مرَّتْ أيام عدة والأجواء ضبابية؛ خاصة بالنسبة إلى أولئك الذين تابعوا الوضع في سوريا من كثب في السنوات العشر أو الاثني عشر الماضية، دون أن يكون لهم علاقة بما يحدث على الأرض في سوريا، وكان لديهم هموم وهواجس أخرى، سواء أكانت جيدة أم سيئة.
يعرف كثيرون ما حدث قبل الأحداث الأخيرة في سوريا وأثناءها وبعدها، ورغم أنهم صُدموا من سقوط دمشق بهذه السرعة، ولكنّ تحليلاتهم قبل السقوط وبعده واحدة.
الآن، مع هذه الظروف كلها، جاء الناس للقاء قائد الثورة الإسلامية ليعرفوا ماذا سيحدث، وما مصير المنطقة بعد الصدمات المتتالية، من استشهاد السيد حسن نصر الله ويحيى السنوار، وصولاً إلى سقوط النظام السوري؟
يقترب اللقاء، وها نحن نتحدث مع صديق عن بداية الحرب في سوريا، ونستذكر التوصية الغريبة التي وجهها القائد إلى الشهيد همداني: «لقد طلب منا سماحة السيد أن يكون عدد القتلى في سوريا قليلاً من الطرفين. كان سؤالنا: إذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى مؤيدي النظام والشعب السوري، فلماذا الطرف الآخر؟ فقال سماحته: هؤلاء شباب مسلمون، وقد خدعهم العدو. هؤلاء يقتلون الناس بصفتهم مشركين بناءً على تفسير خطأ لـلقرآن؛ لقد خُدعوا. يجب أن نعرف من هو المُخرج في الكواليس»[1].
يبدأ اللقاء، ويُذكّر القائد في بداية خطابه مجدداً بمن هو المُخرج اليوم وبالأمس، قائلاً: «لا شكّ في أنّ ما حدث في سوريا هو نتاج خطّة أمريكيّة وصهيونيّة مشتركة»[2].
لكن القائد، على عكس عدد من المحللين، ليس محبطاً مما يحدث في سوريا والمنطقة، بل إن سماحته متفائل بالشباب السوريين المسلمين والغيارى، ويا له من تفاؤل عجيب حقّاً!: «لن يحقّقوا أيّاً من هذه الأهداف، إن شاء الله. سوف تتحرّر المناطق المحتلّة من سوريا على أيدي الشباب السوريّين الغيارى؛ لا تشكّوا في أنّ هذا الأمر سيحدث»[3].
لكن القائد الحقيقي في ميادين المعارك الحالية في غربي آسيا يتحدث عن التجارب لا عن المُثُل: «درّب الشهيد سليماني في سوريا مجموعة مكوّنة من عدد من الآلاف من الأشخاص، ومن شبابهم أنفسهم، وسلّحهم ونظّمهم وأعدّهم، فصمدوا»[4].
يؤكّد سماحته: «سوف ينهض الشباب السوريّون الغيارى حتماً وسيصمدون ويضحّون ويتكبّدون الخسائر أيضاً، ولكنّهم سيتغلّبون على هذا الوضع. كما إنّ شباب العراق الغيارى فعلوا ذلك»[5].
يصبح المستقبل واضحاً، مستقبل يعتمد على هؤلاء الشباب السوريين؛ الشباب الثوريون الإيرانيون نفسهم الذين، بعد صيف 1981 الدموي واستشهاد عشرات من الشخصيات البارزة للثورة الإسلامية، فتحوا الطريق لنجاح هذه الثورة وازدهارها.
شباب «حزب الله» الذين سيواصلون طريق عماد وفؤاد وطريق شهيد الأمة السيد حسن نصر الله: «يا شعبَ لبنانَ الوفيّ، إنّ أهمّ رسائلِهِ (السيد حسن نصر الله) قولاً وعملاً في حياتِهِ الدنيويّة لكم، كانت ألّا يساورَكُم يأسٌ واضطرابٌ بغيابِ شخصيّاتٍ بارزَةٍ مثلِ الإمام موسى الصدر والسيّد عبّاس الموسوي، وألّا يصيبَكُم ترديدٌ في مسيرةِ نضالِكُم. ضاعِفوا مَساعيَكُم وقُدُراتِكُم وعزّزوا تَلاحُمَكُم وقاوموا العدوَّ المُعتَدي وأفشِلوهُ بتَرسيخِ إيمانِكُم وتوكّلِكُم»[6].
«أعزّائي، يا شعبَ لبنانَ الوفي، يا شبابَ «حزبِ الله» و«حركة أمل» المُفعَمين بالحماسَة، يا أبنائي، هذا طلبُ سيّدنا الشهيد اليوم من شعبه وجبهة المقاومة والأمّة الإسلاميّة جَمعاء أيضاً»[7].
طبعاً الطريق صعب، لأن الحكومة السابقة في سوريا كانت قد فرَّقت التعبويين الذين ربّاهم الشهيد همداني، وذلك لأن: «لاحقاً تسبّب بعضهم، المسؤولون العسكريّون نفسهم في ذاك البلد (سوريا)، في المشكلات والمعوّقات، وغضّوا الطرف – للأسف – عمّا كان يصبّ في مصلحتهم»[8].
ربما، ربما الآن قد فتح الطريق أمام نشاط القوى الشعبية لتحرير المناطق التي احتلها الكيان الصهيوني، تلك القوى التي أثبتت أن «التماهي مع الكيان الصهيوني» هو خطهم الأحمر.
انتهت الجلسة، ومع ذلك ما زلت أتأمّل في عمق تلك التوصية الغريبة التي وجهها القائد إلى الشهيد همداني: «الشباب المسلمون المخدوعون».
هل ما زال الطريق مفتوحاً لإنقاذهم من الخداع التكفيري-الصهيوني؟ أم أنّ مهمتنا لإنقاذهم قد انتهت مع سقوط الحكومة السورية؟
لا أظن أن المهمة الرئيسية للشهيد همداني، التي كانت إصلاح شباب العالم الإسلامي وإنقاذهم، قد انتهت. ربما يكون جزء من هؤلاء «الشباب الغيارى» هو الشباب المخدوعين نفسهم، وأن رحيل الحكومة السابقة قد يكون طريقاً لإنقاذهم. أولئك الذين يهتفون اليوم بأنهم يريدون أن يصلّوا في القدس والمسجد الأقصى، في حين يظن قادتهم أن عداء "إسرائيل" مع سوريا كان بسبب إيران، فيقولون إنهم لا يسعون إلى الحرب مع الكيان الصهيوني وإن "تل أبيب" لن تنقضّ عليهم بعد خروج إيران!
ربما يكون الصبر وعمل التبيين هو السبيل لفتح باب إنقاذ هؤلاء الشباب، وعندما يرون حقيقة قادتهم، قد يخطون خطوة عملية نحو المسار الصحيح، الذي يتمثل في تحرير القدس والأراضي الإسلامية، إن شاء الله.
لقد أصبحت هذه الآية التي قرأها قائد الثورة الإسلامية بحق شباب «حزب الله» في لبنان، على ألسن الجميع: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} (الفتح، 29).
[1] في حوار خاص مع «صحيفة إيران».
[2] https://arabic.khamenei.ir/news/9089
[3] https://arabic.khamenei.ir/news/9089
[4] https://arabic.khamenei.ir/news/9089
[5] https://arabic.khamenei.ir/news/9089
[6] https://arabic.khamenei.ir/news/8890
[7] https://arabic.khamenei.ir/news/8890
[8] https://arabic.khamenei.ir/news/9089