بسم الله الرحمن الرحيم،

... اليوم، وهو ذكرى استشهاد الإمام أبي جعفر الثاني، محمد بن علي الجواد - عليه وعلى آبائه السلام - يتوجّب علينا التحدّث باختصار عن حياة هذا الرجل العظيم، وكما قلت مرات عدة إن حياة الأئمة (ع) بالنسبة إلينا اليوم درسٌ غني المحتوى والمضمون، ومعرفةٌ رائدة.

... تكاد تكون حياة الإمام جواد (ع) بين الأئمة حياة فريدة من نوعها وقليلة النظير، إن لم نقل منقطعة النظير، لأن هذا الرجل العظيم، مع أن إمامته لم تكن قصيرة - أي مدة إمامته كانت سبعة عشر عاماً تقريباً – لكنه لم يعش أكثر من خمسة وعشرين عاماً.

... هذه السنوات الخمس والعشرون من الحياة هي مرحلة نضال. ربما كان عمر هذا الرجل - لا أتذكر بالضبط الآن - على سبيل المثال سنتين أو ثلاثاً حين نُفي الإمام الثامن (والده) من المدينة المنورة أو كان قد استدعي إلى خراسان وطوس. فمنذ ذلك الحين، شعر هذا العظيم بالعبء الثقيل للوحدة وبُعد الأب.

ثم عندما كان عمره سبع أو ثماني سنوات - الآن في الروايات مذكور تسع سنوات، ولكن إذا حسبنا من عام 203، يكون عمره نحو سبع أو ثمانٍ- عندما كان عمره ثماني سنوات تقريباً، استشهد والده في طوس، فوقع العبء الثقيل للإمامة بكل معانيها على أكتاف هذا الشاب، وناضل سبع عشرة سنة.

خلال حياة هؤلاء الأئمة الثلاثة الأخيرين، أي الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (ع)، وعلى النحو الذي أشعر به من مجموعة الروايات بشأن حياتهم، انتشرت موجة الميل نحو أهل البيت وحكم آل علي (ع) في العالم الإسلامي أكثر حتى من زمن الإمام الصادق والإمام باقر (ع). هذا ما يراه الإنسان تماماً في الروايات.

على سبيل المثال، في الوقت نفسه الذي وصل فيه الإمام (الجواد) إلى الإمامة، يروي الراوي في المدينة المنورة أنهم ذهبوا لرؤية الإمام الجواد بن علي بن موسى الرضا (ع)، ويقول إنه رأى أناساً من أنحاء العالم الإسلامي كافة جاؤوا لرؤية محمد بن علي (ع)، لكي يروا ذلك الإمام (ع) ويزوروه. تفسير ذلك أن أفراداً قد جاؤوا من آفاق العالم الإسلامي كلّه. ويتبيّن أنه في آفاق العالم الإسلامي كانت هناك ذروة في هذه الشهرة والمقبولية والمعروفية، فكانوا يقومون ويقطعون مسافات طويلة بهذا الحافز، ويأتون ليروا إمامهم من قرب.

في وقت لاحق أيضاً، في 220 نفسه، وهو عام استشهاد ذلك الإمام (ع)، استدعى المعتصم العباسي، وهو شقيق المأمون وقد وصل بعد المأمون إلى السلطة، استدعى الإمام (ع) من المدينة المنورة إلى بغداد. في مطلع ذلك العام، في شهر محرم من ذلك العام، أحضر الإمامَ (ع) إلى بغداد، وفي نهاية ذلك العام، وقد كان 30 من ذو القعدة 220، استشهد الإمام (ع)، وقد تم تسميمه.

هناك عندما أحضروا - القصة الشهيرة لبتر اليد - لصّاً إلى المعتصم، وبينما كان جميع العلماء جالسين، والتفت المعتصم إليهم وقال لهؤلاء العلماء: إننا نريد بتر يد هذا اللص، فمن أين نبترها؟ قال أحدهم: لنبترها من الرسغ، وقال آخر: لنبترها من الكوع... كل واحد قال شيئاً، ثم التفتوا إلى الإمام (ع) والتفت الخليفة إلى الإمام الجواد (ع)، فقال: فلتقولوا من أين إلى أين لنبترها. في البداية، امتنع الإمام (ع) عن القول، وأخيراً قال ينبغي أن نبترها من الأصابع. كل واحد منهم أيضاً لديه دليل حین كان يدلي برأيه. وجاء الإمام (ع) بدليل من آية قرآنية وكان غالباً على أدلّتهم.

حدَثَ هذا هناك. هذه القصة ينقلها أحمد بن أبي داوود القاضي، وكان القاضي في زمن المعتصم. مقصودي هذه الجملة التي يقولها. يقول أحمد بن أبي داوود إنه بعد هذه الواقعة بحضور الخليفة قال كل واحد من العلماء شيئاً ولم يقبل المعتصم ما قالوه، ثم قال محمد بن علي (ع) هذا الكلام، فقبل فتواه والجميع تقبّلها وأُحرج العلماء الكبار، وعملوا على أساسها وقطعوا يد السارق. هذا الرجل يقول إننا كنا محرجين جداً ومنزعجين وضائعين.

[ويكمل:] في اليوم التالي، ذهبتُ إلى المعتصم، بعد يومين أو ثلاثة، أو في اليوم التالي، ذهبتُ إلى المعتصم وقلت: أيها الخليفة! لقد عملت عملاً غير مدروس. قال الخليفة: لماذا؟ قلت: لأن علماء البلاد الإسلامية كانوا مجتمعين عندك وأنت طلبت الفتوى منهم، فقال كل منهم قولاً، ولم تستمع لفتواهم، واستمعت لفتوى الشاب الذي يؤمن به جزء كبير من أمة الإسلام... هذا كلام ابن أبي داوود، وهو قاضٍ مطّلع وعالم وذكي. لقد قال الصدق [عن الإمام].

كان جزء كبير من العالم الإسلامي في ذلك الوقت يميل إلى الإمام الجواد (ع)، وهدف الإمام الجواد (ع) والأئمة من بعد الإمام الرضا (ع) إلى وليّ العصر (عج) - الأئمة الثلاثة - هو تمهيد الأرضية من أجل تشكّل عقيدة شيعية لا تنضب بإنشاء حكومة علوية وقرآنية، وذلك من أجل [خلق] كيان، وترويج طريقة تفكيرٍ بين هذا الكيان، وجعل هذا الكيان مُحكماً ومتماسكاً حتى لا يتفكك هذا الكيان مع غيبة إمام العصر (عج). وكان هذا شيئاً يخاف منه الخلفاء بشدة في ذلك الوقت.

طبعاً اعتقادي هو أن المأمون العباسي رغم أنه أعطى ابنته للإمام الجواد (ع)، ودعا الإمام صهراً له بكل ذلك الاحترام والتمجيد، كان عدواً لدوداً لهذه الأسرة ولشخص الإمام الجواد (ع). حقيقة أن هناك من يعتقد أن المأمون العباسي لم يكن معادياً لهم وأنه كان شيعياً - تكررت في بعض الكتب هذه المسألة الساذجة – هذا ليس صحيحاً.

المأمون العباسي أيضاً خبيث جداً، وكان أيضاً عدواً ومخالفاً، لكنه ظن أنه بعدما تخلّص من علي بن موسى الرضا (ع) وسمّم الإمام (ع) قد حان الوقت ليُنهي قصة آل علي (ع) تماماً. طفل في السابعة يجلبه تحت جناحه، ويعطف عليه، ويُنشئه وفقاً لتربيته، ثم يزوّجه ابنته. ويكون قد وضع جاسوساً عليه وصار مانعاً لعدد من أعماله السرّية، وأيضاً يكون قد جعله مديناً له بمحبّته! ولو أن المأمون بقي على قيد الحياة، كان ليقتل الإمام (ع) بنفسه، لكن الله - تعالى - لم يعطِ المأمون مهلة ولم يكن عمر الإمام أكثر من أربعة عشر أو خمسة عشر عاماً... لم يكن عمره أكثر من خمسة عشر أو ستة عشر عاماً عندما فارق المأمون الدنيا ومات. وارتكب المعتصم هذه الجريمة.

على أي حال، عام 220، شعر جهاز الخلافة العباسية أنه لم يعد قادراً على تحمّل وجود الإمام الجواد (ع). فتلك الحركة القوية والدؤوبة التي بدأها ذلك العظيم كانت تجعل جهاز الخلافة خائفاً جداً، فقرّر تسميم ذلك الإمام (ع). أما كيفية التسميم، فهناك روايات مختلفة إحداها هي رواية أم الفضل التي قد سمعتموها وهي مشهورة.