بسم الله والرّحمن الرّحيم

والحمد لله ربّ العالمين والصّلاةُ والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

أبارك ذكرى الولادة الميمونة لسيّدة نساء العالم وصفوة النبيّ الخاتم، السيّدة الزهراء (سلام الله عليها). لقد كان لقائنا اليوم لقاء نورانيًّا وروحانيًّا وعذبًا للغاية، فقد وفّرتم، أنتم الإخوة والأخوات المستمعون، وكذلك المؤدّون والمنشدون، بحق وإنصاف، الأجواء الروحانية التي نحتاجها جميعًا في هذا اليوم.[1] أسأل الله أن يحفظكم ويسدّدكم. سأتحدّث بشكل موجز عن السيّدة الزهراء (سلام الله عليها)، وسأتطرّق ببعض الجُمل للقضايا المرتبطة بالمديح والمدّاحين، كما سأشير إلى القضايا الراهنة.

لقد حدّد الله المتعالي امرأتين نموذجاً لجميع البشر من النساء والرجال. قال تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ» (التحريم، 11) ثم قال: «وَمَرْيَمَ ابْنَة عِمْرَانَ» (التحريم، 12)؛ هما سيّدتان. هاتان المرأتان جعلهما الله أنموذجاً وقدوةً لجميع البشر، ليس فقط للنساء بل للرجال أيضاً. ورد في روايات منقولة عن الشيعة والسنة عبر طرق متعددة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن زهرائي تفوق  هاتين المرأتين فضيلة ومكانة. ما يُقال عن كونهما نموذجين لا يقتصر على الفضيلة فقط؛ التفتوا، هما أيضاً أنموذج وقمّة. قد لا نصل أنا وأنت إلى هذه القمة، وبالتأكيد لن نصل، لكن، يجب علينا أن نسير باتجاه تلك القمة. في هذه الفترة القصيرة من حياة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) بعد الرسول الأكرم (ص) – شهران أو ثلاثة أشهر حسب اختلاف الروايات – ما برز من هذه الجليلة وظهر ورآه الجميع يمكن أن يكون قدوة للبشرية جمعاء، وليس للمسلمين فقط.

أن تقوم سيّدة وحيدة وشابّة أمام حشدٍ كبير، وفي مواجهة قوّة وحكومة، لتدافع عن الحق، وتُظهر الشجاعة، وتُقنع بمنطقها جميع أصحاب المنطق، ولا تترك العمل في منتصف الطريق، بل تستمر حتى آخر أيام حياتها حيث كانت نساء المدينة يأتين لعيادة تلك العظيمة، فتظل تبيّن تلك الحقائق، والأسس المحكمة للدين؛ هذا الشيء لا يمكن أن ينتج إلا عن شخصيّة بارزة ومميّزة وفريدة، مثل السيدة الزهراء (سلام الله عليها).

 لكن كلّ واحدة من هذه [الصفات] قدوة: القيام من أجل الحق، والشجاعة، والصراحة، وقوّة الاستدلال، والصمود. هذا هو الشيء ذاته الذي ذكره الله المتعالي في القرآن الكريم إذ قال: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} (سبأ، 46). إذا أصبحتم شخصين، انهضا وقوما من أجل الله في وجه ما هو خلاف أمر الله. وإذا لم تكونا شخصين أيضًا، وكنتم فرادى، ولوحدكم، قوموا أيضًا. ذاك المصداق الحقيقي لهذه الآية الشريفة، هو السيّدة فاطمة الزّهراء (سلام الله عليها).

ينقل الخوارزمي – وهو من علماء أهل السنّة – رواية ويقول: «قالَ رَسولُ اللهِ صَلّی اللهُ عَلیهِ وَآلِهِ یا سَلمان‌». وجّه النبي (ص) هذا الكلام إلى سلمان ــ الذي كان الأول والأقرب من بين أصحابه ــ فالنبي خاطب بهذا الحديث أقرب أصحابه إليه: «حُبُّ‌ فاطِمَةَ یَنفَعُ في مِائَةٍ مِنَ المَواطِن؛ أي إنّ حبّكم لابنتي فاطمة ينفعكم في مئة موضع، أي مئة مكان بعد مرحلة النشأة الدنيويّة هذه؛ أَيسَرُ تِلكَ المَوَاطِنِ المَوتُ وَ القَبر؛[2] هذه الأماكن المئة التي ينفعكم فيها حبّ فاطمة، أسهلها الموت والقبر. حسنًا، هذا حديثٌ بشأن محبّة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها). في الوهلة الأولى، هذا الحديث يعني أن إذا أحببتم فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، فإنّكم ستحصلون على هذه الفضيلة. حسنًا، هذا صحيحٌ أيضًا، أي لا يوجد أيّ إشكال في هذا المعنى. محبّتكم لفاطمة الزهراء (سلام الله عليها) تنطوي على هذه الخصوصيّة، بأنّها تنفعكم في مئة مكان؛ لكن عندما ندقّق، نجد أنّ هناك معنى آخر إلى جانب هذا المعنى وهو أنّ محبّة فاطمة الزّهراء لأيّ إنسان تحمل هذه الفائدة. هذا ما هو رائجٌ أيضًا في تعابيرنا الفارسيّة؛ إذ يقول: «محبّة فلان تنفعك»؛ ما الذي يعنيه هذا الأمر؟ أي محبّته لك. حسنًا، هذا أمر مهمّ وصعب. ذاك المعنى الأوّل سهل. أيّ شخص يرى تلك الشمس [الساطعة]، وذاك القمر المنير، وتلك النجوم اللامعة، وتلك الفضائل، سيشعر بالمحبّة. لكن المعنى الثاني، وهو أن تشعر هي بالمحبة تجاهكم، وهذا هو الجزء الصعب.

ما يناسب مجلس المدّاحين هو جزء من هذا الكلام نفسه: السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) تُحب من يجعل خصالها نموذجاً في حياته، وأحد أبرز هذه الخصال هو التبيين. لقد بدأت السيدة الزهراء (سلام الله عليها) منذ اللحظة الأولى بتبيين الحقائق، وكشفتها لكل المستمعين ولكل من لا يعلم، أو يعلم ويتجاهل ذلك، أو يعلم لكنه نسي. التبيين هو أهمّ عمل أدّته فاطمة الزهراء (سلام الله عليها). عمل المداح هو اتّباعُ فاطمة الزهراء (س) في التبيين. أودّ أن أقول في هذا السياق، أنّ الأعمال التي قدمّها هؤلاء السادة كانت تبيينًا، أي إنّهم بيّنوا الحقائق إلى جانب التعبير عن العواطف وإبراز العشق والمحبّة لأهل البيت (عليهم السّلام). لقد عرضوا الحقائق المعاصرة. فاطمة الزّهراء (س) أيضًا بيّنت الحقائق المعاصرة لها؛ فالقضايا التي حدثت في تلك الفترة، كانت القضايا المعاصرة حينذاك، وقد بيّنتها سلام الله عليها. تبيين القضايا المعاصرة مسؤوليّة فائقة الأهميّة.

لذلك جاء في الرواية عن النبي (ص): «إنَّ المُؤمِنَ يُجاهِدُ بِسَیفِهِ وَلِسانِه»[3]. المؤمن يجاهد، أحيانًا بنفسه، [أي] يذهب إلى الجبهة، وأحيانًا بسيفه، [أي] يستفيد من السّلاح، وأحيانًا بلسانه. الجهاد باللسان أحد أهمّ أنواع الجهاد، وأحيانًا يكون أشدّ تأثيرًا من الجهاد بالنفس أيضًا، وتكون أهميّته أكبر. أنتم الإخوة المداحون المجتمعون هنا، وجميع المداحين في أرجاء البلاد، مخاطبون بهذا الكلام: الجهاد باللّسان.

حسنًا، إن أداة هذا الجهاد بين أيديكم. وأنتم تمتلكون فناً مركباً، والمديح  فن مركب يجمع بين الشكل والمضمون. كلاهما فنّ؛ فاللفظ فن، والمعنى فنٌّ أيضًا. أي اجتمعت هنا عدّة فنون ونتج عنها المديح، وأنا أرغب في أن نعرف قيمة المديح؛ أن نعرفها نحن، وأن يعرفوها هم أيضًا. المديح دمجٌ بين عدّة فنون؛ فنّ الصوت، وفنّ النغمة، وفنّ الشعر، وفنّ إدارة الجمع [الحاضر] – وهذا في حدّ ذاته فنٌّ عظيم – وفنّ اللقاء مع الناس وجهًا لوجه. أنتم في الساحة الافتراضيّة لا تلتقون الناس وجهًا لوجه، لكن في المجلس الحقيقي، وفي عالم الواقع، أنتم تُحدّثون الناس، وتلتقونهم وجهًا لوجه. هذا في حدّ ذاته فنٌّ مهمٌّ أيضًا. لذلك، فإن المديح هو وسيلة إعلام شاملة. وبما أنه وسيلة إعلام، فإنه يمكن أن يكون أداة للتبيين؛ أداةٌ مهمّة للتبيين.

نحن نحتاج اليوم إلى التبيين. بثّ الشبهات اليوم من الأعمال الأساسيّة التي يلجأ إليها العدو. هم يخطّطون، وبعض ذلك موجودٌ في الأخبار العلنيّة، وأنتم مطّلعون على هذا الأمر، لكن بعضه ليس موجودًا في الأخبار العلنيّة، ونحن مطّلعون عليه. يخطّطون وينفقون الأموال حتى يحرفوا الأذهان عن الحقيقة. ما الذي ينبغي له أن يردّ؟ من يتوجّب عليه أن يجعل هذا الخطّ المنحرف يستقيم؟ من عليه أن يُبيّن؟ أنتم من ضمن القادرين على النهوض بهذا العمل العظيم.

إذا كانت حركة المديح  تبعث على الوعي، أي توعي الناس أولاً، ثم تُلهمهم الأمل، ولا تُحبطهم، بل تحفزهم على التحرك، فسيكون ما تفعلونه عملا عظيمًا وأساسيًا. ولا تتحقّق تلك الغاية من خلال الكثير من أدوات الكلام والتبليغ. بمقدوركم مكافحة بثّ العدوّ الرعب. لاحظوا، هذه الأمور التي أتحدّث عنها، كل عنصر منها مهمّ، وكلّ واحد من هذه الأمور [ضروري] من أجل إحياء المجتمع، من أجل ما ذكرتموه هنا، بأنّنا لن ننثني، وأنّنا سنرفع راية الإسلام فوق الجولان، وسندافع عن المرقد الطاهر المطهّر في الشام، وأمثال هذه الأمور، كلّ ذلك متوقّف على هذه الأمور. أي ينبغي التصدّي لبثّ العدوّ الرعب، وإثارة  الخلافات، وما يبثه العدوّ من يأس. إنّ الأداة الأساسيّة للعدوّ هي بثّ الخوف والترهيب. أنتم أقوياء، وهو يروّج لضعفكم حتّى يُخيفكم. أيديكم مملوّءة، لكنّه يروّج أنّها فارغة حتى يُحبطكم. يجب أن تلتفتوا إلى هذه النقاط.

في مرحلة صدر الإسلام، وفي معركة أُحُد، تلقّى المسلمون ضربة. استُشهدت شخصيّة مثل سيّد الشهداء حمزة، وأصيبت شخصيّةٌ مثل عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، أمير المؤمنين، من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه، ونفس النبي الأكرم (ص) تلقّى ضربة، واستُشهد عددٌ من الأشخاص. عندما عادوا إلى المدينة، وجد المنافقون الأرضيّة مناسبة لبثّ الوساوس، للاستفادة من هذا الوضع على المستوى الإعلامي، فبدأوا ينشرون الوساوس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} (آل عمران، 173). بدأوا يتحدّثون بهذه الأمور، فأنزل الله المتعالي الوحي لأجل هذه القضيّة، وتقول الآية القرآنيّة: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ} (آل عمران، 175). الشيطان وأعوانه هم الذين يبثّون الرعب والخوف، فلا تخافوهم. لقد وجّه القرآن صفعة قوية إلى أفواه المنافقين والمثيرين للوساوس. واليوم، عليكم أنتم أن تقولوا «إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ». يجب على أصحاب الشعر والأدب والفكر أن يجلسوا ويفكّروا، وأن يصنعوا للمخاطب منطقًا مقبولًا ويلامس القلب على هيئة الشعر، ونغمة المديح، وضمن المكانة المعتبرة لمديح أهل البيت (عليهم السلام) والإشادة بهم، وأن ينقلوا هذا [المضمون] إلى الناس. «إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ».

إنّ العناوين الرئيسية لأخبار منطقتنا هي قضايا سوريا. أنا لا أرغب في التحليل، فليُحلّل الآخرون. أنا لديّ ما أقوله في هذا المجال؛ بضع نقاط:

النقطة الأولى؛ ثمة مجموعة مثيرة للفوضى استطاعت بمساعدة الحكومات الأجنبيّة وعبر تخطيطهم ووفقاً لخطّتهم أن تستغلّ نقاط ضعف داخلية في دولة سوريا وأن تجرّ البلاد إلى انعدام الاستقرار، وانتشار الفوضى. لقد قلت قبل قرابة الأسبوعين أو الثلاثة في كلمة لي هنا[4]، إن مشروع أمريكا للهيمنة على الدول هو أحد أمرين: إمّا تأسيس حكومة فرديّة استبداديّة، ليتواصلوا ويتفاهموا معها، ويقسّموا مصالح البلاد في ما بينهم؛ إمّا هذا، أو الفوضى والاضطرابات والشغب ما لم يتحقّق هذا الأمر... لقد انتهوا في سوريا إلى الفوضى وأثاروا الاضطرابات. الآن يشعرون بالانتصار وفقاً لأوهامهم. الأمريكيّون والكيان الصهيوني ومن يسير في ركبهم؛ هؤلاء يشعرون بأنّهم حقّقوا النّصر وبدأوا يتشدّقون بالكلام الفارغ. هذه هي خصوصيّة أهل الشيطان أيضاً. عندما يشعرون بأنّهم حقّقوا النّصر، يفقدون السيطرة على ألسنتهم ويشرعون بالتفوّه بالهراء. يقولون كلاماً فارغاً. هؤلاء اليوم لجؤوا إلى الكلام الفارغ. هذه خلاصة ما ورد من كلام فارغ لأحد المسؤولين الأمريكيين، ولكنّه لا يصرّح بذلك، يقول ذلك على نحو غير مباشر. من الواضح تماماً أنّه يقصد هذا الأمر. يقول: سندعم كلّ من يثير الفوضى في إيران. «لقد اشتمّ الحمقى رائحة الشواء!»[5]. النقطة الأولى هي أنّ الشعب الإيراني سيسحق بأقدامه كلّ من يوافق على العمالة لأمريكا في هذا المجال.

النقطة الثانية. يتظاهر العنصر الصهيوني بالنصر، وكذلك يتظاهر بملامح المنتصرين، ويتحدث بكلام فارغ وخطابات جوفاء. أيها البائس، أين انتصرتم؟ هل انتصرتم في غزة؟ هل قتل أكثر من أربعين ألف امرأة وطفل بالقنابل من دون تحقيق أي هدف من الأهداف التي أعلنتموها في البداية يُعد نصراً؟ هل قضيتم على «حماس»؟ هل حررتم أسراكم في غزة؟ قلتم إنكم ستقضون على «حزب الله» واغتلتم شخصية عظيمة مثل السيد حسن نصر الله، فهل استطعتم القضاء على «حزب الله»؟ «حزب الله» لا يزال حياً، والمقاومة الفلسطينية لا تزال حية، و«حماس» لا تزال حية، و«الجهاد الإسلامي» لا يزال حياً. أنتم لم تنتصروا، بل هُزمتم.

في سوريا، كانت الأبواب مفتوحة أمامكم، ولم يكن هناك حتى جندي واحد يواجهكم ببندقية، ومع ذلك، تقدمتم فقط بضعة كيلومترات باستخدام الدبابات والمعدات العسكرية؛ هذا ليس نصراً. إنّ عدم وجود عائق أمامكم لا يعني النصر. مع ذلك، إن الشباب السوريين الشجعان والغيارى سيطردونكم من هناك من دون شك.

النقطة الثالثة. في مختلف دعاياتهم – لأنّ الطرف المقابل لهم هو الجمهوريّة الإسلاميّة - يكرّرون القول إنّ الجمهوريّة الإسلاميّة فقدت قوّاتها بالوكالة في المنطقة! وهذا خطأٌ آخر! ليس لدى الجمهورية الإسلامية قوّات بالوكالة. يقاتل اليمن لأنّه ذو إيمان، و«حزب الله» يقاتل لأنّ قوّته الإيمانيّة تجذبه إلى الميدان، و«حماس» و«الجهاد» يقاتلان لأنّ عقيدتهما تدفعهما إلى فعل ذلك. هؤلاء لا ينوبون عنّا. نحن لا نحتاج إلى قوّات بالوكالة إن أردنا أن نُبادر إلى أي خطوة في يومٍ من الأيّام. هناك رجالٌ شرفاء ذوو إيمان في اليمن والعراق ولبنان وفلسطين - وإن شاء الله في المستقبل القريب في سوريا - هم موجودون وسيستمرون في الحضور. هؤلاء يقاتلون من أجل قضيتهم ضد الظلم والجريمة، ويقاتلون ضد الكيان الصهيوني الغاشم المفروض. نحن أيضًا نقاوم، وسنتمكن من إزالة هذا الكيان من المنطقة، إن شاء الله.

ما أقوله ليس بياناً سياسيّاً، بل حقائق لمسناها من كثب. من الجيّد أن تعلموا هذا الأمر: «حزب الله» في لبنان هو مجموعة شريفة وقويّة ومتينة وفولاذيّة انبثقت وبرزت من صلب الاضطرابات في لبنان في الثمانينيات. كانوا قد أشعلوا المنطقة كلّها هناك؛ بالحروب الأهليّة والفوضى وانعدام الأمن... من قلب انعدام الأمن ومن قلب التهديد، نشأت فرصة «حزب الله» وبرزت. قبل شهيدنا العزيز السيّد حسن، كان المرحوم السيّد عبّاس [الموسوي] أيضاً، وكان هناك آخرون وقد استُشهدوا كذلك، ولكن شهادتهم لم تُضعف «حزب الله»، إن لم نقل أنّها قوّته. هكذا هو الحال اليوم، وهو ما سيكون عليه في الغد أيضاً. تنبثق الفرص من قلب التهديدات إذا كنّا ملتفتين وشعرنا بالمسؤوليّة وتابعنا الأمور وأثبتنا عمليّاً ما يدور في قلوبنا ويجري على ألسنتنا.

أنا أتوقّع، أي في هذه الحادثة، أن تظهر مجموعة شريفة وقويّة في سوريا أيضاً. الشاب السوري ليس لديه ما يخسره. جامعته غير آمنة، ومدرسته غير آمنة، وبيته غير آمن، وشارعه غير آمن، وحياته غير آمنة، فماذا يفعل؟ عليه أن يقف بكل قوة وعزيمة أمام أولئك الذين صنعوا هذه الفوضى وأمام أولئك الذين نفّذوها، وإن شاء الله، سيتغلب الشاب السوري عليهم. إن غد المنطقة سيكون أفضل من يومها، بلطف الله.

والسّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


[1] في مستهلّ هذا اللقاء، ألقى عددٌ من الذاكرين قصائد في مدح وبيان فضائل أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السّلام) ومناقبهم.

[2] مقتل الحسین (علیه السّلام)، ج 1، ص 100.

[3] تفسیر نمونه، ج ۱۵، ص ۳۸۳.

[4] كلمة سماحته في لقاء مع جمع من التعبويّين من أنحاء البلاد (25/11/2024).

[5] مقتبس من المثل الفارسي: «به بوی کباب آمدیم دیدیم خر داغ می کنند» (أتينا وراء رائحة الشواء فوجدناهم يختمون الحمير كيّاً بالنار!)، كناية عن الطمع الواهي والخيبة في المحصّلة، ويرادفه في المعنى المثل العربي: «مَن يعِش على الوهم يصحى على خيبة».