صباح السبت 7 أكتوبر دخلت قوات «كتائب القسام» الأراضي المحتلة براً وجواً (مظليين) ومن تحت الأرض، في عملية دقيقة ومنسقة عبر حدود غزة رغم الإجراءات الأمنية المادية والإلكترونية هناك. وفي أقل من نصف ساعة، أطلقت خمسة آلاف صاروخ وقذيفة[1] على الأراضي المحتلة، كما سيطروا على مستوطنات ومواقع عسكرية عدة. هي عملية غير مسبوقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية ستؤدي إلى إنجازات لا تنسى، فقد غيرت هذه العملية العظيمة والحاسمة مجرى التاريخ في فلسطين.

قال الإمام الخامنئي في المراسم المشتركة لتخريج ضبّاط جامعات القوّات المسلّحة للضباط: «في قضيّة «السابع من أكتوبر» وما بعد، تلقّى الكيان الصهيوني هزيمة لا يمكن ترميمها من الناحية العسكريّة والاستخباريّة أيضاً. تحدّث الجميع عن «الهزيمة» لكنّني أشدّد على «استحالة ترميمها». أودّ القول إنّ هذا الزلزال المدمّر استطاع تدمير بعض الأُسس الرئيسيّة لحكم الكيان الغاصب، وليس من السهل أن يعاد بناء تلك الأسس... أريد أن أقول إن الكيان الصهيوني لم يعد الكيان الصهيوني السابق بعد السبت «السابع من أكتوبر»، والضربة التي تلقّاها غير قابلة للتعويض بسهولة» (10/10/2023).

تعدّ «طوفان الأقصى» بعد عمليات الجيوش العربية لمصر وسوريا في 10/1973، التي رافقها الدخول إلى الأراضي المحتلة، أول عملية واسعة النطاق ضد الكيان الصهيوني بتوجّه هجومي نحو الأراضي المحتلة، وهي سمة تمايز أخرى مقارنة بسائر عمليات فصائل المقاومة الإسلامية، كما أنها خطوة كبيرة جداً إلى الأمام في مواجهة الكيان الصهيوني.

صور فرار الصهاينة بملابسهم الشخصية، ومقتل جنود الحدود، واغتنام الآليات من المواقع العسكرية الحدودية، كلها تظهر عمق مباغتة الصهاينة.

الهجمات المباغتة في «طوفان الأقصى» جعلت حكومة نتنياهو بل الكيان الصهيوني برمته أمام إخفاق استخباراتي وأمني لدرجة أنه في الأيام والساعات التي سبقت بدء الطوفان لم يكن هناك مؤشر لدى الجانب الصهيوني على وقوع مثل هذا الهجوم، فلم يكن هناك جهوزية لمواجهته.

 

سبب هجوم المقاومة

أما السبب في خطوة المقاومة هذه، فيمكن العثور عليه في البيان الصوتي غير المسبوق للقائد العسكري الفلسطيني المحبوب والشعبي محمد الضيف، حين قدّم رسالة جيدة موضحاً الأسباب لاتخاذ هذا الإجراء.[2]

الخط الأحمر المتمثل في انتهاك المسجد الأقصى (مثل معركة «سيف القدس» في شهر رمضان 2021)، والاعتداء على المرابطين والمرابطات، ورفض الكيان الصهيوني عملية تبادل الأسرى، يمكن عدّ هذه الأسباب الثلاثة من أهم الأسباب لبدء معركة المقاومة.

«طوفان الأقصى» نتيجة مباشرة لممارسات الصهاينة خلال العقود السبعة من الاحتلال. منذ ثلاثينيات القرن الماضي، كان الظلم والتدنيس والاحتلال وإجبار الشعب الفلسطيني على التهجير والاستيطان محله بقوة السلاح هي الأسباب الرئيسية لغضب الشعب الفلسطيني ونقمته، وهو الغضب الذي ضاقت به الصدور، وراح ينضح يوماً بعد يوم.

ما يمارسه الصهاينة من اضطهاد واحتلال لا يتعلّق بعام 1948 ولا بحرب 2014 الدامية بل هو ممارسة يومية وساعة بساعة. «النكبة المستمرة» هي أدق وصف لما جلبه الصهاينة على الشعب الفلسطيني منذ عقود. هذا الظلم المتواصل من الأسْر وبناء المستوطنات الذي لا نهاية له واستشهاد الأطفال والنساء... يجعل قلب كل إنسان حر يغلي.

«كان سلوك هذا الكيان على هذا النحو: لم يرحم النساء والرجال، ولم يرحم الأطفال والشيوخ الفلسطينيين، وهتك حرمة المسجد الأقصى وأفلت المستوطنين مثل الكلاب المسعورة ليتعرضوا للشعب الفلسطيني، وسحق المصلين ركلاً تحت الأرجل. حسناً ماذا يفعل أيّ شعب مقابل هذا الظلم والإجرام كله؟ ما رد الفعل الذي يُظهره شعبٌ غيور وعريق – الشعب الفلسطيني ليس شعب اليوم والأمس؛ إنه شعب متجذر لآلاف السنين – أمام هذا الظلم كله؟ من الواضح طبعاً أنه سيفجّر الطوفان. حين يجد فرصة سيفجّر الطوفان. أيّها المستبدّون الصهاينة، أنتم أنفسكم المقصّرون. أنتم أنفسكم المسبّبون لهذا الطوفان. أنتم أنزلتم هذا البلاء فوق رؤوسكم. لا سبيل أمام أيّ شعب غير ردّ الفعل الغيور والشجاع هذا مقابل مثل هذا العداء» (10/10/2023).

 

تبادل الأسرى

أكدت المقاومة الفلسطينية و«حماس» مراراً وتكراراً أن تحرير أسراها واجب أخلاقي وديني وإنساني ولن يقصّروا في إنجازه. إن العملية الدقيقة لـ«طوفان الأقصى» مع أسر عدد كبير من الصهاينة تظهر إرادة رجال المقاومة من أجل تحرير أكثر من خمسة آلاف أسير[3] في سجون الكيان الصهيوني. أعادت المقاومة الفلسطينية بتصميمها الدقيق وتفاني قوّاتها وتضحياتهم الأمل إلى المجتمع الفلسطيني في رؤية أبنائه من جديد.

 

المسجد الأقصى والمرابطون

بعيداً من حجم الهجمات وأسر الصهاينة ومقتلهم جراء دخول قوات المقاومة إلى الأراضي المحتلة، أظهرت رسالة القائد العام لـ«كتائب الشهيد عز الدين القسام» (الجناح العسكري لـ«حماس»)، محمد الضيف، أن الحركة والمقاومة لا تسعيان إلى عملية قصيرة بضع ساعات.

تسعى المقاومة الفلسطينية، كما في «سيف القدس» عام 2021، إلى خلق توازن وردع حقيقي من أجل حماية المسجد الأقصى. وكلام رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، يؤكد أن «هذه هي المعركة هي البداية لتحرير القدس وأرضنا وشعبنا، وتحرير أسرانا من سجون الاحتلال الصهيوني»، كما قال: «حذرناهم وحذرنا كل العالم من أننا لن نسكت عن الذي يجري في القدس والمسجد الأقصى حتى لو صمت الجميع».

 

غضب الحرية

رغم مرور أكثر من عشرة أيام على بداية «طوفان الأقصى»، لم يجد الصهاينة أي وسيلة للضرب وتعويض الهزيمة سوى القصف الخبيث للمنازل والمدارس والمستشفيات في غزة. يسلك الباطل من أجل تعويض الهزيمة المسار الباطل. أما الحق، فيختار المسار النقي لاستعادة حقوقه. وهذه هي طبيعة السنة الإلهية في نصرة جنود جبهة الحق.

لقد أثبت «طوفان الأقصى» أن فلسطين تصمد في مسار استعادة هويتها وتحقق النتائج. قال الإمام الخامنئي بعد ثلاثة أيام من «طوفان الأقصى»: «لم يعرفوا الشعب الفلسطيني. لقد استخفّوا بهذا الشعب، وهنا يكمن خطؤهم. إنّهم يخطؤون الحسابات هنا أيضاً. طبعاً، على العالم الإسلامي كلّه أن يدعم الفلسطينيّين وسيدعمهم، بإذن الله. لكنّ الفلسطينيّين أنفسهم هم من أنجزوا هذا الفعل. لقد استطاع المخطّطون الأذكياء والشبّان الشجعان والسّاعون المضحّون بأرواحهم تسطير هذه الملحمة، وستشكّل هذه الملحمة - إن شاء الله - خطوة كبيرة في خَلاص فلسطين، إن شاء الله» (10/10/2023).

 

 

 

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir