وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذا اللقاء الأدبي المميز:

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

كانت جلستنا هذه الليلة جد محببة وحلوة وكبيرة الفائدة إن شاء الله. أولاً استمعنا لأشعار جيدة وانبعث فينا الأمل بشأن المسيرة المتقدمة للشعر الفارسي في بلادنا، وثانياً حضر شعراء من مناطق مختلفة من البلاد وقرأوا أشعارهم بشكل متنوع وبأذواق ونظرات ومنابت متنوعة. وقد كان كل ما أنشد تقريباً جيداً؛ هذا كله يبعث على الفرح والأمل.

الشعر ثروة وطنية؛ كل أنواع الشعر، الغزل، والقصيدة، والرباعي، والقطعة، والمثنوي، أنواع الشعر مما يُسمّى بالقديم أو حتى الشعر الحديث، هذه كلها ثروة، ثروة وطنية؛ المهم هو في أيّ سبيل من المقرر أن تنفق هذه الثروة الوطنية؛ كانت هناك محاولة ولا تزال لاستخدام هذه الثروة في خدمة مفاهيم وعناوين غير ما منحته الثورة لنا وعرضته علينا وكرسته في البلاد. مثل هذه المحاولة موجودة، وقد كانت موجودة منذ بداية الثورة طبعاً. والسبب هو أنه كان لنا قبل الثورة شعراء مجيدون كبار كانوا ينظمون الشعر بأساليب مختلفة وبدرجات مختلفة، بيد أن ما ينفع هذا الشعب لم يكن كثيراً بين تلك الأشعار، بل كان قليلاً، سواء بين الشعر القديم أو الكلاسيكي على حد تعبير السادة أو بين الشعر الحديث.

لقد كنا في الأجواء والأوساط الأدبية آنذاك وكنا نشاهد، وكان هناك أشخاص ينظمون الشعر، كانوا ينظمون الشعر الحديث وكانوا ينادون بالتجديد والتحديث، لكنهم في الواقع لم يكونوا يقدمون أية خدمات لتقدم البلاد والتجديد الحقيقي والصحيح في البلاد. الكثير من هؤلاء الذين كانوا ينظمون الشعر الحديث ويفخرون بذلك ويتباهون بأنهم يخدمون المفاهيم الحديثة، كانوا خدماً في أجهزة البلاط والتابعين للبلاط وما إلى ذلك؛ لا يمكن القول إنهم كانوا يتعاونون معهم، بل كانوا خدماً بالمعنى الحقيقي للكلمة. كنا بالتالي نعرف بعضهم، نعرفهم عن قرب، ونعرف بعضهم عن بعد. كنا نطلع على أعمالهم ونعرفهم. لم يكن الشعر في خدمة مفاهيم الثورة، ولم تكن هناك أشعار في خدمة مفاهيم الوعي واليقظة في البلاد، ولا نقول لم تكن على الإطلاق بل كانت قليلة. قليلة جداً بالقياس إلى ما كان يجب أن يكون. والأشياء التي كانت موجودة لم تكن بالشكل الذي يمكن لعموم الناس والطبقات المحتاجة للتوجيه والإرشاد أن تنتفع منه.

(قبل الثورة) كان الكثير ممن ينظمون الشعر الحديث خدماً في أجهزة البلاط والتابعين للبلاط وما إلى ذلك

لاحظوا أنه من بين الشعراء المحدثين في ذلك الحين، من الطراز الأول والعالي منهم، كان أخوان (2) أكثر من يوجد في شعره خدمة لمثل هذه المفاهيم، لكن شعر أخوان كان شعراً لا يفهم الكثيرون منه شيئاً في الأساس. كان يتكلم برمزية واستعارية وما شاكل بحيث لا يفهم كثيرون من شعره شيئاً. نعم، يفهمه المتمكنون والعارفون بهذه اللغة. والبعض الآخر (من الشعراء) لم يكونوا أساساً في هذه الساحات، بل كانوا في خدمة مفاهيم أخرى، وكذا الحال بالنسبة للشعراء الكلاسيكيين. وقد كان هنا وهناك شعراء ينشدون الشعر في الشؤون الدينية أو لقضايا الثورة، ولكنهم كانوا قلائل جداً. لم يكن الشعر لخدمة المفاهيم التي تتقدم بالبلاد والتي تضاعف البصيرة في البلاد.

لكن ذلك السياق تغير بعد الثورة، فقد ظهر شباب وأصحاب همم، هؤلاء الشباب الذين أحرزوا بعد ذلك والحمد لله مكانة شعرية أرقى، مثل المرحوم حسيني، ومثل المرحوم قيصر أمين بور، أو السيد علي معلِّم والذي ليس حاضراً في اجتماعنا (3) وغيرهم من الذين كانوا شباباً في بداية الثورة، لقد قدَّم هؤلاء حقاً خدمات؛ أي إنهم أدخلوا الثورة في فضاءات جديدة، أمثال هؤلاء قدموا خدمات حقيقية، وقد كانوا عدداً محدوداً لكن هذه الدائرة اتسعت يوماً بعد يوم. ويمكن القول حالياً، وأنا طبعاً أشاهد أحياناً الأعمال الشعرية الأخرى التي تصب في خدمة مفاهيم أخرى، وفي بعضها عناد تجاه مفاهيم الإسلام والثورة ولا يوجد في بعضها الآخر مثل هذا العناد، تأتينا هذه الأعمال أحياناً ونشاهدها  ونطلع على أشعارهم وأنظر فيها، لكن الغالب والراجح على المستوى العام للبلاد اليوم هو الشعر الذي ينتهج الثورة إما على شكل مفاهيم دينية أو مفاهيم ثورية أو مفاهيم تتعلق بالدفاع المقدس وما شاكل من قضايا؛ من مختلف أنواع الشعر وألوانه. لحسن الحظ تستخدم هذه الثروة اليوم بهذا الاتجاه.

قبل عدة سنين كان مستوى الشعر أدنى من هذا وكانت المرتبة الشعرية أدنى، لم تكن عالية، ولحسن الحظ فإن المرتبة الشعرية هي الأخرى قد تعالت وارتفعت، وهذا ما يشاهده الإنسان في الأشعار التي يقرأونها. في نفس هذه الجلسة التي تعقد في النصف من شهر رمضان، والتي تقام منذ سنين، ربما منذ ثلاثين سنة أو أكثر أو أقل، في تلك البدايات كنت أحياناً استمع في هذه الجلسة فأتألم، كنتُ أستمع لكنني كنت أتألم حقاً من الشعر الذي يُقرأ، لأنني كنت أجد أن مستوى الأشعار ليس بالمستوى المناسب والمتطلب. أما الآن فلا، الواقع أن كل واحد من هؤلاء الأعزاء الذين يقرأون الشعر، يشعر المرء بالفخر أمام أشعارهم، ويشعر أن الأمور تجري وتتقدم إلى الأمام والحمد لله، بمعنى أن شجرة الشعر تنمو وتترعرع وتتفرع وتكبر. هكذا هو الشعر، وهذا هو الفن، والكثير من الحقائق هكذا، إذا جرى العمل من أجلها على مرّ الزمان فإنها أشبه بشجرة تزداد نمواً وحيوية بمرور الزمان. كذلك الحال في داخل البلاد إذا رعوا هذه الشجرة وسقوها وسهروا عليها فسوف تنمو يوماً بعد يوم وتزداد منافعها وثمارها. وهذه الحالة متوفرة اليوم في شعر البلاد لحسن الحظ. إذن، توجد هاتان الخصوصيتان؛ الخصوصية الأولى هي أن يكون الشعر هذه الثروة الإنسانية العظيمة في خدمة هذه المفاهيم، والخصوصية الثانية هي أن يكون هذا الشعر الموظف لخدمة هذه المفاهيم الحسنة ذا مستوى عال وجيد وآخذ بالنمو والتطور. توجد هاتان الخصوصيتان.

لكنني أروم القول إن التوقف والشعور بالوصول إلى المقصد النهائي سمّ مهلك. كل واحد منكم أيها السادة من الذين أشعاركم جيدة جداً ويستمتع الإنسان بها، نفس هؤلاء إذا شعروا بأنهم وصلوا إلى المحطة الأخيرة ولا توجد بعدها محطة فسوف يتوقفون ويسقطون ويهبطون. أضف إلى ذلك أن هذا خطأ. بمعنى أنه في هذه الجماعة الحاضرة هنا لو افترضنا أننا قيمنا وغربلنا وخرج واحد باعتباره من الدرجة الأولى بين الجماعة الحاضرة، نفس هذا الشخص الذي هو في الدرجة الأولى ليس بالدرجة الأولى في عالم الشعر، أي إن المسافة الفاصلة بينه وبين سعدي الشيرازي أو حافظ الشيرازي أو الفردوسي أو جامي وأمثال هؤلاء مسافة ملحوظة، ويجب أن يصل إليهم، بل يمكن حتى أن يتفوق عليهم؛ ليس الأمر بحيث يقال إن حافظ الشيرازي هو منتهى الشعر ونهايته، لا، يمكن أن يكون هناك ما هو أرقى منه. سواء في العثور على المضامين أو في استخدام التعابير ومديات وحدود المفردات المناسبة في الشعر، مثل ما يشاهده المرء في شعر صائب التبريزي، وفي شعر كليم، وفي شعر حزين، وأكثر من كل هؤلاء في شعر بيدل. بالتالي يجب العمل في هذه المجالات أكثر بكثير ويمكن العمل أكثر، وهذه الشجرة لها القدرة والموهبة والاستيعاب على مزيد من النمو والإيناع أكثر بكثير. 

نريد أن نقول إذن إن الأعزاء الذين وصلوا والحمد لله إلى حد تثير أشعارهم إعجاب الإنسان، لا يتصور هؤلاء بأننا "وصلنا والحمد لله وانتهى الأمر"، لا، ينبغي أن يواصلوا السعي والعمل والتقدم إلى الأمام، ونحن نعرف في عالم الشعر أشخاصاً كانوا في الفترة السابقة للفترة الحالية أصحاب مستويات شعرية أعلى من الشعراء الجيدين اليوم بشكل محسوس. أي كان هناك أشخاص لهم بالتالي مستوى شعري أرقى بحق في الغزل مثلاً، ولا شأن لي بالمحتوى والمضمون الآن، وقد لا تكون المضامين موضع قبولنا، ولكن من حيث شكل الغزل لنفترض أن أميري فيروزكوهي أو رهي معيّري أو أمثالهم، وإلى هذه الفترة الأخيرة كان المرحوم قهرمان أو قدسي أو غيرهم، كان لهم من الناحية الشعرية مستوى عال ولا يمكن تجاهلهم. وكذا الحال بالنسبة للشعر الحر الحديث، كان هناك في مضمار الشعر الحر أشخاص متميزون وممتازون حقاً. هؤلاء الذين كنا نعرفهم وكنت أنا أعرفهم. مثل المرحوم أخوان وأمثالهم. على كل حال يجب إذن مواصلة المسيرة والتقدم إلى الأمام. هذه أيضاً نقطة وهي أنه لا يجوز التوقف والمراوحة.

دققوا في الأشعار ما استطعتم، سواء بالنسبة للمضامين والعثور على المضامين أو بالنسبة لجمالية الألفاظ أو بالنسبة لتوجيه الأشعار نحو مزيد من المفاهيم التي هي موضع حاجة اليوم. شخصوا هذه المفاهيم. إنصافاً نحن الإيرانيون أناس كسالى في بيان وتدوين حقائقنا وأحداثنا وشخصياتنا. الحق إننا هكذا. وهذا طبعاً موضوع جدير بالبحث والتحقيق من قبل السادة علماء الاجتماع كي يبحثوا فيه ويروا هل هذا الكسل خصوصية وطنية فينا، أم أنه فرض علينا طوال الزمن؟ بخصوص شخصياتنا، وليكن مثلاً الإمام الخميني الجليل وهو شخصية من الدرجة الأولى بالتالي، أي لا يوجد شخص سواء كان صديقاً أو عدواً يشك في عظمة هذا الشخص. قد لا يوافقه، لكنه لا يشك مع ذلك في عظمته. كم كتاب كتبنا حول هذه الشخصية العظيمة الذي عاش في زماننا ومضى على وفاته قرابة ثلاثين عاماً؟ فكروا وانظروا كم كتاب حقاً كتبنا حول الإمام الخميني! وقارنوا هذا بعدد الكتب التي كتبت حول إبراهام لينكولن مثلاً في أمريكا. قرأت في أحد التقارير أنهم لو وضعوا الكتب التي كتبت عن إبراهام لينكولن بعضها فوق بعض لشكلت عموداً طوله عشرة أمتار. وقد كان لإبراهام لينكولن عنوانه وسمعته، على الرغم من أنني أعتقد أن عنوانه هذا كان عنواناً كاذباً. ما يقولونه من أنه حرر العبيد وما شاكل كلام تافه وليس كلاماً واقعياً. ولكنه اشتهر بهذا على كل حال. ولكن هناك رؤساء أمريكيون عاديون مثل إيزنهاور وآخرين، يوجد حولهم بعض الأحيان ألف كتاب، فهل هذا مزاح؟ تأليف ألف كتاب!

دققوا في الأشعار ما استطعتم، سواء بالنسبة للمضامين والعثور على المضامين أو بالنسبة لجمالية الألفاظ أو بالنسبة لتوجيه الأشعار نحو مزيد من المفاهيم التي هي موضع حاجة اليوم

لاحظوا كم كتاب كتبنا حول الإمام الخميني؟ هكذا هي القضية؛ نحن متأخرون، نحن متأخرون في هذه المجالات، نحن الإيرانيون متأخرون. وإلّا حتى في البلدان العربية لاحظتُ أنهم يكتبون الكتب فوراً حول الأحداث التي تقع، تتوالى التحليلات والكتب السياسية وما شابهها على الفور، ويكتب فلان ويحلل الموضوع من أبعاد مختلفة وجوانب مختلفة وبأذواق مختلفة منها الموافق ومنها المعارض. أما نحن والحق يقال فمتأخرون في هذه المجالات. وكذا الحال بالنسبة للشعر، كذلك الحال فيما يخص الشعر. وخذوا مثلاً قضايا وأحداث الشام، وهذه الأحداث الخاصة بالمدافعين عن المقدسات، من المناسب أن تنظم حول هذه الأحداث المئات من القصائد والأشعار. أو أحداث العراق مثلاً، فأحداث العراق وقضاياه مهمة جداً. وبالطبع قد يعطي الإنسان الحق للناس بمقدار ما، فمعظم الناس عندنا لا يعلمون بحقيقة القضية في العراق وما حدث في العراق، والشيء الذي أراد الأمريكيون فعله في العراق وكيف خابوا واصطدموا بالواقع وما هي العوامل التي خلقت هذه الحالة. كثير من الناس لا يعلمون الأمر، ولكن قضية العراق كانت في الواقع قضية عجيبة. أن يُبدَّل عراق صدام حسين إلى عراق الشهيد الحكيم! لاحظوا كم هي المسافة؟ بل إنها مسافة لا يمكن تصورها؛ لكنه شيء حدث على أرض الواقع. طيب، ينبغي نظم مئات القصائد بل آلاف القصائد حول هذا، ينبغي نظم الملاحم.

قضية العراق كانت في الواقع قضية عجيبة؛ أن يُبدَّل عراق صدام حسين إلى عراق الشهيد الحكيم! لاحظوا كم هي المسافة؟

 

جاءني اليوم أحد السادة الذين نظموا ملحمة، جاءني بها ونظرت فيها، ولا أتذكر حول أي موضوع كانت، كانت من أربعة أقسام، ملحمة شعرية. ومن الأعمال التي تنقصنا ولم نقم بها هي إنجاز ملاحم شعرية، ملاحم شعرية. خذوا بعين الإعتبار موضوعاً وانظموا ملحمة حوله، وقد قام شعراؤنا الماضون بهذا الشيء، فمن الأعمال اللافتة التي قام بها المرحوم أميري فيروزكوهي نظمه الملاحم. لقد كان له ثلاثة أنواع من الشعر بثلاثة أساليب، كان له غزلياته بثلاثة أساليب، أحدها الأسلوب الهندي بشكل جميل جزل زاخر بالمضامين، وهناك القصيدة بأسلوب خاقاني، وحين ينظر المرء في قصائد فيروزكوهي قد يشتبه عليه الأمر أحياناً ويظنها من نظم خاقاني. فهي بأسلوب خاقاني حقاً. وكان لديه الملحمة خارج نطاق كلا هذين الأسلوبين. والأساليب الجديدة. افترضوا مثلاً إنه ينظم ملحمة حول شجرة في سيمين دشت - شجرة كانت في الأرض التي يملكونها في الشمال،  أي إن مثل هذه الأعمال كانت في الماضي. أو نفس هذا المرحوم السيد إلهي قمشه اي، لديه النغمة الحسينية وهي ملحمة، وقد نظم النغمة الحسينية لإبنه حسين المعروف الآن. حكى لي المرحوم السيد إلهي قمشه اي شخصياً قصته، وهي أن هذا الطفل كان مريضاً وكانوا قد يئسوا من شفاء هذا الطفل الذي كان رضيعاً ومن بقائه حياً. فنذر أنه لو بقي هذا الطفل حياً فإنه سينظم ملحمة حول الإمام الحسين. يقول بقيت أفكر ورأيت أن طفلي يسير نحو الموت، كان الطفل في ساعاته الأخيرة وكان يحتضر ويقضي نحبه. ولأجل أن لا ترى الأمّ موت طفلها قلتُ لها إذهبي إلى فوق السطح، واكشفي عن رأسك وادعي وتضرعي. بهذه الذريعة أردتُ أن أبعدها عن الطفل لكي لا ترى احتضاره وموته، لكنني خطر ببالي هذا النذر أنه لو شفي هذا الطفل فسأنظم ملحمة حول الإمام الحسين؛ ثم بدأت أفكر من أين أبدأ الملحمة وكيف أنظم وما إلى ذلك، يقول هكذا بدأت الأفكار تتوارد على ذهني قليلاً قليلاً إلى أن وصلت إلى علي الأصغر وعطش علي الأصغر، فتذكرت فجأة أن هذا الطفل لم يشرب الماء ولا اللبن منذ ثلاثة أو أربعة أيام بأمر من الطبيب. كان الطبيب قد قال إن الماء واللبن يضر هذ الطفل، وإذا شربهما فسيموت. فقلت مع نفسي إن هذا الطفل عطشان وهو يحتضر وآيل إلى الموت، فلأسقينه وليمت بعد ذلك، فطالما هو ميت فلا يموت عطشاناً على الأقل. يقول فنهضتُ وجئتُ بالماء ورحت أسكب الماء بالملعقة الصغيرة قليلاً قليلاً بين شفاه الطفل، وحينما فعلتُ هذا مرتين أو ثلاث مرات رأيت عيناه انفتحتا، فسقيته مزيداً من الماء فأخذ يبكي، فذهبت عند أول الدرجات وناديت على والدته وقلت لها تعالي إبنك يريد لبناً. يقول تصورت الأم أن ابنها قد مات، وأنا أخبرها هذا الخبر بهذه الطريقة «تعالي أرضعي ابنك لبناً»، فنزلت فوجدتْ الأمر على غير ما تصورت، والطفل يبكي حقاً ويريد لبناً، فأرضعته. يقول وهكذا تحسنت حال الطفل! وبالطبع فقد كتب هو نفسه هذه القصة في مقدمة النغمة الحسينية. وما قاله لي ورويته الآن يختلف عمّا في مقدمة النغمة الحسينية قليلاً:

في أوراق كتاب الاسم والرسم

جاءه اسم الحسين من السماء

وهذا هو حسين إلهي قمشه اي الذي يقدم بعض البرامج. إنه طفل هذه القصة. القصد هو أنه نظم النغمة الحسينية، وهي من أفضل أشعار السيد إلهي قمشه اي. ملحمة النغمة الحسينية في عداد أفضل أشعار السيد إلهي قمشه اي. وليست لدينا ملاحم شعرية.

إنه يرقص رقصة السيوف! اجتمعت الجاهلية الحديثة مع الجاهلية القبلية إلى جانب بعضهما! فهل أفضل من هذا وهل منظر أجمل من هذا للهجاء!

ونبّه أحد الإخوة إلى أنه من الأساليب أو الأغراض التي ليست لدينا هو الهجاء أو «جانر» على حد تعبيره؛ وقد شاعت هذه الكلمات الأجنبية إلى حد وكأن الإنسان لا يفهم من دونها. غرض الهجاء. قال الرسول الأكرم (ص) لحسان بن ثابت إهجهم، فراح يهجوهم. وأنتم أيضاً أهجوا. إنه يرقص رقصة السيوف! اجتمعت الجاهلية الحديثة مع الجاهلية القبلية إلى جانب بعضهما! فهل أفضل من هذا وهل منظر أجمل من هذا للهجاء! اهجوهم في أشعاركم. يمكن نظم ألف شعر حول هذا. الهجاء قضية والأدب الساخر قضية أخرى، ولحسن الحظ فإن الأدب الساخر موجود، وقد قرأ السيد هذه الليلة أدباً ساخراً، وقد كان السيد ناصر فيض حاضراً ولم يقرأ، والآخرون، الحمد لله ليس الحال سيئاً من حيث الأدب الساخر، حققنا بعض التقدم شيئاً فشيئاً، لكن الهجاء مفتقد؛ يجب أن يُهجى هؤلاء الذين يقومون ببعض الأعمال أحياناً. أن يأتوا ويجعلوا بلداً مثل العربية السعودية كذا وكذا في لجنة حقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة! فهل شيء أطرف من هذا؟! إنه موضع هجاء حقاً، ومن المؤسف أن لا يُهجون (4). الحق أنه من المؤسف أن لا يُهجى مثل هذا الشيء ويذهب لحاله. وفقكم الله جميعاً، وقد حانت الساعة الثانية عشرة. في أمان الله.

 

الهوامش:

1 - في بداية هذا اللقاء قرأ عدد من الشعراء أشعارهم.

2 - مهدي أخوان ثالث شاعر إيراني معاصر.

3 - قال أحد الحضور هنا أنه لم يحضر بسبب المرض.

4 - ضحك الإمام الخامنئي والحضور.