة ممّن كانوا يتحرّكون ضمن مسارٍ صحيح. مَن في العالم الإسلامي ساعد أهالي غزّة وفلسطين بقدر الإيرانيين وبقدر الجمهورية الإسلاميّة؟ لم تقدّم الدّول المشتركة معهم في المذهب واحداً بالمئة من هذه المساعدات، بل أحياناً وجّهت صفعة إليهم، وأحياناً وجّهت ضربة إليهم!

أشير إلى نقطة أخرى: عندما يجري الحديث حول قضيّة التصدّي والمعارضة، يُطرح سؤال: هل نحن قادرون؟ هل نحن قادرون على المواجهة؟ جوابي هو طبعاً، ومئة بالمئة، نعم، نحن قادرون. قدرات العالم الإسلاميّ من أجل إيقاف الاستكبار ومن ثَمّ دفع عالم الهيمنة والاستكبار إلى الوراء قدرات مميّزة جدّاً، القدرات على المستوى البرمجي والصّلب أيضاً. القدرات على المستوى البرمجي هي معارفنا ومعتقداتنا. رؤيتنا للعالم رؤية مفعمة بالأمل، ورؤيتنا لمسار التاريخ وحركة التاريخ رؤية واضحة، رؤية مفعمة بالأمل. نحن نرتكز إلى قدرة عظيمة، وهي تمنحنا القوّة والأمل. نحن أهل التوكّل على الله. أولئك المفتقرون إلى هذا التوكّل وهذا التوسّل يفقدون الأمل ويكتئبون ويبقون عاجزين وفي منتصف الطريق. يثيرون الجلبة، لكنّ بواطنهم فارغة. العالم الغربي يعاني اليوم من انسداد فكري وانسداد على المستوى النظري. قضايا كثيرة في العالم لا يمكن تفسيرها بالنسبة إليهم، وغير قابلة للفهم. كثير ممّا يحدث اليوم في العالم لا ينسجم مع تلك النظرة الليبرالية–الديمقراطيّة لديهم. لكن بالنسبة إلينا، لا؛ كلّ شيء يُمكن حلّه. دور الإنسان، ودور إرادة الإنسان، ودور التوكّل على الله، ودور حركة التاريخ، وقضيّة المهدويّة والمستقبل الحتميّ للإسلام، هي أمورٌ واضحة لنا. وبالنسبة إليهم، لا؛ هم يفتقرون ومفتقدون وأيديهم فارغة. هذا في ما يخصّ المستوى البرمجي.

على المستوى الصّلب أيضاً هم استغلّوا مصادر العالم الإسلامي سنوات وزادوا قوّتهم عبر الاستعمار وأنواع الحيَل، لكنّ العالم الإسلاميّ يملك قدرات كثيرة تخوّله التقدّم: الأراضي الشاسعة والمصادر الاستثنائيّة القيّمة التي تعتمد عليها حياة البشر. أنتم ترون اليوم مدى الأهميّة لقضيّة النفط والغاز في العالم. حسناً، هذه ملكٌ للعالم الإسلاميّ، ويُمكن لهذا العالم أن يستفيد من هذه الأمور على أفضل نحو ممكن.

كانت لدينا تلك الإمكانات في الماضي. في الماضي، خلال حقبة الاستعمار والاستعمار الحديث، كانت الإمكانات نفسها موجودة، لكن ما لم يكن هو العزم الراسخ، وما لم يكن هو معرفتنا العدو. لم تكن الشعوب تعرف العدو خلال حقبة الاستعمار، ولم يمتلكوا العزم الراسخ لمواجهة العدو، ولم يكن لديهم مَن يوجّههم مثل إمامنا [الخميني] العظيم، ولهذا، لم يتمكنوا من فعل أي شيء. اليوم، بحمد الله، كلها متوفرة، والشعوب لديها العزم والإرادة اللازمان أيضاً. الشعوب مستعدّة الآن ونُخبها مستعدّة اليوم. [بالطبع] يُشاهد بعض نقاط الضعف التي هي ناتجة من تقصيرنا. ما أقوله هو: إن مهمات المجمع العالمي [لأهل البيت (ع)] مهمات ثقيلة، وإحدى تلك المجموعات التي ينبغي أن تعمل في هذه المجالات هي مجموعتكم، وبالطبع عدد من المجموعات الأخرى. لا شك أن دولتنا الإسلامية نفسها هي الأكثر مسؤولية وتكليفاً. إذا كان ثمّة خلل في مكان ما، فهو بسبب تقصيرنا، وإلّا فإن القدرات وافرة، ونخب العالم الإسلامية على استعداد. إنّهم مستعدّون حقّاً والناس كذلك. تجسيدُ العالم الإسلامي هو نظام الجمهورية الإسلامية.

نظام الجمهورية الإسلامية حقيقةٌ على وجه الأرض. إنه ليس وعداً بأننا «سنفعل ذلك الآن». لا، هذا نظام تم إيجاده. في رأيي، الأهمُّ من ظهور النظام الإسلامي هو صموده في مواجهة الأعمال العدائية. صمد النظام الإسلامي أمام هذه العداوات والهجمات والضربات المختلفة. لقد صمد! الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم ليست هي قبل ثلاثين سنة أو أربعين. لقد تحوّلت اليوم - بحمد الله - تلك الغرسةُ الحديثة النموّ إلى شجرة عريقة، وهذا نموذج. إنّه نموذج. بالطبع، قولنا إن «الجمهورية الإسلاميّة أنموذجٌ» هذا لا يعني أن الهيكل السياسي في البلدان الإسلامية كافة يجب أن يكون مثل نظام الجمهورية الإسلامية. لا، يمكن للهيكل السياسي أن يكون مختلفاً. نحن أنفسنا عدّلنا هيكلنا السياسي في بعض الحالات. كانت هناك تغييرات من البداية إلى اليوم. وفي أماكن أخرى، قد تكون هناك هياكل سياسية مختلفة. الشيء الأساسي هو الأصول والمباني – المباني التي ذكرها إمامنا العظيم في كلامه - كأصل: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح، 29)، وأصل: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المجادلة، 10). هذه هي أهم الأشياء التي يجب الالتفات إليها.

على أي حال، المستقبل مشرق، إن شاء الله. نحن نرى أن مستقبل العالم الإسلامي مستقبل جيّد، ويمكن للشيعة أن يؤدّوا فيه دوراً عظيماً، وأنتم بصفتكم المجمع العالمي للتشيع يمكنكم أن تؤدّوا دوراً كبيراً. أسأل الله المتعالي لكم التوفيق. أرحّب مجدّداً بكم، ونسأل الله التوفيق والتأييد لكم جميعاً - إن شاء الله - وأن تكونوا قادرين على أداء هذا العمل، وأن يكون سفراً ممتعاً لكم، إن شاء الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1]. في بداية هذا اللقاء، قدّم الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت (ع)، حجة الإسلام والمسلمين رضا رمضاني، تقريراً عن المؤتمر السابع للجمعية العمومية لهذا المجمع الذي عُقد بحضور شخصيات من 117 دولة تحت شعار «أهل البيت (ع) محور العقلانية والعدالة والكرامة».

[2]. الأمالي، الشيخ الصدوق، ص. 400.

[3]. كامل الزيارات، ص. 206.

[4]. صحيفة الإمام، ج. 16، ص. 154؛ رسالة إلى الشعب الإيراني بمناسبة ذكرى تأسيس الجمهورية الإسلامية (01/04/1982): «... إنهم يحظون بدعم القوى الكبرى ولا سيّما الشيطان الأكبر، أمريكا».