1. قال الإمام الخامنئي خلال كلمته: «فاقتحام المستشفى الفلاني، واقتحام بيوت الناس العُزَّل، ليس نصراً، فالنصر حينما يتمكنون من إلحاق الهزيمة بالطرف المقابل لهم، وبالقوات التي تُهاجمهم، وبالقوات العسكرية التي تقف في وجههم، ولم يستطيعوا ذلك إلى الآن». ما الأسباب والعوامل التي دفعت الكيان الصهيوني إلى تصوير اقتحام المستشفيات والمناطق السكنية على أنه إنجاز في نظر الرأي العام المحلي والعالمي؟

الآن يبدو الهدف الأساسي من إعلان العدو الإسرائيلي السيطرة على المستشفيات أنه يسير بسياسة واضحة ومسكوت عنها في دول الغرب وقد تمثّلت في تهجير سكان قطاع غزة. فإذا نظرنا إلى أسلوب احتلال المستشفيات، نرى حجم الوهم الاستخباري الذي كان يعيشه حول وجود مركز قيادة للمقاومة الإسلامية و«حماس» تحت مستشفى الشفاء، إذ تبين أنه كان ملفّقاً وخطأً.

من جهة أخرى، تضرر الاحتلال الإسرائيلي كثيراً من ناحية الصورة التي حاول أن يظهرها للعالم في محاولته لتحصيل النصر وإنهاء العملية في أقرب وقت وأخفق في ذلك.

كما أن تدمير المستشفيات ومحاصرتها يعني القضاء على شروط الحياة الأساسية للسكان المدنيين شمالي قطاع غزة تمهيداً لتهجيرهم إلى جنوبيه أو خارجه بحسب الخطة الصهيونية في هذه الحالة.

إنه عامل الردع الإسرائيلي الذي تضرر كثيراً بسبب عملية المقاومة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو يحاول ترميمه عبر صدم المجتمع الفلسطيني في غزة ما يعني الرجوع إلى دمويّته الأساسية وعنفه بعد أن حاول إقناع العالم الغربي كثيراً بأنه نظام ديموقراطي يحترم حقوق الإنسان وما شابه.

هو يعود إلى هذه الهمجية الأساسية من أجل كسر الصورة الحقيقية التي تكونت عند المواطن العربي والمسلم والفلسطيني في السابع من تشرين الأول وهي أن هذا العدو تُمكن هزيمته.

إنه يطبّق إستراتيجية عالية جداً من العنف والعقاب الجماعي، فتهجير أهل غزة وضرب المستشفيات يأتي في إطار إفهامهم أنه ما من مكان آمن لهم، كأنه يقول أنا لا أكترث للقانون الدولي ولا أحد يستطيع إيقافي أو أن يحمي أهل غزة، وأنا سأضرب كلّ مكان وسأمنع عنكم شروط الحياة. هو أيضاً يتعمّد ضرب منشآت المياه والمخابز ومدارس الأمم المتحدة، فليس هناك مكان آمن. هذه سياسة همجية تدخل في نفس الإستراتيجية التي ستفشل - بإذن الله - بفضل ردّ المقاومة في غزة وبسبب صمودها والتصعيد الذي تقوم عليه فصائل المقاومة على امتداد المنطقة. الإسرائيلي يتعرض لضغط كبير، ولذلك هو مستعجل على الإتيان بنتائج في غزة في أقرب وقت ولهذا يصدم الوعي العربي والفلسطيني والإسلامي.

هو أيضاً يحاول إعادة الثقة إلى مجتمعه الهش الذي تضرر بشدة وتتهدده هجرة عكسية في حال لم يتمكن من تحقيق نتائج لأول مرة ضد المقاومة التي وجّهت صفعة شديدة جداً إليه في السابع من تشرين الأول.

 

2. لم يتمكن الكيان الصهيوني من التغلب على فصائل المقاومة التي تفتقر إلى المعدات العسكرية الحديثة رغم امتلاكه معدات وأسلحة متطورة، فضلاً عن الدعم الشامل من أمريكا والدول الغربية. هل يمكن وصف الإخفاق الحالي للكيان الصهيوني بأنه إخفاق لأمريكا والدول الغربية؟

المشكلة الأساسية التي يعاني منها العدو الإسرائيلي اليوم في غزة أن المناطق المفتوحة التي دخل إليها لا تصعب السيطرة عليها عسكرياً، وغالباً ما ترفض المقاومة القتال في هذه المناطق التي تعطي أفضلية للإسرائيلي فهي تنسحب إلى مناطق أكثر تحصيناً تكون مستعدة للقتال فيها.

كلما يتقدم الإسرائيلي أكثر في غزة، يتعرض لخسائر أكبر، إذ تواجهه المقاومة بالطواقم المضادة للدروع والعبوات ذات الصناعة المحلية وغيرها... هذه الأسلحة ليست بالفعالية نفسها في الأماكن المفتوحة. المقاومة تمتلك أسلحة مضادة للدروع بعيدة المدى لكنها محدودة العدد بسبب الحصار على غزة.

إذاً هي تحاول الاستفادة من عنصر الأرض ومن عنصر الجغرافيا لاستدراج العدو.

يطبّق العدو الإسرائيلي أساساً إستراتيجية تسوية أحياء وشوارع بأكملها في الأرض لأهداف عسكرية كتطهير الشوارع من الألغام أو العبوات الناسفة وإرغام المدافعين على التراجع.

هذه الإستراتيجية مكّنته من التقدم في بعض المناطق التي تلائمه، مثلاً باتجاه الخط البحري حيث كان يتكئ بميسرته من الجنوب على البحر ومن الشمال على ميمنته من أجل السيطرة على مخيم الشاطئ.

الدخول في واقع الحال إلى غزة بشكل أوسع سيكشفه ويحرَمه هذه الأفضلية أي أن يكون متكئاً على جهة أو أن يحمي مثلاً مؤخرته أو ميمنته أو ميسرته في هذا الإطار.

هنا الإخفاق الحالي أو المتوقَع لجيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة يدلّ على محدودية تأثير التكنولوجيا الغربية في مثل هذا النوع من الحروب. نحن نرى المقاومين يخرجون من أماكن استتارهم واحتمائهم، يضعون الألغام أو العبوات الناسفة على الدبابات الإسرائيلية من مسافة صفر ويضربونها من مسافات قصيرة جداً تقل عن خمسين متراً.

هكذا أنت تجبر العدو المتفوق تكنولوجياً على الاشتباك معك وفق ظروف تلائمك وتردم الهوّة بشجاعة المقاتل وإيمانه بالنصر. هناك العديد من التعليقات صدرت عن أجانب غير المؤيدين للمقاومة الفلسطينية بل يكرهونها، ولكنها أثارت إعجابهم، فعبّروا عن شجاعة المقاتل هناك، وكيف يخرج إلى المواجهة وهو تحت النار وتحت عين المسيّرات الإسرائيلية ليوجّه ضربة إلى الدبابة أو يضع عليها لغماً كما بدا في مقاطع نشرها الإعلام الحربي، ثم ينسحب سالماً.

في النتيجة المشكلة الإسرائيلية الأساسية تتمثل في الاعتماد المفرط على التكنولوجيا التي حرمت الجندي الإسرائيلي امتلاكه روحية قتالية تدفعه للخروج والمواجهة، فهو يختبئ خلف الآليات ويستتر داخلها. وهذه هي المشكلة عادةً عند الجيوش الغربية المتقدمة، غذ يتعوّد الجندي الإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا فيفقد الكثير من مهاراته الفردية وشجاعته وأيضاً اندفاعه. أما المقاومة الفلسطينية، فتتمتع بهذه الأمور وتتفوق بها على الإسرائيلي من دون شك بدليل المقاطع المصورة.

 

3. منذ بداية العدوان العسكري الذي شنّه الكيان الصهيوني على غزة، اقتصر زعماء الدول الإسلامية على إطلاق المواقف الشفهية، ولم يتخذوا أي إجراء عملي من أجل وقف الهجمات الصهيونية على غزة. وبما أن قائد الثورة الإسلامية قال إن على الدول الإسلامية أن تمنع وصول الطاقة والبضائع إلى الكيان الصهيوني، فلماذا تتردد هذه الدول في اتخاذ مثل هذا القرار؟

من الناحية السياسية هناك خطوات كثيرة يمكن أن تفعلها الدول الإسلامية من أجل الضغط على الاحتلال الصهيوني. على سبيل المثال هناك أصوات في تركيا اتهمت الإسرائيليين بارتكابهم الإبادة، وغيرها اعترفت بـ«حماس» حركة مقاومة ولكن خرجت من تركيا نحو 260 سفينة شحن بضائع ووصلت إلى الكيان الصهيوني. مصر أيضاً ترسل عدداً قليل جداً من المساعدات التي يفتشها الاحتلال الإسرائيلي قبل السماح بدخولها، وكذلك الأمر في الأردن.

المشكلة الأساسية هنا أن هناك دولاً لم تقدر بعد على التحرر حتى هذه اللحظة من عقلية التبعية وتصديق أن المستقبل مُلك شعوب هذه المنطقة.

أما الأنظمة الأخرى كالمملكة العربية السعودية والإمارات التي تستفيد من العدوّ مباشرة، كما تستفيد من وجود الأساطيل الأجنبية للحفاظ على مصالحها بمعزلٍ عن مصالح شعوب المنطقة، هي معنيّة على ما يبدو بوجود الاحتلال الإسرائيلي الذي يساهم دائماً في تغذية الصراعات واستمرار الحروب والقتل والفقر في المنطقة. إذاً، العين كلها موجهة ضد الاحتلال ولن يحاسبهم أحدهم كونها تشكّل جزءاً من الحلف الغربي في المنطقة، إن انتفعت مباشرة أو غير مباشرة، وطبّعت رسمياً أو لم تطبّع. مثلاً الإمارات مطبّعة. أما السعودية فغير مطبّعة، ورغم ذلك هي منتفعة ويدور الحديث عن التطبيع. حتى في القمة العربية الإسلامية التي انعقدت في السعودية، الخطاب كان ضعيفاً جداً وبدا رؤساء الدول كأنهم ينتظرون على التلّ إذا لم نقل إنهم متواطئون في محاولة تحييد المقاومة الفلسطينية في غزة. لماذا؟ إنهم يريدون خلق إدارة سياسية جديدة وإسرائيل تريد تهجير أهل غزة. يريدون السلام مع العدو الإسرائيلي وإقامة العلاقات التجارية وتبادل المعلومات والدخول في إطار يجعل من الكيان مركزاً معلوماتياً وتجارياً أساسياً في غربي آسيا كي يستفيدوا مادياً ويحققوا الثروات الطائلة على حساب شعوب المنطقة ومصالحها.

إذاً لا يمكن أن نفصل بين مصالح حكام هذه المنطقة وبين طبقة الجشعين والنافذين. ورغم أن المظاهرات متواضعة في دول المنطقة لكنها تشكل خطراً أساسياً على أنظمة هذه الدول في حال توسعها. هذا يشكّل عاملَ ضغط أساسياً على الأمريكي من أجل الإسراع في إنهاء العملية العسكرية في غزة ويمهد لانتصار المقاومة الفلسطينية. فهذه الأنظمة لا تخاف وحدها على بقائها، بل الأمريكي يخاف عليها أيضاً. لو سيطرت شعوب المنطقة وأتت بإدارات سياسية سيادية تمثل مصالح شعوبها، فإنّ ذلك يشكّل خطراً أساسياً على الأمريكي.

لذلك إن التظاهرات الداعمة لفلسطين في هذه الأنظمة هي الأمر الذي يجب أن نُبقي العين عليه لأنها تشكل عاملاً أساسياً في الدفع باتجاه وقف إطلاق النار وانتصار المقاومة الفلسطينية.

يجب ألا نركز كثيراً في إصلاح الإدارات السياسية والأنظمة المتعاملة مع الاحتلال أو الأنظمة التي تفضّل أن ينتصر الاحتلال، بل يجب أن نلاحظ مستوى غضب الشعوب وعدد الذين يشاركون في التظاهرات دعماً لفلسطين ورفضاً للمجزرة والتطهير العرقي الذي تفعله إسرائيل الآن وخلفها الولايات المتحدة وكل الغرب تقريباً.