«إنّ البطل الأساسي في حروب غزّة هو الشعب المقاوم والباسل الذي لا زال يدافع عن هذه القلعة مرتكزاً على قوّة الإيمان رغم تحمّل عدد من سنوات الحصار الاقتصادي». كان هذا مقطعاً من كلام الإمام الخامنئي في المؤتمر الدولي السادس لدعم انتفاضة فلسطين الذي انعقد في عام 2016 في طهران. أشار سماحته في هذه الكلمة إلى «الدفاع الباسل» للناس عن «قلعة غزّة» حتى يؤيّد ويشدّد على دورهم المصيري الذي يأبى الإنكار في مجال المقاومة والصّمود في وجه العدوّ الصهيوني.

تحوّل دعم المظلومين والمستضعفين في أرجاء العالم إلى مبدأ لا يمكن فصله عن السياسة الخارجيّة للجمهوريّة الإسلاميّة بعد انتصار الثورة الإسلاميّة. جاء في الفقرة 154 من دستور جمهوريّة إيران الإسلاميّة: «تعتقد جمهوريّة إيران الإسلاميّة أنّ سعادة الإنسان في المجتمع البشريّ كلّه هدفٌ لها، وتؤمن بأنّ الاستقلال والحريّة وحكومة الحقّ والعدل حقّاً للناس جميعهم حول العالم. لذلك إنّها مع الامتناع على نحو تامّ عن التدخّل في الشؤون الداخليّة لسائر الشعوب، تدعم الكفاح المحقّ للمستضعفين في وجه المستكبرين في أيّ نقطة من العالم». أقرّ مجلس الشورى الإسلاميّ في تاريخ 31/12/2008 مشروعاً من أجل الدّعم الشامل للشعب الفلسطيني المظلوم. أُكّدت في مقطع من هذا القانون ضرورة «نقل المساعدات الإنسانيّة من الشعب الإيراني إلى الشعب الفلسطيني المظلوم وعلى نحو خاصّ في الأراضي المحتلّة وأرض غزّة المحاصرة، وكذلك الدفاع عن هدف فلسطين بوصفه هدفاً وغاية، والناس المظلومين والمناضلين والمهجّرين الفلسطينيّين والمقاومة الإسلاميّة في فلسطين أيضاً حتى اكتسابهم حقوقهم الحقّة».

إضافة إلى هذا الأمر، يشير مجلس الشورى الإسلامي في القانون المذكور إلى جرائم الكيان الصهيوني في غزّة ويعدّها من المصاديق البارزة لارتكاب الجرائم ضدّ البشريّة وإبادة أجيالها، ثمّ يشدّد على ملاحقة هذه الجرائم عبر المحافل الدوليّة ومنها مجلس الأمن في الأمم المتحدة، إضافة إلى مطالبته بمحاكمة قادة الكيان المحتلّ للقدس في محكمة العدل الدوليّة بصفتهم المتسبّبين في إبادة الأجيال.

بعد حرب الأيام الاثنين والعشرين وهجوم الكيان الصهيوني على أهالي مدينة غزّة بعد أيام عام 2008، التي أسفرت عن استشهاد 1436 فلسطينيّاً وجرح أكثر من 5 آلاف آخرين، أطلق مجلس الشورى الإسلامي على اليوم الثامن عشر من كانون الثاني/ يناير اسم «غزّة رمز مقاومة فلسطين» ضمن إطار مشروع قانون معجّل قدّمته الحكومة الإيرانيّة حينئذٍ إلى مجلس الشورى الإسلامي.

جاءت تسمية يوم غزّة على امتداد سياسة جمهوريّة إيران الإسلاميّة الثابتة والمبدئيّة، التي كانت تشكّل إحدى الأهداف والشعارات للثورة الإسلاميّة. ضمن هذا الإطار، يقول قائد الثورة الإسلامية: «إنّ الدفاع الصريح عن حقوق المظلومين والدفاع الصريح عن حقوق الشعب الفلسطيني وأيّ شعب مظلوم آخر يُعدّان منهج الإمام [الخميني] وتوصيته ووصيّته. لحُسن الحظ تابع الشعب الإيراني ومسؤولو البلاد هذا النّهج».

 

لماذا يوم غزّة؟

لم يتخلَّ أهل غزّة عن المقاومة رغم الآلام والأوجاع كلّها التي تجرّعوها في حرب الأيام الاثنين والعشرين والشهداء والجرحى الذين قدّموهم، وواصلوا صمودهم حتى آخر لحظة إذ أُجبر الكيان الصهيوني على الرّضوخ لوقف إطلاق النار. عليه، سعت جمهوريّة إيران الإسلاميّة عبر تسمية الـ18 من كانون الثاني/ يناير من كلّ عام «يوم غزّة» إلى عرض أبعاد هذه المقاومة وتسطير الملاحم أمام أنظار العالم كلّه.

ضمن هذا الإطار، كتب موقع قناة «الجزيرة» في تقرير نشره وأشار فيه إلى مقاومة أهالي غزّة: «رغم استعمال الاحتلال الأسلحة المحرّمة دولياً - في مقدّمتها اليورانيوم المنضب والأسلحة الفسفورية – في حرب العامين 2008 – 2009، فإنه أخفق في تحقيق أهدافه». إذاً، كان أحد الأهداف الرئيسيّة لتعيين «يوم غزّة» أن تُقدّم غزّة للجميع على أنّها «رمز المقاومة والصمود والشّهامة» للفلسطينيّين في أرضهم الأم. إنّ القضيّة الأخرى التي شدّدت أهميّة تسمية يوم باسم غزّة، كانت مساعي بعض وسائل الإعلام للتغطية على جرائم الكيان الصهيوني. عليه، وُكّلت وزارة الخارجيّة ومجلس الشورى في الجمهوريّة الإسلاميّة وفقاً للمادتين 2 و3 من هذا القانون بالتفاوض مع الدول الأعضاء في منظّمة التعاون الإسلامي ومجالس الدول الإسلاميّة كي يقرّوا هم أيضاً مشروعاً يقضي بتحديد يوم لغزّة.

كان «إبقاء قضيّة فلسطين حيّة» كأبرز قضيّة في العالم الإسلامي وأهمّ القضايا المحوريّة فيه من الأهداف الأخرى والدوافع التي أدّت إلى تسمية يوم 18 كانون الثاني/ يناير «يوم غزّة» أيضاً، وإيران حاولت بهذه الخطوة أن تُبقي قضيّة فلسطين حيّة كما فعلت بتسميتها آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك «يوم القدس»، وأن تجعلها محطّ اهتمام الجميع واعتنائهم على المستويات الإقليميّة والدوليّة.

إنّ اعتقال الإمام الخميني (قده) في عام 1953 م بعد إلقاء سماحته كلمة ضدّ "إسرائيل" وشعارات الشعب قبل انتصار الثورة الإسلاميّة المناهضة لها وإغلاق سفارة الكيان الصهيوني بعد دقائق من انتصار الثورة الإسلاميّة في الحادي عشر من شباط عام 1979 م وإعلان الإمام الخميني (قده) يوم القدس و... كلّها أمورٌ تُثبت وجود رؤية عميقة ومبدئيّة لدى الثورة الإسلاميّة تجاه فلسطين وعدّها، كونها محتلّة، أهمّ قضيّة في العالم الإسلامي. لا يزال هذا الموضوع يحظى باهتمام الشعب الإيراني ومسؤوليه، ومع استلام الجمهوريّة الإسلاميّة الحكم في إيران، وُظّفت وسائل القوّة الحكوميّة لدعم هذه القضيّة، ونحن نشهد هذه الأيام ثمارها في تأسيس جبهة المقاومة من اليمن إلى العراق ومن سوريا إلى لبنان وفلسطين.