ألقى قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، صباح الاثنين 3/6/2024، كلمةً في مراسم إحياء الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لرحيل الإمام الخميني (قده)، مبيّنًا أهمية قضية فلسطين ومكانتها في آراء الإمام الراحل وتوجهاته، وأضاف: لقد ركّز الإمام منذ اليوم الأول لبدء النهضة الإسلامية على قضية فلسطين، وتوقّع بدقة بصيرته ونظرته المستقبلية، مسيرة الشعب الفلسطيني، وإنّ هذه الرؤية الواضحة والمهمّة جدًا للإمام تتحقق تدريجيًا.
وأكد قائد الثورة الإسلامية، في هذه المراسم التي أقيمت في مرقد الإمام الخميني (قده)، أن الهدف من هذا الاجتماع العظيم كل عام هو إحياء ذكرى الإمام، والاستفادة من دروسه في إدارة البلاد وتقدّمها، وتحقيق أهداف الثورة الإسلامية.
وفي معرض تبيينه أهمية قضية فلسطين في فكر الإمام الراحل ومواقفه، رأى الإمام الخامنئي أن عدم عقد الآمال على مفاوضات التسوية، وحضور الشعب الفلسطيني في ميدان العمل، وإحقاق الحق، ودعم جميع الشعوب - وخاصة الإسلامية - للشعب الفلسطيني، خلاصة رؤى الإمام لانتصار الشعب الفلسطيني. وأضاف: إنّ هذه الأحداث الكبرى في طور الحدوث الآن.
وفي إشارة إلى غرق الكيان الصهيوني في مستنقع الميدان جرّاء عملية طوفان الأقصى، قال الإمام الخامنئي: على الرغم من أن أمريكا، والكثير من الحكومات الغربية، يواصلون دعم هذا الكيان، إلّا أنهم يعلمون أنه لا سبيل نجاة أمام كيان الاحتلال هذا.
وعدّ قائد الثورة الإسلاميّة «تلبية الاحتياجات المهمة للمنطقة» و«توجيه ضربة قاصمة للكيان المجرم» خصوصيّتين مهمّتين لعملية طوفان الأقصى، مضيفًا: لقد أعدّت أمريكا، وعملاء الصهيونية العالمية، وبعض الحكومات في المنطقة، خطة واسعة ومفصّلة لتغيير معادلات المنطقة وروابطها، كي يتمكّنوا، من خلال العلاقات التي يريدونها بين الكيان الصهيوني وحكومات المنطقة، من توفير أرضية لهيمنة الكيان الصهيوني على السياسة والاقتصاد في غربي آسيا، والعالم الإسلامي بأسره.
ولفت سماحته إلى أنّ هذه الخطة المشؤومة كانت قريبة جدًا من لحظة تنفيذها، فبدأت عملية طوفان الأقصى الإعجازيّة، لتنسف كل مخططات أمريكا والصهيونية وأتباعهما، ذلك أنّه مع أحداث الأشهر الثمانية الماضية، لم يعد هناك أيّ أمل في إحياء تلك الخطة.
وأوضح الإمام الخامنئي أنّ الجرائم غير المسبوقة والوحشية اللامحدودة للكيان الصهيوني، ودعم الحكومة الأمريكية لهذه الجرائم، هي بمنزلة ردود فعل غاضبة على إبطال المؤامرة الدولية الكبرى لسيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة.

وفي معرض تبيين الميزة الثانية لـ«طوفان الأقصى»، أي توجيه ضربة قاصمة للكيان الصهيوني، استند قائد الثورة الإسلامية إلى اعترافات المحللين والخبراء الأمريكيين والأوروبيين وحتى المحسوبين على الكيان المشؤوم، قائلًا: إنهم يقرّون أيضًا بأن كيان الاحتلال قد لحقت به هزيمة فادحة على يد جماعة مقاومة، فبعد ثمانية أشهر لم يحقّق أيًّا من أهدافه في حدّها الأدنى.
وتابع سماحته: لقد أشار محللون ومؤرخون آخرون أيضًا إلى تخبّط الكيان وضياعه، وكذلك إلى موجة الهجرة العكسية، والعجز عن حماية المستوطنين داخل الأراضي المحتلة، ووصول المشروع الصهيوني إلى أنفاسه الأخيرة، مؤكدين أن العالم بات على أعتاب نهاية الكيان الصهيوني.
وفي معرض تبيين مدى جديّة موجة الهجرة العكسية من الأراضي المحتلة، أشار قائد الثورة الإسلامية إلى كلام أحد المحللين الأمنيين الصهاينة، وقال: "إذا ما نُشرَ مضمون نقاشات المسؤولين الإسرائيليّين وسجالاتهم في وسائل الإعلام سيرحل أربعة ملايين شخص من إسرائيل"، هذا ما يقوله أحد المحللين الأمنيين الصهاينة.
ومع الإشارة إلى تحوّل قضية فلسطين إلى قضية العالم الأولى، والمظاهرات المناهضة للصهيونية في لندن وباريس والجامعات الأمريكية، أوضح سماحته: «لسنوات طويلة، سعت المراكز الإعلامية والدعائية الأمريكية-الصهيونية إلى دفع قضية فلسطين نحو غياهب النسيان، ولكن في ظل «طوفان الأقصى» وصمود أهالي غزة، غدت فلسطين الآن قضية العالم الأولى».
وعدّ قائد الثورة الإسلاميّة معاناة أهالي غزة، ومن ضمنها استشهاد نحو 40 ألف نسمة، ومقتل نحو 15 ألف طفل ورضيع وحديث الولادة، بأنها التكلفة الباهظة التي يتحملها الشعب الفلسطيني في سبيل الخلاص من الصهاينة، وتابع قائلًا: ما زال أهالي غزة، ببركة الاعتقاد الإسلامي والإيمان بالآيات القرآنية، يتحمّلون الصعوبات، ويدافعون بصمود مُذهل عن صنّاع الملاحم والمقاومين.
كما أوضح سماحته أنّ سوء تقدير الكيان الصهيوني لقدرات جبهة المقاومة العظيمة هو السبب في «دخول ذاك الكيان إلى دهليز مسدود، حيث ستلاحقه الهزائم المتتابعة، ولن يجد سبيل نجاة من هذا الدهليز، بحول الله وقوّته».
ولخّص الإمام الخامنئي تصريحاته بالقول: على الرغم من دعاية الغرب، إلّا أنّ الكيان الصهيوني يذوب وينتهي أمام أعين شعوب العالم. وكما الشعوب، لقد أدرك هذه الحقيقة أيضًا العديد من ساسة العالم، بل حتى الصهاينة أنفسهم.

وفي جزء آخر من كلمته، تطرق قائد الثورة الإسلامية إلى الحادثة المؤلمة لاستشهاد رئيس الجمهورية المحبوب والعزيز والمثابر ومرافقيه، وقال: بدورهم، كان كل فرد من مرافقي رئيس الجمهورية شخصيات قيّمة.

وقال الإمام الخامنئي معبرًا عن السمات والخصوصيات البارزة والمتميزة للشهيد رئيسي: الجميع اعترف بأنه رجل السعي والعمل والخدمة والإخلاص، ولقد أسس في الخدمة مستوى جديدًا لم يكن موجودًا حتى الآن بهذا الحد والحجم والجودة والإخلاص.

إن التحرّك الحثيث والمفعم بالبركة في السياسة الخارجية، واغتنام الفرص لإبراز دور إيران في أعين القادة السياسيين في العالم، هي من بين السمات الأخرى التي تميز بها الشهيد رئيسي، والتي ذكرها قائد الثورة الإسلامية. كذلك عدّ سماحته أن رسم الحدود الصريحة مع أعداء الثورة ومعارضيها، وعدم الثقة في ابتسامة العدو، سمات أخرى من سمات الشهيد رئيسي.

كما كرّم الإمام الخامنئي الشهيد أمير عبد اللهيان، ووصفه بأنه وزير الخارجية المجتهد والمبدع، والمفاوض القوي، الذي يتمتع بالذكاء والتمسّك بالمبادئ والثوابت.

وعدّ قائد الثورة الإسلامية المشاركة المليونية للناس في تشييع شهداء الخدمة وتوديعهم أمرًا بارزًا وجديرًا بالتحليل، ووصفه بأنه أنموذج للملاحم التي يسطّرها الشعب الإيراني في مواجهة الأحداث المريرة والصعبة على مدى تاريخ الثورة.

وقال الإمام الخامنئي في هذا السياق: لقد أظهرت هذه الملحمة أن الشعب الإيراني، شعبٌ مفعم بالدوافع، وصامد وحيّ، لا تهزمه الشدائد، بل تزيد من إصراره واستقامته.

وأشار الإمام الخامنئي إلى أنّ الرسالة الأخرى للحضور الشعبي الملحمي هي دعم شعارات الثورة وتأييدها، وقال: لقد عبّر المرحوم رئيسي عن شعارات الثورة صراحةً، وكان تجسيدًا لهذه الشعارات.

وفي جزء آخر من كلمته، عدّ قائد الثورة الإسلاميّة الانتخابات المقبلة عملًا عظيمًا وظاهرةً مليئة بالإنجازات، وأضاف: إذا أجريت هذه الانتخابات بنحو جيد وبجلال وعظمةٍ، فستكون إنجازًا كبيرًا للشعب الإيراني، وسيكون لها انعكاس استثنائي في العالم.
وفي الختام، وصف سماحته ملحمة الانتخابات بأنها استكمالٌ لملحمة الشعب في وداع الشهداء، مؤكدًا: يحتاج الشعب الإيراني إلى رئيس نشيط ومثابر، وملمّ ومؤمن بمبادئ الثورة، من أجل الحفاظ على مصالح الشعب وتثبيت عمقه الاستراتيجي في المعادلات الدولية المعقّدة.