الكاتب:  السيّد أحمد صوليّ الحسينيّ العامليّ

تُعتبر الأناشيدُ الدينيّة الإسلاميّة الهادفة فرعاً من فروع الفنّ المُلتزم، ورافداً من روافد القيم والمُثل والأخلاق. وليس خافياً ما لهذا الفرع من الفنّ الملتزم والهادف من أهمّيّة ودور على المستوى التربويّ والتوجيهيّ والتعبويّ، خصوصاً على فئة الشباب والأطفال؛ حيث يعمل على تعميق العقائد والفضائل في العقول والنفوس، وتعزيز الشعور بالانتماء إلى الدين والعقيدة، وتنمية حبّ الله ـ تبارك وتعالى ـ والنبيّ الأعظم ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومودّة أهل بيته ـ عليهم السلام ـ، والاقتداء بهم، وتركيز المفاهيم الأصيلة من قبيل أركان الإسلام والطّاعة والصّبر والتضحية والإيثار والفداء والجهاد، وتوجيه السلوك الفرديّ والمجتمعيّ نحو الأخلاق الفاضلة، واحترام الآخرين، والذوق السليم، وغيرها من القيم السامية والخصال الحميدة.

وانطلاقاً من إدراكه لهذه الحقيقة والأهمّيّة، كثيراً ما أكَّد الإمام الخامنئيّ ـ دام ظلُّه ـ على الاستفادة من الأنشودة الهادفة ذات المضامين الرساليّة في عمليّة تربية وتنشئة الجيل الجديد على القيم والمفاهيم الدينيّة، خصوصاً وأنّ هذه الأناشيد تُقدَّم بأسلوب الإلقاء والتلقين للكلمات والأشعار السهلة الممتعة، والممتزجة مع المؤثّرات الصوتيّة والأنغام والموسيقى الشرعيّة الجذّابة، ممّا يساعد الشابّ والطفل المتلقّي لها ـ والذي عادةً ما يعمد إلى سماعها وترديدها مكرّراً ـ على قبول وضبط المفاهيم الإلهيّة والتوحيديّة والأخلاقيّة والثوريّة التي تكتنفها وتكتنزها، والاستئناس بها أكثر فأكثر.

ففي كلمةٍ له ـ حفظه الله ـ في لقاءٍ مع جمعٍ من أهل الشِّعر والثقافة والأدب، أكّد ـ دام ظلُّه ـ على ضرورة تسخير الشِّعر لخدمة المفاهيم والقيم الأخلاقيّة والمعارف التوحيديّة، وبيان فضائل أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، والعناوين والمصالح الوطنيّة والثوريّة([1]).

وحول أهمّيّة الأناشيد وكونها أكثر أنواع الشِّعر تأثيراً، والحاجة الكبيرة إليها في عمليّة ترويج المعارف وبناء ثقافة المجتمع، يقول ـ دام ظلُّه ـ : "النشيد مؤثّرٌ، وتأثيره أكبر من أغلب أنواع الشِّعر، بل لعلّه يمكن القول، تأثيره أكبر من كلّ أنواع الشِّعر؛ أي اتّساع تأثيره أكبر وسرعة تأثيره أعلى. افترضوا مثلاً أنّ لدينا نشيداً جيّداً متناسباً مع أوضاع زماننا الحالي، بحيث إنّ الشباب في الرّحلة ينشدونه، مجموعةُ شباب تسير في الجبل، أو في اللقاءات التي يجتمعون فيها، أو مثلاً، هؤلاء الشباب يسيرون في مظاهرات 22 بهمن ـ ذكرى انتصار الثورة 11 شباط ـ وينشدون معاً هذا النشيد. هذه أمور بالغة الأهمّيّة، فهي تنشر وتروّج المعارف التي نحتاج إليها. النشيد يؤدّي هذا الهدف ويترك تأثيراً سريعاً. النشيد يبني ثقافةً. إحدى ميّزات النشيد أنّه يبني ثقافةً في المجتمع"([2]).

وقد كانت مسألة تدنّي مستوى الأناشيد من حيث مضمونها وتأثيرها محلّ انتقادٍ وتحذير من قبله ـ حفظه الله ـ، وهذا ما عبّر عنه بقوله: "... بعد الثورة، تمّ تأليف الأناشيد والموسيقى الجيّدة جدّاً في اتّجاه القيم الثوريّة. لكن في السنوات الأخيرة، تباطئ نموّ مثل هذه الأناشيد ـ وهذا أمر مؤسفٌ أيضاً ـ . يجب تأليف الأناشيد الجيّدة، ونظم القصائد والأشعار الجيّدة، وينبغي أن تكون بأجمعها ناظرةً إلى القيم الثوريّة. يجب أن تنعكس هذه الأمور بشكل منظّم على الراديو والتلفزيون. ويجب الاستعانة بأفضل الموسيقيّين وأفضل المنشدين؛ لإعداد وترتيب الأناشيد الثوريّة والإسلاميّة وتقديم القيم الإسلاميّة"([3]).

وانطلاقاً من معرفته بأهمّيّة وخطورة وضرورة هذه المسألة، حثّ ـ دام ظلُّهُ ـ على الاستفادة من الفنّ بشكلٍ صحيح إلى أقصى حدود، وخصوصاً الأناشيد، مُعتبراً ذلك إنجازاً وعملاً كبيراً جدّاً. حيث قال ـ حفظه الله ـ: "ينبغي الاستفادة من الفنّ إلى أقصى الحدود، وقد أشرتم إلى الأناشيد؛ هذا مهمّ جدّاً، فإذا استطعتم إنتاج نشيد جميل مؤثّرٍ حسن المضامين بحيث تلهج به ألسنة الأطفال والشباب عندما يسيرون في الشوارع والأزقّة من البيوت إلى المدارس، تكونوا قد أنجزتم عملاً كبيراً جدّاً، أي الاستفادة من الفنّ بشكل صحيح، هذا ما يسهّل أعمالكم ومهمّاتكم"([4]).

وقد أوصى ـ دام ظلُّهُ ـ الشبابَ مراراً وتكراراً بتأليف وإنشاد الأناشيد، مبيّناً لهم سبيل إثرائها على مستوى المضامين، من خلال الاقتباس من الآيات والروايات المعاني والمفاهيم الأصيلة، خصوصاً المرتبطة بالإمام صاحب العصر والزمان ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ، وحول بثّ روح الأمل في المجتمعات تمهيداً لظهوره وحضوره المبارك. ومن ذلك قوله ـ دام ظلُّهُ ـ: "أوصي الشباب الأعزّاء، أنَّهم إن قاموا بإنشاد أنشودةٍ ـ وهذا عملٌ جيّدٌ أيضاً؛ لأنّ النشيد أداةٌ ووسيلةٌ تبليغيّة جيّدة جدّاً خاصّة للشباب والناشئة ـ أن يعملوا على إثراء مفاهيم النشيد واقتباسها من الآيات والروايات والمفاهيم العظيمة الموجودة حول حضرة بقيّة الله ـ أرواحنا فداه ـ ... ينبغي أن تكون المضامين قويّة وإسلاميّة وتشير إلى عدل ذلك الإمام ـ عليه السلام ـ، وإلى حاجة العالم البشريّ ـ بل عالم الوجود أيضاً ـ إلى وجود ذلك العظيم، وإلى الوضع الذي يعيشه العالم والإنسانيّة اليوم؛ وأنَّهُ يوجد مثل هذا الأمل والانتظار والتوقّع بأن تعود الأوضاع إلى المسار الطبيعيّ لحياة الإنسان، والذي هو مسير العدالة والحركة نحو التوحيد"([5]).

اليوم، وبحمد الله ـ تبارك وتعالى ـ، نشهدُ تحقّق أمنية وتوصية الإمام القائد ـ دام ظلُّهُ ـ من خلال نشيدٍ من تلك الأناشيد الهادفة والرساليّة والمفعمة بالروح المعنويّة والثوريّة التي لطالما أكّد ـ حفظه الله ـ وأوصى بتأليفها وإنشادها، أعني بذلك نشيد "سلام فرمانده"، هذا النشيد الظّاهرة، العابر للحدود واللغات، والذي لا زال يحصد النجاحات الباهرة انطلاقاً من مهد الثورة الإسلاميّة في إيران الإسلام ليصل إلى قلوب مئات آلاف بل ملايين المؤمنين والموالين الذين تفاعلوا مع روح ومضامين هذا النشيد، وقاموا بمحاكاته في العراق وسوريا ولبنان والبحرين ونيجيريا وباكستان وافغانستان والهند وكشمير وتركيا وأذربيجان وغيرها من الدول. وقد حصدت الأنشودة ـ ولا تزال ـ ملايين المشاهدات عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ والمنابر الرقميّة والفضائيّات.

والذي أعتقد به أنَّ هذا النجاح والتفاعل الكبير إنَّما يكشف عن توفيقٍ وتسديدٍ إلهيّ خاصّ، وعن مستوى عالٍ من الإخلاص الروحيّ والمعنويّ، رغم أنّ العمل الإنتاجيّ في نفسه متواضعٌ جدّاً من حيث المؤثّرات المادّيّة، على مستوى الصوت والصورة والإضاءة والإخراج والديكور والحبكة الفنّيّة، وهذا ما يؤكّد لي أنَّه نفحةٌ إلهيّة ملكوتيّة، تجلّت في محفل توسّلٍ ومناجاةٍ لوليّ الله الأعظم ـ أرواحنا فداه ـ.

وقبل الوقوف عند بعض مضامين هذا النشيد المهدويّ، لا بدّ من الإشارة إلى حقيقةٍ مُلفتةٍ وهي أنَّ هذا العمل الإنشاديّ إنَّما هو مبادرةٌ نستطيع أن نقول عنها إنَّها مبادرةٌ فرديّة لاقت تفاعلاً شعبيّاً عفويّاً كبيراً، ولم يكن نتاج جهدٍ حكوميّ أو مؤسّساتيّ مدعوم من قبل الدولة والنظام في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وإنَّما هو فكرةٌ وعملٌ تطوّعيّ بحت. بعدها، انتشر النشيدُ بشكل مُلفت ومؤثّر وكبير فاق التصوّرات والتوقّعات، وذلك في العديد من المحافظات والمدن الإيرانيّة. ثمّ تلقّفته عدّة جهات فاعلة على الساحة الثقافيّة والدينيّة في إيران، وعملت وسائلُ الإعلام على استثمار هذا النجاح الكبير وهذه الظاهرة الشعبيّة المتفاعلة بقوّة مع هذا النشيد، ونقلته وبثّته عبر أثير الإذاعات وشاشات التلفزة، وهذا بعد أن صار فعلاً على لسان كلّ صغير وكبير، لينكشف ويتأكّد بذلك الالتزامُ الكبير والعظيم بالقيم والمبادئ والعقائد الإسلاميّة والثوريّة التي تربّى عليها المجتمع الإيرانيّ المسلم والثوريّ في مدرسة وخطّ ونهج الإمام الخمينيّ ـ قدّس سرُّهُ ـ، وأنَّ هذه الجمهوريّة الإسلاميّة التي قامت على مبدأ الارتباط بالولاية لا زالت رغم كُلّ التحدّيات قادرةً على تربية الأجيال جيلاً بعد جيل على هذه المبادئ الثوريّة، لتقف راسخةً شامخةً، وتتقدّم في خطوتها الثانية باقتدار مع جيلٍ جديد، مؤمن، ثوريٍّ، تعبويّ، متعلّم، حاضر في الميدان؛ لمقاومة الأعداء، والدّفاع عن القيم والمبادئ والأصول الثوريّة.

وقد أشاد الإمام الخامنئيّ ـ دام ظلُّهُ ـ بهذا النشيد وبما أحدثه من تأثيرٍ عظيم، فقال ـ حفظه الله ـ: "انظروا إلى هذه النشيدة التي نُشرت في هذه الأيّام والتي هي تعبير عن الشوق والإخلاص تجاه وليّ الأمر ووليّ العصر ـ عجّل الله تعالى فَرَجَهُ الشريف وروحنا فداه ـ، وهي سلامٌ إلى بقيّة الله. ما الّذي يفعله الناس؟ وما هذا التعبير عن الشوق؟ يا له من حضور! ما هذا التعبير عن المحبّة! الكبار والشباب والفتيان والأطفال والنساء والرجال والجميع في أنحاء البلاد كافّة، في طهران على نحو، وفي مشهد على نحو، وفي أصفهان على نحو، وفي يزد على نحو، وفي المدن المختلفة على نحو. على ماذا يدلّ هذا؟ هل يدلّ على ابتعاد الناس عن الدّين أو العكس؟ لم تكن لدينا مثل هذه الأشياء في بداية الثورة. في بداية الثورة، لم يكن لدينا هجوم الطلّاب الشباب إلى مراكز الاعتكاف، ولا هذه التجمّعات المذهبيّة الضخمة، وهي موجودة اليوم. لا، لقد أخطؤوا بشأن الشعب الإيرانيّ... هل هذا دليلٌ على ابتعاد الناس عن الثورة؟ هذا دليلٌ على وفاء الناس ومقاومتهم وصمودهم. وهذا دليلٌ على تأثير درس الإمام الخمينيّ ـ قدّس سرُّهُ ـ في هذا الشعب العظيم والشريف"([6]).

لقد اكتنز هذا النشيدُ مفاهيمَ دينيّة وعقائديّة وتربويّة عميقة، وهو في الحقيقة فصلٌ دراسيٌّ توجيهيّ، وملتقى تثقيفيّ مفعمٌ بالثقافة المهدويّة والثوريّة التي عبّر عنها براعمُ الثورة وأبناء الجيل الثوريّ الرابع والجديد الذين لم يروا الإمام الخمينيّ ـ قدّس سرُّهُ ـ، ولم يشاركوا في النهضة والقيام، ولا في الحرب المفروضة والدفاع المقدّس، إلّا أنَّهُم اليوم يعقدون العزمَ بحزم رغم صغر سنّهم على أن يكونوا في خطّ أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، خطّ الولاية والإمامة، وأن يُكملوا المسيرة في الخطوة الثانية للثورة الإسلاميّة على هدي وإرشادات الإمام القائد "السّيّد عليّ" الخامنئيّ ـ دام ظلُّهُ ـ، الذي يهيّؤهم ويجهّزهم؛ ليسلّموا الراية إلى صاحبها الأصليّ ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ الذي ملأ حبُّهُ قلوبَهم الغضّة النقيّة، والذي يناجونه بصدق وحبّ بعبارات العشق، قائلين له: "يا عشق روحي! يا إمام زماني! عندما تكون معي، عالمي يكون ربيعاً"، مُعلنين له أنَّهم مؤمنون بأنَّهُ حيٌّ وحاضرٌ وناظرٌ إليهم، ومعتقدون به مُنجياً موعوداً؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظُلماً وجوراً، ويعاهدونه ويبايعونه على حفظ الأمانة والوفاء والإخلاص والطّاعة، وأنَّهم على بصيرةٍ من أمرهم في بيعتهم له على أن يكونوا من أنصاره، بل من قادة مشروعه الإلهيّ الـ (313)، وطوع أمره، وفي خدمته، وفي ركابه ثوريّين على خطى الإمام روح الله الموسويّ الخمينيّ ـ قدّس سرُّهُ ـ، وبقيادة الوليّ الفقيه ووليّ أمر المسلمين في عصر الغَيبَة، الإمام الخامنئيّ ـ دام ظلُّهُ ـ.

يتعهّدون بأن يكونوا له ـ عليه السلام ـ كـ "عليّ بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازيّ"، هذا الموالي والعاشق لإمام زمانه ـ عليه السلام ـ بحيث قصد مكّة المكرّمة حاجّاً بيت الله الحرام عشرين حجّة يطلب فيها عيان ورؤية الإمام المهديّ ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ فلم يجد إلى ذلك سبيلاً، إلى أن أذن الله ـ تبارك وتعالى ـ له بذلك في حجّه العشرين، والتقى بالإمام ـ عليه السلام ـ في قصّة مشهورة معروفة يرويها الشيخ الطوسيّ ـ أعلى الله مقامه ـ في كتابه "الغَيبَة"([7]).

يقفون ويُعلنون أنَّهم سيكونون له ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ كالمجاهد والثائر الكبير الشهير بـ "ميرزا کوچك‌ خان"، المناضل ضدّ التدخّل والاستعمار البريطانيّ والروسيّ لإيران، والذي ثار على آخر الملوك القاجاريّين وحاربه في غابات "جيلان"، وبقي مجاهداً ثائراً إلى أن استشهد نتيجةَ البرد القارس في تلك الجبال، وقد عُثر على جثّته متجمّدة وسط الثلوج.

ويعاهدونه ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ على السير في نهج العلماء والفقهاء والعرفاء من أمثال آية الله العظمى العارف الشيخ محمّد تقيّ بهجت ـ قدّس سرُّهُ ـ، في طهارته ونقاوته وتهذيبه لنفسه وعلمه.

والمُشاهد والمُستمع للنشيد في نُسخه الإيرانيّة والعراقيّة واللبنانيّة يلاحظ العهدَ بالبقاء في ركب المقاومة والجهاد والمجاهدين والشهداء العظام كالشهيد الحاج قاسم سليمانيّ ـ رضوان الله عليه ـ، أيقونة الجهاد ومواجهة الاستكبار العالميّ، والحاجّ أبي مهديّ المهندس ـ رحمه الله ـ، شهيد الحشد الشعبيّ المقدّس وفتوى المرجعيّة الرشيدة في مواجهة التكفيريّين والإرهابيّين، وشهداء "أمّة حزب الله" في لبنان، شهداء مقاومة الصهيونيّة، الشهداء القادة، سيّد شهداء المقاومة الإسلاميّة السيّد عبّاس الموسويّ ـ قدّس سرُّهُ ـ، وشيخ شهدائها الشيخ راغب حرب ـ قدّس سرُّهُ ـ، وعمادها وقائد انتصاراتها الحاجّ عماد مغنيّة ـ أعلى الله مقامه ـ، وسائر شهداء طريق الحقّ.

وفي الحقيقة، من أهمّ الإشارات والفوائد التربويّة التي يمكن ملاحظتها في هذا النشيد، إيجاد الشخصيّة المعنويّة وخلق الإحساس بالأهمّيّة والمكانة لدى هؤلاء الأطفال واليافعين، حيث إنَّ كُلَّ الأجواء المحيطة بهم، وهذا الاهتمام الكبير الذي ينالونه، وإعطاؤهم هذا الدور المهمّ للعمل والمبادرة، يخلق الشخصيّة والكيان لديهم، ويجعلهم يشعرون بالافتخار. فهم ومن خلال هذا التشكيل والتجمّع العظيم والعدد الكبير من الأطفال الذين يقفون إلى جانب بعضهم البعض بحماسةٍ وشجاعة ورباطة جأش وثقة في النفس، يعملون على تحقيق هدفٍ واحد، ويتشكّلون في تشكيل إنشاديّ واحد يشدّ أنظار الناظرين والمتابعين لهم، كـجيلٍ مهدويّ يحكي شخصيّةً جَمعيِّةً مهدويّةً.

لقد اجتمعوا ووقفوا وأعلنوا أنَّ الشخصيّة الأولى في النظام والبلاد، وهو وليّ أمر المسلمين الإمام القائد ـ حفظه الله ـ يخاطبهم ويدعوهم ويحشدهم تلبيةً لإمام العصر وصاحب الأمر ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ، ويحمّلهم هذه المسؤوليّة الخطيرة والمهمّة في نصرته ـ عليه السلام ـ، وهذا ما يعطيهم هذا الشعور بالعظمة والشخصيّة والكبرياء والغيرة الدينيّة والحماسة والشجاعة. وقد وقفوا بعزّةٍ وافتخار وخاطبوا إمام الزمان ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ، وهو الشخصيّة الأبرز والأقدس في عالم الوجود بعد النبيّ الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله ـ والأئمّة الطاهرين ـ عليهم السلام ـ، ويطلبون منه ألّا ينظر إليهم على أنّهم أطفال وصغارٌ، بل هم جندٌ وأنصارٌ، يفدونه بأرواحهم، وأنَّهم أمراء وقادة تحت لوائه وفي جيشه، وثوارٌ في ثورته ونهضته، وأنَّهم ماضون على خطاه، وباقون في ركابه وعلى عهدهم معه جيلاً غيوراً لا يُهزم، يعملون ويجدّون ويسعون لتحقيق هدفه العظيم. وكُلُّ هذا يعطيهم هذا الشعور بالعظمة والشخصيّة والكبرياء، وأنَّهم قادرون، بل هم أبطال حقيقيّون، ولا يقلّون أهميّة وقدرةً عن أولئك الأبطال والعظماء الذين سبقوهم في هذا الطريق.

اليوم، الحقُّ يقال إنَّ هذا النشيد وجّه ـ بما يحمل من أهداف ومفاهيم دينيّة وعقائديّة وفكريّة وثوريّة وجهاديّة عالية وراقية ـ صفعةً مؤلمةً على وجه الاستكبار العالميّ، وضربةً في الصميم لأبواقه وعملائه المرتزقة؛ ولهذا صبّوا جام غضبهم وأطلقوا سهام حقدهم عليه، وتعالت أصوات نشازهم؛ لانتقاده، وكشّروا عن أنياب غيظهم وحنقهم من خلال منابر إمبراطوريّتهم الإعلاميّة المسمومة؛ لأجل وقف هذه الحالة الشعبيّة والجماهيريّة العارمة ومنقطعة النظير في تفاعلها والتي أوجدها هذا النشيد في فترةٍ زمنيّة قياسيّة.

لقد اعتبر هؤلاء وروّجوا أنَّ هذا النشيد نشيدٌ أيديولوجيّ، وأنَّهُ نتاجُ فكرٍ شموليٍّ يتوسّل الإرهابَ والقتلَ وسيلةً لفرض أفكاره ونظريّاته وآرائه. وجعلوه سلاحاً مدمّراً لعقول الأطفال وطفولتهم وبراءتهم، وقد شهره النظامُ الراديكاليّ والمؤسّسة الدينيّة الحاكمة؛ لغسل أدمغة الأطفال، ولتعليمهم مفاهيم الجهاد، والشهادة، والقتل والقتال، دون إدراكٍ منهم ووعي وإرادة.

وفي تقريرٍ مُسهبٍ قدّمته فضائيّة "صوت أمريكا" ـ VOA ـ حول هذا النشيد، زعمت أنَّ العوائل الإيرانيّة باتت قلقةً على أولادها بسبب تعرّضهم لهذا الشحن الأيديولوجيّ! وقد حذت فضائيّة الـ BBC البريطانيّة وغيرها من فضائيّات التطبيع والرجعيّة العربيّة والمواقع والمنصّات الإلكترونيّة المعادية للثورة الإسلاميّة حذوها في ذلك، معتبرةً أنَّ الكثير من فقرات هذا النشيد تحمل مفاهيم سياسيّة وأيديولوجيّة داعمة للنظام ولقائده ولخياراته الراديكاليّة!!

وفي الواقع، لطالما كان هذا هو الأسلوب الذي يعتمده هؤلاء في مواجهة أيّ ظاهرةٍ تُعارضهم وتواجههم وتوجّه لهم الضربات وتنزل بهم الهزائم. هكذا كانوا، وهكذا هم الآن، وهكذا سيبقون. وحقيقةً شرّ البليّة ما يُضحك! ومن نكد الدّهر أن ينبري أمثالُ هؤلاء المجرمين ليحاضروا في العفّة والأخلاق والإنسانيّة ودفاعاً عن الطفولة! في حين يتجاهلون ويبرّرون ترويجهم للإباحيّة والمثليّة ولألعاب الكومبيوتر المروّجة للسلاح والإجرام والإفساد والقتل والمخدّرات، وقتلهم لملايين الأطفال والأبرياء في كُلِّ أصقاع المعمورة. ويتناسون ترويجهم للأيديولوجيا الصهيونيّة التي تعتبر اليهودَ شعب الله المختار، وأنَّ كُلَّ من سواهم خدمٌ لهم، وأنَّهم في حقيقتهم حيوانات خُلقت على شاكلة بشر حتّى لا يستوحش اليهودُ منهم!!

وللتأكيد على هذه الحقيقة، أنقل لكم هذا المقطع من كلامٍ للإمام الخامنئيّ ـ دام ظلُّهُ ـ، حيث يقول: "الذين لا يحسبون هذا شِعراً ويقولون إنّه شعارات وأيديولوجيا ـ وكأنّهم يعارضون تضمّن الشعر للأيديولوجيا ـ هم أنفسهم يُدرجون في أشعارهم الأفكار المنحرفة والأيديولوجيّات المنحرفة أكثر منكم. إنّهم لا يعارضون إدراج الأيديولوجيا في الشِّعر، بل يعارضون تلك الأيديولوجيا التي تحملونها أنتم مهما كان البيانُ والقالبُ الذي تطرح فيه، وسواء كانت في قالب الشِّعر أو في قالب الأفلام السينمائيّة أو في قالب القصّة"([8]).

اليوم، في هذه المواجهة، أثبت جميعُ أبناء وشباب وأطفال الشعوب الحيّة الذين أنشدوا هذا النشيد الظاهرة "سلام فرمانده" بجميع نُسخه وإصداراته الفارسيّة والعربيّة والتركيّة والآذريّة والإنكليزيّة وغيرها، في جميع البلدان، والذين يحملون هذا الفكر والفنّ الراقي والملتزم المنبثق من الإسلام المحمّديّ الأصيل، أنَّهم ضبّاط الحرب الناعمة بحقّ، وقد سجّلوا بوعيهم وبصيرتهم وإخلاصهم انتصاراً جديداً في معركة جديدةٍ رابحة من معارك "جهاد التبيين" في مواجهة مشاريع الاستكبار ومؤامراته، مؤكّدين المقولة الصادقة لإمام الأمّة الخمينيّ العظيم ـ أعلى الله مقامه ـ والتي تقول: "ستحبط كلّ المؤامرات وتُدفن بهذه الإرادة الخالصة التي يتحلّى بها شعبنا، وبالعزيمة الراسخة التي يتمتع بها شبابنا"([9]). وإلى الملتقى مع نصر مجيد في ميدانٍ جديد، (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)([10]).

والحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات

 


([1]) راجع كلمة الإمام الخامنئيّ ـ دام ظلُّهُ ـ بتاريخ: 2019/05/20م.

([2]) راجع كلمة الإمام الخامنئيّ ـ دام ظلُّهُ ـ بتاريخ: 2016/06/20م.

([3]) راجع كلمة الإمام الخامنئيّ ـ دام ظلُّهُ ـ بتاريخ: 1991/03/5م.

([4]) راجع كلمة الإمام الخامنئيّ ـ دام ظلُّهُ ـ بتاريخ: 2015/05/4م.

([5]) راجع كلمة الإمام الخامنئيّ ـ دام ظلُّهُ ـ بتاريخ: 2005/05/1م.

([6]) راجع كلمة الإمام الخامنئيّ ـ دام ظلُّهُ ـ بتاريخ: 2022/06/4م.

([7]) راجع كتاب "الغَيبة" لشيخ الطائفة الطوسيّ ـ أعلى الله مقامه ـ، ص263.

([8]) راجع كلمة الإمام الخامنئيّ ـ دام ظلُّهُ ـ بتاريخ:  2019/05/20م.

([9])راجع: صحيفة الإمام ـ قدّس سرُّهُ ـ، ج12،ص93.

([10]) سورة "الأنفال" المباركة، الآية: (10).

 

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir