بسم الله الرحمن الرحيم،

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.

أبارك حلول أيام ولادة السيدة الصدّيقة الطاهرة (صلوات الله عليها)، وأعربُ عن سعادتي لانعقاد هذا اللقاء - بحمد الله - هذا العام أيضاً. في رأيي، يُعدّ هذا اللقاء من أفضل اللقاءات التي تُعقد هنا في الحسينية، وأكثرها تميّزاً. هذا الجمع العظيم من نسائنا وفتياتنا العزيزات، ومع هذه المشاعر الحماسية والكلمات القيّمة التي ألقتها المتحدّثات والسيدات الموقرات،[1] كلّها جعلت من اللقاء ذكرى لا تُنسى، للحق والإنصاف.

لقد تحدّثن بمواضيع جيّدة جداً. الآن ومن هنا، أوصي المسؤولين في مكتبنا - قسم المتابعة - بأن يدرسوا بجدية ملاحظات هؤلاء السيدات. بعض هذه الأمور هي من واجبنا وتتعلق بي أو بمكتبنا، وبعضها الآخر يتعلق على نحو أكبر بالأجهزة الحكومية وما شابه. ما يتعلق بنا يجب إنجازه، وما يخص الأجهزة الأخرى تنبغي متابعته.

لقد تُطرِّق إلى موضوع «النموذج الثالث للمرأة»، التي هي المرأة المسلمة الثورية، وكذلك إلى قضية الأسرة في الفضاء المجازي، التي بُيّنت بدقة عالية وعلى نحو جيّد. قضية حلّ مسألة النمو السكاني عبر مؤسسة الأسرة أيضاً التي تناولتها تلك السيدة، إذْ ركزت على موضوع النمو السكاني وزيادة الإنجاب وعدد الولادات وما إلى ذلك. طبعاً، لقد ذكرت أن لديها طفلين، وهذا قليل.[2] كما إنّ المواضيع المتعلقة بالفن، وخاصة السينما والمسرحيات الإيرانية، التي تناولتها إحدى السيدات هنا، تحوز أهمية [أيضاً]. موضوع تسهیل الزواج أمرٌ مهم جداً، حقاً واحدة من مشكلاتنا الحالية هي هذه، كما إنّ هذه المواضيع التي طرحتها هذه الفتاة هي مواضيع جيدة جداً. تجب متابعة هذه الأمور، فإنّها قضايا مهمة. لقد رأيت السيدة عائدة سرور هنا من قبل أيضاً، كان ذلك في اليوم الذي وصلها فيه نبأ استشهاد ابنها الثاني. كان لدينا لقاء هنا في الحسينية، فرأيت هذه السيدة. أهنئها على هذه الروحية وأعرب عن تعازيّ لها في فقْد وَلَدَيْها.

لقد أعددتُ بضع نقاط لأعرضها هنا، وإن شاء الله، سأتحدث عنها بما يُتيحه الوقت. سأتحدّث قليلاً بشأن السيدة الصدّيقة الكبرى (سلام الله عليها)، ثم سأتناول نقطتين أو ثلاث عن قضية المرأة - هي قضية مهمة اليوم على مستوى البشرية والإنسانية في أنحاء العالم - من وجهة نظر الإسلام، وبعدها سأتطرّق قليلاً إلى ما يحدث اليوم في المنطقة.

ما يمكنني قوله بشأن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، هو إنّ هذه السيدة الجليلة وهذه السيدة الشابة تُعدّ من عجائب الخلقة. إذا استطاع الإنسان إحصاء الأبعاد الوجودية لفاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ومشاهدتها، فإنّه سيُوقن بأنها ظاهرة مذهلة في خلق العالم، إنّها مخلوقٌ بهذا المستوى. لقد بلغت هذه الشابة، التي استشهدت في أوائل شبابها - إذْ يُقال وفقاً لبعض الروايات إنها كانت في سن الثامنة عشرة، وفي روايات أخرى يقال حتى في سن العشرين أو الاثنين وعشرين وما إلك ذلك، ولكن على أي حال، ما ورد بشأن هذه السيدة الجليلة عن النبي (ص) أو الآخرين يتعلق بشابة في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة من عمرها -  على الصعيد المعنوي ومرتبة الهوية الملكوتية والجبروتية، مقاماً إذ أصبح غضبها موجباً لغضب الله، ورضاها موجباً لرضا الله. نُقلت هذه الرواية عن الشيعة وعن السنة كذلك، ففي روايات كتب الشيعة، نُقلَ «إِنّ اللهَ يَغضَبُ لِغَضَبِ فَاطِمَةَ وَيَرضى لِرِضاها»[3]، هذا التعبير الموجود في كتبنا. أما في كتب أهل السنة، فالرواية نفسها تأتي بصيغة خطاب من النبي (ص) إلى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، إذْ قال النبي لفاطمة: «يا فاطِمَةُ، إِنّ اللهَ لَيَغضَبُ لِغَضَبِكِ وَيَرضى لِرِضاكِ»[4]. إنه أمر عجيب جداً! ليس كما لو أننا نقول إن هذا الإنسان الرفيع المقام هو الذي يغضب لغضب الله؟ كلّا، القضيّة عكس ذلك، فالله يغضب لغضبها. انظروا إلى هذه العظمة!

كانت (س) المواسية للنبيّ (ص) في الشدائد، والمرافقة لأمير المؤمنين (ع) في الجهاد، والباعثة لدهشة الملائكة في العبادة، والمُلقيَة لتلك الخُطَب الفصيحة والبليغة والناريّة في السياسة. خُطب فاطمة الزّهراء (س)، سواء أكانت تلك التي ألقتها في المسجد أمام المهاجرين والأنصار، أم تلك التي شاركتها مع نساء المدينة، كانت تتضمن السياسة والمعرفة والشكوى والمناقب كذلك؛ [تتضمن] كلّ شيء. كانت حقاً أمراً استثنائيّاً صاغته أرقى الألفاظ وأبعدها مدى، كخُطب نهج البلاغة تماماً. هي مَن ربّت الإمام الحسن (ع) والحسين بن علي (ع) وزينب (س). لاحظوا! كيف أنّ هذه الخصائص حين يجتمع بعضها مع بعض، تُظهر للمرء - للحقّ والإنصاف - أمراً مُذهلاً وعظيماً. كانت طفولتها أسوة، وكذا شبابها وزواجها وسيرة حياتها، وهذه كلّها تُعَدُّ النماذج الأسمى التي تبرز أسمى مراتب المرأة المسلمة. هذه هي القمّة. الإسلام يدعو النساء نحو هذه القمّة، وصحيح أنّ النساء جميعهن لا يستطعن بلوغها، ولكن في مقدورهنّ السير في ذاك الاتجاه. طبعاً، يُعدّ هذا أجمل وأبلغ وأفصح تعبير عن أنموذج المرأة المسلمة، الذي عبّرت عنه هؤلاء السيدات بـ«النموذج الثالث». فاطمة الزهراء هي أنموذج. كانت هذه بضع عبارات بشأن السيدة الصدّيقة الطاهرة (سلام الله عليها).

أما بالنسبة إلى قضية المرأة، حسناً، فاليوم تُطرح قضية المرأة في العالم من جوانب مختلفة. تتحدّث كل مجموعة أو جهة في أي مكان من العالم عن قضية المرأة وتناقشها بدوافع واتجاهات معينة. يتدخل الرأسماليون والسياسيون في العالم في قضية المرأة أيضاً - إذْ يستند السياسيون أيضاً إلى الرأسماليين - مثلما يتدخلون في قضايا نمط العيش كلها. اليوم وبالأمس، يتدخل السياسيون والرأسماليون في العالم، أي أولئك الذين كانوا منشأ الاستعمار فيه، في القضايا كلها المتعلقة بنمط عيش البشر، ولديهم وسائل إعلام، بل إنهم يملكون أكثر وسائل الإعلام تأثيراً في العالم ويتقنون لغة الإعلام أيضاً. إنّ دافعهم، أي دافع السياسيين والرأسماليين في العالم، في التدخل في قضية المرأة ليس دافعاً نظرياً أو فلسفياً. ليس الأمر أنهم يمتلكون نظرية فلسفية عن المرأة ويرغبون في الترويج لها؛ كلّا، الأمر ليس كذلك. ليس هناك أيضاً شعور إنساني؛ ليس الأمر أنهم شعورهم بأن المرأة قد استضعفت في بعض الحالات حول العالم ويريدون دعمها، وأنّ مشاعرهم الإنسانية في حالة غليان؛ كلّا، هذا ليس هذا أيضاً. كما إنه ليس من باب أداء واجب اجتماعي وشعبي؛ هذه كلّها ليست الدافع وراء تدخّل السياسيين والرأسماليين. ما هو الدافع؟ الدافع هو السطو السياسي والاستعماري. يدخلون في هذه القضية لكي تكون مقدمة وساتراً لزيادة السطو والتدخّل والتوسع في مناطق نفوذهم. في الحقيقة، إنهم يتسترون على دافعهم الإجرامي ودافعهم المفسد، تحت ظاهر فلسفي أو تحت ظاهر تنظيري أو حتى تحت ظاهر إنساني [مزيّف]. هذه هي مواربة الغربيين؛ عدم الصدق الذي ينتهجه الرأسماليون الغربيون الذين يهيمنون على العالم اليوم. لقد شوهد هذا النفاق في قضايا مختلفة، فقد رأينا هذه المواربة نفسها والكذب والنفاق في قضايا متنوعة، وفي أداء الناشطين السياسيين والاقتصاديين الغربيين.

أحد الأمثلة على ذلك، أنهم منذ قرن تقريباً طرحوا قضية حرية المرأة واستقلالها المالي. أي أن تتمتع المرأة بالاستقلال المالي أو الحرية. كان ظاهرها جيّداً، ولكن ما باطن هذا الطرح؟ باطنه أن مصانعهم كانت بحاجة إلى عمّال، وكان العمّال الرجال غير كافين، فأرادوا جلب النساء للعمل، ولكن بأجور أقل من الرجال. كان هذا هو باطن القضية. لقد تشكّل هذا على نحو أكبر في أوروبا وفي المجتمعات الغربية، ولم يكن مقتصراً على أمريكا فقط. لقد أخفوا هذا تحت ظاهرٍ وغطاء إنسانيين [زائفين]، إذ تكون المرأة مستقلة مالياً وتتمكن من الخروج من المنزل وتسطيع أن تعمل. أي لقد شهدت البشرية هذا النفاق هناك أيضاً.

المثال الآخر، وطبعاً لا علاقة له بقضية المرأة، هو قضية تحرير العبيد في أمريكا. في أواخر القرن التاسع عشر، حوالى عام 1860، رفع الأمريكيون شعار تحرير العبيد على يد أبراهام لينكولن، الذي كان آنذاك رئيساً لأمريكا من الحزب الجمهوري. ظاهر القضية كان أنه ينبغي تحرير العبيد، وكانوا يساعدون في تهريب العبيد من الجنوب نحو شماليّ أمريكا، بسبب الحرب بين الشمال والجنوب. لكن باطن القضية لم يكن كذلك؛ كان باطنها أن الجنوبيين كانوا يتقنون العمل الزراعي، وكانت الأراضي الزراعية في الجنوب ويعمل العبيد فيها مجّاناً، فقد كانوا عبيداً [بأجورٍ] بخسة. كان الشماليون قد دخلوا الصناعة حديثاً، وكانوا بحاجة إلى عمّال؛ لم يكن هناك عدد كافٍ من العمال، ولذلك كانوا يرغبون في استخدام هؤلاء العبيد عمّالاً في مصانعهم، فكان السبيل في أن يقولوا لهم: أنتم أحرار، تعالوا هنا واعملوا في المصانع! في الواقع، ما حدث هو أنهم نقلوا العبيد من عبودية الزراعة والمزارع إلى عبودية المصانع. كان هذا باطن القضية. هذا هو نفاق الغربيين.

الأمر على هذا النحو اليوم أيضاً. النقاشات القائمة في العالم حول المرأة وقضية النسوية وقضية حقوق المرأة وقضية حرية المرأة وحقوقها، هذه كلّها ظاهر الأمر، وتكمن وراءها سياسات ودوافع غير سليمة. حسناً، ما هي الدوافع؟ نعرف بعضاً منها اليوم، وبعضها سنعرفه وسيُكتشف لاحقاً. لكن الدافع  ليس دافعاً إنسانياً وبشرياً. هذا النفاق موجودة اليوم أيضاً. الدوافع هي دوافع سياسية واستعمارية بحتة وأداة للنفوذ... طبعاً، الخوض في هذا الموضوع لا يرتبط بموضوع لقاء اليوم.

حسناً، نحن الآن أمام مثل هذا الوضع في العالم إذ يناقش أشخاص قضية «المرأة» المهمة، ولكنهم غير صادقين في هذا الموضوع. نحن بوصفنا مسلمين، عندما نريد أن نتحدث عن قضية المرأة، ينبغي أن نقدّم منطقاً وأن نرسّخه بيننا ونعمل وفقاً له. هذه هي مسؤوليتنا، ويجب أن نؤدّيها اليوم. طبعاً، كان لا بدّ أن تؤدّى منذ بداية [انتصار] الثورة، وقد بُذلت جهود كبيرة أيضاً، ولكن يجب إتمام العمل وينبغي إكماله. سأعرض بعض النقاط في هذا الصدد.

إذا أردنا إعداد ميثاق يوضح رؤية الإسلام بشأن المرأة ويتضمن بنوداً، فإنّ أول موضوع يجب أن يُذكر في هذا الميثاق، في رأيي، هو قضية «الزوجية». ما معنى ذلك؟ أي إنّ الرجل والمرأة هما زوجٌ يكمل أحدهما الآخر، ولقد خُلق كل منهما للآخر. هذا ما عبّر عنه القرآن على نحو صريح: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} (النحل، 72). هذا الخطاب {جَعَلَ لَكُم} ليس موجهاً إلى الرجال فقط، بل هو خطاب للبشر؛ رجالاً ونساء. {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً}؛ أيّها البشر، لقد جعل الله لكم أزواجاً من صنفكم أنفسكم. طبعاً، كلمة «زوج» لا تُستخدم للرجل فقط، بل استخدمت في القرآن لكل من الرجل والمرأة. لقد دوّنتُ الآية المرادة، التي استُخدمت فيها كلمة «زوج» للإشارة إلى المرأة: {يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (البقرة، 35). «زوج» هنا تعني الشريكة، المرأة. في موضع آخر، يقول [عزّ وجلّ]: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (المجادلة، 1). استخدمت كلمة «زوج» هنا للإشارة إلى الرجل. لذلك، لقد خلقنا لكم أزواجاً من صنفكم. طبعاً، هذا ليس خاصاً بالبشر فقط. أود أن أضيف على هامش الحديث أنه بالتأكيد ينبغي أن يتابع هذا الموضوع مَن هم أهل له.

في الإسلام، وفقاً لنظريّة الإسلام، يقوم أساس عالم الخلقة وتاريخ البشريّة وتاريخ العالم على التلائم والزواج والاتصال، وهذا تماماً عكس ما يوجد في ديالكتيك هيغل وماركس وأمثالهما، الذين يعتبرون أنّ أساس العالم يعتمد على التناقض. هم يقولون إنّ شيئاً يظهر، ويظهر نقيضه، ومن هذا التناقض ينتج شيءٌ ثالث، ويظهر له شيءٌ نقيض حتى النهاية. هكذا يسير التاريخ. أمّا الإسلام، فيقول لا، يَظهر شيءٌ، ويظهر شيءٌ آخر للتوافق معه والاتحاد به، ومن التوافق بين هذين والاتحاد بينهما والزوجيّة بينهما، ينتج شيءٌ ثالث. هكذا يسير التاريخ. طبعاً، كما قلت، على أهل الاختصاص التفكير في هذا والمتابعة، وأن يأخذوا خيطاً ويمضوا في طريقهم ليروا إلى أين يصلون. إنّها قضيّة مهمّة.

إذاً، في ما يتعلّق بالإنسان، خلق الله المتعالي الرّجل والمرأة بوصفهما زوجين، أي إنّهما يُكملان بعضهما بعضاً. معنى الزوجيّة ولوازمها تتطلّب أن يتكوّن كيانٌ واحد، وإلّا فلا توجد زوجيّة. إذا وُجد كيانان منفصلان واجتمعا واتحدا وائتلفا، ينشأ من هذا الاتحاد كيانٌ ثالث هو الأسرة. إذاً، فكرة الأسرة قائمة على مثل هذا الأساس الفكري الإسلامي. الأسرة سنّةٌ إلهيّة، وهي سُنّةٌ من سُنن الخلق. إذا ألقى رجلٌ وامرأةٌ السّلام على بعضهما، أو مرّا بجانب بعضهما قبل إلقاء التحيّة، فهذا لا يُحقّق الزوجيّة. الزوجيّة تعني تكوين كيانٍ ثالث: تكوين الأسرة؛ هذا هو معنى الزوجيّة. طبعاً، أُكّد في الإسلام على الأسرة أيضاً، ولحُسن الحظ، تُعدّ الأسرة التقليديّة الإيرانيّة من أبرز دلالات القوّة والعمق الثقافي للشعب الإيراني. إذاً، إنّ أوّل مادّة في الميثاق الإسلامي هي قضيّة تكوين الأسرة وقضيّة الزوجيّة، وقضيّة كون الرّجل والمرأة مكمّلين لبعضهما بعضاً، إذ يُكمل كلٌّ منهما الآخر.

الموضوع الثاني هو أنّ هذين الزوجين وهذين الفردين في المسار نحو الحياة الطيّبة – بلوغ «الحياة الطيّبة» هدف خلقة الإنسان – وهذين الرّجل والمرأة لا فرق بينهما أبداً، وليس أيّ منهما متفوّقاً على الآخر. طبعاً، ليس الناس في المستوى ذاته، فبين النساء، وبين الرجال، يوجد بعض الأشخاص الذين يمتلكون قدرات أكبر، وبعضهم أقلّ على مستوى القدرات؛ ولكن بين الرجل والمرأة، وتحت عنوان المرأة وعنوان الرّجل، لا يوجد أيّ فرقٍ في بلوغ الحياة الطيّبة. هذا ما ورد ذكره في القرآن أيضاً: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (النحل، 97)؛ وإنّ المرأة والرجل لو عملا عملاً صالحاً وكانا مؤمنَين، فسوف يكونان سواسية. هذا ما ذُكرَ في سورة النّحل، أو في تلك الآية الشريفة من سورة الأحزاب، التي قرأتها مرّات عدّة في جمع النساء: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} (الأحزاب، 35) – هناك عشر خصائص بين الرجل والمرأة – في الحركة الروحانيّة نحو الله، وباتجاه الحياة الطيّبة، وعلى خطى الارتقاء الإنساني في عوالم الملكوت والعوالم المعنويّة الروحانيّة التوحيديّة، لا وجود لأيّ فرق. هذا مبدأ آخر من المبادئ التي ينبغي أن تُدرج ضمن هذا الميثاق أيضاً.

الموضوع التالي هو أنّه رغم وجود فَرق في ظاهر المرأة والرّجل من الناحية الجسديّة – هذا أكثر طولاً وصوته أخشن –، ولكن تتوافر لدى كلا الجنسين مواهب لا متناهية من ناحية القدرات الفكريّة والروحيّة، ولا فرق بينهما. أي في مقدور كلا المرأة والرّجل التسابق في العلم، وليس الأمر على هذا النحو بأن يكون الرّجال أعلم من النساء. كلّا، كانت هناك سيّدات عظيمات وساميات وذوات مراتب بارزة من الناحية العلميّة في التاريخ. طبعاً، هنّ اليوم أكثر بمئات الأضعاف، إن كان في الجامعة أو في الحوزة أيضاً. من ناحية العلم والفن والإبداعات الفكريّة والعمليّة، ومن حيث التأثير الاجتماعي والفكري والسياسي، ومن ناحية الفعاليات الاقتصاديّة؛ تتوافر هذه القدرات لدى كلا الجنسين، المرأة والرّجل. إذاً، يُمكن للمرأة، وفي بعض الحالات، عليها خوض هذه الساحات. هي قادرةٌ على خوض هذه الساحات، وفي بعض الأماكن أيضاً، يكون ذلك واجباً عليها وضروريّاً؛ في السياسة والاقتصاد والقضايا الدوليّة والقضايا العلميّة والقضايا الفنيّة والثقافيّة وفي المجالات كافة. هذا أحد المواضيع في الميثاق الإسلاميّ أيضاً، وهو مرتبطٌ بالمرأة، وهذا المعنى موجودٌ حتماً.

الموضوع التالي هو أنّ المرأة والرّجل يلعبان في بيئة الأسرة أدواراً مختلفة، وهذا ليس دليلاً على التفوّق. على سبيل المثال، يتكفّل الرّجل بالإنفاق على الأسرة، وهذا لا يعني التفوّق. إنجاب الأطفال من مسؤوليّة المرأة، وهذا ليس دليلاً على التفوّق أيضاً. كلّ واحدة من هؤلاء ميزة، وهي ميزةٌ يتمتّع بها كلٌّ من الرّجل والمرأة. لا تُحسب حقوق الرّجل والمرأة بناءً على هذه الأسس، فلديهما حقوقٌ متساوية. هذا أمرٌ ورد في القرآن الكريم أيضاً: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} (البقرة، 228)؛ حقوق المرأة والرّجل في الأسرة واحدة، بمعنى أنّه إذا نظرنا إلى الأسرة من الناحية الحقوقيّة، نجد أنّ شخصين متساويين في الحقوق يعيشان معاً، ويُكمل كلّ منهما الآخر. طبعاً، المرأة من الناحية العاطفيّة لها بعض الخصائص، وقد قيلَ بشأن النساء: اَلمَرأةَ رَيحانَةٌ وَلَيسَت بِقَهرَمانَة؛[5] ينبغي النظر إلى المرأة داخل المنزل كوردة. يجب الاعتناء بالوردة والحفاظ على نضارتها والاستفادة من عطرها لتنعيم الأجواء. هذا من الناحية العاطفيّة، أما من الناحية الحقوقيّة، فهما متساويان. هذه نقطة في هذا الميثاق أيضاً.

النقطة الأخرى في هذا الميثاق هي أنّه هناك قيود وضوابط على العلاقات الاجتماعية بين المرأة والرجل، وهذه من الخصائص التي يركّز عليها الإسلام. طبعاً، هذا الانحلال الأخلاقي الذي نراه اليوم في الغرب لم يكن موجوداً، بل هو يعود إلى هذا العصر الجديد؛ ربّما إلى القرنين أو القرون الثلاثة السابقة. عندما يقرأ الإنسان بعض الكتب أو الروايات التي تعود إلى القرن الثامن عشر أو التاسع عشر، يرى توصيف المرأة الأوروبية آنذاك، ويلاحظ أن هناك ضوابطَ اجتماعيةً كثيرة كانت موجودة، وقد غابت اليوم في الغرب. الإسلام يركز على هذه الضوابط، مثل مسألة الحجاب ومسألة العفة ومسألة غض البصر؛ إنّها أمور يشدّد عليها الإسلام. هذا من الخصائص التي ينبغي أن تُدرج ضمن هذا الميثاق أيضاً.

مسألةٌ مهمّة جدّاً هي القيمة المعنويّة لـ«الأمومة». الأمومة شرف. إنّني اليوم ألاحظ أنّ بعض الأشخاص، وتأثّراً بتلك السياسات التي أشرتُ إليها – أي سياسات الرأسماليّين والمستعمرين والمتربّصين سوءاً بالمجتمعات المستقلّة، ومجتمعنا خصوصاً – يُصوّرون «الأمومة» بصورة سلبيّة. إذا قال أحدهم إنّ إنجاب الأطفال ضروريٌّ بالنسبة إلى الأُسَر، فإنّهم يتهكّمون ويسخرون قائلين: «أنتم تريدون المرأة من أجل الأطفال ومن أجل الإنجاب فقط». الأمومة شرف؛ أن تربّينَ إنساناً وتتكبّدن العناء الكبير، سواء داخل أنفسكنّ أم خارجها، وتفعلن ذلك في بدايات حياته وتتحمّلن الجهود التي يتطلّبها هذا الأمر وتربّينه بوصفه إنساناً، فهل هذا شرفٌ قليل؟ هذا أمرٌ مهم جداً وهو ذو قيمة كبيرة. لهذا يُركّز في الإسلام على «الأم».

يُسأل النبيّ (ص) «من أَبَرّ؟»؛ يأتي إليه أحدهم ويسأله عمّن ينبغي له أن يبرّه ويُحسن إليه، ومن الذي له الأرجحيّة؟ فأجاب «أُمَّك». فقال «ثُمَّ؟» من الشخص الذي يليها؟ فكرّر القول «أُمّك». في المرّة الثالثة، سأل «ثمّ من؟» فأجاب النبيّ (ص): «أمَّك». كرّر قول «أمَّك» ثلاث مرّات! ثمّ قال «من الذي يليها؟» فأجاب «ثمّ أبوكَ»؛[6] أي إنّ الأب في المرتبة الرابعة. كان قد جاء مع أحد الأشخاص وأراد أن يهمّ بالذهاب إلى الجهاد – [طبعاً] كان هناك ما يكفي من القوات في هذه الحكاية وهذه القضيّة – فقال: «أمّي ليست راضية»، فأجاب «اخدم والدتك، فثواب ذلك أكبر من ذاك الجهاد».[7] طبعاً كما أسلفتُ القول، هذا في حال وجود الكفاية. هكذا هي قضيّة «الأمومة».

إنّ ما جاء في الرواية بأنّ «الجَنَّةُ تَحتَ أَقدامِ الأُمَّهات»،[8] «تَحتَ أقدام» كناية وتعبيرٌ مجازي. «الجَنَّةُ تَحتَ أَقدامِ الأُمَّهات» تعني أنّها بمتناول يد الأمّ. إذا أردتم الجنّة، فعليكم الذّهاب إلى الأمّ؛ هي من ستمنحكم الجنّة. قدّموا الحبّ إليها وكونوا لطفاء معها واخدموها وأطيعوها واحترموها، وهي سوف تمنحكم الجنّة. هذه إحدى الموادّ أيضاً.

حسناً، هذه بعض النقاط بشأن قضيّة «المرأة» والنظرة تجاه المرأة في الإسلام. طبعاً، هذا الميثاق لو قرّر أحدهم إعداده، لربّما توجد مثلاً ثلاثون أو أربعون مادّة – موادّ مهمّة – في هذا الميثاق، وقد تطرّقت إلى بعضها.

نحن في بلدنا، شهدنا لحُسن الحظ وبناء على هذه الرؤية، نموّ نساء مؤمنات وواعيات ونشيطات، منذ بداية الثورة الإسلاميّة وحتّى اليوم. طبعاً، أثناء أعوام النّضال الأخيرة، أي تلك الأشهر الأخيرة أو العام الآخر، كان حضور النساء هناك أيضاً [حضوراً] حاسماً. لذلك، لم يتراجع الإمام [الخميني] (رضوان الله عليه) إطلاقاً. بعض الأشخاص كانوا معارضين لمشاركة النّساء في المسيرات، ولكنّ الإمام [الخميني] (قده) كان يرفض بشدّة هذا الفكر وهذه الرؤية وهذا الرأي. كان حضور النّساء مؤثّراً؛ كان مؤثّراً حقّاً. عندما نزلت النساء إلى الميدان، شعر الرّجال – حتى غير المبالين – بأن عليهم النزول إلى الميدان. عندما دخلت النساء الميدان، شعر أزواجهنّ وأبناؤهنّ الشباب أنّهم مُلزمون بدخول الميدان. بمعنى ما، كانت النساء اللواتي جعلنَ الثورة تنتصر.

بعد انتصار الثورة الإسلاميّة وتأسيس نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، دخلت النساء الميدان في شتّى القطاعات أيضاً. حسناً، هذه المواضيع التي ذكرتها هؤلاء النساء، كانت مواضيع رصينة جدّاً ودقيقة وتدلّ على فكرٍ مميّز وناضج. لا شكّ في أنّه بين هذا الجمع مئات النساء أو أكثر من ذوات هذا الفكر، وحتماً هناك جمعٌ غفير من السيّدات في البلاد المتألّقات في المراتب العلميّة والفكريّة وفي التجديد والابتكار والاجتهاد. أي إنّ الجهود بُذلت حقّاً. استطاعت المرأة الإيرانيّة أن تصون هويّة البلاد وثقافتها، واستطاعت أن تصون السّنن التاريخيّة والأصيلة للبلاد برصانتها وحيائها والعفّة التي أبدتها. دخلت الجامعة وخاضت الفعاليّات السياسيّة وشاركت في الأنشطة الدوليّة، ولكنّها لم تَفسُد. هذا أمرٌ مهمٌّ جداً. لم تقع تحت تأثير الأعراض التي نراها اليوم في عدد من الدول الغربيّة، حيث تتأثّر النساء [هناك] بتلك الأعراض، لم تتأثّر بها ولم تصبها تلك الأعراض. المرأة الإيرانيّة تحرّكت على هذا النحو حتّى اليوم، وسوف تتحرّك بعد الآن على هذا النحو أيضاً، إن شاء الله. لقد تألّقت سيّداتنا في خضمّ الأحداث الكُبرى، وتألقن في الحرب وفي الدفاع عن المقدّسات وفي خضمّ النضالات السياسيّة وفي مراكز الأبحاث، وكذلك في الجامعات، وكذا الحال في الحوزات. في تلك المُدد التي كنا فيها في الحوزة العلميّة، لا أذكر أنّ سيّدة بلغت مرتبة الاجتهاد الفقهي، لكن اليوم، ولحُسن الحظ، ليست النساء المجتهدات اللواتي بلغن مرتبة الاجتهاد الفقهي قلّة. أنا – العبد – أعتقد حتّى أنّ النساء ينبغي لهنّ أن يُقلّدن المرأة المجتهدة في كثير من المسائل النسائيّة التي تتمحور حول موضوع النساء، ولا يشخّصها الرجال على نحو دقيق. عليه، كان تقدّم السيّدات في بلدنا تقدّماً مميّزاً جدّاً في عهد الثورة الإسلاميّة.

لم يكن لدينا يوماً هذا العدد كلّه من النساء العالمات. لم يكن لدينا في يومٍ من الأيام هذا العدد كلّه من أساتذة الجامعات من النساء، وهذا العدد كلّه من النساء الشاعرات والنساء الكاتبات والنساء الفنانات؛ المتديّنات أيضاً. اليوم، لحُسن الحظ، لدينا هؤلاء كلّهن، ولكن علينا أن نلتفت إلى أنّ العدوّ لا يقف مكتوف الأيدي؛ إنه مشغولٌ بالتخطيط.

لقد أدرك أعداء نظام الجمهوريّة الإسلاميّة سريعاً أنّه لا يُمكن إلحاق الهزيمة بالثورة عبر استخدام الأساليب الصلبة، فاتّجهوا نحو الأساليب النّاعمة. أدركوا أنّهم لن يتمكّنوا من إنهاك إيران الإسلاميّة بالحرب والقصف وعبر العناصر المثيرة للفتن والنزعات القوميّة وأمثال هذه الأمور. إنهم عاجزون عن تركيعها، لذلك لجأوا إلى الأساليب الناعمة. تتمثل الأساليب الناعمة في بث الدعايات، وإثارة الوساوس، والمواربة، التي تظهر في شعاراتهم ويلاحظها الإنسان. يطلقون أسماءً وشعارات مثل الدفاع عن حقوق المرأة، والدفاع عن مجتمع النساء، والدفاع عن مجموعة من النساء، والدفاع عن امرأة معيّنة، ويُثيرون أعمال الشغب في بلدٍ بأكمله تحت عنوان الدفاع عن امرأة محدّدة! إنهم يستخدمون الأساليب الناعمة. ينبغي لفتياتنا ونسائنا ومعلماتنا وطالباتنا الجامعيّات ومجتمع النساء كلّه أن يشعرن بالمسؤولية في هذا الصدد. قالت إحدى السيّدات: «من أصبحَ ولم يهتمَّ بأمورِ المُسلمين، فلَيسَ بِمُسلم». هذا ليس مختصّاً بالرّجال فقط، بل يشمل النساء أيضاً، وهذا القول يصحّ تماماً في هذا الصدد. إحدى قضايا المسلمين التي ينبغي إيلاء الاهتمام لها هي هذه الوساوس والممارسات المؤذية والأساليب العدائيّة والأساليب الناعمة والحرب الناعمة التي تهدف إلى الانحراف عن القيَم في كثير من القضايا، وخصوصاً القضايا المرتبطة بالسيّدات والنساء؛ ينبغي لنا أن نعيَ هذه الأمور. هذه بضع جُمل بشأن المرأة أيضاً.

لأتحدّث بكلمةٍ بشأن قضايا المنطقة أيضاً. ظنّوا في المنطقة، ومع هذا التحرّك الذي حدث في سوريا، ومع الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني، والجرائم التي ترتكبها أمريكا، والمساعدات التي يقدّمها بعض الأشخاص الآخرين إلى هؤلاء، ظنّوا أنّ قضيّة المقاومة انتهت. هؤلاء واقعون في خطأ فادح. روح السيّد حسن نصر الله حيّة، وروح السّنوار حيّة. الشهادة لم تُخرج هؤلاء من ساحة الوجود؛ لقد رحل هؤلاء بأجسادهم، ولكنّ أرواحهم باقية وفكرهم باقٍ ونهجهم مستمرّ. لاحظوا كيف تُهاجَم غزّة يوميّاً، وكيف يحصدون الشهداء يوميّاً! لقد صمدوا وواصلوا الصمود ويواصلون المقاومة، ولبنان يقاوم. طبعاً، يظنّ الكيان الصهيوني أنّه يُعدّ نفسه عبر سوريا حتى يحاصرَ قوات «حزب الله» كما يتوهّم ويجتثَّ جذورهم، ولكن من ستُجتثّ جذورها هي "إسرائيل". نقف إلى جانب المناضلين الفلسطينيين، ونقف إلى جانب المجاهدين في سبيل الله من «حزب الله»، وندعمهم، وسنقدم لهم كل ما نستطيع من عون. نأمل أن يشهد هؤلاء، إن شاء الله، اليومَ الذي يُسحق فيه عدوُّهم الخبيث تحت أقدامهم.

والسّلامُ عليكُم ورَحمةُ الله وبَركاته.

 


[1] في بداية هذا اللقاء، تحدّثت ستة من الناشطات في مجال المرأة والفتاة وعرضن آراءهن وملاحظاتهن. كما تحدثت السيدة عائدة سرور (والدة شهيدين من مجاهدي «حزب الله»)، نيابةً عن نساء محور المقاومة، مؤكدة استمرار المقاومة وانتصاراتها.

[2] ضحكَ الحاضرون.

[3] الأمالي، الشيخ الصدوق، المجلس 61، ص. 384.

[4] أسد الغابة، ج. 6، ص. 224.

[5] الكافي، ج. 5، ص. 510.

[6] الكافي، ج. 2، ص. 159.

[7] الكافي، ج. 2، ص. 160.

[8] مستدرك الوسائل، ج. 15، ص. 180.